البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 103 ـ

3 ـ الخريـبــة

   يذكر ياقوت انها سميت بهذا الاسم ( لأن المرزبان كان قدابتنى به قصراً وخرب بعده ، فلما نزل المسلمون البصرة ابتنوا عنده عدة ابنيـة وسموها الخريبـة )(1) .
   والخريبة تقع على بعد اربعة فارسخ من نهر دجلة العوراء ( شط العرب )(2) ، اي تقع الى الغرب من مدينة الابلة ، على بعد اربعة فراسخ منها(3) .
   ونظراً لأهمية موقع الخريبة المطل على البادية استخدمها الفرس كمسلحة لقواتهم ، واستمرت كذلك الى ان حررها العرب المسلمون وطردوا القوات الفارسية منها ، ثم استخدمها المسلمون كقاعدة عسكرية لقواتهم اثناء انطلاقها لمواجهة القوات الموجودة في جنوب العراق والابلة(4) .

**************************************************************
(1) ياقوت ، البلدان ، ج 2 ص 429 .
(2) المصدر نفسه ، ج 1 ص 430 .
(3) السوداني ، المرجع السابق ، ص 180 .
(4) البلاذري ، فتوح ، ج 2 ص 296 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 104 ـ

   والخريبة على ما يبدو لم تكن منطقة تجارية كالابلة ، او منطقة لتصريف البضائع كالمربد لذا ضل سكانها في مستوى معاشي محدود ، ويظهر ان اعداد فقرائها كان كبيراً ، لذا شعر ولاة البصرة في العصر العباسي بضرورة تحسن احوالهم المعاشية ومساعدة الفقراء منهم ، فكان سليمان بن علي والي البصرة يتصدق على فقراء الخريبة بأموال كثيرة(1) .
   ان موقع الخريبة في طرف البادية ساعد الحركات الانفصالية للسلطة على اتخاذها كموقع مهم لتجمع قواتها(2) ، فأن وجود هذا المجال الواسع في اراضيها كان عاملاً مساعداً على انضمام القوات المعارضة وتجمعها ، لذا اتخذها ابراهيم بن عبد الله مقراً اخيراً لقواته قبل توجهه للكوفة عام 145 هـ(3) .
   الا ان هذه العوامل لم تمنع الولاة في البصرة من اقامة المشاريع الحضرية والعمرانية ، فقد ذكر ان والي البصرة سفيان بن معاوية كان يمتلك بستاناً فيها في مكان كان قد بنى فيه سابقاً اول حمام في بالبصرة ، وهو حمام عثمان بن ابي العاص(4) .
   كما ان عيسى بن جعفر والي البصرة قد بنى قصراً له فيها وهو القصر الذي نزل به الخليفة هارون الرشيد عام ( 180 هـ / 796 م ) اثناء مقدمه من مناسك الحج(5) .

**************************************************************
(1) البلاذري ، انساب الاشراف ، ق 3 ص 90 .
(2) العلي ، خطط البصرة ، ص 124 .
(3) مجهول ، العيون والحدائق ، ص 251 .
(4) البلاذري ، فتوح ، ج 3 ص 434 .
(5) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 646 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 105 ـ

ولاة البصرة في العصر العباسي الاول

   اصبحت سلطة الوالي في العصر العباسي محدودة بعد ان استأثر الخلفاء العباسيون بالحكم(1) ، وعلى الرغم من كونه يمثل اعلى سلطة في الولاية بوصفه ممثلاً لشخصية الخليفة ، وهو حلقة الوصل بين الرعية ومقر الخلافة العربية ، الا انه كان مراقباً من الدولة ، وكانت اخباره تصل الى مسامع الخليفة فيعزل الوالي اذا استغل منصبه في جمع الاموال ، وارهاق الناس في حياتهم اليومية(2) .
   اما اهم الواجبات التي انيطت بالوالي ، فهي الحفاظ على الاستقرار والنظام في ولايته وتنظيم جباية الاموال ، واقامة الدعوة للعباسيين على منابر الولاية في صلاة الجمعة(3) ، ومراقبة دور السك(4) ، ومن صلاحياته تعيين العمال ، فالاشراف على الجند وارزاقهم(5) .
   ان اختيار الولاة وتعيينهم هو من صلاحيات الخليفة فقط ويتم بموجبها اعطاء الوالي صلاحياته المونطة به(6) .

**************************************************************
(1) علي ، محمد كرد ، الادارة الاسلامية في عز العرب ، مطبعة مصر ، القاهرة ، 1974 ، ص 134 . القرغولي ، جهادية ، العقلية العربية ، دار الحرية للطباعة ، ط 1 ، بغداد ، 1986 ، ص 74 .
(2) كان المنصور يصادر اموال العمال في حالة ثبوت حالات تعسف واضطهاد للعامة ، او ثبوت تواطىء من قبلهم على الدولة بعد ان يتم عزلهم عن مناصبهم ، انظر : السيوطي ، جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر بن محمد ، تاريخ الخلفاء ، ( تح محمد محي الدين عبد الحميد ، ط 1 ، القاهرة ، 1952 ، ص 259 .
(3) الماوردي ، الاحكام السلطانية ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، د . ت ، ص 35 .
(4) المصدر نفسه والصفحة .
(5) المصدر نفسه والصفحة .
(6) القرشي ، باقر شريف ، نظام الحكم والادارة في الاسلام ، مطبعة الآداب ، ط 1 ، النجف ، 1966 ، ص 359 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 106 ـ

   ان المعلومات التي استطعنا الحصول عليها هي معلومات متباينة بين والي وآخر لذا فقد وقع اهتمامنات على اهم الولاة في هذه الحقبة ، لعدم توفرها لولاة البصرة كافة ، فالمعلومات تكثر بالنسبة للولاة الذين ينتسبون للبيت العباسي ، وبعض البيوتات المعروفة في البصرة ، وتقل او تكاد تشح بالنسبة للولاة الآخرين ، وهذا يرجع على ما يبدو الى اهتمام المؤرخين في هذه الحقبة بتدوين تاريخ افراد الاسرة العباسية ، واهمال البعض الا ما وجد من اخبار طريفة لهم ، او احداث واسعة لا يمكن التغافل عنها .
   اتبع الخليفة العباسي الاول ابو العباسي ( 132 ـ 136 هـ / 749 ـ 753 م ) ، سياسة الاعتماد على اهل بيته في توليه الامصار ، للقضاء على الحركات المعارضة للعباسيين(1)، كما اعتمد ايضاً على الرجال البارزين الذين اظهروا اهتماماً واسعاً بالدعوة العباسية ، فعين على البصرة سفيان بن معاوية المهلبي عام ( 132 ـ 133 هـ / 749 ـ 750 م ) ، وعمه سليمان بن علي ( 133 ـ 139 هـ / 750 ـ 756 م ) ثم اتبع ابو جعفر المنصور سياسة اخيه من بعده او ان الاثنين كان لهما السياسة نفسها ، بعد ان كانت لهما الخبرة الادارية قبل توليهم الخلافة(2) .
   فعين المنصور سفيان بن معاوية للمرة الثانية ( 139 ـ 145 هـ / 756 ـ 762 م ) وسلم بن قتيبة الباهلي ( 145 هـ / 760 م ) ومحمد بن سليمان بن علي ( 146 هـ / 763 م ) واستمر الخلفاء من بعدهم على سياسة آبائهم(3) .

