1 ـ الدعاية النازية
   يصعب الجزم بوجود حزب نازي في البصرة كما انت الدعاية لم تكن ايماناً بمبادئ النازية او اعتناق لمذهبها وانما كان تعاطفاً مع المانيا لموقفها المعادي للحلفاء ، اذ كانت اذاعتها واجهزة اعلامها تندد ببريطانيا وبنفوذها في الاقطار العربية وكانت تحرض الشعوب في المنطقة على الثورة ضدها .
   ولقد كان هذا التعاطف والاعجاب بالمانيا وبانتصاراتها مدعات لاتهام الكثير من الناس في البصرة بالنازية ، ففي تقرير لمتصرفية لواء البصرة الى وزارة الداخلية ، افادت فيه ان احمد قدري معاون مدير كمرك البصرة كان من الذين يجاهرون بتأييدهم للنازية الى درجة انه كان يمتدح انتصارات المانيا ويهاجم بريطانيا ، واعتبرت المتصرفية هذا السلوك مرفوضاً لما يسببه من اخلال في العلاقات مع بريطانيا ومن اضرار تمس بسلامة البلاد ، وطلبت المتصرفية من وزارة الداخلية اقتراح الاجراءات التي تراها مناسبة للحد من هذا التصرف (1) .
   وقد تضمنت الاجراءات المقترحة من الوزارة والتي نفذتها المتصرفية في حينها مراقبة المشتبه بهم وحجز مروجي الدعاية النازية ومراقبة رجال المعارف والطلاب وغيرهم ، كما ارسلت الوزارة تعبيراً منها عن حرص الحكومة العراقية لاظهار حسن نواياها اتجاه بريطانيا ، برقية الى متصرفية البصرة منعت فيها السكان من سماع اذاعة برلين (2) ، كما تم تبليغ اصحاب المحلات العامة والمقاهي بعدم الاستماع الى الاذاعة ذاتها وطلب منهم الحضور الى مديرية الشرطة واخذت تواقيعهم اعترافاً

**************************************************************
(1) س . م. ب ، رقم الملف 3 \ 33 كتاب وزارة الدخلية المرقم م . خ \ 2246 والمؤرخ 27 ـ 28 \ 5 \ 1940 الى متصرفية البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 11 \ 14 برقية وزارة الدخلية المرقمة 2982 والمؤرخة 7 \ 9 \ 1939 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 126 ـ

بتنفيذ الامر (1) .
   يضاف الى ذلك وزارة الدخلية طلبت من السلطات في البصرة تنظيم جداول خاصة باسماء جميع الذين يملكون اجهزة الراديو وانواع تلك الاجهزة (2) ، كما عممت المتصرفية امراً رفعت بموجبه اجهزة الراديو من مدارس القرى والارياف لانها حسب رأي مديرية الشرطة " تثير المجادلات بين المدرسين والاهالي ولا تتفق والمصلحة العامة وتاثر في ذهنية السكان " (3) .
   ومع كل تلك الاجراءات قفد افاد تقرير لمديرية الشرطة ان سكان البصرة اظهروا اعجابهم بالمانيا وبالانتصارات التي حققتها في الساحة الاوربية وبالخسائر التي لحقت بالقوات البريطانية وحلفائها (4) .
   وهنا لا بد من الاشارة الى انه كان للمدرسين العرب ولا سيما الفلسطينيين والسوريين منهم اثر كبير في توجيه الشباب توجيهاً قومياً وتوسيع حركة الانتقاد لبريطانيا بسبب سياستها العدوانية في فلسطين وبسبب دعمها وتأييدها للحركة الصهيونية .
   فقد اشار تقرير في للشعبة الخاصة ارسل في حينها الى مديرية شرطة البصرة الى نشاط احد المدرسين الفلسطينيين المدعو عادل ابو الخير الذي كان يوضح لطلبته دائماً المظالم التي ارتكبتها بريطانيا في فلسطين ، كما كان يمتدح المانيا وانتصاراتها على بريطانيا .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 11 \ 14 م . ش . ب المرقم 2664 والمؤرخ 11 \ 9 \ 1939 الى متصرف لواء البصرة وصورة الى وزارة الداخلية .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 11 \ 14 كتاب وزارة المالية المرقم و \ 124 والمؤرخ 2 \ 9 \ 1939 الى متصرفية البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 11 \ 14 م . ل . ب المرقم س \ 754 المؤرخ 6 \ 6 \ 1940 الى وزارة الداخلية .
(4) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب آمر لواء المشاة السابع المرقم ح \ ش3 \ 2 \ 30 \ ل \ 36 والمؤرخ 6 \ 4 \ 1941 الى مديرية شرطة البصرة وصورة الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 127 ـ

   كما اشار التقرير نفسه الى نشاط قام به مدرس آخر هو جوج حبيب الذي كان يتطرق امام طلابه الى الوضع الدولي وانتقد امامهم سياسة فرنسا في سوريا وفي المغرب وهاجم كذلك السياسة البريطانية في فلسطين (1) ، والواقع ان المدارس اصبحت مراكز لتعبئة الرأي العام البصري الذي عبر فيها بعد عن موقعه الاصيل خلال دعمه لثورة مايس التي وجد فيها نضالاً وطنياً وقومياً .
   والظاهر ان السلطة قد تنبهت حينذاك الى تنامي الوعي السياسي لدى طلاب المدارس وعملت على الحد منه ، فقد ذكرت متصرفية لواء البصرة في تقاريرها الى وزارة الداخلية ان متصرف البصرة قد دهش عندما حضر حفل المباراة الخطابية التي نظمتها ثانوية العشار في مايس 1940 والتي وجد فيها ان الخطب والقصائد الملقاة كانت ذات طابع سياسي واضح .
   وعليه فأن وزارة الداخلية طلبت الى وزارة المعارف بأتخاذ الاجراءات الكفيلة للحد من هذه الظاهرة لا سيما في وقت كان الوضع الدولي حرجاً للغية كما طلبت الايعاز الى سلطات المعارف في البصرة ببذل جهدها لتوجيه الطلاب الى الدراسة ومنعهم من التدخل في السياسة (2) .
   ولعل مما أثار السلطة للاهتمام بهذا الموضوع فقدان الاستقرار السياسي في العراق حينذاك خاصة وان العاصمة كانت تشهد الآثار التي صاحبت نتائج الازمة الوزارية .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 1 كتاب معاونية الشعبة الخاصة المرقم 1517 والمؤرخ 28 \ 12 \ 1939 الى مديرية شرطة البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 1 كتاب وزارة الداخلية المرقم م خ \ 2276 والمؤرخ 27 ـ 29 \ 5 \ 1940 الى وزارة المعارف كذلك كتاب وزارة المعارف المرقم 875 والمؤرخ 4 \ 6 \ 1940 الى مديرية منطقة معارف البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 128 ـ

   وبالرغم من ذلك فقد استمرت الاخباريات ترد الى مديرية شرطة البصرة وفيها اتهام واضح وصريح لبعض الاشخاص بانهم كانوا يحملون نزعات او ميولاً نازية ، وان هذه الاخباريات كانت من الكثرة بحيث انها اخذت وقتاً ليس بالقليل من جهد اجهزة الامن حينذاك لتأكد من صحتها ، وأحياناً كانت كانت بعض هذه الاخباريات تتهم رجالاً شغلوا مراكز ادارية كما حصل مع معاون مدير كمرك ومكوس البصرة السابق ذكره ، ومع مدير اوقاف البصرة الذي رفعت عنه تقارير تشير الى انه يدافع عن المانيا وانتصاراتها ويمتدح حركة رشيد عالي الكيلاني ويعقد اجتماعات في داره ليشرح لهم ما يسمعه من اخبار من اذاعة برلين (1) .
   والخلاصة يمكن القول بانه لم يكن للدعاية النازية المجال الواسع لنشر مبادئها في العراق او في البصرة ، ولم تحقق اهدافها واضحة ملموسة وقد إنتهت بعد فشل ثورة مايس 1941 .

