البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 47 ـ

اولاً : حركة ابراهيم بن عبد الله(*) ( 145 هـ / 762 م )

   تعد هذه الحركة من اخطر الحركات العلوية التي واجهها المنصور ابان خلافته ، ومن اقوى الحركات التي ظهرت في البصرة في العصر العباسي الاول ، والتي استطاعت من اخضاع البصرة كلياً لنفوذها ، وتهديد مركز الخلافة في الكوفة .
   لم تكن حركة ابراهيم في بداية نشوئها حركة مستقلة ، بل كانت مرتبطة بحركة اخرى كانت هي المحرك الاساسي لها ، وهي حركة اخيه محمد ( ذو النفس الزكية ) (**) التي اعلن عن قيامها في المدينة عام ( 145 هـ / 762 م ) .

**************************************************************
(*) ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب ( ع ) ، ويكنى ابى الحسن كان يسكن الحجاز ، اشتهر بعلمه وشجاعته وحسن شعره ، الاصفهاني ، مقاتل الطالبين ، ص 210 ـ 211 .
(**) محمد بن عبد الله بن الحين بن علي بن ابي طالب ( ع ) ، احد اشراف البيت العلوي ، حاول والده اخذ البيعة له في المدينة بعد ان احس بضعف الدولة الاموية ، لكنه لم يستطع تحقيق ذلك ، وبعد تسلم العباسيين السلطة تخلف هو واخوه ابراهيم عن بيعة ابو العباس ، وثم اخيه المنصور ، ثم اختفيا عن الانظار ، فأحس المنصور بخطرهما فقبض على ابيهما عبد الله بن الحسن ، فأعلن محمد بن عبد الله عن حركته في المدينة عام ( 145 هـ / 763 م ) ، فأرسل اليه ولي عهده عيسى بن موسى ، الذي تمكن من قتله وبعث برأسه الى الخليفة وكانت بينه وبين المنصور مراسلات وكتب عدة اشاد كل منهما بأجداده ، انظر : الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 552 فما فوق . الاصفهاني ، مقاتل الطالبين ، ص 157 فما فوق .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 48 ـ

   ساعد محمد ( ذو النفس الزكية ) على التمهيد لقيام حركة اخيه في البصرة ، عندما قدم اليها معه في عام ( 142 هـ / 759 م ) ، قبل ان يتخذها ابراهيم مقراً له ، فأخذ يدعو الناس الى بيعته ، متنقلاً في بيوتاتها (1) .
   وحاول محمد ( ذو النفس الزكية ) اثناء وجوده في البصرة استمالة بعض فقهائها وعلمائها ، ومن ضمنهم عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة في البصرة آنذاك ، الذي اعرب عن رفضه لتأييده ، مفضلاً الابتعاد عن السياسة (2) ، لكن رفض عمرو بن عبيد الاستجابة لدعوة محمد لم تثنه على الاستمرار في بث دعوته مع اتباعه الاربعين متخذاً من بني راسب بالبصرة مقراً له (3) .
   وكان المنصور قد ارسل عيونه في الارجاء كافة بحثاً عنهما منذ اختفائهما في المدينة ، فوصلت اليه اخبار اقامتهما في البصرة ، لذا توجه اليها في عام ( 142 هـ / 759 م ) (4) ، ليرقب الوضع عن كثب هناك ، لكن قبل وصول الخليفة غادر محمد واخوه البصرة (5) ، وعلى ما يبدو انهم استطاعوا فيها ضم بعض البيوتات لهما ، والتي مهدت لقيام حركة ابراهيم فيما بعد .
   اثناء اقامة الخليفة في البصرة ، ارسل الى عمرو بن عبيد لمعرفته بلقائه مع محمد ( ذو النفس الزكية ) ، وسأله ان كان قد بايعه ، لكن عمرو نفى هذه التهمة قائلاً له ( والله لو قلدني الناس امرهم على ان اختار لهم اماماً مااخترته (6) فكيف ابايع محمداً ) ، فاطمئن المنصور لسماع ذلك .

**************************************************************
(1) البلاذري ، انساب الاشراف ، ( تح الشيخ محمد باقر المحمودي ، دار التعارف للمطبوعات ) ط 1 ، بيروت ، 1977 ، ج 2 ، ص 122 . الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 521 .
(2) البلاذري ، انساب الاشراف ، ق 3 ص 231 . مجهول ، العيون والحدائق ، مكتبة المثنى ، مطبعة بريل ، ليدن ، 1871 م ، ج 3 ص 235 .
(3) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 521 .
(4) المصدر نفسه والصفحة .
(5) المصدر نفسه ، ج 7 ص 522 .
(6) البلاذري ، انساب الاشراف ، ق 3 ص 233 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 49 ـ

   وللأطمئنان على سير الاوضاع هناك ، بقي المنصور في البصرة ما يقارب الشهر ، وخلال هذه المدة امر عامله على الفرات والابلة ، وهو سلمة بن سعيد بن جابر ان يبني قبة لأهل البصرة فبنى لهم القبلة التي يصلون اليها في عيدهم بالحمان (1) .
   لكن يبدو ان الهدوء الذي عم ارجاء البصرة اثناء وجود الخليفة ، كان عكس ما تنبأ به المنصور ، خاصة وان المعلومات التي وصلت اليه تؤكد حصول محمد على تأييد العديد من الاتباع فيها ، لذلك كان يقول : ( ما طمعت في بغية قط اذا ذكرت مكان بني راسب في البصرة ) (2) ، لذا ارسل المنصور مرة اخرى الى عمر بن عبيد ليستفسر منه على طبيعة الموقف ، قائلاً له ( هل بالبصرة احد نخافه على امرنا ؟ ) (3) ، فأجابه عمرو ( بعدم وجود ما يبرر خوفه هذا ) (4).
   لكن الخليفة كان يخشى من مساندة عمرو بن عبيدة لدعوة محمد ( ذو النفس الزكية ) بسبب مكانته الكبيرة بين اهالي البصرة ، وهذا ما اشار اليه احد البصريين بقوله لعمرو ( لو دعوت محمد لأجابوك ثلاثون الفاً ) (5) ، ففكر الخليفة قبل خروجه من البصرة ، اختبار موقف عمرو بن عبيد لذا ( كتب المنصور على لسان محمد كتاباً الى عمرو ، فلما قرأه قال للرسول : قل له دعنا كافاك الله نعيش في هذا الظل ، ونشرب هذا الماء البارد ، حتى يأتينا الموت فرجع الرسول الى المنصور ، فأخبره ، فقال هذه ناحية كفيناها ) (6) ، فأطمئن المنصور على الاوضاع في البصرة فغادرها ، عائداً الى مقره في الانبار .

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 513 .
الحمان : محلة في البصرة سميت بأسم قبيلة بني حمان بن سعد بن زيد مناة بني تميم واسم حمان هو عبد العزى . ياقوت ، معجم البلدان ، ج 2 ص 300 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ص 212 .
(3) المصدر نفسه ، ج 7 ص 522 .
(4) المصدر نفسه والصفحة .
(5) المصدر نفسه والصفحة .
(6) مجهول ، العيون والحدائق ، ج 3 ص 235 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 50 ـ

   عندما غادر محمد واخوه البصرة توجها الى عدن ، ثم الى السند ، وعادا بعد ذلك الى العراق فوصلا الكوفة ، واخيراً توجه محمد الى المدينة (1) ، وهناك بقي فيها الى ان اعلن عن حركته في عام ( 145 هـ / 762 م ) .
   اما ابراهيم فقد اختار البصرة مقراً لحركته فتوجه اليها متخفياً يجمع الاتباع لأخيه ، وينتظر ورود انباء محمد للحركة ، لذلك كان عليه اتخاذ اجراءات جديدة تمكنه من كتمان انباء قدومه الى مسامع الخليفة لا سيما وانه تعرض سابقاً لملاحقات مستمرة من قبل السلطة المركزية (2) ، لذا كان عليه الانتقال بصورة دائمية بين قبائل البصرة ، فكان اول مقامه في منزل المغيرة بن فزع من قبيلة تميم ، ثم انتقل الى بني راسب ، واستمر بعد ذلك في التنقل (3) ، فكانت هذه الاجراءات عاملاً مهماً في نجاح دعوة ابراهيم في بقاءه بعيداً عن الانظار وقد احس الخليفة بصعوبة ايجاده لذلك كان يقول ( غمض علي امر ابراهيم لما اشملت عليه طفوف البصرة ) (4) .
   وقبل الخوض في تفاصيل حركة ابراهيم ، من الضروري تحديد اسباب اختياره مدينة البصرة مقراً لبث دعوته :
   ان الاستعداد السابق الذي ابداه اهالي البصرة لمبايعة عبد الله بن علي بالخلافة ، وتحفيزه على الثورة ضد الخليفة ، كان حافزاً كبيراً لأبراهيم لبث الدعوة فيها ، بعد ان رأى ان هناك مرونة واستجابة قد تتكرر في حركته (5) ، كما ان الاتجاه الحيادي للبصرة جعل منها هدفاً للحركات المعارضة للسلطة المركزية (6) ، يساعده في ذلك التنوع السكاني في البصرة ، ووجود القبائل القوية (7) فيها الذي جعلها بمثابة السلطة الداخلية والمحركة لها ، لذلك لم تجد فيها جيوش مرتبطة مباشرة بالخلافة

