مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون
في العصر الحديث

الدكتور فلاح حسن عبد الحسين

خارطة مدينة البصرة عام 1765 كما رسمها نييور
النطاق الاداري والعسكري
النطاق السكني التجاري

   تعتبر كتب الرحلات من مصادرنا المهمة لدراسة تاريخ المشرق العربي والعراق خاصة في العصر الحديث ، لان اهميتها تكمن لا في عددها الضخم وانما في مادتها الغزيرة ومنهجيتها التي درست جوانب مختلفة وممتعة من تاريخنا وقد تفتقر اليها مصادرنا المحلية ، ولا نعرف بدقة عدد تلك الرحلات .
   وفي الوقت الذي ذكر فيه لونكريك ستة وتسعين رحلة اغلبها اوربية ، قدرها بعض الباحثين المحدثين بما يقرب من الثلاثمائة (1) ، وبالرغم من هذا العدد الضخم ، ما زالت معرفتنا بتلك الرحلات قليلة

**************************************************************
(1) لونكريك ، س . هـ . اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ترجمة جعفر خياط ( بغداد 1968 ) ، الملحق الاول ص 397 ـ 408 . اما كوركيس عواد قدرها بثلاثمائة رحلة راجع : المورد المجلد التاسع العدد الثالث ( 1980 ) ص 167 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون   ـ 2 ـ

جداً وان ظهرت بعض الدراسات التي اعتمدت عليها او ترجمت قسماً منها الى العربية (2) .
   مما لا شك فيه ان اهداف وغايات اولئك الرحالين متعددة ومتباينة لكنها كانت تعكس الاهتمام الاوربي المتزايد بالشرق منذ مطلع القرن السابع عشر عندما بدأت البوادر الاولى لصراعاتها من اجل السيطرة والتوسع فيما وراء البحار ، وقد بدأته اسبانيا والبرتغال وهولندا كقوى بحرية استطاعت الوصول الى هذه المناطق من العالم وبذلك وفّروا معلومات مهمة وقيمة لحكوماتهم وبلدانهم عن تلك المناطق والاصقاع التي زاروها ، وهم لم يخفوا تلك الاهداف فقد ذكروها اما في مقدمة او ثنايا تلك الرحلات ، ذكرت كاريه عند مرورها بالبصرة عام 1963 مثلاً ( ان هدف رحلتي للهند لا يخلو من مهام استطلاعية لحساب شركة الهند الشرقية الفرنسية ، لا لمراقبة حركة الهولنديين والانكليز ، وإنما لملاحظة اعمال شركة الهند الفرنسية نفسها

**************************************************************
(2) من الترجمات التي ظهرت بالعربية مثلاً ما قام به الدكتور محمود الامين عندما ترجم الجزء الخاص ببغداد والموصل من رحلة كاسترن نييور باسم ( رحلة نييور الى العراق في القرن الثامن عشر ) ، ( بغداد ، 1965 ) ، كما ترجم سعاد هادي العمري الجزء المتعلق بجنوب العراق من تلك الرحلة بإسم ( مشاهدات نيبور في رحلته من البصرة الى الحلة عام 1765 ) ، ( بغداد 1955 ) ، اما بشير فرانسيس وكوركيس عواد فقد ترجما الجزء المتعلق بالعراق من رحلة تافرنيه باسم ( العراق في القرن التاسع عشر ) ( بغداد 1944 ) ، وكذلك ترجم الاب الدكتور بطرس حداد القسم الخاص بالعراق ايضاً من رحلات فنشنسو وسبستياني للعراق عام 1656 وكذلك رحلة ثايلر عام 1789 ـ 1790 ، راجع المورد المجلد الخامس ، العدد الثالث ( 1976 ) ، ص 71 ـ 89 والمجلد التاسع ، العدد الثالث ( 1980 ) ص 167 ـ 212 ، والمجلد الحادي عشر العدد الاول ( 1982 ) ص 25 ـ 41 .
اما الاستاذ سليم طه التكريتي فقد قام بترجمة رحلة تكنغاهم بعنوان رحلتي الى العراق عام 1816 وبجزئين ( بغداد 1967 و 1972 ) ، ورحلة راؤلف بعنوان ( رحلة ) المشرق الى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ( بغداد 1978 ) ، وترجم الاستاذ فؤاد جميل رحلة السير وليس برج بعنوان ( رحلات الى العراق ( بغداد 1966 ) في حين ترجم علي البصري رحلة مدام دي لافوا بعنوان ) رحلة مدام دي لافوا الى كلدة العراق عام 1881 ، ( بغداد 1958 ) . . . الخ.
اما عن بعض البحوث التي درست مواضيع محدودة من خلال تلك الرحلات راجع مثلاً :
نورس ، د . علاء موسى بغداد في رحلات الاجانب في العهد العثماني ، المورد المجلد الخامس العدد الثالث ( 1976 ) ص 13 ـ 27 .
الراوي ، سلمان وفيق ، بغداد في رحلات الاجانب ، المورد المجلد الثالث العدد الرابع ( 1979 ) ص 150 ـ 157 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون   ـ 3 ـ

هناك . . . ) ولذلك جاءت رحلتها مليئة بالملاحظات والانطباعات عن الهند والصراع الانكليزي ـ الهولندي والصراع الفرنسي ـ الهولندي في مياه الهند الشرقية (3) .
   اما السير وليس بدج فقد كتب بصراحة عند وصوله الى البصرة عام 1886 مايلي :
( وبعد ان رحب بي القنصل البريطاني في البصرة السير روبرتسن وبحث الهدف المقصود من زيارتي لهذه البلاد بلهاب وزودني بمقترحات مفيدة حيث اعلمني ان هناك تجارة عظيمة نجحت في صنف العاديات وان بيوتاً عدة في البصرة وبغداد تعمل على تصديرها بصورة منظمة الى وكالاتها في لندن وتقوم سفن الحكومة التركية بنقلها من بغداد الى البصرة )(4) .
   ليس من الصعب قراءة العديد من تلك الاهداف في الرحالات الاوربية عامة التي تمثل في بعض وجوهها النمو المتزايد من الاهتمام بهذه المنطقة ، في حين تمثل بعض اهداف الرحلات الاخرى مقاومة ذلك الاهتمام ، فبعد تزايد الاهتمام البريطاني في العراق مثلاً ، نلاحظ فرنسا ارسلت فونتانية في منتصف القرن التاسع عشر الى العراق والبصرة وذلك لدراسة المصالح البريطانية هناك والسبل الكفيلة لعرقلتها ، فكانت الحصيلة ان كتب فونتانية لنا كتابه الشهير بثلاثة اجزاء عن تاريخ المنطقة(5) ، وكذلك الحال مع القنصل الروسي في البصرة آداموف وهكذا ، فأن صراع

**************************************************************
(3) carre a . a the travels of abbe carre india and the near east from 1927 to 1674 ( chavls fawcett , ed ) ( london 1974 ) vol : 8 ـ 13 .
(4) يدج رحلات الى العراق ص 15 .
(5) fontainer , v , voyage dons L inde et dons Le Golf por egypt et le mev rouge ,3 tomes ( pars, 1844 ـ 46 )
حيث كتب عن البصرة وحدها خمسة فصول ( الثامن ـ الثالث عشر ) في الجزء الاول ص 165 ـ 285 ، وهناك نقاشات مستفيضة تناقش جهوده في العراق والبصرة لعرقلة المصالح البريطانية في العراق . راجع كتاب د . عبد العزيز نوار تاريخ العراق الحديث ص 296 ـ 518 ، وكذلك اطروحة د . صادق ياسين الحلو الموسومة :
L eurpe et les porblmsmes Golfe arbe de 1789 a 1857 2 tomes , ( unpublished ph . d thesis ) university of perence , 1988 , tome 2 psal ـ 98 .
(5) آداموف ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها الجزء الاول ( البصرة 1982 ) ولازال الجزء الثاني تحت الطبع .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون   ـ 4 ـ

الاهداف هو الذي شكل الاعتقاد السائد من ان هدف تلك الرحلات الرئيسي هو ( التجسس وجمع المعلومات ) فقط لحكومات اولئك الرحالة ، وهو شيء لا يمكن نكرانه ولكنه فيه اهمال للدوافع الفردية والذاتية لكثير من تلك الرحلات .
   ومهما تكن غايات تلك الرحلات واهدافها ، فقد احتلت البصرة مكانة بارزة منها وذلك بسبب اهميتها التجارية في العصر الحديث ، وشهرتها التاريخية المعروفة وموقعها الاستراتيجي المهم ، فتلك الرحلات لا تتحدث كثيراً عن تاريخ انتقال البصرة من موقعها القديم ( قرب الزبير الحالية ) الى موقعها الحديث الحالي ( البصرة القديمة الحالية ) وهو ما يزال مثار جدال ونقاش عدا تكسيرا الذي ذكر ان موقعها الاخير ما هو الا الموقع الثالث الذي انتقلت اليه المدينة ولكن دون ان يشير الى موقعيها السابقين(6) .
   لم تترك كتب الرحلات تلك جانباً من تاريخ البصرة الا وتناولته بالشرح والتحليل ولذلك يصعب على الباحث ذكر تلك الجوانب بالتفصيل خاصة خلال القرون الاخيرة من العصر الحديث عندما بلغ تنافس القوى الاوربية والاقليمية ذروتها من اجل السيطرة والتوسع ، ففي الوقت الذي تتحدث كتب الرحلات عن المحاولات الفارسية للتقدم نحو البصرة بهدف احتلالها ، فانها تتحدث عن نشاط الوكالات الاجنبية فيها وفي ما جاورها من ولايات ومقاطعات ، وفصلت في اهمال الولاة والباشوات العثمانيين لاحوال المدينة واسهبت في دراسة التركيب الاجتماعي للمدينة وعدد سكانها ، وشرحت بالتفصيل تجارة المدينة واتجاهاتها ، وكذلك عن طبيعة المناخ وتقلباته . . . الخ .
   ولكن تلك الرحلات لم تذكر معلومات كافية عن الاحوال العامة للمدينة في القرن السادس عشر ، لان اولئك الرحالة الذين زاروا المدينة آنذاك كانوا اما من التجار او من حملة البريد الذين لا يهتمون بمثل تلك الاحوال او لم يستقروا في المدينة مدة طويلة ، ففي عام 1563 لم يذكر قيصر فردريك سوى بعض المقاطع عن الاحوال السياسية للمدينة حيث ذكر ( انها كانت تحكم من قبل عرب الجزائر

