اولاً : دفاعات البصرة

ثانياً : مناقشة انسحاب القوات العراقية الى القرنة
1 ـ انسحاب الفوج العراقي الى الجبيلة .
2 ـ انسحاب القوات العراقية الى القرنة .
3 ـ الاحتلال البريطاني المباشر لمدينة البصرة .

ثالثاً : الاحتلال البريطاني لمنطقة العشار .
1 ـ التصادم المسلح بين الشرطة العراقية والقوات البريطانية .
2 ـ حوادث النهب والسلب في منطقة العشار .
3 ـ الاجراءات البريطانية في منطقة العشار .
4 ـ انتقال الحكومة المركزية الى منطقة البصرة القديمة .
5 ـ لجنة الامن العام في البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 65 ـ



   يهدف هذا الفصل الى توضيح المراحل التي تم خلالها تنفيذ الاحتلال البريطاني للبصرة والدور غير الفعال لدفاعات البصرة العسكرية وفشل الحكومة في اتخاذ الجراءات الفعالة للحيلولة بين القوات البريطانية والاحتلال وبالتالي اضطرار القوات العسكرية العراقية للانسحاب الى القرنة .

اولاً : دفاعات البصرة

   لا شك ان للبصرة اهمية استراتيجية كبيرة من ناحية موقعها اضافة لاهميتها من الناحية الاقتصادية الا ان حكومة الدفاع الوطني لم تعطي اي اهمية تذكر لتلك النواحي من خلال عدم وجود خطة دفاعية رصينة للدفاع عن البصرة في مجابهة اي هجوم عدواني يهددها من البحر وقد بدت حكومة الدفاع الوطني ضعيفة وعاجزة عند حدوث الانزال البحري في البصرة مفتاح العراق الجنوبي وثغره البحري ، وعندما حدث الاحتلال الفعلي كانت التدابير الدفاعية عاجزة وغير كافية ، ويعترف هنا محمود الدرة بأن صلاح الدين الصباغ قد اشار عليه بأجراء دراسة عسكرية استراتيجية وافياً للمنطقة من اجل وضع خطة شاملة لتأمين التحكيمات الدفاعية في كل من الفاو وجزيرة ام الرصاص والتنومة (1) ، الا ان تلك الخطة لم تكتمل كما يذكر الصباغ " بسبب غدر الانكليز بنا (2) " واستحضارهم السريع لاحتلال المنطقة وهكذا احتلت البصرة بسبب عدم وجود استعدادات عسكرية كافية وبسبب عدم وجود خطة دفاعية .

**************************************************************
(1) محمود الدرة ، الحرب العراقية البريطانية 1941 ، ( بيروت 1969 ) ص 127 .
(2) صلاح الدين الصباغ ، المصدر السابق ص 251 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 66 ـ

   ولو عدنا الى القوة المرابطة في البصرة نرى قلت عددها حيث تكونت من لواء مشاة ( ناقص فوج ) وقوة نهرية صغيرة اضافة الى سرية مشاة مؤلفة من ( 111 ) جندياً وفصيل من مدفعية توزعت في منطقة الفاو ، ومن غريب الصدف في رأي عامر حسك ان هذا الموجود العسكري هو نفسه موجود الحامية العثمانية في الفاو سنة 1914 عندما نزلت القوات البريطانية بنقص جندي واحد فقط اي عدد الجنود حين ذاك كان ( 110 ) (1) ونرى كل ما فعلته الحكومة العراقية انها عززت قوة الجيش في البصرة بفوج مدفعية ( بطرية مدفعية مؤلفة من 4 مدافع عيار 3.7 عقدة جبلية ) على ضفة شط العرب وارسلت قسماً من هذه القوة الى الزبير مقابل معسكر الشعيبة (2) .
   اما القيادة البريطانية فكانت على العكس حيث نظمت قطاعاتها بفالية وتنظيم دقيقين ، اذ حشدت الفرقة الهندية في موقعين مهمين في المعقل على طريق القرنة ـ العمارة ، وفي الشعيبة على طريق البصرة ـ ناصرية وبذلك عزلت القوات العراقية عن قواعدها في انحاء العراق (3) .
   اما القيادة العراقية فقد جاءت اجراءاتها متاخرة عندما اضطرت الى سحب قطعات اللواء الثاني المرابط في الزبير الى المسيب (4) ، كما نقلت لواء المشاة السابع وحامية الفاو الى منطقة الهارثة شمال كرمة علي وأتخذت

**************************************************************
(1) عامر حسك ، المصدر السابق ص 36 .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ل . ب المرقم س \ 748 والمؤرخ 24 \ 4 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(3) يونس بحري \ اسرار 2 مايس 1941 ( الحرب العراقية الانكليزية ) النجف 1968 ، ص 107 .
(4) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 تقرير م . ش . ب المرقم 1307 والمؤرخ 23 \ 4 \ 1941 الى مديرية الشرطة العامة ـ بغداد وصورة منه الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 67 ـ

هناك موضعاً دفاعياً (1) ، وامرت ايضاً بنقل مستودعات الاسلحة الموجودة في الزبير والجبيلة والتنومة الى القرنة للتموين والتجمع (2) .
   وهنا يمكن القول ان هذه التحركات والتبديلات العسكرية لم تخدم الجوانب الاستحضارية لمعالجة الموقف الدفاعي في البصرة .
   وحتى قوة الشرطة التي وظفت اساساً لحماية الامن الداخلي لم تكن هي الاخرى كافية لحماية الوضع الداخلي خصوصاً بعد ان تأزم الوضع وتزايد استياء السكان من الانزال المكثف ، وكانت مديرية شرطة لواء البصرة قد طلبت من مديرية الشرطة العامة في بغداد تزويدها بسرية مشاة من القوة السيارة في بغداد لتوزيعها على مركزي شرطة العشار والبصرة واستخدامها عند الطوارىء (3) ، وقد ارسلت مديرية الشرطة العامة الى البصرة فصيلي مشاة من القوة السيارة مع كامل تجهيزاتهم .
   والخلاصة ان التعزيزات سواء كانت من الجيش او الشرطة لم تكن كافية لمواجهة المحتلين كما لم تكن هناك دفاعات او استحكامات قادرة على صد الغزاة اضافة الى ان القادة العسكرين لم تكن لديهم القدرة الآنية الفعالة السريعة لاتخاذ القرارات التنفيذية الصحيحة خصوصاً في الوقت الذي كانت فيه الحاجة ملحة جداً لأتخاذ مثل هذه القرارات ، لذا بقي هؤلاء القادة ينتظرون الاوامر والتعليمات التي تصدر من القيادة العامة وما يسببه هذا الانتظار من ضياع العديد من الفرص .

**************************************************************
(1) الدكتور بيرند فيليب شرويد ، حرب العراق 1941 ، ترجمة فاروق الحريري ( بغداد 1982 ) ص 27 .
(2) يونس بحري ، المصدر السابق ص 107 .
(3) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 البرقية المرقمة 1152 والمؤرخة في 15 \ 4 \ 1941 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 68 ـ

ثانيأً : مناقشة انسحاب القوات العراقية الى القرنة
1 ـ انسحاب الفوج العراقي من الجبيلة

   بعد ان انسحب اللواء السابع بمقره و فوجيه الى موضع دفاعي في كرمة علي قبل الاشتباك المسلح كما ورد سابقاً ، بقي الفونج الاول من اللواء 16 الذي كان في دور التشكيل في معسكر الجبيلة ، علماً بأن هذا الفوج كان تحت بامرة المقدم عزيز حكمت وان معظم جنوده كانوا من المستجدين غير المدربين (1) .
   وفي 2 مايس 1941 عندما وجه القائد البريطاني في البصرة أنذاره للجيش العراقي بالانسحاب الى القرنة وجه الانذار نفسه للفوج العراقي المرابط في معسكر الجبيلة وكانت مدة الانذار بالانسحاب تنتهي في الساعة الثانية عشر ظهراً (2) ، وقد ذكر الراوي في مذكراته " ان العقيد رشيد جودت آمر لواء المشاة السابع قد اخبره بأن الاصطدام وقع في الحبانية ، فأمرته ان يعبر شط العرب ليلتحق بلوائه الذي كنا سحبناه من البصرة لأشغال موضع دفاعي في كرمة علي وانا ايضاً سألتحق بهم بعدها اعمل ما يجب لسحب الفوج من الجبيلة بين البصرة والميناء " (3) الا ان الفوج الباقي في معسكر الجبيلة لم ينسحب

**************************************************************
(1) مقابلة شخصية من العميد الركن شكري محمود نديم في 25 \ 10 \ 1987 .
(2) مقابلة شخصية مع العقيد حسن علي زكي في 5 \ 8 \ 1987 .
(3) ابراهيم الراوي ، المصدر السابق ص 231 وقد اشار الراوي في مذكراته بأنه في يوم 1 مايس كان مدعواً عند الجنرال فرايزر على مؤدبة عشاء على ظهر باخرة بريطانية في شط العرب ، وفي حديث مع العميد الركن شكري محمود نديم اكد انه في صبيحة يوم 1 مايس 1941 طلب الجنرال فرايزر الاجتماع باللواء ابراهيم الراوي وقد صحب معه الملازم الاول ( العميد الركن ) شكري محمود نديم للقيام بالترجمة لعدم المام الراوي باللغة الانكليزية ، وقد اطلق عبد الرزاق الحسني في كتابه الاسرار الخفية ص 197 على هذه الزيارة مفاوضة بشأن الانزال البريطاني وأنسحاب القوات العراقية من البصرةوأرى ان الراوي لم يكن مكلّفاً من قبل الحكومة العراقية للقيام بهذه المفاوضة حتى ان الراوي نفسه لم يذكرها في مذكرته ، وانما اقتصرت على بحث الوضع الناشيء ووضع القوات العراقية المرابطة في البصرة كما ذكر شكري محمود نديم ، ولمعرفة الحديث الذي دار بين الجنرال فرايزر والراوي راجع ابراهيم الراوي ، المصدر السابق ، ص ص 229 ـ 230 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 69 ـ

