البصرة خلال الحرب العالمية الثانية
1939 ـ 1945
الدكتور سامي عبد الحافظ القيسي


اولاً : تعاظم اهمية البصرة خلال الحرب العالمية الثانية .
ثانياً : الازمة الوزاية في بغداد ولجوء الوصي عبد الاله في البصرة .
ثالثاًً : الوصي في البصرة .
رابعاً : تنحية عبد الاله من الوصاية والمنادة بالشريف شرف وصياً جديداً على عرش العراق .
خامساً : الموقف الشعبي في البصرة .
سادساًًً : الاحداث في البصرة خلال نيسان 1941 واندلاع الحرب العراقية ـ البريطانية في 2 مايس 1941 .
سابعاًَ: دخول القوات البريطانيا منطقة العشار .
ثامناً : إنتقال السلطات الرسمية من العشار الى منطقة البصرة القديمة .
تاسعاً : الصحافة البصرية خلال ثورة مايس .
عاشراً : الاجراءات البريطانية في البصرة .
ًأحد عشر : الاحوال الاقتصادية في البصرة خلال الفترة 1939 ـ 1945 .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 2 ـ

اولاً : تعاظم البصرة خلال الحرب العالمية الثانية
   لقد تم في عام 1930 التوقيع على المعاهدة العراقية البريطانية والتي امنت من خلالها بريطانيا على مصالحها الحيوية في العراق ، حيث احتفظت بقاعدتين عسكريتين احدهما في الشعيبة في البصرة والاخرى في الحبانية .
  وخلال الحرب العالمية الثانية اصبحت البصرة والقواعد الجوية الملحقة بها ذات اهمية استثنائية لعدم بريطانيا وتقديم الاسناد لعملياتها العسكرية ضد دول المحور ، وقد تعززت الاهمية الاستراتيجية للبصرة بشكل اكبر في خطط الحرب البريطانية بعد دخول ايطاليا الحرب في حزيران 1940 الى جانب المانيا وبعد فقدان الجزيرة كريت ، وقد اعتبرت مؤسسات القيادة العسكرية البريطانية مدينة البصرة تعويضاً استراتيجياً عن جزيرة كريت وبالتالي لا بد من احتلالها والسيطرة عليها .
  وكان رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل قد اشار الى هذه الحقيقة بقوله : ( لقد تدهور الوضع في العراق وبات من واجبنا الاحتفاظ بالبصرة لتأسيس قاعدة لتجميع القوات والامدادت والتعزيزات ، وان نراقب الميناء وحركة البواخر المحافظة على بترول ايران ، ان مثل هذه الخطوة تعد حيوية ومهمة بسبب اتجاه الحرب شرقاً والذي لم يعد موضع شك ) .
   ولأجل تأسيس مثل هذه القاعدة في مدينة البصرة ومراقبة الميناء كثر خلال هذه الفترة توافد البواخر الحربية البريطانية للمياه العراقية ، واول مجوعة وصلت وبدون عدم السلطات الرسمية في البصرة باخرتان حمولة كل منها 265 طن ، وقد احتج المتصرف على دخول هذه البواخر دون عدم السلطات المتصرفية ، فأجابه القنصل البريطاني في البصرة بأن الدوائر الرسمية في بغداد على علم بذلك عبر المراسلات الدبلوماسية .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 3 ـ

  وفي 10 نيسان 1941 إتصل القنصل البريطاني في البصرة بوكيل المتصرف صالح حمام واعلمه بوصول فرقة من القوات الهندية بضمنها مجاميع من فوج بريطاني محمولة على ظهر قافة مؤلفة من ثلاث بواخر حربية تحرسها طرادتان مع ثلاث طائرات مائية وانها ستصل المياه العراقية خلال 48 ساعة .
  وكانت مديرة الميناء التي يهيمن عليها الموظفون البريطانيون ويرأسها المستمر وارد قد أوعزت الى طاقم احد سفنها باستقبال القافلة المذكورة وتأمين وصولها الى شط العرب ، لم تكتف السلطات البريطانية بذلك ، اذا اخبر القنصل البريطاني وكيل المتصرف بمجيء باخرة رابعة تدعى أميرلدا ، وقد وصلت يوم 13 نيسان 1941 ورست في شط العرب امام دائرة الكمرك بالعشار .
  ومما هو جديد بالذكر ان تجمع هذه البواخر في المياه الاقليمية العراقية قد ساعد على سريان الاشاعات في البصرة والتي مفادها ان هذا الوجود العسكري البريطاني ما هو الا قدمه للسيطرة على البصرة لاتخاذها قاعدة لهم ومن ثم اتمام السيطرة على العراق ، ومما ساعد تعزيز قوة هذه الاشاعات ما حصل من تسخير مستلزمات الميناء كالادلاء والزوارق والموظفين لخدمة متطلبات هذه البواخر وافرادها .
  كذلك قدمت الشركات الاجنبية في البصرة كشركة بيت الوكيل وشركة كري مكنزي وشركة نفط البصرة لخدمات ومستلزمات الضرورية لهذه البواخر .
  ومما لا شك فيه ان وصول هذه البواخر الحربية وتجمعها في المياه العراقية انما يدل دلالة واضحة على خطط بريطانية وما تبيته للعراق ، هذا فضلاً على ان تلك البواخر ستكون فيما بعد مكاناً لتجمع البريطانيين الذي سيتم اجلاوهم عن العراق ومقراً مؤقتاً لايواء الوصي عبد الاله بعد هروبه الى البصرة .
  اما ردود فعل الحكومة العراقية بشكل خاص فلم تعدد الاحتجاجات الرسمية والتي لم يكن لها تأثير ، اما الاهالي في البصرة فكانت اراؤهم ضد وجود هذه البواخر ، وكان على ثقة ان بقاءها لا تحمد عقباه ، كما ان اخطارها ستظهر آجلاً أو عاجلاً .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 4 ـ

ثانياًً : الازمة الوزارية في بغداد ولجوء الوصي عبد الاله الى البصرة
  كانت الحرب العالمية الثانية قد نشبت في ايلول 1939 على اثر مهاجمة المانيا لبولندة ووقوف من بريطانيا وفرنسا الى جانب الاخيرة واعلانها الحرب على المانيا ، ولم تلك الحرب قد انحصرت آثارها في اوربا بل امتد لهيبها الى قارات اخرى ، وأصبحت اجزاء من وطننا العربي ساحات حرب لعملياتها ، وقد اكتوى العراق بها عبر الصراع العسكري المسلح بين الجيش العراقي والجيش البريطاني .
  كان نوري السعيد رئيساً للوزارة العراقية عند اندلاع الحرب وبادر فور قيامها باعلان تأييده لبريطانيا ، كما ارسل عبد الاله الوصي على عرش العراق برقية الى ملك بريطانيا تمنى فيها ( النصر لبريطانيا وحليفاتها ) وفضلاً عن ذلك قطعت الحكومة العراقية علاقاتها الدبلوماسية مع المانيا وسلمت الرعايا الالمان الى السلطات البريطانية تمهيداً لاعتقالهم ، وأمرت بطرد السفير الالماني من بغداد وطلبت اليه مغادرة الاراضي العراقية مع اعضاء البعثة الدبلوماسية الالمانية .
  الا ان هذه الاجراءات الحكومية لم تلق قبولاُ حسناً الرأي العام السابق الذي كان يتمنى خسارة بريطانيا وفرنسا في الحرب ، والسبب في ذلك يكمن في السياسة التي كانت تنتهجها بريطانيا في فلسطين عبر تحالفها مع الحركة الصهيونية ضد الطموحات العربية في الاراضي الفلسطينية ، اما بالنسبة لفرنسا فكانت سياستها الاستعمارية هي الاخرى في كل من سوريا ولبنان وفي بلدان المغرب العربي سبباً مباشراً في إستياء العراقيين وحقدهم عليها .
  وفي وسط هذه الظروف السياسية البالغة التعقيد اغتيل رستم حيدر وزير المالية في وزارة نوري السعيد والذي كان من اكثر اعضاء الوزارة اخلاصاً لرئيسها وكان الاختلاف حول الاسلوب الذي من خلاله عالج نوري السعيد قضية إلاقتيال قد اضعفت الوزارة ، كما زادها من اضعافها الاختلافات التي طعنت على السطح حول السياسة الخارجية للعراق والموقف من قضية الحرب ، لذا قدم استقالة وزارته في 18 شباط 1940 ، الا ان الوصي طلب منه تشكيل وزارة جديدة إستمرت في مسؤولتها لمدة خمس أسابيع أضطر في نهايتها الى التنحي عن المسؤلية الوزارية .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 5 ـ