**************************************************************
(6) teixeira , p travels of pecdro teixeira , ( trans ) by w . f sinclar and ( ed ) by d . ferguson hakl . soe . (L avdon . 1902 ) p , 17 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون   ـ 5 ـ

zizarri ( وهي القبائل العربية التي تسكن الاهوار المجاورة ) ولكنها الآن تحكم من قبل الاتراك(7) وهو لا يختلف بذلك عما ذكره الرحالة الانكليزي فيج في عام 1583 الذي ذكر ) ان البصرة تحكم من قبل الاتراك ولكنها الآن تحت حكم العرب الجزائريين وهم عرب متنقلون ، وفي ذلك اشارة واضحة الى ثورات العشائر العربية المتكررة بقيادة علي بن عليان في 1549 و 1566 ـ 1567 وما بعد ذلك ، وبالرغم من الحملات التأديبية العثمانية ضد تلك الثورات فأن السلطات المحلية او المركزية في بغداد لم تستطع القضاء على مثل تلك الثورات لان ( تلك العشائر كانت تتمتع بمواقع حصينة في الاهوار وغير مستقرة في مكان واحد مع عوائلها ) . . . كما ذكر الرحالة الانكليزي جون آيلدرد في 1583(8) .
   ولكن الرحالة البرتغالي غود فهو ذكر في عام 1663 ان شيوخ العشائر الذين حكموا البصرة في القرن السادس عشر كانوا يلقبون انفسهم بملوك البصرة reis de bacora واشهرهم محمد اشنان mahamed asene عام 1547 وبعد سيطرة الاتراك على المدينة اصبح الوالي او الباشا يعين من استانبول مباشرة(9)
   ان السيطرة العثمانية بقيت ضعيفة على العشائر العربية حتى في فترة حكم آل افرسياب خلال النصف الاول من القرن السابع عشر سواء على اولئك الشيوخ في الاهوار المجاورة او في المناطق الصحراوية القريبة من البصرة ، لقد ذكر تكسيرا عام 1604 انه بعد مقابلته لباشا البصرة ، ذهب ايضاً لمقابلة شيخ راشد في منطقة جيوبيدة(10) ولكنه لم يذكر اكان ذلك الشيخ مستقلاً عن باشوية البصرة ام لا ولكن يبدو من انفراد الشيخ بجباية الضرائب في جيوبيدة من القوافل المارة هناك انه كان مستقلاً فعلاً في شؤونه العامة عن البصرة وهذا نفس الانطباع الذي تركه لنا دي

**************************************************************
(7) fredevick , hte voyages of cear frderck into the east india 1563 ( trans ) from italin by m , t , hicko richard hak , vol , 3 , ( london _ 1926 ) p . 20 .
(8) beazley c , R voyages and travels mainly during ( ed ) the 16 th and mth centuriles vo . i . ( london , 1903 ) p . 311 .
(9) godinho manuel , relaceo do novo caminho de gne fezpor terae mar vindo do india para por tugal no anno de 1663 . 2 ed edition , ( lisboa , 1824 ) . p 123
(10) teixiera , oa cit . p . 17 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون   ـ 6 ـ

لافال عندما زار شيخ عبد الله عام 1624 الذي كان على علاقات جيدة مع باشا البصرة ومع زعيم البرتغاليين فيها . .(11) .
   وتعتبر رحلة دي لافال من المصادر الهامة لتاريخ البصرة خلال حكم آل افراسياب لقد ذكر ان قبولها وتحملها من قبل الباب العالي لانها استطاعت ان تنشيء حكومة مستقرة في البصرة واخضاعها لقوى المعارضة المتمثلة في القبائل العربية المجاورة والتي فشل الولاة العثمانيون السابقون في تحقيقها وذلك ارسل الباب العالي اليهم ( وشاح الشرف ) والرسل لتأكيد ولايتهم(12) .
   وينفرد دي لافال بشرح تفاصيل حملة قلي خان عام 1624 ومحاولته الوصول الى البصرة حيث استطاع علي باشا تهيئة كل ما يستطيع عمله لمقاومة القوات الفارسية فقد ارسل الى اهل المدينة يدعوهم لارسال شخص واحد عن كل بيت بكامل سلاحه ، واستاجر خمس سفن حربية برتغالية لاستخدامها للدفاع عن المدينة ( وقام احد اعيان البصرة المدعو الشيخ عبد السلام بحشد قوة من المتطوعين من اهل المدينة والتحق بالباشا في القرنة لمواجهة القوات الغازية ) ، ولكن في 23 آذار 1624 ، اي بعد عشرة ايام من وصول الباشا وقواته الى القرنة ، رجع قلي خان الى بلاد فارس بصورة مفاجئة تاركاً وراءه كميات هائلة من المؤن والذخيرة ، ويعلل دي لافال ذلك الانسحاب ) بانه ربما لمواجهة الاتراك في هرمز او القيام بحملة ضد المغول في قندهار . . . ومهما يكن السبب وراء ذلك الانسحاب فقد انقذت البصرة من ذلك الهجوم ورجع قوات الباشا والمتطوعين الى البصرة وسط ترحاب اهلها(13) .
   واغلب الظن ان تافرنيه كان يقصد هذه الحملة عندما كتب ( عندما استولى الشاه عباس الكبير على مدينة هرمز ارسل جيشاً قوياً بقيادة امام قلي خان

**************************************************************
(11) della valle . the travels of pletro della valle pierro . into east india and the aratan desert ( London , 1665 ) p .245 .
(12) ibid p. 256 .
(13) ibid p. 247 ـ 252 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون   ـ 7 ـ

حاكم شيراز للاستيلاء على البصرة ، ولما وجد الامير نفسه اضعف من ان يقاوم هذه القوة الكبيرة اتفق مع عرب البادية ( القبائل العربية المجاورة ) على كسر السد الذي يحجز ماء البحر الذي غطى مسافة خمسة عشر فرسخاً الى البصرة واربعة فراسخ بعدها فاضطر الفرس الى التراجع وخاصة بعد ان بلغهم وفاة الشاه عباس )(14) .
   ولكن لا يذكر الرحالون معلومات عن الحملة الثانية لقي خان على البصرة في 1629 وكيفية انسحابه ايضاً دون ان يحقق اي تقدم نحو المدينة بعد حصارها حيث استفادت قوات علي باشا افراسياب من متابعة القوات الفارسية المنسحبة والحصول على غنائم هائلة ، بل وقف الباشا الى جانب شيخ منصور شيخ بعض القبائل العربية في اهوار الحويزة ضد قلي خان حاكم شيراز الذي قاد حملة ضد الشيخ الذي لجأ الى البصرة مع خمسمائة من اتباعه ، فقد ساعده علي باشا بقوة عسكرية وذهبت معه ثلاث من السفن البحرية البرتغالية التي كان قد استأجرها الباشا لمواجهة القوات الفارسية الغازية(15) .
   ولا يشرح دي لافال كيفية استئجار تلك السفن من قبل الباشا ولا عن فترة بقائها في البصرة انما اوضح ( ان الباشا كان يدفع جيداً الى السفن البرتغالية الخمس ، رأيت اثنتين منهن راسيتين في مرسى السفن DIKE في حين ذهبت الثلاث الباقية مع حملة الباشا الى القرنة لمواجهة القوات الفارسية ) . . . وكانت تلك السفن تحت قيادة القائد البرتغالي consalvo da silveira الذي وصفه دي لافال بأسم ( القائد العام للقوة البرتغالية في البصرة ) (16) .
   ولا يستطيع الباحث تكوين صورة واضحة عن القوة العسكرية لمدينة البصرة في الفترات المبكرة من تاريخها الحديث لان الرحالين لم يتطرقوا الى هذا الجانب الا ماندر فقد قدر الرحالة الانكليزي جون آيلدر قوة الانكشارية في المدينة عام 1583 ( بخمسة الاف شخص و 25 ـ 30 سفينة مع عدتها )(17) في حين قدر تكسيرا حامية البصرة عام 1604 ( بثلاثة الاف جندي من المشاة والخيالة وهم من

**************************************************************
(14) ثافرنيه ، العراق في القرن السابع عشر ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد ( بغداد 1944 ) ، ص 97 .
(15) DELLA XALLE OP . CIT . P . 253
(16) IBID P . 252
(17) BEA2LEY . OP . CIT . P . 109

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون   ـ 8 ـ

العرب والاتراك والاكراد ) ، وكان في تلك الحامية ( عدد من المدافع الجيدة )(18)
   ويبدو ان قوة المشاة قد تضاعفت في البصرة عند منتصف القرن السابع عشر ولكن بقيت القوة البحرية على حالها ، فقد ذكر عودنهو عام 1663 ان تلك القوة تتألف من عشرة آلاف فارس واربعون الفاً من المشاة في حين لم تكن القوة البحرية موجودة ولكن بامكان الحاكم ان يجهز مائة سفينة صغيرة TERRADAS وثلاث او اربع سفن متوسطة الحجم GALES عند الحاجة(19) وهذا نفس الانطباع الذي تركه لنا نيبور عام 1765 عندما كتب ( ان القابودان باشا لديه الآن ما يتراوح من خمسين الى ستين تكنه ( وهي سفن حربية صغيرة مسطحة القعر ) والتي كانت مهمتها مقاومة القرصنة ليس في نهري دجلة والفرات وانما في الخليج العربي ) ولكن ( هذه السفن الان لا تصلح للاستعمال كثيراً لانها غير قوية الصنع ومطلية بالقير . . . ولذلك فهي ليست فعالة في الخليج العربي(20) .
   اما بكنغهام فأكد ما اورده نيبور عندما كتب عام 1816 ان القوة البحرية لمدينة البصرة لم تكن قوية في اي وقت من الاوقات ، وفي الوقت الذي كانت تتألف من عشرين سفينة جيدة التسليح في عهد سليمان باشا ( 1780 ـ 1802 ) وتقوم باعمال الملاحة في الخليج العربي . . . الآن تقلصت الى خمس او ست سفن قديمة لا توجد فيها واحدة صالحة للاستعمال(21) . . . ويبدو ان القوة البرية تضاءلت ايضاً في مطلع القرن التاسع عشر عندما ذكر الرحالة هيود ( ان حاكم البصرة يملك في عام 1817 فقط الف جندي لحمايـة النظام ضمـن اسوار المدينـة ) (22) .
   ان تدهور القوة العسكرية والبحرية لمدينة البصرة ما هو الاّ وجه واحد من اهمال حكمها وباشواتها لشؤونها العامة خاصة خلال الفترة ما بعد نهاية حكم آل

