اولاً : الموقف الشعبي في البصرة
   1 ـ الصحافة البصرية ودورها في ثورة مايس .
   2 ـ دور الجمعيات في ثورة مايس .
ثانياً : الاقليات وموقفها من ثورة مايس 1941
   1 ـ اليهود .
   2 ـ الايرانيون .
ثالثاً : الدعايات الاجنبية واتجاهاتها
   1 ـ الدعاية النازية
   2 ـ الدعاية الشيوعية

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 100 ـ


   يهدف هذا الفصل الى تبيان ردود الفعل الشعبية ومواقف الهيئات والجمعيات من ثورة مايس 1941 كما يكشف النقاب عن الدور التخريجي والتآمري الذي لعبته بعض الاقليات ، كاليهود والايرانيين في وضع العراقيل امام الثورة وضربها من الخلف .

اولاً ـ الموقف الشعبي في البصرة
   لم تكد تبدء حكومة الدفاع الوطني حتى اجمع سكان البصرة على تأييدها (1) ، وقد تمثل ذلك التأييد ببرقيات التهنئة المرسلة من قبلهم تعبيراً عن موقفهم المؤييد لحكومة الدفاع الوطني (2) ، وكانت الحماسة شديدة لتـأييدها بين اوساط الطبقة المثقفة وخاصة بين منتسبي المعارف من موظفين ومدرسين وطلاب لانهم كانوا على درجة عالية من الوعي وادركوا وطنية هذه الحكومة والغاية من قيامها (3) .
   وقد تجسد هذا التأييد بخروج فتوة المدارس بأستعراض منظم وساروا في الشوارع الرئيسة معبرين عن فرحتهم بقيام الحكومة الجديدة ، وكانت النساء الواقفات على شرفات المنازل يقبلن ذلك بالزغاريد والهتاف ، وبعد ان اخترقوا شارع الصيادلة وشارع البصرة عرجوا على دار المتصرفية فخرج صالح حمام وكيل المتصرف والقى بينهم كلمة شكرهم فيها على مشاعرهم وتأييدهم للحكومة (4) .

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1100 والمؤرخ 12 \ 4 \ 1941 الى متصرف البصرة .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم س \ 5 \ 26 \ 522 والمؤرخ 7 \ 4 \ 1941 رؤساء تحرير الصحف في البصرة ( الثغر والناس والسجل والانباء ) ، ( نشر برقيات ) .
(3) س . م . ب \ رقم الملف 14 \ 4 تقرير م . ش . ب المرقم 1857 \ 2 \ 3 والمؤرخ 20 \ 12 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(4) جريدة السجل البصرية ، العدد 81 ـ 232 في 13 \ 4 \ 1941 ، كذلك جريدة الثغر البصرية ، العدد 1838 في 10 \ 4 \ 1941 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 101 ـ

  كذلك اعلنت معظم العشائر في البصرة وفي اقضيتها ونواحيها عن موقفها الصريح في تأييد حكومة الدفاع الوطني ، ولما اعلنت بريطانيا الحرب على العراق في الثاني من مايس استعدت تلك العشائر للمشاركة في الدفاع والتصدي للبريطانيين خاصة بعد الفتاوى التي اطلقها علماء الدين للجهاد (1) ، كما كان للمرأة البصرية دور متميز في دعم حكومة الدفاع الوطني ، فقد قدمت بعض النسوة الدعم المادي والمعنوي للثورة ، ولعل ابرز من عبر عن موقف المرأة المثقفة في ذلك الوقت السيدة نبيهة اسماعيل التي كانت مديرة لمتوسطة البصرة للبنات حيث القت خطبة في 1 مايس 1941 بمناسبة تحية العلم العراقي عنوانها ( واجب المرأة العراقية اتجاه الوطن العزيز ) ، وكانت بمثابة نداء ثوري موجه الى المرأة العراقية يدعوها لتلبية صوت الوطن ، ولعل ابرز ما ورد في خطبتها قولها ، " لقد حفزني حب الوطن المتغلغل في نفسي والروحي القومية والشيمة العربية التي جبلنا عليها ان انادي اخواتي وبناتي بانه قد آن الاوان ودنت الساعة الرهيبة التي ستظهر فيها بطولتنا ، فالواجب يحتم على الفتاة العراقية ان تقف جنب اخيها في ساحات الوغى كما وقفت جداتها بين مشتجر الفناء وتحت ظلال السيوف " .
   وبعد ان استعرضت البطولات الفذة التي قدمتها بعض النسوة العربيات اللآئي يفخر بتدونها تاريخنا العربي الاسلامي وقالت :
   " اخواتي بناتي لكل الشعوب الابية مواقف عرفت بها واثيرت عنها فكانت مهبط الشرف من حياتها ومعقد الفخر من سيرتها ، وليس موقف امثال هذه الشعوب املأ للقلب واملك للنفس وآثر في التايخ من موقف شعبنا العراقي النبيل الذي برهنا فيه وسنبرهن لاصحاب السياسة الغاشمة والامم الخائنة لعهودها ولما وراءهم ومن يواليهم بأننا سنقف في وجههم شباناً وكهولاً ونساءً فنردهم على اعقابهم " ، واكدت ان الجميع

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 ، م . ش . ب المرقم 1542 والمؤرخ 5 \ 5 \ 1941 الى مدير الشرطة العام ، الى قائد القوة الجنوبية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 102 ـ

يسير بكل ابتهاج الى ساحات الوغى للدفاع عن " حريتنا واستقلالنا ، نسفك دمائنا بكل فخر على مذبح المجد والشرف ، فالى حفيدات عائشة والزهراء ، وحفيدات خولة والخنساء اوجه ندائي ، ان داعي الوطن يدعونا والتاريخ واقف ليسجل على صفحاته الحروف الذهبية بشريف اعمالنا (1) " .
   وفضلاً عما تقدم فقد لاقت مناسبة اسناد وصاية العرش الى الشريف شرف بعد خلع عبد الاله قبولاً حسناً عند السكان وعم الابتهاج انحاء المدينة حيث علقت الزينات والاعلام العراقية في كل مكان وعلى كل بيت تعبيراً وبتهاجاً بهذا التغيير (2) ، كما ذهب وفد شعبي تألف من بعض الشخصيات البصرية حيث كان ابرز اعضائه عبد الرزاق بركات وعبد الرحمن محمود النعمة وعبد الجبار الملاك واحمد الزهير وعبد السلام الحاج ناصر وعبد المجيد العيسى ومحمد العبد الواحد وعبد الكريم يس الطه والدكتور سعد الدين وكمال هندي الى بغداد لتقديم التأييد والتهنئة (3) .
   اضافة الى هذا الوفد فقد ذهب وفد رسمي آخر الى بغداد في 13 نيسان برئاسة صالح العبد الواحد لتقديم التهاني والتأييد الى الوصي الجديد والوزارة الجديدة (4) ، اما بقية اعضاء الوفد الرسمي فهم الشيخ عبد القادر باشا اعيان والشيخ عبد الوهاب البكر وعطى الخضيري والحاج عبد الرحمن النعمة وسعود الصالح وعبد الرزاق السبتي واسكندر منصور والحاج حمد الذكير وحبيب الملاك وقاسم الزهير والحاج سلمان فيضي وعبد الكريم الخضيري وعبد المحسن الشعيبي وزيد النقيب وطالب بركات وخضورى العاني وعبد النبي مير معلم (4) .