  وفي اعقاب ذلك تشكلت وزارة جديدة رأسها رشيد عالي الكيلاني في 30 اذار 1940 والتي دخل فيها نوري السعيد وزير الخارجية املاً في إقناع الوزارة المذكورة بتبني خططه في مجال السياسة الخارجة .
  ارادت الحكومة البريطانية معرفة حقيقة موقف الوزارة من العسكريين المتحاربين وطلب منها قطع علاقات العراق الدبلوماسية مع ايطاليا اولاً ، ووضع حد للكتابات المعادية للحلفاء وقضيتهم في الصحافة العراقية ثانياً ، وتنفيذ الالتزامات المرتبة على العراق بموجب معاهدة 1930 بين العراق وبريطانيا ثالثاً .
  الا ان الوزارة الكيلانية لم ترفض المطاليب البريطانية فقط ، وانما اثرت الالتزام بسياسة الحياد وتجنيب العراق ويلات الحرب ، وصاغت موقفها هذا عبر مجموعة من المباديء ابلغتها في حنينها الى السفير البريطاني في بغداد .
  وقد كان للمفتي الحاج امين الدين الحسيني وهو من فلسطين التي اتخذ من بغداد مقراً له ـ والعقداء الاربعة وهم صلاح الدين الصباغ ، وفهمي سعيد ، وكان شبيب ، ومحمود سلمان ، وعناصر قومية اخرى وعسكرية ومدينة دوراً كبيراً في دفع الوزارة الكيلانية لاتخاذ ذلك الموقف .
   الا ان وقف الوزارة الكيلانية هذا اثار استياء بريطانيا واستياء العناصر المحسوبة عليها وعلى مقدمتهم الوصي ونوري السعيد وعناصر سياسة تقليدية اخرى ، لذا شرعت بريطانيا باعادة العدة لتنحيه رشيد عالي الكيلاني من رئاسة الوزارة بعد ان تبين لها ان الوزارة المذكورة قد تبنت خطاً سياساً لارجعه فيه وعناصره الاساسية هي :
1 ـ الوقوف على الحياد وتجنيب العراق ويلات الحرب .
2 ـ تحقيق الاستقلال لكل من سوريا وفلسطين .
3 ـ تسليح الجيش العراقي وتزويده بالاسلحة والمعدات الحديثة .
   رفض الكيلاني في بداية الامر الاستقالة الا ان رفضه لم يطل بسبب فرار الوصي الى الديوانية بعد ان طلب منه الكيلاني واستصدراه الادارة الملكية بحل المجلس

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 6 ـ

النيابي ، لذا تشكل وضع خطير اضطر معه الكيلاني الى الاستقالة محملاً الوصي المسوؤلية الكاملة متهماً اياه بالخضوع الى الرغبات الاجنبية .
  وبعد استقالة الكيلاني الف طه الهاشمي الوزارة الجديدة الاول من اشباط 1941 ، الا ان هذه الوزارة الجديدة فشلت هي الاخرى في التوفيف بين قادة الجيش والساسة المناهضين لبريطانيا من جهة وبين الوصي ونوري السعيد وجناحهم الموالي لبريطانيا من جهة اخرى .
  كما ان بعض قرارات المتعلقة بتخليص نفوذ العقداء الاربعة تولد معها ازمة إنعدام الثقة بين رئيس الوزراء وقادة الجيش الذي اصبحوا هم القوة المسيطرة على زمام الموقف ، لذا اجبروا طه الهاشمي على الاستقالة ، الا ان الوصي رفض قبولها واستطاع الهروب مرة ثانية الى الحبانية ومنها الى البصرة ليقود منها الحركة المضادة للوضع الجديد .
  كان الهروب الوصي قد دفع قادة الجيش الى اتخاذ خطوة جريئة بتشكيل حكومة تتولى مسؤولية الحكم عرفت باسم الدفاع الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني في 3 نيسان 1941 ، وفي مساء اليوم نفسه اذاع رئيس اركان الدولة امين زكي بياناً على الشعب العراقي اتهم فيه الوصي بارتكابه لمجموعة من المخالفات ، وأعقبه رشيد عالي الكيلاني بيان آخر الاسباب الذي دعته التي تحمل السؤولية كواجب وطني ، وان منهاجه في الحكم استمراراً لمنهاج وزارته الاخيرة ، كما دعا الشعب الى مؤازرة حكومته وتاييدها .

ثالثاً : الوصي عبد الاله في البصرة
  لماذا اختار الوصي مدينة البصرة من دون غيرها من المدن العراقية هروبه من بغداد :
  1 ـ لانها المدينة الثانية بعد بغداد ولانها ميناء العراق الوحيد وتقع على الخليج العربي الذي هو من ضمن مناطق النفوذ البريطاني .
  2 ـ لانه كان مقتنعاً بأن الوجود العسكري البريطاني في البصرة سيدعمه عند يقوم بحركة مضادة لحكومة الدفاع الوطني .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 7 ـ

  3 ـ لان في البصرة متصرفاً هو صالح جبر مشهوراً في دعمه وتاتييده للوصي ولسياسته .
  على اية حال نقل الوصي ومرافقوه وهم من كل علي جودت الايوبي وجميل المدفعي والنقيب عبيد عبد الله المضايفي من الحبناية الى القاعدة البريطانية في الشعيبة ومنها بعد ذلك الى فندق شط العرب في المعقل مساء يوم 3 نيسان 1941 .
  وفي الفندق المذكور كان المتصرف صالح جبر او من حضرة زيارته والالتقاء به ، كما جاء لمقابلته كل من قائد قوات شط العرب احمد رشدي وآمر حامية البصرة العقيد رشيد جودت ، اما من البريطانيين فقد زاره كل من قائد القوة الجوية البريطانية في قاعدة الشعبية والمستر وارد مدير الميناء والكابتن ملينك ضابط الاستخبارات في القنصلية البريطانية في البصرة .
  وخلال المباحثات التي جرت بين الوصي وبين قادة الجيش في البصرة طلب من آمر حامية البصرة اعداد قواته للتوجه نحو بغداد من اجل القضاء على حكومة الدفاع الوطني ، كما اخبره بأن هناك قوات بريطانية كثيرة مزودة بالسلحة والمعدات ستنضم اليه عند التوجه نحو بغداد .
  ومما تجدر الاشارة اليه ان العقيد رشيد جودت قد تسلم في الوقت نفسه برقية من رئاسة اركان الجيش تطلب منه ضرورة السيطرة على الموقف ، لذا انعقد مؤتمر عسكري حضره قادة البصرة من آمري الافواج والوحدات والتشكيلات العسكرية واتخذوا ما يلي من القرارات :
  1 ـ رفض التقدم نحو بغداد مهما كانت للاسباب .
 2 ـ عدم جعل البلاد ساحة قتال والدخول في صراعات داخلية كما حدث في اسبانيا .
 3 ـ تعتبر رئاسة اركان الجيش المصدر القيادي الاعلى لاصدار الاوامر ولذلك وجب تنفيذ ما يصدر عنها .
 4 ـ عدم السماح للقوات البريطانية بالانزال في البصرة الا بعد استحصال موافقة رئاسة اركان الجيش .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 8 ـ

 5 ـ رفض تشكيل حكومة او ادارة مدينة كانت او عسكرية في البصرة باعتبار ذلك ضد الحكومة الشرعية في بغداد .
 6 ـ المحافظة على حياة الوصي .
   وهذا الموقف ان دل على شيء فأنما يدل عل ان القادة العسكريين رغم عملهم بقوة الانكليز ودعمهم للوصي ، الا ان ايمانهم العميق بوطنيتهم دفعهم لاتخاذ تلك الاجراءات من اجل دعم الحكومة الشرعية في بغداد .
  اضافة الى ما تقدم فأن قادة الجيش في اجتماع آخر عقدوه في مقر اللواء في الجبيلة قرروا فرض السيطرة على وسائل الاتصالات الهاتفية ومراقبة المتصرف والمقربين منه ومنعهم من الاتصال باي جهة كانت ، وكذلك مصادرة البيانات المعدة للنشر من قبل الوصي واخضاع جميع الدائر والمؤسسات ومراكز الشرطة الى سيطرة مقر الحامية .
  وهكذا فشلت جميع محاولات الوصي لشق الجيش على نفسه والتأثير على حامية البصرة ودفع ضابطه لاتخاذ موقف مناوىء لحكومة الدفاع الوطني .