**************************************************************
(1) علي ، محمد كرد ، الادارة الاسلامية ، ص 122 .
(2) كان المنصور من قبل والياً على الجزيرة واذربيجان وارمينية . انظر : الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 458 .
(3) انظر ملحق رقم ( 2 ) .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 107 ـ

   تولى البصرة ما يقارب اثنين وعشرين والياً ، منهم من تولى الولاية لمرتين ، وهم سفيان بن معاوية ، وعبد الصمد بن علي ، ومنهم من تولى لثلاث مرات ، وهم محمد بن سليمان ، وعيسى بن جعفر(1) .
   ويظهر ان بعض ولاة البصرة كانوا قد تمتعوا بصلاحيات واسعة تظهر بوضوح في صلاحيات الولاة العباسيين في البصرة ، قالوا الى سليمان بن علي ( 133 ـ 139 هـ / 750 ـ 756 م ) جعل المنصور له ( جميع ما يجتبى من عمله فكان يقسم في السنة اموالاً عظاماً )(2) ، كما تظهر مكانته ايضاً من خلال صلاحيته في تعيين القضاة(3) ، والشرطة في ولايته(4) ، اما الوالي محمد بن سليمان بن علي ( 160 ـ 164 هـ / 776 ـ 780 م ) فضلاً عن صلاحياته في تعيين القضاة(5) ، فقد كانت له الحرية في جمع الاموال حتى بلغت امواله ما يقارب خمسين الفاً منها عشرين الفاً عتاقة فضلاً عن الفرش والجوهر وغيرها من الاموال الكبيرة(6) ،

**************************************************************
(1) انظر ملحق رقم ( 2 ) .
(2) ابلاذري ، انساب الاشراف ، ج 3 ص 94 .
(3) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 55 .
(4) الذهبي ، المشتبه في الرجال ، ( تح علب محمد البجاوي ، احياء الكتب العربية ، ط 1 ، القاهرة ، 1962 ، ج 1 ص 104 .
(5) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 140 ـ 142 .
(6) الطبري ، المصدر السابق ، ج 2 ص 238 . مجهول ، العيون والحدائق ، ج 3 ص 292 . ابن الزبير ، المصدر السابق ، ص 221 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 108 ـ

كما وسعت صلاحياته الادارية لتشمل مناطق عديدة لم تعد لوالي من قبله(1) ، كما منح الوالي اسماعيل بن جعفر حرية تعيين العمال في البصرة(2) .
   تعددت مهام ولاة البصرة ، في كون مسؤوليتهم تقع في المحافظة على امن الناس ، وشؤونهم ، ورفاهيتهم اولاً والمحافظة على امن الدولة خارج البصرة والمناطق التابعة لها ادارياً ثانياً (3) ، فضلاً عن اعمالهم في محاسبة العمال المسيئين ، والقبض عليهم اذا تطلب الامر(4) ، وتوضيح سياسة الدولة واقامة الدعوة للعباسيين على منابر الولاية او المسجد الجامع في يوم الجمعة(5) ، فضلاً عن اعمالهم العمرانية التي تخدم الناس ، وتحقيق الرخاء لهم(6) ، وقع عليهم ايضاً حماية أمن المناطق التابعة لهم ادارياً ، وسلامة الدولة في الركن الجنوبي منها ، لذا كان الولاة يرسلون الجيوش من البصرة لقمع الحركات المعارضة في البحرين(7) ، وعمان (8) ، والسند(9) ،

**************************************************************
(1) الخطيب البغدادي ، المصدر السابق ، ج 5 ص 291 .
(2) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 157 .
(3) البلاذري ، فتوح البلدان ، ج 2 ص 457 .
(4) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 159 .
(5) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ج 3 ص 118 .
(6) لينظر الفصل الرابع من الرسالة ( العلاقات ) .
(7) الازدي ، المصدر السابق ، 1752 ،
(8) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 463 .
(9) خليفة بن خياط ، تاريخ ، ج 2 ص 453 ـ 455 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 109 ـ

   وغيرها من المناطق التي تقع على الخطوط التجارية للملاحة العربية ، هذا فضلاً عن قيادتهم للجيوش في بعض الاحيان(1) .
   ويظهر على هذه الحقبة التغير المستمر للولاة ، ويبدو ان للاوضاع السياسية دور كبير في هذا التغيير ، فقد ابعد الولاة عن مناصبهم بسبب التهاون في تطبيق قرارات السلطة المركزية ، مثل ابعاد الوالي سفيان بن معاوية عن منصبه لتهاونه في قمع حركة ابراهيم بن عبد الله عام 145 هـ(2) ، وتهاون الوالي سلم بن قتيبة الباهلي بتطبيق أوامر الخلافة لمعاقبة مؤيدي حركة ابراهيم في البصرة(3) ، كما أبعد بعض الولاة لعدم كفاءتهم الادارية ومنهم الوالي جابر بن توبة في عام ( 152 هـ / 769 م ) ، والوالي عقبة بن سلم الهنائي عام ( 159 هـ / 775 م )(4) ، ويزيد بن منصور في عام ( 163 هـ / 779 م ) ، وعبد الملك بن ايوب النمري

**************************************************************
(1) قاد الوالي عقبة بن سلم جيوش البصرة المتوجهة لقتال سليمان بن حكيم المعارض للسلطة المركزية في البحرين ، انظر : الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 39 ، وقاد الوالي عيسى بن جعفر جيوش البصرة المتجهة لقمع حركة الاباضية في عمان ، انظر : البلاذري ، الفتوح ، ج 1 ص 93 .
(2) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ج 2 ص 112 .
(3) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 655 .
(4) اليعقوبي ، التاريخ ، ج 3 ص 134 ، ابن حزم ، الجمهرة ، ص 380 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 110 ـ

عام ( 166 هـ / 782 م )(1) ، والهيثم بن معاوية العتكي في عام ( 170 هـ / 786 م ) ، كما ابعد بعض الولاة الذين لم يظهروا كفاءتهم الادارية في حل الازمات التي تعرضت لها الدولة ، كما هي الحال بالنسبة الى الوالي عبد الله بن ماسجور ، وعيسى بن يزيد الجلودي ، وداود بن ماسجور في اخماد حركة الزط عام ( 205 هـ / 820 م )(2) .
   ومن الجدير بالذكر ان ولاة البصرة اهتوا اهتماماً كبيراً بأمن وسلامة اهلها ، حتى وان كانوا خارج المدينة ، ففي حالة استدعاء الوالي الى بغداد ، او ارساله في حملات عسكرية خارج البصرة يقوم الوالي قبل ان يغادر مقر عمله ، بترشيح نائب له يقوم مقامه لحين عودته ، فعندما غادر عقبة بن سلم البصرة عام ( 151 هـ / 768 م ) استخلف عليها ابنه نافع بن عقبة(3) ، وعندما غادر صالح بن داود البصرة في عام ( 165 هـ / 781 م ) ، استخلف ابا مقاتل مولاة(4) .

