جبهة البصرة
الاستاذة رباب جبار السوداني


المقدمة

نطاق البحث وتحليل المصادر
   اجمعت المصادر التاريخية والجغرافية على ان البصرة هي اول مدينة مصرت في الاسلام خارج حدود الجزيرة العربية ، ولعل الدافع الرئيسي الذي دفع الخليفة عمر بن الخطاب ان يأمر بتمصيرها هو الدافع العسكري ، المتمثل برغبة الخليفة عمر بن الخطاب في ايجاد قاعدة عسكرية في جنوب العراق ، لتجمع القوات العربية الاسلامية فيها ومن ثم انطلاقها لتحرير الاجزاء الجنوبية من العراق ولفتح الاقاليم الجنوبية والجنوبية الشرقية من بلاد فارس هذه القاعدة التي استقطبت فيما بعد اهمية كل من جبهة الكوفة وجبهة البحرين ، بفعل التطورات العسكرية السريعة التي شهدتها جبهة البصرة فتحولت الى مدينة كبيرة ومركز اداري يشرف على منطقة جغرافية واسعة ضمت مدناً ومراكز واقاليم متعددة ، واصبح واليها يجمع في الوقت نفسه ادارة وولاية مدن ومراكز مختلفة فضلاً عن انه اصبح مشرفاً فعلياً على جبهة قتالية واسعة امتدت حتى خراسان شرقاً .
   وانطلاقاً من اهمية جبهة البصرة ودورها في التاريخ العسكري العربي الاسلامي كان لابد من دراسة علمية شاملة لهذه الجبهة تحيط بجوانبها العسكرية والادارية والاجتماعية والمالية في ظل الخلافة الراشدية .
   ولاشك ان دراسة شاملة من هذا النوع ليس من اليسير تحقيقها في بحث واحد يشملها جميعاً عن جبهة البصرة ، خاصة ان المعلومات عنها كثيرة ومتفرقة من جانب وشحيحة من جانب آخر ، مع تعدد مصادرها وتنوعها .
   ولقد تناولت دراسة هذه الجبهة فترة زمنية محددة تمثلت بفترة الخلفاء الراشدين ( 11 ـ 41 هـ/ 632 ـ 661 م ) ولم يتم تحديد هذه الفترة بشكل عشوائي وذلك لان هذه الفترة رافقت عملية نشوء قاعدة البصرة وتطورها واتساع جهدها العسكري حتى تحولت الى جبهة قتالية واسعة امتدت الى اقصى الاقاليم الشرقية من بلاد فارس .
   ولقد اقتضت طبيعة البحث تقسيم الرسالة الى مقدمة وخمسة فصول تناول الفصل الاول منها جغرافية منطقة البصرة ، الذي تم فيه التأكيد على الابعاد الجغرافية لمعنى اسم البصرة من خلال استعراض ارآء اللغويين والجغرافيين والمؤرخين حول تسمية البصرة واختلافاتهم في ذلك ، وتناول هذا الفصل ايضاً الاوضاع الجغرافية لمنطقة

جبهة البصرة   ـ 2 ـ
البصرة مع الاشارة الى طبيعة الارض التي انشئت عليها هذه المدينة واهم المظاهر الجغرافية التي صاحبت تاريخ هذه المدينة العريق ، كما تضمن الفصل التوسع الجغرافي والاداري لمنطقة البصرة الناتج عن التطورات العسكرية التي شهدتها هذه المنطقة ، حيث شملت هذه الفترة دراسة جغرافية لاهم المدن والمراكز الادارية التي اصبحت تابعة لمنطقة البصرة بعد توسعها جغرافياً وادارياً .
   اما الفصل الثاني فقد حاولت فيه دراسة تأسيس مدينة البصرة من خلال استعراض آراء المؤرخين حول السنة التي اسست فيها البصرة واختلافهم في ذلك ، والكيفية التي تم فيها اختيار موقع البصرة وتخطيطها ، كما قمت بدراسة اهم العوامل التي كانت لها الأثر الكبير في اختيار منطقة البصرة قاعدة عسكرية للجيوش العربية التي توجهت لتحرير الاجزاء الجنوبية من العراق ، ومنها العامل الجغرافي الذي كان له الأثر الفعال في اختيار منطقة البصرة قاعدة عسكرية للجيوش العربية حيث جاء هذا الاختيار طبقاً لتوجيهات الخليفة عمر بن الخطاب .
   اما العامل الثاني فهو العامل البشري حيث كان لانتشار القبائل العربية في البادية المحيطة بمنطقة البصرة ومقاومتها للوجود الفارسي في هذه المنطقة دافعاً آخر لاختيارها قاعدة عسكرية لقربها من مواطن استقرار هذه القبائل التي غدت تشكل الرائد الاساس لجيوش الجبهة البصرية .
   اما العامل الثالث فهو العامل العسكري الذي يعد الباعث الرئيسي لهذاالاختيار لما تميزت به مدينة البصرة من مميزات عسكرية كان لها الأثر الكبير في هذا الاختيار .
   وقد تبين من خلال هذا الفصل اهمية منطقة البصرة العسكرية بوصفها منطقة مواجهة ومشاغلة للقوات الفارسية وقاعدة امداد وتموين لجيوش الجبهة البصرية والكوفية .
   اما الفصل الثالث فقد خصص لدراسة الجهد العسكري ، حيث تم التطرق فيه الى اهم العمليات العسكرية التي خاضها جند هذه الجبهة وما تمخض عن هذه العمليات من تحرير الاجزاء الجنوبية من العراق واقليم الاحواز وفتح الاقاليم الجنوبية والجنوبية الشرقية من بلاد فارس ، وقد ظهر من هذا الفصل عظم المسؤولية التاريخية التي نهضت بها جبهة البصرة في تحطيم وانهاء الامبراطورية الفارسية الساسانية .
   ويدور الفصل الرابع حول التنظيمات الادارية للمناطق التي تم تحريرها وفتحها على يد جند جبهة البصرة مبتدئة بدراسة التنظيمات الادارية لمدينة البصرة واهم المناصب الادارية فيها ومنتهية بالادارة العربية الاسلامية المحررة والمفتوحة .

جبهة البصرة   ـ 3 ـ
   اما الفصل الخامس فقد خصص لدراسة التنظيم الاجتماعي والمالي لمدينة البصرة ، وقد كرس القسم الاول منه لدراسة التنظيم الاجتماعي لمدينة البصرة ، مبينةً فيه اهم القبائل العربية التي استوطنت البصرة ، وشكلت العنصر الاساسي لسكان هذه المدينة التي كان لها التأثير الفعال في اضفاء الصبغة القبلية على التنظيم الاجتماعي لهذه المدينة ، وقد تبين من هذه الدراسة أن الغالبية العظمى من سكان هذه المدينة يعود الى القبائل العربية التي كانت تقطن بادية البصرة قبيل بدء حركات التحرير العربي الاسلامي بالقياس الى القبائل العربية التي نزحت اليها فيما بعد من شرق الجزيرة العربية ، كما تطرق الى اهم العناصر الاخرى التي سكنت البصرة بجانب القبائل العربية وهم الاعاجم الذين لم يكن لهم ذلك التأثير في التنظيم الاجتماعي لهذه المدينة ، كذلك شملت الدراسة كيفية نمو سكان البصرة وزيادة اعداده خلال هذه الفترة .
   اما القسم الثاني فقد خصص لدرسة التنظيم المالي لمدينة البصرة حيث تكلمت فيه عن اهم واردات البصرة من خراج وجزية وغنائم وضرائب على التجارة وغيرها من واردات البلاد المفتوحة ، كما بينت اهم الاوجه التي تصرف فيها هذه الواردات من عطاء وارزاق للجند ورواتب للموظفين .

تحليل المصادر
   يقتضينا البحث في النواحي العسكرية والادارية والاجتماعية والمالية من خلال الفترة الراشدية الرجوع الى مصادر متنوعة ، ولأجل اعطاء صورة واضحة عن المهم منها وذي الصلة الوثيقة بموضوع البحث ، قمنا بتقسيمها حسب انواعها وموضوع مادتها الى اقسام وكما يلي :

( 1 ) مصادر التاريخ العام
   يعد كتاب ( التاريخ ) لخليفة بن خياط ( ت 240 هـ / 854 م) من مصادرنا التاريخية المهمة عن حروب التحرير العربية ضد الفرس في العراق ، وعن الفتوحات العربية الاسلامية في بلاد فارس زمن الخلفاء الراشدين ، فقد قدم لنا معلومات مهمة عن تحرير الجيش العربي الاسلامي لمنطقة البصرة وجنوب العراق واقليم الاحواز .