2 ـ الدعاية الشيوعية
   كان للحزب الشيوعي العراقي فرع نشط في البصرة بحكم التركيب السكاني وتصاعد النظام السكاني وتصاعد النشاط الاقتصادي وازدهار السوق فيها وقد ثبت ان الحزب خلال عام 1939 قد ازداد نشاطه مستفيداً من الظروف السياسية العامة التي احاطت بالعراق والمنطقة حينذاك ، لذا فقد انظم اليه بعض المحامين والمعلمين والعمال والكسبة مما دفع الحكومة الى تكثيف الجهود لمراقبة نشاط المشتبه بهم (2) .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ل . ب المرقم س \ 841 ولامؤرخ 20 \ 9 \ 1942 الى مديرية شرطة لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 1 \ 16 كتاب وزارة الدفاع المرقم 390 والمؤرخ 24 \ 6 \ 1939 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 129 ـ

   والى هذه الجهود اشارت تقارير المتصرفية بأنها " لم تآل جهداً في مراقبة المشتبهين ببث الدعاية الشيوعية وانها ليس في وسعها ان تتهاون في كل امر يعود الى هذه الفئة الضالة (1) .
   وقد تاكد لمديرية الشرطة العامة في ما بعد ان الشيوعيين كانوا يعملون على اعداد النشرات ضد الحكومة وترويج الدعايات المضادة مستفيدين من تدهور الاوضاع الدولية .
   وقد اعتقدت مديرية الشرطة ايضاً بأن بعض هذه النشرات كانت تطبع في سوريا او في لبنان ثم يجري تهريبها الى العراق لتوزيعها بصورة سرية (2) .
   وللحيلولة دون وصول هذه النشرات الى العراق ولا سيما بين اجهزة المعارف وعدم وصولها الى طلاب المدارس ، اقترحت مديرية الشرطة على دائرة المعارف بوضع مراقية سرية من ادارة المدارس على المدرسين والطلبة وتقديم ما يستجد من معلومات الى الدوائر المختصة لتكون على " علم من امرهم وتتخذ الحيطة اللازمة بهذا الصدد " (3) .
   وقد ثبت من خلال متابعات الشرطة ومراقبتهم ان الشيوعي الياس حداد كانه عميلاً للمخابرات البريطانية في البصرة ، وقد القت شرطة البصرة القاء القبض عليه في 25 نيسان 1941 للتحقيق معه وثبت انه كان يقوم بالتجسس لحساب دائرة الاستخبارات البريطانية عبر قيامه بتتبع اخبار حركات الجيش العراقي وانشطته (4) .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 1 \ 16 تقرير م . ش . ب المرقم 1987 \ 4 \ 2 والمؤرخ 29 \ 6 \ 1939 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 4 كتاب مديرية الدعاية المرقم س \ 76 والمؤرخ 16 \ 12 \ 1939 .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 1 م . ش . ب المرقم 361 \ 9 \ 8 والمؤرخ 12 \ 12 \ 1940 الى متصرف لواء البصرة .
(4) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ش . ب .المرقم 1939 والمؤرخ 26 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 129 ـ

وقد توثقت صلته بالسلطة البريطانية بعد فشل ثورة مايس (1) .
   وقد ذكر مالك سيف الذي كان احد قيادي الحزب الشيوعي العراقي آنذاك في كتابه ( للتاريخ لسان ) بأن بعض عناصر الحزب الشيوعي العراقي كان تجمع المعلومات عمن يسمونهم بالنازيين ومعظمهم في الواقع حسبما يذكر مالك سيف " قوميون معادون للاستعمار البريطاني والصهيوني ويعملون لانهاء النفوذ البريطاني السياسي والعسكري في العراق ويدعون للوحدة العربية " ، وتسلم الى فهد الذي كان سكرتيراً للحزب الشيوعي العراقي آنذاك ، وهذا الاخير يقوم بدوره لتسليمها الى اخيه داوود ليوصلها الى الياس حداد ، ومن ثم يعمل الياس بحكم علاقته بالبريطانيين بتوصيلها اليهم فيودع هؤلاء القوميون في معتقلي العمارة والفاو (2) ، ويبدو ان شباب البصرة من المثقفين والقوميين كانوا قد انتبهوا الى النشاط الشيوعي ودعايته ، لذا اسس هؤلاء جمعية سرية لمكافحة الدعاية الشيوعية واحباط اعمالها ومقاطعة المجلات الشيوعية كالمجلة والطريق التي تصدر في بيروت ، المجلة الجديدة التي تصدر في القاهرة (3) .
   والثابت تأريخياً ان الحزب الشيوعي العراقي قد اتخذ مواقف مضادة ومناوئة لقضايانا الوطنية والقومية ، كانت وما تزال موضع استهجان الجماهير وادانتها للحزب الشيوعي وسبباً لعزله عن ساحة النضال الوطني والقومي الحقيقية (4) .

**************************************************************
(1) ملك سيف ، للتأريخ لسان ( ذكريات وقضايا خاصة بالحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه ) ، ( بغداد 1983 ) ، ص 56 .
(2) مالك سيف ، المصدر نفسه ، ص 56 .
(3) المركز الوطني للوثائق ، سجلات البلاط الملكي ، الملفة جريدة الاستخبارات العسكرية ، التسلل ، 1501 ( الحركات المعادية للشيوعية ) ، ص ص 8 ـ 9 .
(4) سمير عبد الكريم ، موجز اضواء على الحركة الشيوعية في العراق ، مطبعة الاندلس ( بيروت بدون سنة ) ، ص ص 59 ـ 60 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 130 ـ

   والخلاصة فأن ثورة مايس بالرغم من فشلها العسكري اكتسبت تأييداً جماهرياً واسعاً في البصرة بالرغم من الدعايات المضادة التي كانت نشطة في الحط منها ومن هويتها الوطنية والقومية والتي كان لليهود والايرانين دور كبير في ترويجها ودعمها ، فقد اثبت اهل البصرة انهم كانوا اقوى من ان تؤثر فيهم مثل هذه الدعايات ، والدليل على ذلك تأييدهم واسنادهم لثورة مايس في مراحلها المختلفة ودعمهم لجيشهم العراقي وقطعاته الباسلة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 131 ـ



اولاً : موقف السلطة من الجهاز الاداري في البصرة ومن نواب البصرة .

ثانياً : الاجراءات الحكومية ضدة منتسبي المعارف .

ثالثاً : معتقل الفاو
   ـ واقع معتقل الفاو واوضاع المعتقلين فيه .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 132 ـ


   يهدف الفصل الى كشف النقاب عن اجراءات السلطة لمتابعة العناصر التي ابدت ثورة مايس 1941 والاجراءات المضادة التي اتخذت بحقهم ولا سيما بعد اتخاذ معتقل الفاو مكاناً للتنكيل بمؤيدي ثورة مايس .
   بعد فترة وجيزة اعقبت فشل ثورة مايس تم تأليف وزارة جميل المدفعي في 2 حزيران 1941 ، وكانت من اولى مهماتها تطهير جهاز الدولة من العناصر التي عدت سبباً " لاثارة الفتن والاضطرابات " (1) ، لذا احالت عدداً كبيراً من الضباط على التقاعد وطردت المدرسين الفلسطنيين والسوريين من وظائفهم وامرت بتسفيرهم من العراق ، كما امرت باجراء تغيرات في الجهاز الاداري شملت تغيير عدد كبير من المتصرفيين والقائممقاميين ومدراء النواحي ، وامرت بفصل بعض موظفي الوزارات الذين خدموا في ظل حكومة رشيد عالي الكيلاني (2) .
   وقد كان لسياسة المدفعي هذه اثر كبير في " شيوع نوع من الانكماش في جميع النشاطات السياسية الدخلية مما ولد السكون التام " (3) ، وبالرغم من ذلك لم تلق سياسة المدفعي قبولاً حسناً لدى السفير البريطاني الذي طالب بسياسة اكثر تشدداً ضد العناصر الوطنية ، وقد كان موقف لسفير البريطاني هذا منسجاً مع موقف الوصي ورغبته في الانتقام والعنف (4) .