**************************************************************
(1) س . م . ب رقم الملف 14 \ 3 خطاب المدرسة نبيهة اسماعيل .
(2) جريدة السجل البصرية ، العدد 80 ـ 231 في 12 \ 4 \ 1941 ، كذلك جريدة البلاد ، العدد 1677 في 13 \ 4 \ 1941 .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم 578 والمؤرخ 12 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية ، كذلك جريدة السجل البصرية 80 ـ 231 في 12 \ 4 \ 1941 .

(4) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم 3993 والمؤرخ 13 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 103 ـ
   وبعيداً عن اجراءات التأييد والبرقيات ومراسيم الزينة فقد كانوا سكان البصرة متيقظين لكل دعاية مضادة يطلقها بعض الذين هاجموا التغيرات الجديدة التي حصلت نظراً لتعرض مصالحهم وارتباطاتهم للخطر ولا سيما الجماعات التي عرفت بانتمائها وولائها للاجنبي والذين بثوا سمومهم في المجتمع .
   وخلال مرحلة تأزم العلاقة بين الحكومة العراقية والحكومة البريطانية حول موضوع السماح للقوات البريطانية وانزالها في البصرة حاول بعض المغرضين استغلال وفاء الحكومة العراقية لتعهداتها بمقتضى احكام المعاهدة العراقية البريطانية سنة 1930 للقيام بالدس ونشر الاراجيف والدعايات المضادة لحكومة رشيد عالي الكيلاني وبالرغم من ان البصريين نظروا الى هذه القوات بعين الريبة والقلق وفسروا وجودها شتى التفاسير كما استولت على شبابهم موجة من الاسخط والغضب على وجود هذه القوات البريطانية (1) فأنهم ظلوا يعبرون بشتى الوسائل عن دعمهم وتأييدهم لحكومة الدفاع الوطني .
   وهنا نجد ان الصحافة البصرية قد وقفت موقفاً ملتزماً واعياً في تفنيد هذه الدعايات والغرض من مجيء هذه القوات موضحة ان موقف الحكومة قائم على قاعدتين اساسيتين احداهما الوفاء بالعهود الدولية ، والثانية الاحتفاظ بالسيادة الوطنية وان مرور هذه القوات لا يؤثر على استقلال البلاد ، كما ان وزارة الداخلية ارسلت هي الاخرى تعليماتها الى متصرفية البصرة دعتها فيه الى مكافحة الاراجيف والدعايات المضادة وتنبيه الرأي العام الى خطورة مثل هذه الدسائس ، وطلبت منها بذل الجهود لتطمين الاهالي على " ان الحكومة ساهرة لحماية حقوق الامة وصيانة كرامتها وسيادتها معهما

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف م . ش . ب المرقم 1359 والمؤرخ 27 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 104 ـ

كانت الظروف (1) .
   ولقد تمثل تأييد اهل البصرة لحكومتهم الوطنية بكل وضوح عندما اندلعت الحرب بين العراق وبريطانيا ، حيث وقف سكان البصرة موقفاً مشرفاً واستعد الكثير من شبابهم للجهاد والتضحية وتطوعوا للألتحاق بالقوات العراقية (2) ، كما ان عمال الميناء اضربوا عن العمل واعلنوا تأييدهم وتضامنهم مع الجيش ضد البريطانيين ، وكذلك اضرب عمال ميناء الفاو عن العمل وطالبوا ان يكونوا في طليعة المنظمين الى الجيش العراقي في حربه ضد البريطانيين (2) ، كما اضرب العمال العراقيون خارج العراق عن العمل كما حدث على الباخرة نياركس في كراجي حيث اعتصم العمال داخل الباخرة تضامناً مع الحكومة الوطنية ، وقد قامت الحكومة الهندية بأعتقال جميع المضربين عن دون اخذ موافقة القنصلية العراقية آنذاك ، ومنعت رؤوف وهو احد الموظفين قي القنصلية العراقية في كراجي من مقابلة العمال واعتبر العمال رهائن لدى السلطات الهندية وكأسرى حرب في حالة وقوع بعض الجنود البريطانيين اسرى لدى الجيش العراقي ، وقد بقي العمال على هذه الحال حتى حزيران 1941 ، اذ اعادتهم بعد ذلك الحكومة الهندية الى العراق عن طريق تسفيرهم بباخرة اخرى (4) .
   وتبلورت المساندة الفعالة لعمال ايضاً حينما رفضوا تفريغ البواخر وشحنها وحرصوا على مقاطعتها مقاطعة تامة (5) .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم س \ 802 والمؤرخ 30 \ 4 \ 1941 الى قائممقامية ابي الخصيب وقائممقامية القرنة ومديرية شرطة لواء البصرة ومديرية ناحية الهارثة ومديرية ناحية الزبير .
(2) جريدة الزمان ، العدد 1105 في 6 \ 5 \ 1941 ، كذلك جريدة البلاد ، العدد 1695 في 3 \ 5 \ 1941 والعدد 1698 في 6 \ 5 \ 1941 .
(3) جريدة البلاد ، العدد 1700 في 8 \ 5 \ 1941 ، كذلك جريدة العالم العربي ، العدد 4848 في 8 \ 5 \ 1941 .
(4) طالب جاسم ، ميناء البصرة 1915 ـ 1956 ، رسالة ماجستير غير منشورة ، ص 159 .
(5) صادق حسن السوداني ، لمحات موجزة من تاريخ نضال الشعب العراقي ، منشورات وزارة الاعلام ( بغداد 1979 ) ، ص 57 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 105 ـ

   كذلك شارك العمال الفئات الوطنية الاخرى بأغراق المناطق المجاورة للبصرة من اجل عرقلة تحركات القوات البريطانية ولو بشكل مؤقت ، وسيطروا على خط حديد البصرة ـ بغداد وقاموا بنقل القاطرات والسفن النهرية الى الشمال ( شمال البصرة ) ، ولعل ابرز ملاحظة ايجابية عن مساهمت العمال الوطنية في هذه الفترة انه لم يحصل اي اضراب عن العمل موجه ضد الحكومة العراقية بل على العكس ان هذه الفترة شهدت " تلاحم والبرجوازية الصناعية الوطنية مع العمال من اجل نجاح الثورة والانتصار على الاستعمار " (1) .
   ان هذه الامثة وغيرها انما تدل على مدى تعاظم الشعور الوطني لدى العمال وايمانهم العميق بهذه الثورة ووطنيتها وبعمق اصالتها الثورية .
   وهناك ملاحظة جديرة بالتسليط الضوء عليها وهي ان اهل البصرة حتى بعد فشل الثورة لم ينقطعوا عن المواصلة في تاييدها وكانوا يأملون بحدوث انتفاضة شعبية اخرى تطيح بالنظام الملكي ورموزه ، ويستدل على ذلك من كثرة توزيع النشرات والبيانات السرية التي ان صعب تحديد الجهات المسؤولة عنها الا ان طابعها كان وطنياً قومياً محضاً ، منها على سبيل المثال العثور على نشرة عنوانها " المطرقة والسندان " (2) ومن مضمونها انها كانت موجهة ضد البريطانيين الؤييدين لسياستها في العراق ، كما عثر على نشرتين في مدينة العشار معنونة الى الشعب العراقي وانها بدون توقيع وكانت واضحة في تأييدها لرشيد عالي الكيلاني (3) .