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 522 .
(2) اليعقوبي ، التاريخ ، ج 3 ص 116 . ابي الفداء ، المختصر ، ج 2 ص 3 .
(3) البلاذري ، انساب الاشراف ، ج 2 ، ص 122 .
(4) الاصفهاني ، مقاتل الطالبين ، ص 212 .
(5) العاني ، المرجع السابق ، ص 146 .
(6) فوزي ، العباسيون الاوائل ، ج 1 ص 145 .
(7) فوزي ، تاريخ العراق ، ص 74 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 51 ـ

او قوات خارجية محصنة لها (1) ، وهذا يساعد ابراهيم لنشر دعوته اذا ما حصل على تأييد بعض افرادها له ، وما يؤكد ذلك هو نصيحة اسحاق بن مسلم العقيلي للمنصور بأرسال اربعة آلاف من جند الشام الى البصرة ، خشية من ظهور ابراهيم فيها (2) ، فقد اكد عليه ارسال قوات خارجية الى البصرة بسبب خلوها من رجال الخلافة غير المنتسبين الى قبائل البصرة(3) ، فضلاً عن ان موقع البصرة البعيد عن عاصمة الخلافة كان يمنع لأي حركة فيها حصانة كبيرة ، واخيراً فأن التمازج الفكري للبصرة الذي تكون بفعل موقعها الجغرافي جعلها موطناً لكثير من المذاهب والحركات ، حيث انتقل اليها العديد من الامم والاجناس بفعل الثراء الذي اصابها(4) من جراء التجارة مع العالم الخارجي ، مما ادى الى دخول العديد من الافراد سواء من التجار او الوافدين اليها للعمل ، ومن ثم انتقلت افكارهم من خلال الاختلاط فيما بينهم ، لذلك كانت البصرة في هذه المدة مركزاً لنشر الفقه والعلوم الدينية ، وملجأ للعلماء والفقهاء .
   كانت المهمة الاساسية لأبراهيم في البصرة هي كسب اكبر عدد ممكن من الاتباع سراً لأخيه محمد ( ذي النفس الزكية ) ، لكنه بعد ذلك اخذ يدعوا لنفسه عندما وصلت اليه انباء اخيه(5) ، فتمكن من جمع عدد كبير من الاتباع بلغوا ما يقارب اربعة آلاف(6) .
   فبايعه في البصرة عدد كبير من اشرافها ، ومنهم نميلة بن مرة ، وعفو الله بن سفيان ، وعبد الواحد بن زياد ، وعمر بن سلمة الهجيمي ، وعبيد الله بن يحيى الرقاشي(7) ،

**************************************************************
(1) فوزي ، تاريخ العراق ، ص 74 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 629 .
(3) المسعودي ، ابي الحسن علي بن الحسين بن علي ، مروج الذهب ، ( تح محمود محي الدين عبد الحميد )، المكتبة الاسلامية ، بيروت ، د . ت ، ج 3 ص 306 ـ 307 .
(4) فوزي ، تاريخ العراق ، ص 75 .
(5) المصدر نفسه ، ج 3 ص 308 . ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج 5 ص 563 . ابن الوردي ، المصدر السابق ، ج 1 ص 265 . ابن كثير ، المصدر السابق ، ج 10 ص 91 .
(6) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 628 .
(7) الاصفهاني ، مقاتل الطالبين ، ص 212 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 52 ـ

كما حصل على تأييد بعض علماء وفقهاء البصرة له ، وهم معاذ بن معاذ(*) ، وعباد بن عوام ، واسحاق بن يونس الازرق وغيرهم(1) ، وايدته بعض المعتزلة والزيدية في البصرة(2) .
   وهنا يمكن ان يثار سؤال كيف استطاع ابراهيم من الحصول على هذا الكم من الاتباع ؟ وهل ان هذا التأييد من الفقهاء كان يمثل كل الدوافع الحقيقية لمساندة دعوته ؟
   في واقع الامر ان وقوف الفقهاء بموقف الضد من السلطة العباسية خاصة في بداية امرها ، مرده عدم فهمها للواقع العملي الذي انتهجته الخلافة العباسية لتثبيت سلطتها وهو التجاوب الذي ابدته مع الحركات والاطراف الاخرى جميعها في بداية دعوتها مثل الحركة الراوندية وغيرها(3) .
   ولا يخفى ان الفقهاء ( كانوا في العادة بعيدين عن السلطة ، مع تأثيرهم الواسع في المجتمع ، وهذا اكد النقد ضد السلطة ، وكان سبباً في الدعوة الى الرجوع الى كتاب السنة في برامج الثورات) (4) .
   لذا اتخذ الفقهاء موقفاً معارضاً لسياسة الخلفاء العباسيين ، في الامصار كافة ، ومن ضمنها البصرة ، لكن هذا الموقف المضاد من جانب الفقهاء قد ازيل فيما بعد عندما وضحت السياسة العباسية شعاراتها التي اخذت تندد بالحركات المتطرفة

**************************************************************
(*) وهو ابن حسان بن الحر بن مالك بن الخشخاش بن جناب بن الحارث ابن خلف بن الحارث بن مجفر بن كعب بن العنبر بن تميم ، ويكنى ابا المثنى ، ولي قضاء البصرة في عهد الخليفة هارون الرشيد وتوفي في سنة 196 هـ / 811 م . ابن سعد المصدر السابق ، ج 7 ص 293 . الذهبي ، تاريخ الاسلام ، مخطوط في مكتبة الاوقاف العامة ، بغداد ، برقم 5882 ورقة 228 م .
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 634 .
(2) الاشعري ، ابو الحسن علي بن اسماعيل ، مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين ، ( تح محمد محي الدين عبد الحميد ) ، مكتبة النهضة المصرية ، ط 1 ، القاهرة ، 1950 م ، ج 1 ص 145 . المسعودي ، مروج الذهب ، ج 3 ص 308 .
(3) الدوري ، عبد العزيز ، العصر العباسي الاول ، مطبعة النفيض ، بغداد ، 1944 ، ص 88 ـ 89 . فوزي ، الخلفاء والفقهاء ، مقال في مجلة المورد ، ع 12 س 5 ، 1980 ، ص 28 .
(4) الدوري ، مقدمة في التاريخ الاقتصادي العربي ، دار الطليعة ، د 4 ، بيروت ، 1982 ، ص 52 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 53 ـ

والهدامة(1) ، وهذا ما نراه في موقف الخلفاء من الحركات الشعوبية والزندقة ومحاولتهم القضاء عليها .
   اما السبب الآخر في مساندة بعض اهل البصرة لحركة ابراهيم هو ما اشار اليه الذهبي بقوله ( ثم اختفى بالبصرة ـ اي ابراهيم ـ فجعل يدعو الناس فيستجيبون له لشدة بغضهم المنصور لبخله وتعسفه ) (2) ، فالمجتمع البصري كان مجتمعاً تجارياً مارس هذه المهنة ، وتعود على حرية التجارة .
   والنظام الاقتصادي في العصر العباسي كان قائماً على الضرائب ، وللخليفة السلطة المطلقة على بيت المال ، فكان للخلفاء حرية التصرف بالاموال فأصبح هذا عامل من عوامل استياء الفقهاء والعامة(3) ، فلابد ان يكون لهذا النظام اثره السيء على البصرة وهي المجتمع التجاري .
   فالنص يبين ان مساندة بعض اهالي البصرة لحركته لم تكن بدافع تأييدهم لدعوته ، وانما كان سبب خلافهم مع المنصور ، وهذا يعني ان قيام اي حركة اخرى غير حركة ابراهيم ، ستلاقي الترحيب نفسه بالبصرة ، بغض النظر عن اطر هذه الدعوة ، واذا ساندت البصرة دعوة ابراهيم العلوي ، فقد ساندت من قبله عبد الله بن علي ، وهو المنصور من الاسرة العباسية الصرفة .
   كما ان حركة ابراهيم واجهت في الوقت نفسه رفظاً من بعض اهالي البصرة وفقهائها ، اوالامتناع عن تأييدها فالقاضي سوار بن عبد الله العنبري ، وهو قاضي البصرة ، اعتزل القضاء بعد قيام حركة ابراهيم(4) ، وهو اعلان صريح من جانبه بعد تأييدها ،

**************************************************************
(1) فوزي ، الخلفاء والفقهاء ، ص 28 .
(2) الذهبي ، تاريخ الاسلام ، ج 6 ص 22 .
(3) رضا ، محمد سعيد ، الآثار السياسية والاجتماعية لنظام المصادرات في العصر العباسي ، مقال في مجلة كلية الآداب ، جامعة البصرة ، ع 12 ، س 10 ، 1977 ، ص 62 ـ 63 .
(4) البلاذري ، انساب الاشراف ، ج 2 ، ص 124 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 54 ـ

كما ان هشام بن حسان ابا عبد الله(*) ، قد رفض الانظمام الى اتباع ابراهيم ، عندما طلبوا منه الخروج معهم (1) ، اما سعيد بن ابي عروبة (**) ، وهو من حفاظ البصرة فلم يعلن عن قيامه بأي نشاط معادي للسلطة المركزية بقوله ( ماارى بأساً ان يدخل رجلاً منزله ، فإذا دخل عليه داخل قاتله ) (2) ، كذلك اعلن عبد الله بن عون (***) ، عن رفضه لمساندة ابراهيم في البصرة (3) ، ونظراً لمكانة الفقهاء في المجتمع ، فلا بد ان يكون لهم من يؤيدهم من الاهالي ، وهذا يعني ان هناك اعداداً لا بأس بها قد اتخذت نفس موقف هؤلاء الفقهاء من هذه الحركة .
   لكن على الرغم من وجود بعض المعارضين لحركة ابراهيم ، الا انهم لا يشكلون الا جزءاً قليلاً من اتباعه في البصرة لا سيما بعد ان عمل على توسيع نطاق حركته بنقل مقره الى وسط البصرة ليسهل عليه الاتصال بأنحائها كافة ، لذا تحول ابراهيم الى دار ابي مروان مولى بني سليم في مقبرة بني يشكر (4) .