**************************************************************
(1) ( كما جاء في نهاية خطاب جميل المدفعي في 11 حزيران 1941 ) المدون في كتاب الحسني ، الوزارات ، ج 6 ، ص 23 .
(2) عبد الرحيم زويد ذو النون ، المصدر السابق ، ص 159 ، كذلك عبد الرزاق الحسني ، المصدر السابق ، ص ص 23 ـ 24 .
(3) اسماعيل باغي ، تطور الحركة الوطنية ، ص ص 37 ـ 38 .
(4) خليل كنه ، العراق امسه وغده ، ( بيروت 1966 ) ص 68 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 133 ـ

   وهكذا برز بعض الخلاف بين المدفعي من جهة والبريطانيين والوصي من جهة اخرى ، وعلى رأي توفيق السويدي لم تكن للمدفعي خطة ثابتة تتلائم " مع حاجة البلاد ومطاليب البريطانيين " (1) ، لذا استقال المدفعي ليخلفه نوري السعيد الذي شكل وزارته في 9 تشرين الاول 1941 (2) ، والتي من اولى مهماتها توسيع حركة الفصل والاعتقالات وانشاء المعتقلات الجديدة في الفاو العمارة ونقرة السلمان ، ولم يكن يستلزم ارسال اي شخص الى المعتقل اجراءات طويلة وتحقيقات دقيقة اذ كان كل واحد يتهم " يجد نفسه في المعتقل " (3) .
   ومن الضروري هنا الاشارة الى ان مرسوم الامن العام وسلامة الدولة رقم 56 لسنة 1941 والذي تم تشرعه في زمن الوزارة الكيلانية يوم 30 آيار 1940 والذي خولت بموجبه الفقرة السابعة من المادة الخامسة كلاً من متصرف اللواء او قادة الفرقة القاء القبض على المشتبه باقلاقهم او تشويشهم للرأي العام وحجرهم في اماكن تعينها الحكومة بعد صدور قرار بذلك (4) .
   والاشارة المراد ذكرها هنا ان هذا القانون بالرغم من تشريعه زمن الوزاراة الكيلانية فقد استخدمته الوزارة السعيدية وطبقته اداة قمع لمطاردة العناصر التي

**************************************************************
(1) توفيق السويدي ، مذكراتي ، نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية ، ( بيروت 1969 ) ص 388 .
(2) سعاد رؤوف بشير محمد ، المصدر السابق ، ص 163 .
(3) اسماعيل باغي ، المصدر نفسه ، ص 37 .
(4) الحسني ، الوزارات ، ج 5 ، ص 153 ، وقد ذكر حسني ان حسن الصدف ان ثلاثة من اعضاء اللجنة الداخلية في مجلس النواب وهم متي سرسم ( الموصل ) وعبد القادر السياب ( البصرة ) والحاج عجة الديلمي ( الديوانية ) قد اعتقلوا بموجب هذا المرسم في معتقل العمارة وكانوا ممن صادقوا على المرسوم واوصى مجلس النواب بقبوله ، المصدر نفسه ، ص 154 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 134 ـ

ايدت ثورة مايس عبر اساليب اتبعتها للتنكيل ولصق التهم جزافاً بالمواطنين .
   فقد عين متصرف جديد بالبصرة هو عبد الرزاق حلمي الذي خول صلاحيات مطلقة وواسعة لتطبيق هذا المرسوم والذي بموجبه تم القاء القبض على مجموعات كبيرة من المثقفين والاساتذة والطلاب داخل حدود اللواء الادارية لمجرد وشاية او اشارة تفيد بعدم تجاوبهم مع الوضع الجديد ، فضلاً من ذلك فقد استفادت اجهزة المتصرفية من الاخباريات التي قدمها اليها الموظفون البريطانيون الذين كانوا يعملون في مديرية الميناء والسكك الحديد او في اجهزة تفتيش الشرطة او في الشركات والمصالح الاجنبية .
   فمثلاً المستر لويد بقي بعد انهيار ثورة مايس يتمتع بنفوذ كبير في البصرة ويقدم المشورة لمتصرف البصرة للتنكيل بالمواطنين ، ففي احدى رسائله الى المتصرف اوضح فيها " ان محمد سعيد الشيخ خزعل الذي كان ملازماً في الجيش العراقي وكان من المناصرين لرشيد عالي ولثورة مايس التجأالى البصرة ، واكد في رسالته تلك ان محمد سعيد هذا فضلاً عن اشتغاله في السياسة فانه يهاجم الوصي والحكومة السعيدية في مجالسه واحاديثه ، واضاف المستر لويد ايضاً بان عبد القادر السياب وهو من المناوئين للسلطة حينذاك " متخفي في بيت والده في قرية جيكور الواقعة في ابي الخصيب " (1) .
   وهذا ان دل على شيء فانما يدل على مدى النفوذ الذي تمتع به بعض البريطانيين في البصرة ، بحيث انهم لم يكتفوا بالمساهمة في حركة المعتقلات وانما في الطعن بالمواطنيين العراقيين ومساعدة السلطات بتقديم المعلومات عنهم .
   وكانت نسخة من رسالة المستر لويد قد ارسلها المتصرف الى وزارة الداخلية والتي بدورها كاتبت وزارة الدفاع ايضاً وكانت اجابة الاخيرة كالتالي :

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 رسالة المستر لويد مدير جمعية التمور في البصرة المؤرخة في 24 \ 6 \ 1941 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 135 ـ

   " ان هذا الملازم سبق واحيلت الى التقاعد ، اما امر ابعاده عن محيط البصرة فقد ترك الى اختصاص متصرف لواء البصرة " (1) ، وبالفعل القي القبض عليه وارسل مخفوراً الى بغداد وبعد المحاكمة تم سجنه في سجن البصرة المركزي (2) .
   ومن الشخصيات البريطانية التي كانت تزود المتصرفية بالمعلومات والاخبار هو الكلونيل ساركن الذي كان مفتشاً للشرطة في البصرة ، ففي رسالة منه على المتصرف ذكر فيها :
   " بان الشخص المدعو عبد الله صكر المشهور بكونه من اكبر مؤيدي رشيد عالي وحركته ما زال مختبئاً في اراضيه بقرية الدواسر ، وهو يزور البصرة بين الاونه والاخرى بصورة متنكرة ، والمفهوم ان مراسلاته مع اصدقائه تجري بواسطة رسول خاص فيرجى التفضل باصدار الاوامر اللزمة لمراقبة حركاته المشبوهة واعلامنا النتيجة ولسعادتكم الشكر الوافر " (3) .
   وفضلاً عن ما تقدم ، ومن اجل القاء القبض على العسكريين والمدنيين الذين تركوا العراق بعد فشل الثورة ثم عودتهم اليه ثانية ، ان لجأت متصرفية البصرة الى اصدار سلسلة من الاوامر والتعليمات بصدد تشديد المراقبة في مخافر شرطة الحدود والقيام بالدوريات المتواصلة بكل دقة ، والقاء القبض على جميع الضباط والجنود وغيرهم من المدنيين الذين تركوا العراق وذلك عند دخولهم الحدود العراقية مرة ثانية وارسالهم الى الجهات المسؤولة مخفورين سواء كان بيدهم ورقة مرور او جواز سفر (4)