عزل متصرف البصرة صالح جبر
  في يوم الجمعة المرافق 4 نيسان 1941 وصلت برقيتان الى البصرة ، الاولى من رشيد عالي الكيلاني بصفته لحكومة الدفاع الوطني ومعنونة الى متصرف البصرة يعلمه فيها بقرار عزله .
  اما الثانية فقد وردت من رئاسة اركان الجيش الى آمر الحامية في البصرة تتضمن القاء القبض على المتصرف صالح جبر وارساله مخفوراً الى بغداد .
  وعلى اثر ذلك وضع حرس خاص حول المتصرف واقتيد بحراسة ضابط برتبة رئيس الى بغداد ، وفي العاصمة بقي رهن التوقيف لمدة عشرة ايام انتهت بفصله عن الحدمة لمدة خمس سنوات والسماح له بالذهاب الى ايران حسب رغبته .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 9 ـ

  ثم وصلت الى البصرة بعد ظهر يوم الجمعة 4 نيسان 1941 برقية اخرى من رئاسة اركان الجيش تقضي بمنع الوصي عبد الاله من الاتصال من اي جهة كانت ، وقد طلب آمر الحاميه من مقدم لوائه عامر حسك بتنفيذ مضمون البرقية ، وقد اخذ الاخير ثلة من عشرين جندياً وذهب بهم الى فندق شط العرب في الوقت الذي قطعت فيه خطوط الهاتف عن الفندق ، الا انه عند وصوله الى الفندق لم يجد الوصي ، اذا غادره الى جهة مجهولة بعد ان علمت دوائر الاستخبارات البريطانية بمضمون برقية رئاسة اركان الجيش .
  ويبدوا واضحاً ان الوصي كان قد اصبح موقفه صعباً بعد وصول برقية رئاسة اركان الجيش التي تقضي بمنعه من الاتصال بالخارج ، كما اشارت بعض تقارير مديرية شرطة البصرة بأن قطع خطوط الهاتفية من القاء القبض على المتصرف وسوقه الى بغداد قد اثارت استياءه واستياء مرافقيه لذا قرروا ترك فندق شط العرب وتوجهوا بصبحة الكولونيل وارد مدير المياء الى مقر القوة الجوية في المنطقة الشعبية ، ومن هناك تم الاتفاق على نقلهم الى الدارعة البريطانية ( كوك شبير ) الراسية في شط العرب .
  وعندما وصلت انباء لجوء الوصي الى الدارعة البريطانية المذكورة عقد مجلس الدفاع الوطني اجتماعاً برئاسة الكيلاني وتخذ خلاله القرارات التالية :
 1 ـ تقديم مذكرة الى الحكومة البريطانية تقضي بعدم التدخل في شؤون العراق الداخلية .
 2 ـ إيفاد قوة اضافية لتعزيز حامية البصرة .
 3 ـ إطلاق الحرية للوصي على ان لا يسمح له بالاتصال مع العشائر ، على اية حال بدأ الوصي من مقره الجديد محاولاته اليائسة باثارة اهل البصرة ضد حكومة الدفاع الوطني عبر سلسة من الحملات الدعائية ضدها ، فقد اذاع بيان في 4 نيسان 1941 على الشعب العراقي طلب فيه من الجيش والشعب القيام بحملة اسقاط لحكومة رشيد عالي الكيلاني ، الا ان هذا البيان وغيره من البيانات الاخرى لم تؤثر على مشاعر الجماهير واخلاصها ولم يكن هناك اي تجاوب معه ، وقد وصلت بريطانيا والوصي الى قناعه مفادها انهما قد فشلا في كسب العطف والتأييد سواء من

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 10 ـ

اهالي البصرة او من سكان المناطق الجنوبية فضلاً عن القيادات والتجمعات العسكرية المرابطة هناك .
  وقد ارسلت متصرفية لواء البصرة تقريراً مفصلاًَ الى وزارة الداخلية اوضحت فيه هدوء الحالة العامة في البصرة وان الجماهير البصرية تساهم بكل قواها لتأييد ودعم حكومة الدفاع الوطني ، كما ان الاجراءات المراقبة والامن الحازمة التي اتخذت من لدن الجيش والشرطة قد حالت بين الوصي وبين اتصاله وتأثيره على الاهالي .

رابعاًً : تنحية عبد الاله من الوصاية والمناداة بالشريف شرف وصياً جديداً على عرش العراق
  لقد دعت حكومة الدفاع الوطني الى عقد اجتماع لمجلس الامة ، وكانت وزارة الداخلية قد ارس قد ارسل برقية بهذا الخصوص الى المحافظات كافة ومنها البصرة ، وقد حضر الى بغداد مندوبو البصرة وهم كل من الشيخ صالح باش اعيان ومحمود النعمة والسيد حامد النقيب وعبود الملاك ومصطفى الحاج طه السلمان ومحمد سعيد العبد الواحد ، وعند اجتماع المجلس تقرر بالاجماع تنحية عبد الاله من وصاية العرش وتنصيب الشريف الشرف مكانه .
  وعلى ضوء هذه التغيرات أبرقت وزارة الداخلية الى متصرفية البصرة تعليمات تتضمن اقامة معالم الزينة في كافة الدوائر الحكومية وفي الشوارع الرئيسية وعلى شرفات المنازل والدور ، وكانت الاستجابة من جماهير البصرة كبيرة في التعبير عن تأييدهم لهذه التغيرات .
  وعلى اثر ذلك عمل الانكليز على اثارة اهل البصرة واستفزازهم عبر بعض النشاطات والاعمال ، منها سبيل المثال لقطعات الجيش العراقي المرابطة في البصرة خلال بعض النشاطات التي قصد من ورائها التحدي والتهديد ، كما ان المصفحات العسكرية البريطانية كانت تمر بين البصرة والعشار باستمرار وبدون التقيد بمشاعر الناس ومواقفهم ، كذلك قامت الطائرات البريطانية بعمليات استطلاع جوية خلال ساعات الليل والنهار فوق قطاعات الجيش العراقي المرابطة في البصرة .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 11 ـ

   وفضلاً عما تقدم يجب الاشارة هنا الى ان عملاء بريطانيا في البصرة ن يهود وايران وعناصر اخرى من اصحاب المصالح والامتيازات نشطوا في العمل الدعائي المعادي عبر نشر الاراجيف والمعلومات المزيفة والاشاعات المختلفة ضد شعب العراق وضد حكومته الوطنية .
  على اية حال ، فبالنسبة الى الوصي فانه رغم تنحيته من الوصايا لم يغادر البصرة بل بقي فيها متخذاً البارجة البريطانية مقراً له ، ولكن يبدوا من سياق الاحداث انه قد فشل من استمالة السكان والشخصيات المهمة فضلاً عن القيادات العسكرية .
   وكان كورنواليس السفير البريطاني الجديد قد اشار في احد تقاريره الى وزارة الخارجية البريطانية الى الوضع السيء الذي عليه عبد الاله ، كما أن الاحداث الراهنة في رأيه قد خيبت آماله في عبد الاله وفي امكانيته في انشاء مركز موالٍ قوي له في البصرة ليتمكن من خلاله تحدي القوة المعارضة له في بغداد ، لذا تقرر العمل على نقله ومرافقيه يوم 15 نيسان 1941 الى القدس .
  وهكذا يتضح مما تقدم ان عبد الاله يتحمل المسؤولية المباشرة في تأزم الاوضاع ، اذ بهروبه من بغداد واعتماده على دعم الانكليز قد عمق من ازمة انعدام الثقة بينه وبين العناصر العراقية في الجيش العراق ، كما ان فشله في حل المشاكل التي حصلت نتيجة إختلاف الاراء بين القوى السياسية وقادة الجيش قد هيأ الجو المناسب لبريطانيا على استغلال هذه الخلافات للتدخل المباشر في شؤون العراق واحتلال البصرة .


