البصرة في نصرة الإمام الحسين ( ع )

الدكتور . نزار المنصوري


الإهداء
   الى المجاهدين في سبيل الله الذين لا يخافون لومة لائم ، الى المجاهدين بالحق والساعين الى اعلاء كلمة الله ، الى المستشهدين في طريق الحق ونيل الكرامة ، والرافضين للذل والخنوع ، الى شهداء الطف من شيعة البصرة ، الى شهداء شيعة البصرة عبر التاريخ ، اليهم جميعا اقدم هذا المجهود في تأليف هذا الكتاب ، راجياً من الله العلي القدير ان يحشرنا معهم .

المقدمة
   الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد رسوله خاتم النبيين وآله الطاهرين .
وبعد : كانت البصرة منذ تأسيسها واجهة العرب والمسلمين في التحدي الحضاري في جميع صوره ، وكان لها دورها الكبير في المسيرة الحضارية والاسهام الفاعل في الحضارة الانسانية ، وليس بخاف على احد ولا يجهله العلماء والباحثون قديما وحديثا .
   البصرة هذه الحسناء الحبيبة ، التي تربعت على كنوز السحر والثراء ، واستهوت التجار والشعراء ، وانبتت العلماء ، والادباء ، وملكت القلوب وفتنت العقول ، وسالت لها لعاب المطامع ، هذه المدينة الساحرة التي كثر خطابها والمعجبون بها لن تكون مهمة الباحث امامها سهلة ، إذا ما اراده الحديث عن تراثها العريق وأدبها الغزير ، ولكن قد يهون علينا الامر اذا تذكرنا اننا نتناول جانبا واحداً من ذلك التراث الضخم ونرصد في زاوية من زوايا تأريخنا الطويل ، أنه : ( دور شيعة اليصرة في نصرة الإمام الحسين بن علي ( ع ) ) .

البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 2 ـ

   ولقد وجدت ان أهل السنة قد صنفوا كتباً في البصرة في مختلف المجالات ، لكن للأسف الشديد لم اجد لشيعة البصرة تصانيف تخصهم حول تأريخهم ، وبما ان البصرة مهمة وتنازعها الكوفة لذا صنف كتاب ( فضل الكوفة على البصرة ) كما ذكره النجاشي في رجاله (1) ، لهذا السبب قمت بتأليف هذا الكتاب نصرة لهم ، وسميته ( البصرة في نصرة الامام الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ) ، كما الفت كتاباً شاملاً حول أعيان الشيعة في البصرة من القرن الأول الهجري إلى القرن الرابع عشر الهجري وسميته ( النصرة لشيعة البصرة ) وهو آخذ دوره للطبع قريباً ان شاء الله تعالى .
   يتناول هذا البحث دور شيعة البصرة في نصرة الإمام الحسين بن علي ابي طالب ( عليهما السلام ) ، الذين شوه التأريخ دورهم في نصرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، كما كما شوه دور شيعة البصرة وولائهم وحبهم لأهل البيت (عليهم السلام ) .
   وقد قمت في بحثي هذا بكشف الستار عن دور شيعة البصرة واهميته في نصرة سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام) .

**************************************************************
(1) رجال النجايشي : ص 298 رقم 1064 .

البصرة في نصرة الامام الحسين  ـ 3 ـ

   يشتمل هذا البحث على ثلاثة أمور هي :
اولاً : جذور التشيع في البصرة .
ثانياً : دور شيعة البصرة في نصرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
ثالثاً : دور شيعة البصرة في الأخذ بثارات الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
   هذا وفضلاً عن التمهيد حول شخصية الإمام الحسين ( ع ) وفضل البصرة .
التمهيد
لمحات حول شخصية الإمام الحسين ( عليه السلام )
   قال إبن عبد البر : الحسين بن علي بن ابي طالب ، أمه فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، يكنى أبا عبد الله ولد لخمسة خلون من شعبان سنة أربع ، وقيل سنة ثلاث هذا قول الواقدي ، وطائفة معه .
   وقال الواقدي : قد علقت فاطمة بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة .
   وروى جعفر بن محمد عن ابيه قال لم يكن بين الحسن والحسين إلاّ طهر واحد .

البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 4 ـ

   وقال قتادة : ولد الحسين بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر لخمس سنين وستة أشهر من التأريخ ، وعق عنه رسول الله ( ص ) كما عق عن أخيه .
   وكان الحسين فاضلاً ديّناً كثير الصوم والصلاة والحج ، قُتل رحمه الله يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة ، ويعرف الموضع أيضاً بالطف ، قتله سنان بن أنس النخعي ، وهو جد شريك القاضي ، ويقال بل الذي قتله رجل من مذحج ، وقيل قتله شمر بن ذي الجوشن ، وكان أبرص وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير حز رأسه ، وأتى به عبيد الله بن زياد وقال :
اوقر ركابي فضة iiوذهبا      اني قتلت الملك iiالمحجبا
قتلت خير الناس اما وابا      وخيرهم اذ ينسبون iiنسبا

   وقال يحيى بن معين ، أهل الكوفة يقولون إن الذي قتل الحسين عمر بن سعد بن أبي وقاص ، قال يحيى وكان إبراهيم بن سعد يروي فيه حدثاً إنه لم يقتله عمر بن سعد .
   وقال ابو عمر : إنما نسب قتل الحسين الى عمر بن سعد لأنه كان الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد الى قتل الحسين ، وأمر عليهم عمر بن سعد ووعده أن يوليه الري إن ظفر بالحسين وقتله ، وكان في تلك الخيل والله أعلم قوم من مضر ومن اليمن ، وفي شعر سليمان بن قنة الخزاعي ، وقيل أنها لأبي الزميج الخزاعي ما يدل على الاشتراك في دم الحسين فمن قوله في ذلك :

البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 5 ـ

مـررت  عـلى ابيات ال iiمحمد      فـلم ارى من امثالها حيث iiحلت
فـلا يـبعد الله الـبيوت iiواهلها      وان اصبحت منهم بزعمي تخلت
وكـانوا  رجـاء ثم عادوا iiرزية      لـقد  عظمت تلك الرزايا iiوجلت
اولـئك  قـوم لم يشيموا سيوفهم      ولـم تنك في اعدائهم حين iiسلت
وان قـتيل الـطف من ال هاشم      اذل  رقـابا مـن قـريش iiفذلت

   وفيها يقول :
اذا افتقرت قيس حبرنا iiفقيرها      وتـقتلنا  قيس اذا النعل iiزلت
وعـبد  غنى قطرة من iiدمائنا      سنجزيهم يوما بها حسث حلت

   ومنها أو من غيرها :
الم تر ان الارض اضحت مريضة      لـفقد  حـسين والـبلاد iiاقشعرت
وقـد  اعـولت تبكي السماء iiلفقده      وانـجمها نـاحت عـليه iiوصلت

   وقال خليفة بن خياط : الذي ولي قتل الحسين شمر بن ذي الجوشن ، وأمير الجيش عمر بن سعد .
   وقال مصعب : الذي ولي قتل الحسين بن علي ، سنان بن ابي سنان النخعي لا رحمه الله ، ويصدق ذلك قول الشاعر :
واي رزية عدلت حسينا      غـداه  تبيره كفا iiسنان
البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 6 ـ

وقال منصور النمري :
ويـلـك يـاقـاتل الـحسين      بـقد بؤت بحمل ينؤ iiبالحامل
اي حـبـاء حـبوت iiاحـمد      فـي حفرته من حرارة الثاكل
تـعالى فـأطلب غدا iiشفاعته      وانهض فرد حوضه مع النهل
مـالشك  عندي في حال قاتله      لـكنني  اشـك فـي iiالخاذل
كـانما انـت تعجبين iiالامور      تـنزل  بـالقوم نقمة iiالعاجل
لايـجعل  الله ان عجلت iiوما      ربـك  عـما تـرين iiبالغافل
مـاخلصت لامـريء سعادته      حـقت  عـليه عقوبة iiالاجل

   وقال أبو عمر : حدثنا سعيد بن نصر ، قال حدثنا قاسم ، قال حدثنا إبن وضاح ، قال أبو بكر بن أبي شيبة ، قال حدثنا عفان ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال حدثنا عمار بن أبي عمار ، عن إبن عباس قال رأيت النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) فيما يرى النائم نصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم ، فقلت بأبي أنت واُمي يا رسول الله ما هذا .
قال : ( هذا دم الحسين لم أزل التقطه منذ اليوم ) .
فوجد قد قتل في ذلك اليوم .
وهذا البيت زعموا قديماً لا يدري قائله :
اترجوا امتاً قتلت حسيناً      شفاعة جده يوم الحساب
البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 7 ـ