جبهة البصرة   ـ 4 ـ

   ومن اهم الكتب التاريخية التي اعتمدت عليها اعتماداً كبيراً ، ووصلتنا فيه معلومات كثيرة عن البصرة ، كتاب ( فتوح البلدان ) ( للبلاذري ) ( ت 279 هـ / 892 م) فقد وردت فيه معلومات واسعة ومهمة عن تحرير منطقة البصرة والاقاليم التي تم تحريرها وفتحها على يد جند البصرة بما في ذلك تحرير دجلة والاحواز وفتح اقليم فارس ومكران وكرمان وسجستان وخراسان ، كما افرد فيه المؤرخ فصلاً قيماً عن تمصير البصرة واهم معالمها العمرانية من قصور وحمامات وانهار ، كذلك اورد فيه معلومات قيمة عن الادارة والضرائب والديوان ، فهو ينفرد بكثير من المعلومات عن البصرة التي لا ترد في المصادر الاخرى لذا اصبح كتاب ( فتوح البلدان ) من المصادر الرئيسية لعدد من المؤرخين الذين نقلوا منه عن البصرة ، وخاصة ابن الفقيه الهمداني ( ت 340 هـ / 951 م ) في كتابه ( مختصر كتاب البلدان ) وقدامه بن جعفر ( ت 337 هـ / 948 م ) في كتابه( الخراج وصناعة الكتابة ) وياقوت الحموي ( ت 626 هـ / 1228 م ) في كتابه ( معجم البلدان ) .
   اما كتاب ( الاخبار الطوال ) لأبي حنيفة الدينوري ( 282 هـ / 895 م ) وكتاب ( التاريخ ) لأحمد بن واضح اليعقوبي ( 284 هـ / 897 م ) فعلى الرغم من اختيار روايتهم وعدم اتباعهما طريقة للاسناد لمعرفة مصادرهما الا انهما قدما لنا معلومات اساسية وقيمة اغنت الدراسة وخاصة فيما يتعلق بالجوانب العسكرية والادارية .
   ويعد كتاب ( تاريخ الرسل والملوك ) للطبري ( ت 310 هـ / 922 م ) في مقدمة الكتب التي اعتمدنا عليها في الكتابة عن الجوانب العسكرية والادارية والمالية ، فقد اورد لنا معلومات واسعة عن تأسيس البصرة ، وفتوح مقاتليها ، فهو يحوي الكثير من التفصيلات والروايات التي تتحدث عن هذه الفترة ، وما جاء في كتاب الطبري من معلومات واسعة اصبح المصدر الرئيسي لمن تلاه من المؤرخين فنقلوا عنه حرفياً وخاصة ابن الاثير ( 630 هـ / 1232 م ) في كتابه ( الكامل في التاريخ ) وابن خلدون ( 808 هـ / 1405 م ) في كتابه ( العبر ) .

( 2 ) المصادر الجغرافية
   امدتنا المصادر التاريخية بمعلومات قيمة عن البصرة ، فقد حفلت هذه الكتب بالكثير من المعلومات ذات الاهمية عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والادارية لهذه المدينة

جبهة البصرة   ـ 5 ـ

الى جانب عنايتها بالدرجة الاساس بالمعلومات الجغرافية ، حيث افادت هذه المصادر البحث بجميع فصوله ومن بين هذه الكتب كتاب ( البلدان ) لليعقوبي ( ت 284 هـ / 897 م ) وكتاب الاعلاق النفيسة ( لابن رسته ) ( ت 290 هـ / 902 م ) وكتاب ( المسالك والممالك ) لأبن خرداذبه ( ت 300 هـ / 912 م ) وكتاب ( مختصر كتاب البلدان ) ، لأبن الفقيه ( ت 340 هـ / 951 م ) وكتاب مسالك الممالك ) للأصطخري ( ت 341 هـ / 957 م ) وكتاب ( صورة الارض ) « لأبن حوقل » ( ت 367 هـ / 979 م ) ، وكتاب ( احسن التقاسيم في معرفة الاقاليم ) « للمقدسي » ( ت 375 هـ / 985 م) وكتاب ( معجم ما استعجم من اسماء البلاد والمواقع ) « للبكري » ( ت 487 هـ / 1094 م ) .
   وينفرد كتاب ( معجم البلدان ) « لياقوت الحموي » ( ت 626 هـ / 1228 م ) عن الكتب الجغرافية الاخرى بتناوله الواسع لمختلف الجوانب العسكرية والادارية والاجتماعية والاقتصادية اضافة الى الجوانب الجغرافية ، وقلما تتوفر معلومات واسعة عن جميع النواحي في مؤلف واحد كما توفرت في كتاب ( معجم البلدان ) ، وذلك لانه استمد معلوماته من مصادر اخرى وخاصة كتاب ( معجم البلدان ) « للبلاذري » وكتاب ( تاريخ البصرة ) لأبي زكريا الساجي ( ت 282 هـ / 1895 م ) الذي لا يزال هذا الكتاب مفقوداً .

( 3 ) مصادر الانساب
   اما مصادر الانساب فقد اوردت لنا معلومات واسعة ومهمة عن القبائل العربية التي استوطنت البصرة وكونت اهم عناصر سكانها من خلال ذكر انسابها وعلاقة بعضها بالبعض الآخر ، ومواضع سكنى هذه القبائل في الجزيرة العربية قبل نزوحها الى البصرة والاستقرار فيها ، ومن ابرز كتب الانساب كتاب ( جمهرة النسب ) لأبن الكلبي ( ت 204 هـ / 819 م ) الذي نظمه تبعاً للقبائل العربية ، ذاكراً علاقاتها النسبية وابرز رجالها ودورهم في السياسة والادارة ، كما اشار الى مواضع سكنى هذه القبائل في الجزيرة العربية وفي الامصار الاسلامية ، وقد كانت اشارته عن قبائل البصرة مقتضبة لكنها مفيدة في الوقت نفسه ، وقد كان هذا الكتاب مصدراً رئيسياً لما كتبه عن الانساب كل من ابن دريد ( ت 321 هـ / 933 م ) في كتابه ( الاشتقاق ) وابن حزم ( ت 456 هـ / 1063 م ) في كتابه ( جمهرة انساب العرب ) وقد اختصر ياقوت الحموي كتاب ( جمهرة النسب ) لأبن الكلبي في كتاب اسماه ( المقتضب من كتاب جهمرة النسب ) .

جبهة البصرة   ـ 6 ـ

   ومن كتب النساب التي تم الاعتماد عليها كتاب ( عجالة المبتدى وفضالة المنتهى من النسب ) للحازمي ( ت 584 هـ / 1188 م) الذي رتب مادته بشكل معجم مفصل مرتب حسب الحروف الهجائية للنسب ، وقد اورد فيه اسماء كثيرة من القبائل والعشائر التي استوطنت اكثرها او عامتها البصرة ، وبجانب هذه الكتب هناك كتب انساب أخرى افادتني في بحثي هذا كتاب ( الانباه على قبائل الرواه ) لأبن عبد البر ( 463 هـ / 1070 م) وكتابي ( نهاية الارب في معرفة قبائل العرب ) و ( قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان ) للقلقشندي ( ت 821 هـ / 1418 م) .

( 4 ) المصادر الفقهية
   تعد كتب الخراج من اهم المصدر الفقهية التي افادت البحث بشكل كبير ، وتأتي اهميتها من حيث عنايتها بالشؤون الاقتصادية والادارية ، فقد اوردت معلومات عن النظام المالي من توزيع الغنائم الى انشاء الديوان وفرض العطاء ومقاديره ، هذا بالاضافة الى تطرقها الى نظرة الخلافة والقبائل الى الاراضي المحررة والمفتوحة ، وما استقر عليه رأي الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) في تنظيم هذه الاراضي ، وتبدو اهمية هذه المصادر في عملية التوفيق بين الواقع العملي والنظرية الفقهية الاسلامية في الفصل الاخير من الرسالة ومن ابرز هذه الكتب كتاب ( الخراج ) لأبي يوسف ( ت 182 هـ / 798 م ) وكتاب ( الخراج ) ليحيى بن آدم ( ت 213 هـ / 828 م ) وكتاب ( الاموال ) لأبي عبيدة ( ت 224 هـ / 838 م ) وكتاب ( الاحكام السلطانية والولايات الدينية ) الماوردي ( ت 450 هـ / 1058 م ) .