خامساًًً : الموقف الشعبي في البصرة
  عندما تشكلت حكومة الدفاع الوطني اجمع اهالي البصرة على تأييدها ، وقد انعكس هذا التأييد من خلال برقيات التهنئة التي ارسلت الى مجلس الوزراء من مختلف فئات المجتمع ، وقد خرج طلاب المدارس في كراديس من الفتوة باستعراضات طلابية طافت الشوارع المدين معبرين عن الفرحة والابتهاج بقيام الحكومة الجديدة ، وفي مناسبة تنحية عبد الاله من وصاية العرش وتنصيب الشريف مكانه قد

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 12 ـ

لاقت تلك المناسبة ترحيباً حارا عند السكان وعلقت وسائل الزينة والاعلام في الدوائر والمؤسسات وفي الشوارع العامة تعبيراً عن الابتهاج والفرحة .
  وقد تألف وفد شعبي من السادة عبد الرزاق بركات وعبد الرحمن محمود النعمة وعبد الجبار الملاك واحمد الزهير السلام الحاج ناصر وعبد المجيد العيسى ومحمد آل عبد الواحد وعبد الكريم ياسين الطه والدكتور سعد الدين وذهبوا الى بغداد لتقديم التهاني بأسم البصرة وجماهيرها .
  كما وصل الى بغداد يوم 13 نيسان 1941 وفد رسمي آخر من البصرة لتقديم التهاني والتبريكات وكان مؤلفاً من الشيخ عبد القادر باش اعيان والشيخ عبد الوهاب البكري وعطا الخضيري والحاج عبد الرحمن النعمة وسعود الصالح وعبد الرزاق السبتي واسكندر منصور والحاج حمد الذكير وحبيب الملاك وآخرون .
  ولعل أبرز دور لاهالي البصرة قد تمثل بيقظتهم وتصديهم للدعايات المغرضة التي أشاعها وروجّها اليهود والايرانيين وجماعات اخرى عرفت بانتمائها وولائها للاجنبي لصالها وامتيازات للخطر ، وكانت مناسبة التزام الحكومة العراقية بتعهداتها عندما سمحت للقوات البريطانية بالنزول الى البصرة قد استغلها اولئك المغرضون للقيام بالدس ونشر الاراجيف والدعايات المضادة الا ان الرأي العام البصري كما أقوى من تلك الدعايات وقد تصدى لها بكل حزم ويقظة وحذر .
  وكانت الصحافة البصرية بمستوى المسؤولية عندما تصدت للدعايات المغرضة وتنفيذها واوضحت ان مجيء هذه القوات والسماح لها يستند على مبدأين أساسيين هما : الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية اولاً ، والاحتفاظ بالسيادة الوطنية ثانياً ، وعليه فأن مرور هذه القوات لا يؤثر على استقلال البلاد .
  أما أبرز الصحف البصرية خلال تلك الفترة فهي الثغر وجريدة الناس وجريدة السجل وجريدة الانباء وجريدة آخر ساعة ، وسيفرد لها موضوع مستقل لاحقاً .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 13 ـ

سادساً : الأحداق في البصرة خلال نيسان 1941 واندلاع الحرب العراقية ـ البريطانية في 2 مايس 1941
  لقد أعلنت بريطانيا عداءها للحكومة الجديدة ورفضت الاعتراف بها ، كما ان السفير البريطاني الجديد كنهان كورنواليس الذي وصل الى بغداد في الاول من نيسان 1941 رفض تقديم اوراق اعتماده الى الحكومة مخالفاً بذلك الأصول الدبلوماسية .
  وفضلاً عما تقدم ، فقد أصدرت الحكومة البريطانية أوامرها الى جزء من قواتها بالتوجه الى البصرة ، وبدأت تلك القوات المحمولة بالطائرات بالوصول إعتباراً من يوم 17 نيسان واستمر انزالها لعدة ايام ، اما القوات المحولة بحراً فقد وصلت الى المياه العراقية يوم 18 نيسان .
  وكان المفروض ان تأخذ تلك القوات لطريقها الى الاردن عبر الاراضي العراقية ، إلا انها لا تبد اي تحرك يدل على ذلك ، اذ سرعان ما عسكرت في موضوعين مهمين : الاول في المعقل وعلى طريق البصرة ـ المعقل العمارة ، والثاني في الشعيبة وعلى طريق البصرة ـ الناصرية عازلة وبذلك القوات العراقية عن قواعدها وخطوط مواصلاتها وتموينها من سائر انحاء العراق ، وكانت تلك القوات البريطانية قد زودت بالاوامر التالية :
 1 ـ إحتلال منطقة البصرة والشعيبة لضمان انزال قوات اخرى .
 2 ـ وضع خطة تعاون مع قائد البحرية لمقاومة اي محاولة تعيق الانزال .
 3 ـ القضاء على اي محاولة للانزال .
 4 ـ اتخاذ الحيطة والحذر بعد الاخلال بحياد ايران .
 وبعد ايام قليلة من انزال القوات البريطانية الانفة الذكر تقدمت السفارة البريطانية بطلب الى الحكومة العراقية بسماح بانزال قوات جديدة اخرى الى البصرة ، وكانت هذه القوات في طريقها فعلاً الى المياه العراقية وهي مؤلفة من

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 14 ـ

ثلاث عشرة سفينة مشحونة بالمواد والمعدات العسكرية فضلاً عن الجنود والتشكيلات العسكرية المختلفة ، وبعد يومين من دخول هذه القافلة في المياه العراقية امر المستر وارد مدير الميناء بارسال ادلاء السفن ومعاونيهم الى الفاو بقيادة السفن من هذه القافلة في شط العرب وتقدمها صعوداً نحو البصرة .
  لم تقف الحكومة العراقية مكتوفة الايدي امام هذه الاستفزازات فأنخذت قراراً خلاصته الموافقة العرالقية على انزال القوات البريطانية بهدف المرور وفق الاسس التالية :
 1 ـ اتخاذ التدابير الكفيلة للاسراع بنقل هذه القوات من البصرة الى الرطبة .
 2 ـ عدم الموافقة على مجىء قوات بريطانية جديدة الى العراق قبل مغادرة القوات السابقة الموجودة فيه .
 3 ـ يجب ان لا يزيد مجوع اي قوة في حالة حركتها على خط المواصلات وفي داخل الحدود العراقية في اي مرة على لواء مختلط واحد .
  وقد اصدرت الحكومة العراقية في الوقت نفسه بياناً الى الشعب العراقي اوضحت فيه رغبة العراق المستمرة في تطبيق البنود المعاهدة العراقية البريطانية واصرار الانكليز على مخالفة تلك المعاهدة وتجاهل مصالح العراق الامر الذي دفع الحكومة العراقية الى التمسك بحقوق البلاد وصيانتها والدفاع عنها .
  الا ان الحكومة البريطانية تجاهلت معارضة العراق واحتجاجاته وبدأت بارسال قوات بريطانية جديدة الى مياه البصرة ضاربة عرض الحائط تعليمات الحكومة العراقية القاضية بعدم ارسال قطعات جديدة قبل مغادرة القطعات السابقة .
  وازاء تطور الاحداث بهذا الشكل قرر مجلس الدفاع الاعلى على ارسال قوات إضافية لتعزيز حامية البصرة ، فارسل فوجاً من المشاة من المسيب وتشكيلات اخرى من الديوانية ، الا ان تلك التعزيزات لم تكن كافية لمواجهة المحتلين ، كما لم تكن هناك دفاعات او استحكامات قادرة على صد الغزاة .