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم م 10 \ 14 \ س 566 والمؤرخ 6 \ 7 \ 1941 الى وزارة الداخلية وصورة منه الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 480 والمؤرخ في 27 \ 7 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م . ب رقم الملف 3 \ 2 مركز الصلات العسكرية المرقم اي سي اي 16 \ 2883 والمؤرخ 8 \ 7 \ 1942 .
(4) س . م . ب رقم الملف 9 \ 32 م . ش . ب المرقم 138 والمؤرخ في 25 \ 6 \ 1941 الى ضابط السفر والاقامة بالبصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 136 ـ

   وامعاناً في تعزيز تنفيذ التعليمات هذه فالقد تلقت متصرفية البصرة برقية من مديرية الشرطة العامة في بغداد اوضحت فيها ما يلي من التوجيهات " ان العسكريين يسلمون الى اقرب موقع عسكري وهم يتصرفون بهم ، اما المدنون اذا وجدت ضدهم قضايا معينة فيحالون الى الجهات المختصة لمحاكمتهم ، والا ينظر ان كانوا من الخطرين على الامن العام فيساقون من اجل ذلك الى السلطات ذات الشأن للنظر في امرهم ، واما غيرهم فيجرى التحقيق بحقهم اولاً واذا لم يظهر عليهم شيء يستوجب الاشتباه والريبة فيطلق سراحهم بطبيعة الحال (1) .
   وهكذا القي القبض على الرئيس الاول ( الرائد ) اسماعيل احمد العباوي المعروف ( اسماعيل توحلة ) والذي دخل الى العراق من ايران صباح يوم 13 تموز 1941 عن طريق ابي الخصيب ، اذ سبق له ان غادر العراق الى ايران بتاريخ 2 حزيران عن طريق الفكة بدون جواز سفر لاجئاً سياسياً (2) ، وفي التاريخ نفسه اي في 13 تموز 1941 عاد الى العراق من ايران العقيد رشيد جودت الذي كان آمراً لرتل دجلة سابقاً ، اذ التجأ الى ايران في 30 مايس 1941 بعد انهيار ثورة مايس وعند عودته القي القبض عليه وسلم الى آمرية حامية البصرة استناداً الى برقية متصرفية البصرة التي ارسلت الى وزارة الداخلية ، وقد ارسل في اليوم التالي الى بغداد لاحالته الى المجلس التحقيقي (3) .

**************************************************************
(1) س . م . ب رقم الملف 9 \ 32 م . ش . ب المرقم 210 \ 7 \ 6 والمؤرخ 1 \ 7 \ 1941 الى ضابط السفر والاقامة بالبصرة وصورة منه الى متصرفية البصرة وكافة المخافر في البصرة .
(2) س . م . ب ،رقم الملف 5 \ 17 م . ش . ب المرقم 340 والمؤرخ 13 \ 7 \ 1941 الى آمر الفوج الاول في شط العرب ، صورة الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 17 برقية متصرف البصرة المرقمة 1055 والمؤرخ 14 \ 7 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
   وقد ذكر عامر حسك ص 51 بأن السيد ماجد مصطفى الذي كان متصرفاً للواء العمارة توسط لدى جميل المدفعي بالعفو على العقيد رشيد جودت بعد ان لجأ الى ايران والسماح له بالعودة الى العراق ، وبعد عودته احيل الى مجلس تحقيقي عملاً بالانظمة العسكرية ومن ثم احيل الى محكمة عسكرية خاصة لمحاكمته عن احداث البصرة التي وقعت في 4 نيسان 1941 وهو يوم مجيء الوصي اليها ، غير ان وزير الدفاع نظيف الشاوي اصدر امراً بمنع محاكمته واطلاق صراحه حيث عين آمراً للواء المشاة التاسع .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 137 ـ

اولاً ـ موقف السلطة من الجهاز الاداري في البصرة ومن نواب البصرة
   بعد الانتكاسة التي لحقت بثورة مايس وانهيارها خول مجلس الوزراء الجديد احمد مختار بابان الذي كان يشغل وظيفة نائب رئيس محكمة بداءة الحلة بمهمة جمع ما لدى الوزارات والدوائر من وثائق وادلة ثبت التهم عن الاعمال التي قام بها رجال الادارة السابقة اي في حكومة رشيد عالي الكيلاني (1) ، وبناء على ذلك فقد كلف جميع المتصرفين في العراق بكتابة تقارير مفصلة ومؤيدة بتوقيعهم يتضمن جميع الاوامر التحريرية والهاتفية الموجهة اليهم والصادرة زمن حكومة الدفاع الوطني واسماء الاشخاص الذين اصدروا هذه الاوامر ، وهل كانت هذه الاوامر تتضمن اتخاذ اجراءات غير دستورية ضد اية سلطة عراقية دستورية وبصورة خاصة ضد الوصي (2) .
   فعلى صعيد البصرة قد طلب متصرف البصرة الجديد عبد الرزاق حلمي من مدير شرطة البصرة وقائممقامي الاقضية ومدراء النواحي في البصرة لتزوده بالمعلومات حسب ما جاء في كتاب مجلس الوزراء اعلاه .
   واستناداً الى ذلك ، لم تكن اجوبة مديرية شرطة البصرة وقائممقامي الاقضية والنواحي مشجعة ، باسثناء ما جاء من قضاء القرنة حول قضية نسف جسر الشافي

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 3 كتاب مجلس الوزراء المرقم 644 والمؤرخ 25 \ 6 \ 1941 الى الوزارات كافة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 35 \ 36 كتاب الوزارة العدلية المرقم م ج \ 282 والمؤرخ 7 \ 7 \ 1941 الى متصرفي الالوية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 138 ـ

واغراق الباخرة صفية العائدة الى شركة نفط الرافدين الباخرة يوسفي مع جنيبتين في شط العرب من قبل الرتل العسكري ، وكانت النتيجة ان تضررت الحكومة من جراء ذلك بمبلغ عشرة آلاف دينار (1) .
   ثم توجهت المتصرفية ايضاً لمعالجة موضوع اعضاء المجلس النيابي من البصريين الذين ذهبوا الى بغداد وصوتوا على تنحية الوصي عبد الاله والمناداة بالشريف شرف وصياً جديداً ، وهم كل من الشيخ صالح باشا اعيان وعبود الملاك وحامد النقيب ومحمود احمد النعمة ومصطفى الحاج طه السلمان ومحمد سعيد العبد الواحد ، لقد وجهت المتصرفية لوماً شديداً لهؤلاء الاشخاص واجرت تحقيقاً معهم عن الكيفية التي ذهبوا فيها الى بغداد ، وقد اوضحوا بأنهم قد تعرضوا الى الوان من التهديد استخدم ضدهم من قبل وكيل المتصرف محمد صالح حمام (2) ، والحقيقة يمكن القول ان ما ذكره نواب البصرة بشأن الاكراه والتهديد لم يكن صحيحاً ، وعلى رأي علي محمود الشيخ علي بان ما حدث في مجلس الامة العراقي يوم 10 نيسان سنة 1941 ان حضر اعضاء المجلس من محلات اقامتهم التي كانوا متفرقين فيها ، لان المجلس في ذلك الوقت لم يكن في حالة اجتماع وعلية فقد حضروا الى العاصمة مستخدمين الوسائط التي ارتضوها ، ولم يرافقهنم احد من القوات المسلحة او ما يماثل ذلك ، واقاموا في المحلات التي اختاروها هم بأنفسهم وحضروا بناية المجلس وسط هتاف الجماهير ولم يصحبهم احد من ممثلي السلطة التنفيذية واجتمعوا وقرروا وكان قرارهم بالاتفاق ، واكد ان النواب والاعيان الذين لم يحضروا اجتماع المجلس وكانوا مقيمين في بغداد او من سكان بغداد