في الوقت المحدد له ، وقد اشر ابراهيم الراوي الى انه كان منهمكاً في مقابلة القائد البريطاني الجنرال فرايزر لسحب الفوج العراقي بكامل سلاحه ولكنه فشل في التوصل الى نتيجة بسبب اصرار الجنرال فرايزر على ترك الفوج العراقي لسلاحة تحت حراسة شرطة عراقية ، ولهذا ذهب ابراهيم الراوي الى وكيل المتصرف صالح حمام ورجى منه مواجهة الجنرال لاقناعه بسحب الفوج بسلاحه (1) ، ويقول العميد شكري محمود نديم لم يوافق الراوي على سحب الفوج بدون سلاح لانه ليس له صلاحية بذلك قبل ان يتصل ببغداد (2) .
   وفعلاً قام صالح حمام بمواجهة فرايزر ومعه رجب النعمة لاقناعه على سحب الفوج مع سلاحه لانه اكثر ضماناً لمتطلبات الامن الداخلي ، وأخيراً وافق الجنرال فرايزر على انسحاب الفوج بكامل سلاحه ، على ان يتم ذلك قبل الساعة الثانية من بعد ظهر ذلك اليوم ( 2 مايس ) وقد انسحب فوج الجبيلة عبر شط العرب وألتحق بالقوات المرابطة في كرمة علي تاركاً قسماً من عتاده ومؤنه في معسكر الجبيلة ، فتكفل وكيل المتصرف صالح حمام وشرطة العشار بنقل العتاد بالسيارات وايصالها للجيش قبل تمكين العدو من الوصول اليها اما المؤن فقد نقلت الى ثكنة العشار للاحتفاظ بها هناك (3) .

**************************************************************
(1) ابراهيم الراوي ، المصدر نفسه ص 231 .
(2) مقابلة مع العميد الركن المتقاعد شكري محمود نديم في 25 \ 10 \ 1987 .
(3) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 برقية وكيل المتصرف المرقمة 4763 والمؤرخة في 4 \ 5 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 70 ـ

   وقبل ان يتم الانسحاب المتفق عليه فتحت القوات البريطانية نيران مدفعيتها البعيدة على القطعات العراقية في الهارثة حيث كانت وحدات اللواء السابع بقيادة العقيد رشيد جودت قد اخذت فيها موضعاً دفاعياً ، وقد قصف الطيران البريطاني القطعات العراقية الموجودة هناك فتصدت الدفاعات العراقية لها واسقطت احداها وقتل قائدها ومرافقه (1) ، كما تعرضت المواضع الدفاعية العراقية الى قصف من سفينة حربية بريطانية تقدمت في شط العرب مقتربة من المواضع (2) .

2 ـ انسحاب القوات العراقية الى القرنة
   تقدمت القوات البريطانية نحو الهارثة تساندها المصفحات والمشاة (3) واضطرت القطعات العراقية الموجودة هناك الى الانسحاب الى القرنة لانها اكثر ملاءمة للدفاع بوجه اللقوات البريطانية المتفوقة ، الاّ انها واجهت صعوبة كبيرة بسبب القصف المدفعي والجوي الشديد من قبل القوات البريطانية التي كانت تستهدف تشتيت انتباه القيادة وشل فعالية خطوط الموصلات وعرقلة الانسحاب حتى تضطر القوات العراقية على الاستسلام او تجبرها على سرعة الانسحاب بدون مقاومة ، وقد ذكر شكري محمود نديم ان الانسحاب الى المواقع

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 برقية المتصرف المرقمة 870 والمؤرخ 3 \ 5 \ 1941 الى وزارة الداخلية كذلك مقابلة مع العميد الركن شكري محمود نديم في 25 \ 10 \ 1987 .
(2) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 برقية المتصرفية المرقمة 4755 والمؤرخة 4\ 5 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(3) وقد سيطرت القوات البريطانية على مركز الهارثة فانسحبت الشرطة مع اسلحتها من المركز وتحت مراقبة الجنود البريطانيين وطلب مامور المركز منهم مهلة للحصول على موافقة السلطة المختصة للالتحاق بمركز شرطة العشار ، س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 برقية المتصرفية المرقمة 4755 والمؤرخة 4 \ 5 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 71 ـ

الجديد في القرنة قد تم دون خسائر ، ومن اجل تامين حماية الجيش العراقي المنسحب والدفاع عنه تركت مفارز على طريق الماجدية لمهاجمة دوريات البريطانيين (1) .
   كما تم تخريب جسر الشافي واغراق الباخرة صفية العائدة الى شركة نفط الرافدين والباخرة المسماة يوسفي مع جنيبتين في شط العرب (2) ، وعلى رأي العقيد حسن علي زكي وهو من الذين ساهموا في احداث تلك الفترة ان الذي زاد في صعوبة الانسحاب كون الطرق غير مبلطة وعدم وجود آليات كافية للنقل (3) ، على اية حال بعد انسحاب الجيش العراقي الى القرنة اجريت بعض التغيرات على القيادة هناك فأطلق على القوات المربطة فيها بقيادة العقيد رشيد جودت اسم رتل دجلة والتحقت به قوة من المدفعية والقوة النهرية وعين الرائد ( الرئيس الاول ) عامر حسك والرائد الركن ( رئيس الاول ركن ) مزهر الشاوي ضابطي ركن للرتل ، واتخذ قائد شط العرب اللواء احمد رشدي مقره في العمارة ورابطت القوة النهرية في العزير ، اما ابراهيم الراوي فقد عاد الى مقره في الديوانية حيث كان مقر الفرقة الرابعة والتشكيلات التابعة لها (4) .


**************************************************************
(1) قد كتبت جريدة الثغر البصرية فيما بعد في عددها المرقم 1863 والمؤرخ في 25 \ 5 \ 1941 بان القيادة البريطانية وجهت حملة عسكرية في 24 مايس من القوات البرية والبحرية وسلاح الطيران لضرب الثوار من رجال العشائر المسلحين في شمال كرمة علي .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب قائمقامية القرنة المرقم 2158 \ 5 \ 6 والمؤرخ 16 \ 7 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(3) مقابلة مع العقيد حسن علي زكي في 5 \ 8 \ 1987 .
(4) عامر حسك ، المصدر السابق ص 142 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 72 ـ

   وهنا لابد من الاشارة الى ان الجيش العراقي عندما انسحب الى القرنة كانت عشائر هذا القضاء على اتم الاستعداد لمد يد العون للقوات العراقية المنسحبة وقد اشار القائممقام في برقية الى متصرف لواء البصرة بأنه " كان للحماسة التي ابدتها عشائر هذا القضاء اثر عظيم في النفوس اوجبت الارتياح العظيم (1) " ، كما عرض متصرف العمارة ماجد مصطفى على كل من ابراهيم الراوي والعقيد رشيد جودت امر اشتراك عشائر العمارة في حركة القطعات العسكرية فلم يؤيدا عرضه لاعتبارات عسكرية بحته ، حيث ذكرا ان العشائر قوة غير انضباطية وان البعض منهم يجهل ابعاد الصراع ولربما يقدمون على بعض الاعمال خارج اهداف الثورة ، وقد تضر بمصلحة الجيش وانضباطه (2) .
   الا انهما مع ذلك اعتبرا التزام العشائر بتنفيذ حركة التجنيد النظامية اكبر خدمة واكبر مشاركة تقدمها العشائر للجيش ، لذا شهدت هذه الفترة توافد اعداد كبيرة من الافراد من عشائر العمارة وسوق الشيوخ ومنطقة القرنة نفسها للانضمام الى الجيش العراقي المرابط في القرنة والتطوع فيه ، ولكن الجهات المسؤولة في بغداد كانت ترغب مشاركة العشائر للقطعات المسلحة وفق اسس عسكرية وحتى تكون هذه العشائر اكثر تنظيماً وتجنباً للفوضى التي تؤثر في قيادة الجيش لذا فقد ارسلت رئاسة اركان الجيش الى رتل دجلة امراً بتأليف قوة عشائرية في لواء البصرة مقرها في القرنة ، وتشكل من عشائر لواء البصرة وجميع المتطوعين في هذا اللواء يطلق عليها اسم قوة البصرة الوطنية وتكون تحت امرة رتل دجلة ومنه تتلقى التعليمات والاوامر المتعلقة بتحركاتها (3) .