**************************************************************
(*) هو هشام بن حسان الازدي القردوسي البصري ، سمي بالقردوسي لمنزله في القراديس ، اشتهر بحفظه للأحاديث ، توفي في عام ( 148 هـ / 765 م ) ، انظر : ابن حجر العسقلاني ، تهذيب التهذيب ، 1968 ، ج 11 ص 34 .
(1) الازدي ، المصدر السابق ، 1892 .
(**) واسمه مهران العدوي ، مولى بني عدي بن يشكر ، كان من الحفاظ ، روى عن العديد من الفقهاء ، اختلف المؤرخون في سنة وفاته مابين ( 155 هـ ـ 156 هـ / 772 ـ 773 م ) ، انظر : ابن حجر العسقلاني ، المصدر السابق ، ج 4 ص 189 .
(2) الازدي ، المصدر السابق ، 1892 .
(***) احد حفاظ البصرة ، وفقهائها ، اشتهر بورعه وعلمه ، انظر : الاصفهاني ، ابي نعيم احمد بن عبد الله ، حلية الاولياء ، ط 2 ، بيروت ، لبنان ، 1967 ، ج 3 ص 37 .
(3) الازدي ، المصدر السابق ، ص 189 .
(4) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 628 . ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج 5 ص 562 . العاني ، المرجع السابق ، ص 305 .


البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 55 ـ

   ان وجود مثل هذا التوسع للحركة ، والانتقال الى مركز المدينة ، له مؤشر على ان حركة ابراهيم قد بانت معالمها في البصرة ، فما هي الاجراءات التي اتخذتها الادارة في البصرة ، للحد من هذا الانتشار المعادي للسلطة المركزية ؟
   في واقع الامر ان والي البصرة سفيان بن معاوية كان على الرغم من معرفته بوجود ابراهيم في ولايته وقيامه بنشاطات مناوئة للسلطة المركزية ، الا انه لم يسع للحد من ذلك الانتشار ، للقبض عليه او حتى ارسال خبر تواجده الى الخليفة ، بل بالعكس فقد عمل على اخفاء امره حتى بعد افتضاحه ( فبقى كلما قيل ابراهيم خارج لم يعرج على قوله احد ) (1) ، فصاحب شرطته جابر بن حماد ، اخبره عن ظهور الحركة قبل يوم من اعلان ابراهيم لها ، وحدد له مقر الحركة ، وهي مقبرة بني يشكر ، الا ان سفيان قد تجاهل هذا الخبر (2) .
   كما ان كرزم السدوسي ، وهو احد عيون سفيان في البصرة كان ينقل اليه اخبار ابراهيم ، واسماء اتباعه ومؤيديه ، ومع ذلك فإن سفيان لم يتخذ اي اجراءات ضدهم (3) ، هذا فضلاً عن عرقلته مهمة القائدين الذين ارسلا من قبل الخليفة الى البصرة للقبض على ابراهيم بعد افتضاح امره ، وهما محمد ومجالد ابنا يزيد بن عمران ، بأبقائهما في قصره ، الى ان قبض ابراهيم عليهما (4) ، ومن ثم فقد مهد والي البصرة لقيام حركة ابراهيم فيها (*) .
   وفي الخامس عشر من رمضان عام ( 145 هـ / 762 م ) ، اعلن ابراهيم عن قيام حركته ضد السلطة المركزية (5) ،

**************************************************************
(1) الذهبي ، تاريخ الاسلام ، ج 6 ص 23 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 633 . العاني ، المرجع السابق ، ص 306 .
(3) المصدر نفسه ، ج 7 ص 233 ـ 234 .
(4) المصدر نفسه ، ج 7 ص 630 .
(*) لمعرفة اسباب قيام سفيان بن معاوية بالتهاون مع حركة ابراهيم ، انظر : الفصل الرابع ( العلاقات ) .
(5) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 635 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 56 ـ

وقد اختلفت الروايات في وقت ظهوره ، فبعضها يقول انه ظهر في الوقت نفسه الذي خرج به اخيه محمد (1) ، واخرى تقول انه اصابه الجدري فتأخر (2) ، واخرى تذكر ان زواجه في البصرة هو سبب تأخره (3) ، ولكن يمكن القول ان ابراهيم اخذ يدعو سراً لأخيه ، وانه ظهر في البصرة في وقت خروج محمد ، ولكن بالسرية حيث كان قلقاً لا سيما بعد وصول كتاب اخيه اليه يدعو للثورة ، وكان محمد يقول لأصحابه ادعوا لأخوانكم في البصرة (4) .
   عندما اعلن ابراهيم عن حركته ، كان مع عدد قليل من اتباعه بلغوا ما يقارب العشرين رجلاً (5) ، ويبدو ان خروجه بهذا العدد القليل من اتباعه كان مفاجئاً بسبب افتضاح امر تواجده في البصرة (6) ، لا سيما بعد انتقاله الى مركزه الجديد فيها ، وايضاً بسبب ارسال المنصور التعزيزات العسكرية الى البصرة ، لذا خشي المنصور من ارسال امدادات اخرى قد يصعب مجابهتها فيما بعد (7) ، هذا فضلاً عن نصيحة اتباعه بتقدم موعد حركته ، خوفاً من قبض الخليفة عليه (8) ، لكن على الرغم من اعلان ابراهيم عن بدء حركته ، الا انه لم يسع في بداية امره للسيطرة على مركز الولاية في البصرة ، وتنحية والي المنصور عنها ، بل بقي فيها يستقبل الوفود القادمة لمبايعته (9) ،

**************************************************************
(1) مجهول ، العيون والحدائق ، ج 3 ص 241 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 552 .
(3) المصدر نفسه ، ج 7 ص 641 .
(4) مجهول ، العيون والحدائق ، ج 3 ص 241 .
(5) البلاذري ، انساب الاشراف ، 1222 .
(6) ابن كثير ، المصدر السابق ، ج 10 ص 21 .
(7) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 634 .
(8) البلاذري ، انساب الاشراف ، 1222 .
(9) ابن كثير ، المصدر السابق ، ج 10 ص 91 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 57 ـ

فأرسل الخليفة قائداً من قواده ، وهو ابو حماد الاثرم مع تعزيزات عسكرية عدادها الف مقاتل من قواته ، الى البصرة ، فعسكرت هذه القوات في منطقة الرحبة ، لكن سفيان والي البصرة ، طلب منهم المجيء الى بيته ، والمبيت فيه(1) ، فأنتهز ابراهيم هذه الفرصة ، فأستولى هو واتباعه على تعزيزاتهم العسكرية من خيول واسلحة تابعة لهم(2) .
   ان حصول ابراهيم على هذه التجهيزات ، كان له اثر كبير في تقوية اتباعه وتحصينهم عسكرياً ، فضلاً عن كونه عاملاً معنوياً للمضي في حركتهم داخل البصرة ، لذلك ولأول مرة يعقد ابراهيم اجتماعاً علنياً في مقر عام في المسجد الجامع بعد ان صلى بهم في صبيحة ذلك اليوم(3) ، ( فأخذ الناس يتوافدون اليه بين ناصر وناظر )(4) .
   وبعد ذلك توجه ابراهيم مع اتباعه الى دار الامارة ، التي تحصن بها سفيان مع ستة عشر رجلاً من اتباعه ، فأرسل اليه ابراهيم يعلمه بضرورة خروجه من الدار ، وتسليمه اياه ، فوافق سفيان على ذلك شريطة منحه الامان على حياته هو واتباعه ، فأعطاه ابراهيم الامان(5) ، وتولى مطهر بن جويرية السدوسي مهمة ذلك(6) ، فدخل ابراهيم واتباعه دار الامارة من غير قتال(7) ، ثم قيد سفيان بقيد خفيف لأبعاد شبهة تواطئه معه امام المنصور(8) ،

**************************************************************
(1) ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج5 ص56 .
(2) مجهول ، العيون والحدائق ، ج3 ص251 . الذهبي ، تاريخ الاسلام ، ج6 ص23 .
(3) ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج5 ص563 .
(4) الطبري ، المصدر السابق ج 7 ص 635 .
(5) ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج 5 ص 563 . ابن الوردي ، المصدر السابق ، ج 1 ص 265 .
(6) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 635 .
(7) خليفة ، التاريخ ، ج 2 ص 449 . اليعقوبي ، التاريخ ، ج 3 ص 116 . ابن عبد ربه، المصدر السابق ، ج 5 ص 85 . الازدي ، المصدر السابق ، ص 187 .
(8) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 635 . ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج 5 ص 564 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 58 ـ