**************************************************************
(18) twixiera , op cit . p .16
(19) godinho op . cit . p 122 ـ 3
(20) نيبور ، المصدر السابق ص 12 ـ 13
(21) بكنغهام ، المصدر السابق الجزء الثاني ص 285
(22) heude , w , voyage up the Gulf and a jouerny o uev land from india to england in 1817 , ( london . 1819 ) p . 48 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون   ـ 9 ـ

افراسياب وخضوع المدينة للحكم العثماني المباشر ، فالرحالون يتحدثون عن موقف اولئك الباشوات من المجتمع التجاري في المدينة التي طالما تميزت بقسوتها ، يذكر نيبرو مثلاً ان علي باشا كان مديناً الى احد التجار الاثرياء المسمى الحاج يوسف مبلغ 200 الف قرش وفي احدى زيارات ذلك التاجر التعس الى الباشا امر الاخير الى المنتفكي باشا ( وهو الآمر الاعلى لاحد الوية المتسلم ) بخنق الحاج يوسف ورمي جثته في القمامة بالرغم من مكانته المرموقة وصودرت ثروته الضخمة فيما بعد ، وكذلك ذلك التاجر الارمني الذي انشأ جسراً جميلاً من الاحجار بالقرب من المدينة واصلح الطريق العام حتى مقبرة قومه حيث عاقبه الباشا بغرامه لانه لم يحصل على اذن للقيـام بتلـك الاعمـال(23) .
   اما تيفنو فيذكر حملة مرتضى باشا على البصرة واعلان نفسه باشا على البصرة ومن ثم دعوته الى خمسة عشر وجيهاً ثرياً من المدينة ثم اقتيادهم الى خارج السور حيث غدر بهم ولذلك عزلته السلطات العثمانية لقسوته وغلظته (24) .
   ولذلك فان القوة الحقيقة في البصرة لا تكمن في القوة العسكرية النظامية فقط وانما تكمن في القوة الشعبية في المدينة والتي تتألف من الاعيان واتباعهم ومن شيوخ العشائر المجاورة ومن المتطوعين من ابناء المدينة عند خطر الحرب ، يذكر الرحالة الانكليزي هيود في 1817 ( ان اغلبية سكان البصرة من العرب وهم من الملاكين والاكثر نفوذاً ويملكون ثمانية الى عشرة الاف مسلح تحت امرتهم يطلبونهم عند الحرب(25) ، اما فونتانيه فقد اكد ذلك في 1844 عندما كتب ) ان سلطات وتسليم البصرة محدودة وان السلطة الحقيقة هي بيد زعيم العرب المدعو ثاقب آوغلو tajib oglau الذي يسمى محمد بن ثاقب ويحمل لقب شيخ الزبير ايضاً )(26) .
   اما الاعيان الذين سماهم ليبور ajal ei bellad هم من وجوه المدينة وكان اعظمهم منزلة هو الشيخ درويش من احفاد العالم الشهير الكواز الذي قام

**************************************************************
(23) نيبور المصدر السابق ص 19 ـ 20 .
(24) thevenot the travels of monsieure thevenor into the levant ( london , 1687 ) . p 558
(25) heude , w , op . cit p . 47 .
(26) fontainer v , op , cit p , 218 ـ 19

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 10 ـ

اضافة الى خدماتهم الجليلة لتشييد جامع فخم حافظ عليه احفاده الاغنياء ، ومنهم ايضاً نقيب الاشراف او رئيس كافة اولئك الذين يدعون الانحدار من نسل الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكذلك تاجر اسمه سيد درويش بن سيد طالب الذي كان اجداده يرافقون القوافل التجارية الذاهبة الى حلب ، ولم يزل هو يتولى غالباً منصب كرفان باشي ( شيخ القافلة ) ، وذلك لصلة الصداقة القوية التي تربطه بشيوخ المناطق التي تمر بها القوافل(27) .
   وتبرز مكانة القوة الشعبية في البصرة بصورة واضحة عند حصار كريم خان للمدينة عام 1775 ، فقد كان سليمان باشا يستدعي وجهاء المدينة للتشاور معهم كما يذكر الرحالة الانكليزي بارسنز الذي كان شاهد عيان للدور الكبير الذي قام به اهل المدينة وشيوخ القبائل العربية المجاورة لمقاومة القوة المحاصرة ، فالشيخ عبد الله ، حاول اعتراض القوة الفارسية في اهوار الحويزة ، والشيخ طعمة ( وهو شيخ العرب الى الشرق من شط العرب ) ارسل الى متسلّم البصرة يخبره انه ( في حالة تقدم الجيش الفارسي نحو البصرة فانه سيقوم بفتح الانهر القريبة لاغراقه ومنعه من الوصول الى المدينة ) بل ووصل الشيخ طعمة مع ثلاثمائة من رجاله الى المدينة في 2 نيسان 1775 لتقوية عزيمة صديقة الشيخ درويش ( شيخ المدينة ) ، اما سكان المدينة البالغ عددهم 80 ـ 90 الف نسمة ، كان 50 الف منهم من الرجال والشباب بحمل السلاح حيث كان ( الجميع يأكل ويشرب والسلاح بجانبه ) كما يشير بارسنز(28) .
   اما الرحالة كيير فقد يذكر كيفية مواجهة عشائر المنتفك بقيادة الشيخ ثامر عام 1778 للقوات الفارسية حيث تقم نحو البصرة بخمسة عشر الف جندي ، حاصر السور بالفين منهم وترك الباقي مختفين في الانهار الصغيرة والاحراش المجاورة وعندما تقدمت القوة الفارسية استطاع الشيخ سحبها وحصرها ما بين نهر

**************************************************************
(27) نييور المصدر السابق ص 15 .
(28) patsones , a travels in asia and africa ancluding a Jouerny from scandern to a lppo and over the desert to baghdad and bussora , ( london , 1808 ) .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 11 ـ

الفرات وبعض الاهوار المجاورة حيث ظهرت لهم قواته التي استطاعت القضاء على القوة الفارسية بعد معركة خاطفة خدمت فيها الطبيعة الشيخ وجنوده(29) .
   مما تقدم يبدو ان سور البصرة كان يمثل خط الدفاع المباشر للمدينة ضد الهجمات الخارجية ، وبالرغم من هذه الاهمية مازلنا لا نعرف بدقة سنة انشائه ، فهل بنى مع انتقال المدينة الى موقفها الاخير ام بعد ذلك ، ان اول اشارة له جاءتنا من الرحالة الانكليزي جون يلدرد الذي زار المدينة عام 1583 عندما ذكر ( ان بنايات البصرة وقلعتها واسوارها مبنية من اللبن المجفف في الشمس(30) ، اما تكسيرا فكان اكثر تفصيلاً عندما كتب في 1604 بان البصرة ( محاطة باسوار يبلغ ارتفاعها ثلاث ياردات وتقع قلعتها المربعة الصغيرة على الضفة عند التقاء ( قناة العشار الحالية ) بالنهر ، وان بعض اجزائها مهدمة لحدوث انفجار هائل فيها قبل وصولي الى المدينة بثمانية او عشرة ايام وذلك لاستخدامها كمخزن للعتاد حيث كان 500 كيس من البارود مخزوناً فيها واطلق عليها تكسيرا تسمية قلعة الترك forr of turks ، ويبدو ان تكسيرا لم يكن دقيقاً عندما ذكر ( ان سكان المدينة البالغ عشرة الاف بيت كانوا يسكنون تلك القلعة مع دار الحكومة فيها، وربما يقصد في ذلك انهم كانوا يسكنون داخل السور وليس القلعة (31) .
   وعلى العكس مما ذكره تكسيرا ، فان دي لافال الذي زار المدينة عام 1624 لا يشير الى وجود اسوار walls للمدينة وانما يذكر استحكامات ترابية earthern rampart اقامها السكان بسبب حروب المدينة مع بلاد فارس ( ولكن لا يذكر طولها الذي لابد ان يكون كبيراً ( لانها مدينة كبيرة ومأهولة بالسكان وان كانت بيوتها غير منتظمة . . . وتضم ساحة كبيرة معروضة فيها بعض القطع المدفعية ، من ضمنها بعض الاسلحة البرتغالية التي استولى عليها عرب البصرة من مسقط عندما كانوا يجوبون البحار بسفنهم(32) .

**************************************************************
(29) capper . j . observatrons hte passage to india through eygpt , by vienna , through con stantinople to alppo and from thence by baghdad and directly across the Grat desert to bassora , ( london , 1785 ) . p 225 .
(30) beazley c. r . op . cit . vol : 6 , p . 6 ـ 7 .
(31) teixiera p . op . cit . p .15 .
(32) de iiavalle . op . cit p . 257 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون   ـ 12 ـ

   ويؤكد تافرنيه ما ذكره دي لافال حيث يشير في عام 1686 الى كون ( البصرة كبيرة وتقع داخل اسوار ترابية ) ، walls of earth يبلغ طولها ست ساعات مشياً على الاقدام ويحتوي ذلك السور على ثلاثة ابواب وهي : البوابة الشرقية ، والبوابة الغربية ، وبوابة بغداد وهنالك مساحات كبيرة من الارض ما بين تلك الاسوار والنطاق السكني للمدينة لا توجد فيها الحدائق ولا اشجار النخيل ، ويخرج الـــحجاج الى مكة من بوابتــــــها الشرقية عند مقام علي
djiam ـ hali (33) .