**************************************************************
(1) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 برقية قائممقامية القرنة ، المرقمة 1524 والمؤرخة في 3 \ 5 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة الى وزارة الداخلية ، قائد القوة الجنوبية .
(2) عامر حسك ، المصدر السابق ص 43 .
(3) س . م . ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب رئاسة اركان الجيش المرقم 488 والمؤرخ 5 \ 5 \ 1941 الى آمر رتل دجلة وصورة منه الى وزارة الداخلة ووزارة الدفاع .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 73 ـ

  وقد وضع رتل دجلة خطة عمل خلاصتها كسر السدود المحيطة بالقوات البريطانية في المعقل ومراقبة الدوريات البريطانية وابادتها اذ اقتربت من جسر الماجدية ، وضرب المعسكر البريطاني ليلاً لازعاج القوات البريطانية ، ولتنفيذ هذه الخطة قسمت قوة البصرة الوطنية الى قسمين فكان القسم الاول يضم ( عشائر القرنة ) والقسم الثاني ( عشائر العمارة ) وتقدمت عشائر القرنة الى كرمة علي لتستقر في الاهوار والبساتين نهاراً فتقوم بواجبها لمدة اسبوع ثم تخلفها عشائر العمارة فتعمل عملها اسبوع آخر ، ولكن العداء والتنافس بين الطرفين حالا دون القيام باعمال تستحق الذكر بل جعلها مصدر قلق للجيش العراقي (1) ، والحق يقال ان القيادة الجنوبية كانت موفقة في تدابيرها رابطة الجأش في تصرفاتها ، قوية في كفاحها حيث استطاعت ان تصمد في اماكنها طوال ايام الصدام الى ان اضطرت القيادة البريطانية الى ان تترك جهة دجلة وتجري تحركاتها الحربية من ناحية الناصرية (2) على محور نهر الفرات وهو ما يتمشى مع خططها في الاتصال بالحبانية عبر الصحراء .
   ولقد اصبح وضع الجيش في القرنة صعباً نتيجة لطبيعة المنطقة الجغرافية ، وبعد الهدنة التي اعلنت اثر توقف القتال في 31 مايس 1941 ودخول قوات الاحتلال البريطاني في بغداد اضطر رتل دجلة الى الانسحاب الى العمارة لانه كان من الصعب على وحداته الرجوع على معسكراتهم في البصرة لسيطرة القوات البريطانية عليها (3) .
   والخلاصة يمكن القول بأن بسالة الجندي العراقي وصموده ادت بوضوح

**************************************************************
(1) عبد الرزاق الحسيني ، الاسرار الخفية ، ص 188 .
(2) علي محمود الشيخ علي ، مذكرات وتعليقات ، ( بغداد 1985 ) ص 80 .
(3) س . م .ب \ رقم الملف 5 \ 36 كتاب آمر رتل دجلة المرقم ق 1 \ ح \ 1 \ 216 والمؤرخ في 17 \ 6 \ 1941 الى مدير الحركات وصورة منه الى متصرف العمارة ومتصرف البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 74 ـ

الى توقف القوات البريطانية عند هذا الحد حيث لم تتقدم تلك القوات على محور دجلة ابعد من ذلك ، حيث ان القوات البريطانية قد استفادت من التجربة القاسية التي واجهتها في اثناء الحرب العالمية الاولى ، وعليه قد حولت خط زحفها نحو محور القوات والبادية الجنوبية .

3 ـ الاحتلال البريطاني المباشر للبصرة

   لقد شهدت البصرة كثافة الانزال البريطاني واجتياز الاجواء والمياه العراقية كما اتخذت القوات البريطانية الاحتياطات الكافية لمنع تعرض اهالي البصرة لتلك القوات لا سيما بعد انتشار الاشاعات التي مفادها بان العشائر سوف تهاجم القوات المرابطة في البصرة (1) ، لذا كثفت القيادة البريطانية دورياتها المستمرة في المعسكرات وحولها ، اضافة الى وضع التحصينات الكافية ، كما قطعت الطريق بين المعقل والعشار بوساطة الاسلاك نصبت في محاذات الطريق العام الموصل بين المعقل والعشار (2) ، كذلك عسكرت في 30 نيسان 1941 ثلاث سرايا من جنود القوات البريطانية في محطة القطار بالمعقل واحتلوا جميع مرافق المحطة ، واشغلوا في اليوم الثاني البناية المعدة لاستراحة عمال القطار والفنيين واصبحت القوة مسيطرة على المحطة بشكل كامل (3) ، وكان متصرف البصرة قد قدّم احتجاجاً الى القنصل البريطاني ضد احتلال القوات البريطانية لمحطة القطار ، وطالب نقل هذه القوات من المحطة الى المعسكر الخاص بها (4) ، الا ان احتجاج المتصرف لم يكن له تأثير اذ بقيت

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب دائرة شرطة سكك الحديد الحكومة العراقية المرقم 150 س \ 1 والمؤرخ 1 \ 5 \ 1941 الى مدير الشرطة العام .
(2) س . م . ب رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم س \ 885 والمؤرخ 1 \ 5 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(3) س . م . ب رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1479 والمؤرخ 1 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(4) س . م . ب رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم 857 والمؤرخ 1 \ 5 \ 1941 الى القنصلية البريطانية في البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 75 ـ

هذه القوات في مكانها ولم تغادر ، وفضلاً عما تقدم فقد قامت القوات البريطانية في 2 مايس 1941 باحتلال محطة اللاسلكي في المطار وضربوا نطاقاً عسكرياً حول المطار والمحطة ، وقامت قوة اخرى منهم باحتلال مركز شرطة السكك في المعقل وتركت افراد الشرطة بدون سلاح (1) ، واصدرت امراً بمنع التجول بعد الساعة 7.30 مساءاً واوقفت سير القطار الصاعد من البصرة الى بغداد (2) .
   كذلك وضعت الشركات الاجنبية في حالة انذار ، ففي الاول من مايس كانت شركة بيت الوكيل قد جمعت زوارقها وسياراتها كافة مع الباخرة المسماة ( اميري ) وجعلتها جاهزة على رصيف الشركة ترقباً للاوامر التي تصدر لها من السلطة العسكرية البريطانية بمغادرة البصرة (3) ، كما حصل الكثير من الموظفين الاجانب الذين يشتغلون في تلك الشركات على موافقات بالسفر الى الهند (4) ، وفي الوقت نفسه اخذت القوات البريطانية بترحيل الرعايا البريطانيين المقيمين في البصرة بعد حصلت الموافقة على مغادرتهم البلاد (5) ، هذا في الوقت الذي وصلت فيه ثلاث طائرات بريطانية من الحبانية

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 برقية وكيل المتصرف ( صالح حمام ) المرقمة 4719 والمؤرخة 2 \ 5 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1491 والمؤرخ 2 \ 5 \ 1941 الى مديرية الشرطة العامة ـ بغداد وصورة منه الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م . ب رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1479 والمؤرخ 1 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(4) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1478 والمؤرخ 1 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(5) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب ضابط السفر والاقامة المرقم 375 والمؤرخ 1 \ 5 \ 1941 الى مدير الشرطة الى القوة النهرية آمر لواء المشاة السابع ، التحقيقات الجنائية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 76 ـ

الى الشعيبة لغرض نقل عوائل الموظفين البريطانيين الى احدى البواخر الراسية في شط العرب في طريقهم الى الهند (1) .
   ومما لاشك فيه ان القوة العسكرية البريطانية في البصرة قد اصبحت متمكنة من فرض سيطرتها على المعقل والشعيبة والفاو ، كذلك استحكت قواتها البحرية في شط العرب ولم تلاقِ طول المدة التي فرضت فيها هيمنتها على المواقع الاستراتيجية في البصرة اي عمل مضاد من قبل القوات العراقية .
   وعندما وقع الاعتداء البريطاني على العراق واعلنت حالة الحرب بين الطرفين في 2 مايس 1941 اوعزت وزارة الدفاع الى مديرية الشرطة العامة بتطبيق خطة الامن الداخلي في جميع اناء البلاد والمتضمنة القاء القبض على البريطانيين كافة والسيطرة على ممتلكاتهم والمؤسسات الحيوية الاخرى في البلاد (2) ، واصبحت مديرية شرطة البصرة ملزمة بتطبيق خطة الامن الداخلي هذه ، الا انها وجدت صعوبة في التطبيق لان الانكليز في البصرة كانوا قد التجأوا الى البواخر البريطانية او الى المعقل ، فضلاً عن مغادرة القوات العراقية مدينة البصرة واتجاهها الى القرنة ، لذا تعذر تنفيذ مضمون ما جاء ببرقية وزارة الدفاع اعلاه (3) .
   وعلى العموم فبالرغم من قلة القوات الشرطة في البصرة الا انها بذلت نشاطاً مكثفاً للمحافضة على الامن الداخلي وعلى البيوت والمحلات والممتلكات

**************************************************************
(1) س . م .ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1535 والمؤرخ 4 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 برقية رسمية ـ بغداد المرقمة 2679 والمؤرخة 2 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(3) س . م .ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم س \ 862 والمؤرخ 2 \ 5 \ 1941 الى وزارة الدخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 77 ـ