**************************************************************
(1) مجلة آفاق عربية ، العدد 9 في آيار 1979 ، ص 57 ، مقال " الحركة النقابية العمالية في العراق " ، بقلم رزاق ابراهيم حسن .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ل . ب المرقم س \ 169 والمؤرخ 29 \ 6 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 513 والمؤرخ 29 \ 7 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 106 ـ

   وبالرغم من اجراءات السلطة المضادة بتكثيف الرقابة ومتابعة العناصر الوطنية والقاء القبض عليهم وايداعهم الحجز والتوقيف وربطهم بالكفالات (1) ، فان القاء النشرات لم يتوقف بل استمر وهي جميعها تندد بالبريطانيين وبسياستهم في العراق وتؤيد حكومة الدفاع الوطني والعقداء الاربعة وموقفهم المشرف لتحقيق الاستقلال الكامل للعراق ، فقد عثر على ورقة مطوية في الشارع العام المؤدي الى جسر المقام بالعشار وفيها هجوم واضح على البريطانيين وعلى اعوانهم ، كذلك قام مدير مركز الاتصالات العسكرية البريطانية الكولونيل ساركن بتسليم ورقة لمتصرف البصرة كتب عليها كلمة ( نداء ) وموقعة بكلمة احرار البصرة واخبره بان احد مستخدميه السريين قد وجدها في منطقة العشار ، وابتدأ النداء بالدعوى الى " ابناء العرب الكرام باخذ الثار لان روح السبعاوي تناديهم لانزال العقاب بالانكليز واعوانهم " (2) .
   كما كشفت التحقيقات النقاب عن وجود اعضاء لبعض الجمعيات التي دخل في عضوتها معلمون وموظفون وكسبة ، وان هذه الجمعيات كانت على صلة بمراكزها في بغداد ، فقد وصلت الى متصرفية لواء البصرة رسالة من بغداد موقعة من قبل جمعية اسمها عصبة الاصلاح الوطني في العراق وكان مرسلها قد تمكن من تمريرها من الرقابة بأستخدامه مظروفاً رسمياً وضع على صدره عبارة الحكومة العراقية ، وهكذا مر الغلاف الرسمي الذي احتوى على مناشير احتوت على مبادئ وطنية واضحة تمجد الوحدة الوطنية (3) وهذا ان دل على شيء فانما يدل على مدى تعاظم الوحدة الوطنية بين ابناء الشعب العراقي عند مواجهة الازمات والتحديات .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 523 \ 9 \ 2 والمؤرخ 29 \ 7 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 1541 والمؤرخ 11 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ل . ب المرقم س \ 488 والمؤرخ 13 \ 11 \ 1941 الى مديرية الدعاية العامة وصورة الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 107 ـ

   وتبين نتيجة التحقيقات ان تلك النشرات كانت بتواقيع مختلفة منها عصبة الاصلاح الوطني في العراق وجمعية الاستقلال وجمعية الوطنيين الاحرار ، كما تبين ان بعض تلك النشرات قد طبع بالالات الطابعة وعلى اوراق رسمية واغلفة حكومية مما يعني ان اجراءات الطبع كانت تجري في بعض الاحيان في الدوائر نفسها بعد انتهاء الدوام الرسمي (1) .
   ويستدل من جميع ما تقدم ان ثورة مايس بالرغم من فشلها عسكرياً الا ان الجماهير كانت قد تعلقت بها وأيدتها حيث كشفت تلك النشرات مدى الوعي السياسي لسكان البصرة مما اثار واهتمام السلطات ومخاوفها آنذاك .
   لذى ازدادت اجراءات الحكومة المضادة والمتمثلة بأجراءات التحقيقات المستمرة ومراقبة المشتبه بهم واتخاذ الاجراءات التنكيلية السريعة والحازمة ضد الذين يلقى القبض عليهم وذلك بمقتضى مرسوم صيانة الامن العام وسلامة الدولة رقم 56 لسنة 1940 .
   والخلاصة بالرغم من ان البصرة لم تشهد انتفاضة شعبية مسلحة لكون السكان كانوا عزلاً من السلاح ، اضافة الى حرص السلطات عى المحافظة على الامن والنظام ، الا انه يؤاخذ على الحكومة عدم تهيئة الجماهير الشعبية على المقاومة المسلحة حتى وقت وقوع الصدام المسلح ، علماً بأن البصريين اعلنوا منذ البداية عن استعدادهم وحماسهم للمقامة والدفاع عن الوطن .

1 ـ الصحافة البصرية ودورها في ثورة مايس

   لقد كلن للصحافة البصرية دور واضح في نشر الافكار القومية والوطنية ومعالجة القضايا الداخلية والخارجية وعرض الاحداث السياسية من اجل اطلاع الرأي العام عليها ، من ابرز الصحف في هذه الفترة جريدة السجل وجريدة الناس ، اذ كان

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 1301 والمؤرخ 19 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 108 ـ

المحامي طه الفياض رئيس تحرير الجريدة الاولى في حين رأس تحرير الجريدة الاخيرة عبد القادر السياب .
   ولقد كان هدف الجريدتين احياء امجاد العرب والاشادة بالعزة والقومية والاهتمام بالدين وشرائعه وبالاخلاق .
   ومن اهم القضايا التي عالجتها هاتان الصحيفتان في البصرة مشاكل المعارف وطلاب المدارس والادارات المدرسية ، وكانتا لا تتوانيان من توجيه اللوم والانتقاد الى السلطة عند مناقشة بعض الامور ، لذا تعرض كل من طه الفياض وعبد القادر السياب الى كثير من التضييق من قبل السلطة نتيجة للآراء والافكار التي طرحاها في صحيفتهما ، ولا يخلو هذا التضييق من تأثير خارجي مصدره مراكز النفوذ البريطاني في البصرة بهدف خنق الصحافة وتسخيرها لخدمة الاغراض الاستعمارية .
   ولعل من ابرز الاجراءات التي اتخذتها السلطة للتضيق على الصحافة الوطنية الاوامر التي اصدرتها بعدم جواز اصدار اية مادة صحفية ونشرها او طبعها قبل عرضها على لجنة الرقابة في بريد وبرق البصرة حسب قرارات لجنةالدعاية والنشر وذلك تنفيذاً للفقرة الثانية من المادة الاولى من قانون السيطرة على وسائل المملكة رقم 56 لسنة 1939 ، وقد انذر القانون المخالفين بعقوبات شديدة (1) .
   وبتأثير هذه الاجراءات فقد عانت الصحافة الكثير من التضييق ، الا ان هذا لم يمنعها من رفع الشكوى الى السلطات المسؤولة ضد هذه الاجراءات ، ولعل ابرزها تلك الرسالة التي رفعها طه الفياض صاحب جريدة السجل الى وزير الداخلية والتي اشار فيها الى ان " مراقب الصحف في البصرة يريد ان يجعل من الصحف آلة صماء ليس لها حق معالجة الشؤون السياسية والقضايا الداخلية ولا تشير ولو من طرف خفي

**************************************************************
(1) عن هذا القانون وتفاصيله انظر س . م . ب ، رقم الملف 9 \ 33 ، م . ل . ب المرقم 137 والمؤرخ 8 \ 2 \ 1941 ( قرارات لجنة الدعاية والنشر الى اصحاب الصحف المحلية والمطابع كافة ) .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 109 ـ