**************************************************************
(1) الحيدري ، صلاح ، البصرة في العصر العباسي الاول ، موسوعة البصرة الحضارية ، مطبعة البصرة ، 1989 ، ص 58 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 50 .
(3) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 39 ـ 40 .
(4) خليفة بن خياط ، تاريخ ، ج 2 ص 469 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 111 ـ

   اما في قيام الوالي بالاستعفاء نهائياً عن ولاية البصرة فأنه يرشح من يتولى الولاية لحين صدور امر الخليفة بأبقائه او عزله ، فقد تنازل الوالي محمد بن ابي العباس عام ( 147 هـ / 764 م ) عن ولايته على البصرة ، واستخلف عليها عقبة بن سالم فأقره المنصور عليها(1) ، لأن تعيين الولاة وعزلهم هو من صلاحية الخليفة فقط ، الا ان هذه الطريقة التي كان الولاة يستخدمونها في استخلاف من ينوب عنهم في ادارة البصرة ، سببت في بعض الاحيان وقوع الصراعات على السلطة في البصره ، وهذا ما حدث في ولاية عيسى بن جعفر على البصرة فعندما استخلف عيسى بن جعفر ، المهلب بن المغيرة على البصرة

**************************************************************
(1) البلاذري ، انساب الاشراف ، ق 3 ص 180 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 112 ـ

وجه اليه خازم بن خزيمة امراً بترك البصرة له وكان خزم قد توجه الى البصرة بناءاً على امر الخليفة هارون الرشيد الذي كان حاجاً فأمره بالتوجه اليها لينتظر قدوم الخليفة هناك ، واستطاع خازم من تولي ادارة البصرة واخراج المهلب منها بعد ان كادت ان تقع فتنة بينهما لرفض المهلب بن المغيرة تسليم ادارة البصرة له(1) .
   وعلى الرغم من الصلاحيات التي منحت لولاة البصرة في تعيين العمال ، والاشراف على المناطق التابعة لهم ادارياً ، فقد بقيت منطقة في البصرة بعيدة عن صلاحياتهم وهذه المنطقة هي الابلة التي اصبحت مرتبطة بالخلافة مباشرة ، واصبح الخليفة هو المسؤول عن تعيين عاملها(2) ، واضافة بعض المناطق له في بعض الاحيان مثل كور دجلة الى جانب الابلة(3) ، حتى ان الخليفة لا يسمح لوالي البصرة في التدخل في امور عامل الابلة او معاقبته ، فقد عزم الخليفة ابو جعفر المنصور بمعاقبة والي البصرة سلم بن قتيبة لضربه عامله على كور دجلة الابلة(4) . ويبدو ان اهتمام الخلفاء بهذه المنطقة لأهميتها التجارية ، بوصفها المنطقة التجارية ، المطلة على العالم الخارجي ، والتي يتم عن طريقها نقل البضائع للدولة ، لذا كان عليهم الاهتمام بهده المنطقة ، وتوفير كافة الاحتياجات اللازمة لها ، وجعلها على اتصال مباشر بالخلافة .

**************************************************************
(1) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 143 .
(2) السعدي ، امل ، الابلة ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة بغداد ، 1976 ، ص 201 .
(3) الطينوري ، عيون الاخبار ، ج 1 ص 291 .
(4) المصدر نفسه والصفحة .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 113 ـ

رابعاً : النظام القضائي في البصرة

   تطور النظام القضائي في العصر العباسي تطوراً كبيراً ، اذ اصبحت الخلافة هي المسؤول المباشر عن ادارة القضاء ، وتعيين القضاة في الامصار فقد عين الخليفة ابو جعفر المنصور القاضي سوار بن عبد الله على البصرة في عام ( 138 ـ 145 هـ / 755 ـ 762 م )(1) ويعد هذا التعيين هو الاجراء الاول من نوعه في الادارة القضائية في اطار الدولة العباسية .
   ان اهتمام المنصور بالاشراف المباشر على تعيين قضاته له دليل على رعاية الدولة الجديدة للقضاء ، وتأمين العدالة بين الناس ، فضلاً عن ان قرب الخليفة من هذه المؤسسة يساعد على مراقبتهم ومحاسبتهم اذا ما خالفوا في قضائهم الشرع ، وايضاً اتصالهم به سوف يكون عاملاً على تحسبهم في تعاملهم مع الناس خوفاً من الخلافة .
   اما بالنسبة للطرق التي يتم فيها تعيين القضاة في البصرة او غيرها من الامصار ، فقد كانت عبارة عن تزكيات او ترشيحات مقدمة من العامة الى الخليفة ، في حالة حدوث شاغر ما لمنصب القاضي في البصرة ، فقد عين المنصور الحجاج بن ارطأة قاضياً على البصرة عام ( 132 هـ / 749 م )(2) ، وهو اول قاضي للعباسيين في البصرة ، وعلى ما يظهر ان تعيينه قد جاء لمكانته وهيبته بين الناس ، فقد قيل عنه انه احفظ وافقه رجل في الكوفة(3) ، فالحجاج بن ارطأة هو من اهل الكوفة

**************************************************************
(1) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 57 .
(2) يذكر الخطيب البغدادي ان ( ولاة الامصار كانوا يستقضون القضاء ويولونهم دون الخلفاء حتى استخلف ابي جعفر المنصور ) تاريخ ج 14 ص 103 .
(3) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 51 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 114 ـ