تاريخ حوادث بغداد والبصرة   ـ 15 ـ

  انسحبت القوات العراقية الموجودة في البصرة من مواضها في الفاو وابي الخصيب والبصرة الى الهارثة جنوب القرنة مع ترك فوج المشاة في مدينة البصرة ، ولما وكان انذاك وقت موسم الفيضان عملت القطعات العراقية على اغراق المناطق المجاورة للبصرة ووضعت العراقيل امام تحركات القوات البريطانية وقامت بتدبير طرق الموصلات وخطوط البرق ، كما وضعت الترتيبات الدفاعية عن القرنة عبر تنظيم المفارز في مناطق الماجدية واخلاء السكان خشية تعرضهم للقصف ، واغراق الاراضي المزيرعة بالمياه ونسف جسر الشافي لمنع القوات البريطانية من العبور .
  اما في بغداد فقد بدأت الاشتباكات المسلحة عندما هاجمت الطائرات البريطانية القطاعات العراقية في الساعة والخامسة من صباح يوم الخميس 2 مايس 1941 ، وهكذا بدأت الحرب العراقية ـ البريطانية حيث وسع البريطانيون نطاق هجماتهم عندما هاجمت طائراتهم معسكر الرشيد كما هاجمت الطرق المؤدية الى بغداد والمواقع المدنية الاخرى حول الحبانية .
  لقد هب الشعب العراقي في تعبير عن تأييده حكومته الوطنية ووقف صفاً واحداً وراء الحكومة والجيش ، وقامت المظاهرات في كل مكان وارسلت برقيات التأييد والتطوع .
  وفي البصرة وقف السكان موقفاً مشرفاً واعلنوا استعدادهم للجهاد والتضحية وتسابقوا الى التطوع والتبرع بالدم ، كما قاطع عمال الارصفة في البصرة السفن البريطانية واضرب عمال الميناء والفاو عن العمل .

سابعاً : دخول القوات البريطانية منطقة العشار
  في فجر يوم الاربعاء الموافق 7 نيسان 1941 نزلت الى العشار ثلة اليه من الجيش البريطاني مؤلفة من خمسة وعشرون سيارة عسكرية تقل عدداً كبيراً من الجنود تساندهم الطائرات المقاتلة فضلاً عن القوات البحرية الموجودة في شط العرب حينذاك .
  وقد احاطت تلك القوات بمقر متصرفية اللواء والدوائر الرسمية والمصارف وسيطرت على الطرق والجسور واخذت باحتلالها المواقع والمناطق المهمة ، وشرعت باطلاق النار على البلدة الامنة وبدون سابق انذار لمدة ساعتين .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 16 ـ

وكان وكيل المتصرف صالح حمام في بناية المتصرفية حينذاك ومع ثمانية عشر شرطياً ، وقد دخل على القائد العام لقوات المسلحة البريطانية فرايزر ومعه مدير جمعية التمور المستر لويد الذي كان متردداً الزي العسكري وبرتبة ميجر في الجيش البريطاني ويصبحهم مجموعة من الضباط البريطانيين .
  طالب الجنرال فرايزر من وكيل المتصرف قطع علاقاته بالحكومة في بغداد ، الا ان رد وكيل المتصرف كان سلبياً واعلن انه لا يلتقى الاوامر الا منها ، فاصدر القائد البريطاني اوامره بقصف محلة ام البروم في العشام مع مركز الشرطة فيها ، فاضطر الناس في الدفاع عن انفسهم وانضموا الى الشرطة لمقاومة المحتلين الغزاة .
  وحاول وكيل المتصرف انهاء النزاع طالباً من مدير الشرطة حينذاك مزاحم ماهر بوقف اطلاق النار ، كما اتصل بالشخص نفسه المستر لويد وطلب اليه الاستلام فوافق مدير الشرطة على ذلك بشرط الانسحاب مع افراد الشرطة واسلحتهم الى القرنة للالتحاق بالقطاعات العسكرية العراقية المرابطة هناك ، الا ان القيادة البريطانية رفضت ذلك فتجددت الاشتباكات التي اسفرت عن مقتل خمسة من رجال الشرطة وجرح ستة آخرين فضلاًَ عن اصابة لحقت برجل وأمرأة من المواطنين ، أما الطائرات البريطانية فقد قصفت الاحياء المدينة واسفر قصفها عن مقتل اسرة كاملة واصابة اسرة اخرى باضرار .
  اما الجانب البريطاني فقد خسر بعض افراده جراء تلك الاشتباكات ، وتذهب المصادر المعاصرة الى القول بأن بريطانية خسرت بين 50 ـ 100 قتيل ، واكدوا ايضاً ان اليهود قدموا خدمات الى المحتل الاجنبي خلال الاشباكات التي وقعت عندما فتحوا دورهم لنصب المدافع على اسطحها لقصف تجمعات الشرطة والمواطنين .
  لقد شددت سلطات الاحتلال قبضتها على المدينة واصدر القائد البريطاني العام سلسة من البيانات نشرها في جريدة الاوقات البصرية او عبر مكبرات الصوت وهي تتضمن دعوة المصارف والمؤسسات المالية لمزاولة اعمالها المصرفية والتجارية ، كما اعلن في بيان آخر منع التجوال ليلاً وأصدر في الوقت نفسه امراً بتعين المستر لويد ـ حاكماً عسكرياً لمنطقة العشار .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 17 ـ

  وقام الاخير باصدار سلسلة من البيانات حرم بموجبها حمل الاسلحة داخل المدينة ومنع الناس من الاستماع الى الاذاعات المعادية للحلفاء كما دعاهم الى مزاولة اعمالهم .

ثامناًً : انتقال السلطات الرسمية العراقية من العشار الى منطقة البصرة القديمة :
  بعد احتلال العشار من قبل القوات البريطانية انتقل وكيل المتصرف مع موظفيه الى البصرة القديمة واتخذها مقراً له وجعل مركز الشرطة سوق الدجاج وبلدية البصرة مقراً للأدارته ، وفي البصرة اتصل وكيل المتصرف بكبار رجالات المدينة الذين كانوا في اعضاء مجلسي النواب والاعيان او ممن شغل مركزاً إدارياً مهماً في بلدية البصرة لدراسة إحتملات الموقف واتخاذ الاجراءات المناسبة لحماية ارواح الناس وممتلكاتهم والاستمرار في تقديم الخدمات لهم ، وقد تقرر تأليف وفد من الشيخ صالح باشا أعيان والحاج احمد الذكير ومحمد سلمان العقيل للذهاب ومقابلة قائد قوات الاحتلال في بناية المتصرفية بالعشار ، وخلال اللقاء اكد لهم الميجر لويد ان القوات البريطانية ستبقى في العشار وانها الا تنوي إحتلال البصرة القديمة وانها غير مسوؤلية عن المحافظة على امنها ، وكان هذا اللقاء في يوم 8 مايس 1941 .
  وفي اليوم التالي اجتمع المجلس البلدي في البصرة لتدارس الحالة العامة من اجل المحافظة على ارواح الناس وممتلكاتهم والصرف على المرضى في المستشفى وعلى نزلاء السجن المركزي وتشكيل قوة اضافية من الحراس .
  وعلى اية حال استمرت الادارة الوطنية تمارس مسؤولياتها من مقرها في مدينة البصرة القديمة من 7 مايس ولغاية 16 مايس 1941 ، إذ انسحبت بعد ذلك بممثلها وكيل المتصرف مع قسم من موظفيه الى بغداد بناء على الاوامر الصادرة اليهم من الحكومة في بغداد .
  وكانت بلدية البصرة قد امنت سفرهم عن طريق الناصرية في صباح يوم 17 نيسان الساعة 5.40 صباحاً .
  وقد تفاقم الخطر المحدق بالبصرة بعد ذلك ، ولمجابهة الموقف تحملت البلدية المواجهة الفعلية والمسؤوليات المترتبة على عاتقها أنذاك ولهذا عقد المجلس البلدي