( 5 ) المصادر الادبية
   بالرغم من ان المصادر الادبية لم تكن مختصة بالمسائل التاريخية البحته او الجغرافية الا انه لا يمكن الاستغناء عنها في اي بحث من البحوث التاريخية لما فيها من معلومات مهمة وقيمة ، وبالرغم من تناثر تلك المعلومات بين طياتها ، فقد اسهمت تلك المصادر في اعطاء مادة قيمة عن الجوانب الاجتماعية والادارية لمدينة البصرة ، حيث تناول بعضها الحديث عن القبائل وعن التمصير والضرائب والديوان ، واهم المصادر الادبية في هذا المجال كتاب ( النقائض ) لأبي عبيدة ( ت 209 هـ / 824 م ) وكتاب ( البيان والتبيين ) للجاحظ ( ت 255 هـ / 868 م) وكتاب ( عيون الاخبار ) لأبن قيبة ( ت 276 هـ / 889 م)

جبهة البصرة   ـ 7 ـ
وكتاب ( الكامل في الادب ) للمبرد ( 285 هـ / 898 م ) وكتاب ( العقد الفريد ) لأبن عبد ربه ( ت 328 هـ / 939 م) وكتاب ( الاغاني ) لأبي فرج الاصفهاني ( ت 360 هـ / 970 م ) وكتاب ( لطائف المعارف ) الثعالبي ( ت 429 هـ / 1037 م ) وكتاب ( صبح الاعشى في صناعة الانشا ) للقلقشندي ( 821 هـ / 1418 م ) .
   ومن الكتب الحديثة والقيمة التي افادت البحث بصورة خاصة كتابي ( التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة ) و ( خطط البصرة ومنطقتها ) للدكتور صالح احمد العلي تناول فيهما دراسة الاحوال الجغرافية والاجتماعية والادارية والمالية للبصرة خلال القرن الاول الهجري ، ولابد من الاشادة بهذين الكتابين اللذين فتحا امامي طريق البحث والاستقصاء ، وكذلك كتاب ( دراسات في تاريخ المدن العربية الاسلامية ) للدكتور عبد الجبار ناجي .
   واخيراً لا يمكنني ان ادعي هنا ، بأني استطعت الاحاطة بكل جوانب الموضوع ، فهذا يحتاج الى اكثر من بحث ورسالة ، والى فترة زمنية طويلة لانجازه ، ولكني ارجوا ان اكون قد وفقت في ايضاح بعض الجوانب المهمة به ، كما ارجو أن تتوالى دراسات الباحثين في هذا الميدان ، وتتابع ما يحتاج منه الى الدراسة والتوسع ، والله نسأل ان يوفقنا ، وهو ولي التوفيق ، وله الكمال وحده .

جبهة البصرة   ـ 8 ـ

جبهة البصرة   ـ 9 ـ


المعنى الجغرافي لإسم البصرة

   دون شك أن تحديد الرقعة الجغرافية التي انشأت عليها مدينة البصرة قبل تمصيرها واتخاذها قاعدة لأنطلاق الجيوش العربية الاسلامية عملية صعبة وتكمن صعوبتها في ان ما يتوفر من نصوص تاريخية وجغرافية لا يفيد في تحديد هذه الرقعة على وجه الدقة ، كما أن البصرة ـ مصطلحاً لغوياً ـ لم يكن موجوداً قبل بدء عملية التحرير العربي الاسلامي لجنوب العراق .
   وأن دراسة المعنى اللغوي لهذا المصطلح ( البصرة ) بداية حتمية لدراسة جغرافية المدينة وتطورها ، حيث تؤكد جميع التفسيرات اللغوية التي وردت لكلمة البصرة في المعاجم اللغوية والكتب التاريخية ، بأن اصل الكلمة مأخوذ من الطبيعة الجغرافية للأرض التي انشأت عليها مدينة البصرة ، وقد عرف عن العرب ومنذ القدم انهم يتأثرون بالطبيعة ويصفونها ادق وأصدق وصف كما هو الحال في وصفهم لأرض العراق بأرض السواد (1) .
   ولهذا وردت تفسيرات متعددة لكلمة البصرة ، حيث تذكر احدى التفسيرات أن الكلمة تطلق على الارض التي تكون ذات حصاً وحجارة سوداء وصلبة ، فيقال لها حينئذ بصرة (2) .

**************************************************************
(1) انظر البلاذري : ابو الحسن احمد بن يحيى بن جابر ، فتوح البلدان ، دار الكتب العلمية ـ بيروت 1978 م ، ص 297 ، ياقوت بن عبد الله الحموي ، معجم البلدان دار الكتاب العربي ، بيروت 3 / 272 .
(2) البلاذري : الفتوح ص 336 . الدينوري : ابي حنيفة احمد بن داود ، الاخبار الطوال ، تحقيق . عبد المنعم عامر ، ط 1 القاهرة ـ 1960 م ، ص 117 ، قدامه بن جعفر : الخراج وصناعة الكتابة ، شرح وتعليق د . محمد حسين الزبيدي ، مطبعة دار الحرية ، بغداد ـ 1981 م ، ص 365 ، المقدسي : محمد بن احمد المعروف بالبخاري ، احسن التقاسيم في معرفة الاقاليم ، تحقيق . دي خويه ، مطبعة بريل ، ليدن ـ 1906 م ، ط 2 ، اوفسيت مكتبة المثنى ـ بغداد ، ص 118 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 430
.

جبهة البصرة   ـ 10 ـ

   كذلك كلمة البصرة تعني الحجارة الرخوة الضاربة الى البياض (1) ، وتعني ايضاً الارض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدواب (2)، كما تعني عند البعض الارض الحمراء الطينية (3) ، وعند البعض الآخر الطين العلك الجيد الذي فيه حصاً (4).
   يتسنى من النصوص ان كلمة البصرة تدل بصورة عامة على معنيين متضاديين ، فالمعنى الاول هو الارض الغليظة الصلبة ، والمعنى الآخر هو الارض الرخوة الضاربة الى البياض ، وعلى هذا الاساس فأن كلمة البصرة من الكلمات العربية المتضادة .
   وفي ضوء ما تقدم يتضح لنا مدى التداخل بين أصل كلمة البصرة والطبيعة الجغرافية لأرض هذه المنطقة .

**************************************************************
(1) خليفة بن خياط : التاريخ ، تحقيق . اكرم ضياء العمري ، ط 2 ، بيروت ـ 1977 م ، ص 128 ، البلاذري : فتوح ص 336 ، الطبري : ابو جعفر بن جرير ، تاريخ الرسل والملوك ، تحقيق ابو الفضل ابراهيم ، ط 4 ، دار المعارف ـ القاهرة ، 3 / 591 .
ابن الفقيه ، ابو بكر احمد بن محمد الهمداني المعروف بابن الفقيه ، مختصر كتاب البلدان ، مطبعة بريل ، ليدن ـ 1302 هـ ، 187 ، المقدسي : احسن التقاسيم ص 118 . ياقوت : معجم البلدان 1 / 430 ، ابن منظور : ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ، لسان العرب ، دار صادر ـ دار بيروت ، بيروت 1968 ، 4 / 67 ، الزبيدي : محمد مرتضى الحسيني ، تاج العروس من جواهر القاموس ، مطابع دار صادر ـ بيروت 1966 م ، 3 / 49 .
(2) المقدسي : احسن التقاسيم ص 118 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 430 ، ابن منظور : لسان العرب 4 / 67 ، الزبيدي : تاج العروس 3 / 49 .
(3) ياقوت : معجم البلدان 1 / 430 ، ابن منظور : لسان العرب 1 / 67 ، الزبيدي : تاج العروس 3 / 49 .
(4) نفس المصادر السابقة
.

جبهة البصرة   ـ 11 ـ

الاوضاع الجغرافية لمنطقة البصرة
   انشأت البصرة في بدايتها على طريق البادية على بعد اربعة فراسخ (1) ، من نهر دجلة العوراء ( شط العرب ) (2) ، الذي يحدها من الشرق ، اما من الغرب فكانت تحدها البادية المتصلة بنجد (3) ، ومن الجنوب يحدها الخليج العربي (4) ، ومن الشمال منطقة البطائح (5) .
   وتعد منطقة البصرة امتداداً للسهل الرسوبي العراقي تكونت اراضيها الخصبة بفعل الترسبات التي يحملها نهر دجلة العوراء ، ولكن خصوبة هذه الاراضي تختلف بحسب موقعها من النهر ، فالاراضي القريبة منه تمتاز بخصوبتها في حين هذه الخصوبة تقل كلما توجهنا نحو الغرب حيث تصبح اراضيها رملية

**************************************************************
(1) الفرسخ يساوي ثلاثة اميال اي حوال ست كيلو مترات . انظر هنتس : فالتر ، المكاييل والاوزان الاسلامية ترجمة د . كامل العسلي ، منشورات الجامعة الاردنية ـ 1970 م ، ص 94 .
(2) قدامه : الخراج ص 88 ، الاصطخري : ابو اسحق ابراهيم بن محمد ، مسالك الممالك ، تحقيق د . محمد جابر الحيني ، مطابع دار قلم ـ القاهرة 1381 هـ ـ 1961 م ، ص 57 ، ابن الفقيه : البلدان ص 187 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 183 .
(3) انظر البلاذري : الفتوح ص 350 ، الاصطخري : مسالك الممالك ص 56 ، ابن حوقل : ابي القاسم حوقل ، صورة الارض ، دار مكتبة الحياة ـ بيروت ص 212 ، ابن الفقيه : البلدان ص 161 ، 188 .
(4) انظر ابن رسته : ابو علي احمد بن عمر ، الاعلاق النفيسة ، مطبعة بريل ، ليدن ـ 1891 م ، ص 94 ، المسعودي : ابو الحسن علي بن الحسين بن علي ، التنبيه والاشراف ، مكتبة الهلال ، بيروت ـ لبنان 1981 م ، ص 51 ، الاصطخري : مسالك الممالك ص 56 ، ابن حوقل : صورة الارض ص 208 .
(5) انظر ابن رسته : الاعلاق ص 94 ، 95 ، المسعودي : التنبيه والاشراف ص 63 ، الاصطخري : مسالك الممالك ص 57 ، ابن حوقل : صورة الارض ص 214
.