لكن المنصور ارسله لتولي قضاء البصرة ، وهو جائز حسب ما اشار اليه الماوردي(1) .
   كما عين المنصور سوار بن عبد الله قاضياً على البصرة بعد ان عرف عنه سابقاً ، ورعه وتقواه ومطالبته للحق ، فقد كان سوار بن عبد الله قبل ان يتولى القضاء احد افراد الوفد الذي توجه من البصرة الى المنصور لمطالبته بعدم اغلاق نهر ابن عمر بالبصرة ، وكان سوار هو الذي هم بإقناع الخليفة بالعدول عن رأيه في سكر النهر(2) ، ويبدو ان المنصور قد اعجب بقوة شخصية سوار في مطالبته بالحق فضلاً عن مكانته وورعه والمامه بالعلوم ، فعينه بعد ذلك قاضياً على البصرة عام ( 138 ـ 145 هـ / 755 ـ 762 م )(3) ، وعندما عين المنصور عبد الله بن الحسين العنبري قاضياً على البصرة ( 156 ـ 166 هـ / 772 ـ 782 م ) وجه اليه كتاباً يعلمه فيه اسباب اختياره له لمنصب القضاء ، وهو ما وصل الى الخليفة عنه من حسن اخلاقه وورعه ، ومكانته في المجتمع(4) ، حتى قيل ( ولعبيد الله بن الحسن قدر وشرف ، وله فقه كبير مأثور . . . )(5) ، ولحرص الخلفاء على المصلحة العامة ، فقد كان الخلفاء ،

**************************************************************
(1) ( فأن كان في البلد من يصلح للقضاء ، كان تقليده لمعرفته به ، وبأهله ، اولى تقليد الغريب ، فأن كان عدل عنه الى غريب صح تقليده ) ، ادب القاضي ، ( تح محي هلال السرحان ، بغداد ، 1969 ) ، ج 1 ص 190 ـ 191 .
(2) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 58 .
(3) المصدر نفسه ، ج 2 ص 56 ـ 57 .
(4) المصدر نفسه ، ج 7 ص 71 .
(5) المصدر نفسه ، ج 2 ص 88 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 115 ـ

غالباً ما يؤخذون بالاستشارة والترشيح في تولية القضاء ، فعندما عزل المهدي القاضي خالد بن طليق عام ( 166 هـ / 782 م ) ، ارسل الى اشراف البصرة ليستشيرهم في ترشيح شخص يرونه مناسباً لتولي القضاء ، فعين بعد ذلك عمر بن عثمان التميمي ( 167 ـ 170 هـ / 783 ـ 786 م )(1) ، وعندما تولى الرشيد الخلافة عزل عمر بن عثمان عن قضاء البصرة ، وكتب الى محمد بن سليمان والي البصرة ليستشيره في ترشيح من يراه قديراً بتولي قضاء البصرة ، فرشح محمد بن سليمان كلاً من عبد الوهاب بن عبد الحميد ومعاذ بن معاذ ، ومحمد بن عبد الله الانصاري ، لكن الرشيد فضل تولية معاذ بن معاذ على قضاء البصرة ( 171 هـ / 787 م ) لقرابته من آل عنبر(2) ، فقد كان لآل عنبر مكانة كبيرة في نفوس العامة والخلفاء لعدالتهم وحرصهم على سلامة الامة والرعية وما قدموه من خدمات جليلة في خدمة القضاء ، فكان ذلك اهم اسباب اختياره .

**************************************************************
(1) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 131 .
(2) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 139 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 116 ـ

   واشارت بعض المصادر الا ان السبب الرئيسي في مهاجمة كما ارسل الرشيد ايضاً لوجهاء اهل البصرة لأختيار قاضي منهم بعد عزل عبد الرحمن بن محمد المخزومي عام ( 172 هـ / 788 م ) ، فاراد اختيار هذا الوفد فارسل الى رجل ليدق عنقه ، لكن عمر بن حبيب ، وهو احد اعضاء الوفد قد نهى الخليفة عن ذلك وذكر له احاديث عن جده عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تنهى عن ذلك ، فأعجب الرشيد به وعينه على قضاء البصرة في عام ( 172 ـ 181 هـ / 788 ـ 797 م )(1) ، ولما عزل الخليفة المأمون القاضي عبد الله بن سوار ( 198 هـ / 813 م ) ارسل كتاباً الى واليه على البصرة اسماعيل بن جعفر يستشيره في اختيار قاضي على البصرة وكان الكتاب يتضمن عهداً كاملاً بالقضاء ينقصه اسم القاضي فدأب والي البصرة على استشارة الفقهاء لتنصيب القاضي ، فرشح محمد بن عبد الله الانصاري وولى قضاء البصرة ( 198 هـ / 813 م )(2) .

**************************************************************
(1) التنوخي ، القاضي ابو علي المحسن بن علي ، نشوار المحاضرة واخبار المذاكرة ، ( تح عبود الشالجي ، دار صادر ، بيروت ، 1971 ) ، ج 6 ص 177 ـ 179 .
(2) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 157 ـ 158 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 117 ـ

   ولما توفي القاضي عيسى بن أبان عام ( 200 هـ / 815 م ) ارسل المعتصم لأبن داود(*) يستشيره في رجل يوليه قضاء البصرة ، وأمره بالاستعجال لكن أبن داود لم يستطع أن يسرع في أختيار القاضي المناسب لتولي قضاء البصرة ، فأمره الخليفة في تعيين الحسن بن عبد الله العنبري على قضاء البصرة ( 221 هـ / 816 م )(1) وكان سبب أختياره له هو ان الحسن بن عبد الله كان على المظالم ، فتظلم الناس في فارس اليه لجور محمد بن الجهم صاحب خراج فارس عليهم ، فذهب الحسن بن عبد الله الى الخليفة ليشكيه عما يفعله بالناس ، فأمر المأمون بعزل محمد بن الجهم وكان ذلك بحضرة المعتصم ، لذا عندما اراد المعتصم قاضياً على البصرة عزم على تعيينه(2) ،

**************************************************************
(*) ابو عبد الله احمد بن ابي داود فرج بن جريد بن مالك بن عبد الله بن عباد ابن سلام بن مالك بن نزار بن معد بن عدنان الابادي القاضي ، له مع المعتصم اخبار مأثورة ، وعينه المعتصم قاضياً للقضاة ، وكان ابي داود من المعتزلة القائلين بخلق القرن ، أبقي في منصبه في عهد الواثق لكنه عزل من قبل الخليفة المتوكل ، توفي في سنة ( 240 هـ / 835 م ) ، ابن خلكان ، المصدر السابق ، ج 1 ص 81 ـ 91 .
(1) المصدر السابق ، ج 2 ص 174 .
(2) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 174 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 118 ـ