الى ما يقع من مخالفات واهمالات ضمن لواء البصرة وضمن قراه واريافة " ، كما اكد الفياض في رسالته هذه الى ان مسؤول الرقابة كثيراً ما يحذف الاخبار التي لها مساس مباشر بمصالح الامة العربية ، ومنع حتى الاقتباسات من تلك الصحافة الخارجية التي لم تصل الى العراق ، واستغرب صاحب الرسالة من تحريم الرقابة نشر حتى تلك المحاضرات القومية والموضوعات تلك التي اذيعت من دار الاذاعة وفيها اشادة بحكومة العراق واختم رسالته قائلاً " وقد حرم على صحيفتنا حرية الانتقاد بصورة لم يعهد لها مثيل ، واذا اجاز للمراقب ان يمنع الابحاث السياسية فكيف يجوز له منع الابحاث الداخلية ، هذه مواضيع قليلة ارفعها لفخامتكم لتصدروا اوامركم بنوع الابحاث التي يجوز لنا معالجتها " (1) .
   وقد ردت وزارة الداخلية على هذه الرسالة وغيرها من الرسائل التي شكا فيها اصحابها من التقييدات التي تعرضت لها الصحافة على ضرورة مراعات المصلحة العامة في كل ما ينشر ، مع نشر الاخبار والبيانات التي يقصد من ورائها تنوير الرأي العام ، كما طلبت الوزارة من اصحاب الصحافة كتابة المقالات الافتتاحية عن العراق والبلاد العربية بهدف مكافحة الدعايات المضرة (2) .
   وخلال الازمة الوزارية في بغداد ولجوء الوصي الى البصرة امتنعت الصحف عن نشر بيان الوصي باستثناء جريدة واحدة هي جريدة الثغر البصرية لصاحبها شاكر النعمة ، ومع ذلك فأن الحكومة في بغداد لم تتخذ الاجراءات ضد الجريدة او ضد صاحبها بأستثناء اصدار الامر الى الجريدة المذكورة بمنعها من تكرار نشر اي بيان عن الوصي ، وعلى اثر ذلك فقد طلبت رئاسة اركان الجيش من آمرية البصرة بالسيطرة

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 4 رسالة موجهة من صاحب جريدة السجل طه الفياض الى وزير الداخلية .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم س \ 880 والمؤرخ 3 \ 5 \ 1941 الى اصحاب الصحف البصرية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 110 ـ

على المطابع في البصرة كي لا ينشر شيء عن الوصي عبد الاله والمتصرف صالح جبر ، وقد فوض الملازم الثاني صالح الزهير ضابط رشاشات اللواء بمتابعة تنفيذ ذلك الموضوع (1) .
   لقد اسندت الصحافة البصرية حكومة الدفاع الوطني في بداية تأليفها فقد نشرت بيانات الحرب وبيانات الحكومة ومقالات طويلة عن الجيش العراقي ومفاخره الخالدة ، فضلاً عما يردها من بيانات ووقائع من مديرية الدعاية والنشر .
   وعندما وقع الاحتلال البريطاني لمدينة العشار وعطلت سلطات الاحتلال جميع الصحف الصادرة آنذاك ، ولم تجابه تلك القوات صعوبة تذكر لنشر بياناتها واوامرها وبلاغاتها بعد ان اعادوا اصدار جريدة الاوقات البصرية ( Basrah Timeis ) واصبحت هذه الجريدة الناطق الرسمي بلسان القوات البريطانية وكانت تصدر باللغة الانكليزية ، وتطبع في مطبعة التايمس التي اسستها الحكومة البريطانية عند احتلالها الاول للبصرة 1941 ، وكانت ملكيتها تعود الى شرطة بريطانية تسمى شرطة الطباعة والنشر العراقية الانكليزية المحدودة ، وهي شركة تجارية بالاسم فقط ، اما واقعها فكانت جهازاً استخبارياً لخدمة الاحتلال ولتثبيت مكاسب المحتلين والحفاظ عليها .
   وعندما وقع الاحتلال الثاني للبصرة لم تكن للانكليز حاجة الى السيطرة على مطابع اهلية للقيام بلوازم طبع جديدة لان الشركة التي اشير اليها كانت مهيئة لهذا العمل (2) .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 4 \ 5 كتاب من مقر لواء المشاة السابع المرقم م \ س3 \ ق4 \ 51 \ 132 والمؤرخ 5 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) رجب بركات ، من صحافة الخليج العربي ( الصحافة البصرية 1889 ـ 1973 ) من منشورات مركز دراسات الخليج العربي ( بغداد 1977 ) ص ص 128 ـ 129 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 111 ـ

   وفضلاً عن ذلك فأن قوات الاحتلال البريطاني يسرت سبل نشر بعض الصحف التي توقفت بعض الوقت كالانباء والثغر لانهما كانتا تطبعان في مطبعة الاوقات البصرية ، ومما يؤاخذ على هاتين الصحيفتين انهما تنكرتا لثورة مايس ورجالها الى درجة ان جريدة الانباء كانت تنشر موضوعاً يومياً عنوانه القائمة السوداء ، وقد اصبح باباً من الابواب الثابتة في الجريدة هاجم فيه كاتبه عبد الرزاق الناصري وهو رئيس التحرير نفسه خصومه السياسيين واتهمهم بمختلف التهم وابرزها تهمت النازية ، واعتبر ثورة مايس تمرداً وعصياناً وطلب بالضرب على يد من شارك فيها ، وكان ابرز من هاجمهم من خصومه السياسيين الشيخ محمد السند وابراهيم وصفي رفيق وتحسين قدري وطه الفياض وتقي الشيخ راضي والدكتور سعد الدين رئيس نادي المهلب والدكتور جمال الدين الفحام وعبد الباري الزواوي وفيصل حمود صاحب المكتبة الاهلية بالبصرة .
   وفضلاً عن ذلك فقد هاجم عناصر قومية اخرى اشتهرت بعطائها القومي كدرويش المقدادي وفوزي القاوقجي واكرم زعيتر وساطع الحصري وغيرهم ، وكان الناصري قد ابتدأ قائمته السوداء تلك في عدد الانباء المرقم 208 والصادر في 10 حزيران 1941 وانتهى منها في العدد المرقم 238 والصادر في 22 تموز 1941 (1) .
   وكانت السلطات البريطانية تتابع ما ينشر في تلك القائمة ، وهي بمثابة المؤشر للسلطة لعزل الاشخاص الذين ترد اسماؤهم من وظائفهم ومن ثم سوقهم الى معسكرات الاعتقال .
   ولما تعطلت جريدة الانباء (2) ، اصدر صاحبها رئيس تحريرها جريدة اخرى

**************************************************************
(1) رجب بركات ، من صحافة الخليج العربي ، ص 126 .
(2) كان سبب تعطيل جريدة الانباء لابتعاد صاحبها عن عرض المواد على الرقابة حسب التعليمات المعمول بها حينذاك ، واشار المتصرف في كتابه الى مديرية الدعاية ان رئيس التحرير " نشر ما يهيج الرأي العام دون عرض مسوداته الى الرقابة ، كما انه ليس لجريدة الانباء مدير مسؤول ، ومن اجل ذلك وبعد التحقيق اوقفت جريدة الانباء .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 112 ـ

اسماها آخر ساعة ، وكانت تتبنى سياسة وأسلوب الجريدة السابقة حيث سخرت كل امكاناتها لمهاجمة ثورة مايس ورجالات العراق الذين وقفوا ضد بريطانيا وكرست صفحاتها لنشر اخبار الحرب في الساحات الاوربية والتبشير بأهداف الحلفاء .
   اما جريدة الناس والسجل وهما من الصحف المناوئة للاحتلال البريطاني فانهما قد عطلتا وألتجأ صاحبهما الى بغداد ومن ثم اعتقالا طوال مدة الحرب .

2 ـ دور الجمعيات في ثورة مايس
   لا يوجد هناك ما يشير الى وجود جمعيات كبيرة ذات تنظيم واسع في البصرة خلال فترة الاربعينيات بل جمعيات صغيرة تضم مجموعة من الافراد ، ولم تعمر هذه الجمعيات طويلاً ولم يكتب لها البقاء والاستمرارية ، ولقد كانت لقضية فلسطين والوحدة العربية ومناصرتهما اثر كبير في صياغة مباديء هذه الجمعيات .
   ومن خلال متابعة الوثائق المحفوطة في محافطة البصرة تم العثور على وثيقة تشير الى وجود جمعية اسمها جمعية " حرس الوحدة " يعود تاريخ تأسيسها الى عام 1940 ، ومن تقرير مديرية الشرطة عنها يتضح ان مبادئها كانت تؤكد على " الروح القومية والوطنية " (1) وعلى " مكافحة الاستعمار " " واعلاء الروح القومي العربي " ، وكانت الهيئة الادارية لهذه الجمعية تتالف من السادة كامل خليل رئيساً وفاضل عباس سكرتيراً ومنيب الانكرلي اميناً للصندوق ومحمد البكري محاسباً وصبيح سعيد عضواً .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 4 \ 5 التقرير النهائي المرقم س \ 13 والمؤرخ 21 \ 10 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة ، م . ل . ب المرقم س \ 2037 والمؤرخ 2 \ 8 \ 1941 الى مديرية الدعاية العامة وصورة الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 113 ـ

   وقد القي القبض على اعضاء الجمعية وآخرين من الذين يشك بولائهم للسلطة الملكية واجرى التحقيق معهم ، ومن خلال التحقيقات تم كشف النقاب عن وجود دفاتر وسجلات وعلاقات منظمة بينها وبين تنظيمات قومية اخرى في بغداد ، كذلك كشف التحقيقات عن وجود خطط ومناهج عمل منظمة لهذه الجمعية كان من جوانبها جمع التبرعات والقاء الخطب والمحاضرات على طلاب المدارس ، كما القي القبض على بعض الاشخاص الذين جاءوا من بغداد خصيصاً للقوف على اعمال الجمعية ولالقاء بعض الخطب والكلمات على طلاب المدارس ، ومع ذلك فأن السلطات المحلية لم تتخذ اجراءات بحق المنتمين لهذه الجمعية لاعتبارات قالت فيها ان " قيامها لغايات وطنية واخلاقية ليست الا " (1) .
   ومن الجمعيات الاخرى جمعية اسمها " الدفاع الوطني " والتي نقلت تشكيلها من البصرة الى العمارة بعد ان انسحب الجيش العراقي من القرنة الى العمارة ، وكانت تسمى اولاً جمعية " النظال القومي " ، الا ان اسمها استبدل بأسم جمعية الدفاع الوطني تيمناً بأسم حكومة الدفاع الوطني ، وكان عدد اعضائها ( 52 ) من اهالي البصرة والعمارة ، ورأسها المعلم صادق عطا النمل الذي نظم الجمعية على اساس الخلايا والحلقات ، وكان لكل خلية من هذه الخلايا رئيس يدعى الركن ، اما عدد اعضاء الخلايا فكان سبعة اشخاص .
   ولقد كان العنصر العسكري يغلب على تشكيلات هذه الجمعية ، والسبب في ذلك كما يظهر من استقراء لاحد التقارير الامنية ان صادقاً تمكن ان يكسب بعض الجنود في حامية البصرة وضمهم الى الجمعية ، وقام هؤلاء بدورهم ببث الدعاية بين قطعات الجيش العراقي الموجود في البصرة حينذاك (2) .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 4 \ 6 م . ش . ب المرقم 3955 والمؤرخ 30 \ 11 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة ( وجود جمعية ) .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 9 \ 12 كتاب م . ش . ب المرقم 1021 والمؤرخ 31 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 114 ـ

   وكان ابرز نشاط لهذه الجمعية كتابة المناشير التي فحواها بث الدعوى والتاييد لثورة مايس ومناصرة حكومة رشيد عالي الكيلاني ، وقد انظمت هذه الجمعية فيما بعد الى جمعية اخرى اسمها " شباب الشعلة " التي كان مقرها في العمارة وكان شعارها " نحن عرب قوميون جمهوريون ثوريون " ورأسها شخص يدعى محمد صالح موسى الذي اشتغل مضمداً لبعض الوقت في مستوصف العمال في الشعيبة ، وكان منهاج الجمعية مؤلفاً من (10) مواد معنوناً بالعبارة التالية : " هذه اهدافنا من آمن بها فهو منا " ، ولعل اهم اعمال هذه الجمعية عدا كتابة المناشير ، قيام مجموعة من اعضائها بقيادة السيد سالم علي بتخريب بعض التجهيزات العسكرية البريطانية في الشعيبة (1) .
   ومع ذلك فان هذه الجمعيات السرية التي نادت بالوحدة والمبادئ القومية لم تكن جمعيات ثورية نضالية لتحقيق مبادئها بل كانت جمعيات منغلقة على ذاتها حول مجموعة من الاشخاص الذين تستروا خوفاً من السلطات ، لذا فانها سرعان ما انحلت وأنتهى تنظيمها .

ثانياً ـ الاقليات وموقفها من ثورة مايس

1 ـ اليهود
   تأتي البصرة بعد بغداد في عدد اليهود الذين كانوا يسكنون فيها اذ تشير المصادر ان عددهم قد تجاوز العشرة آلاف يهودي (2) ، وكان معظمهم يشتغلون في التجارة وادارة الشركات ويمتلكون المتاجر الكبيرة ، كما فسح البريطانييون

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 9 \ 12 م . ل . ب المرقم س \ 170 \ 9 \ 15 والمؤرخ 1 \ 6 \ 1944 الى وزارة الداخلية .
(2) الدكتور فاضل البراك ، المدارس اليهودية والايرانية ، ( بغداد 1984 ) ص 64 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 115 ـ

المجال لهم للسيطرة على ادارة الوظائف المهمة في السكك والميناء والمصارف .
   وكانت ابرز مؤوسساتهم ومنظماتهم الجمعية الاسرائيلية وجمعية الشبيبة الاسرائيلية (1) .
   وكان ظاهر هذه الجمعيات تآلف اليهود والنظر في مصالحهم ، الا ان حقيقتها كانت لبث الافكار الصهيونية والحاق الضرر بمصالح العراق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، كما كانوا يقدمون الاعانات والمساعدات للحركة الصهيونية في فلسطين (2) ، والظاهر ان هذه الجمعيات استمرت حتى عام 1941 وكان لها دور تخريبي خلال ثورة مايس .
   وفضلاً عن ذلك فقد كان للموظفين اليهود الذين عملوا في دوائر الميناء والذين كانوا يشكلون نسبة عالية من موظفيها وقد احتلوا الوظائف الادارية المهمة في المديرية دور بارز في استخدام مختلف الوسائل والاساليب لالحاق الضرر بالموظفين العراقيين الذين كانوا يشتغلون في دوائر الميناء (3) .
   اذ اشارت اخبارية كانت قد وصلت الى متصرفية البصرة عن وجود جمعية مهمتها تدبير الوقائع ودس التهم لموظفي الميناء من غير اليهود للتنكيل بهم وطردهم من الوظائف ، وفي 19 كانون الثاني 1941 القت دورية عسكرية القبض على المدعو

**************************************************************
(1) عن تفاصيل الاولى ونشاطها انظر د . فاضل البراك ، المدارس اليهودية والايرانية في العراق ، ص 64 ، اما على الثانية انظر س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 17 تقرير م . ش . ب المرقم 220 والمؤرخ 1 \ 6 \ 1929 كذلك ملف 5 \ 19 تقرير م . ش . ب المرقم 706 \ 8 \ 2 والمؤرخ 23 \ 2 \ 1933 .
(2) انظر تفصيل ذلك في س . م . ب ، رقم الملف 13 \ 4 كتاب ضابط السفر والاقامة في البصرة المرقم 62 \ س والمؤرخ 17 \ 6 \ 1934 الى معاون التحقيقات الجنائية ، كذلك تقرير م . ش . ب المرقم 24 \ 7 \ 3 والمؤرخ 18 \ 4 \ 1934 الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 12 \ 12 م . ل . ب المرقم س \ 12 \ 32 \ 680 والمؤرخ 8 \ 7 \ 1939 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 116 ـ

نسيم ساسون داخل ثكنةالجيش العراقي في الجبيلة ، وتبين نتيجة التحقيق معه انه كان موظف بدائرة كمرك ومكوس البصرة وادعى انه ذهب في اليوم المذكور بالسيارة الى المعقل بقصد التنزه ، ومن ثم عاد مشياً على الاقدام قاصداً العشار وفي اثناء عودته دخل في ثكنة الجيش العراقي معتقداً بوجود مقهى هناك بدون ان يعرف انها عسكرية بالنظر لاطفاء الانوار ، وهناك قبضت عليه الدورية ، وقد عرضت اوراقه على حاكم التحقيق فقرر توقيفه بغية التوسع في اجراءات التحقيق ثم اطلاق سراحه بكفالة ( 50 ) دينار .
   ان ما زعمه نسيم ساسون بعدم معرفته بموقع ثكنة الجيش العراقي غير صحيح ولا يمكن ان يكون مجيئه بصورة اعتباطية دون غرض مقصود للتجسس على الجيش العراقي وجمع المعلومات لجهات لها مصلحة بذلك (1) ، هذا وان موقف اليهود انكشف بشكل واضح عندما نزلت القوات البريطانية في البصرة ، اذ اظهروا فرحهم بذلك ، وقد ام الحديقة الخضراء في المعقل طائفة كبيرة منهم واخذوا يعبرون عن فرحتهم بهذه المناسبة (2) ، وقد اعتبر اهالي البصرة موقف اليهود تعبيراً عن تاييدهم لبريطانيا .
   ولعل من ابرز الامثلة على نشاط اليهود المضاد لثورة مايس ما قاموا به من ترويج للدعايات والاشاعات المغرضة يواء ضد حكومة رشيد عالي الكيلاني او السلطة المحلية في البصرة ، كما انهم قاموا بتقديم الخدمات بشكل علني وسافر لمنتسبي القوات البريطانية عندما احتلت البصرة سواء في الاسواق والفنادق او كادلاء في الشوارع العامة (3) .
   وقد عملت متصرفية البصرة على احباط دعايات اليهود الضارة وعممت امراً منعت فيه اختلاط الاهالي بمنتسبي القوات البريطانية ومنعنهم من تقديم اي شكل من

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 168 والمؤرخ 22 ـ 23 \ 1 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب مدير شرطة سكة الحديد المرقم 135 \ س \ 1 والمؤرخ 22 \ 4 \ 1941 الى مدير الشرطة العام .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتابة وزارة الدفاع المرقم س \ ح \ ش3 \ 51 \ و \ 217 والمؤرخ 26 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 117 ـ

اشكال الخدمات لهم (1) .
   وفضلاً عن موضوع الدعايات المضادة وترويجها فقد كان ليهود البصرة علاقة وثيقة بالمحفل الماسوني او الجمعية الماسونية ، وبالرغم من ان الوثائق التي تم الاطلاع عليها والتي كانت تخص فترة الاربعينيات لم تكشف النقاب عن اسماء اعضاء التنظيم وحلقاته ، الا ان جريدة السجل البصرية في مقال لها اشارت فيه الى خطر الالتقاء والتحالف بين الماسونية والصهيونية وحذرت اولياء الامور من خطر هذه الجمعيات ومنع ابنائهم من الانتماء اليها تحت ذريعة الثقافة والعلم ، علماً بأن الجريدة قد اشارت الى ان معظم المنتمين الى الجمعية الماسونية هم موظفون وتجار واصحاب مصالح اقتصادية وأكثرهم من اليهود والارمن (2) .
   واضافة الى ما تقدم فقد كان لليهود دور تخريبي آخر تمثل بعمليات تخريب بعض الاشخاص الى ايران ومنعوهم من الالتحاق بخدمة العلم ، حيث عثرت مديرية مركز بريد ويرق البصرة على رسائل مرسلة من شخص يدعى عيدان الى خضوري ابراهيم شالوم الكاتب في ( مقصبة ) اليهود في البصرة ، وعند فحص هذه الرسائل تبين انها معنونة الى شخص يسمى الملا جلاب الساكن في منطقة الزيادية تتضمن تهريب بعض الاشخاص الى ايران عبر ترتيبات يقوم بانجازها خضوري ابراهيم شالوم السابق ذكره (3) .
   اما ما يتعلق بالوضع الاقتصادي ودور اليهود في التحكم باخفاء المواد الغذئية والتلاعب باسعارها ، فنشاطهم في هذا المجال غني عن التعريف ، ولعل دورهم في هذا الجانب يفسر بعض ما حصل من اعتداءات على بعض محلاتهم التجارية سواء في البصرة او في بغداد .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم س \ 719 والمؤرخ 22 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(2) جريدة السجل ، العدد 132 ، تاريخ 21 \ 4 \ 1939 .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 4 \ 5 م . ل . ب المرقم س \ 1386 والمؤرخ 7 \ 8 \ 1940 الى مديرية شرطة البصرة ( الزيادية منطقة تقع في الفاو ضمن قضاء ابي الخصيب ) .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 118 ـ

2 ـ الايرانيون
   كان لموقع البصرة اثر في تسرب عدد كبير من الايرنانيين اليها بدوافع البحث عن طريق العمل وأحياناً لمزاولة بعض الاعمال الوظيفية او النشاطات التجارية ، وقد كان لوجود القنصلية الايرانية في البصرة اثر كبير في تسهيل مهمات هؤلاء الوافدين اليها .
   وقد سعت هذه القنصلية الى بث الدعايا الى دولتها بواسطة وكلائها وموظفيها الايرانيين ، وكانت على اتصال دائم بالايرانيين الموجودين في البصرة والعمارة ( ميسان ) والناصرية ( ذي قار ) وتهتم بمصالحهم اهتماماً جدياً ، كما كان القنصل وموظفوا القنصلية كثيري الاهتمام بمضاهرهم الخاصة التي تدل على انهم كانوا يتقاضون رواتب ضخمة تساعدهم على الظهور بين الاهالي بمظهر الغنى والثروة (1) .
   ولعل اخطر عمل قام به القنصل الايراني في البصرة تشجيع قسم من اهالي البصرة الذين كانت تشملهم خدمة العلم بالتجنس بالجنسية الايرانية او تشجيعهم بالهروب الى ايران ، وبنشاطه هذا انما يكشف عن مدى التلاقي والانسجام بين الاهداف الصهيونية والايرانية في وضع العراقيل امام نهضة العراق وتحديات العراقيين للاجنبي .


**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 تقرير م . ش . ب المرقم 3520 \ 9 \ 8 والمؤرخ 21 ـ 22 \ 10 \ 1940 الى مديرية الشرطة العام فقرة ( 6 ) .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 119 ـ

   على اية حال كانت وزارة الدفاع قد نبهت وزارة الداخلية الى خطر الدور الذي كان القنصل الايراني في البصرة يمارسه ، وطلبت منها اتخاذ الاجراءات المناسبة للحد من نشاطه (1) ، الا ان وزارة الداخلية لم توفق في مهمتها نظراً للنفوذ الذي كان يتمتع به القنصل لدى الدوائر السياسية ومن الاجهزة الاخرى التي كان لها دور تخريبي في العراق عامة وفي البصرة خاصة هي المدارس الايرانية ، وقد كان لمدير المدرسة الايرانية في البصرة المدعو الميرزا احمد خان بن الميرزا عباس اثر كبير في بث الدعاية لايران وترويج مصالح بلاده في العراق .
   وبالرغم من ان اجهزة وزارة الداخلية كانت على علم بنشاطه الاان الحكومة " حفاظاً على العلاقات بين الدولتين ابقته لغاية انتهاء اقامته في 4 نيسان 1941 " (2) .
   ومما يجدر الذكر هنا ان مدرسة الارسالية الامريكية في البصرة كانت على علاقة وثيقة بالمدرسة الايرانية عبر جمعية تدعى جمعية التآلف الاخوي ، او الاتحاد الاخوي ، وهي جمعية ماسونية لعب جون فانيس مدير المدرسة الامريكية دوراً في تشكيلها ونشاطاً منذ الثلاثينيات (3) .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 كتاب وزارة الدفاع المرقم س \ ح \ ش3 \ 58 \ ق \ 2 \ 220 والمؤرخ 14 \ 3 \ 1940 .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ل . ب المرقم 277 والمؤرخ 2 \ 2 \ 1941 الى مديرية شرطة لواء البصرة وكذلك مديرية التحقيقات الجنائية والاقامة المرقم 477 والمؤرخ 15 \ 2 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(3) افادت تقارير مديرية شرطة البصرة بوجود هذه الجمعية منذ الثلاثينيات واستمرت حتى الاربعينيات وكانت تعقد اجتماعاتها دورياً لتجديد انتخاب هيـأتها الادرية اما انشطتها فكانت تقام على نادي مدرسة الامريكان ، س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 18 كتاب دائرة الشعبة الخاصة المرقم 1493 \ 22 والمؤرخ 30 \ 11 \ 1939 وايضاً ملف 5 \ 19 م . ش . ب المرقم 208 \ 8 \ 2 والمؤرخ 12 \ 1 \ 1939 الى متصرف البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 120 ـ

   وكانت هذه الجمعية تشرف على نتظيم الحفلات ذات الطابع الدبي والاجتماعي وكان بعض الضباط البريطانيين يحضرون بعض حفلاتها ، وتعبيراً عن التوافق والانسجام بين المدرستين ، الامريكية والايرانية في النشاط التخريبي اصبح عبد المجيد بديع الايراني الجنسية رئيساً لجمعية التآلف الاخوي ، وفي واحدة من خطبه استعرض مظاهر التقدم والحضارة والعمران الذي تحقق في ايران في السنوات الاخيرة قياساً الى التقدم البطيء والتأخر الذي حل في العراق ، وعلى رأي مدير الشرطة ان ما عرضه عبد المجيد بديع من معلومات وصور عن العراق والبصرة " يأباها ويأسف لها كل غيور على وطنه من ابناء البلاد " (1) .
   لقد كانت عبد المجيد بديع الايراني الجنسية وابن الحد القناصل الايرانيين الذين عينوا في البصرة نشطاً جداً في بث الدعاية لايران بوسائل مختلفة سواء بالاتصال مع اشخاص متعددين من مختلف الفئات الاجتماعية ، او بالكتابة في الصحف او الخطابة في النوادي والحفلات ، وخلال عام 1941 اصدرت السلطات العراقية امراً بنفيه الى ايران فسافر الى بغداد املاً في عرقلة تنفيذ الامر ، الا ان محاولته كانت بدون جدوى حيث قررت مديرية التحقيقات الجنائية والاقامة امهاله لمدة ( 15 ) يوماً اعتباراً من 9 آذار 1941 لمغادرة البصرة (2) ، وقد تم تنفيذ امر نفيهه الى ايران حيث غادر العراق عن طريق شط العرب بتأريخ 17 آذار 1941 (3) ، ومن الشخصيات الايرانية الاخرى التي كان لها دور تخريبي عبر بث الدعاية السيئة ضد العراق التاجر الايراني عبد الرزاق شوشتري الذي كان على اتصال دائم بالقنصلية الايرانية بالبصرة من جهة وبالايرانيين سواء كانوا في ايران او العراق من جهة اخرى .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 3317 \ 6 \ 6 والمؤرخ 30 \ 2 \ 1940 .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 659 \ 9 \ 8 \ 40 والمؤرخ 11 \ 3 \ 1941 الى متصرف البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 م . ش . ب المرقم 742 \ 9 \ 8 \ 40 والمؤرخ 19 \ 3 \ 1941 الى متصرف البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 121 ـ

   وقد ظهر من تتبع حركاته ومراقبة سلوكه واتصالاته انه يبث الدعاية لايران ويشوه سمعة العراق والعراقيين ، ويعمل على تزويد القنصلية الايرانية بالمعلومات عن حركة اسعار الاسواق اليومية ، وقد وضع تحت المراقبة ولما تبين ان اقامته ستنتهي في 8 مايس 1941 فقد طلبت السلطات المحلية عدم تمديدها له ، وقد وافقت وزارة الداخلية على ذلك واخرج من العراق (1) .
   واضافة الى ما تقدم فقد رفع قائد قوة البصرة في نيسان 1941 تقريراً الى مدير الحركات في وزارة الدفاع تضمن طلب ابعاد المحامي الميرزا محمد خان بهادر ( محمد احمد المحامي ) الذي ثبت انه كان يشتغل لحساب الحكومة الايرانية بالدرجة الاولى ولحساب الحكومة البريطانية بالدرجة الثانية ، وكان يشتغل بالمحاماة وله مكتب في البصرة وكان يحط من كرامة الرجال الوطنيين ويطعن بهم في جميع المناسبات ، ومما يؤيد اشتغاله لحساب الحكومتين البريطانية والايرانية ما يلي الادلة التي اثبتها قائد قوة البصرة وهي :
1 ـ لديه وكالات عامة عن جميع التجار الايرانيين في البصرة .
2 ـ تلاعبه في قضية ورثة الشيخ خزعل وحصر اغلبية الاسهم في زوجات الشيخ الايرانيات وحرمان الاولاد العراقيين من ذلك .
3 ـ بذل مبالغ لا بأس بها في الدعوات لشخصيات مختلفة غرضه منها استحصال المعلومات المقتضية له بدون ان يشعروا بغرضه السيء .
4 ـ كان يرسل بريده الخاص الى ايران بواسطة سعاة خاصين يجتازون الحدود ليسلموا البريد شخصياً للمرسل اليه ، وكان بريده هذا يحتوي دائماً على معلومات عن العراق يبثها الى الحكومة الايرانية .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 كتاب وزارة الداخلية المرقم م . خ \ 219 والمؤرخ 15 \ 1 \ 1941 الى مديرية الشرطة العامة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 122 ـ

5 ـ لديه وكالة رسمية من وزارة الخارجية الايرانية وهذه مؤيدة بكتاب يده في المحكمة في البصرة .
6 ـ استخدامه شخصاً ايرانياً بمثابة ساعده الايمن ذلكم هو عبد المجيد بديع الذي ثبت انه جاسوس ايراني وصدر امر نفيه خارج العراق ونفذ الامر في وقته .
7 ـ ترك البصرة قاصداً الكويت في يوم 15 نيسان 1941 وهو اليوم نفسه الذي غادر فيه الموظفون البريطانيونه وظائفهم في الفاو الى الخليج العربي ، وهذا يدل على انه في اتصال دائم في السلطات البريطانية التي اعلمته بمغادرة البصرة ولم يعد الى البصرة الا بعد انزال القوات البريطانية فيها (1) .
   والظاهر ان قيام ثورة مايس واندلاع الحرب مع بريطانيا قد اخر اتخاذ اي اجراء ضده ولما انهارت الثورة وعادت السيطرة البريطانية على العراق ساعدته على بقائه في البصرة عميلاً لهم كما ذكر الدكتور فاضل البراك (2) .

**************************************************************
(1) وقد اشار قائد قوة البصرة بان الميرزا محمد خان بهادر ، كما يفهم من اسمهه الايراني الاصل ، وكان قبل الحرب العالمية الاولى يشتغل مستخدماً في القنصلية البريطانية في ( ابي شهر ) ، وقد قضى في خدمة هذه القنصلية ( 5 ) سنوات تقريباً تعلم خلالها الانكليزية بدرجة اهلته ان يرافق القوات البريطانية التي احتلت البصرة في سنة 1914 بصفته مترجماً ، وبعد مرور مدة قصيرة فتحت المحاكم المدنية فتعين حاكم جزاء فيها ولم يلعب دوراً مهماً مدة اشتغاله بمنصب حاكمية جزاء البصرة ولكنه ظهر نشاطاً واضحاً للحيلولة دون استلام الوطنيين العراقيين زمام المسؤولية الادارية ، وقد استقال من وظيفته وحصل على الجنسية العراقية وبدأ يشتغل بالمحاماة ، ففتح مكتباً بمعونة البريطانيين واخذ يشتغل سراً في المهمة التي قدم الى العراق من اجلها وهي التجسس وصورة واسعة النطاق ، انظر تفصيل ذلك في س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 تقرير قائد قوة البصرة المرقم 36 والمؤرخ 25 \ 4 \ 1941 الى مدير الحركات في وزارة الدفاع .
(2) الدكتور فاضل البراك ، المدارس اليهودية والايرانية في العراق ، ص ص 134 ـ 135 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 123 ـ

   ومن الاساليب الاخرى التي استخدمها الايرانيون لتنفيذ دورهم التخريبي في البصرة قيامهم بتشجيع سكان الارياف والمناطق الحدودية على الهجرة الى ايران تحت ذرائع التخلص من خدمة العلم ومن سوء معاملة الملاكين لهم (1) .
   ومن الدعايات الاغراءات التي وظفها الايرانيون لتنفيذ اهدافهم هذه قولهم ان حكومة ايران ستمنح الوافدين نخيلاً واراضي زراعية وستعفيهم من الرسوم الاميرية لمدة ثلاث سنوات ، الا ان بعض هؤلاء الفلاحين الذين وقعوا تحت تاثير تلك الاغراءات قد انتهى بعضهم الى العمل في شركة النفط الانكليزية في عبادان او تجنس بعضهم بالجنسية الايرانية وسكن هناك ، اما القسم الاخر فقد ساءه الوضع في ايران واثر العودة الى وطنه والعمل بين اخوانه بالرغم من المغريات والدعايات (2) .
   ومن ابرز الاجراءات التي طبقتها الحكومة العراقية للحد من نشاط هؤلاء الايرانيين تطبيق قانون المناطق المحرمة الذي تم بموجبه اعتبار الفاو السيبة وشط العرب وابو الخصيب مناطق محرمة على الاجانب ، والسبب في ذلك كما توضح في بيان الحكومة " الضرب على ايدي من تسول له نفسه للقيام بالتجسس لحساب دولة اجنبية " (3) .
   وتنفيذاً لهذا القانون فقد تم ترحيل معظم الايرانيين المقيمين في قريتي الدورة والمحراك ( المحراق ) على اساس اعتبار هاتين القريتين ضمن منطقة ابي الخصيب التي عدّت من المناطق المحرمة ، كما ان البعض الاخر منهم قد امهلوا مدة معينة لاجل ترحيلهم من هذه المنطقة (4) ، الا ان هذا القانون رغم

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 كتاب وزارة الدفاع المرقم س \ خ \ ش3 \ 46 \ 503 والمؤرخ 9 \ 6 \ 1940 الى وزارة الداخلية .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 3 \ 2 كتاب وزارة الخارجية المرقم ق \ 858 \ 858 \ 100 \ 19335 والمؤرخ 19 \ 11 \ 1940 .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 9 \ 16 م . ش . ب المرقم 3745 والمؤرخ 12 \ 11 \ 1940 الى مديرية الشرطة العامة .
(4) س . م . ب ، رقم الملف 9 \ 16 م . ش . ب المرقم 3542 \ 9 \ 8 والمؤرخ 24 \ 10 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 124 ـ

اصداره لم يضع حداً لنشاط الايرانيين وذلك لقلة المخافر الحدودية التي تؤمن عادة المراقبة والانضباط ، لذلك استمرت عمليات التهريب والتسلل عبر وسائل الوساطات والرشاوي وما الى ذلك من اساليب .
   ومما هو جدير بالملاحظة ايضاً ان الايرانيين في البصرة شأنهم شأن حلفائهم اليهود حيث عملوا على اخفاء المواد الغذائية الاساسية من الاسواق وعملوا على رفع اسعارها تحقيقاً لارباك الوضع الاقتصادي في مدينة البصرة ، كما ان المعلومات قد اشارت الى استعانة البريطانيين بالايرانيين ادلاء للبواخر في شط العرب تحت اشراف مديرية الميناء ، والسبب في ذلك معرفتهم بطرق وقنوات الملاحة في شط العرب ، وقد منحوا مخصصات تجاوزت المائتي دينار آنذاك ، وكانت جريدة السجل البصرية قد نبهت السلطات المحلية لهذا الامر ضمن حملتها الصحفية المكثفة بضرورة تطوير مهارة العراقيين العاملين في مديرية الميناء لاجل التخلص من الاجانب ومن اخطارهم المتوقعة (1) ، وهكذا كانت الامثلة السابقة قد اشارة الى مدى خطورة الدور الذي لعبته العناصر اليهودية والايرانية في تهديد امن البصرة وتعريض اهلها للمخاطر الكثيرة ، كما كشفت النقاب عن مدى اعتماد القوى الاجنبية في مخططتاتها على اسناد العناصر والافراد من تلك الاقليات .

ثالثاً ـ الدعايات الاجنبية واتجاهاتها
   لقد تعرضت البصرة بحكم الظروف التي احاطتها الى مختلف الدعايات التي كانت تهدف الى التاثير على الافكار وتوجيه الرأي العام الى اتجاهات مضادة لمصلحة العراق .
   كما ان اختلاف مواقف الساسة العراقيين من الحرب العالمية الثانية كانت سبباً في انتشار دعايات ذات اتجاهات مختلفة سببت القلق للعراقيين وشوشت الرأي العام ابرزها .

**************************************************************
(1) جريدة السجل البصرية ، العدد 723 في 10 \ 12 \ 1939 .