جبهة البصرة   ـ 12 ـ

سبخه (1) .
   وبفعل ظاهرة المد والجزر التي يتعرض لها نهر دجلة العوراء (2) ، ساعد على تقليل سرعة التيار المائي فيه ، وهذا مما ساعد على كثرة ترسباته في المنطقة ، مما جعل سهل البصرة سهلاً مرتفعاً عن الخليج العربي وعن منطقة البطائح ايضاً (3) .
   كذلك كانت المنطقة تتعرض الى تأثير الطرق بالمستنقعات المجاورة عندما يرتفع منسوب المياه فيها ، حيث كان الماء في بعض الاحيان يغطي المنطقة المحصورة بين دجلة العوراء وحافة البادية (4) ، ونتيجة تعرض المنطقة لهذه الظاهرة ولمرات عديدة جعل العرب يصفون ارض البصرة بأنها ارض سبخة بشاشة ، لا يجف ثراها ، ولا ينبت مرعاها ، كما جاء في قول الاحنف بن قيس ، عندما قدم على الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) في اهل البصرة ، حيث قال : ياأمير المؤمنين أن مفاتيح الخير بيد الله وأن اخواننا من اهل الامصار نزلوا منازل الامم الخالية بين المياه العذبة والجنان الملتفة ، وانا نزلنا ارضاً بشاشة لا يجف ثراها ، ولا ينبت مرعاها ، ناحيتها قبل المشرق البحر الاجاج ومن قبل المغرب الفلاة . . . ) (5) .
   والملاحظ على طبيعة ارض البصرة أن اغلب اراضيها اراضي منبسطة ما عدا بعض التلال المتفرقة والاودية المنتشرة في بادية البصرة واهم هذه التلال تل عال يعرف بجبل سنام ، وهو جبل مشرف على البصرة يقع في جنوبها على طريق

**************************************************************
(1) البطيحي : عبد الرزاق محمد ، دراسة في جغرافية العراق الزراعية ، مطبعة الارشاد ، بغداد ، 1972 م ، ص 18 ، 34 ، 35 ، 38 ، 52 . الخلف : جاسم محمد ، جغرافية العراق الطبيعية والبشرية ، نشر معهد الدراسات العربية العالمية بجامعة الدول العربية ، مطبعة دار المعرفة ، ط 2 ، القاهرة 1965 م ، ص 46 ، 47 .
(2) ابن رسته : الاعلاق ص 94 ، الاصطخري : مسالك الممالك ص 57 ، ابن حوقل : صورة الارض ص 213 ، ابن الفقيه : البلدان ص 189 ، المقدسي ، احسن التقاسيم ص 118 .
(3) الخلف : جغرافية العراق ص 50 ، جوده : جمال محمد داود محمد ، العرب واراضي العراق في صدر الاسلام ، ص 46 .
(4) انظر بهجت : مؤيد جواد ، الجغرافية التاريخية لمدينة البصرة حتى نهاية القرن السابع الهجري ، المنامة ، 1404 هـ ـ 1984 م ، ص 141 .
(5) البلاذري : الفتوح ص 350 ، ابن الفقيه : البلدان ص 189 ، ياقوت : معجم البلدان ص 316
.

جبهة البصرة   ـ 13 ـ

اليمامة (1) ، وبالقرب من جبل سنام تقع عين ماء تدعى شقر (2) ، والى الشمال منه تقع عين ماء سفوان (3) .
   اما بالنسبة الى الاودية المنتشرة في بادية البصرة فالصفة الغالبة عليها هو انتشارها من هضبة نجد باتجاه بادية البصرة ومن اعظم هذه الاودية وادي الدهناء الواقع على الطريق من البصرة الى مكة ، الذي كانت تسكنه قبيلة تميم (5) .
   ووادي السباع الذي يقع جنوب غرب البصرة ، على بعد خمسة اميال منها وعلى الطريق المؤدي الى مكة (5) ، وكان وادي السباع يعرف بوادي النساء ، لأن النساء كن يذهبن اليه ويلتقطن الكمأ فسمي بوادي النساء (6) ، ولكنه عرف فيما بعد بوادي السباع .
   ومن التضاريس المهمة في البصرة ، نهر دجلة العوراء ( شط العرب ) الذي يعتبر الممر المائي الرئيسي فيها ، والذي واكب عملية التطور العمراني فيها عبر مراحلها التاريخية ، ومن الملاحظ عن هذا النهر أنه ليس هناك معلومات دقيقة ووافية عن اوصافه ومجراه خلال القرن الاول الهجري في منطقة البصرة ، سوى أن له خور وهذا الخور طوله فرسخ ، وكانت مياه الامطار تتجمع فيه ومن الملاحظ على هذه المياه انها تنضب اثناء الجزر ولكنها تعود اليه اثناء المد ، ويحده من جهة البصرة وعلى بعد ثلاثة فراسخ منه غور واسع كان يعرف بأسم الاجانة ، وقد عرف بعد ذلك في الاسلام بأسم الجزاره (7) ، وقد حفر في زمن الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) ( 13 ـ 23 هـ / 634 ـ 643 م ) ومن احدى المواضع الواقعة على غور الأجانة والمسمى ( أيكن ) نهر الابلة ولمسافة ثلاثة فراسخ حتى وصل البصرة فأصبح طول نهر الابلة عندئذ اربعة فراسخ بما في ذلك الخور الذي يبلغ طوله فرسخاً (8) .

**************************************************************
(1) البكري : عبد الله بن عبد العزيز ، معجم ما استعجم من اسماء البلاد والمواضع ، ط 1 تحقيق . مصطفى السقا ـ القاهرة ـ 1945 م ، 3 / 758 ، ياقوت معجم البلدان 3 / 260 .
(2) ياقوت : معجم البلدان 3 / 355 .
(3) البكري : معجم ما استعجم 3 / 759 ، ياقوت : معجم البلدان 3 / 225 .
(4) ياقوت : معجم البلدان 2 / 493 .
(5) ياقوت : معجم البلدان 5 / 343 .
(6) النبهاني : محمد الشيخ خليفة بن حمد ، التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، منشورات مركز دراسات الخليج العربي ، جامعة البصرة ـ 1980 م ، ص 113 .
(7) البلاذري : الفتوح ص 351 ، ابن الفقيه : البلدان ص 189 ، ياقوت : معجم البلدان 5 / 316 .
(8) انظر البلاذري : الفتوح ص 351 ، الاصطخري : مسالك الممالك ص 57 ، ابن حوقل : صورة الارض ص 212 ، ابن الفقيه : البلدان ص 190 ، ياقوت : معجم البلدان 5 / 316
.

جبهة البصرة   ـ 14 ـ

   وبالاضافة الى نهر الابلة فأنه بعد تمصير البصرة وتوسعها وتطورها ادارياً فقد تم حفر مجموعة من الانهار تتفرع من المورد الرئيسي دجلة العوراء ، لكي توازن ذلك التطور العمراني للمدينة ومن هذه الانهار نهر أبي أسد وعلى بعد فرسخين منه نهر المرأة ، ثم نهر المعقل بالاضافة الى عشرات الانهار التي كان لبعضها تأثير ضعيف على المدينة (1) .