وفي ايام المتوكل عزل احمد بن رباح عن قضاء البصرة عام ( 239 هـ / 853 م ) فأسند الى والي البصرة اسحاق بن سليمان مهمة تعيين القاضي ، فرشح اسحاق كلاً من محمد بن عبد الله بن ابي شوارب ، ويحيى بن عبد الرحمن الزهري ، وابراهيم بن محمد التيمي ، فأختير الاخير على قضاء البصرة ( 239 ـ 247 هـ / 853 ـ 861 م )(1) .
   ويبدو ان طريقة التعيين هذه من قبل الخليفة لم تتبع طيلة العصر العباسي الاول ، وانما اتبعت في معظم حقبها ، فقد تم تعيين بعض القضاة من قبل الولاة في البصرة ، وهذا يرجع لقوة الوالي ومكانته لدى الخلفاء ، فإذا بحثنا في تولية هؤلاء لوجدنا ان سليمان بن علي الشخصية المقربة من الخليفة ابن العباس ، عين اثنين من القضاة هما طلحة بن أياس العدوي ، وعباد بن منصور ، ثم عين عمر بن عامر ، في خلافة ابي جعفر المنصور(2) ، الا ان القوة التي ميزت هذا الخليفة وتدابيره السياسية طالت دون تدخل الولاة ، فبدأ عهد جديد للقضاة فأصبح القضاء مرتبطاً بالخلافة فعين المنصور سوار بن عبد الله على البصرة(3) ، كذلك نلاحظ ان والي البصرة محمد بن سليمان خلال مدة حكم الخليفة

**************************************************************
(1) المصدر السابق ، ج 2 ص 179 .
(2) خليفة بن خياط ، تاريخ ، ج 2 ص 438 ، وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 55 ـ 56 .
(3) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 57 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 119 ـ

المهدي ( 158 ـ 169 هـ / 775 ـ 786 م ) لم يقدم على تعيين أي قاضي على البصرة ، لكنه في أثناء خلافة الرشيد ( 170 ـ 193 هـ / 786 ـ 809 م ) عين عبد الرحمن المخزومي قاضياً على البصرة(1) ، وهذا يظهر مدى المكانة الكبيرة التي كان يحضى بها لدى الرشيد اولاً ، ولقوة هذا الوالي الذي استطاع من ضم مناطق عديدة ادارياً للبصرة .
   كما عين الوالي اسماعيل بن جعفر القاضي محمد بن عبد الله الانصاري ( 198 هـ / 813 م ) ، وربما جاء هذا التعيين بسبب سوء الاوضاع الادارية في العراق عامة ، بعد انتهاء الصارع الذي عم المنطقة بين المأمون وأخيه الامين لذا الزم الوالي على تعيين القضاة .
   وعندما قامت حركة ابي السرايا ( 199 ـ 200 هـ / 814 ـ 815 م ) وسيطر العباس بن محمد على البصرة أعلن القاضي عبد الله بن محمد عن أعتزاله ، ولزم بيته ، فأستقدم العباس بن محمد القاضي محمد بن عبد الله الانصاري ، وأجبره على تولي القضاء ، لكنه بعد ذلك فر من مجلس القضاء ولم يعد(2) ، فبقيت خلال هذه الحقبة ( 200 ـ 201 هـ / 815 ـ 816 م ) ، اي لمدة سنة كاملة ، بدون قاضي ، لكن بعد ان استطاع المأمون من انهاء هذه الحركة كان الحسن بن السهل هو المسؤول عن العراق ، فعين يحيى بن أكثم على قضاء البصرة عام ( 201 هـ / 816 م )(3) .

**************************************************************
(1) خليفة بن خياط ، تاريخ ، ج 2 ص 501 ، وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 140 ـ 141 .
(2) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 157 .
(3) المصدر السابق ، ج 2 ص 158 .
(4) ابن طيفور ، ابي الفضل احمد بن طاهر الكاتب ، بغداد في تاريخ الخلافة العباسية ، القاهرة ، 1968 ، ص 140 ، وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 161 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 120 ـ

   تولى قضاء البصرة في مدة موضوع البحث ( 132 هـ / 247 هـ ) ما يقارب عشرين قاضياً ، منهم من تولى القضاء لأكثر من مرة ، ويلاحظ ان جميع من تولى القضاء يرجعون لأصول عربية(1) .
   اما عن كيفية عمل القضاة في البصرة فهي لا تختلف عن بقية مناطق العراق ، فبعد ان يتم اختيار القاضي ، وتقليده يصدر ببغداد عهد مكتوب من الخليفة تحدد فيه صلاحيات القاضي ، وواجباته ، فقد ذكر وكيع(2) ان المنصور ارسل الى القاضي عبيد بن الحسن كتاباً حدد فيه صلاحياته ، اما في الحالات المستعجلة فيرسل العهد مكتوباً وصادراً من بغداد ، الا اسم القاضي فهو غير مكتوب ، ويطلب الخليفة من والي البصرة الاسراع في ايجاد من يتولى منصب القضاء ، وكتابة اسمه في كتاب العهد(3) .
   وكان كتاب العهد يتضمن الصلاحيات التي عهدت الى هؤلاء القضاة ، وواجباتهم ، وهي الى حد ما الواجبات الملقاة على عاتقه ، وهي الفصل بين الخصوم(4) ، والنظر في المسائل الشرعية كالزواج ، والطلاق ، والمواريث ، وشؤون اليتامى ، والارامل والمعاملات في السوق(5) ، واستيفاء الحقوق(6) .
   فضلاً عن ما تقدم فقد اشارت المصادر الى ان بعض القضاة في البصرة قد عهد اليهم تولي الصلاة(7) ، وتولى بعضهم الشرطة(8) والصدقات(9) .

**************************************************************
(1) انظر ملحق رقم ( 3 ) .
(2) المصدر السابق ، ج 2 ص 157 ـ 158 .
(3) المصدر السابق ، ج 2 ص 157 ـ 158 .
(4) الماوردي ، الاحكام السلطانية ، ص 88 ـ 89 . ادب القاضي ، ج 1 ص 170 .
(5) الماوردي ، ادب القاضي ، ج1 ص 170 . اليوزبكي ، د . توفيق سلطان ، دراسات في النظم العربية الاسلامية ، مطبعة جامعة الموصل ، 1977 ، ص 157 ـ 158 .
(6) المصدر نفسه والصفحة ، ادب القاضي ، ج 1 ص 170 .
(7) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 91 .
(8) المصدر نفسه ، 2 ص 44 ، 80 ـ 81 .
(9) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 120 ـ 121 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 121 ـ