   ويبدو مما تقدم ان سور البصرة بقي عبارة عن سداد ترابية عالية لفترة غير قصيرة من القرن السابع عشر حتى ادرك حكام المدينة وباشواتها عدم كفاءة تلك الاسوار وضعف تحصيناتها آنذاك حيث ذكر الاب الكرملي الايطالي فنشتسو الذي زار المدينة عام 1656 من ان حاكم المدينة ( طلب اكثر من مرة وضع مخطط جديد لها وتحصينها جيداً على المثال ما تم في مالطة . . . بل واراد تحصين القرنة ( الخط الدفاعي الاول عن البصرة ) كي يعيش بها في بأمن وسلام ، وباشر فعلاً ببناء مخططين للمدينة بالقرب من النهر ، ثم توقف عن البناء وبالامكان مشاهدة ذلك ، حيث قيل ان سبب توقفه هو قلة الجص الذي يجلب من اطراف الخليج وافتقار البصرة الى الحطب اللازم الذي يشغل لفخر اللبن )(34) ويؤيد ذلك تيفنو وفيليب اللذان زارا البصرة في 1652 و 1686 ولكنهما يريان ان ( الباشا تخلى عن رغبته في بناء مدينة جديدة بالقرب من القلعة الواقعة على ضفة شط العرب عند التقائه بقناة (العشار ) خوفاً من مهاجمة الانكليز والهولنديين ولأتفه الاسباب ) .

خارطة مدينة البصرة عام 1765 كما رسمها نييور
   لا ينكر ان انشاء مدينة جديدة على الضفة اليمنى من شط العرب ربما تكون اكثر ملاءمة لتجارة البصرة وسكانها على السواء وذلك بايجاد ميناء يطل مباشرة على النهر يكون قادراً على استعياب السفن الكبيرة لعمق المياه وان استخدامات المياه

**************************************************************
(33) ثافرانيه ، المصدر السابق ، ص 94 ـ 96 .
(34) فنشنسو ، المصدر السابق ص 58 .
(35) philipe , r . p . voyage d orient. ( lyon , 1652 ) p . 79 thevenot . p . of cit . p . 158 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 14 ـ

لأغراض الشرب افضل مما عليه في قناة العشار التي اصابها التلوث نتيجة استخدامات السكان اليومية لها ولكن الاسباب التي اوردها اولئك الرحالة تبدو غير كافية لتفسير توقف حسين باشا افراسياب عن بنائه لمدينته الجديدة ، ربما عدم استقرار الاوضاع السياسية في المدينة وعدم توفر الموارد المالية الكافية من الاسباب الواضحة وراء ذلك ، وخاصة اذا ادركنا ان مثل تلك المشاريع تحتاج الى فترة زمنية طويلة قد لا تتوفر لحاكم واحد ، وان واردات باشوية البصرة آنذاك لا يتجاوز 800 الف قرش سنوياً )(36) .
   وعلى اية حال يبدو ان سور البصرة والتركيب الداخلي للمدينة اتخذ شكله النهائي في القرن الثامن عشر ، فبالرغم مما ذكره الرحالان الانكليزيان بلاستيد وكار مايكل اللذان زارا المدينة في 1750 و 1751 على التوالي ووصفوها بانها مدينة كبيرة لكن بناءها غير منتظم وبيوتها تتألف من طابقين ومبنية من اللبن المجفف في الشمس ، وليس فيها بنايات مميزة عدا مساجدها التي هي في حالة رديئة ايضاَ كما هو الحال بالنسبة لسورها الذي لا يمكن اصلاحه الا بصعوبة )(37) لكن الرحالة الدنماركي كارستن نيبور اول رحالة ترك لنا وصفاً دقيقاً للبصرة التي زارها عام 1765 حيث قال ان اسوارها ما زالت مبنية من الطابوق ( اللبن ) المجفف في الشمس ، الذي صب بشكل خاص وتحتوي على خمسة ابواب وليس ثلاثة كما ذكرها تافرنيه في 1686 ، وهي : باب الرباط وباب الزبير ، وباب بغداد ، وباب مجموعة ، وباب السراجي(38) وهي نفس البوابات التي ذكرها بكنغهام عام 1886 فيما بعد والتي بقيت حتى مطلع هذا القرن (39) .
   ولكن ما اغفله نيبور في سور البصرة هو اجزاؤه ولا سيما ذات الطبيعة

**************************************************************
(36) هذا المبلغ اورده تيفنو عند تقديره لواردات باشوية البصرة السنوية خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر .
thevenot . op . cit . p . 59 and 162 .
(37) carr uthers , d the desert to india . ( ed ) . hakl . soc . 2ed series , vol : 63 , ( london , 1929 ) . p . 59 and p . 177 .
(38) نييور ، المصدر السابق ، ص 807 .
(39) بكنغهام ، المصدر السابق ، ص 260 ـ 263 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 15 ـ

العسكرية ، التي جاءتنا من الرحالة الانكليزي بارسنز الذي مكث في المدينة فترة غير قصيرة اثناء حملة كريم خان عام 1775 ووصف اساسات السور بأنها ( قوية ومتينة ومبنية من الطابوق المجفف الذي يصل ارتفاعه في السور حتى مستوى سطح الماء المجاور في الخندق )(40) .
   وان الخندق المحيط بالسور مكون من قناتي الخورة والخندق الحاليتين حيث يسير بمحاذاتها ابتداء من التقائهما بشط العرب وحتى اطرافهما عند بوابة الزبير ، ولذلك اتخذ السور شكلاً مستطيلاً تقريباً ويبلغ محيطه ما يقارب من ثمانية اميال ومن هذا يبدو ان سور البصرة لا يتميز عن اسوار المدن العراقية الاخرى آنذاك في شكل محيطه ، وانما في كونه محصناً بخندق مائي كبير يحيط به في اجزائه الشمالية والشرقية والجنوبية ولا يرتبط باليابس إلاّ في طرفه الغربي عند التقائه بالصحراء بإتجاه هضبة الزبير ، ولذلك سيلعب هذا دوراً بارزاً في افشال الهجمات الخارجية على المدينة ولا سيما هجوم كريم خان عليها آنذاك(41) .
   يبلغ سمك السور 20 ـ 25 قدماً ويوجد في أعلاه ثمانية مشارف ( مزاغل) bastions ، وفي كل شرفة ثماني مدافع وثمانية بنادق ، ومقابل كل مزغل في اسفل السور عدد من المدافع المحمولة بالعربات الصغيرة ، لكن تلك الاسلحلة قديمة وغير صالحة للاستعمال ، ويؤيد بكنغهام بارسنز بان تلك المزاغل تستدير باستدارة السور وترى فيها مصادفة محلات للمدافع وان لم تكن مرتفعة كثيراً ، وان بعض اجزاء السور محصنة بابراج مستديرة ومتوجة بشرفات ، ولكن حالة تلك الاسوار مزرية بسبب عدم اجراء التعليمات التي تحتاجها في حينه وتبدو اشبه بالاسوار لمدينة مهجورة اكثر منها باسوار تحيط بمدينة مأهولة(42) ، ولعل عدد المزاغل التي ذكرها بارسنز اقرب الى الدقة من العدد ( 99 مزغلاً ) وهو الذي اورده بلاستيد عام 1750(43)

**************************************************************
(40) parsons , a , op . cir . p . 155 and passim .

(41) انظر بعض خرائط الاسوار التي رسمها نييور مثلاً لبعض المدن العراقية كبغداد والموصل والنجف حيث تبدو اسوارها على شكل دائري او شبه دائري .
(42) parsons a . op . 162 ـ 64 .
وكذلك : بكنغهام ، المصدر السابق ، ص 257 ـ 260 .
(43) carruthers , d . op . cit . p . 60

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 16 ـ

   ومهما تكن حالة السور في البصرة فانها لا تختلف كثيراً عن احوال اسوار المدن العراقية الاخرى كاسوار مدينة بغداد مثلاً التي لم تكن بحالة جيدة على الدوام الا في حالة وجود خطر داهم ، ولكن ما تختلف فيه مدينة البصرة بالتأكيد عن بقية المدن الاخرى هو في استخدامات الارض وخطط العمران فيها طويلة القترة ، موضوع البحث حيث يمكن تمييز نطاقين هما :

النطاق الاداري والعسكري
   يقع بالقرب من ضفة شط العرب اليمنى ويشمل على محلتي المناوي على الضفة اليمنى من قناة العشار المقام على الضفة اليسرى وتضم المناوي التي كانت خارج السور حتى مدة اليها حسين باشا افراسياب على القلعة الصغيرة المربعة(44) التي ذطرها تكسيرا في 1604 وتافرينه في 1652 التي لا يمكن لاية سفينة دخول القناة من النهر دون اذن منها )(45) ، بالاضافة الى مسجد ذي منارة صغيرة والى بعض المخازن لطرح الاخشاب والمواد الاخرى اللازمة لصناعة السفن والزوارق الصغيرة ، واما المقام فانه يضم دائرة الكمارك عند الضفة ومقهى ومسجداً ومساكن لإولئك الذين اجتذبتهم الاعمال الحكومية هناك والميدان يقع بعد دائرة الكمارك وهو ساحة مربعة كبيرة لا تستخدم فقط لتدريب الخيول فقط وانما كسوق لبيع الحبوب المتنوعة بالجملة ، وشاهد فيه تيفنو عام 1686 اثني عشر مدفعاً امام قصر الباشا ( السراي )(46) والذي يقع على جانب منه وهو بناء كبير ولكن ليس مبنياً بصورة جيدة حيث سماه تافرينه في 1652 باسم حوش الباشا aush ـ el ـ basha في حين ذكره نيبور كاحدى محلات البصرة السكنية (47) وهذا لا يعني انه القصر الوحيد للباشا ، فقد ذكر تيفنو ان للباشا عدة قصور احدهما يقع في ريف البصرة في منطقة كردلان على الضفة الاخرى لشط العرب(48) .