التوسع الجغرافي والاداري لمنطقة البصرة
   دون شك أن مدينة البصرة هي مدينة مستحدثة حيث انها لم تكن موجودة قبل بدء حركات التحرير العربي الاسلامي للعراق انشأها المقاتلون العرب اثناء عمليات التحرير عندما وفدوا الى المنطقة مع القائد عتبة بن غزوان ، وقد خضعت البصرة بعد ذلك وبفعل التوسعات العسكرية الى عمليات التطور الاداري والتوسع العسكري شأنها شأن المدن الاسلامية المستحدثة الاخرى ، لذا اصبحت البصرة جغرافياً وادارياً اوسع بكثير عما كانت عليه عند بداية تأسيسها فقد ضمت مدناً ومراكز ادارية متعددة اهمها من جبهة الشرق وعلى نهر دجلة العوراء :

( 1 ) الابلة
   تعد الابلة من اهم واكبر مدن البصرة الواقعة على دجلة العوراء ( شط العرب ) والى ذلك اشار الاصطخري بقوله : للبصرة مدن فأما عبادان والابلة والمفتي والعشار فعلى شاطيء دجلة وهي مدن صغار متقاربة في الكبر عامرة إلا الابلة فأنها اكبرها (2) ، وللدلالة على اهمية موقع الابلة على نهر دجلة العوراء ، اطلق المسعودي على ( دجلة العوراء ) ( دجلة الابلة ) (3) .

**************************************************************
(1) انظر البلاذري : الفتوح ص 351 ـ 363 ، ياقوت : معجم البلدان 5 / 314 ـ 324 ، بالاضافة الى دراسات حديثة تناولت دراسة انهار البصرة وبشكل مفصل منها :
العلي : صالح احمد ، خطط البصرة ، مجلة سومر ، مجلد 8 ، بغداد ـ 1952 م ، 1 / 75 ـ 83 ، العلي : خطط البصرة ومنطقتها ، مطبعة المجمع العلمي العراقي 1406 هـ ـ 1986 م ص 139 ـ 188 ، الكاتب : محمد طارق ، شط العرب وشط البصرة والتاريخ ، ط 1 ، البصرة 1391 هـ ـ 1971 م ، ص 29 ـ 82 ، الساعدي : كاظم جواد ، تاريخ البصرة ، مطبعة القضاء ، النجف ـ 1959 م ، ص 16 ـ 40 ، العيدان : هدية جوان ، تخطيط مدينة البصرة في القرن الاول الهجري ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة بغداد ـ 1983 م ، ص 70 ـ 96 .
(2) الاصطخري : مسالك الممالك ، ص 57 ، انظر كذلك ابن حوقل : صورة الارض ص 224 .
(3) المسعودي : التنبيه والاشراف ص 63
.

جبهة البصرة   ـ 15 ـ

   ويحدد المقدسي موقعها فيقول انها على دجلة عند فم نهر البصرة (1) ، اما ناصر خسرو فيذكر أن شط العرب يقع شرقي الابلة ، وأن الابلة تقع على الجانب الشمالي من النهر المسمى بها ( نهر الابلة ) (2) أي عند إلتقاء نهر الابلة بدجلة العوراء ، في حين يحدد ياقوت موقعها بقوله ( على شاطيء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج العربي الذي يدخل الى مدينة البصرة ) (3) .
   وعلى ضوء ما تقدم فأنه يمكن القول أن مدينة الابلة كانت تقع عند رأس الخليج العربي الداخل الى مدينة البصرة والى الغرب نهر شط العرب .
   وقد اكتسبت مدينة الابلة قبل التحرير العربي الاسلامي لها وبفضل موقعها الجغرافي اهمية تجارية وعسكرية ، فموقع الابلة عند رأس الخليج العربي والى الغرب من نهر دجلة العوراء جعلها تكون ميناءاً تجارياً مهماً الى الحد الذي جعل الفرس يعتمدون عليه في تجارتهم مع الهند والصين من جهة (4) ، ويساهم في ايصال تجارتهم الى عاصمتهم الشتوية المدائن عن طريق نهر دجلة من جهة اخرى (5) .
   وبالاضافة الى ما ذكر فأن مدينة الابلة كانت معروفة بأهميتها التجارية لدى العرب ، حيث كانت تعد مركزاً تجارياً مهماً يجذب القوافل التجارية العربية الى هذه المنطقة التي كانت تعرف عند العرب في عصر قبل الاسلام ( بأرض الهند أو ثغر الهند ) (6) .
   وقد حظيت الابلة كذلك باهمية عسكرية لدى الفرس ، وذلك لقربها من البادية حيث كانت معرضة للهجمات التي كانت تشنها القبائل العربية ضد الوجود الفارسي في هذه المنطقة ولكونها الميناء الرئيسي للفرس ، فقد خصص لها الفرس قوة كافية لحمايتها ، ولعل حامية الابلة

**************************************************************
(1) المقدسي : احسن التقاسيم ص 118 . (2) انظر ناصر خسرو : ابو معين الدين القياذياني المروزي ، سفرنامه ، ط 1 ـ 1945 م ، ترجمة د . يحيى الخشاب ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، ص 99 ـ 100 .
(3) ياقوت : معجم البلدان 1 / 77 .
(4) البلاذري : الفتوح ص 337 ، الدينوري : الاخبار الطوال ص 117 ، الطبري : التاريخ 3 / 594 . (5) انظر ابن رسته : الاعلاق ص 95 .
(6) خليفة : التاريخ ص 117 ، الطبري : التاريخ 3 / 343 ، المسعودي : مروج الذهب ومعادن الجواهر ، باريس ـ 1914 م ، 4 / 225 . ياقوت : معجم البلدان 1 / 432 ، ابن الاثير : عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم ، الكامل في التاريخ ، مطبعة دار صادر ـ دار بيروت ، 1965 م ، 2 / 486
.

جبهة البصرة   ـ 16 ـ

كانت من أعظم الحاميات الفارسية في جنوب العراق ، لذلك أعدها الرواة من أعظم مصالح (1) الفرس شأناً ، واشدها شوكة (2) .
   ولزيادة تحصينات هذه المدينة فقد وضع الفرس امام الابلة ومن الجهة الغربية مسلحتين متقدمتين هما الخربية ، والتي بمثابة حصن يحمي الابلة من جهة الغرب ، ويسد طريق ( خفان (3) ـ البصرة ) وطريق (الحفير ـ البصرة ) ، اما المسلحة الثانية فهي ، كاظمة الواقعة على ساحل الخليج العربي وهي بمثابة حصن يسد الطريق القادم من اليمامة الى البحر بمحاذاة الخليج العربي .    لذلك فأن تحرير هذه المدينة وتطهيرها من دنس الفرس ، يعني القضاء على مركز القوة الفارسية الموجودة في هذه المنطقة مما يفسح المجال امام القوات العربية الاسلامية لتحرير جنوب العراق وسيهل عملية توغلها لتحرير أرض الاحواز .

( 2 ) عبادان
   هي إحدى المدن التابعة الى البصرة ، والواقعة اقصى الجنوب الشرقي من منطقة البصرة (4) ، على نهر دجلة العوراء ، حيث يقول الاصطخري ، عنها انها ( حد العراق )

**************************************************************
(1) المسلحة : قوم في عدة بموضع رصد وقد وكلوا به بأزاء ثغر ، واحد هم مسلحي والجمع مسالح ، والمسلحة كألثغر والمرقب . وقال ابن شميل مسلحة الجند خطاطيف لهم بين ايديهم ينفضون هم الطريق ويتجسسون خبر العدو ويعلمون علمهم لئلا يهجم عليهم ولا يدعون احداً من العدو يدخل بلاد المسلمين وأن جاء جيش أنذروا المسلمين .
ابن منظور : لسان العرب 2 / 487 . فألمسلحة اذاً هي الجماعة المسلحون المعدون للقتال وسموا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح ويسكنون المسلحة ، كما تعرف بالعربية بالمنظرة ويقابلها المسلحة بالفارسية ، ويطلق عليها في الاصطلاحات العسكرية الحديثة الحامية . علي : جواد ، المفصل في تاريخ قبل الاسلام . بيروت ـ 1969 م . 2 / 629 ، خطاب : محمود شيت ، قادة فتح بلاد فارس ، ط 1 ، دار الفتح ، بيروت ـ 1965 م . ص 13 .
(2) انظر الطبري : التاريخ 3 / 348 ، ابن الاثير : الكامل 2 / 385 ، ياقوت : معجم البلدان 1 / 77 .
(3) خفان : موضع يقع قرب الكوفة فوق القادسية بقليل على طرف البادية . ياقوت : معجم البلدان 2 / 379 .
(4) لسترنج : كي ، بلدان الخلافة الشرقية ، ترجمة بشير فرنسيس ، كوركيس عواد ط 4 ، بغداد ـ 1954 م ، ص 65
.