   وبكى الناس الحسين فأكثروا ، واختلف في سن الحسين يوم قتله فقيل قُتل وهو إبن سبع وخمسين ، وقيل قتل وهو إبن ثمان وخمسين .
   قال قتادة : قتل الحسين وهو إبن أربع وخمسين سنة وستة أشهر .
   وذكر المزني عن الشافعي عن سفيان بن عيينة قال : قال لي جعفر بن محمد توفي علي بن أبي طالب وهو إبن ثمان وخمسين ، وقتل الحسين بن علي وهو إبن ثمان وخمسين ، وتوفي علي بن الحسين وهو إبن ثمان وخمسين ، وقال مصعب الزبيري : حج الحسين بن علي خمساً وعشيرين حجة ماشياً .
   وذكر أسد ، عن حاتم بن إسماعيل عن معاوية بن مزرد عن ابيه ، قال سمعت أبا هريرة يقول أبصرت عيناي هاتان وسمعت اُذناي رسول الله ( ص ) وهو آخذ بكفي الحسين وقدماه على قدم رسول الله ( ص ) وهو يقول ترق عين بقت ، قال فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله ( ص ) ثم قال له رسول الله ( ص ) ( إفتح فاك ) ثم قبله ، ثم قال ( اللهم أحبه فأني أحبه ) (1) .
   وقال إبن حجر : قال يونس بن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حرب بينما عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحسين مقبلاً فقال هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم(2) .

**************************************************************
(1) الإستيعاب في هامش الإصابة : 1 / 378 .
(2) الإصابة : 1 / 332 رقم 1724 .

البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 8 ـ

   قال إبن حجر : وقد صنف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث والسمين والصحيح والسقيم .
   وقال الحاكم : حدثني محمد بن صالح بن هانئ ، حدثنا الحسين أبن الفضل البجلي ، حدثنا غفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن أبي راشد ، عن يعلى العامري ، إنه خرج مع رسول الله ( ص ) أمام القوم وحسين مع الغلمان يلعب فأراد رسول الله ( ص ) ان يأخذه فطفق الصبي يفر ها هنا مرة وها هنا مرة فجعل رسول الله ( ص ) يضاحكه حتى أخذه قال فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأُخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه يقبله فقال ( حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط ) ، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1) .
   وقال ايضاً : حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ، حدثنا علي بن الحسين الهلالي ، حدثنا عبد الله بن الوليد ، حدثنا سفيان .

**************************************************************
(1) مستدرك الحاكم : ج 3 ص 177 ..

البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 9 ـ

   وأخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابي الجحاف ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ( ر ض ) ، قال رأيت رسول الله ( ص ) وهو حامل الحسين بن علي وهو يقول : ( اللهم إني أحبه فأحبه ) .
   وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
   وقد روي بإسناد في الحسن مثله وكلاهما محفوظان ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي من أصل كتابه ، حدثنا محمد بن شداد المسمعي ، حدثنا أبو نعيم ، وحدثني أبو محمد الحين السبيعي الحافظ ، حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية ، حدثنا حميد بن الربيع ، حدثنا أبو نعيم ، وأخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى إبن أخي العقيقي العلوي في ( كتاب النسب ) ، حدثنا جدي ، حدثنا محمد بن يزيد الآدمي ، حدثنا أبو نعيم .
   واخبرني ابو سعيد احمد بن محمد بن عمرو الاخمسي من ( كتاب التاريخ ) ، حدثنا الحسين بن حميد بن الربيع ، حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي ، والقاسم بن دينار قالا : حدثنا ابو نعيم ، واخبرنا احمد بن كامل القاضي ، حدثني يوسف بن سهل التمار ،

البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 10 ـ

حدثنا القاسم بن إسماعيل العرزمي ، حدثنا أبو نعيم ، واخبرنا احمد بن كامل القاضي ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم البزار ، حدثنا كثير بن محمد أبو أنس الكوفي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ر ض ) قال : أوحى الله تعالى الى محمد ( ص ) :
( إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين الفاً واني قاتل بابن إبنتك سبعين الفاً وسبعين الفاً ) .
   هذا لفظ حديث الشافعي ، وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل : ( إني قتلت على دم يحيى بن زكريا ، وإني قاتل على دم إبن إبنتك )، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1).