الاخرى حيث بقيت البصرة في وضعها الطبيعي واستمر نشاطها الاداري والتجاري رغم الاستفزازات التي قامت بها السلطات العسكرية البريطانية فيها حتى 7 مايس 1941 عند اشتباك الشرطة العراقية مع القوات البريطانية في العشار .
   وفي الوقت نفسه وجه الجنرال ( فرايزر ) قائد الجيش البريطاني في البصرة برقية الى وكيل المتصرف صالح حمام اوضح فيها انه مضطر الى اتخاذ التدابير اللازمة لسلامة الجيش البريطاني وذلك بوضع بعض القيود ، الا انه لم يوضح تلك القيود ـ كما اكد انه لا يريد التدخل في شؤون البصرة ( العشار ـ والبصرة القديمة ) الادارية ولكنه بحكم المهمة الموكلة اليه سيعتبر القوات العراقية في البصرة بمثاية عدو ، واذا حصلت اي اضطرابات فانه سيضطر الى التدخل لقمعها (1) .
   وتنفيذاً لهذا البيان اتخذت القوات البريطانية بتفتيش وسائط النقل في شط العرب قبالة الرصيف رقم ( 7 ) مستخدمة بذلك الزوارق التجارية كما توسعت في ارسال دورياتها في الطرق البرية والنهرية فضلاً عن تسليح بعض السفن النهرية العائدة لشركة بيت الوكيل واستخدامها في اغراض الدورية والتفتيش (2) .
   وزيادة في استخدام الحيطة والحذر من قبل الجانب البريطاني فقد احكمت القوات مراقبة المنافذ الحدودوية براً وجواً بعد ان سيطرت على مراكز شرطة الكمارك في منطقة سفوان والبادية ، علماً بأن شرطة الكمارك هناك ابدت مقاومة الا انها غير متكافئة اضطرتهم بالتالي الى الانسحاب الى البصرة ومن ثم التحاقهم بمنطقة الرطبة بناء على اوامر الحكومة العراقية حرصاً على سلامة افراد الشرطة وخشية من تسلط البريطانيين عليهم كما جاء في كتاب مدير

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 From Major General Commmanding British Forcesin Iraq ( to muttessarf ) dated2 my 1941 .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1544 والمؤرخ 5 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة ، الى مدير الشرطة العام ـ بغداد .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 78 ـ

شرطة الكمارك والمكوس (1) ، كما ان مديرية الميناء استبدلت عمال البواخر من العراقيين بعمال هنود تلافياً للمشاكل التي يمكن حدوثها من العمال العراقيين في وقت تأزمت فيه اوضاع البصرة العسكرية والسياسية (2) ، واضافة الى ذلك فان قسماً من جنود الطراد البريطاني في شط العرب قد اسنولوا على جميع البواخر الحفارة في ميناء الفاو وكذلك على الباخرة المسماة ( فيصل الاول ) المسلحة بمدفع واحد وقاموا بمنع عمال الحفارات العارقيين بالقوة من الاشتراك في ثورة مايس ومساندة الجيش العراقي ضد القوت البريطانية ، وعلى اثر ذلك اضرب عمال ميناء الفاو المستخدمين في الحفارات والمعامل عن العمل احتجاجاً على استياء القوات البريطانية على البواخر العراقية وعلى الحفارات (3) .
   وعلى اية حال بعد ان استتب الامر لقوات الاحتلال البريطاني في المعقل وسيطرتها على جميع المرافق الحيوية ، قطعت الاتصالات الهاتفية بين البصرة وبغداد .
   وكان وكيل المتصرف قد ارسل برقية الى وزارة الداخلية اخبرهم فيها بأن المخابرات الهاتفية قد انقطعت معهم وطلب منهم ان تكون مخابرتهم مع البصرة لا سلكياً (4) .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب مديرية شرطة الكمارك والمكوس المرقم 38 \ س والمؤرخ 6 \ 5 \ 1941 الى مدير الكمارك والمكوس العام ، وصورة منه الى متصرف لواء البصرة .
(2) التقرير الاداري لسنة 1941 ـ 1942 ، المصدر السابق ، ص 2 .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب الرقم 1523 والمؤرخ 3 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(4) س . م .ب ، رقم الملف 5 \ 36 برقية مرقمة 873 والمؤرخة 3 \ 5 \ 1941 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 79 ـ

   والظاهر ان المخابرات الهاتفية لم تنقطع لان الاجهزة البريطانية في البصرة ارادتها وسيلة مباشرة للتجسس على المكالمات ، وفعلاً تمكنت القوة البريطانية من التقاط بعض هذه المكالمات ، لذا طلبت المتصرفية من الجهات المختصة في بغداد بعدم استخدام الهاتف بقدر الامكان (1) .
   ورغم كل الاجراءات العسكرية البريطانية فأن قواتها لم تصل بعد الى منطقة العشار التي لا تزال تحت هيمنة الحكومة العراقية .
   وقد اعطى صالح حمام في برقية الى وزارة الداخلية وصفاً لوضع البصرة حيث قال " الاستياء عام من فضاعة الانكليز اتجاه مملكتنا قوتهم في البصرة ( 10000) جندي بكامل المعدات مع اربع طرادات ، لا توجد عشائر مسلحة في البصرة عدا القرنة ، ولا حركة فعلية لدى الفلاحين العزل عن السلاح نحن محافظون على كرامة موقفنا داخل البصرة والعشار منذ حركتنا المباركة ، لم يشاهد انكليزي في البصرة بل اتخذوا سكناهم في الميناء والمعقل والشعيبة قرب مراكز الجيش البريطاني متخذين الحيطة ، منع الانكليز التجول داخل نطاق معسكراتهم ليلاً ، ووصلت طرادتان من الخليج ورستا اما ناحية الفاو وانزلتا قسماً من جنودها (2) .
   ويتضح مما تقدم ان وكيل المتصرف لم يكن مقتنعاً بالدفاعات في البصرة مما دفعه الى توضيح التباين بين القوتين في البصرة ولكن يبدوا انه اعتقد ان البريطانيين ركزوا اهتمامهم بقواعدهم العسكرية في الشعيبة والمعقل اكثر من منطقة العشار والبصرة على استتباب الامن في تلك المنطقة من حدوث اي اضطراب .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1527 والمؤرخ 3 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 برقية وكيل المتصرف المرقمة 4763 والمؤرخة 4 \ 5 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 80 ـ

   وفي غمار هذا التوتر الشديد وجه وكيل المتصرف صالح حمام كتاباً الى قائد الجيش البريطاني جاء فيه " نظراً الى ما عليه سكان مدينتي البصرة والعشار من حماسة ولعدم الاقدام على شيء يكون فيه استفزاز وقلق راحة الاهالي المدنيين كما ذكرتم في كتابكم في 2 مايس ارجو ان لا تدخل اية قوة تابعة لكم الى المدينتين المذكورتين الا بعد اخبارنا عن السبب الموجب (1) " .
   الا ان الحكومة البريطانية لم ترد على طلب وكيل المتصرف بالطرق الدبلوماسية المألوفة وانما كان جوابها بشكل آخر اذ القت الطائرات البريطانية في 5 مايس مناشيرها الاستفزازية على اهالي البصرة وعلى قطعات الجيش العراقي الموجود حينذاك في القرنة وهي تنتقد الحكومة العراقية وقادة الجيش (2) ، وكان الغرض من القائها لتلك المناشير لاستخدامها نوعاً من انواع الحرب الدعائية للتأثير على المقاتلين واثارة الخوف في قلوبهم ودفعهم الى القاء اسلحتهم ومن ثم دعوتهم الى الاستسلام ، اما القاء المناشير على المدينتين فكان القصد منه احباط عزيمة السكان واثارة الهلع والخوف في نفوسهم .
   والخلاصة يمكن القول بان القوات البريطانية قد احكمت خلال الايام الواقعة بين 2 الى 6 مايس سيطرتها على جميع المنافذ والطرق الرئيسة في البصرة الا ان منطقة العشار والبصرة لا تزال ضمن الادارة العراقية حتى 7 مايس ومن خلال استقرار البرقيات التي كانت ترسلها اجهزة الحكومة العراقية في بغداد الى الجهات المختصة في البصرة يتضح ان الحكومة في بغداد حتى الاول من مايس لم تكن قد حسمت امرها مع بريطانية كما ان جميع الاجراءات التي حاولت تنفيذها قد باءت بالفشل لمجيئها بشكل متأخر ، فقد كان من

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب م . ل . ب المرقم 884 والمؤرخ 5 \ 5 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 برقية المتصرف المرقمة 4787 والمؤرخة 5 \ 5 \ 1941 الى وزارة الداخلية .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 81 ـ

المفروض اتخاذ الاحتياطات منذ شهر نيسان عند اول خرق للانزال ، وذلك لان بريطانيا كانت مصممة وعازمة على احتلال العراق والسيطرة عليه فلا ينفع في مثل هذه الحال اللجوء الى المطالبة بتطبيق المواثيق والمعاهدات .