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 3 كتاب قائممقامية قضاء القرنة المرقم 2158 \ 5 \ 6 والمؤرخ 16 \ 7 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 3 الكتب التي رفعها النواب بخط يدهم الى متصرف البصرة ( ملحق 3 ) .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 139 ـ

لم يحاسبهم احد او يعاتبهم احد او ضغط عليهم او ارسلت اليه مسلحة او شبه قوة مسلحة (1) ، وعليه لم يكن لدى متصرفية البصرة من المستندات او الذرائع لتدلي بدلوها سوى معلومات عامة لا تشكل ادانه ، وبعد ان جمعت المعلومات هذه وضعتها في تقرير تضمن تحقيقاً عما حدث في البصرة خلال قيام حكومة الدفاع الوطني وثورة مايس (2) .
   من مناقشة فقرات ذلك التقرير نستشف منه انه لم يكن ادانه لحكومة الدفاع الوطني بقدر ما كان تزكية لاعمالهم ، وفي ما يلي الملاحظات التالية حول فقرات التقرير .
  1 ـ لقد كان موقف الحكومة في البصرة " المتمثل بملاحقة وكيل المتصرف للوصي المخلوع " امر تمليه طبيعة التنفيذ الاداري وليس هناك مجال للطعن فيه حيث ان الهروب قد وقع فعلاً والتجأ الوصي خلاله الى جهة عدوه وهي بريطانيا وان طلب التدخل لمصلحة معناه خيانة وطنية .
   ومن استقراء للحوادث التي وقعت نجد ان مراقبة الوصي ورصد حركاته امر واجب التنفيذ من قبل اي اداري مكلف يتحمل تلك المسؤولية وعلى هذا الاساس فان الولاء للحكومة المركزية في بغداد لا يعد وثيقة ادانة او جريمة يمكن ان تثار على صعيد ذلك التقرير

**************************************************************
(1) علي محمود الشيخ علي ، محاكاتنا الوجاهية ( بيروت بدون سنة ) ص ص 207 ـ 208 ، من النواب الذين لم يحضروا اجتماع المجلس هم الشيخ رايح العطية وجلال بابان ومحمود صبحي الدفتري ومصطفى العمري والشيخ رضا الشبيبي ومن الاعيان منهم السيد محمد الصدر والشيخ حسن السهيل وجميل عبد الوهاب محمود ومحمود رامز السيد عبد المهدي وطه باشا وصادق البصام والسويدي وغيرهم من الاعيان ، المصدر نفسه ، ص 208 .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 3 تقرير م . ل . ب المرقم س \ 2065 والمؤرخ 6 \ 8 \ 1941 الى السيد احمد مختار بابان ( ملحق 4 ) .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 140 ـ

لان متصرف البصرة افتقد الدليل فأصطنعه عند حاجته اليه اي كتب ما ترتضيه السلطة في حينه .
  2 ـ ان من قرر عزل الوصي جماعة من الناس كما ذهب اليه التقرير المشار اليه في فقرته الثانية ، بل اجماع الامة بممثليها الشرعيين المنتخبين بمجلس نوابها والممثلين في مجلس الاعيان ، وان باستطاعة حكومة الدفاع الوطني لو ارادت ان تعزل احداً وتلزم احداً بالاكراه والقوة لفعلت ، اما في منطقة البصرة فقد كان بمستطاع اولئك الممثلين ان ينحو منحى من اتبع الوصي عند هروبه وعن طريق البصرة بالذات .
  3 ـ اما بشأن الصدام المسلح ضد القوات البريطانية فلا تطلق عليه كلمة ( ادانة ) مثلما كن يطلق عليه ( عبد الرزاق حلمي ) كاتب التقرير والذي اراد بكتابته ادنة المقاومة واعتبارها " عصياناً " في مفهومه فأن ما جاء به التقرير عن سبب المصادمة " ان مدير الشرطة على ارتباط مستمر في مخابرته مع بغداد وانه تلقى اوامر المقاومة من بغداد ويحتمل ان يكون من احدى الاثنين اما من رشيد عالي الكيلاني او من الصباغ " ، وهذا غير وارد لان الحكومة العراقية في بغداد كان لديها العلم بان البصرة بدون حماية عسكرية ولا يمكن لنفر قليل من الشرطة مقاومة قوات بريطانية كبيرة حتى توعز بمقاومتها ، ويمكن ان يكون الامر صحيحاً بعد ان شدد البريطانيون هجماتهم في الحبانية على القوات العراقية فتصورا ان المقاومة في البصرة ستعرقل الاسناد البريطاني من البصرة الى الحبانية وهذا تفكير متأخر جداً ولا سيما بعد انسحاب الجيش الى القرنة ، ولذلك يستبعد ما كتبه عبد الرزاق حلمي في التقرير بشأن اتصال رشيد عالي الكيلاني او الصباغ بمدير الشرطة مزاحم ماهر .
  4 ـ كذلك ما ورد في الفقرة الرابعة من هذا التقرير " الضغط على الناس لاستحصال البرقيات لتاييد تلك الادارة " التي زعمها التقرير " غير دستورية " .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 141 ـ

هذه الفقرة هي الاخرى لا تشكل ادانة لنظام بدأ بولاء الشعب ، أضافة الى ذلك نفهم من التقرير محاسبة وكيل المتصرف صالح حمام على كل عمل قام به لصالح الحكومة الوطنية من البرقيات التي وجهها الى وزارة الدخلية وغيرها معللة على ذلك " اما الوضع الذي اتخذه وكيل المتصرف اللواء السيد صالح حمام ازاء هذا الموقف فقد كان وسطاً الا ان التردد والاضطراب كانا باديين على مشاعره واحساسه ومبعثهما على ما نظن ـ خشة من انتقام رشيد عالي وصحبه لمجهوليته مصير الاحوال لديه " ، يبدو ان متصرفية البصرة ارادت بهذا التقرير ان تبرر الاعمال الوطنية التي قام بها رجال الادارة خلال ثورة مايس ، ولو صح ان صالح حمام لم يدرك الاحوال كما جاء في التقرير المذكور للتحق بالوصي واعتزل المسؤولية الادارية في البصرة .
   والسؤال الذي يطرح نفسه هل يتوقع كاتب التقرير عبد الرزاق حلمي بأنه سوف لا يقف الموقف نفسه الذي وقفه صالح حمام بحكم مسؤلياته متصرفاً للواء البصرة ، وهكذا يظهر ان ما جاء في تقرير متصرفية ولاء البصرة لم يكن يحتوي على معلومات دقيقة موثقة كما انه يفتقر الى الدقة والصواب حول ثورة مايس ورجالها ومؤيديها الا ما ورد رسمياً من قبل الادارة السابقة والذي اعتبره ادانة ثابتة ضدهم .