جبهة البصرة   ـ 17 ـ

وإن دجلة ( ينتهي عمودها الى البحر بعبادان ) ، ويضيف قائلاً أن للبصرة مدناً : فأما عبادان والابلة والمفتح والمذار فعلى شاطيء دجلة (1) .
   ويقول المقدسي عن عبادان انها مدينة في جزيرة بين دجلة والعراق ونهر خوزستان على البحر ليس وراءها بلد ولا قرية إلا البحر . . . ) (2) .
   أما ناصر خسرو فيقول ( تقع عبادان على شاطيء البحر وهي كالجزيرة إذ أن النهر ينقسم هناك الى قسمين مما يجعل بلوغها متعذراً من أي ناحية بغير عبور الماء ويقع المحيط جنوب عبادان . . . ) (3) .
   ومع أن ياقوت يتفق مع قول ناصر خسرو في تحديد موقعها إلا أنه يكون اكثر إيضاحاً عندما يذكر : أن عبادان تقع تحت البصرة قرب البحر المالح ، حيث أن دجلة إذا قاربت البحر انفرقت فرقتين عند قرية تسمى المحرزي ففرقة يركب فيها الى ناحية البحرين نحو بر العرب وهي اليمنى ، فأما اليسرى فيركب فيها الى سيراف وجنابه فارس فهي مثلثة الشكل ، وعبادان في هذه الجزيرة التي بين النهرين . . .) (4) .
   ولاهمية موقع عبادان الجغرافي كونها تقع عند مدخل نهر دجلة العوراء فقد اتخذ بها من قبل العرب المسلمين مسلحة لحراسة هذا مدخل هذا النهر ، والى ذلك اشار الاصطخري حينما وصف عبادان بقوله ( أنها حصن صغير عامر على شاطيء البحر . . . وبها على دوام الايام مرابطون . . .) (5) .

**************************************************************
(1) الاصطخري : مسالك الممالك ص 56 ، 57 .
(2) المقدسي : احسن التقاسيم ص 118 .
(3) ناصر خسرو : سفرنامه ص 99 ـ 100 .
(4) ياقوت : معجم البلدان 4 / 74 .
(5) الاصطخري : مسالك الممالك ص 31 ، انظر كذلك المقدسي : احسن التقاسيم ص 118 ، ياقوت : معجم البلدان 4 / 74 . لسترنج : بلدان الخلافة الشرقية ص 70
.

جبهة البصرة   ـ 18 ـ

( 3 ) الـمـذار
مدينة صغيرة واقعة على نهر دجلة ، بين واسط والبصرة وهي قصبة ميسان (1) ، بينها وبين البصرة مقدار اربعة ايام (2) ، اصبحت بعد التحرير العربي الاسلامي لها احدى المدن التابعة الى البصرة ، حيث اعدها كل من الاصطخري والمقدسي من مدن البصرة (3) .
   وكان قد تم تحريرها على يد القائد عتبة بن غزوان ( سنة 14 هـ / 635 م ) حيث ذكر البلاذري ، أن عتية بن غزوان لما فتح الابلة سار الى الفرات فلما فرغ منها سار الى المذار فخرج اليه مرزبانها فقالته فهزمه الله وغرق عامة من معه وأخذ مرزبانها فضرب عنقه (4) .

( 4 ) المفتـح
هي إحدى المدن الصغار الواقعة الى الشرق من نهر دجلة (5) ، والتي اصبحت تابعة الى البصرة بعد التحرير العربي الاسلامي الى كور دجلة سنة ( 14 هـ / 675 م ) إذ يذكر الاصطخري والمقدسي أن المفتح من مدن البصرة (6) ، ويقول المسعودي أنها من اعمال البصرة ، أي من المناطق التابعة إدارياً الى البصرة ، ويضيف في مكان آخر ما يؤكد وقوعها على نهر دجلة حينما يقول أن دجلة ( هي دجلة المفتح والابلة وعبادان ) (7) ، أما ياقوت فيذكر أنها ( تقع بين البصرة وواسط وهي من أعمال البصرة ) (8) .

**************************************************************
(1) ميسان : إسم كوره واسعة كثيرة القرى والنخيل بين البصرة وواسط . ياقوت : المعجم 5 / 242 .
(2)انظر اليعقوبي : البلدان ص 322 ـ 323 . سهراب : عجائب الاقاليم السبعة الى نهاية العمارة ، تحقيق هارتزمون فريك ، مطبعة أدولف هولز هوزن ، فينا 1921 م ، ص 103 ، ياقوت : معجم البلدان 5 / 88 .
(3) الاصطخري : مسالك الممالك ص 57 ، المقدسي ، احسن التقاسيم ص 53 .
(4) البلاذري : الفتوح ص 338 .
(5) الاصطخري : مسالك الممالك ص 57 ، سهراب : عجائب الاقاليم ص 135 ، المسعودي : التنبيه والاشراف ص 63 ، مجهول : حدود العالم من المشرق الى المغرب ، 28 ، ليدن ، 1970 ، ص 138 .
(6) الاصطخري : مسالك الممالك ص 57 ، المقدسي : احسن التقاسيم ص 53 ، 114 .
(7) انظر المسعودي : التنبيه والاشراف 53 ، 114 .
(8) ياقوت : معجم البلدان 5 / 63
.

جبهة البصرة   ـ 19 ـ

   أما اهم المناطق التي اصبحت تابعة الى البصرة ، جغرافياً وادارياً ومن ناحية الغرب باتجاه البادية هي :

( 1 ) الخـريبـة
تقع الخربية على بعد أربعة فراسخ من نهر دجلة العوراء (1) ، وبما أن الابلة تقع الى الغرب من نهر دجلة (2) ، فأنه يمكن القول أن الخريبة تقع على طرف البر الى الغرب من مدينة الابلة وعلى بعد أربعة فراسخ منها .
   ويذكر ياقوت أن الخربية إسم أطلق على مدينة كانت تدعى ( وهشتاباذ ) وهي مدينة فارسية قديمة ، ونتيجة للهجمات التي كان يشنها المثنى بن حارثة الشيباني عليها تحولت هذه المدينة الى مدينة خربة ، لا يسكنها إلا بعض الجنود الفرس ممن اتعبتهم تلك الهجمات العربية المتوالية وشلت مقدرتهم ، لذلك لما قدم العرب المسلحون الى هذه المنطقة أطلقوا عليها إسم ( الخريبة ) تصغير لكلمة ( الخرابة أو الخربة ) (3) .    هذا القول غير صحيح ، لأن المثنى إبن حارثة الشيباني ، لم يعرف عنه أنه قام بأية حركات في منطقة البصرة ، كما وأن وهشتباذ هي على الارجح فرات البصرة (4) التي تقع على الضفة الشرقية من دجلة العوراء والتي كانت مركزاً إدارياً في العصر الساساني والاسلامي (5) .    على الارجح هذا الاسم أطلق على المنطقة التي كان المرزبان الفارسي ، قد ابتنى فيها قصراً وخرب بعده قبل وصول المسلمين اليها (6) ، لذا فعند وصول المسلمين الى هذه المنطقة وجدوها خالية غير مؤهلة بالمكان ولم يجدوا إلا بعض الخرائب لمنازل وقصور قديمة فأطلقوا عليها حينئذ إسم الخريبة (7) ، وكذلك وجدوا فيها

**************************************************************
(1) ياقوت : معجم البلدان 1 / 430 .
(2) انظر ، مجهول : حدود العالم ص 138 . ناصر خسرو : سفرنامه ص 99 .
(3) انظر ياقوت : معجم البلدان 2 / 363 .
(4) فرات البصرة : المقصود بها مدينة الفرات أما ما يسمى بكورة ( بهمن أردشير ) . ياقوت معجم البلدان 4 / 242 .
(5) العلي : خطط البصرة ، مجلة سومر ص 297 .
(6) البكري : معجم ما استعجم 2 / 495 ، ياقوت : معجم البلدان 2 / 363 .
(7) الدينوري : الاخبار الطوال ص 117 ، ياقوت : معجم البلدان 2 / 363
.

جبهة البصرة   ـ 20 ـ
دسكرتين (1) ، من الدساكر السبع التي وجدوها في المنطقة (2) .
   ويذكر البكري أن الخريبة ( موضع بالبصرة يسمى بصيرة الصغرى ) (3) ، بينما يذهب العمراني نقلاً عن الزمخشري الى ( أن خزينة موضع بالبصرة يسمى بصيرة الصغرى ) (4) ، ولكن ( ياقوت ، يستدرك ذلك ويقول هذا وهم لا ريب فيه لأن الموضع الى الآن ( يقصد به الى زمن ياقوت ) معروف بالبصرة بالراء المهملة ( خريبة ) (5) .
   نستدل من ذلك على أن البصيرة قديمة وانها مركز بارز ومعين ، والراجح انها من منطقة الخريبة وانها تبعد مسافة عن مركز البصرة (6) .
   وكان لموقع الخريبة على طرف البادية اهمية عسكرية ، وقد تجلت تلك الاهمية باتخاذ الفرس مسلحة لهم فيها (7)، بوصفها قاعدة دفاعية متقدمة وذلك لصد الهجمات التي تقوم بها القبائل العربية القاطنة في تلك المنطقة للحيلولة دون وصولها الى ميناء الابلة .
   كذلك برزت الاهمية العسكرية للخريبة اثناء سير حركات التحرير العربي الاسلامي وذلك باتخاذها قاعدة انطلاق من قبل القوات العربية الاسلامية للهجوم على بقية المصالح الفارسية الموجودة في جنوب العراق كالابلة وغيرها .