ثالثاً ـ الاحتلال البريطاني لمنطقة العشار
   منذ انزال القوات البريطانية في البصرة واستقرارها في معسكراتهم في المعقل وغيرها عمدت قيادة تلك القوات الى منح الاجازات الى جنودها لقضاء فراغهم في منطقتي العشار والبصرة ، وكانت تلك القيادة تهدف من وجود ذلك العدد الهائل من جنودها وهم حاملين لاسلحتهم الخفيفة ( مسدساتهم ) كبلاغ للناس في كلا المنطقتين عن وجودهم الفعلي ـ وقد اساء أولئك الجنود التصرف بتعديهم على الناس الامنيين في كل من العشار والبصرة (1) .
   ولاجل وضع حد لتلك التعديات فقد فاتحت متصرفية لواء البصرة القنصلية البريطانية للاتصال بالسلطات البريطانية المسؤولة لمراقبة تصرفات الجنود البريطانيين والعمل على منعهم من حمل السلاح في داخل المنطقتين (2) .
   وقد اجاب القنصل البريطاني بانه سوف يتصل بالسلطات العسكرية المختصة ويوصي بشدة " لمنع الجنود من القوات البريطانية بعد انقضاء واجباتهم من حمل السلاح عندما يأمون منطقتي العشار والبصرة (3) " ، وقبل الاجتياح

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 1255 والمؤرخ 20 \ 4 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم 271 والمؤرخ 22 \ 4 \ 1941 الى القنصلية البريطانية في البصرة .
(3) Report by the British Consualate ( Basrah ) to the mutasarrifieh , Basarliwa . Basrah . No 1292 \ 18 \ 2 \ 8 dated 23 . 4 . 1941 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 82 ـ

الفعلي لمنطقة العشار الذي حصل في 7 مايس 1941 وقعت بعض الاحداث التي كانت بمثابة امتحان للرأي العام البصري وموقف السلطة الوطنية فيها .
   اولهما ـ وصول مفرزة عسكرية بريطانية منقولة في سيارتين عسكريتين بأمرة ضابط بريطاني برتبة رئيس ودخولها العشار دون علم متصرفية لواء البصرة ، وحالما وقفتا امام المصرف الايراني تجمهر الاهالي حولها مظهرين استياءهم من وجودها فبادرت الشرطة المحلية لحماية المفرزة من غضب الجموع المحتشدة ، وقد حضر وكيل المتصرف بنفسه الى الموقع الذي توقفت به تلك المفرزة ، ووجه اللوم الى قائدها لانه قدم الى المدينة بدون اذن مسبق وبالرغم من هذا فقد انهى الضابط البريطاني ما مكلف به من عمل في المصرف الايراني ثم في البنك العثماني بعد ذلك وعادت المفرزة ادراجها بحراسة مدير الشرطة ومجموعة من افراد الشرطة المحلية ، وعلى اثر ذلك اتصل وكيل المتصرف السيد صالح حمام بقائد القوات البريطانية في البصرة واعلمه رسمياً بانه لا يسمح لاي سيارة عسكرية بريطانية بدخول المدينة بدون اذن ، وقد اجاب القائد واعدا وكيل المتصرف بعدم تكرار حدوث ذلك (1) .
   لقد سجل وكيل المتصرف السيد صالح حمام بتصرفه هذا موقفاً واضحاً للسلطة الوطنية ، إتسم بضبط النفس والتصرف الذي ينم عن الشعور بالمسؤولية كما ان المواطنين عبروا عن كره شديد للوجود البريطاني وردود فعل شيديدة ضده .
   لقد كشفت هذه الحادثة ايضاً عن تواطيء ملحوظ بين البنوك والقوات البريطانية ، ففي الوقت الذي امتنعت فيه هذه البنوك من تلبية طلب متصرفية لواء البصرة القاضي " بعدم دفع اي مبلغ من صندوقها الى السلطة البريطانية " نجد انها وافقت على سحب مبلغ ( اربعين الف دينار ) لحساب

**************************************************************
(1) جريدة الثغر ، العدد المرقم 1859 والمؤرخ في 5 \ 5 \ 1941 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 83 ـ

القوات البريطانية وقد رفضت تلك البنوك نفسها ان تدفع للجانب العراقي اياً من طلباته .
   اذ ان الحكومة المركزية في بغداد كلّفت الوكيل المتصرف بسحب مبلغ قدره 529.660 الف دينار من بنوك البصرة وارسالها الى بغداد (1) ، وان يحفظ جميع واردات الدولة بما فيها الكمارك والبلدية في خزانة الحكومة وتأمين احتياجات اللواء منها وارسال المتبقي الى بغداد (2) ، الا ان وكيل المتصرف فشل في تنفيذ ما كلف به لسبب بسيط هو تآمر المؤسسات المصرفية الموجودة آنذاك على اقتصاد البلد وامواله شأنها شأن الشركات الاجنبية التي كانت تعمل في البصرة .
   ثانياً ـ فشلت المتصرفية في السيطرة على النفط في المفتية لهيمنة شركة نفط البصرة عليه والتي امتنعت بدورها عن تسليم براميل الدهون التي اشترتها الحكومة العراقية والبالغ عددها ( 36512 ) برميل .
   وقد طلبت وزارة الاقتصاد بذل كافة التدابير الممكنة لاخراج هذه البراميل من المخازن وايصالها الى بغداد براً او نهراً بأي صورة كانت (3) ، ولكن محاولات وكيل المتصرف لم تؤت ثمارها ، وقد كتب الى وزارة الداخلية قائلاً " بذلت اقصى جهدي مع مدير شركة النفط في البصرة لاستلام البراميل الدهون ، وانه اظهر استعداده لتسليمها بعد اخذ موافقة المدير العام

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 برقية وزارة الداخلية المرقمة 2911 والمؤرخة 6 \ 5 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 برقية وزارة الداخلية المرقمة 2867 والمؤرخة 6 \ 5 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 برقية وزارة الاقتصاد المرقمة 2995 والمؤرخة 4 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة ، كذلك برقية وزارة الداخلية المرقمة 2726 والمؤرخة 3 \ 5 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 84 ـ

الموجود حالياً في السفارة البريطانية في بغداد " الا انه قبل صدور اوامر المدير العام سيطر الجنود البريطانيون على الدهون والبانزين واوقفوا حرساً خاصاً في مستودع النفط في المفتية (1) .
   ولقد كشفت هذه الحادثة عن استهتار واضح للقوات البريطانية وسيطرتها على بعض المواد ( الوقود ) التي هي قانوناً ملك للحكومة العراقية على اية حال ، اتخذت القيادة العسكرية البريطانية قراراً باحتلال العشار في 7 مايس 1941 ، ومهما تكن اسباب ذلك الاحتلال فانها لا تتعدى الضرورات التي تمليها الخطة البريطانية القاضية بتشديد قبضتها على لواء البصرة ومداخل الخليج العربي وتامين خطوط الانزال في شط العرب ولا سيما بعد ان اصبحت الشعيبة والمعقل والفاو تحت الهيمنة العسكرية البريطانية ، اما الزبير وابو الخصيب فقد اصبحتا بدون دفاعات بعد انسحاب القوات العراقية ( لواء المشاة السابع ) وتجمعها في القرنة وتشكيل ما يعرف بقيادة المنطقة الجنوبية لذا بقيت منطقة العشار والبصرة بدون حماية عسكرية عدا قوات الشرطة .
   وهكذا تقدمت المفارز البريطانية من معسكراتها بأتجاه منطقة العشار وكان الوقت فجراً من يوم 7 مايس 1941 ، وكانت القوات البريطانية مؤلفة من خمس وعشرين مصفحة تقل جنوداً من الهنود والكركة بأمرة ضباط بريطانيين تساندهم الطائرات التي حلقت في اجواء المدينة بالاضافة الى قوات بحرية .
   لقد احاطت تلك المفارز بمقر متصرفية البصرة والدوائر الرسمية الاخرى والبنوك وكذك سيطرت على الطرق والجسور وشرعت في اطلاق النار في كل اتجاه من غير سابق انذار واستمرت الحال على هذا المنوال زهاء الساعتين (2) .

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم 1367 والمؤرخ 6 \ 5 \ 1941 الى وزارة الداخلية .
(2) الحسني ، الاسرار الخفية ، ص ص 200 ـ 221 ، كذلك يونس بحري ، المصدر السابق ، ص 110 ، وخالد عبد المنعم العاني ، موسوعة العراق الحديث المجلد الاول ( بغداد 1977 ) ص 243 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 85 ـ

   وكان وكيل المتصرف في بناية المتصرفية ومعه ثمانية عشر شرطياً ، فلما سمع الرصاص استفسر من احد الضباط البرطانيين المحاصرين لبناية المتصرفية عن سبب اطلاق النار فرد عليه " ان الاوامر التي لديه تقضي بذلك دون ان يعرف السبب " كما اضاف بان لديه امراً بالقبض على بعض الموظفين العراقيين الذين تشتبه بهم السلطات العسكرية ، وعند ذلك دخل بناية المتصرفية القائد العام للقوات البريطانية ( فرايزر ) ومعه مدير جمعية التمور العراقية المستر لويد الذي كان يرتدي الزي العسكري برتبة ميجر في الجيش البريطاني ويصحبهم مجموعة من الضباط البريطانيين ، وعندها بادرهم وكيل المتصرف عن اسباب هذا الاقتحام والهجوم المفاجيء ، فرد عليه الجنرال فرايزر " ان مضايقتنا ادت الى ان نلج هذا السبيل (1) " كما طلب الجنرال من وكيل المتصرف بقطع علاقاته بحكومة بغداد حتى يوقف تدخل قواته في شؤون البصرة ، الا ان رد وكيل المتصرف كان غير مشجع واعلن انه لا يتلقى الاوامر الا منها فاصدر القائد البريطاني اوامره بقصف محلة ام البروم مع مركز الشرطة في العشار (2) .
1 ـ التصادم المسلح بين الشرطة العراقية والقوات البريطانية
   عندما حصل الصدام بين القوات البريطانية والشرطة كان عدد الموجود من الشرطة لا يتجاوز السبعين فرداً مع مديرهم مزاحم ماهر الكنعاني وبعض الضباط ، وكان الواحد منهم لا يملك اكثر من خمسين الطلاقة ، بالاضافة الى سيارة المركز ذات الرشاش الواحد الذي لم يتجاوز عتاده اكثر من صندوق واحد من الاطلاقات (3) ، وقد انضم الى الشرطة سكان محلة ام البروم الذين