**************************************************************
(44) بكنغهام المصدر السابق ، ص 136 .
(45) تافرنيه ، المصدر السابق ، ص 94 .
(46) thevenst . op . cit . p . 157 and 559 .
(47) تافرينه ، المصدر السابق ص 196 ، بالنسبة لنيبور راجع جدول رقم (2) .
(48) thwvenot op . cit . p . 163 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 17 ـ

النطاق السكني التجاري
   ويبعد عن ضفة شط العرب اليمنى بمسافة ميل ونصف الى ميلين وتفصله عن النطاق الاداري مزارع النخيل ويرتبط به بطريق ترابي يسير مع ضفة القناة وان اول ما يصادف المرء القادم من محلة المقام الى هذا النطاق هو المعمل البريطاني الذي يشبه حصناً دائراياً يطل على القناة ، تقف عنده السفن ، ذات حمولة 80 طناً لتفريغ او تحميل شحنتها في حين كان يسكن وكلاء الشركة في بيت يقع خارج المدينة في منطقة ريفية جميلة تسمى ( المعقل حالياً )(49) ويذكر الرحالة الفرنسي dupre في 1809 ان ذلك المصنع كان يضم بالاضافة الى المقيم البريطاني ، وكيل المصنع ، وطبيباً ، وعدد من الوكلاء commis ، و 40 جندياً هندياً للحماية(50) .
   ولا نملك معلومات دقيقة ومفصلة عن هذا النطاق قبل القرن الثامن عشر لان رحالة الفترات السابقة لم يتحدثوا عن التركيب الداخلي للمدينة عدا تكسيرا الذي ذكر في عام 1604 ان المدينة لا تملك تركيباً داخلياً وانما هنالك ( بعض الحمامات العامة التي تقدم خدمة جيدة ويذهب اليها الرجال حتى العصر وبعد ذلك تذهب النساء حتى الغروب )(51) وان اول وصف دقيق عن محلات المدينة جاءنا من الرحالة نييور الذي زار المدينة عام 1764 وذكر ثلاثاً وسبعين محلة سكنية كما هو موضح في جدول رقم ( 1 ) ولا نعرف اصل تسمية تلك ، فأسماؤها تتباين في معانيها من اسماء اشخاص ، الى اسماء مهن وحرف ، والى اسماء طبيعية ، واغلب الظن ان تلك المحلات ليست كلها محلات سكنية كما ذكرها نييور فالمناوي مثلاً هي ضفة تقع على ضفة شط العرب ولسيت فيها بيوت سكنية ما عدا موقع القبطان باشي كما ذكره نييور نفسه(52) وحوش الباشا هو نفسه قصر الباشا الواقع

**************************************************************
(49) نييور ، المصدر السابق ، 172 بكنغهام المصدر السابق ص 257 ـ 260
parsons a . op . cit . p . 156 ـ 58 .
(50) dupre . voyaje en prese fait dans les annes 1807 . 1808 et 1809 en traversant la natolie et la mespotamie , . . . ete . tome premier . ( pavis . 1819 ) , p . 198 .
(51) teixiera , p . op . cit . p . 1617 .

(52) نييور ، المصدر السابق ، ص 12

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 18 ـ

عندما الميدان الذي ذكره تافرينه في 1652 كما اشرنا سابقاً ، وان المشراق كما ذكرها دي لافال عبارة عن ( حقل ) خارج السور(53) وليس محلة سكنية وحتى المحلات التي تحمل اسماء اشخاص ( ابن عبد شيخ جوهر ، شيخ عمر ، شيخ حبيب ، شيخ بادي ، محمد تخته ، شيخ قنبر سيد رمضان ، حسن داده ، عز الدين ، محمد جواد ، عباس ) هي ربما اسماء لبيوتات وعوائل اكثر منها محلات سكنية مستقلة اذ لم يبق منها حتى الان اية محلة ( عدا عز الدين ) وكذلك الحال بالنسبة لتلك المحلات التي تحمل اسماء حرف ومهن ( الشربتية ، مجصصة ، الحدادة ، معصرة ، حصر جيه ، الخضراوية ، خشابة ، مقبيرة . . . ) .
   ربما تمثل مناطق تركز لتلك المهن والحرف اكثر منها مناطق سكن , وهذا يحملنا على الاعتقاد ان محلات المدينة السكنية اقل من ذلك العدد الذي ذكره نييور بكثير وخاصة اذا ادركنا ان الرحالة الذين جاءوا قبل نييور وبعده ، يجمعون على ان مساحة النطاق السكني للبصرة لا تتعدى ميلين مربعين بأية حال من الاحوال ، فأن يمكن استيعاب ( الثلاث والسبعين ) محلة فيها ?
   ان تحديد المحلات السكنية وعددها لمدينة البصرة في عصرها الحديث لا بد ان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعدد السكان الذي تضمه تلك المحلات والذي بقي موضع تخمين وجدل بين اولئك الرحالة الذين مروا بالمدينة او مكثوا بعض الوقت فيها وطالما ان الاحصائيات المحلية عن سكان المدينة في هذه الفترة غير متوفرة ، فأن تلك الارقام تبقى مصدرنا الرئيسي في هذا المجال لعل تكسيرا اول رحالة اوربي ذكر ان البصرة تضم في 1604 عشرة الاف بيت اي ما يقارب 50 الف شخص اذا اعتمدنا معامل 5 اشخاص لكل بيت(54) ، في حين قدر غودنهو بيوتها بثلاثين الفاً عند زيارته لها في 1663(55) ، وهذا التخمين ربما تعوزه الدقة ، لأنه اذا اخذنا ارقام تكسيرا بنظر الاعتبار وهي اقرب الى الصواب ، فليس من المعقول ان يتضاعف عدد البيوت ثلاث مرات في فترة ونصف قرن .

**************************************************************
(53) della valle op . cit . p . 257 .
(54) وهو المعامل الذي اعتاد مؤرخو السكان في اوربا استخدامه لمعرفة حجم العوائل خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر .
(55) godinho , m , op . cit . p 117 .
ذكر غودنهو ان عدد سكانها يبلغ مائة الف نسمة وبذلك فهو استخدم معامل 3.3 نسمة لكل بيت تقريباً .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 19 ـ

جدول رقم ( 1 )
اسماء محلات مدينة البصرة كما ذكرها الرحالة
كاسترن نيبور

الاسم بالعربية الاسم بالالمانية الاسم بالعربية الاسم بالالمانية
1 ـ المناخ menach 29 ـ محلة سرجانة mehallet murdsjana
2 ـ المشراق mischark 30 ـ حسن داده hassan dade
3 ـ دنانيك denanik 31 ـ الكواز kauas
4 ـ ابن عيد iben aid 32 ـ بستان قصب bustan kasab
5 ـ عباية abaieh 33 ـ كوارغين kauarchin
6 ـ ميدان العبيد meidan al abid 34 ـ عز الدين as eddin
7 ـ الدوغ doagh 35 ـ محلة خان زكار gnan zikkar
8 ـ ام البلابل om el bellbil 36 ـ القطانة ei kotana
9 ـ ام البزازين om el bassasin 37 ـ السيف ei sif
10 ـ شيخ بادي schech badi 38 ـ حوش الباشا hausch el pasha
11 ـ شيخ قنبر schech kumber 39 ـ جسر الغربان dsjussr el pasha
12 ـ شيخ جوهر schech dsjohar 40 ـ المجموعة medsjemoa
13 ـ ام الطنوق om el ettonuk 41 ـ مقبيره mogaber
14 ـ قبله kable 42 ـ صمغونية samgonie
15 ـ شيخ عمر achech omer 43 ـ محمد جواد mohammed dshoad
16 ـ مدبغة medbuge 44 ـ عروه arroa
17 ـ نهر البنات naher el beinad 45 ـ غمقة samke
18 ـ شيخ حبيب schech habab 46 ـ بحارنه baharna
19 ـ جسر اللوح dsjusser ellauh 47 ـ جسر العبيد dsjusser el abid
20 ـ مكول megkul 48 ـ بلد السايس belled essias
21 ـ المعدان maadan 49 ـ الدوغ doagh
22 ـ محمد تخته mohammad tachate 50 ـ حلل hole
23 ـ حمام كوت hammam kud 51 ـ المقام mokam
24 ـ محلة القاضي mehallet el kade 52 ـ محلة الجديدة mehallet el dsjedide
25 ـ محلة العرضة mehallet el arsa 53 ـ نظران naduran
26 ـ محلة سيد رمضان mehallet said rammadan 54 ـ الصبخة sabcha
27 ـ محلة الافغان mehallet el afghan 55 ـ معصرة maasra
28 ـ حكاكه hakake 56 ـ الخصر ei dhodder


مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 20 ـ

الاسم بالعربية الاسم بالالمانية الاسم بالعربية الاسم بالالمانية
57 ـ الحدادة hadade 66 ـ محلة الساعي mehallet essai
58 ـ الخليلة chalile 67 ـ مناوي menaui
59 ـ الشربتية scherbatie 68 ـ بريهة brahe
60 ـ محلة اليهود mehallet el ihud 69 ـ عباس abbas
61 ـ حصرجية hasirtchie 70 ـ فرسي firsi
62 ـ الصيمر seamer 71 ـ الخضراوية choddrauie
63 ـ فتاله fatale 72 ـ كوت الكومرلي kud el kummerli
64 ـ جسر الحوز dsjusser el haus 73 ـ مجصصة medsjossasa
65 ـ خشابة chaschabe
_
_

**************************************************************
source : niebur , op % cit . p . 173
* المشراق : كتبت في الاصل مشارق
** الصوغ مكررة مرتين ( 7 ، 53 )
*** من الارجح انهما تسمية لمحلة واحدة

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 21 ـ

   اما في القرن الثامن عشر ، فأن نيبور الرحالة الوحيد الذي قدر سكان المدينة باسلوب علمي وهو ذكر عدد المحلات وعدد البيوت لكل محلة وعدد الاشخاص لكل بيت ، حيث قدرها بسبعين محلة ( وان اورد اسماء ثلاث وسبعين محلة ) وقدر مئة بيت لكل محلة وسبعة اشخاص لكل بيت ، وبذلك يبلغ عدد السكان حوالي 49 الف نسمة ، ولكنه شكك في النهاية من ان عدد سكان المدينة لايتجاوز اكثر من اربيعين الفاً(56) .
   حقيقة ان المدينة تعرضت الى الطاعون القاسي في 1773 والى الغزو الاجنبي في 1775 الذي ادى الى خسارة نسبة عالية من سكانها الى الحد الذي وصل فيه عدد سكانها اكثر بقليل من ثمانية الاف نسمة في 1790 عندما زارها تايلر(57) .
   ولذلك فأن ما ذكره بكنغهام في 1816 من ان نفوس البصرة ربما وصل الى نصف مليون نسمة وانها فقدت في طاعون 1773 ثلاثمائة الف نسمة لهو امر تعوزه الدقة(58) ، لان بعض احصائيات القنصلية البريطانية في بغداد ، قدرت سكان العراق في منتصف القرن التاسع عشر بمليون وربع ، كان عدد البدو منهم الذين يسكنون الصحراء بنصف مليون شخص(59) ، والبقية في المدن والريف ، فكيف كانت البصرة وحدها تضم نصف مليون نسمة .
   ولا تختلف تقديرات بكنغهام عن تقديرات لوخر الذي ذكر ان البصرة فقدت مائتي الف نسمة في طاعون 1831(60) ، لا ينكر ان طاعوني عام 1773 و 1831 كانا قاسيين حتى في بغداد التي فقدت في الاول 50 ـ 60 الف شخص وما يقرب ذلك الرقـم فـي الطاعـون الثانـي(61) .