وطلب من المغيرة بن فزع فتح باب السجن ، واطلاق سراح المحبوسين فيه(1) ، ثم استولى ابراهيم على بيت المال ، واخذ مبلغ قداره الفي درهم ، ووزعه على اصحابه لكل منهم خمسين درهماً(2) .
   لكن على الرغم من استيلاء ابراهيم على دار الامارة ، وتولى السلطة فيها ، بقيت البصرة غير خاضعة كلياً لسيطرته ، فقد كانت مركزاً لآل سليمان وبالخصوص محمد وجعفر بن سليمان ، اللذان بقيا فيها حتى بعد وفاة ابيهما سليمان بن علي في عام ( 142 هـ / 760 م ) ، ولم تظهر لهما اية نشاطات سياسية قبل ظهور ابراهيم في البصرة ، لكن بعد ان سمعا بحركة ابراهيم حتى عزما على مواجهته فكان ذلك بداية ظهورهما على الساحة السياسية ، فجمع جعفر ومحمد اتباعهما في البصرة ، والتي تقدرهم المصادر بستمائة فارس(3) ، وتوجهوا لملاقاة ابراهيم ، وجموعه ، فأرسل ابراهيم اليهم محاولاً استمالتهم الى جانبه ، لكنه اخفق في تحقيق ذلك(4) ، لذا امر اتباعه لمواجهتهم ، وانتدب لقتالهم المضاء بن القاسم الجزري في خمسين فارساً ، لقتالهم(5) ويقال خرج بثمانية عشر فارساً وثلاثين راجلاً(6) ، فأشتبك الطرفان بمعركة حامية ، اسفرت عن هزيمة ابناء سليمان وجرح محمد في المعركة ، لذا غادر البصرة الى ميسان(*) ، لأتخاذها مقراً لهما ، ثم بعثا للخليفة كتاباً يخبراه بظهور ابراهيم(7) .

**************************************************************
(1) مجهول ، العيون والحدائق ، ج 7 ص 251 .
(2) الازدي ، المصدر السابق ، ص 188 .
(3) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 635 . ابن الاثير ، الكامل ، ج 5 ص 564 . العاني ، المرجع السابق ، ص 306 .
(4) الازدي ، المصدر السابق ، ص 178 .
(5) ابن الاثير ، الكامل ، ج 5 ص 64 .
(6) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 635 .
(*) ميسان : اسم كورة واسعة كثيرة النخل ، تقع بين البصرة وواسط ، انظر : ياقوت ، معجم البلدان ، ج 5 ص 242 .
(7) اليعقوبي ، التاريخ ، ب ج 3 ص 116 ـ 117 . الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 638 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 59 ـ

   يبدو ان هذا العدد الذي اشارت اليه المصادر بالنسبة الى اتباع ابراهيم هو عدد قليل قياساً لمجموع مؤيديه في البصرة ، والذي استمر ما يقارب ، الثلاث سنوات في محاولة كسب تأييدهم .
   وبعد انتهاء المعركة توجه ابراهيم بنفسه الى منزل زينب بنت سليمان بن علي وهناك اعلن عن منحه الامان لآل سليمان(1) ويبدو ان ذهابه هناك هو سبب خوفه من ظهور معارضين جدد في البصرة اثناء توجهه لقتال الخليفة ، لذا اراد كسب جميع اهالي البصرة حتى العباسيين منهم ، فتوجه الى دار زينب بنت سليمان بوصفه مركز المعارضة العباسية لحركته في البصرة لا سيما بعد هروب جعفر ومحمد الى ميسان ، وربما كانت هناك اتصالات بينهم ، لذلك اراد ابراهيم على ما يبدو الاطمئنان على سير الاوضاع في البصرة اثناء مواجهته الحاسمة مع الخليفة .
   وبعد ان استطاع ابراهيم من اخضاع البصرة لسيطرته ، عمل على مد نفوذه الى الاقاليم المجاورة منها ، فأرسل قواته الى الاحواز ، واسط ، فارس ، كسكر(*) ، وبالفعل تمكن من اخضاع تلك المناطق لنفوذه ولم يبق امامه سوى الكوفة(2) .
   وفي الكوفة كان المنصور في حيرة من امره ، بعد ان كان قد وزع قواته سابقاً في الري ، والمدينة ، والموصل ، فلم يبق لديه سوى الفي مقاتل(3) ، لذا كان عليه اتخاذ اجراءات جديدة تمكنه من تمويه اعدائه واخافتهم ،

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 635 . ابن الاثير ، الكامل ، ج 5 ص 564 . ابن الوردي ، المصدر السابق ، ج 1 ص 265 .
(*) كورة سهلية تقع في بلاد فارس ، انظر : ياقوت ، معجم البلدان ، ج 4 ص 461 .
(2) اليعقوبي ، التاريخ ، ج 3 ص 117 . الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 636 . المسعودي ، التنبيه والاشراف ، ( تح عبد الله اسماعيل الصاوي ، القاهرة ب 1938 ) ، ص 295 .
(3) ابن الاثير ، الكامل ، ج 5 ص 565 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 60 ـ

منها اصداره امراً بمنع التجول ليلاً ، وتقسيم جنده على ثلاثة فرق تنتشر في انحاء المدينة(1) ، وامر اتباعه بأشعال النيران ليلاً لتمويه اعدائه واخفاتهم بوصول امدادات جديدة لجيوش الخلافة(2) .
   وعلى الرغم من ان الموقف كان يسير في صالح ابراهيم ، اذا فكر في التوجه الى الكوفة ، الا ان تباطئه في اتخاذ قراره ، ساعد على وصول الاعداد العسكرية الى الخليفة ، فأرسل المنصور خازم بن خزيمة الى الاحواز ، الذي تمكن من هزيمة المغيرة بن فزع عامل ابراهيم على الاحواز ، ففر المغيرة الى البصرة(3) ، كما استدعى المنصور ولي عهده عيسى بن موسى من المدينة ، بعد ان قضى على حركة محمد ( ذو النفس الزكية ) للتوجه الى البصرة ، والقضاء على حركة ابراهيم(4) ، اما واسط فقد بقي امرها معلقاً لحين انتهاء المعركة الفاصلة ، وبعد انتصار العباسيين على حركة ابراهيم ، دخل عامر بن اسماعيل مدينة واسط ، معلناً رجوعها الى حضيرة الدولة العباسية(5) .
   اما بالنسبة للاوضاع في البصرة ، فقد بقي ابراهيم مع قواته فيها ، والتي قدرتها المصادر بمائة الف مقاتل(6) ، فكان على الخليفة ان يفكر في عملية زعزعة تلك القوات ، لذا ارسل الى سلم بن قتيبة الباهلي يستعجله القدوم ، مع قواته المرابطة في الري والالتحاق بقوات جعفر بن سليمان المتحصنة في ميسان ، ومن ثم اخذ سلم بالاتصال بأهالي البصرة ، وحثهم على اللحاق به ، فأنظمت اليه قبيلة باهلة في البصرة(7) ،

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 5 ص 631 .
(2) ابن كثير ، المصدر السابق ، ج 10 ص 93 .
(3) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 639 . ابن الاثير ، الكامل ، ج 5 ص 565 .
(4) الاصفهاني ، مقاتل الطالبين ، ص 229 ـ 230 .
(5) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 637 ـ 638 .
(6) المصدر نفسه ، ج 7 ص 639 .
(7) المصدر نفسه والصفحة . ابن الاثير ، الكامل ، ج 5 ص 567 . العاني ، المرجع السابق ، ص 311 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 61 ـ

وبذلك تمكن المنصور من اضعاف قوة ابراهيم في البصرة ، وتزعزع ثقته بهم ، لذا فضل الخروج من البصرة والتوجه الى الكوفة .
   لكن في الوقت نفسه وصلت انباء مقتل اخيه محمد ( ذو النفس الزكية ) في عيد الفطر(1) ، فزاد ذلك من تدهوره ، وانهيار حالته المعنوية ، حتى وصفه احد البصريين في تلك الساعة ( لقد نظرت الى الموت في وجه ابراهيم حين خطبنا يوم الفطر ، فأنصرفت الى اهلي فقلت : قتل والله الرجل )(2) فصعد المنبر ونعى اخيه الى الناس ، فتجمع الناس حوله واعلنوا عن تعاطفهم معه ، وازداد غضبهم على المنصور ، فأراد ابراهيم استغلال هذا الوضع ، فعزم في اليوم الثاني على التوجه الى الكوفة(3) ، خوفاً من تغيره لغير صالحه رغم نصيحة قواد البصرة له بالبقاء فيها واتخاذها مقراً له ، ولعملياته العسكرية ، لكنه فضل الخروج بناءاً على نصيحة اهل الكوفة ، الذين اشاروا اليه بالخروج الى الكوفة ، حيث يوجد مؤيدوه واتباعه المخلصون(4) ، فأستخلف ابراهيم على البصرة ابنه الحسن بن ابراهيم ، وعلى شرطتها نميلة بن مرة(5) ، وعلى قضاء البصرة عباد بن منصور(6) ، وقيل انه استقضى سوار بن عبد الله العنبري لكن سوار اعتل بالمرض ، لأبعاد ابراهيم عنه ، فتركه ابراهيم وامر عماد بن منصور بالقضاء(7) ، وبعد ان وضع ابراهيم بن عبد الله ادارة كاملة في البصرة للاطمئنان على سير الاوضاع اثناء غيابه ، توجه الى الكوفة وعسكر في منطقة باخمري(*) ، ثم عسكرت قوات عيسى بن موسى على الجانب الآخر(8) . فوجه عيسى بن موسى لقتاله حميد بن قحطبة الذي هزم على يد قوات ابراهيم وكادت المعركة ان تنتهي على يد ابراهيم ،