**************************************************************
(1) محمود الدرة ، المصدر السابق ، ص 347 .
(2) عبد الرزاق الحسني ، الاسرار الخفية ، ص 202 .
(3) عبد الحميد الكنين ، بين شهرين او الايام السود ، ( البصرة 1941 ) ، ص 260 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 86 ـ

جاءوا لنجدت اهلهم وذويهم (1) ، وقد حاول وكيل المتصرف ان ينهي النزاع بالطلب من مزاحم ماهر وقف اطلاق النار (2) وكذلك اتصل به المستر لويد طالباً اليه الاستسلام (3) فوافق على شرط الانسحاب مع افراد الشرطة بكامل سلاحهم والالتحاق بالقوات العراقية في القرنة ، الا ان الجنرال فرايزر رفض وكانت نتيجة الاصطدام مصرع خمسة افراد من الشرطة وجرح ستة آخرين ، فضلاً عن اصابة رجل وأمرأة من المواطنين ، كما اسفر القصف الجوي الذي قامت به الطائرات البريطانية لمدينة العشار عن مقتل اسرة في محلة الرباط الصغير (4) .
   وقد كان لنفاذ العتاد وعدم كفاية عدد افراد الشرطة سبباً وراء خسارتهم ، كما ان الاهالي لم يستمروا في اسنادهم للشرطة حيث انشغل بعضهم اما بالمحافظة على حياتهم والركون الى دورهم لانهم عزل من السلاح وآخرون انشغلوا بالسلب والنهب اما خسائر القوات البريطانية فتقدرها بعض المصادر بين 50 ـ 100 قتيل (5)

**************************************************************
(1) علاء لفته موسى ، كيف قاومت جماهير البصرة الاحتلال البريطاني ، مجلة الساهرون العدد 49 ، السنة 1986 ، ص 26 ـ 27 .
(2) ( هذا ما جاء في التقرير الذي وضعته متصرفية لواء البصرة بعد فشل ثورة مايس والموجودة في س . م . ب رقم الملف 5 \ 36 م . ل . ب المرقم 2065 والمؤرخ 6 \ 8 \ 1941 الى احمد مختار بابان .
(3) عبد الرزاق الحسني ، الاسرار الخفية ، ص 176 .
(4) لقد كان عدد افراد العائلة التي قتل افرادها نتيجة القصف الجوي ثلاثة افراد ، س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 3 تقرير م . ش . ب المرقم س \ 649 والمؤرخ 7 \ 8 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .
(5) ذكر علاء لفته موسى بناء على حديث مع حامد البازي في مجلة الساهرون ان مجموع القتلى من الجنوزد البريطانيين 100 ـ 200 قتيل بريطاني من الكركة ، في حين اكد عبد الرزاق الحسني ويونس بحري تحديد العدد مئة قتيل اما عبد الحميد الكنين فقد اشار ان خسائر البريطانيين من جنود الكركة قد بلغ خمسين قتيلاً .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 87 ـ

ومما لا شك فيه ان هذا الرقم مبالغ فيه بعض الشيء ، تذهب بعض المصادر الى التاكيد بان اليهود قدموا الخدمات الى الانكليز خلال المقاومة حيث فتحوا دورهم لنصب المدافع على اسطحها وقصف تجمعات الشرطة والسكان المدافعيين (1) .
   اما مدير الشرطة فبعد انسحابه وذهابه الى القرنة ارسل كتاباً من مقره الجديد الى منتسبي الشرطة الذين بقوا في لواء البصرة دعاهم فيه الى الالتحاق به لانه " اسس مديريته في القرنة " (2) ، الا ان وكيل المتصرف اعتبر هذا العمل تجاهلاً لوجوده وتجاوزاً على صلاحياته الرسمية في لواء البصرة فجمع رؤساء الدوائر في بناية بلدية البصرة وبين لهم ان ما قام به مدير الشرطة عمل غير اصولي ويعرض الامن العام للفوضى فوقع المجتمعون على كتاب تم توجيهه الى جميع المعاونين والمفوضين الذين تلقوا بيان مديرهم مؤكداً ما يأتي :
   " لما كانت مديرية البصرة القديمة وقضاء ابي الخصيب وناحيتي شط العرب والزبير والسيبة لم يقع احتلالها حتى الان من القوات البريطانية وان متصرف اللواء وكافة الموظفين ما زالوا موجودين في هذه المواقع بانتظار الاوامر النهائية التي سترد لهم بواسطة متصرف اللواء من المراجع العليا لهذا نبلغكم بان الطلب الوارد اليكم الى كافة افراد الشرطة هنا من السيد مزاحم ماهر المذكور بوجوب الالتحاق به الى القرنة هو غير قانوني وغير واجب الاتباع نظراً لتجاوز مدير الشرطة المذكور صلاحية وظيفته باصداره مثل هذا الامر الذي هو من صلاحية وزير الداخلية فقط ، فعليه انكم غير مكلفين

**************************************************************
(1) اسماعيل باغي ، حركة رشيد عالي الكيلاني ، ص 166 .
(2) تقرير متصرفية لواء البصرة بعد فشل ثورة مايس السابق فقرة (3) .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 88 ـ

باتباعه ملزمون بالبقاء في البصرة لحفظ الامن فيها والمحافظة على الاهالي والموظفين والقيام بواجباتكم في مدينة البصرة وقضاء ابي الخصيب والنواحي التي لم يتم احتلالها ريثما يتقرر الوضع النهائي (1) .
   وقد اتضح لدى السلطات الرسمية في البصرة في ما بعد ان مدير الشرطة مزاحم ماهر قد استحصل مواقفة الحكومة في بغداد للانتقال الى القرنة قبل ان يدعوا الشرطة للالتحاق به في مقره الجديد .
   وعلى اية حال عند المقارنة بين قوات الشرطة والقوات البريطانية نجد انها غير متكافئة كما ان القوات البريطانية كانت قد هيمنت على جميع المواقع والمرافق الحيوية والطرق الرئيسية في البصرة ولا سيما بعد انسحاب القوات العراقية من البصرة مما اتاح للقوات البريطانية السيطرة التامة على الموقف .

2 ـ حوادث النهب والسلب في منطقة العشار

   بعد ان وقع الاحتلال لمنطقة العشار وتصاعدت المقاومة الوطنية ضده عمدت السلطات المحتلة الى وسيلة من اجل اشغالب الناس وصرفهم عن المقاومة وذلك بكسر المتاجر والحوانيت في السوق الرئيسية في المدينة والمعروفة باسم سوق ( الهنود ) الذي تزدحم فيه المتاجر الكبيرة ومخازن المواطنيين من سكنة المدينة من مختلف الاديان والجنسيات ، فوجد الناس من ضعاف النفوس فرصتهم للاجهاز على المخازن والمتاجر نهباً وسلباً مما دفع جمهوراً آخر من المواطنيين الذين انشغلوا في المقاومة الوطنية الى الانسحاب مهيئين انفسهم لحماية دورهم وعوائلهم تحسباً لوقوع اعمال نهب وسلب مماثل عليها .

**************************************************************
(1) عبد الرزاق الحسني ، الاسرار الخفية ، ص 178 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 89 ـ

   ان اعمال السلب والنهب التي عرفت محلياً باسم ( فرهود ) لم تكن موجه حسبما زعم من قبل الدعايات الصهيونية ضد الهيود واملاكهم ودورهم ومحلاتهم ، وبالرغم من ان اليهود ساندوا المحتلين واخفوا البضائع الاساسية من الاسواق وعملوا على رفع اسعار الحاجات الاخرى مستفيدين من الظروف الغير طبيعية التي مرت على المدينة ، الا انهم لم يكونوا هم وحدهم الذين تعرضت اموالهم ومحلاتهم الى السلب والنهب ، فقد كانت الاضرار قد لحقت بممتلكات تعود لجميع المواطنيين من مختلف الاديان والاجناس والتي كانت تعيش وتعمل في مدينة تجارية مثل البصرة ، كما لم يقع الاعتداء على اي دار من دور المواطنين اما كان السلب والنهب قد وقع في الاسواق العامة اولاً باول وعلى المحلات التجارية (1) ، يضاف الى ذلك تعرض بعض الدوائر الحكومية والمؤوسسات الرسمية الى عمليات نهب لموجوداتها ، منها ما وقع مثلاً في مركز شرطة العشار ، اذ نهب ما فيه من اثاث ومؤونة وبنادق وكذلك نهب بعض موجودات شعبة التحري وسرقة موجودات الخزانة الحديدية وفقدت وثائق المخابرات السرية لسنتي 1940 ـ 1941 وبعض المستندات الاخرى منها البلاغات الحربية ، كما تعرضت ثكنات الجيش الجبيلة والتنومة (2) والمستشفى العسكري الى عمليات مشابهة (3) .