**************************************************************
(56) نييور ، المصدر السابق ص 10 ـ 11
(57) تايلر ، المصدر السابق ص 36
(58) بكنغهام ، المصدر السابق ص 258
(59) lssawi , ch , the economic history of the middle east , 1800 ـ 1914 . population and movemement in irag . ( chigago 1966 ) p ـ 157 .
(60) locher , a with star and crescent : a full and authentic account of a recent journey with a caraven from bombay to constantinople ( london , 1889 ) . p . 73 .
(61) نورس د . علاء كاظم المصدر السابق ص 22 ـ 23

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 22 ـ

   ان المبالغة في حجم خسارة السكان نتيجة تفشي الطاعون ربما يعكس حالة الخوف والهلع الذي اصاب المدينة لسرعة انتشار ذلك الوباء وعدم توفر وسائل الوقاية منه ، ولكن بالرغم من ذلك ، فأنه نلاحظ سكان المدينة تزايد خلال الربع الاول من القرن التاسع عشر حيث تذبذب سكان المدينة ما بين ستين الف وثمانين الف كما اورد ذلك بارسنز ودوبرية وهيود وكيل ، بالرغم من تعرض المدينة الى الكوارث الطبيعية والامراض في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، فأن عدد السكان بقي حتى مطلع هذا القرن مستقراً حول الاربعين الفاً .
   اما ارقام القنصل الروسي في البصرة الكسندر اداموف في عام 1912 فلا تساعدنا على معرفة عدد السكان بدقة في المدينة لانه ذكرها لكل ولاية البصرة التي كانت تضم المدينة والاقضية والنواحي التابعة لها (62) .
   وعلى اية حال ، لو قارنا عدد سكان مدينة البصرة بعدد سكان مدينة بغداد مثلاً لوجدنا البصرة اقل كثافة من بغداد التي ظل عدد سكانها يتذبذب حول مائة الف نسمة طيلة القرن الثامن عشر ومائة وخمسين الفاً طيلة النصف الاول من القرن التالي عدا فترات الطاعون والكوارث الطبيعية الاخرى التي ضربت المدينة(63) ، ولكن اذا قارنا سكان مدينة البصرة في اواخر القرن التاسع عشر بعدد سكان بعض موانيء الخليج العربي المهمة آنذاك ، كالمحمرة ، ومسقط ، والكويت ، مثلاً لوجدنا البصرة اكثر كثافة في سكانها من كل تلك الموانيء وفي الوقت الذي وصل عدد سكانها في 1889 اربعين الفاً ، كان سكان المحمرة آنذاك 5600 نسمة ، وفي عام 1909 عندما ارتفع سكانها الى ستين الفاً كان سكان الكويت في العقد الاول من القرن العشرين اثني عشر الفاً ، وقطر وعشائرها ستاً وعشرين الفاً والقطيف وضواحيها عشرة الاف نسمة فقط . . . الخ (64) .

**************************************************************
(62) اداموف ، المصدر السابق ج 1 ص 129
(63) عن سكان بغداد راجع : نورس د . علاء كاظم المصدر السابق ص 23
(64) القهواتي ، د . حسين محمد البصرة ودورها التجاري في الخليج العربي 1869 ـ 1913 ( البصرة 1980 ) ص 45

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 23 ـ

جدول رقم ( 2 )
عدد سكان البصرة 1604 ـ 1889
كما اوردها الرحالة الاوربيون

اسم الرحالة الاسم بالانكليزي السنة التي زار فيها البصرة عدد السكان
1 ـ ب . تكسيرا pedro teixiera 1604 10 الف بيت
2 ـ ب . دي لافال della valle 1623 مأهولة بالسكان
3 ـ كاريه abbe carre 1624 مأهولة بالسكان
4 ـ ر . ب . فيليب r. p phillpe 1631 مأهولة بالسكان
5 ـ تافرنيه v . tavernaie 1652 مأهولة بالسكان
6 ـ م . غود نهو m . godinho 1663 30 الف بيت \ 100 نسمة
7 ـ ثيفو نو thevenot 1686 مأهولة بالسكان
8 ـ ك . نيبور c , niebure 1764 50 الف
9 ـ ج . تايلر j . tayler 1790 8 الف
10 ـ بارسنز parsons 1808 80 الف ـ 90 الف
11 ـ دوبريه dupre 1809 60 الف
12 ـ بكنغهام j . buchkingham 1816 100 الف
13 ـ و . هيود w . hude 1817 80 الف
14 ـ ج . كبل g . kapple 1824 60 الف
15 ـ ج . اشر j . ussher 1856 5 الف \ 6 الف
16 ـ أ . شيفرد a . shepherd 1857 60 الف
17 ـ أ . لوخر a . locher 1889 40 الف


مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 24 ـ

   ومما لا شك فيه ، كان العنصر العربي يشكل الغالبية العضمى بين سكان المدينة على الدوام في الفترة موضوع البحث ، وبما ان البصرة مركز تجاري حدودي وميناء بحري مهم فمن الطبيعي ان نجد ان المدينة تضم بعض الاقليات الدينية والجاليات التجارية من كل اقطار آسيا ، ولكن لا نملك ارقاماً دقيقة عن حجم كل اقلية او جالية ما عدا ما ذكره بكنغهام في 1816 حيث ذكر وجود 50 عائلة من الارمن ، و 100 عائلة من اليهود ، و 20 عائلة من الكاثوليك(65) وارقام آداموف عن عدد تلك الاقليات في مطلع هذا القرن لا تساعدنا كثيراً في معرفة حجمها في المدينة لانه ذكرها لولاية البصرة وليس للمدينة فقط(66) .
   ويجمع الرحالة الذين زاروا البصرة من ان سكانها يحترمون الاجانب ( ولم اشاهد في اي مكان زرته من قبل مثل ذلك الاحترام ، كما ان هناك نوعاً من التسامح الديني بين كل الطوائف التي تسكن المدينة ) كما ذكر بكنغهام(67) ، ويؤيده في ذلك استون شفرد الذي زار البصرة في 1857 الذي كتب ان في كل رحلاتنا داخل المدينة وفي اريافها القريبة وجدنا السكان مؤيدين ويعملون على اكرامنا بالتمر واللبن والحليب وكل شيء يستطيعون تقديمه(68) . . . وحتى حكام البصرة وباشواتها نظروا الى تلك الاقليات نظرة ودّ واحترام فيذكر الابوان الكرمليان الايطاليان فنشنو وسبستياني اللذان زارا البصرة في 1656 ان اميرها حسين باشا ( آل افراسياب ) كان ينظر نظرة ودّ واحترام الى الاباء الكرمليين ويلبي طلباتهم ويعاملهم كأصدقاء له ، وقام بزيارة الدير ودخل كنيسته وبستانه فامر بشق ترعة فيه على نفقته ، كما سمح للاب منصور الذي كان صديقه ان يشيد غرفاً جديدة من اجل راحته وفائدة الدير(69) ، اما دي لافال يذكر ( انه بعد ان انهى الاباء الكرمليون بناء كنيستهم في 13 نيسان 1624

**************************************************************
(65) بكنغهام المصدر السابق ص 55
(66) آداموف المصدر السابق ج 1 ، ص 130
(67) بكنغهام ، المصدر السابق .
(68) shepherd . a . from bomby to bushir and bussora : including an acoount of the present state of persia and notes on the persian war . ( london , 1857 ) . p 197 .

(69) فنشنسو المصدر السابق ، ص 58 ، سبستياني المصدر السابق ص 184

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 25 ـ

حضر الباشا بنفسه اليها في اليوم التالي لزيارتها(70) . . . ويؤيد نيبور ذلك حيث اكد حسين باشا ) منح حرية واسعة للمسيحيين واجتذب كثيراً منهم للاستقرار في المدينة(71) . . .
   ويبدو ان وصول الكرمليين الى البصرة اقدم من وصول الاوغسطنيين البرتغاليين اليها ، في 1604 ، ذكر تكسيرا ان شاهد بيتاً يشبه الابرشية يقع على الضفة الاخرى للنهر وانه يرجع الى جماعة عيسى بن مريم وتتبعه مساحات شاسعة من الاراضي ومزارع النخيل حيث لم اسمع بوجود مثل تلك الابرشية لعبادة السيد المسيح(72) وهذا نفس الوصف الذي ذكره الاب الكرملي الرحالة فنشنسو الذي وصل البصرة عام 1656 ، وبذلك فأن وصول الكرمليين الى البصرة ليس في عام 1623 كما يعتقد البعض وانما اقدم من ذلك(73) ، ففي ذلك الدير نزلت الرحالة الفرنسية كاريه عام 1627(74) وفيه نزل الاباء الكرمليون فنشنسو وسبستياني حيث ذكروا :
( اعجبنا ذلك الدير الذي يعد من بيوت البصرة الحديثة ويحتوي على مختلف المرافق الضرورية الخاصة بالاديرة : فناء تحيطه اروقة ، في وسطه حديقة عامرة بالازهار وكانت كنيسة الدير على اسم العذراء مريم . . . هناك في الطابق الارضي غرف الاستقبال ، اما الطابق العلوي ففيه صوامع الرهبان تعلوها السطوح التي ينام فوقها الرهبان في الصيف (75) .
   ويبدو ان الآباء الكرمليين بنو كنيسة اخرى في البصرة حيث ذكر دي لافال ان الاب الكرملي basilio de san franseco انهى عام 1624 بناء كنيسة صغيرة ومعبد لجمعيته في البصرة سماها nostra senora del remedii واقام وليمة حضرها كافة المسيحيين الاوربيين في المدينة(76) ، ويؤيده تيفنو الذي ذكر في عام 1686

**************************************************************
(70) della valle .op . cit . p . 247 .

(71) نييور ، المصدر السابق ص 10
(72) teixiera . op cit . p . 17
(73) آدمون المصدر السابق ج 1 ص 199
(74) carre , a , op . cit , vol : 1 , p . 8
(75) فنشنسو ، المصدر السابق ص 83 .
(76) della valle , op , cit , p , 248

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 26 ـ

ان الآباء الكرمليين في البصرة يملكون بيتاً وكانت الكنيسة في ذلك البيت حيث تقدم خدماتها ليس فقط للفرجنة وانما للنساطرة والارمن الذين يأتون الى المدينة خلال موسم التجارة(77).
   اما نييور فيشير في 1764 الى ان تلك الكنيسة قد تهدمت ويقوم راهبان ينتسبان الى المذهب الكاثوليكي الروماني بتشييد كنيسة صغيرة للمرة الثالثة(78) .
   ولا تذكر لنا كتب الرحلات تفصيلات عن ادارة ونشاطات الاباء الكرمليين في البصرة عدا بعض الاشارات عن اولئك الآباء الذين تولوا الاشراف على الكنيسة ويعتبر الاب كازميرو الكرملي من ابرزهم وهو فلمنكي الاصل وهو عالم بارع يتقن عدة لغات ويكن له الهولنديون في المدينة احتراماً كبيراً(79) ، اما غود نهو فقد ذكر ان الاب الكرملي braz de santa barbara قام بضيافته اثناء مكوثه في المدينة عام 1663(80) ، ولكن اخذ الكرمليون وجمعيتهم يفقدون مكانتهم في البصرة بسبب نمو فرعها في بغداد في اواخر القرن التاسع عشر وقلصوا نشاطهم تدريجياً حتى لم يبق لهم في المدينة سوى مدرسة واحدة للبنين واخرى للبنات وقد اعيد جزء من نشاطهم فيما بعد لمجيء الراهبات الفرنسيات اليها عام 1899 لفترة قصيرة(81). . .
   اما المسيحيون الاوغسطينون وهم في الغالب من البرتغاليين فكان مجيؤهم الى البصرة بعد وصول الكرمليين اليها ، فيذكر دي لافال في 1625 انهم لم يبنوا كنيستهم في المدينة بعد بسبب الحروب والغارات التي كانت تتعرض لها . . . وانما كانوا يمارسون طقوسهم في بيت مؤجر ويدفع الباشا تلك الاجور . . . وكان الاب conaslvo martin de castlbranco زعيماً للبرتغاليين في البصرة (82) ، ويبدو ان ليس لتلك الاقلية دور كبير في المدينة وعلى عكس سابقتها حيث ذكر تافيرنه الذي زار البصرة في 1652 بان اولئك الرهبان ( غادروا البلدة منذ انقطاع البرتغاليين

**************************************************************
(77) thevenote op cit . p . 163
(78) نييور ، المصدر السابق ص 17
(79) سبستياني ، المصدر السابق ص 182 ـ 183
(80) godinho . m . op . cit . p . 141 ـ 142
(81) آدموف ، المصدر السابق ، ج1 ، ص 202 ـ 203
(82) della valle . op . cit . p . 246 ـ 47

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 27 ـ

لتاجره معها ) في حين ذكر غودنهو في 1663 وجود اثنين من الاباء الاوغسطينين البرتغاليين في المدينة ولكن لم يذكرهم بالاسم(83) .
   مما تقدم يبدو ان الاهمية التجارية للمدينة هي التي ادت الى بروز اهميتها الدينية للاوربيين فالى جانب تلك الاقليات كانت هناك الجاليات التجارية الاجنبية في المدينة التي كانت اقامتها فيها اما مؤقته او بصورة دائمة ، فيذكر الرحالة الفرنسي فيليب الذي زار البصرة في 1652 ان ( التجار البرتغاليين اعتادوا على مغادرة البصرة في اواسط شهر تشرين الاول من كل عام بعد نهاية موسم جني التمور فيها )(84) .
   وذلك بشرائها وتصديرها الى الهند ، اما تيفنو كان اكثر وضوحاً حيث ذكر في 1686 ( في خلال فترة الموسم التجاري لا تزدحم البصرة بالتجار الاجانب القادمين من الهند فقط وانما باؤلئك التجار القادمين من بغداد لشراء السلع الهندية حيث يكون السكن نـادراً جـداً فيهـا )(85) . . . ففي ذلك الموسم تصل السفن التجارية من الخليج العربي الى البصرة في نهاية تموز من كل عام وتبقى هناك حتى نهاية تشرين الاول لانها لا تستطيع الخروج من شط العرب بسبب هبوب الرياح المعاكسة ( الجنوبية الشرقية ) ، بعد ذلك تبدأ الرحلات النازلة الى الهند وتستمر حتى مايس من السنة التالية .
   وهكذا يبدو ان نمط التجارة الاوربية مع البصرة في الفترة ما قبل انشاء الوكالات التجارية الدائمة كان نمطاً موسمياً يشبه الى حد كبير نمط التجارة الاوربية في العصور الوسطى وعصر النهضة حيث لم يكن حجم الانتاج الاجمالي كافياً لقيام الاسواق العالمية بصورة دائمية ويقوم فيه التاجر المتنقل بدور ريئسي فيه اذ سرعان ما يبيع بضاعته في البصرة ليشتري منها بضاعة اخرى ينقلها معه الى هرمز او سورات او حلب ليبيعها هناك وهكذا ، ولكن تلك التجارة لا تعني عدم وجود بعض الجاليات التجارية الاوربية في البصرة وخاصة الايطالية والبرتغالية وهي اقدم الجاليات التي استقرت في المدينة فعند مجيء تكسيرا عام 1604 الى المدينة فانه سكن في بيت

**************************************************************
(83) godinho m . op . cit . p . 95 .
(84) phillipe . r . op . cit . p . 47 .
(85) thevenote . op . cit . p . 157 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 28 ـ

احد التجار البنادقة وهو santo fonte الذي رافقه من هرمز الى البصرة حيث استقبلهما في المدينة تاجر بندقي آخر وهو jerom ben temply الذي قدم لنا خدمات جليلة في المدينة كما ذكر تكسيرا وكان معهم على نفس السفينة التاجران البرتغاليان john pinto و james de melo de san payo وهو تاجر ثري وذو سمعة حسنة وعلى علاقة قوية مع الايطالي fonte ولم يغادر البصرة مع تكسيرا بسبب مالديه من بضاعة كثيرة لبيعها في المدينة(86) . . .
   ويبدو ان تلك الجاليات التجارية قد بقيت في البصرة حتى منتصف القرن الثامن عشر وعلى عكس الهولنديين الذين اختفوا منها عندما زارها نيبور الذي ذكر ان الايطاليين على اختلافهم موجودين في المدينة ويمارسون تجارة لا بأس بها مع البندقية ولوفرنو عن طريق حلب وكان التاجر البندقي الشاب leoni من ابرزهم ويملك تجارة كبيرة وله علاقات تجارية وثيقة مع بغداد(87) .
   ان البصرة كمركز تجاري اقليمي معروفة من خلال العديد من الدراسات ، ولا حاجة لتكرار ما توصلت اليه تلك الدراسات فقد وصف غودنهو سوقها في 1663 بأنه اعظم سوق في هذه البحار ، ( ويرسو في مينائها سنوياً اكثر من اربعين سفينة محملة بالملابس الناعمة والحديد والخشب والتوابل والكهرمان ، والاعشاب الاخرى ) ، ويسكنها تجار اغنياء يشغلون مائتي سفينة ، ويقول الهولنديون ان التجارة في البصرة تحقق ربحاً بمقدار مئة بالمئة (88) واستون شيفرد اكثر دقة عندما اكد ان سوق البصرة في اهميته وسمعته اكبر من اي سوق سواء في القاهرة او في الاسكندرية حيث تتوفر فيه .
ـ حمولات الرز والسكر ، والسكاكين والاواني من برمنكغهام ( بريطانيا )
ـ القطن والاقمشة المطبوعة من مانجسر
ـ السجاد ، والتركواز ، من بلاد فارس
ـ التوابل من سيلان ، واللؤلؤ من البحرين ، القهوة من مخا ( اليمن )

**************************************************************
(86) teixiera p . op . cit . p . 19
(87) نييور المصدر السابق ص 251
(88) godinho . m . op . cit . p . 116 ـ 122 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 29 ـ

ـ الحرير الطبيعي والشاي من الصين
ـ الحديد والقصدير من انكلترا ، والبنادق من السنغال
ـ التحفيات من بابل ونينوى ، والرقيق من هرمز والذهب والفضة ، والشاي والعمائم والنيلة من سورات (89) . . .
   ولكن اهمية تجارة البصرة لا تكمن في ذلك النوع من السلع التي ذكرها استون شيفرد وانما في تجارتها الكبرى القائمة على التمور والخيول ، والرقيق والابل ، فيذكر تيفنو في 1686 ، انه كانت في الميناء قبل وصوله الى البصرة خمس عشرة سفينة كبيرة قسم منها هولندي والقسم الاخر لتجار اجانب وعرب كلها محملة بالتمور فقط وبكميات هائلة ربما تكفي لكل الهند (90) .
   ان مدينة البصرة وتجارتها ربما لم تبلغ تلك الشهرة الواسعة لو لا موقعها الستراتيجي على واحد من اهم الطرق التجارية الدولية الذي يربط الشرق الاقصى بأوربا ، ولذلك فأهم الخطوط التجارية التي تتفرع من البصرة هي :

1 ـ الطريق البحري الذي يربطها بأهم موانيء الخليج العربي آنذاك ولا سيما هرمز والذي يعتبر جزيرة خرج المحطة الرئيسية فيه وذلك لموقعها في منتصف الطريق وتتوقف عندها كافة السفن المبحرة ما بين البصرة وهرمز .
2 ـ وترتبط البصرة ببغداد بواسطة الطرق النهرية التقليدية عبر نهري دجلة والفرات ويفضل الرحالة استخدام طريق الفرات اكثر من طريق دجلة لان الاخير توجد فيه تعرجات كثيرة في اجزائه الجنوبية ، ولعدم وجود قرى سكنية كثيرة عليه وخاصة ما بين العمارة وبغداد التي تعتبر مهمة لاية رحلة وخاصة عند تعرض تلك السفن الى المخاطر المتعددة كالغرق وهبوب الرياح والسرقات ، والاهم من ذلك كله ، هو ان طريق الفرات كان يشكل الجزء الجنوبي من طريق الفلوجة البصرة وتكون بابل من اكبر المناطق التي يتوقف الرحالة فيها وتتخذ كنقطة مرور اما الى بغداد او الى الاماكن المقدسة في كربلاء والنجف .