   اما مجلس القضاء فقد كان يضم فضلاً عن القاضي ، الاعوان والحاجب والكاتب ، والشهود والعدول ، والوكلاء .
   وكانت وظيفة الاعوان جلب المتخاصمين الى مجلس القاضي ، والزام الحاضرين بالصمت والهدوء في اثناء المرافعات(1) ، وجدت هذه الوضيفة في البصرة في العصر العباسي الاول ، فقد نصح القاضي عبيد الله بن الحسن العنبري الخليفة المهدي بالاهتمام بالقضاء وزيادة ارزاق الاعوان والكتاب(2) ، ولابد ان هذه الوظيفة قد استمرت في البصرة لأنه لا يمكن للقاضي النظر في الدعاوي المقدمة له دون مساندة الاعوان في الاشراف على مجلس القضاء(3) .
   اما وظيفة الحاجب هي المحافظة على الهدوء في مجلس القضاء ، وعدم السماح بالدخول الى مجلس القضاء الا الخصوم ، والشهود ، والوكلاء ، وحسب ترتيب حضورهم(4) ، ومن اهم الصفات التي حددت للحاجب هي ان يتصف بالعدالة ، والعفة ، والامانة(5) .
   وكانت مهمة الكاتب تدوين ما يدور في مجلس القضاء من اقوال الخصوم ، والشهود ، وتدوين قرار القاضي ، واشترط الفقهاء لمتولي هذه الوظيفة امور عدة منها ( ينبغي ان يكون عاقلاً لا يخدع ، ويحرص ان يكون فقيهاً . . . نزيهاً بعيداً عن المطامع )(6)

**************************************************************
(1) الطرابلسي ، علاء الدين علي بن خليل ، معين الاحكام فيما يتردد بين الخصمين من الاحكام ، القاهرة ، ( د ت ، 1306 هـ ص 18 ـ 19) .
(2) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 102 .
(3) الانباري ، عبد الرزاق علي ، النظام القضائي في بغداد ، مطبعة النعمان ، النجف ، 1977 ، ص 310 .
(4) السمناني ، ابو القاسم علي بن محمد بن احمد ، روضة القضاة وطريق النجاة ( تح د . صلاح الدين ناهي ، بغداد ، 1970 ) ، ج 1 ص 120 .
(5) الماوردي ، ادب القاضي ، ج 1 ص 204 .
(6) المصدر نفسه ، ص 538 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 122 ـ

وقد ذكر وكيع(1) ان كاتباً كان يدعى الحكم كان يعمل لدى القاضي سوار بن عبد الله ، وبعد وفاة سوار استمر هذا الكاتب بالعمل للقاضي عبيد الله بن الحسن .
   اما الشهود العدول فهم من يختارهم القاضي لأدلاء شهادتهم امامه في مجلس القضاء(2) ، ويشترط بالشاهد ان يكون راشداً ، متضبطاً عاقلاً ، عادلاً ، ومسلماً وحراً ، وبعيد عن التهمة(3) ، ولحرص القاضي على كون هذه الصفات هي موجودة فعلاً في الشاهد المتقدم اليه ليدلي بشهادته ، عمل قضاة البصرة على عدم قبول شهادة العدل حتى يسأل عنه فاذا طعن احد بهم رفعت شهادته(4) ، فقد ذكر وكيع(5) ان سوار بن عبد الله كان يذهب ليلاً على دابة ، ويسأل الفقهاء والاشراف عن سمعة اخلاق الشخص الذي يريد الادلاء بشهادته فأن لم يطعن احد به قبل سوار شهادته .
   كما كان القاضي يجيز شهادة الشاهدان دون السؤال عنهما ، اذا كان احدهما من المعروفين بفقهه وورعه ، فيذكر ان سواراً قدم مع شخص الى القاضي بلال بن ابي بردة لأدلاء شهادته له فقبل بلال بشهادة الرجل الآخر بضمانة سوار(6) .

**************************************************************
(1) المصدر السابق ، ج 2 ص 115 .
(2) ابن الجوزي ، الاذكياء ، القاهرة ، 1970 ، ص 68 .
(3) السمناني ، المصدر السابق ، ج 1 ص 200 . ابن جزي ، محمد بن احمد بن محمد ، كتاب القوانين الفقهية ، طبعة جديدة عن طبعة فاس ، مطبعة لبنان ، د . ت ، ص 264 .
(4) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 8 .
(5) المصدر نفسه ، ج 2 ص 83 .
(6) المصدر نفسه ، ج 2 ص 87 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 123 ـ

   وغالباً ما يرفض القضاء شهادتهم اذا كانوا من ذوي سلوك غير سوي أو خالفوا الشريعة الاسلامية في تصرفاتهم ، حيث ان القاضي سواراً كان لا يجيز شهادة شارب الخمر(1) ، وسأل معاذ بن معاذ عن رجل يريد الادلاء بشهادته فقيل عنه انه كان يدخل الحمام بغير مئزر فرفض معاذ شهادته(2) ، كما رفض سوار شهادة الرجل الواحد حتى أنه تعرض لهجاء احد المتخاصمين(3) .
   الا انه في بعض الاحيان قد يسأل عن الشاهد فلا تعطى المعلومات الصحيحة عنه ، فيحدث أن يشهد عن القاضي شهود لا يحملون صفات الشاهد العدل ، فتحدث شهادة الزور ، وفي تاريخ البصرة حدثت مثل هذه الحالات فالقاضي خالد بن طليق حبس رجلاً بعد ان ثبتت عليه شهادته للزور(4) ، وضرب القاضي يحيى بن اكثم رجلاً شهد زوراً في المسجد ، ثم أمر أعوانه بأخذه للناس ليتجنبوا شهادته فيما بعد(5) ، وكان أصحاب الشهادات الزور يشهدون مقابل مبالغ مالية تؤدى لهم مقابل تزويرهم لأقوالهم ، فقد كان بالبصرة أناس يمتهنون هذا العمل ، لقاء مبالغ تقدر بدرهمين او ثلاثة دراهم او خمسة دراهم(6) ،

**************************************************************
(1) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 83 .
(2) المصدر نفسه ، ج 2 ص 153 .
(3) المصدر نفسه ، ج 2 ص87 .
(4) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 125 .
(5) الذهبي ، ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، ( تح : علي محمد البجاوي ، دار احياء الكتب العربية ، ط 1 ( القاهرة ، 1963 ) ) ج 3 ص 400 .
(6) الاصبهاني ، لأبي القاسم حسين بن محمد الراغب ، محاضرات الادباء ومحاورات الشعر والبلغاء ، منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت ، د . ت ، ج 1 ص 203 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 124 ـ

ولكن يبدو ان هؤلاء الشهود كانوا معروفين لدى القضاة ، فقد كانت عيون للقاضي ترصد لهم أصحاب الشهادات الزور ، فيأخـذ القضاة أجراءاتهم بالقبض عليهم قبل أدلائهم بشهاداتهم(1) .
   أما الوكيل فهو الشخص الذي يتولى مهمة الدفاع عن موكله لقاء مبلغ معين من المال(2) ، وهي مهمة المحامي في الوقت الحاضر(3) ، ولم نجد في المصادر ما يغني هذه المهنة في هذه المدينة الا ما ذكره الطرابلسي بأنه لما ولى عيسى بن ابان قضاء البصرة عام ( 211 هـ / 826 م )(4) ( قصده اخوان كانا ممن يتوكلان في ابواب القضاة فادعى احدهما على الآخر )(5) .
   أما مجلس القضاء في البصرة فكان يعقد في دار الامارة ، مجلس سوار بن عبد الله للناس فيها ، وأخذ يقضي بينهم(6) ، وجلس القاضي عبيد الله بن الحسن من بعده في هذه الدار ، وكانت الدار في هذه الحقبة مائلة للسقوط(7) ، وبعد ان هدم الرشيد هذه الدار(8) ، أنتقل مجلس القضاء الى المسجد ، وأصبح القضاة يجلسون للخصوم فيه(9) ،