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 18 ـ

جلسته فوق العادة برئاسة وكيل رئيس البلدية الشيخ عبد السلام باش اعيان واربعة اعضاء آخرين واخذوا على عاتقم حماية البلدة وسكانها واتخاذ جميع التدابير الممكنة في هذا السبيل متعاونين مع لجنة مكونة من وجوه البلدة يطلق عليها اسم لجنة الامن والتي اخذت على عاتقها المسؤوليات التالية :
 1 ـ تعين العدد الكافي من الحراس الحراسة مدينة البصرة على ان تعطي اليهم الرواتب التي يعنيها المجلس وعلى ان لا يتجاوز عددهم المائتين حارساً .
 2 ـ وضع عدد كافٍ من الحراس للمحافطة على كل من المحاكم المدينة ودائرة الطابو والاوقاف والبلدية وعلى ان لا يبرحوها ليلاً ونهاراً وتدفع لهم الرواتب المعينة من قبل المجلس .
  اما اعضاء اللجنة المشار اليها فكانت مؤلفة من الشيخ صالح باش اعيان وعبد الرزاق الامير والحاج مصطفى طه السلمان وصالح الرديني وعبد الرحمن محمود النعمة ومحمد سعيد العبد الواحد والشيخ مصطفى المفتي .
  وقد قرر هؤلاء الاعضاء تحمل المسؤلية ادارة تموين واعانة المستشفى والسجن واعادة فتح المستوصفات والقسمين البلدين وتأمين الاتصال التلفوني بين سكان البصرة وسكان العشار .
  وفي يوم 18 مايس 1941 اتصلت اللجنة بمعاون القائد العام للقوات البريطانية المحتلة لمدينة العشار المستر لويد وشرحت له اوضاع الحالة الامنية وحددت مهام مسؤولياتها داخل مدينة البصرة وتزوديدها بالسلاح والذخيرة لتجهيز الحرس ، وعلى هذا الاساس استلمت 40 بندقية مع 2000 إطلاق.
  ويذكر الشيخ عبد القادر باشا أعيان بمذكراته ان اللجنة المذكورة شحن هذه الكمية تمويهاً بسبع سيارات شحن مغلغة وعمدت الى التظاهر بوصول كميات هائلة من السلاح وذلك لارهاب المتربصين لاغراض النهب والسلب ، واخلت تلك الشاحنات مركز شرطة سوق الدجاج وتم تفريغ الشاحنة التي تحمل الكمية المرسلة والتي لم تفِ بالغرض المطلوب ولا تكفي لتسليح عدد الحراس المعينيين لذا لجأت اللجنة الى اسلوب التبادل السريع لفترات الحراسة بين المجموعة السابقة واللاحقة حتى تعدد الوجوه الحصول اليقين من ان القوة كلها تملك السلاح .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 19 ـ

  وعلى اية حال في 24 مايس 1941 جاء الى البصرة جميل المدفعي بصفته مندوباً عن الوصي عبد الاله الذي كان يتهيأ العودة الى العراق لممارسة سلطات الوصاية مرة ثانية في اعقاب فشل ثورة مايس وانهيار حكومة الدفاع الوطني ، وقد نشر جميل المدفعي تفويضاً رسمياً من قبل الوصي ليتمثله في الالوية الجنوبية اي البصرة والعمارة والناصرية وزوده بكافة الصلاحيات والسلطات ، وفي يوم 31 مايس عاد المدفعي الى بغداد لتولى رئاسة الوزارة .
  وكان من اولى اجراءات الوزارة تعيين متصرف جديد الى البصرة ، حيث تم في 3 حزيان 1941 تعين عبد الرزاق حلمي متصرفاً جديداً ، فقام الاخير بجمع موظفي اللواء المشتيتن في بغداد وفي غيرها من المدن وتوجه بهم الى البصرة بعد ان خولته الحكومة صلاحيات واسعة في الحبس والاعتقال .
  اما القوات البريطانية فقد بقيت مهيمنة على البصرة ومسيطرة بشكل مباشر على الميناء والمواصلات ودائرة البرق واللاسلكي والمراز الاقتصادية المهمة ، واستمر الحال على هذا المنوال طيلة سنوات الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1945 .

تاسعاً : الصحافة البصرية خلال ثورة مايس
  لقد كان للصحافة البصرية دور مهم في نشر الافكار القومية والوطنية ومعالجة القضايا الخارجية والداخلية وعرض الاحداث السياسية من أجل أطلاع الرأي العام عليها ، ومن هذه الصحف جريدة الثغر لصاحبها ورئيس تحريرها شاكر النعمة ، وجريدة الناس لصاحبها ورئيس تحريرها عبد القادر السياب ، وجريدة السجل لصاحبها ورئيس تحريرها الفياض العاني ، وجريدة الانباء لصاحبها ورئيس تحريرها عبد الرزاق الناصري ، وجريدة آخر ساعة التي رأسها وحررها عبد الرزاق الناصري ايضاً .
   وعلى العموم فقد عملت هذه الصحف على نشر المقالات والمواضيع التي تحي امجاد العرب وتشيد بالعزة القومية والاهتمام بالدين وشرائعه وبالاخلاق الفاضلة الحميدة ، وكانت القضايا المتعلقة بالمعارف والمناهج وسير التدريسات والادارات المدرسية من المواضيع التي ناقشها الصحافة وسلطلت عليها الاضواء ، وقد تعرضت

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 20 ـ


بسبب ذلك الى الكثير من التضييق والمراقبة والتعطيل ، ولا تخلو تلك الاجراءات الادارية المناهضة للصحافة من تأثيرات خارجية مصدرها مراكز النفوذ البريطاني في البصرة التي كانت تسعى الى خنق الصحافة وتسخيرها لخدمة الاغراض الاستعمارية .
  وفيما يلي نبذة ومختصرة عن هذه الصحف البصرية :

جريدة الثغر
  كان اول صدور لها في 20 ايلول 1933 ، وباستثناء فترات قصيرة توقفت فيها عن الصدور ، أستمرت لغاية الاول من مايس 1973 بعد ان سلخت من عمرها احدى واربعين سنة .
  أيدت جريدة الثغر حكومة الدفاع الوطني عند اول قيامها ، ونشرت فيما بعد بيانات وبلاغات الحرب العراقية ـ البريطانية وعند وقوع البصرة بين القوات البريطانية في 8 مايس 1941 ، نشرت الجريدة بيان لجنة الامن التي تشكلت في البصرة يوم 17 مايس 1941 ، واستمرت بالصدور طيلة الحرب العالمية الثانية كما تولي اهتمامها في دعم المجهود الحربي ونشر اخبار الحرب .

جريدة الناس
  وقد صدرت لاول مرة في 9 حزيران 1935 واستمرت لغاية 19 ايلول 1953 باستثناء بعض الفترات التي توقفت فيها عن الصدور بسبب التعطيل الاداري ، وكانت مواضع فلسطين والخليج العربي والاسكندرونة وقضايا محلية اخرى كالاحتكارات الاجنبية وخاصة احتكارات التمور من المواضيع التي اولتها الجريدة عناية خاصة ، كما ناقشت الحريات الصحفية وقانون المطبوعات والقيود التي وردت فيه .
  أيدت جريدة الناس حكومة الدفاع الوطني وناصرتها وانتقلت فترة من فترات إصدارها الى بغداد واعيدت ثانية الى البصرة واستمرت الجريدة تصدر لغاية إحتلال البصرة في 8 مايس 1941 وتوقفت عن الصدور طيلة سنوات الحرب واعتقل صاحبها .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 21 ـ

جريدة السجل
  صدرت هذه الجريدة لاول مرة في البصرة 13 مايس 1937 وتوقفت عن الصدور يوم 8 مايس 1941 .
  اهتمت هذه الجريدة بالقضايا العربية وبالمزايا والاخلاق الحميدة وكانت سياسية جامعة ، وقد تعرض صاحبها الى المضايقات والى الهجوم كما تعطلت الجريدة إدارياً ، وحججت الصدور في 8 مايس 1941 عند أحتلال القوات البريطانية للبصرة .

جريدة الانباء
  وكان اول صدور لها في 25 تموز 1936 واسترت في الصدور حتى 22 تموز 1941 باسثناء فترات توقف قصيرة .
  كانت الانباء تصدر ثلاث مرات اسبوعياً ، وكانت من الصحف السياسية الادبية ، تحكمت في اتجاه الجريدة السيايسي الاحداث السايسية التي سادت في البصرة وهي : الفترة التي سبقت 8 مايس 1941 والاخرى هي فترة الاحتلال الثاني لمدينة البصرة من قبل القوات البريطانية لغاية توقفها عن الصدور .
  لقد كانت الجريدة تعكس في الفترة الاولى الاماني الوطنية والقومية وتؤيد حكومة الدفاع الوطني وتناصر العراق في حربه مع بريطانيا ، الا انها كانت في الوقت نفسه تهاجم دور المحور وتبرز خطب وبيانات قادة دول الحلفاء .
  اما الفترة الثانية من اصدارها فكانت في 28 مايس 1941 وبها اصبحت لسان حال قوات الاحتلال ، وحاربت العناصر الوطنية والقومية وهاجمت ثورة مايس واعتبرها تمرداً وعصياناً ، وكانت ( القائمة السوداء ) من ابواب الجريدة الذي اتخذ ذريعة لتنكيل بالعناصر الوطنية والقومية ، وكان كاتبها الناصري ( صاحب الجريدة ورئيس تحريرها ) قد هاجم من خلاله خصومة السياسيين متهماً اياهم بالنازية .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 22 ـ

جريدة آخر ساعة
  صدرت هذه الجريدة بعد ان تم تعطيل جريدة الانباء ، وكان يوم 13 آب 1941 يمثل البداية لصدورها ، وكانت سياستها هي نفس سياسة الانباء المعطلة وحملت الابواب نفسها ، وقد سخرت صفحاتها لمهاجمة ثورة مايس والحرب ضد بريطانيا ، كما كانت تنشر تفاصيل العلميات الحربية وتبشر بأهداف وخطط الحلفاء .
  واقد توقفت عن الصدور يوم 29 تشرين الثاني 1945 بعد وفاة صاحبها وبعد صدور العدد 631 منها .

عاشراً : الاجراءات البريطانية في البصرة
  بعد السيطرة البريطانية على مدينة البصرة عينت الحكومة البريطانية الجنرال كوينان قائداً عاماً وكلف بمسؤولية تنظيم المياء وتوسيعه لكي يستعب جميع القوات العسكرية التي قد تتطلب الحرب ارسالها للقتال في الشرق .
  وقد اصبحج الجنرال كوينان تحت أمرة الجنرال ويظل القائد العام لقوات الشرق الاوسط الذي كان مقره في القاهرة ، بعد ان كانت القيادة البريطانية في البصرة تابعة لقيادة الهند ، وكانت التعليمات التي تلقاها كوينان تقضي بأن لا يعمل اكثر من حماية القواعد في البصرة وفتح خطوط المواصلات الى بغداد .
  وقد عقد في البصرة مؤتمراً عسكرياً يوم 23 مايس 1941 حضرة قائد القوات المسلحة في الهند الجنرال اوكنلك وقائد قوات الشرق الاوسط ويفل ، واقر المجتمعون وضع الخطط العسكرية للاسراع في إحتلال العراق وان يكون من مسؤولية القياد في الهند مرة ثانية .
  وعلى هذا الاساس أمرت القيادة البريطانية في الهند الجنرال كوينان ان يستعد للحركة من البصرة الى بغداد باسرع ما يمكن بعد ان وصلت الى البصرة تعزيزات جديدة من الهند وبعد فتح طرق المواصلات بين بغداد والبصرة .
  اما الحكومة العراقية فقد خضعت كلياً للسيطرة البريطانية وقامت وزارة جميل المدفعي بتصفية داوائر الدولة من العناصر القومية وحل المنضمات والجمعيات

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 23 ـ

القومية والقاء عقود المدرسين العرب واجراء تغيرات في السلك الدبلوماسي وقوى الامن الداخلي وقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايطاليا ، ولكن هذه الاعمال جميعاً لم ترض بريطانيا ، فاستقال المدفعي وجاء بعده نوري السعيد الذي استجاب لكل المطالب البريطانية فقطع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة فيشي الفرنسي ومع اليابان وقدم قادة الثورة الى المحاكم التي اصدت حكم الاعدام عليهم وزاد عدد المعتقلين وتعمد إبقاء الجيش ضعيفاً .
   أما في الميدان العسكري فقد أبدت الحكومة العراقية تعاوناً مع طلب البريطاني في دراسة الاجراءات اللازم في منطقة الميناء وقاعدة السيبة ، فأدخلت التحسينات على خطوط السكك الحديد وأنشىء جسر من الخشب طوله 1150 قدم لى شط العرب لتسهيل الشط مع ايران ، واصبح الاتصال مباشر بين المحمرة وبين المعقل في البصرة .
  كذلك توزعت الجهود على توزيع ميناء البصرة حيث أنشأ أرصفة جديدة أضافة الى توزيع الارصفة القديمة وادخلت المكائن في تحميل البضائع .
   وعلى العموم اصبحت البصرة مسرحاً لنزول القوات البريطاني والقوات الحلفاء ومنها الى بغداد ففي 27 مايس 1941 تحركت كتيبة الشعبية في بغداد وفي 28 تحرك الفوج الثاني الموجود في العشار ووصل الى بغداد بعد اسبوع وبعد فتح طرق المواصلات بين البصرة وبغداد فرضت الجيوش البريطانية السيطرة على كل العراق .
  ولقد ازدادت الاهمية السوقية للعراق بعد التوغل الالماني في روسيا ، وقد خشي الحلفاء من هجوم الماني على ايران عبر طريق قفقاسياً ، لذا اشارت الاستعدادت العسكرية البريطانية على الحدود العراقية الايرانية الى اختراغ بريطانيا لحياد ايران ، حيث اخترقت القوات البريطانية والهندية يوم 25 آب 1541 حدود البصرة برتلين وشننت هجوماً عنيفاً على القوات الايرانية تساندها المدفعية والدبابات ، وفي اليوم نفسه اجتازت القوات البريطانية المرابطة في خانقين الحدود العراقية ودخلت قصر شيرين .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 24 ـ

  وعلى اثر ذلك قررت الحكومة البريطانية تقوية وجودها العسكري في العراق وتشكيل قيادة مشتركة لقواتها في العراق وايران في ايلول 1942 مرتبطة مباشرة بالدائرة الحربية ، وعين السر ولسن الذي كان قد وصل الى بغداد في آب 1942 قائداً لها ، واعقب تشكيل القيادة المشتركة وصول اعداد كبيرة من القوات البريطانية والحليفة لها الى البصرة لاجل ارسالها الى ايران .
  وصلت في شهر ايلول 1942 الفرقة العسكرية الخامسة والفرقة السادسة والخمسون البريطانيتين ، كما وصلت بعد ذلك الكتيبة السابعة المدرعة البريطانية من الهند والفرقة الخامسة الهندية والثالثة البولونية ، وهكذا اصبحت القوات الاجنبية المتواجدة في العراق في نهاية 1942 تضم فرقتين بريطانيتن وكتيبة مدرعة بريطانية وثلاث فرق هندية وكتبة مدرعة هندية وفرقة بولونية .
  وكان لهذا العدد الكبير من القوات الاجنبية على الاراضي العراقية تأثير كبير على الاقتصاد العراقي وبخاصة بضروف الحرب العالمية الثانية ، وقد ادى هذا الى زيادة التردي في الاوضاع الاقتصادية والى زيادة التضخم النقدي ، رغم المزاع البريطانية من ان وجود هذا العدد الكبير من ان افراد الجيش قد خلق رخاءً عاماً لجميع فئات الشعب .
  وللتقليل الآثار السلبية التي تركها الوجود العسكري البريطاني نشطت وسائل الدعاية والاعلام البريطانية من صحافة وسينما ونواد ومراكز ثقافية ومكاتب للارشاد لخدمة المصالح البريطانية السياسية العسكرية ، ومن اهم هذه الوسائل نوادي اخوان الحرية برئاسة الجاسوسة البريطانية فرياستارك ، وقد استمرت هذه النوادي في نشاطها التخريبي المدمر الى نهاية الحرب العالمية الثانية .
  اما الوجود العسكري البريطانب فقد بقي على الاراضي العراقية الى ما بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث نقلت بريطانيا في عام 1947 اغلبية قواتها عدا التشكيلات العسكرية التي بقيت افي قاعدتي الحبانية والشعيبة .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 25 ـ

أحد عشر : الاحوال الاقتصادية في البصرة خلال الفترة الواقعة بين 1939 ـ 1945
  بعد تصاعد الضغط العسكري الالماني على الاتحاد السوفياتي بدأت دول الحلفاء بضع التجهيزات العسكرية الى الاتحاد السوفياتي عبر الاراضي العراقية وعبر ايران ، وسرعان ما برزت البصرة كموقع متقدم لتجهيز فلسطين وسوريا وتركيا بما تحتاجه من مواد ، فضلاً عن استخدامها فريق حيوي لارسال التجهيزات العسكرية والامدادات المختلفة الى روسيا ، وغدت خلال سنوات الحرب نقطة إتصال حيوية في سلسلة خطوط مواصلات الحلفاء سواء عن طريق البر او البحر أو الجو .
  وعلى هذا الاساس إرتفعت تجارة الترانسيت في عام 1942 بمقدار (18) مليون دينار قياساً الى عام 1941 وباكثر من (6) ملايين دينار عام 1940 ، ولا شك ان هذه الزيادة في تجارة الترانسيت مردها الى الظروف الحربية العامة التي جعلت من العراق طريقاً رئيسياً لتجارة الاقطار المجاورة .
  وكانت تركيا والولايات المتحدة الامريكية في طليعة الاقطار التي استفادت من العراق ، اما التجهيزات المرسلة من الهند واستراليا والمعدات العسكرية البريطانية والامريكية فكانت تفرغ في ميناء البصرة لتنقل الى تركيا والاتحاد السوفياتي عبر خطوط السكك ، وقسم آخر كبير ينقل من البصرة المحمرة وبالتالي الى الاتحاد السوفياتي .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 26 ـ

ويوضح الجدول التالي حجم المواد العسكرية التي تم نقلها بواسطة سكك حديد الحكومة العراقية .

السنة
الكمية بالطن
1938 ـ 1939
3828
1939 ـ 1940
3042
1940 ـ 1941
3434
1941 ـ 1942
568386
1942 ـ 1943
2085107
1943 ـ 1944
2327648
1944 ـ 1945
1164748


ويلاحظ ان هذه الزيادة في نسبة النقل قد تصاعدت منذ عام 1941 بعد الهجوم الالماني على الاتحاد السوفياتي ، ثم استمرت هذه الزيادة حتى عام 1944 ، الا انها اخذت بالانخفاض بعد ذلك بسبب تقلص العمليات والانشطة الحربية واقتصار دائرتها على بلدان اوربا الغربية .
  ولابد من الاشارة هنا ان زيادة نسبة النقل بواسطة السكك الحديد قد ادى بدوره الى زيادة واردات الميناء حسماً موضع في الجدول التالي .

واردات الميناء من عام 1939 الى 1945 بالاف الدنانير

السنة 38 ـ 39 39 ـ 40 40 ـ 41 41 ـ 42 42 ـ 43 43 ـ 44 44 ـ 45
القسم البحري
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
عوائد الميناء 65193 60851 53373 54524 87782 80426 82387
اجور القيادة 73941 69273 54840 62420 94871 87195 94933
اجور الرسو والاقلاع 35600 28674 33460 69408 120582 128340 161807
قسم النقليات
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
عوائد الميناء 23917 30639 25678 41695 55839 50703 43011
اجور التفريغ 56162 48483 48337 128799 193365 135913 72807
اجور التسليم 12278 9605 10083 35617 54678 41302 21526

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 27 ـ

  وطبيعي ان الزيادة في واردات الميناء دليل واضح على زيادة عدد البواخر التي دخلت ميناء البصرة ، ولتأكيد هذا نجد ان عدد البواخر التي دخلت البصرة عام 1942 بلغت 8499 باخرة بحمولة 1.679.874 طناً ، في حين ارتفع هذا الرقم ليبلغ عام 1944 (517) باخرة بحمولة 1.908.842 طناً ، اما السنة الاخيرة من الحرب فأشرت انخفاضاً طفيفاً حيث بلغ مجموع البواخر التي وصلت الى ميناء البصرة ما مجموعه 439 باخرة بحمولة 1.602.523 طناً .
  ومما لا شك فيه ان الارقام السابقة انما توضح مدى تعاظم اهمية البصرة في خطط عمليات حرب الحلفاء وتربية احتياجاتهم ومتطلباتهم .
  وعلى هذا الاساس وصلت الى الميناء بعثة امريكية رأسها الجنرال ويلر Wallar للاشراف على عملية استلام التجهيزات العسكرية الامريكية في البصرة ومن ثم إرسالها الى الاتحاد السوفياتي ، وفضلاً عن ذلك ان البصرة اصبحت مركزاً لتركيب وتجميع الطائرات الحربية الامريكية لتأخذ دورها بعد ذلك في جبهة الحرب في مناطق الاتحاد السوفياتي .
  ومما هو جدير بالذكر فأن تلك المؤشرات حول تصاعد وتأثر تجارة الترنسيت والصادرات وكثرة البواخر الواردة الى ميناء البصرة وتعاظم حمولاتها خلال سنوات الحرب لا تعني ان الاحوال الاقتصادية والمعاشية للمواطنين في البصرة قد تحسنت بالمستوى نفسه ، حيث ان التأثيرات الاقتصادية لتك الظواهر على المواطنين كانت محدودة ، حيث عانى ذو الدخل المحدود من ارتفاع الاسعار ومن فقدان المواد الضرورية الاساسية وكذلك من التضخم المالي ، كما ان الفلاحين قد عانوا كثيراً بسبب الغلاء وظاهرة السوق السوداء ، وان معظم جهودهم في زيادة الانتاج الزراعي كانت تذهب الى جيوب حفنه صغيرة من اصحاب الاراضي والمشاريع الزراعية ، وكان

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 28 ـ

الغلاء قد شمل الحنطة والشعير والسمسم والشاي والسكر والصابون ، فأسعار الحنطة رغم ان الحكومة حددتها بمبلغ 25 دينار للطن اصبحت تباع للطرق غير المشروعة بما لا يقل عن 35 ديناراً للطن ، وكذلك الحال بالنسبة الى الرز الذي ارتفع سعره من 30 دينار للطن الواحد الى 50 ديناراً .
  وكان التضخم النقدي الذي استمر من اواسط عام 1941 قد أدى الى هبوط في قوة النقد الشرائية وارتافاع الاسعار وتفاهم مشكلة التموين ، لذا اتخذت الحكومة بعض الاجراءات الاقتصادية في منتصف عام 1943 بتنظيم الاستيراد والتصدير واخضاعه الى قانون تنظيم الحياة الاقتصادية ، الذي تم بموجبه إخضاع التجارة الخارجية الى نظام التراخيص ، كما ان الحكومة اصبحت مستوردة لبعض السلع الضرورية والعمل على توزيعها بالبطاقات كالسكر والشاي .
  وعلى العموم يمكن القول ان إحتكار المواد الغذائية ولارتفاع الاسعار وركود الاسواق وارتباك الوضع المالي عوامل السياسية في زيادة تذمر السكان وكثرت تجمعات الاهالي وتوزيع النشرات والبيانات في شوارع البصرة الرئيسية وهي تشيد بثورة مايس ورجالها وتندد بالسلطة القائمة ورموزها وبالاجنبي وبجنده ، وكانت تدعو الناس كافة في مركز مدينة البصرة وفي الاقضية الى التكاتف والتظاهر والعمل سوية من اجل تخليص العراق من التحالف مع بريطانيا وتعزيز قوة الجيش العراقي والنهوض بمستوى السكان معاشياً وثقافياً وصحياً ، وكذلك الدعوة الواضحة والصريحة لأن يأخذ العراق دوره الطليعي في حركة النهوض القومي العربي الذي اخذت معاملة التقدمية والانسانية تتضح في عالم ما بعد حرب العالمية الثانية .

البصرة خلال الحرب العالمية الثانية   ـ 29 ـ

المصادر التي استخدمت في إعداد البحث


اولاً : الرسائل الجامعية
 1 ـ زينب كاظم احمد العلي ، البصرة خلال ثورة مايس 1941 ( البصرة ، 1988 ) رسالة ماجستير غير منشورة / قسم التاريخ ـ كلية الاداب ـ جامعة البصرة .
 2 ـ عبد الرحيم ذو النون زويد ، الطرق في الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945 ، ( القاهرة ، 1978 ) ، رسالة ماجستير غير منشورة قسم التاريخ كلية الاداب / جامعة القاهرة .

ثانياً : كتب مطبوعة بالغة العربية
 1 ـ عبد الرزاق الحسني ، الاسرار الخفية في حركة 1941 التحررية ( بيروت ، 1976 ) .
 2 ـ احمد ياغي ، حركة رشيد عالي الكيلاني ( بيروت ، 1974 ) .
 3 ـ عامر حسك ، احداث البصرة في ثورة 2 مايس 1941 ( بغداد 1977 ) .
 4 ـ رجب بركات ، بلدية البصرة 1869 ـ 1981 ( البصرة ، 1984 ) .
 5 ـ رجب بركات ، من صحافة الخليج العربي ( الصحافة البصرية 1889 ـ 1973 ) ، ( بغداد ، 1977 ) .

ثالثاً : المقالات
  مجلة المؤرخ ، العدد 33 ، 1987 المقال المعنون ( العراق وسياسة الدفاع المشترك والاحلاف الغربية 1945 ـ 1985 ) بقلم الدكتور جعفر عباس حميدي .