**************************************************************
(1) الدسكرة : بناء كالقمر فيه منازل وبيوت للخدم والحشم ، وحوله بيوت للأعاجم .انظر إبن منظور : لسان العرب ص 258 ـ 286 .
(2) البلاذري : الفتوح ص 336 ، الطبري : التاريخ 3 / 591 .
(3) البكري : معجم ما استعجم 4 / 495 .
(4) ياقوت : معجم البلدان 2 / 363 .
(5) نفس المصدر السابق .
(6) العلي : خطط البصرة ، مجلة سومر ص 298 .
(7) البلاذري : الفتوح ص 336 ، الدينوري : الاخبار الطوال ص 217 ، قدامه : الخراج 354
.

جبهة البصرة   ـ 21 ـ

( 2 ) كاظـمـة
   هي إحدى المناطق التابعة الى البصرة والواقعة في أطرافها الغربية ، فقد ذكر لغده الاصفهاني وياقوت ، إن كاظمة تقع على ساحل الخليج العربي في الطريق من البصرة الى البحرين (1) .    ويقول أبن خرداذبة وقدامة ، أن كاظمة تقع على الطريق من البصرة الى اليمامة (2) .    أما البكرى فيذكر ، أن كاظمة تقع على الطريق من البصرة الى مكة ، لمن أراد مكة من طريق المنكدر (3) .
   وإستناداً إلى ما ذكر فأن كاظمة كانت تقع على الطريق من البصرة الى مناطق الجزيرة العربية حيث يفترق عندها الطريق الى مكة واليمامة والبحرين .
   ويبدو أن لموقع كاظمة على طرف البادية ولما يتوفر فيها من عوامل مشجعة على الاستقرار من مياه واعشاب ، كانت عامل جذب لسكنى بعض القبائل العربية ، لذا فقد أعدها أبو الفرج الاصفهاني من منازل بني عجل(4) ، بينما ذكرها إبن قتيبة والبكرى على إنها من مياه بني شيبان (5) .
   وكانت كاظمة قد إتخذت من قبل القبائل العربية الموجودة فيها ، قبل بدء حركات التحرير العربي الاسلامي نقطة إنطلاق للهجوم على مراكز الوجود الفارسي في المنطقة هذا مما حدا بالملك الساساني سابور ذو الأكتاف

**************************************************************
(1) لغده الاصفهاني : الحسن بن عبد الله ، بلاد العرب ، تحقيق محمد الجاسر ، صالح احمد العلي ، ط 1 ، دار اليمامة ـ الرياض ـ 1968 م ، ص ( 23 ) ، ياقوت : معجم البلدان 4 / 431 .
(2) إبن خرداذبة : أبو القاسم عبيد الله ، المسالك والممالك ، تحقيق دي غوية ، مطبعة بريل ، ليدن ـ 1889 م ، أوفسيت المثنى ـ بغداد ، ص 151 ، قدامه : الخراج ص 87 . (3) البكري : معجم ما إستعجم 4 / 1109 .
والمنكدر : طريق يسلك بين الشام واليمامة ، وقيل طريق من الكوفة الى اليمامة . ياقوت :المعجم 5 /216 .
(4) أبو الفرج الأصفهاني : على بن الحسين ، الأغاني ، مطبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة ـ 1928 م 2 / 125 .
(5) أبن قتيبة : أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري ، المعارف ، تحقيق ثروت عكاشة ، مطبعة دار الكتب ، 1960 م ، ص 426 ، والبكرى : معجم ما إستعجم 4 / 1110
.

جبهة البصرة   ـ 22 ـ

   أن يقيم مسلحة فيها لمنع القبائل العربية من الدخول والهجوم على المسالح الفارسية في المنطقة (1) .
   وقد برزت اهمية كاظمة أثناء سير حركات التحرير العربي الاسلامي عندما أدرك القائد العربي خالد بن الوليد أهمية موقعها لأتخاذها قاعدة لحركاته ضد الابلة ، المركز الرئيسي لتجمع القوات الفارسية في جنوب العراق ، ولعل هذا ما دفع بالقائد الفارسي هرمز الى الخروج من الابلة وملاقات خالد بن الوليد في كاظمة ، حيث حصلت اول مواجهة بين القوات العربية والقوات الفارسية في معركة ( ذات السلاسل ) سنة ( 12 هـ / 633 م ) التي إستطاعت على أثرها القوات العربية إلحاق الهزيمة بالفرس والتقدم نحو بقية المسالح الفارسية في جنوب العراق (2) .

( 3 ) المنجشـانيـة
   تقع المنجشانية في الأطراف الغربية لمنطقة البصرة على طرف البادية حيث يذكر الساجي في كتابه البصرة : المنجشانية حد كان بين العرب والعجم بظاهر البصرة ، قبل أن تخط البصرة ، وبها منظره مثل العذيب (3) .
   ويتفق كل من إبن رسته وإبن خرداذبة على أن المنجشانية تقع على الطريق من البصرة الى مكة وجعلا بينها وبين البصرة ثمانية اميال (4) .
   أما ياقوت فيقول أن المنجشانية منزل وماء لمن خرج من البصرة يريد مكة ، وعلى بعد ست أميال من البصرة (5) .

**************************************************************
(1) أبن رسته : الاعلاق ص 107 ـ 108 ، الطبري : التاريخ 2 / 55 ، قدامه : الخراج ص 369 ، البكرى : معجم ما إستعجم 1 / 14 ، ياقوت : معجم البلدان 2 / 392 .
(2) الطبري : التاريخ 3 / 348 ـ 349 ، أبن الاثير : الكامل 2 / 385 ـ 386 . (3) انظر ياقوت : معجم البلدان 5 / 208 .
(4) أبن رسته : الاعلاق ص 180 ، أبن خرداذبة : المسالك والممالك ص 146 ، انظر أيضاً الحربي : أبو إسحق إبراهيم بن إسحق ، المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة ، تحقيق حمد الجاسر ، الرياض 1969 م ، ص 575 .
أما الميل يساوي 1 \ 3 فرسخ أي ما يعادل 2 كم . هنتس : المكاييل والاوزان ص 95 .
(5) ياقوت : معجم البلدان 5 / 208
.

جبهة البصرة   ـ 23 ـ

   سميت بالمنجشانية نسبة الى منجش أو منجشان مولى قيس بن مسعود الشيباني رئيس قبيلة بكر بن وائل ، حيث كان قيس بن مسعود قد أوكل إليه كسرى رئاسة مسالح عيون الطف (1) ، وأطعمه الابلة وقراها ، فأتخذ منجشان المنجشانية لقيس بن مسعود (2) ، ويبدو لنا هدف الفرس واضحاً من هذا الاجراء إذا ما علمنا بذلك النشاط المتزايد لقبيلة بكر بن وائل ضد الوجود الفارسي الساساني في هذه المنطقة ، حيث سعى الفرس الى كسب ود هذه القبيلة وعن طريقها أيضاً يسعون الى تقليل خطر القبائل العربية الأخرى .
   ومما يدل على تناقص اهمية المنجشانية بعد التحرير العربي الاسلامي لمنطقة البصرة ، هو عدم تردد ذكرها في الاحداث التي مرت بها البصرة .

( 4 ) المـربـد
   هو محلة عظيمة بالبصرة يقع في أطرافها الغربية بأتجاه البادية (3) ، مر به العرب المسلمون لأول مرة عند قدومهم الى البصرة مع القائد عتبة بن غزوان (4) ، وكان لموقع المربد غربي البصرة ومن جهة الصحراء اهمية تجارية كبيرة ، فقد إتخذت فيه سوق لتبادل المنتوجات الصحراوية وخاصةً الإبل ونتيجةً للتطور العمراني والاداري التي شهدته مدينة البصرة فقد أصبح سوق المربد من أهم أ سواقها وأجلها ، كما أصبح له دور كبير في الحياة الثقافية للمدينة ، حيث غدا مكاناً يلتقي فيه الشعراء للتفاخر ويعقد فيه الخطباء للمجالس (5) .