**************************************************************
(1) الازدي ، المصدر السابق ، ص 188 .
(2) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 638 .
(3) ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج 5 ص 565 .
(4) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 642 ـ 643 . ابن الاثير ، المصدر السابق ، ج 5 ص 565 .
(5) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 638 .
(6) الاصفهاني ، مقاتل الطالبين ، ص 246 .
(7) المصدر نفسه ، 2 47ص .
(*) باخمري : موضع بين الكوفة وواسط ، انظر : ياقوت ، معجم البلدان ، ج 1 ص 316 .
(8) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 642 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 62 ـ

لو لا الالتفاته التي قام بها جعفر ومحمد بن سليمان ، التي مكنتهم من الأحاطة بقوات ابراهيم وزعزعتها ، فأنتهت المعركة على اثر قتل ابراهيم بسهم وجه اثناء المعركة ، وذلك عام ( 145 هـ / 763 م )(1) فدفن في باخمري(2) .
   وبعد مقتل ابراهيم اصدر الخليفة امراً بتعيين سلم بن قتيبة والياً على البصرة ، ويزيد بن سلم على شرطتها ، وذلك في عام ( 145 هـ / 763 م )(3) ، فوجدا الاوضاع فيها غير مستقرة حيث دب الذعر في صفوف اهالي البصرة ، خوفاً من العقاب الذي سيوجه اليهم من قبل السلطة المركزية(4) .
   ويبدو ان توقعات اهل البصرة كانت في محلها ، فقد ارسل الخليفة كتاباً الى سلم بن قتيبة يأمره بمعاقبة كل من خرج مع ابراهيم في البصرة ، ( اما بعد ، فأهدم دور كل من خرج مع ابراهيم ، واعقر نخلهم ، فكتب اليه سلم بأي ذلك ابدأ ؟ بالدور ام بالنخيل ؟ )(5) ، فشعر الخليفة ان سلم بن قتيبة يحاول المماطلة في تنفيذ اوامره ، لذلك ارسل اليه كتباً آخر يؤنبه فيه على تصرفه هذا ( اما بعد ، فقد كتبت اليك آمرك بأفساد تمرهم ، فكتبت تستأذنني في اية ابدأ بالبرني ام بالشهريز )(6) .
   ثم اصدر الخليفة ، امره بعزل سلم بن قتيبة عن ولاية البصرة بعد مرور اشهر من تعيينه ، وذلك في عام ( 146 هـ / 764 م ) ، وتعين محمد بن سليمان بدلاً عنه ، وكانت اعماله التي باشر بها هي هدم دور من خرج مع ابراهيم في البصرة ، وعقر نخلهم ،

**************************************************************
(1) للاطلاع على سير المعركة ، انظر : البلاذري ، انساب الاشراف ، ص 127 ـ 128 . الاصفهاني مقاتل الطالبين ، ص 227 فما فوق .
(2) ياقوت ، معجم البلدان ، ج 1 ص 316 .
(3) خليفة ، تاريخ ، ج 2 ص 462 .
(4) العاني ، المرجع السابق ، ص 321 .
(5) اليافعي ، ابو محمد عبد الله بن اسعد بن علي اليمني ، المكي مرآة الجنان وعبرة اليقضان ، منشورات مؤسسة الاعلمي ، للمطبوعات ، ط 2 ، بيروت ، 1970 ، ج 1 ص 300 ، الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 655 .
(6) المصدر نفسه والصفحة .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 63 ـ

   ويبدو ان السبب الرئيسي في صدار الخليفة اوامره لوالي البصرة المباشرة بهدم دور من خرج مع ابراهيم ، هو سبب ان البصرة بعد مقتل ابراهيم بن عبد الله ، وقبل دخول القوات العباسية فيها ، اصبحت ملجأً لقوات ابراهيم بعد هروبهم اليها ، فعامل ابراهيم على واسط هارون بن سعد هرب الى البصرة وبقي فيها مختبئاً رغم محاولة محمد بن سليمان استدراجه بحجة العفو عنه(1) .
   اما المغيرة بن فزع عامل ابراهيم على الاحواز ، فقد هرب ايضاً الى البصرة بعد هزيمته على يد خازم بن خزيمة فدخلها في اليوم الذي جاء فيه خبر مقتل ابراهيم ، فصعد المغيرة الى مسجد البصرة ، ثم نزل منه بناءاً على طلب سوار بن عبد الله(2) ، وبعد دخول القوات العباسية البصرة ( طلب اسد بن المرزبان قائد المنصور المغيرة بن فزع السعدي بالبصرة )(3) .
   كما هرب الى البصرة ايضاً احد قواد ابراهيم وهو عمر بن شداد الذي كان مرابطاً في فارس ، فهرب اليها هو واصحابه فضل مختبئاً هو واصحابه الى ان قبض عليه صاحب شرطة البصرة سعيد اسحاق بن سليمان(4) فهدم دار يعقوب بن الفضل عامل ابراهيم على فارس ، كما هدم دار عبد الواحد بن زياد ، صاحب ميمنة ابراهيم في المعركة ، ودار خليل بن الحصين في بني عدي ، ودار عفو الله بن سفيان(5) .

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 638 .
(2) الصفهاني ، مقاتل الصالحين ، ص 219 .
(3) ابن حبيب ـ المصدر السابق ، ص 219 .
(4) الاصفهاني ، مقاتل الطالبين ، ص 220 ـ 221 .
(5) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 656 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 64 ـ

ودار هارون بن سعد عامل ابراهيم على واسط وغيرها من الدور(1) ، لكن على الرغم من هذا الاضطراب الذي عم ارجاء البصرة ، استطاع احد فقهائها وهو المبارك بن فضالة(*) من اقناع الخليفة بالعفو عن ابناء البصرة ، فأعطى الخليفة امانه لهم(2)

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 7 ص 638 .
(*) هو المبارك بن فضالة بن ابي امية ، مولى عمر بن الخطاب ( رض ) ، ومن كتابه ، توفي سنة ( 165 هـ / 781 م ) في خلافة المهدي ، انظر : ابن سعد ، المصدر السابق ، ج 7 ص 277 .
(2) فوزي ، الخلفاء والفقهاء ، ص 36 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 65 ـ

ثانياً : حركة الزندقة واثرها على البصرة
   اخذت الزندقة (*) في التوسع والظهور في العصر العباسي ، فأخذ الخلفاء يسعون للقضاء على هذه الحركة الهدامة ، ومن ثم استخدمتها السلطة العباسية فيما بعد للتخلص من منافسيها السياسيين ، عن طريق اتهامهم بالزندقة (1) ، وعامل معتنقيها من المسلمين معاملة المرتد عن دين الاسلام ، والى ذلك يشير احد الباحثين بأن ( الزندقة غدت اصطلاحاً ادارياً وسياسياً وليس اصطلاحاً كلامياً او نضرياً ) (2) .
   بدأت ملاحقة السلطة العباسية للزندقة في عصر الخليفة المهدي الذي ( الح في طلب الزنادقة ، وقتلهم ، حتى قتل خلقاً كثيراً ) (3) وكانت سياسة المهدي هذه في تتبع الزنادقة جاءت بفعل تربيته الدينية ، التي اكتسبها من مؤدبه المفضل الضبي ، الذي كان اكثر الاشخاص معرفة بنوايا الفرس (4) ،

**************************************************************
(*) جاء معنى الزندقة في لسان العرب ، ( الزنديق القائل ، ببقاء الدهر ، فارسيد معرب من ( زندكر ) وليس من كلام العرب زنديق . . . فأذا ارادت العرب معنى ما تقوله ، قالوا ملحد ودهري ) ابن منظور ، المصدر السابق ، مج 2 ص 51 . اما الزندقة في رأي ابن النديم هي لفظ يطلق على اصحاب ماني ، ومن يقولون بالثنوية ، انظر : ابن النديم ، ابو الفرج محمد بن يعقوب ، الفهرست مطبعة الاستقامة ، القاهرة ، د ت ، ص 470 ـ 488 . فالزندقة هي كلمة معربة وكان الفرس يطلقها على كل من يحاول تفسير الافستا تفسيراً جديداً ، وتطلق على الاخص على اتباع ماني ، وفردك ، انظر : الشهرستاني ، المصدر السابق ، ج 1 ص 249 ـ 250 . الخوارزمي ، ابي عبد الله محمد بن احمد بن يوسف الكاتب ، مفاتيح العلوم ، مطبعة المنيرية ، مصر ، 1342 هـ ، ص 25 ـ 26 . ابن العبري ، غريغرويوس ، ابي الفرج بن اهدون ، مختصر الدول ، دار رائد اللبناني ، لبنان ، 1983 ، ص 129 ـ 131 . امين ، احمد ، فجر الاسلام ، دار الكتاب العربي ، ط 10 ، بيروت ، لبنان ، 1969 ، ص 99 . بروكلمان ، تاريخ الشعوب الاسلامية ، ترجمة نبيه امين فارس ، ومنير البعلبجي ، ط 7 ، بيروت ، 1977 ، ص 184 . السامرائي ، عبد الله سلوم ، الشعوبية ، المكتبة الوطنية ، بغداد ، 1984 . ص 76 ـ 78 .
(1) الخراساني ، محمد غفراني ، عبد الله بن المقفع ، مطبعة العالم الغربي ، القاهرة ، 1965 ، ص 100 .
(2) فوزي ، العباسيون الاوائل ، ج 2 ص 158 ـ 159 .
(3) اليعقوبي ، التاريخ ، ج 3 ص 138 .
(4) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 165 ـ 167 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 66 ـ