**************************************************************
(1) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 125 .
(2) الانباري ، المرجع السابق ، ص 292 .
(3) جواد ، مصطفى ، هامش المختصر المحتاج اليه ، ج 1 ص 9 . هامش رقم 3 .
(4) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 170 .
(5) الطرابلسي ، المصدر السابق ، ص 26 .
(6) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 79 .
(7) المصدر نفسه ، ج 2 ص 117 .
(8) البلاذري ، فتوح البلدان ، 3 / 348 .
(9) الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج 3 ص 400 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 125 ـ

وهناك من اتخذ بيته للقضاء بين الناس كالقاضي عيسى بن أبان الذي كان يحكم في داره(1) .
   أما عن أرزاق القاضي ، فقد قيل أن سوار بن عبد الله كان يتقاضى مائتي درهم(2) ، وكان رزق القاضي عبيد الله بن الحسن مثله(3) ، وعلى ما يظهر ان ارزاق القاضي قد ازدادت فيما بعد ، فكتاب عبيد الله بن الحسن الى الخليفة المهدي يدل على ان راتب القاضي كان لايكفي له ، فقد طالب الخليفة بزيادة أرزاق القاضي واعوانه وكتابه(4) ، اما القاضي عيسى بن ابان فلم يقبل ان يأخذ على قضائه مالاً فقد ( . . . كان ذا مال قبل ولايته فمات وما ورث ولده شيئاً وقال : لو وليت كل رجل يفعل في ماله ما افعل في مالي حجرت عليه ) (5) .
   اما عن ارزاق كاتب القاضي فلم ترد لنا معلومات عنها سوى ما ذكر في رواية للجهشاري ان ( لسوار القاضي بالبصرة من قبل ابي جعفر كاتبان ، رزق أحدهما أربعون درهماً ، ورزق الآخر عشرون درهماً ، فكتب اليه سوار يسأله التسوية بينهما ، فنقص صاحب الاربعين عشرة دراهم ، وزادها صاحب العشرين وانما أراد سوار ان يلحق صاحب العشرين بصاحب الاربعين ) (6) .

**************************************************************
(1) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 172 .
(2) المصدر نفسه ، ج 2 ص 86 .
(3) المصدر نفسه ، ج 2 ص 121 .
(4) المصدر نفسه ، ج 2 ص 102 .
(5) المصدر نفسه ، ج 2 ص 171 ـ 172 .
(6) الجهشاري ، المصدر السابق ، ص 78 ـ 79 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 126 ـ

   كان هناك قاضي واحد لمجلس القضاء مهما كان مذهبه ، لكن تذكر المصادر بوجود أكثر من قاضي واحد في البصرة في مدة واليها سليمان بن علي الذي عين قاضيين يشتركان معاً في الحكم هما سوار ابن عبد الله ، وعمر بن عامر في عام ( 137 هـ / 754 م ) (1) .
   وعلق ابن الجوزي (2) على هذه الظاهرة بانها كانت فريدة من نوعها في تاريخ القضاء بقوله ( لم يشترك في القضاء بين احد قط ، الا بين عبيد الله بن الحسن العنبري (*) وبين عمر بن عامر على قضاء البصرة ، وكانا يجتمعان جميعاً في المجلس ، وينظران جميعاً بين الناس . . . ) .
   اما بالنسبة لطريقة قضائهما معاً فقد كانت تسير على ان القاضي ( عمر بن عامر يكلم الخصوم وسوار ساكت ) (3) وعلى ما يبدو انهم من الاستماع ، والاستفسار يبدأون في المشاورات معاً ليتخذا قرارهما في القضية المقدمة أمامهم ، ولكن هذه الظاهرة لم تستمر فقد قام سليمان بن علي بعد مدة بعزل احدهما وهو سوار بن عبد الله وابقاء عمر بن عامر على القضاء ، وذلك لأختلاف كل منهما في قراره حول القضية المقدمة امامهم (4) .

**************************************************************
(1) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 55 ، خليفة بن خياط ، المسابق ، ج 2 ص 438 .
(2) كتاب الاذكياء ، ص 69 .
(*) المقصود هنا القاضي سوار بن عبد الله وليس عبيد الله بن الحسن العنبري علماً ان الاخير لم يول القضاء الا في سنة 156 هـ اي بعد وفاة سليمان بن علي والي البصرة .
(3) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 55 .
(4) المصدر نفسه والصفحة .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 127 ـ

المؤرخين ان الشرطة ترجع في مهامها للقضاء ، لأنها مسؤولة على القاء القبض على المتهمين ، واجبارهم على تنفيذ اوامر القضاة ، والاشراف على السجون وحماية الوالي(1) .
   وكان اختيار صاحب الشرطة يتم من بين اصحاب النفوذ ، واهل العصبية ، والقوة والمكانة المميزة بين المجتمع(2) ، فقد ذكرت المصادر اسماء بعض من تولى الشرطة في هذه المدينة ، منهم نعيم بن ثولاء الذي تولى شرطة البصرة لسليمان بن علي(3) ، وشبيب بن شيبة ( 14 هـ )(*) .
   وحفص بن النظر السلمي ( 141 هـ / 757 م ) ، وكان على شرطة سوار ابن عبد الله عندما عين اميراً على البصرة(4) ، وجابر بن حماد كان على شرطة سفيان بن معاوية عام ( 145 هـ / 761 م )(5) واما على