**************************************************************
(1) خلاصة لمقابلات متعددة من اناس كبار السن ممن عاشوا احداث عام 1941 في البصرة وعرفوا ما حدث في 7 مايس من اعمال السلب والنهب .
(2) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 م . ش . ب المرقم 26 \ س والمؤرخ 12 \ 6 \ 1941 الى مدير الشرطة العام ـ بغداد ويعتقد ان هذه المخابرات اخذت اثناء سيطرت القوات البريطانية واشغالها للدائرة ، م . ش . ب المرقم 2 المؤرخ 8 \ 6 \ 1941 الى مدير الشرطة العام ـ بغداد .
(3) عبد الحميد الكنين ، المصدر السابق ، ص 293 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 90 ـ

  وهنا لا بد من الاشارة الى ان تلك العمليات قد استمرت في منطقة العشار بعلم قائد الجيش البريطاني الذي احتل المدينة من يوم 7 مايس ، حيث شجع عليها وفسح المجال لحدوثها ، ولغاية صدور بيان في 8 مايس الذي منع فيه التجول وهدد بعقوبات شديدة ضد كل من يقوم بعمليات من هذا النوع .
   اما في الاقضية والنواحي كالهارثة والسيبة وابي الخصيب فقد تعرضت محلاّتها هي الاخرى الى عمليات مشابهة بعد ان فقدد الامن فيها وترك الموظفون دوائرهم واصبحت بدون حماية وحراسة .
   وفي الزبير تجمعوا بعض وجهائها واتفقوا على المحافظة على الامن والاسواق والمحلات العامة (1) .
   على اي حال فقد كان الاحتلال البريطاني لمنطقة العشار انعدام الامن والنظام فيها سبباً لحدوث تلك العمليات اما في الاقضية والنواحي التي لم تقع تحت سيطرة القوات البريطانية فقد كان لمجالسها البلدية والمحلية واللجان المختلفة المنبثقة عنها دور كبير في منع وقوع حوادث مشابهة حيث كان الامن والنظام مستتبين الى حد ما .

3 ـ الاجراءات البريطانية في منطقة العشار
   استبدلت القيادة البريطانية الجنرال فرايزر بالجنرال كوينان Quinan حاملاً تعليمات القيادة البريطانية العامة في الهند بأن ينظم ميناء البصرة ويجعله قادراً على استيعاب جميع القوات العسكرية التي قد تتطلب الحرب

**************************************************************
(1) س . م . ب رقم الملف 4 \ 5 كتاب مأمور شرطة الزبير المرقم س \ 169 والمؤرخ 4 \ 6 \ 1941 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 91 ـ

ارسالها للقتال في الشرق (1) .
   وقد اصبح كوينان تحت امرة الجنرال ويفل القائد العام لقوات الشرق الاوسط الذي كان مقره في القاهرة بعد كانت القيادة البريطانية في البصرة تابعة لقيادة الهند ، لقد كانت التعليمات التي تلقاها كوينان تقضي بان لا يعمل اكثر من حماية القواعد في البصرة وفتح خطوط المواصلات الى بغداد (2) .
   وقبل المباشرة بهذه الاعمال وبعد انسحاب الشرطة العراقية في 7 مايس لم يبق لدى سلطة الاحتلال الا ان تشدد قبضتها على المدينة التي عمتها الفوضى وفقد فيها الامن ، فاصدر القائد العام لقوات الاحتلال سلسلة من البيانات المتلاحقة اعلنها بالوسائط المتاحة لديه سواء عن طريق نشرها في جريدة Basrah Times التي اصدرتها سلطة الاحتلال او عن طريق مكبرات الصوت (3) ، وقد اشتملت تلك البيانات على دعوة البنوك والمصارف والمؤسسات التجارية لمزاولة عملها ، كما هدد القائد العام الناس في بيان آخر بأشد العقوبات اذا اقدموا على اعمال تهدد الامن والاستقرار واعلن منع التجول ليلاً ، ثم اصدر امرلاً بتعيين المستر لويد حاكماً عسكرياً لمنطقة العشار ، وقد اصدر الاخير بدوره عدة بيانات منها امراً حرم فيه حمل السلاح داخل المدينة ومنع الاستماع الى الاذاعات المعادية لبريطانيا وهي كل من اذاعة بغداد وروما وبرلين وهدد المخالفين باشد العقوبات ، كذلك اصدر بياناً دعا فيه موظفي ومستخدمي ادارة البرق

**************************************************************
(1) اشارت بعض المصادر الى احتجاج ممثلوا الدول في البصرة على الاعمال التي قام بها الجنرال فرايزر فاستبدلته القيادة بالجنرال كوينان ، انظر يونس بحري المصدر السابق ص 111 .
(2) يونس بحري المصدر نفسه ، ص 209 .
(3) رجب بركان ، من صحافة الخليج العربي ، الصحافة البصرية 1889 ـ 1973 من منشورات مركز دراسات الخليج العربي ( بغداد 1977 ) ص 128 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 92 ـ

والبريد والهاتف للعودة الى العمل ووعد منحهم اجور ساعات اضافية(1) .

4 ـ انتقال الحكومة المركزية الى منطقة البصرة القديمة
   بعد احتلال العشار انسحب وكيل المتصرف مع موظفيه الى منطقة البصرة القديمة وأتخذها مركزاً للادارة الوطنية ، وجعل مركز شرطة سوق الدجاج وبلدية البصرة مقراً لادارته (2) ، ولاجل مواجهة توقعات رد الفعل البريطاني جراء انتقال السلطة المركزية من العشار الى البصرة ، بادر وكيل المتصرف للاتصال بكبار رجالات مدينة البصرة ممن كانوا اعضاء في مجلس النواب والاعيان او ممن شغل وظائف مهمة في بلدية البصرة ، وهم كل من السادة عبد الجليل برتو وكيل رئيس البلدية ومحمد سعيد عبد الواحد وعبد القادر باشا اعيان والحاج مصطفى طه السلمان ومحمد صالح الرديني احد رؤساء البلدية السابقين وعبد العزيز النشوان والسيد حامد النقيب من اعضاء مجلس النواب ، واجتمع بهم في ديوان عائلة آل باشا اعيان في البصرة القديمة لدراسة احتمالات الموقف وسير الاحداث وتقدير من يتحمل مسؤولية سلامة ارواح الناس وممتلكاتهم .
   وقد اسفر الاجتماع عن تأليف وفد من الشيخ صالح باشا اعيان والحاج احمد الذكير ومحمد سلمان العقيل حيث ذهبوا وقابلوا قائد الحملة البريطانية في اليوم التالي اي في 8 مايس 1941 ، ويذكر الشيخ صالح باشا اعيان في مذكراته بان المقابلة قد تمت في مقر قيادة قوات الاحتلال

**************************************************************
(1) لمراجعة نص البيانات ، راجع جريدة الثغر البصرية ، العدد 1861 في 11 \ 5 \ 1941 .
(2) للوقوف على دور بلدية البصرة من 9 مايس لغاية 17 مايس 1941 ، راجع رجب بركات ، بلدية البصرة 1869 ـ 1981 ( البصرة 1985 ) ص ص 606 ـ 608 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 93 ـ

في بناية المتصرفية بالعشار ، وقد اجتمع مع الوفد الميجر لويد بصفته معاوناً للقائد العام ، واكد لهم ان القوات البريطانية ستبقى في العشار وانها لا تنوي احتلال البصرة القديمة وهي غير مسؤولة عن المحافظة على أمنها ، وان الجيش البريطاني انما دخل العشار لتامين تموينه ليس الا ، وقد تناول الوفد في حديثه مع الميجر لويد النواحي المالية وطلب اجراء التسهيلات المصرفية لما يقع على عاتق بلدية البصرة من مسؤوليات الصرف على نزلاء المستشفى والسجن المركزي وقوة الحراسة لحفظ الامن (1) .
   وعلى اية حال استمرت الادارة الوطنية في مدينة البصرة القديمة تمارس مسؤولياتها وكانت حريصة على هيمنتها الادارية والولاء للحكومة المركزية في بغداد من 7 مايس لغاية 16 مايس 1941 ، وبعد ذلك انسحبت الادارة بممثلها وكيل المتصرف وقسم كبير من الموظفين من مدينة البصرة الى بغداد ، بناء على الاوامر الصادرة اليهم من الحكومة في بغداد .
   وتم سفرهم في الساعة الخامسة والدقيقة الاربعين من صباح يوم 17 مايس بعد ان تأكد اعتماد وكيل المتصرف على جهاز البلدية ومجلسها البلدي في تأليف لجنة اطلق عليها اسم لجنة الامن العام لتكون مسؤولة عن المدينة (2) .