لذا اخذ المهدي في مطاردة الزنادقة ، وصلبهم ، وتمزيق كبتهم بالسكاكين (1) ، وعين شخصاً مسؤولاً عن تتبع الزنادق سمي ( صاحب الزنادقة ) يقوم بالقبض عليهم ، وارسالهم الى الخليفة ، ومن ثم اجراء الحكم فيهم ، فعين المهدي عمر الكلواذي الذي توفي في عام ( 168 هـ / 785 م ) فعين بدلاً عنه محمد بن عيسى من اهل ميسان ، الذي اخذ يتتبع امر الزنادقة (2) .
   وفي البصرة اتهمت العديد من الشخصيات سواء من الشعراء او الكتاب او رجال السياسة البارزين بالزندقة ، وتم محاكمتهم في بغداد او في البصرة نفسها ، فقد عانت البصرة في هذه الحقبة من محنة كبيرة ، اخذت تعصف برجالاتها ، حتى ان الخليفة المأمون كان يأمر اتباعه من الموكلين بالقبض على الزنادقة في البصرة ، بحمل المشتبهين منهم في زوارق ، واحضارهم الى بغداد ليتم محاكمتهم (3) ، عن طريق عقد جلسة بين الزنادقة والخليفة ، ثم يطلب منهم الخليفة الاعتراف بزندقتهم ، واعلان تبرئهم منها وبعد اعترافهم بالزندقة يتم اطلاق سراحهم (4) ، فقد احضر من البصرة في عام ( 166 هـ / 783 م ) ، داود بن روح بن حاتم الى بغداد ، وهو ابن والي البصرة روح بن حاتم المهلبي ( 165 ـ 167 هـ / 782 ـ 784 م ) ، لأتهامه بالزندقة ، وطلب منه المهدي الاقرار بها فأعترف ، وبعد ذلك تم اطلاق سراحه ، وارسل الى ابيه والي البصرة ، واخذ الخليفة بتأنيبه ، وامره بأصلاح ولده (5) .
   وقد لعبت عوامل عديدة ، في ظهور حركة الزندقة في البصرة اهمها :

**************************************************************
(1) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 148 .
(2) المصدر نفسه ، ج 8 ص 167 .
(3) ابن عبد ربه ، المصدر السابق ج 6 ص 208 .
(4) المسعودي ، مروج الذهب ، ج 3 ص 422 .
(5) الطبري ، المصدر السابق ، ج 8 ص 163 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 67 ـ

1 ـ الثراء الاقتصادي الكبير ، الذي انعمت به البصرة بحكم موقعها الجغرافي ، واحتكار اهلها للتجارة ، فأدى ذلك الى ظهور طبقات اجتماعية مختلفة ، من عرب وموالي ، فأخذ الموالي يشعرون بالاستياء لوضعهم المالي بسبب احتكار البصريين للتجارة ، ولهذا اخذوا يظهرون عوامل التذمر من العرب ، وسعوا للعمل على تحقيق اهدافهم الهدامة(1) .
2 ـ التركيب العشائري المتين في البصرة ، الذي وفر الحماية للموالي الذين انضموا اليهم واعلنوا ولائهم لهم ليضمنوا سلامتهم مثل بشار بن برد مولى بني عقيل في البصرة ، وصالح بن عبد القدوس من موالي الازد ، وبفعل هذه الحماية اخذ الشعراء والكتاب من الموالي ، بالتكلم جهراً ، والتحرك بحرية ، واظهار آرائهم دون الخوف على انفسهم ، بسبب ضمانهم لسلامتهم بفعل الولاء العشائري .
3 ـ تنوع الافكار والاتجاهات الفلسفية في البصرة بنتيجة الاختلاط الحضاري ، واختلاف التكوين للوافدين اليها ، لذا اخذت الافكار تخرج عن الاطر السائدة لها ، وتتجه نحو الغيبيات والاساطير ، فكان لذلك اثر واضح في ظهور الزندقة فيها(2) .
4 ـ التوسع العمراني الذي شهدته البصرة ، خلال هذه الحقبة جعل من اسواقها محطات ثقافية تزخر بالادباء والشعراء ، حتى يذكر ان اول ظهور للزنادقة كان في سوق المربد حيث يوجد الشعراء والادباء ، الذين يرجعون لأصول غير عربية يتفاخرون بأصولهم الفارسية والرومية(3) .

**************************************************************
(1) الخطيب ، عبد الله ، صالح بن عبد القدوس ، دار منشورات البصري ، بغداد ، 1967 ، ص 23 ـ 24 .
(2) زكي ، احمد كمال ، الحياة الادبية في البصرة ، دار الفكر ، ط 1 ، دمشق ، 1961 ، ص 96 .
(3) ابن عبد ربه ، المصدر السابق ، ج 3 ص 324 ـ 325 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 68 ـ

ظهر في البصرة كتاب وشعراء من الموالي ، لا ينتسبون الى عشائرها ، الا بالموالاة ، فأخذ هؤلاء بالعمل على تكريس وجهتهم الشعوبية ، في البصرة ، لكنهم في الوقت نفسه لاقوا مقاومة من سكانها من بين الفقهاء والمتكلمين والكتاب في البصرة :
1 ـ عبد الله بن المقفع ، فارسي الاصل ، عمل كاتباً لديوان عمر بن هبيرة الوالي الاموي على العراق في خلافة هشام بن عبد الملك ( 123 هـ ـ 125 / 741 ـ 743 م ) وبعد مجيء العباسيين استمر ابن المقفع يمارس اعماله السابقة في الديوان ، لما يمتاز به من فصاحة وبلاغة كبيرة فاستخدمه عيسى بن علي على كرمان ، وعلى يده اعلن ابن المقفع اسلامه(1) ، ثم عاد ابن المقفع الى البصرة فأصبح مؤدباً لأولاده .
   وفي حقبة وجوده في البصرة ، هرب اليها عبد الله بن علي عم المنصور ، بعد هزيمته في الشام ، الذي اعلن العصيان على الخليفة المنصور في عام ( 139 هـ / 756 م )(2) ، ولجأ لدى اخيه سليمان بن علي والي البصرة ، فأمره المنصور بأحضاره اليه ، فطلب سليمان بن علي واخيه عيسى من عبد الله بن المقفع كتابه نص امان لأخيهما عبد الله تمنع المنصور من قتله(3) .
   وبعد قراءة الخليفة لكتاب الامان اشتد غضباً لما يحتويه النص من صيغة شديدة اللهجة ، وجهت اليه ، لذا اوعز لسفيان بن معاوية والي البصرة بقتله(4) ، وذلك في عام ( 142 هـ / 760 م )(5) .

**************************************************************
(1) ابن النديم ، المصدر السابق ، ج 1 ص 178 . الذهبي ، تاريخ الاسلام ، ب ج 6 ص 91 ـ 92 .
(2) انظر : حركة عبد الله بن علي فيما بعد .
(3) انظر : نص الامان في ملحق رقم ( 1 ) .
(4) ابن النديم ، المصدر السابق ، ج 1 ص 178 . الشريف المرتضى ، علي بن الحسين، امالي المرتضى ، ( تح محمد ابو الفضل ابراهيم ، دار الكتاب العربي ، ط 2 ، بيروت ، لبنان ، 1967 ، ج 1 ص 136 .
(5) الخراساني ، المرجع السابق ، ص 102 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 69 ـ

   اختلف المؤرخون في اسباب قتل بن المقفع ، فهناك ثلاث روايات قد اعتمد عليها الباحثون ، الرواية الاولى وقد سبق وان حدثنا عنها ، وهي كتابته لنص وتشدده به على الخليفة .
   والرواية الثانية فهي تؤكد ان هناك كراهية بين والي البصرة سفيان بن معاوية , وعبد الله بن المقفع الذي كان يكثر من استهانته بسفيان ، واطلاق لقب ابن المغتلمة عليه(1) .
   اما الرواية الاخيرة هي اتهامه بالزندقة ، وذلك من خلال ميوله الفارسية ، واهتمامه بترجمة الكتب الفارسية التي كانت تشيد بالتعاليم الدينية والادارية للفرس(2) ، وغيرها من الكتب(3) .
   كما ان جعفر بن سلمان روى عن الخليفة انه قال ( ما وجدت كتاب زندقة قط الا واصله ابن المقفع )(4) ، كما ان سفيان بن معاوية عندما اراد قتله خاطبه قائلاً ( والله يا ابن الزنديقة لأحرقنك بنار الدنيا قبل الآخرة )(5) ،