فضل البصرة
  قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال لي رسول الله ( ص ) هل علمت إن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ وسيكون التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور ويقتل في ذلك

**************************************************************
(1) مستدرك الحاكم : ج 3 ص 178 .


البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 11 ـ

الموضع من أمتي سبعون الفاً شهيدهم يومئذٍ بمنزلة شهداء بدر (1) .
  فقال له المنذر يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي واُمي قال : يقتلهم أخوان الجن ، وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود الوانهم ، منتنة ارواحهم ، شديد كلبهم ، قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم ، وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل الزمان ، مجهولون في الأرض ، معروفون في السماء ، تبكي السماء عليهم وسكانها والارض وسكانها ، ثم هملت عيناه .
**************************************************************
(1) وروي إبن المنادي في الملاحم : ص 175 رقم 113 قال : اخبرت عن أبي موسى بن مجمد بن المثنى ، قال حدثني ابراهيم بن صالح بن درهم ، قال سمعت أبي يقول : إنطلقنا حاجين ، فلقينا رجل ، فقال لنا الى جنبكم قرية يقال لها ( الأُبلّة ) ؟ فقلنا نعم .
فقال : من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً ويقول هذه لأبي هريرة ، فأني سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ( ان الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء ، لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم ) .
ويقول إبن المنادي : وإنما كتبنا هذا الحديث في ذكر مدح البصرة لأن الأُبلّة قرية من البصرة ، فهي منها ، ثم لأن هؤلاء الشهداء إنما قتلوا في فتنة كانت بها ، أو فتنة كائنة في آخر الزمان ، ورواه البخاري في التاريخ الكبير ، ورواه أبو داود في سننه : ج 4 ص 113 رقم 4308 ، والهندي في كنز العمال : ج 2 ص 285 ، والمجلسي في بحار الأنوار : ج 22 ص 253 .

البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 12 ـ

   يا منذر ان للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الاول لا يعلمها إلاّ العلماء، منها الخريبة ، ومنها تدمر ، ومنها المؤتفكة .
   ثم قال يا أهل البصرة إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطه شرف ولا كرم إلاّ وقد جعل فيكم أفضل ذلك ، وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم ، أنتم اقوم الناس قبلة ، قبلتكم على - كذا - المقام حيث يقوم الإمام بمكة ، وقارئكم أقرئ الناس ، وزاهدكم أزهد الناس ، وعابدكم أعبد الناس ، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ، ومتصدقكم أكرم الناس صدقه وغنيكم أشد الناس بذلاً وتواضعاً ، وشريفكم أحسن الناس خلقاً ، وأنتم أكرم الناس جواراً وأقلهم تكلفاً لما لا يعنيه ، وأحرصهم على الصلاة في جماعة ، ثمرتكم أكثر الثمار ، وأموالكم أكثر الأموال ، وصغاركم أكيس الاولاد ، ونساؤكم أقنع النساء وأحسنهن تبعلاً ، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحاً لمعاشكم ، والبحر سبباً لكثرة أموالكم ، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم .
   وأُقسم لكم يا أهل البصرة ما الذي ابتدأتكم به من التوبيخ إلاّ تذكير وموعظة لما بعد لكي لا تسرعوا إلى الوثوب في مثل الذي وثبتم ، وقد قال الله لنبيه ( ص ) ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) .
**************************************************************
(1) بحار الأنوار : ج 32 ص 245 والآية : 55 من سورة الذاريات .


البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 13 ـ

   وقال إبن المنادي : حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، قال حدثني محمد إبن عباد المهلبي ، قال سمعت صالح المري ينعق به غير مرة ، قال حدثني المغيرة بن حبيب صهر مالك بن دينار ، قال : قلت لمالك بن دينار وكانت بالبصرة فتنة ، لو خرجت بنا الى بعض سواحل البحر فأقمنا هناك ؟
   فقال : ما كنت لأفعل ذلك بعد شيء سممعت الأحنف بن قيس يحدث به ، قال : قال لي أبو ذر الغفاري أين مسكنك ؟ قلت : بالبصرة فقال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول :
( تكون بلدة أو قرية أو مصر ، يقال لها البصرة أقوم الناس قبلة ، يدفع الله عنهم ما يكرهون ) (1).
   وقال أبن المنادي ايضاً : حدثني محمد بن حماد أبو جعفر الدباغ ، قال حدثني أبو الربيع الزهراني ، قال نبأ عبد القاهر بن شعيب إبن الحبحاب ، قال نبأ هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين قال : تكون فتنة شديدة يكون أعفى الناس فيها أهل البصرة (2).
**************************************************************
(1) الملاحم لإبن المنادي : ص 174 رقم 110 .
(2) المصدر السابق : ص 174 رقم 111 .


البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 14 ـ

   وللبصرة أهمية كبيرة في التاريخ الإسلامي ، إذ يقول معاوية بن أبي سفيان إلى الزبير دونك الكوفة والبصرة ، لا يسبقنك لها إبن أبي طالب ، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد طلب الزبير وطلحة من الإمام علي ( عليه السلام ) أن يولهما البصرة الكوفة (1) .
   قال إبن المنادي : حدثنا جدي ، قال : نبأ علي بن الحسن بن شقيق ، قال : اخبرنا حازم ، عن زياد المكي ، قال : قال لي الضحاك إبن مزاحم إخرج من هذه يعني - خراسان - فإنه كان بها فتن ، قال : قلت : فالجزيرة بالموصل ؟
   قال : فإن بها الملاحم ، ولكن عليك بالمصرين - يعني الكوفة والبصرة - .
   قال إبن مبارك : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن إبن سيرين ، قال : إذا وقعت الفتنة فعليكم بالمصرين : البصرة والكوفة ( 2) .

t-size : 8px;">**************************************************************
(1) المصدر السابق : ص 5 .
(2) الملاحم : ص 155 رقم 84 .

البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 15 ـ

   وبعد هذا التمهيد نأتي على المحاور التالية :

أولاً : جذور التشيع في البصرة
   كانت البصرة تتهم طوال تاريخها بأنها عثمانية احياناً وأموية احياناً اخرى ، ولكن التاريخ قد شوه الحقائق لدور البصرة في ولائها لأهل بيت النبي ( ص ) ، إما حسداً وإما ثأراً .
   فالبصرة شيعية إذ يقول حمد الله المستوفي في كتابه ( نزهة القلوب ) : الشيعة الإمامية في العراق من العرب يتواجدون في نواحي البصرة والكوفة والحلة .

الفرق الشيعية الإمامية في البصرة
( 1 ) الضميرية : فرقة من الشيعة تسكن على ضفاف نهر الضمير ، وقديماً كانوا ينقشون مذهب أهل البيت على لوح ، وهم الآن يقاربون 500 منزل (1) .
( 2 ) العقيراوية : قال القاضي نور الله الشوشتري هم طائفة من الشيعة الإمامية في البصرة (2) .
**************************************************************
(1) مجالس المؤمنين : ص 61 .
(2) المصدر السابق .


البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 16 ـ

( 3 ) المزرعية : طائفة من الشيعة الإمامية ، ومنها 200 عائلة لهم منازل خاج مدينة البصرة (1) .
   ونلاحظ إن أصحاب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قد ظهروا في زمان ولايته ، خاصة قبائل بني عبد القيس وربيعة وبني سعد وبني تميم وهذه القبائل بولائها المطلق للإمام علي ( عليه السلام ) ، كما يؤيد لنا المؤرخون ذلك ، فقد خرج يوم الجمل إلى الإمام علي ( عليه السلام ) من شيعته من أهل البصرة من ربيعة ثلاثة الآف رجل (2) ، وكذلك قدمت ربيعة على علي ( عليه السلام) الكوفة لقتال معاوية بن أبي سفيان ، بعد قدوم بني سعد الكوفة ، وكان الإمام علي ( عليه السلام) يأمر عبد الله بن عباس بالإحسان إلى ربيعة فقد قال ( عليه السلام ) إلى إبن عباس : ( وأحسن إلى هذا الحي من ربيعة وكل من قبلك ، فأحسن اليهم ما استطعت ان شاء الله ) .
   أما دور قبيلة عبد القيس وهي معروفة في ولائها ونصرتها للامام علي ( عليه السلام ) في حرب الجمل فهو جلي واضح من خلال مواقف حكيم بن جبلة العبدي .