**************************************************************
(89) she pherd , op . cit . p . 187 .
(90) thevenote op . cit . p . 157 .

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 30 ـ

   ولعل اول من استخدام هذا الطريق هم الرحالة الانكليز ايلدرد ـ فيج ـ نيوبرى عام 1583 عند نزولهم من حلب عن طريق البرجسك ولكن لم يتركوا لنا وصفاً عن اهم محاطاته التجارية آنذاك(91) حتى عام 1663 عندما سلكه الرحالة البرتغالي غودنهو الذي ترك وصفاً دقيقاً له ما بين البصرة وبابل والذي اكتملت معالمه عند نييور بعد قرن تقريباً ، ان اهم محطاته بعد البصرة هي :
القرنة ، الشالوشية ، المنصورية ، العرجة ، السماوة ، لملوم .
   ولكن اهم الطرق البرية التي تربط البصرة بالعالم الخارجي هو طريق بصرة ـ حلب الشهير الذي لازال ينتظر الدراسة والبحث ، فبعد ان شهدت اوربا نهضتنا المعروفة في اواخر العصور الوسطى وقد كان من اهم نتائجها هو يقظة اوربا نحو اسيا واهميتها ، وخاصة بعد اتجاه اسبانيا والبرتغال نحو العالم الجديد ، الذي نبه انكلترا وفرنسا وهولندا لتجارة الشرق وقد ادركنا ان ( تجارة الهند هي تجارة العالم ) ، وبذلك فقد توجه الى الهند الكثير من الرحالة الانكليز والفرنسيين واغلبهم من مبوعثي شركتي الهند الشرقية الانكليزية والفرنسية وهم يسلكون طريق وادي الفرات الصحراوي المعروف آنذاك باسم طريق قوافل الصحراء الكبرى the gerat desert caravan route كأقصر طريق يربط الخليج العربي بالبحر الابيض المتوسط ، بل واقصر بكثير من طريق رأس الرجاء الصالح الذي كان يخضع للسيطرة الاسبانية ـ البرتغالية آنذاك .
   ان الوصف الكامل لطريق بصرة ـ حلب الصحراوي للقوافل التجارية وصلنا من الرحالة الانكليز منذ منتصف القرن التاسع عشر عندما بدأوا يرتادونه منه بكثافة تلبية لحاجات شركة الهند الشرقية الانكليزية وخاصة j . capper بلاستيد عام 1750 حيث ذكروا ان اهم محطاته هي :

**************************************************************
(91) haklwyt , op . cit . vol : 5 , p . 367 ـ 71

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 32 ـ

الزبير ، جوييدة ، الخانق ، الخضارى ، الاثلة ( وهي قرب بركة الرحمة الواقعة مقابل مدينة النجف من جهة العرب ) ، هدية ، الاخيضر ، الرحالية ، حكله الحوران ( حيث تلتقي فيها القوافل التجارية القادمة من بغداد بقوافل البصرة ) ، طيبة ( وهي من اكبر المحطات التجارية الصحراوية قبل مدينة حلب وقد ذكر عنها تكسيرا في 1604 بانها تضم 250 بيتاً ، ويوجد فيها وكيراً للجالية الاوربية في حلب كما اضاف دي لافال ) ، ولعل اخر محطة هي haglier ( الحكلة ) وتقع بالقرب من قرية قديمة تعرف بالجبون يعتبرها بلاستيد نهاية الطريق حيث ( تنتظر القوافل هناك لاستلام اوامر الباشا من حلب ليحدد مكان التجمع وليتمكن الشاهبندر ورجالة رؤية القافلة ) ، ويعتبر قرية قرية نيرب هي مكان تفتيش القافلة وفرض الضرائب حيث يوجد عشرون موظفاً من الكمارك هناك )(92).
   اما الطريق الذي ذكره نيبور في 1765 استناداً الى رواية احد البدو الذي سافر لاكثر من عشرين مرة فيه ، وزاد عليه احد التجار بعض الاسماء لا تختلف في محطاته الرئيسية ولكن يبدو ان بعض المحطات والمناطق قد ادخلت دون تدقيق لانها لم تذكر من الرحالة الذين سلكوا الطريق لمرات عديدة ، فهذه المحطات هي :
الزبير ـ جويبده ـ شكره ـ الخنقة ـ القصر ( وهو قلعة مهدمة ) ـ وادي ابو مريس ( عوين سعد ام كزون ) ـ الغضاري ، dsjur tmai ـ القائم او الاثله ـ بركة الرحمة ( بالقرب من النجف الحالية ) ـ الطقطنة ( الحباضية ) ـ الحسين ( كربلاء ) ـ الاخيضر ـ راس العين ـ تويل ـ كبيسة ـ عقلة للحوران غب الجاموس ـ المانعي ـ الرتقة ـ البرودن ـ الرحبة ـ حب الغنم الحض ـ جبل البشير ـ العدمة ـ طيبه ـ قصر العين ـ فالح ابو الفياضي ـ عنز الروثه ـ صهاريج ـ مرتفعات سبيث ( وفي هذه المرتفعات توجد الحكلة ) وتوجد عين سفيره او عين ذهب ـ حلب(93) .

**************************************************************
(92) carr thuers , d . op . cit . p . 134 ـ 151 .
(93) نييور المصدر السابق ص 48

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 33 ـ

   وينفرد نييور من بين الرحالة الاخرين بذكر طريق بديل عن الطريق اعلاه وذلك لاستخدامه عندما ينعدم الامن في مناطق الطريق السابق ، ويبعد اكثر باتجاه الغرب في عمق الصحراء وفي هذه الحالة يجب التزود بالماء اللازم لمدة 4 ـ 5 ايام على الاقل واهم محطاته هي :
الزبير ـ جويبدة ـ شكره ـ الخانق ـ القصير ـ السلمان ـ الاثلة ـ قطري ـ البريء ـ حجرة او محيوز ـ القصرة ـ صواب ـ الصرايم ـ الصحخنة ـ بئر قديم ـ ابو فياض ـ الحمام ـ جبل الحص ـ الحكلة ـ سفير ـ حلب (94) .
   ويبدو من محطات هذا الطريق ان الافتراق عن طريق الاول يبدا من الخانق باتجاه السلمان ( نقره السلمان الحالية ) ومن ثم العودة الى الاثلة ، اي الابتعاد عن مناطق عشائر الفرات الجنوبي وخاصة عشائر المنتفك ومن ثم الرجوع الى عمق الصحراء حتى جبل الحص والحكلة اي الابتعاد عن عشائر الفرات الاعلى حيث كانت تلك العشائر في صراع مستمر مع السطات العثمانية .
   اما الطرق التي تخرج من البصرة الى الجزيرة العربية فهنالك طريق القرين ( الكويت الحالية ) الذي يتفرع من جويبدة ـ صفوان ـ الجهراء والقرين ـ على ساحل الخليج العربي وهذا ما ذكره نييور فقط دون الرحالة الاخرين والطريق الثاني هو طريق الحج البرّي الذي ذكره تيفينو فقط في 1686 حيث يخرج الحجاج من البوابة الشرقية من للبصرة ( مقام علي ) ويتوجهون الى قلعة صغيرة تبعد ثلاثة اميال المانية ahatsch عن المدينة حيث يوجد فيها ماء مر ( وأظن الدرهمية الحالية ) ـ ثم الى جبل سنام ويوجد فيه الماء النقي الطيب المذاق ، ومنها الى منطقة الحفار tscha ـ haffar ويتوفر الماء الجيد فيه ومنه الى العنيز aniz التي مسافة ثلاثة عشر يومياً مشياً على الجمال ، ومن العنيز يتجه الطريق غرباً نحو نجد التي توجد فيها قلعتان الواحدة مقابل الاخرى وتسكنها بعض القبائل العربية لكن الماء فيها غير جيدة ومن نجد ينزلون جنوباً باتجاه المدينة المنورة ومكة ولا يتحدث تيفنو عن محطات الطريق

**************************************************************
(94) نفس المصدر ، ص 48 ـ 50

مدينة البصرة كما وصفها الرحالة الاوربيون  ـ 34 ـ

ما بين نجد ومكة ويكتفي يذكر ان على الحجاج التزود بالماء لعدد معين من الايام وحتى وصولهم قرب مكة لارتداء الاحرام ، ويستغرق الطريق عند العودة من مكة الى البصرة حوالي 35 يوماً(95) ، ولا يذكر غود نهو في ملخصه الصغير عن الطرق في القرن السابع عشر هذا الطريق وانما طريق مكة ـ السويس فقط(96) .
   وفي مثل هذه المجتمعات والمراكز التجارية لابد ان توجد فيها عمليات منظمة للائتمان والصيرفة وخاصة مدينة البصرة التي تلتقي فيها الجاليات من مختلف انحاء العالم ، وكل النقود فيها معروفة كما يذكر تكسيرا(97) ، ولكن اغلب الرحالة المبكرين لم يتطرقوا الى انواع العمليات الائتمانية في البصرة ما عدا ذكرهم بعض انواع النقود المتداولة وحتى منتصف القرن الثامن عشر عندما بدأ بعض الرحالة الذين سلكوا طريق الفرات الصحراوي يشيرون الى بعض تلك العمليات التي كانت تسيطر عليها الجالية العبرية في المدينة واهمها ما سماه الرحالة بلاستيد عام 1750 باسم respondentia ولابد انها تشبه عملية ricorsa اي التحويل واعادة التحويل للاموال بين مكانين وقد اخترعها التجار الايطاليون في العصور الوسطى واخذت بالانتشار الى بقية انحاء العالم فيما بعد (98)

**************************************************************
(95) thevenvt , op . cit , p . 163 and passim .
(96) godinho . op . cit. p . 192 ـ 94
(97) teixiera , p op . cit . p 18 .
(98) carruthers . op . cit . p .104