**************************************************************
(1) الذهبي ، تاريخ الاسلام ، ج 6 ص 91 .
(2) ابن النديم ، المصدر السابق ، ج 1 ص 178 .
(3) للأطلاع على مؤلفات عبد الله بن المقفع انظر : علي ، محمد كرد ، رسائل البلغاء ، لجنة التأليف والترجمة والنشر ، ط 4 ، القاهرة ، 1954 ، ص 1 ـ 173.
(4) الشريف المرتضى ، المصدر السابق ، ج 1 ص 134 ـ 135 .
(5) الجهشياري ، ابي عبد الله محمد بن عبدوسي ، الوزراء والكتاب ، ( تح عبد الله اسماعيل الصاوي ، مطبعة عبد الحميد احمد ، بغداد ، 1938 ) ، ص 73 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 70 ـ

وتظهر ميوله الفارسية ايضاً من خلال الشعر الذي القاه عندما كان ماراً ببيت نار المجوس ، وذلك بعد اسلامه(1) .
   كما نشر المستشرق الايطالي جويدي كتاباً ينسب لأبراهيم بن القاسم ، وهو كتاب ( الرد على اللعين عبد الله بن المقفع ) الذي يشير الى ميوله في الزندقة .
   ويبدو ان جميع تلك الاسباب قد تظافرت في مقتل عبد الله بن المقفع ، على الرغم من ان تهمته بالزندقة لم تكن السبب الرئيس لمقتله ، انما كانت وكما يظهر وسيلة للتخلص منه ، بعد ان ساءت علاقته مع ابي جعفر المنصور ، ووالي البصرة سفيان بن ابي معاوية فنسب اليه هذه التهمة .
   ومن الشخصيات الاخرى التي عاشت في البصرة واتهمت بالزندقة(2) :
ـ بشار بن برد بن يرجوح(3) ، الشاعر الملقب بالمرعث(*) ،

**************************************************************
(1) الشريف المرتضى ، المصدر السابق ، ج 1 ص 135 .
(2) شريف بديع محمد ، الصراع بين الموالي والعرب ، نشر دار الكتاب العربي ، القاهرة ، 1954 ، ج 3 ص 67 .
(3) الاصفهاني ، الاغاني ، ج 3 ص 128 .
(*) قيل لقب بالمرعث لأسباب عدة منها ، بيت شعر قال فيه :
لـست والله iiقـاتلي        قـلت او يغلب القدر
قـالت  ريم iiمرعث        فاتر الطرف والنظر
وقيل كذلك لأنه كان يلبس ثوب له جيبان ، فأذا اراد لبسه ضمه عليه ضماً يشبه الرعاث ، وقيل ايضاً ، لأنه يلبس في اذنه ، وهو صغير رعاث والرعاث هو القرطة ، انظر : الشريف المرتضى ، المصدر السابق ، ج 1 ص 49 . ابن قتيبة ، عبد الله بن مسلم ، الشعر والشعراء ، مطبعة عالم الكتب ، ط 3 ، بيروت ، 1984 ، ص 177 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 71 ـ

فارسي الأصل مولى بني عقيل في البصرة(1) ، كان جده من طخارستان(*) ، ممن وقعوا في سبي المهلب بن ابي صفرة(**) ، فعمل والده بعد ذلك لدى امرأة المهلب تدعى خيرية القشيرية ، وهناك تزوج من احدى الاماء فولد بشاراً فأعتقته امرأة المهلب فاصبحوا اثر ذلك من موالي بني عقيل ، وكان بشار اعمى منذ ولادته(2) ، وكان يكثر من منادمة الخليفة المهدي ، ومدحه في شعره كما مدح الامراء في البصرة كعقبة بن مسلم(3) ، وغيره .
   كان بشار يميل الى الزندقة التي اظهرت ميوله الفارسية ، فعلى الرغم من دخول الفرس ، في الاسلام ، الا ان عقائدهم ظلت راسخة في اذهانهم يتناقلونها فيما بينهم ، ويورثوها لأبنائهم ، ويتفاخرون بتراثهم وحضارتهم : وهذا ما نراه في شعر بشار بن برد :

**************************************************************
(1) الاصفهاني ، الاغاني ، ج 3 ص 128 .
(*) طخارستان ناحية من نواحي خراسان ، وهي ولاية واسعة تشمل عدة نواحي ، انظر : ياقوت ، معجم البلدان ، ج 4 ص 23 .
(**) المهلب بن ابي صفرة ، إسمه ظالم بن سراق بن صبيح الكندي الازدي ، وكان من اشجع الناس ، حمى البصرة من الخوارج ، لذا سميت البصرة ببصرة المهلب ، تولى في آخر حياته خراسان في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي ، توفي في عام ( 82 هـ / 702 م ) ، انظر : ابن خلكان ، المصدر السابق ، ج 5 ص 350 ـ 354 .
(2) الاصفهاني ، الاغاني ، ج 3 ، ص 137 .
(3) ديوان بشار بن برد ، ( تح محمد الطاهر ابن عاشور ، تونس ، 1976 ) ، ج 1 ص 132 ، 164 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 72 ـ

هل من رسول مخبر      عـني جميع iiالعرب
مـن  كان حياً iiمنهم      ومـن ثوى iiبالتراب
جدي  الذي اسمو iiبه      كسرى  وساسان iiابي
وقـيصر خـالي iiاذا      عددت يوماً نسبي(1)
   كما تظهر ميوله الفارسي ايضاً في تصويبه لرأي ابليس في تقديم النار :
الارض مـظلمة والنار iiمشرقة      والنار معبودة مذ كانت النار(2)
   فما هو موقف ابناء البصرة من جراء تلك الزندقة التي اخذ بشار بن برد يجاهر بها ؟
   ان اشعار بشار بن برد ، وغزله الفاحش كان يعد بمثابة تهديد خطير لأهواء الشباب والنساء في البصرة ، لذا عمل المتكلمون والفقهاء في البصرة على الوقوف بوجه تلك الموجة الشعوبية التي يقودها بشار ، ومنهم واصل بن عطاء ، الذي اخذ يعمل ، ومن خلال خطبه الدينية في البصرة على اظهار الوجهة الحقيقية لأشعار بشار ، بل انه حرص على قتله كما يقتل المرتد عن الاسلام بقوله : ( اما لهذا الاعمى المشنف المكنى بأبي معاذ من يقتله) (3) ، هذا ولم يكن واصل الشخص الوحيد في البصرة ، الذي شعر بذلك الخطر الشعوبي على الاسلام ، بل سانده اصحابه من المعتزلة من امثال عمرو بن عبيد على الوقوف بوجه بشار ومآربه الخطيرة ، حتى ان بشار قد شعر بالخطر على حياته فغادر البصرة ،

**************************************************************
(1) ديوان بشار بن برد ، ج 1 ص 319 .
(2) الاصفهاني ، الاغاني ، ج 3 ص 137 . ابن خلكان ، المصدر السابق ، ج 1 ص 273 .
(3) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ج 1 ص 16 .
الشريف المرتظى ، المصدر السابق ، ج 2 ص 170 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 73 ـ

ولم يعد اليها الا بعد وفاة عمرو بن عبيد في عام ( 144 هـ / 762 م )(1) .
   بقي بشار في البصرة ينتظر الفرصة لبث عنصر التفرقة بين المسلمين ، وتشجيعهم على التناحر ، فما كان عام ( 145 هـ / 763 م ) واعلان ابراهيم بن عبد الله لحركته ضد السلطة المركزية ، حتى اخذ بشار يظهر انيابه بادئاً بقصيدة مدح بها ابراهيم بعد ان ظن ان انتصاره بات مخفقاً ، الا ان اماله قد خيبت هزيمة ابراهيم فبدل القصيدة ، واجرى عليها بعض التغيرات لصالح المنصور(2) ، ثم اخذ بعد ذلك بالتقرب لأمراء البصرة منهم سلم بن قتيبة الباهلي ( 145 هـ / 763 م ) ، وعقبة بن سلم الهنائي ( 147 ـ 151 هـ / 765 ـ 769 م ) ، وروح بن حاتم المهلبي ( 165 ـ 166 هـ / 782 ـ 783 م )(3) .
   واستمر بشار بعد ذلك في اطلاق اشعاره الماجنة ، التي اخذت تشكل خطراً فاضحاً على النساء والشباب في البصرة ، لذا حاول الخليفة المهدي ان يكف بشار عن اشعاره في الغزل والمجون لكنه استمر في زندقته بسبب ما تؤوله نفسه من دوافع ، فلم يجد الخليفة حلاً سوى ردعه بنفسه بعد ان طال تهجمه ، ولأهمية الموقف غادر المهدي عاصمة الخلافة بغداد في عام ( 168 هـ / 785 م ) بعد ان اشتهر عن الخليفة بملاحقته للزنادقة ، فالتقى ببشار في منطقة البطيحة ،