**************************************************************
(1) المصدر السابق : ص 62 .
(2) بحار الأنوار : ج 32 ص 120
.

البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 17 ـ

   وقال أبو عمر : فلماذا قدم الزبير وطلحة وعائشة البصرة وعليها عثمان بن حنيف والياً لعلي بن أبي طالب ( رض ) بعث عثمان بن حنيف ، حكيم بن جبلة العبدي في سبعمائة من عبد القيس ، وبكر بن وائل فلقي طلحة و الزبير بالزابوقة قرب البصرة فقاتلهم قتالاً شديداً فقتل رحمه الله .
   وكان الحكيم بن جبلة يقول اللهم أشهد ، اللهم أشهد ، وقال لأصحابه إني لست في شك من قتال هؤلاء يعني طلحة والزبير فمن كان في شك فلينصرف فقاتلهم قتالاً شديداً ، وضرب رجل ساق حكيم فقطعها فأخذ حكيم الساق فرماه بها فأصاب عنقه فصرعه ، وقتل يومئذ سبعون رجلاً من عبد القيس (1) .
   وعد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حكيم بن جبلة من عباد أهل البصرة ومخبتيهم .
**************************************************************
(1) الإستيعاب في هامش الاصابة : ج 1 ص 324 .

البصرة في نصرة الامام الحسين    ـ 18 ـ

وصايا الإمام علي ( عليه السلام ) ببني تميم
   كتب ( عليه السلام ) إلى ابن عباس وهو عامله على البصرة فقال له :
  حادث أهلها بالإحسان ، وأحلل عقدة الخوف من قلوبهم ( خوف معركة الجمل ) وقد بلغني تنمرك لبني تميم ، وغلظتك عليهم ، وإن بني تميم لم يغب لهم نجم إلاّ طلع آخر ، وإنهم لم يسبغوا بوغم في جاهلية ولا إسلام ، وإن لهم بنا رحماً ماسة ، وقرابة خاصة ، نحن مأجورون على صلتها ، ومأزورون على قطيعتها ، وكان من شيعة علي ( عليه السلام ) من بني تميم حارثة بن قدامة أحد أشرافهم (1) .
   أما دور بني سعد في تثبيت جذور التشيع في البصرة فهو واضح من خلال زعيمهم الأحنف بن قيس ، وإن بني سعد لم تقاتل علياً ( عليه السلام ) يوم الجمل ، إذ بعث الأحنف إلى الإمام علي ( عليه السلام ) إن شئت أتيتك في مائتي فارس فكنت معك وإن شئت إعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستة الآف سيف ، فإختار علي ( عليه السلام ) إعتزاله ، وقد أرسلت عائشة إلى الأحنف تدعوه لنصرتها في حرب الجمل فـأبى ، واعتزال بالحلجاء من البصرة في فرسخين وهو في ستة الآف .
**************************************************************
(1) بحار الانوار : ج 33 ص 492 .

البصرة في نصرة الامام الحسين   ـ 19 ـ

   فكان موقف شيعة البصرة واضحاً من قدوم عائشة ، كما عبر عنه أبو الأسود الدؤلي ( رض ) لما بعثه عثمان بن حنيف وهو يومئذ عامل الإمام علي ( عليه السلام ) على البصرة الى عائشة ، لما أنتهت إلى مقر أبي موسى قريباً من البصرة ليعلم له علمهم فجاء أبو الأسود الدؤلي حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها ، فقالت : أطلب بدم عثمان .
   قال : انه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد .
   قالت صدقت ، لكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة ، وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله ، إنغضب لكم من سوط عثمان ، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم ؟
   فقال لها ما أنت من السوط والسيف إنما أنت حبيس رسول الله ، أمرك أن تقري في بيتك ، وتتلي كتاب ربك ، ليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء ، وإن علياً لأولى بعثمان منك وأمس رحماً ، فأنهما أبنا عبد مناف ، فقالت لست بمنصرفة حتى أمض لما قدمت له ، افتظن يا أبا الأسود إن احداً يقدم على قتالي ؟
   فقال : أما والله لتقاتلن قتالاً أهونه الشديد ثم قام (1) .
**************************************************************
(1) بحار الانوار : ج 32 ص 139.