**************************************************************
(1) الكاتب ، ابو الحسن اسحق بن ابراهيم ، البرهان في وجوه البيان ، ( تح ، احمد مطلوب ، ود . خديجة الحديثي ، مطبعة العاني ، ط 1 ، بغداد ، 1967 ، ص 393 . حسن ، تاريخ الاسلام ص 207 . الحديثي ، د . قحطان ( تنظيمات الشرطة في العصر العباسي ، مجلة المربد ، ع 1 ، س 1 ، 1968 ) ، ص 183 .
(2) ابن خلدون ، المقدمة ، ص 251 . حسن ، تاريخ الاسلام ، ج 2 ص 207 .
(3) الذهبي ، المشتبه في الرجال ، ج 1 ص 104 .
(*)هو ابو معمر شبيب بن شيبة الخطيب المنقري البصري ، نشأ في المدينة والبصرة ثم انتقل الى بغداد ، تولى شرطة البصرة لتسعة ايام ، انظر : وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 6 ، الخطيب البغدادي ، المصدر السابق ، ج 9 ص 274 . ابن الجوزي ، المنتظم في تاريخ الملوك والامم ، مخطوطة في المجمع العلمي العراقي ، ج 8 رقم 779 ورقة 122 ، ابن زرعة ، عبد الله بن عبد الكريم ، والرازي محمد بن ادريس ، الضعفاء والكذابون والمتروكون من اصحاب الحديث ، مخطوطة في المجمع العلمي العراقي ، ج 1 رقم 907 ، مجهول ، تراجم الصحابة ، مخطوطة رقم 341 ، ورقة 122 .
(4) خليفة بن خياط ، تاريخ ، ج 2 ص 446 ، الازدي ، المصدر السابق ، ص 173 .
(5) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 633 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 128 ـ

شرطة ابراهيم بن عبد الله بعد قيام حركته في عام ( 145 هـ / 762 م )(1) كلاً من نميلة بن مرة(*) ، ومعاوية بن حرب الهلالي(2) .
   كما تولى ايضاً سعيد بن دعلج احداث البصرة(3) ، وعقبة بن مسلم الهنائي ايضاً تولي منصب صاحب الشرطة(4) ، وكان اسماعيل بن جعفر والي البصرة محمد بن حرب(5) ويزيد بن سلم على شرطة سلم بن قتيبة عام ( 145 هـ / 762 م )(6) ويبدو ان سبب هذا الاختيار هو لأعطاء صاحب الشرطة القوة والنفوذ في المحافظة على الامن والنظام ، والقبض على المتهمين بدعم السلطة المركزية .
   وكان صاحب الشرطة يختار اعوانه من ابناء عمومته وافراد قبيلته(7) ، وقد يظهر ان يستغل صاحب الشرطة مركزه في

**************************************************************
(1) مجهول ، العيون والحدائق ، ج 3 ص 251 ـ 256 .
(*) نميلة بن مرة بن عبد العزى بن بشر بن اوس بن عمرو بن حابس بن مؤلة بن عتبة بن عميرة بن ملادس بن عشمش ، كان على شرطة ابراهيم ايام قيامه بالبصرة ثم صار من شرطة المنصور ، ابن حزم ، المصدر السابق ، ص 215 ـ 216 .
(2) مجهول ، العيون والحدائق ، ج 3 ص 252 .
(3) ابن الاثير ، الكامل في التاريخ ، ج 6 ص 11 .
(4) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 59 ـ 60 .
هو عقبة بن سلم بن نافع بن هلال بن اهبان بن هراب بن عائذ بن خنزير بن اسلم بن هناءة من رجال هناءة في الاسلام ابن دريد ، ابي بكر بن محمد بن الحسن بن دريد ، الازدي ، كتاب الاشتقاق ، ( تح عبد السلام محمد بن هارون ، مكتبة المثنى ، ط 2 ، بغداد ، 1979 م ) ، ج 2 ص 498 .
(5) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 159 .
(6) ابن خياط ، تاريخ ، ج 2 ص 462 .
(7) اليوزبكي ، المرجع السابق ، ص 157 ـ 159 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 129 ـ

الولاية معتمداً على ما حصل عليه من دعم الدولة ، ما ظهر بين النزاع الذي نشب بين عقبة بن سلم الهنائي عامل ابي جعفر على معونة البصرة(*) ، وبين القاضي سوار بن عبد الله ، عندما استولى عقبة على جوهرة احد الصيادين وحبسه بعد ذلك في السجن فذهبت زوجته للقاضي سوار بن عبد الله وطلبت منه اطلاق سراح زوجها ، فارسل القاضي صاحب الشرطة يأمره بأخلاء سبيل التاجر ، لكن عقبة بن سلم رفض طلب القاضي ، فوجه سوار اليه كتاباً جاء فيه ( والله لئن لم تطلق الرجل وترد عليه جوهرته لأتينك في ثياب بياض ماشياً ولأدمرن عليك بغير سلاح ولا رجال ولأقتلنك قتلة يتحدث الناس بها )(1) فما كان من صاحب الشرطة الا ان نفذ امر القاضي واطلق سراح الرجل .
   ويبدو انه ونظراً لأضطراب الحياة السياسية بالبصرة ، في بعض الاحيان في العصر العباسي ، وذلك من جراء الحركات التي ظهرت فيها ، او التي تعرضت لها ، فالراجح ان صاحب الشرطة بالبصرة كان يشارك في الدفاع عن المدينة اثناء قيام حركة تهدد الاستقرار والامان في المدينة ، فقد ذكر بعض المؤرخين ان البصرة تعرضت عام ( 141 هـ / 773 م ) الى فتنة الزنج(*) ، عندما ظهر فيها ما يقارب العشرين رجلاً منهم تجمعوا عند دار عقبة بن سلم ، واعلنوا عن عصيانهم واظهروا الخلع(2) ،

**************************************************************
(*) المعونة ، المراد بها هنا الشرطة ، وصاحب المعونة هو صاحب الشرطة ، ودار المعونة ، دار الشحنة ، او البوليس ، هامش اخبار القضاة لوكيع ، ج 2 ص 59 ـ 60 .
(1) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 59 ـ 60 .
(*) ظهرت في البصرة ثلاث حركات للزنج الأولى في زمن الحجاج والاخرى في زمن الخليفة ابو جعفر المنصور عام 141 هـ والتي نحن بصدد دراستها ـ والاخرى ظهرت في عام 275 .
(2) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 60 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 130 ـ

فخرج اليهم صاحب الشرطة ، وهو حفص بن نظر السليمي(*) ، وكان على شرطة سوار بن عبد الله ، فحاربهم وتمكن من القضاء عليهم بقتل اعداد منهم ، ففر الباقون ، وبذلك اسهم صاحب الشرطة في الحفاظ على الامن والنظام في البصرة فاستحسن الخليفة المنصور عمله هذا واثنى عليه(1) .
   ان معلوماتنا عن الشرطة بالبصرة في هذه الحقبة التي نحن بصدد دراستها قليلة حيث اننا لا نعلم شيئاً عن تنظيمهم او عددهم ، وما يدفع لهم من رواتب ،

**************************************************************
(*) ذكره خليفة بن خياط ، تاريخ ، ج 2 ص 446 ، الازدي، المصدر السابق ، ص 173 ، لكن وكيع يذكر صاحب الشرطة كان شبيب بن شيبة ، ج 2 ص 60 .
(1) وكيع ، المصدر نفسه والصفحة .