ثانياً ـ الاجراءات الحكومية ضد منتسبي المعارف
   اخذت السلطات العراقيةبعد فشل ثورة مايس تطارد العناصر التي ايدت الثورة متهمة اياها بتهم مختلفة ، في حين ان تلك العناصر انطلقت بدوافع وطنية وقومية في دعمها للثورة ولا سيما بين قطاع المثقفين الذين تأثروا كثيراً بما كان ينقله اليهم المعلمون والمدرسون الفلسطينيون والسوريون والذين تزايدت اعدادهم خلال فترة الثلاثينيات ، لقد كان أولئك المعلمون والمدرسون ينقلون صوراً كثيرة عن اغتصاب الصهاينة لفلسطين ودعم بريطانيا اللامحدود للمشاريع الصهيونية ، كذلك الامر في ما

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 142 ـ

يتعلق بسياسة التعسف التي كانت فرنسا تمارسها في سوريا ولبنان بصفتها الدولة المنتدبة عليهما .
   ومن خلال هذه الذهنية يمكن للباحث ان يفسر ذلك التعاطف والتأييد الذي اظهره المواطنون العراقيون ازاء انتصارات المانيا على بريطانيا وحلفائها سواء على الساحة الاوربية او منطقة البحر المتوسط ، وفي البصرة بالذات كان للتجمع القومي الذي ضمه نادي المهلب بن ابي صفرة اثر بارز في استقطاب الشباب وغرس النضال في نفوسهم ضد النفوذ الاجنبي (1) ، يضاف الى ذلك ما بذلته الصحف والجرائد الوطنية من نشر للمقالات الوطنية والقومية قبل احداث الثورة وخلالها كجريدة الناس والسجل التي سبق تبيانها ومن المؤكد ان كثيراً من الشباب الذي انخرط في جمعيات ذات اهداف قومية كان حقلاً خصباً في نمو الفكر القومي الذي ايد ثورة مايس التحررية .
   ولما لم تشهد البصرة اعتماداً على التحقيقات التي اجريت من مديرية الشرطة على تنظيمات كتائب الشباب او ما يسمى الحرس الحديدي لذا انصبت الملاحقة على الشباب القوميين وعلى العناصر التي ناصرت ثورة مايس التحررية 1941 حيث كلفت مديرية الشرطة في البصرة معاون منطقة العشار مسؤلية القاء القبض على من يكتب النشرات ويعلقها على الشوارع ، وتشكيل دوريات ليلية من الشرطة من الساعة السابعة مساءاً الى الساعة الخامسة صباحاً ، وان تنحصر مهمة هذه الدوريات في ثلاث مناطق في مدينة العشار احداهما في منطقة السعودية والكزارة والثانية في محلة الساعي ، والثالثة في اسواق العشار وما جاورها حتى منتصف طريق البصرة ، على ان تزود الدوريات بالاشارات المقتضية في ما يختص بمراقبة ملصقي النشرات والقاء القبض على كل من يقوم باعمال مماثلة (2) ، ونتيجة للتحريات الواسعة التي اجريت

**************************************************************
(1) مقابلة مع رجب بركات في 10 \ 9 \ 1987 .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 523 \ 9 \ 6 والمؤرخ 29 \ 7 \ 1941 الى معاون منطقة العشار وصورة الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 143 ـ

في منطقة العشار فقد حامت الشبهات حول عشرة اشخاص وقد اجريت التحقيقات معهم واحيلوا الى متصرفية اللواء بثلاث دعاوى لمحاكمتهم ، فاسفرت الدعوى الاولى المقامة ضد السيد صادق عبد الحسين الحلاق بربطه بكفالة لحسن السلوك ، اما الدعوى الثانية فكانت ضد كل من يوسف ميخا وفؤاد نعوم ومحمد تقي ، حيث قرر المتصرف الحكم على كل منهم بالحبس لمدة سنتين وفق مرسوم صيانة الامن العام وسلامة الدولة رقم 56 لسنة 1940 ، وكانت الدعوى الثالثة قد اقيمت ضد كل من حسين السامرائي ومحمد عطى السواد ومحمد علي الحاج شويش واخيه جعفر وعبود شبر وجاسم خلف القهواتي حيث تقرر اخلاء سبيلهم بكفالات .
   اما في منطقة البصرة عثر في بيت عبد العزيز بركات الذي كان طالباً في متوسطة البصرة على اوراق وبيانات تنتقد رجال الحكومة العراقية واوراق اخرى تؤيد حكومة الدفاع الوطني ، وبعد اكمال التحقيقات معه ومع اشخاص آخرين كانوا على علاقة به ، قدمت اوراقهم لمتصرفية البصرة حيث تقرر الحكم على عبد العزيز بركات بالحجز لمدة معينة ، اما الاشخاص الآخرون فقد كانوا طلاباً ، بستثناء توفيق علي العينجي مدير متوسطة البصرة ، وهم نعيم غالب وجاسم محمد وحامد علي وعباس رشيد وجميل عبد السيد وعبد الرزاق عبد القادر وعبد الرزاق عبد الوهاب واحمد خالد البدر وكاظم الحاج حمدان ومحمود العامر وعبد العزيز محمد عجم واسماعيل عبد اللطيف وشهاب محمد وحسين الشيخ علي وعلي حسين مهاجر واحمد محمد الصالح ، فقد تقرر اخلال سبيلهم بتعهدات حسن السلوك لمدة سنة واحدة وذلك " لعدم توفير الادلة بشأن وجود علاقة لهم بتوزيع هذه النشرات " (1) .
   وتمشياً مع سياسة الحكومة الرامية الى متابعة كل من ايد ثورة مايس ومعاقبته فقد عممت وزارة الداخلية كتاب وزارة المعارف والذي ارسل الى متصرفيات الالوية لبيان

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 كتاب م . ش . ب المرقم 1354 والمؤرخ 9 \ 10 \ 1941 الى مدير التحقيقات الجنائية والاقامة في بغداد .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 144 ـ

اسماء منتسبي المعارف من اساتذة وموظفين وطلبة لسوقهم الى المحاكم ومعاقبتهم بموجب مرسوم صيانة الامن العام او من قبل المجلس العرفي العسكري (1) .
   وتنفيذاً لما تقدم فقد ارسلت متصرفية لواء البصرة قائمة باسماء منتسبي المعارف مع بيان الاجراءات التي اتخذت بحقهم وهم كالتالي :

1 ـ توفيق العينجي
2 ـ عبد الكريم عبد اللطيف
3 ـ احمد موسى
4 ـ عبد الرزاق المنديل
5 ـ عبد العزيز محمد عجم
6 ـ محمود عبد الرزاق العامر
7 ـ عباس رشيد
8 ـ عزت احمد الحلاق
9 ـ احمد السيد صالح الرديني
10 ـ نعيم غالب
11 ـ جاسم محمد
12 ـ محمد تقي الشيخ رضا
13 ـ سليم العبايجي
14 ـ محمد علوان
15 ـ فاضل محمد سعيد
16 ـ هنري توفيق
  مدير متوسطة البصرة
  مدرس متوسطة البصرة
  كاتب في مدير المعارف
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  مدرس في ثانوية البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  ربطوا بتعهدات حسن السلوك بقرار من متصرف لواء البصرة .


**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 14 كتاب وزارة المعارف المرقم 1313 والمؤرخ 11 \ 11 \ 1941 الى وزارة الداخلية كذلك كتاب وزارة الداخلية المرقم 2972 والمؤرخ 17 \ 11 \ 1941 الى مديرية الشرطة العامة والى متصرفي الالوية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 145 ـ

17 ـ حبيب محمد حنوش
18 ـ توني يعقوب
19 ـ عبد الصمد عبد الله


  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة


   تم حجزهم لفترة بذمة التحقيق ثم اطلق سراحهم من قبل متصرف لواء البصرة .

20 ـ حسين الشيخ علي
21 ـ كاظم حمدان
22 ـ جميل عبد السيد
23 ـ احمد خالد البدر
24 ـ حامد علي
25 ـ نوري كاظم
26 ـ عبد الله ساسون


  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة
  طالب في متوسطة البصرة


  ربطوا بتعهدات حسن السلوك بقرار من متصرف لواء البصرة .


27 ـ شاكر العبد السيد
28 ـ قاسم محمد امين
29 ـ عبد العزيز بركات


 معلم بمدرسة كرمة علي
 مدرس في متوسطة البصرة
 طالب في متوسطة البصرة


  تم حجزهم الفترة ثم اطلق سراحهم من قبل متصرف لواء البصرة .


30 ـ قاسم محمد السامرائي



  طالب في متوسطة البصرة



  حكم عليه بالحبس الشديد سنة واحدة من قبل متصرف اللواء غير ان المحكمة الكبرى في بغداد امتنعت عن تصديق الحكم وقررت اخلاء سبيله من السجن .