**************************************************************
(1) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ج 1 ص 25 .
(2) الاصفهاني ، الاغاني ، ج 3 ص 149 .
(3) انظر : ديوان بشار ، ج 1 ص 64 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 74 ـ

فأمر بضربه سبعين سوطاً ، يقال توفي على اثرها(1) ، والاثر الواضح الذي نراه في وعي اهالي البصرة لحركة بشار ، وهو ما ابدوه من سعادة لوفاته ، حتى انهم لم يحضروا مراسيم جنازته(2) .
3 ـ صالح بن عبد القدوس من موالي الازد(3) ، كان متظاهراً بمذاهب الثنوية(*) ، حتى انه كان يجاهر بآرائه في مسجد البصرة ، فتعرض له احد زهاد البصرة ، وهو ابو الهذيل العلاف(**) ، وحدثت بينهم مجادلات استطاع بها ابو الهذيل من افحام صالح بن عبد القدوس ، لذلك قال صالح فيه :
ابـا  هـذيل هـداك الله iiيارجل      فانت حقاً لعمري معضل جدل(4)


**************************************************************
(1) ابن المعتز ، عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد ، طبقات الشعراء ، ( تح عبد الستار احمد فراج ، دار المعارف ، ط 2 ، مصر ، 1968 ) ، ص 21 . الاصفهاني ، الاغاني ، ج 3 ص 241 ـ 242 . ابن العمراني ، محمد بن علي بن محمد ، الانباء في تاريخ الخلفاء ، ( تح قاسم السامرائي ، القاهرة ، 1973 ) ، ص 70 ، اليافعي ، المصدر السابق ، ج 1 ص 353 ـ 354 .
(2) الاصفهاني ، الاغاني ، ج 3 ص 246 .
(3) ابن بدران ، عبد القادر احمد بن مصطفى ، تهذيب تاريخ ابن عساطر ، المكتبة العربية ، ط 1 ، دمشق ، 1350 ، ج 6 ص 371 .
(*) الثنوية : ـ هم اصحاب الاثنيين ، يزعمن النور والظلمة اوليان، انظر : ـ الشهرستاني ، المصدر السابق ، ج 1 ص 244 .
(**) هو ابو هديل محمد بن الهذيل ، العبدي لقب بالعلاق لأن داره في البصرة كانت في العلاقين ، كان له ستين كتاباً في الرد على المخالفين في دقيق الكلام وجليله ، وله مناظرات مع ابن المرتضى ، المصدر السابق ، ص 44 .
(4) الشريف المرتضى ، المصدر السابق ، ج 1 ص 144 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 75 ـ

   كان صالح يجيد الشعر والادب ، واخذ احياناً يخفي زندقته حتى اذا صلى امام الناس اكمل صلاته ، فتساءل الناس في البصرة عن ذلك فيقولون له : ما هذا ومذهبك معروف : فيجيبهم ، سنة البلد ، وعادة الجسد ، وسلامة الاهل والولد (1) .
   وبلغ الخليفة المهدي ان لصالح ابيات يعرض فيها للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأرسل الخليفة اليه لمحاكمته وعندما رفض صالح بن عبد القدوس الاعتراف بزندقته ذكره الخليفة بمقولته في قصيدة له (2) .
والشيخ  لايترك iiاخلاقه      حتى يوارى ثرى رمسه
   فضرب عنقه على اثرها وصلب على جسر بغداد في عام ( 167 هـ / 784 م ) (3) .
4 ـ حماد عجرد (*) : فارسي الاصل واسمه حماد بن عمر بن يونس بن كليب ، مولى بني سواءة بن عامر بن صعصعة (4) ، من اهل الكوفة .

**************************************************************
(1) الشريف المرتضى ، المصدر السابق ، ج 2 ص 144 .
(2) المصدر نفسه ، ج 1 ص 145 .
(3) الخطيب ، المرجع السابق ، ص 66 .
(*) سمي بالعجرد لأن اعرابياً مر به ، وهو غلام يلعب مع اقرانه في يوم شديد البرد ، وهو عريان فقال له اتعجرت يا غلام اي تعريت ، فأصبحت لقباً ، انظر : الصولي ، ابي بكر محمد بن يحيى ، اشعار اولاد الخلفاء واخبارهم من كتاب الاوراق ، ( تح ج ، هيورث ، د ت ، دار المبسره ، ط 2 ، بيروت ، 1979 ) ، ص 4 .
(4) ابن قتيبة ، الشعر والشعراء ، ص 181 . الخطيب البغدادي ، المصدر السابق ، ج 8 ص 148 ـ 149 . ياقوت ، معجم الادباء ، سلسلة الموسوعات العربية ، مطبعة دار المأمون ، الطبعة الاخيرة ( د . ت ) ، ج 10 ص 249 ـ 250 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 76 ـ

   وكان احد ثلاثة في الكوفة يقال لهم الحمادون (*) ، وكانت له مع الشاعر بشار بن برد خلافات ولهم اشعار في هجاء بعضهم البعض (1) .
   وصف حماد بأنه ( كان خليعاً ماجناً متهكماً في دينه ، مرمياً بالزندقة(2) ، قدم البصرة مع الامير محمد بن ابي العباس في ( 147 هـ / 765 م ) ، وكان شاعره المقرب له .
   لكن بعد وفاة محمد بن ابي العباس ، لوحق حماد في البصرة من قبل واليها الجديد محمد بن سليمان بن علي ، لقوله الشعر في اخته ، فأستجير بقبر سليمان بن علي ، ثم غادر حماد البصرة الى بغداد ، واستجار بالخليفة ابو جعفر المنصور الذي آمنه على حياته (3) ، توفي حماد عجرد في البصرة عام ( 161 هـ / 778 م )(4) .
   لم تقتصر مقاومة ابناء البصرة لحركة الزندقة على الفقهاء والمتكلمين في تلك الحقبة بل ظهر في البصرة بعض الكتاب والمؤرخين ، الذين عملوا على ايضاح الفكر الشعوبي ، وخصائصه التي تهدد تراث الامة .

**************************************************************
(*) وهم ثلاث ، حماد بن عجرد ، وحماد بن الزبرقان ، وحماد الراوية ، كانوا يتناوبون على الشراب ، ويتناشدون الاشعار ، ويتعاشرون اجمل عشرة ، وكانوا كأنهم نفس واحدة ، وكانوا جميعاً يرمون بالزندقة ، واذ رأى الناس واحداً منهم قالوا : زنديق اقتلوه ، انظر : ابن المعتز ، المصدر السابق ، ص 69 .
(1) الخطيب البغدادي ، المصدر السابق ، ج 8 ص 149 .
(2) الاصفهاني ، الاغاني ، ج 17 ص 130 .
(3) المولى ، الاشعار ، ص 3 ـ 5 .
(4) ياقوت ، معجم الادباء ، ج 10 ص 250 .

البصرة منذ بداية العصر العباسي حتى سنة ( 247 هـ / 861 هـ )   ـ 77 ـ

   فالجاحظ (*) ( 150 ـ 255 هـ / 768 ـ 869 م ) ، وهو كاتب واديب من اهل البصرة اظهر مؤلفاته تفسيراً للشعوبية ، وعلاقتها بالزندقة واهدافها المعادية للأسلام ، حيث جاء في كتابه الحيوان ( فإنما ابغض شيئاً ابغض ينسلخ من الاسلام ، اذا كانت العرب هي التي جاءت به وكانوا سلف ) (1) ،كما يذكر في كتابه الآخر(2) ، الحقد الشعوبي على العرب ، ومحاولتهم النيل من تراث الامة واعتبار العرب موطن البداوة وقلة التحضر .
   كما اوضح الاديب واللغوي البصري المشهور المبرد(**) ( 285 هـ / 899 م ) في كتابه الكامل الدوافع الحقيقية للزنادقة ، من خلال رواياتهم التي يرويها على الزنادقة في البصرة كبشار بن برد وميله للثنوية وغيره من الزنادقة(3) .

**************************************************************
(*) الجاحظ : ابو عثمان عمر بن بحر بن محبوب الكناني الليثي المعروف بالجاحظ ، واليه تنسب الفرقة المعروفة بالجاحظية من المعتزلة ، ومن احسن تصانيفه ( كتاب الحيوان ) وكتاب ( البيان والتبيين ) ، انظر : ابن خلكان ، المصدر السابق ، ج 3 ص 470 ـ 471 .
(1) الجاحظ ، الحيوان ، ( تح عبد السلام محمد هارون ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، ط 1 ، القاهرة ، 1945 ) ، ج 7 ص 222 .
(2) البيان والتبيين ، ج 1 ص 383 .
(**) ابو العباس محمد بن يزيد بن عبد الاكبر بن عميد بن حسان الثمالي الازدي البصري المعروف بالمبرد ، كان اماماً في النحو واللغة ، وله من المؤلفات كتاب ( الكامل في اللغة والادب ) وكتاب ( الروضة ) و ( المقتضب ) ، ولد في سنة ( 207 هـ / 823 م ) وقيل في سنة ( 210 هـ / 826 م ) ، وتوفي في بغداد سنة ( 285 هـ / 898 م ) ، انظر : ابن خلكان ، المصدر السابق ، ج 4 ص 313 ـ 322 .
(3) الكامل في اللغة والادب ، ج 3 ص 193 .