5 ـ لجنة الامن في البصرة
  اجتمع المجلس البلدي لجلسة طارئة لتولي مسؤلية المحافظة على المدينة وعلى امنها وقد حضر الاجتماع كل من رئيس البلدية الجديد الشيخ

**************************************************************
(1) رجب بركات بلدية البصرة ، ص 603 .
(2) لم تتولى بلدية البصرة زمام الامر في المدينة طالما كانت الحكومة المركزية موجودة في الجزء غير المحتل من المدينة ( البصرة القديمة ) وهي مصدر الاوامر ، رجب بركات ، بلدية البصرة ، ص ص 605 ـ 611 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 94 ـ

عبد السلام باشا اعيان واعضاء المجلس البلدي عبد النبي الكرناوي وسليمان الدربندي وعبد الرحمن السليمان البدر ويوسف عزاوي ، وقد اتخذوا قراراً في 17 مايس بتأيف لجنة اطلق عليها اسم لجنة الامن (1) ، وكانت مهمتها المحافظة على الامن والنظام ورعايتها لاعمال المؤوسسات الحكومية كالمحاكم والطابو والمستشفى والسجن والمدارس اضافة الى شؤون واجبات البلدية ، ولقد اتخذت هذه اللجنة من بناية بلدية البصرة مقراً لها ، كما اعتمدت على موظفي البلدية في تمشية الامور الكتابية والمختابرات والاتصالات اما اعضاء اللجنة فقد كانوا كلاً من الشيخ صالح باشا اعيان وعبد الرزاق الامير والحاج مصطفى الطه السلمان وصالح الرديني وعبد الرحمن محمود النعمة ومحمد سعيد العبد الواحد والشيخ مصطفى المفتي ، وقد انتخبت اللجنة لرئاستها الشيخ صالح باشا اعيان واصبح السيد عبد الرزاق الامير نائباً للرئيس والحاج مصطفى طه السلمان اميناً للصندوق ومحاسباً والسيد صالح الرديني سكرتيراً .
   وقد وضعت اللجنة خطة لعملها اشتملت على حراسة البلدية والاهالي ودوائر الحكومة ومتابعة امور التموين والاعاشة والمستشفى والسجن المركزي واعادة فتح الستوصفات وتأمين الاتصال الهاتفي بين سكان البصرة والعشار كذلك اهتمت بمتابعة شؤون دائرة الاطفاء والتنظيفات والاعمال الصحية في منطقتي البصرة القديمة والعشار على ان تكون مصاريف ونفقات الحراس والاطفال والتنظيفات من صندوق البلدية ، اما السجن والمستشفى والمستوصفات و التلفون فتكون من اعمال الخزينة (2) .

**************************************************************
(1) جريدة الثغر ، العدد المرقم 1862 في 24 \ 5 \ 1941 .
(2) جريدة الثغر ، العدد 1862 في 24 \ 5 \ 1941 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 95 ـ

   كما اذاعت اللجنة بياناً على اهالي البصرة ناشدتهم فيه الاخلاء الى الهدوء والسكينة وشرحت فيه واجباتهم واخبرتهم من خلاله انها تعمل تحت ظل الحكومة العراقية وليس لها ارتباط بالسلطات البريطانية كما طلبت من اهالي البصرة التعاون معها .
   ومن الملاحظ هنا ان اللجنة قد كرست جميع امكاناتها للاتصال بالسلطة الاحتلال من اجل الحفاظ على سلامة البصرة وامنها والعمل على فتح المنافذ على مدينة العشار المحتلة لايصال الخدمات اليها ، فقد ارسلت كتاباً في 18 مايس 1941 الى معاون القائد العام حددت فيه مسؤوليتها وطلبت تزودها بكمية من السلاح والذخيرة لتجهيز قوة الحرس ، وقد وافق الاخير على تقديم هذه التجهيزات التي تضمنت 40 بندقية مع 2000 اطلاقة ، ولكون هذه الكمية غير كافية من الناحية العملية فان اللجنة لجأت ـ كما يذكر الشيخ عبد القادر باشا اعيان بمذكراته ـ الى اكثر من اسلوب للتمويه على العناصر المعادية للبريطانيين والمتعاونيين معهم من السكان ، ومن ذلك انه جرى شحن هذه الاسلحة والاعتدة في سبع شاحنات مغلقة واشيع وصول كميات هائلة من السلاح ، وتم تفريغ الشحنات في مركز شرطة سوق الدجاج ، وكاستمرار في التمويه نظم جدول بوجبات الحراسة يعتمد اسلوب الاستبدال السريع لمجاميع الحراس مع تداور الاسلحة كي يوحي بكثرتهم رجالاً وعدة (1) .
   لقد استمرت اعمال بلدية البصرة ولجنة الامن لحين الاجهاض على ثورة مايس (2) .

**************************************************************
(1) رجب بركات ، بلدية البصرة ، ص 613 .
(2) استمرت البلدية باداد واجباتها متعاونة مع لجنة الامن التي الفت يوقتها لغاية 9 \ 6 \ 1941 ، رجب بركات المصدر نفسه ، ص 606 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 96 ـ

   وقد اعقب ذلك وصول جميل المدفعي الى البصرة في 23 مايس 1941 بتكليف من الوصي عبد الاله حاملاً معه بيان عودة عبد الاله الى العراق لمباشرة اعماله وصياً على العرش وانتدابه ليمثله في المحافظات الجنوبية من اجل تنظيم الامور الادارية والعسكرية والمالية واعادة الامور الى مجاريها الطبيعية (1) ، كما قام جميل المدفعي بتوجيه كتاب الى الدوائر الرسمية اوضح فيه اهداف مهمته وطلب من رؤساء الدوائر والموظفين مزاولت اعمالهم ومراجعته في الامور المهمة التي ليست من اختصاصهم للبت فيها لحين استتاب الامور في البصرة (2) ، ولاجل ذلك فتحت الدوائر الرسمية ابوابها وبدأت بمباشرة اعمالها بالرغم من عدم وجود كثير من الموظفين لانسحابهم من البصرة في يوم 17 مايس مع وكيل المتصرف صالح حمام ، وفي يوم 7 حزيران 1941 باشرت كافة الدوائر باعمالها الرسمية بعد تعيين عبد الرزاق حلمي متصرفاً للواء البصرة (3) وفي 15 تموز كلف المتصرف الجديد مديرية الشرطة في البصرة بالتحقيق عن اعمال الاعتداءات التي وقعت في العشار ومتابعة المتهمين بهذه الاعمال والتحقيق معهم ، ولقد تم حجز الكثير من الاشخاص الذين كان يشك في مشاركتهم في اعمال السلب والنهب او لمجرد وشاية من منافق ضدهم ، وقد سحب عبد الرزاق حلمي من صندوق بلدية البصرة مبلغاً مقداره ( 100 ) دينار لمصرفها على هذه الاجراءات

**************************************************************
(1) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب الوصي ( صورة طبق الاصل ) في 23 \ 5 \ 1941 .
(2) س . م . ب رقم الملف 5 \ 36 كتاب جميل المدفعي في 26 \ 5 \ 1941 الى مدير الطابو في لواء البصرة .
(3) س . م . ب ، رقم الملف 5 \ 36 كتاب مديرية الطابو وتسوية الاراضي المرقم 1545 والمؤرخ 7 \ 6 \ 1941 الى متصرف لواء البصرة .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 97 ـ

وكذلك لانفاقها على المصروفات السرية في البصرة (1) ، اما في ما يخص البريطانيين ففي 23 مايس 1941 عقدوا في البصرة مؤتمراً عسكرياً حضره قائد القوات المسلحة في الهند الجنرال اوكلك وقائدة قوات الشرق الاوسط الجنرال وفيل ، واقر المؤتمر وضع الخطط العسكرية للاسراع في احتلال العراق وان يكون العراق مرة ثانية من مسؤولية القيادة في الهند .
   وعلى هذا الاساس امرت القيادة البريطانية في الهند الجنرال كوينان ان يستعد للحركة من البصرة الى بغداد باسرع ما يمكن بعد ان وصلت الى البصرة تعزيزات جديدة من الهند وبعد فتح طرق المواصلات بين بغداد والبصرة ، فرضت الجيوش البريطانية السيطرة على كل العراق (2) .
   ومن الجدير بالذكر ان الحكومة العراقية بعد القضاء على ثورة مايس ابدت تعاوناً مع الجانب البريطاني في دراست الاجراءات اللازم اتخاذها في منطقة الميناء وقاعدة الشعيبة ، وعلى هذا الاساس ادخلت تحسينات على خطوط سكك الحديد وانشيء جسر من الخشب بطول ( 1150 قدم ) على شط العرب ليسهل الاتصال مع ايران ، وقد تم في عام 1943 واصبح الاتصال مباشر بين المحمرة ومحطة المعقل في البصرة حيث تبدأ السكة العراقية (3) ، وكذلك تم توسيع ميناء البصرة فانشئت ارصفة جديدة اضافة الى توسيع الارصفة

**************************************************************
(1) س . م . ب رقم الملف 2 1 \ 8 كتاب بلدية البصرة المرقم س \ 26 و المؤرخ 2 \ 12 \ 1941 الى متصرفية لواء البصرة .
(2) Shephon Loug rigg . H . Iraq 1900 ـ 1950 ( London 1955 ) p . p 298 ـ 299 .
(3) علي ناصر ، تاريخ السكك الحديدية في العراق 1914 ـ 1945 ، رسالة ماجستير غير منشورة ( جامعة البصرة 1984 ) ص 131 .

البصرة خلال ثورة مايس 1941   ـ 98 ـ

القديمة وادخلت المكائن في تحميل البضائع (1) .
   وعلى العموم اصبحت البصرة بعد القضاء على ثورة مايس مسرحاً لنزول القوات البريطانية وجيوش الحلفاء ، وكانت الاستعدادات العسكرية البريطانية على الحدود العراقية الايرانية تشير الى اختراق بريطانيا لحياد ايران الذي تم فعلاً في 25 آيار 1941 .


**************************************************************
(1) جعفر عباس حميدي ، المصدر السابق ص 101 .