31 ـ صادق بن عطا
32 ـ قاسم عساف


 مدرس في متوسطة البصرة
 طالب في ثانوية البصرة


  اطلق سراحهما بكفالة من قبل متصرفية اللواء لعدم ثبوت الجريمة ضدهما .


33 ـ جورج فلسطيني  مدرس متوسطة البصرة   لم يقبض عليه ولم يقدم للمحاكمة (1) .


**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 4 م . ب . ب المرقم س \ 18 والمؤرخ 4 \ 1 \ 1941 الى وزارة المعارف .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 146 ـ

   ولم تكتف وزارة المعارف بتلك الاجراءات انما اشارت على متصرفية البصرة باتخاذ اجراء آخر خلاصته سوق اللذين ورد ذكرهم في الجدول السابق الى لجان انضباطية بعد صدور الاحكام عليهم من قبل الجهات الجزائية والادارية (1) .
   وقد ليد مترف البصرة رأي وزارة المعارف بضرورة سوق منتسبي المعارف الى لجان انضباطية ، وعلى هذا الاساس تشكلت ( لجنة انضباط موظفي وزارة المعارف ) في البصرة والتي طلبت بدورها من متصرفية البصرة تزودها بالتهم الموجهة ضد منتسبي المعارف لمحاكمتهم ادارياً بتهمة اشتراكهم بثورة مايس (2) ، ويلاحظ ان التهم الموجهة لمنتسبي المعارف كانت تنقسم الى قسمين ، القسم الاول انتهى امرهم باطلاق سراحهم وهذا يعني عدم توفر الادلة ضدهم ، اما القسم الثاني فمنهم من تقرر حجزه ومنهم من ربط بتعهدات حسن السلوك ، لذا اقترح متصرف البصرة سوق من لم يتم سوقه من القسم الثاني من الطلاب والمدرسين الى لجان انضباط لاتخاذ العقوبات بحقهم (3) ، وقد ردت مديرية معارف البصرة على اقتراح متصرف البصرة قائلة :
   " يستدل من الملاحظات المدونة اتجاه اسماء الموظفين والطلاب المدرجة اسمائهم في القائمة المرسلة الينا ، بان كافة هؤلاء الموظفين والطلاب قد أطلق سراحهم من قبل متصرفية اللواء الامر الذي يدل على عدم توفر الادلة الكافية ضدهم وحيث

**************************************************************
( ملاحظة ) : ان مديرية الشرطة قدمت اسماء 18 شخصاً من اسماء منتسبي المعارف الى متصرفية البصرة الا ان المتصرفية اضافت اليها اسماء آخرين من منتسبي المعارف استناداً الى السجل الموجود لديها .
(1) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 14 وزارة المعارف المرقم 1313 \ س \ 60 والمؤرخ في 11 \ 1 \ 1942 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 4 سكرتارية لجنة انضباط موظفي المعارف المرقمة 193 والمؤرخة 21 \ 3 \ 1942 .
(3) س . م . ب . ، رقم الملف 14 \ 4 م . ل . ب المرقم س \ 168 والمؤرخ 15 \ 2 \ 1942 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 147 ـ

ان صدور الاحكام عليهم كان من قبلهم فليس لدينا ما يثبت ادانتهم او برائتهم مما كانوا قد حكموا من اجله ، مع العلم ان الطلاب الآتية اسماؤهم قد احيلوا على لجان الانضباط المدرسية واتخذت بحقهم العقوبات اللازمة وهم هنري توفيق ونوري يعقوب وعبد الصمد عبد الله وعبد العزيز بركات وقاسم محمد السامرائي " (1) .
   ونظراً لاحالة كل من تقي الشيخ راضي المدرس في ثانوية البصرة والسيد توفيق العينجي مدير متوسطة البصرة الى لجنة الانضباط لمحاكمتهما ادارياً بتهمة اشتراكهما في ثورة مايس واثارة الرأي العام ، فقد طلبت لجنة انضباط المعارف تزويدها بالتهم الموجهة الى تقي الشيخ راضي وتوفيق العينجي واسماء الذين شهدوا ضدهم مع الحكم الصادر بحق كل منهم (2) ، ففي ضوء تعلق الامر بتوفيق العينجي فقد اتهم بترويج الدعاية المضادة وكانت هذه التهمة قد صدرت عن طريق مديرية شرطة البصرة وقد اطلق سراحهة في ما بعد لعدم توفر الادلة ضده ، الا ان خشية تماديه في اعمال الدعاية قرر المتصرف عبد الرزاق حلمي ربطه بتعهد حسن السلوك لمدة سنة واحدة وانتهت قضيته على هذا الاساس .
   اما تقي الشيخ راضي فكانت حالته مشابهة لقضية توفيق العينجي اذ ان التهمة الموجهة ضده جاءت عن طريق مديرية الشرطة ايضاً واطلق سراحهة بتعهد حسن السلوك لعدم توفر الادلة ضده ووفقاً لذلك ارسلت اضبارتي الدعاوى المختصة بتوفيق العينجي ومحمد الشيخ راضي الى رئاسة لجنة انضباط المعارف (3) .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 4 كتاب مديرية منطقة معارف البصرة المرقم س \ 17 والمؤرخ 14 \ 2 \ 1942 الى متصرفية لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 4 كتاب سكرتارية لجنة انضباط موظفي وزارة المعارف المرقم 193 والمؤرخ في 21 \ 3 \ 1942 الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 4 م . ل . ب المرقم س \ 379 والمؤرخ في 28 ـ 29 \ 3 \ 1942 الى رئاسة لجنة انضباط موظفي وزارة المعارف .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 148 ـ

   كذلك قررت مديرية المعارف احالة كل من عبد الكريم عبد اللطيف المدرس بثانوية البصرة واحمد موسى مأمور مخزن مديرية المعارف الى لجنة انضباط المعارف ومعرفة الاسباب الدالة على اشتراكهما في ثورة مايس (1) .
   ولا يغفل ذكر دور العنصر النسوي المثقف في ثورة مايس لانه كما ورد سابقاً ما قامت به مديرة متوسطة البصرة للبنات السيدة نبيهة اسماعيل من الخطب والمقالات لتأييد الثورة لذلك طلبت متصرفية البصرة بنقلها من البصرة بتهمة اعتناقها " لبعض الآراء المتطرفة والتعبير عنها ببعض المقالات الصحفية بأسمها الصريح " (2) .
   ويظهر مما تقدم ان اجراءات المتصرفية اتصفت بالتعنت ولا سيما بحق اولئك المحجوزين من منتسبي المعارف وبخاصة اولئك الذين لم يصدر بحقهم حكم بضرورة معاقبتهم انضباطياً .
   وهكذا نجد ان المتصرفية اوصلت ملاحقة الطلاب والمدرسين بتلك الكيفية التي زج فيها الكثيرون من الشباب الوطنيين بتهمة ملفقة نتيجة لاخبار كاذبة من قبل المنافقين والعملاء .
ثالثاً ـ معتقل الفاو
   كانت مساهمة السفارة البريطانية لانشاء معسكرات الاعتقال سواء في الفاو او غيرها من المناطق مساهمة فعالة ، وكانت السفارة البريطانية قد طالبت عبر مذكرة رفعتها الى وزارة الخارجية العراقية بتسديد ما ترتب على الحكومة العراقية من ديون بلغت 557 \ 1537 دينار عن كلفة المواد التي جهزتها السلطة العسكرية

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 4 مديرية منطقة معارف البصرة المرقم س \ 37 والمؤرخ 5 \ 4 \ 1942 الى متصرفية لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 14 \ 3 م . ل . ب رقم س \ 2828 والمؤرخ 32 \ 9 \ 1941 الى وزارة المعارف وصورة الى وزارة الداخلية للتأييد .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 149 ـ