**************************************************************
(1) الطف : هي أرضاً بادية قريبة من الريف فيها عدة عيون ماء جارية منها : الصيد والرهيمة وعين جمل وذواتها ، وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم . انظر البلاذري : الفتوح ص 296 ، ياقوت : معجم البلدان 4 / 36 .
(2) انظر البكرى : معجم ما إستعجم 4 / 1266 ، ياقوت : معجم البلدان 5 \ 208 .
(3) انظر الاصطخري : مسالك الممالك ص 57 ، إبن حوقل ، صورة الارض ص 212 ، ياقوت : المعجم وضعا والمفترق صقعا ، تحقيق فرديناند وستنفيلد ، فيرلاج ـ 1846 م ، ص 392 ـ 393 .
(4) إبن قتيبة : المعارف 563 ، الطبري : التاريخ 3 \ 591 .
(5) ياقوت : معجم البلدان 5 \ 98 ، المشترك ص 393
.

جبهة البصرة   ـ 24 ـ

   كما أنه لعب دوراً هاماً في الاحداث السياسية التي مرت بها البصرة ، فقد كان الناس يجتمعون فيه لمناقشة الامور العامة كالذي حدث عند قدوم عائشة مع طلحة والزبير الى البصرة (1) ، وغيرها من الاحداث السياسية الاخرى .

( 5 ) الحـفـير
   يقع الحفير في أقصى حدود البصرة الغربية ، بينه وبين البصرة أربعة أميال (2) ، وهو أول منزل من البصرة لمن يريد الخروج الى مكة (3) .
   وعليه يمكن القول أن الحفير يمثل آخر حدود البصرة من الناحية الغربية بأتجاه البادية ، وقد إكتسب الحفير بموقعه هذا اهمية عسكرية أثناء حركات التحرير العربي لجنوب العراق ، لكونه يقع على الطريق الذي سلكته الجيوش العربية الاسلامية أثناء توجهها من المدينة المنورة الى جنوب العراق ، وقد ورد ذكر الحفير لأول مرة في العمليات العسكرية التي قام بها خالد بن الوليد جنوب العراق ، حينما واعد قواته بعد تقسيمها في النباح الى ثلاث فرق أن تجتمع في الحفير ليعمل على تعبئتها قبل الدخول في معركة فاعلة ضد القوات الفارسية في جنوب العراق (4) .

**************************************************************
(1) خليفة : التاريخ 182 ، الطبري : التاريخ 4 / 463 .
(2) ياقوت : معجم البلدان 2 / 277 .
(3) قدامه : الخراج ص 84 .
(4) الطبري : التاريخ 3 / 348
.

جبهة البصرة   ـ 26 ـ




جبهة البصرة   ـ 27 ـ

تأسيس مدينة البصرة
تعد مدينة البصرة أول مدينة أنشأها العرب المسلمون في العراق في العصر الأسلامي الأول أبان خلافة عمر بن الخطاب ( رض ) كقاعدة عسكرية للجيوش العربية الأسلامية التي توجهت لتحرير الأجزاء الجنوبية من العراق فقد أدرك الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) ، أهمية الأستقرار بالنسبة للمقاتلين العرب ، لذلك أمر ومنذ السنوات الأولى لخلافته بتأسيس الامصار لأقامة المقاتلين وعوائلهم ولتكون قواعد عسكرية ومراكز إدارية ومنطلقاً للجيوش العربية الأسلامية (1) .
   وبذلك تأسست مدينة البصرة ، التي تتفق الروايات التاريخية على أن عتبة بن غزوان هو الذي أسسها وإتخذها قاعدة ثابتة للجيوش العربية التي تقاتل في تلك الجبهة (2) .
   ولكنها إختلفت في الفترة التي تم فيها تأسيس مدينة البصرة ، فالمجموعة الأولى من الروايات تشير الى أن تأسيسها كان في سنة 14 هـ / 635 م (3) ، وهي السنة التي تم فيها إرسال عتبة بن غزوان الى منطقة البصرة من قبل الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) قائلاً له ( إن الحيرة قد فتحت وقتل عظيم من العجم يعني مهران ووطئت خيل المسلمين أرض بابل فصر إلى ناحية البصرة وأشغل من هناك أهل الأحواز وفارس وميسان عن إمداد إخوانهم على إخوانك ) (4) .
   وعلى هذا الأساس فأن هذه الرواية تظهر إرسال عتبه بن غزوان ، حدث بعد مقتل مهران في معركة النخيلة (5) ، والتي على إثر إنتصار العرب المسلمين فيها قام المثنى أبن حارثة الشيباني بشن الهجمات على جميع أنحاء العراق بما في ذلك بابل والمناطق القريبة منها (6) ، وبذلك فأن تأسيس مدينة البصرة قد تم قبل وقوع معركة القادسية وإلى ذلك أشار البلاذري ( وكانت البصرة قد مصرت فيما بين يوم النخيلة سنة 13هـ / 634 م ويوم القادسية

**************************************************************
(1) العلي : خطط البصرة ومنطقتها ص 15 ، ناجي دراسات ص 101 . (2) إبن الكلبي : جمهرة النسب ص 394 ، إبن قتيبة : المعارف ص 85 ، 275 ، 563 ، خليفة : التاريخ ص 129 ، البلاذري : الفتوح ص 341 ، الدينوري : الأخبار الطوال ص 117 ، الطبري : التاريخ 3 / 591 ـ 593 .
(3) إبن قتيبة : المعارف ص 563 ، 565 ، خليفة : التاريخ ص 129 ، البلاذري : الفتوح ص 341 ، الطبري : التاريخ 3 / 591 .
(4) البلاذري : الفتوح ص 336 ، انظر أيضاً الدينوري : الأخبار الطوال ص 116 ، الطبري : التاريخ 3 / 590 ـ 591 .
(5) البلاذري : الفتوح ص 254 ، الطبري : التاريخ ص 472 . (6) انظر البلاذري : الفتوح ص 255 ، الطبري : التاريخ 3 / 470 ، 473 ـ 475
.

جبهة البصرة   ـ 28 ـ

سنة 14 هـ / 635 م ، مصرها عتبة بن غزوان ( (1) .
   أما المجموعة الثانية من الروايات فتذكر أن البصرة أسست سنة 16 هـ / 637 م وأن عتبة بن غزوان خرج إلى البصرة من المدائن بعد فراغ سعد بن أبي وقاص من معارك جلولاء وتكريت ، وجهه إليها سعد بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) عندما كتب إليه ( أن أضرب قيروانك بالكوفة ووجه عتبه بن غزوان إلى البصرة ) (2) .
   وهذا مخالف للواقع التاريخي ، حيث ان المهمة الرئيسة التي أسندت إلى عتبة بن غزوان من قبل الخليفة عمر ( رض ) عندما ارسل إلى منطقة البصرة هي مشاغلة القوات الفارسية في هذه المنطقة وهذا ما جاء في قول الخليفة عمر ( رض ) ( . . . فصر إلى ناحية البصرة وإشغل من هناك من أهل الأحواز وفارس وميسان عن إمداد إخوانهم على إخوانك (3) ) ، كي يتسنى للقوات العربية في جبهة الكوفه مواصلة عملياتها العسكرية لتحرير الأراضي العراقية ، وليس من الممكن أن يقدم الخليفة عمر ( رض ) على تحرير المدائن والأندفاع في معارك جلولاء وتكريت دون أن يؤمن ظهيرة القوات العربية في الجنوب مع علمه بوجود قوة فارسية كبيرة في هذه المنطقة ، كذلك أشارت هذه الروايات كما هو مبين أعلاه ، أن الكوفه مصرت قبل البصرة وهذا أيضاً مخالف لما أجمع عليه المؤرخون بأن البصرة مصرت قبل الكوفة (4) .
   لذا فمن الأرجح أن تأسيس مدينة البصرة تم في سنة 14 هـ / 635 م ، وذلك لأن الروايات التي تذكر بأن تأسيس البصرة كان سنة 16 هـ / 637 م ، توحي بتأخير ارسال عتبة بن غزوان الى البصرة ، اذا ما علمنا بأن الروايات التاريخية تشير الى ان ارسال ابي موسى الاشعري لولاية البصرة كان سنة 16 هـ / 637 م ويقال سنة 17 هـ / 638 م (5) ،

**************************************************************
(1) البلاذري : الفتوح 256 . (2) إبن سعد : الطبقات 7 / 5 ، البلاذري : الفتوح ص 345 ، الطبري : التاريخ 3 / 590 ، إبن الفقيه : البلدان ص 188 .
(3) البلاذري : الفتوح ص 336 . (4) إبن قتيبة : المعارف ص 565 ، البلاذري : الفتوح ص 341 ، الدينوري : الأخبار الطوال ص 117 ، الطبري : التاريخ 3 / 590 ، إبن الفقيه : البلدان ص 188 .
(5) خليفة : التاريخ ص 135 ، البلاذري : الفتوح ص 341 ، الطبري : التاريخ 4 / 69
.