البريطانية لانشاء معسكرات الاعتقال في الفاو (1) .
   اما بناية المعتقل فقد سلمتها مديرية الميناء والملاحة العامة الى مديرية السجون العامة (2) مؤشراً واضحاً الى ما لعبته مديرية الميناء ابتداء من مديرها العام الى ضابطها وادلائها البحريين من دور في خدمة الاهداف الاستعمارية ، اما وزارة المالية فقد وضعت من ناحيتها مبلغ قدره ( 2000 ) دينار تحت تصرف وزارة الشؤون الاجتماعية لغرض انفاقه على التجهيزات الغذائية للمعتقلين السياسيين باشراف لجنة أُلفت برئاسة المتصرف وعضوية كل من رئيس صحة اللواء وموظف من مديرية الميناء ومدير سكن البصرة ومأمور خزينة اللواء ، وطالبت الوزارة المذكورة بتأليف اللجنة المشار اليها على الفور والمباشرة بأحضار اللوازم والضروريات التي يتطلبها المعتقل وتدابير اطعام المعتقلين بالطريقة التي تراها اللجنة المذكورة مناسبة (3) .
   لقد بدأت عمليات القاء القبض على الذين ايدوا ثورة مايس بعد احتلال القوات البريطانية لبغداد وعودت الوصي المخلوع عبد الاله اليها ، اما في البصرة فكانت عملية الاعتقالات قد بدأت بعد احتلال مدينة العشار وبالتحديد بعد احداث 17 مايس 1941 .
   لذا فقد اخذت عمليات القاء القبض والحجز مجراها الطبيعي وزج الكثيرين بتهمة الاخلال بالامن وبسلامة البلاد ، وتساوى هنا المثقفون والسياسيون والعسكريون وكان المعتقلون يرسلون على وجبات الى البصرة ليودعوا في سجن البصرة المركزي

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 1 \ أ كتاب وزارة الخارجية المرقم 1159 \ 1159 \ 5 في 11 \ 5 \ 1942 الى وزارة الداخلية .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 \ أ كتاب مديرية السجون العامة ـ بغداد المرقم 2\ 31 \ 2918 والمؤرخ 30 \ 5 \ 1942 الى مديرية الميناء والملاحة العامة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 \ أ وزارة الشؤون الاجتماعية المرقم 417 والمؤرخ 9 \ 8 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 150 ـ

كمرحلة اولى ثم يقرر بعدها متصرف اللواء مكان الاعتقال الدائمي .
   وكان من بين المعتقلين من الوجبة الاولى الذين تقرر ابعادهم الى البصرة المحامون ابراهيم وصفي ونوئيل ميخا رسام وكذلك جمال فؤاد المفتي وأخوه حازم فؤاد المفتي ، وصدر الحكم بحبسهم لمدة سنتين بعد ادانتهم " ببث الدعايات الضارة والمشوشة للافكار العامة " (1) ، وقد وصلوا الى البصرة في 13 تموز 1941 واودعوا في السجن المركزي مؤقتاً ريثما يتقرر اختيار مقر آخر لاقامت هؤلاء وامثالهم من الذين يتقرر حجرهم في البصرة (2) ، كذلك من الذين ارسلوا الى سجن البصرة المركزي الملازم محمد سعيد الشيخ خزعل والرئيس ( النقيب ) المتقاعد مدلول عباس (3) ، ووصلها ايضاً من الديوانية في 30 تموز 1941 علوان الياسري بخفارة المعاون محمد شطري (4) ، كما ارسل مخفوراً الى البصرة عبد الواحد الحاج سكر بعد ان القي القبض عليه (5) ، وبناء على اوامر المتصرف وضعوا جميعاً في سجن البصرة المركزي ، كان سجن البصرة المركزي مؤلفاً من عدد من الردهات الكبيرة فصلت عن ( باحة السجن ) بأسيجة حديدية لمنع اختلاط السجناء السياسيين بغيرهم من السجناء ، وأعطي لهؤلاء السجناء السياسيون حق الاحتفاظ بملابسهم وأختيار مآكلهم ومعالجتهم

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 كتاب متصرفية لواء الموصل المرقم س \ 223 والمؤرخ 8 \ 7 \ 1941 الى مديرية شرطة الموصل وصورة منه الى وزارة الداخلية والى متصرفية البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ل . ب المرقم س \ 3 \ 2 \ 1048 والمؤرخ 13 \ 7 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش .ب المرقم 522 \ 2 \ 3 والمؤرخ 30 \ 7 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(4) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 535 والمؤرخ 31 \ 7 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(5) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 برقية مدير شرطة لواء الديوانية المرقمة 2221 والمؤرخة 29 \ 7 \ 1941 الموجهة الى مدير الشرطة العام .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 151 ـ

الطبية في مستشفى تذكار مود ( مستشفى البصرة الجمهوري حالياً ) القريب من السجن ، ثم اخذت وجبات المعتقلين تتوارد الى البصرة تباعاً ، ففي تشرين الاول 1941 وصلت الى البصرة مجموعة كبيرة من المعتقلين بغية ارسالهم الى معتقل الفاو ، وهي الوجبة الاولى التي دشنت معتقل الفاو وتضم هذه الوجبة خليطاً من المعتقلين اغلبهم من المجموعات المثقفة بينهم على سبيل المثال لا الحصر خليل اسماعيل كنه ، والدكتور مظفر الزهاوي ، والدكتور سليم خياط ، وجمال الآلوسي ، وعبد الرزاق الحسني ، وناجي معروف ، وعزت اسماعيل الكرخي ، وعبد الرحمن عبد اللطيف البزاز ، ونعمان محمد امين ، وسليم محمود النعيمي ، وسلمان الصفواني ، وطالب مشتاق ، ومحمد بهجت الاثري ، وانطوان بورص سمحيري ، وآركوب ارتين كريبيان (1) ، ويلاحظ على وجهة المعتقلين هذه انها ضمت عناصر من اديان وقوميات مختلفة مما يستدل على مقدار ما تمتعت به ثورة مايس من دعم وتأييد شعبي .
   ومن العسكريين الذين تم وضعهم في معتقل الفاو المقدم المتقاعد حقي عبد الكريم والرئيس الاول ( الرائد ) المتقاعد ( عامر حسك ) والرئيس ( النقيب ) المتقاعد مدلول عباس والرئيس ( النقيب ) المتقاعد محمود حسن الدرة (2) ، كما توالت قوائم المحجوزين الى البصرة لوضعهم في معتقل الفاو ومن محافظات القطر كافة حيث ارسل في 11 تشرين الثاني 1941 من كركوك المتهم عبد الله عباوي كما ارسلت متصرفية اربيل كلاً من انور عبد الله وحميد فتاح وفائق ناشر وقاسم سعيد مخفورين لابعادهم الى معتقل الفاو (3) ، وقد بلغ عدد المعتقلين في معتقل الفاو بتاريخ 21 كانون الاول 1941 ( 149 ) معتقلاً (4) ، بعد ان تم نقل قسم منهم الى معتقل نقرة السلمان او سامراء .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 \ أ م . ش . ب المرقم 1395 والمؤرخ 30 \ 10 \ 1941 الى مدير سجن البصرة المركزي وصورة الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 \ أ م . ش . ب المرقم 306 والمؤرخ 2 \ 2 \ 1942 الى مديرية سجن البصرة المركزي .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 \ أ م . ش . ب المرقم 1770 \ 5 \ 2 والمؤرخ 8 \ 11 \ 1941 الى آمر معتقل الفاو .
(4) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 \ أ آمرية معتقل الفاو المرقم 24 \ 358 والمؤرخ 12 \ 12 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .