البصرة في نصرة الإمام الحسين ( ع )
الدكتور . نزار المنصوري
الإهداء الى المجاهدين في سبيل الله الذين لا يخافون لومة لائم ، الى المجاهدين بالحق والساعين الى اعلاء كلمة الله ، الى المستشهدين في طريق الحق ونيل الكرامة ، والرافضين للذل والخنوع ، الى شهداء الطف من شيعة البصرة ، الى شهداء شيعة البصرة عبر التاريخ ، اليهم جميعا اقدم هذا المجهود في تأليف هذا الكتاب ، راجياً من الله العلي القدير ان يحشرنا معهم . المقدمة الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد رسوله خاتم النبيين وآله الطاهرين . وبعد : كانت البصرة منذ تأسيسها واجهة العرب والمسلمين في التحدي الحضاري في جميع صوره ، وكان لها دورها الكبير في المسيرة الحضارية والاسهام الفاعل في الحضارة الانسانية ، وليس بخاف على احد ولا يجهله العلماء والباحثون قديما وحديثا . البصرة هذه الحسناء الحبيبة ، التي تربعت على كنوز السحر والثراء ، واستهوت التجار والشعراء ، وانبتت العلماء ، والادباء ، وملكت القلوب وفتنت العقول ، وسالت لها لعاب المطامع ، هذه المدينة الساحرة التي كثر خطابها والمعجبون بها لن تكون مهمة الباحث امامها سهلة ، إذا ما اراده الحديث عن تراثها العريق وأدبها الغزير ، ولكن قد يهون علينا الامر اذا تذكرنا اننا نتناول جانبا واحداً من ذلك التراث الضخم ونرصد في زاوية من زوايا تأريخنا الطويل ، أنه : ( دور شيعة اليصرة في نصرة الإمام الحسين بن علي ( ع ) ) . البصرة في نصرة الامام الحسين ـ 2 ـ ولقد وجدت ان أهل السنة قد صنفوا كتباً في البصرة في مختلف المجالات ، لكن للأسف الشديد لم اجد لشيعة البصرة تصانيف تخصهم حول تأريخهم ، وبما ان البصرة مهمة وتنازعها الكوفة لذا صنف كتاب ( فضل الكوفة على البصرة ) كما ذكره النجاشي في رجاله (1) ، لهذا السبب قمت بتأليف هذا الكتاب نصرة لهم ، وسميته ( البصرة في نصرة الامام الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ) ، كما الفت كتاباً شاملاً حول أعيان الشيعة في البصرة من القرن الأول الهجري إلى القرن الرابع عشر الهجري وسميته ( النصرة لشيعة البصرة ) وهو آخذ دوره للطبع قريباً ان شاء الله تعالى . يتناول هذا البحث دور شيعة البصرة في نصرة الإمام الحسين بن علي ابي طالب ( عليهما السلام ) ، الذين شوه التأريخ دورهم في نصرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، كما كما شوه دور شيعة البصرة وولائهم وحبهم لأهل البيت (عليهم السلام ) . وقد قمت في بحثي هذا بكشف الستار عن دور شيعة البصرة واهميته في نصرة سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام) . ************************************************************** (1) رجال النجايشي : ص 298 رقم 1064 . البصرة في نصرة الامام الحسين ـ 3 ـ
يشتمل هذا البحث على ثلاثة أمور هي : اولاً : جذور التشيع في البصرة . ثانياً : دور شيعة البصرة في نصرة الإمام الحسين ( عليه السلام ) . ثالثاً : دور شيعة البصرة في الأخذ بثارات الإمام الحسين ( عليه السلام ) . هذا وفضلاً عن التمهيد حول شخصية الإمام الحسين ( ع ) وفضل البصرة . التمهيد لمحات حول شخصية الإمام الحسين ( عليه السلام ) قال إبن عبد البر : الحسين بن علي بن ابي طالب ، أمه فاطمة بنت رسول الله ( ص ) ، يكنى أبا عبد الله ولد لخمسة خلون من شعبان سنة أربع ، وقيل سنة ثلاث هذا قول الواقدي ، وطائفة معه . وقال الواقدي : قد علقت فاطمة بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة . وروى جعفر بن محمد عن ابيه قال لم يكن بين الحسن والحسين إلاّ طهر واحد . البصرة في نصرة الامام الحسين ـ 4 ـ
وقال قتادة : ولد الحسين بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر لخمس سنين وستة أشهر من التأريخ ، وعق عنه رسول الله ( ص ) كما عق عن أخيه . وكان الحسين فاضلاً ديّناً كثير الصوم والصلاة والحج ، قُتل رحمه الله يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة ، ويعرف الموضع أيضاً بالطف ، قتله سنان بن أنس النخعي ، وهو جد شريك القاضي ، ويقال بل الذي قتله رجل من مذحج ، وقيل قتله شمر بن ذي الجوشن ، وكان أبرص وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحي من حمير حز رأسه ، وأتى به عبيد الله بن زياد وقال :
وقال يحيى بن معين ، أهل الكوفة يقولون إن الذي قتل الحسين عمر بن سعد بن أبي وقاص ، قال يحيى وكان إبراهيم بن سعد يروي فيه حدثاً إنه لم يقتله عمر بن سعد . وقال ابو عمر : إنما نسب قتل الحسين الى عمر بن سعد لأنه كان الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد الى قتل الحسين ، وأمر عليهم عمر بن سعد ووعده أن يوليه الري إن ظفر بالحسين وقتله ، وكان في تلك الخيل والله أعلم قوم من مضر ومن اليمن ، وفي شعر سليمان بن قنة الخزاعي ، وقيل أنها لأبي الزميج الخزاعي ما يدل على الاشتراك في دم الحسين فمن قوله في ذلك : البصرة في نصرة الامام الحسين ـ 5 ـ
وفيها يقول :
ومنها أو من غيرها :
وقال خليفة بن خياط : الذي ولي قتل الحسين شمر بن ذي الجوشن ، وأمير الجيش عمر بن سعد . وقال مصعب : الذي ولي قتل الحسين بن علي ، سنان بن ابي سنان النخعي لا رحمه الله ، ويصدق ذلك قول الشاعر :
البصرة في نصرة الامام الحسين ـ 6 ـ وقال منصور النمري :
وقال أبو عمر : حدثنا سعيد بن نصر ، قال حدثنا قاسم ، قال حدثنا إبن وضاح ، قال أبو بكر بن أبي شيبة ، قال حدثنا عفان ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال حدثنا عمار بن أبي عمار ، عن إبن عباس قال رأيت النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) فيما يرى النائم نصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم ، فقلت بأبي أنت واُمي يا رسول الله ما هذا . قال : ( هذا دم الحسين لم أزل التقطه منذ اليوم ) . فوجد قد قتل في ذلك اليوم . وهذا البيت زعموا قديماً لا يدري قائله :
البصرة في نصرة الامام الحسين ـ 7 ـ
وبكى الناس الحسين فأكثروا ، واختلف في سن الحسين يوم قتله فقيل قُتل وهو إبن سبع وخمسين ، وقيل قتل وهو إبن ثمان وخمسين . قال قتادة : قتل الحسين وهو إبن أربع وخمسين سنة وستة أشهر . وذكر المزني عن الشافعي عن سفيان بن عيينة قال : قال لي جعفر بن محمد توفي علي بن أبي طالب وهو إبن ثمان وخمسين ، وقتل الحسين بن علي وهو إبن ثمان وخمسين ، وتوفي علي بن الحسين وهو إبن ثمان وخمسين ، وقال مصعب الزبيري : حج الحسين بن علي خمساً وعشيرين حجة ماشياً . وذكر أسد ، عن حاتم بن إسماعيل عن معاوية بن مزرد عن ابيه ، قال سمعت أبا هريرة يقول أبصرت عيناي هاتان وسمعت اُذناي رسول الله ( ص ) وهو آخذ بكفي الحسين وقدماه على قدم رسول الله ( ص ) وهو يقول ترق عين بقت ، قال فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله ( ص ) ثم قال له رسول الله ( ص ) ( إفتح فاك ) ثم قبله ، ثم قال ( اللهم أحبه فأني أحبه ) (1) . وقال إبن حجر : قال يونس بن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حرب بينما عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحسين مقبلاً فقال هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم(2) . ************************************************************** (1) الإستيعاب في هامش الإصابة : 1 / 378 . (2) الإصابة : 1 / 332 رقم 1724 .
قال إبن حجر : وقد صنف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث والسمين والصحيح والسقيم . وقال الحاكم : حدثني محمد بن صالح بن هانئ ، حدثنا الحسين أبن الفضل البجلي ، حدثنا غفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن أبي راشد ، عن يعلى العامري ، إنه خرج مع رسول الله ( ص ) أمام القوم وحسين مع الغلمان يلعب فأراد رسول الله ( ص ) ان يأخذه فطفق الصبي يفر ها هنا مرة وها هنا مرة فجعل رسول الله ( ص ) يضاحكه حتى أخذه قال فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأُخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه يقبله فقال ( حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط ) ، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1) . وقال ايضاً : حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ، حدثنا علي بن الحسين الهلالي ، حدثنا عبد الله بن الوليد ، حدثنا سفيان . ************************************************************** (1) مستدرك الحاكم : ج 3 ص 177 ..
وأخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابي الجحاف ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ( ر ض ) ، قال رأيت رسول الله ( ص ) وهو حامل الحسين بن علي وهو يقول : ( اللهم إني أحبه فأحبه ) . وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وقد روي بإسناد في الحسن مثله وكلاهما محفوظان ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي من أصل كتابه ، حدثنا محمد بن شداد المسمعي ، حدثنا أبو نعيم ، وحدثني أبو محمد الحين السبيعي الحافظ ، حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية ، حدثنا حميد بن الربيع ، حدثنا أبو نعيم ، وأخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى إبن أخي العقيقي العلوي في ( كتاب النسب ) ، حدثنا جدي ، حدثنا محمد بن يزيد الآدمي ، حدثنا أبو نعيم . واخبرني ابو سعيد احمد بن محمد بن عمرو الاخمسي من ( كتاب التاريخ ) ، حدثنا الحسين بن حميد بن الربيع ، حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي ، والقاسم بن دينار قالا : حدثنا ابو نعيم ، واخبرنا احمد بن كامل القاضي ، حدثني يوسف بن سهل التمار ،
حدثنا القاسم بن إسماعيل العرزمي ، حدثنا أبو نعيم ، واخبرنا احمد بن كامل القاضي ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم البزار ، حدثنا كثير بن محمد أبو أنس الكوفي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ر ض ) قال : أوحى الله تعالى الى محمد ( ص ) : ( إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين الفاً واني قاتل بابن إبنتك سبعين الفاً وسبعين الفاً ) . هذا لفظ حديث الشافعي ، وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل : ( إني قتلت على دم يحيى بن زكريا ، وإني قاتل على دم إبن إبنتك )، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1). فضل البصرة قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال لي رسول الله ( ص ) هل علمت إن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ وسيكون التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور ويقتل في ذلك ************************************************************** (1) مستدرك الحاكم : ج 3 ص 178 .
الموضع من أمتي سبعون الفاً شهيدهم يومئذٍ بمنزلة شهداء بدر (1) . فقال له المنذر يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي واُمي قال : يقتلهم أخوان الجن ، وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود الوانهم ، منتنة ارواحهم ، شديد كلبهم ، قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم ، وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل الزمان ، مجهولون في الأرض ، معروفون في السماء ، تبكي السماء عليهم وسكانها والارض وسكانها ، ثم هملت عيناه . ************************************************************** (1) وروي إبن المنادي في الملاحم : ص 175 رقم 113 قال : اخبرت عن أبي موسى بن مجمد بن المثنى ، قال حدثني ابراهيم بن صالح بن درهم ، قال سمعت أبي يقول : إنطلقنا حاجين ، فلقينا رجل ، فقال لنا الى جنبكم قرية يقال لها ( الأُبلّة ) ؟ فقلنا نعم . فقال : من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً ويقول هذه لأبي هريرة ، فأني سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ( ان الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء ، لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم ) . ويقول إبن المنادي : وإنما كتبنا هذا الحديث في ذكر مدح البصرة لأن الأُبلّة قرية من البصرة ، فهي منها ، ثم لأن هؤلاء الشهداء إنما قتلوا في فتنة كانت بها ، أو فتنة كائنة في آخر الزمان ، ورواه البخاري في التاريخ الكبير ، ورواه أبو داود في سننه : ج 4 ص 113 رقم 4308 ، والهندي في كنز العمال : ج 2 ص 285 ، والمجلسي في بحار الأنوار : ج 22 ص 253 .
يا منذر ان للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الاول لا يعلمها إلاّ العلماء، منها الخريبة ، ومنها تدمر ، ومنها المؤتفكة . ثم قال يا أهل البصرة إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطه شرف ولا كرم إلاّ وقد جعل فيكم أفضل ذلك ، وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم ، أنتم اقوم الناس قبلة ، قبلتكم على - كذا - المقام حيث يقوم الإمام بمكة ، وقارئكم أقرئ الناس ، وزاهدكم أزهد الناس ، وعابدكم أعبد الناس ، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ، ومتصدقكم أكرم الناس صدقه وغنيكم أشد الناس بذلاً وتواضعاً ، وشريفكم أحسن الناس خلقاً ، وأنتم أكرم الناس جواراً وأقلهم تكلفاً لما لا يعنيه ، وأحرصهم على الصلاة في جماعة ، ثمرتكم أكثر الثمار ، وأموالكم أكثر الأموال ، وصغاركم أكيس الاولاد ، ونساؤكم أقنع النساء وأحسنهن تبعلاً ، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحاً لمعاشكم ، والبحر سبباً لكثرة أموالكم ، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم . وأُقسم لكم يا أهل البصرة ما الذي ابتدأتكم به من التوبيخ إلاّ تذكير وموعظة لما بعد لكي لا تسرعوا إلى الوثوب في مثل الذي وثبتم ، وقد قال الله لنبيه ( ص ) ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) . ************************************************************** (1) بحار الأنوار : ج 32 ص 245 والآية : 55 من سورة الذاريات .
وقال إبن المنادي : حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، قال حدثني محمد إبن عباد المهلبي ، قال سمعت صالح المري ينعق به غير مرة ، قال حدثني المغيرة بن حبيب صهر مالك بن دينار ، قال : قلت لمالك بن دينار وكانت بالبصرة فتنة ، لو خرجت بنا الى بعض سواحل البحر فأقمنا هناك ؟ فقال : ما كنت لأفعل ذلك بعد شيء سممعت الأحنف بن قيس يحدث به ، قال : قال لي أبو ذر الغفاري أين مسكنك ؟ قلت : بالبصرة فقال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : ( تكون بلدة أو قرية أو مصر ، يقال لها البصرة أقوم الناس قبلة ، يدفع الله عنهم ما يكرهون ) (1). وقال أبن المنادي ايضاً : حدثني محمد بن حماد أبو جعفر الدباغ ، قال حدثني أبو الربيع الزهراني ، قال نبأ عبد القاهر بن شعيب إبن الحبحاب ، قال نبأ هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين قال : تكون فتنة شديدة يكون أعفى الناس فيها أهل البصرة (2). ************************************************************** (1) الملاحم لإبن المنادي : ص 174 رقم 110 . (2) المصدر السابق : ص 174 رقم 111 .
وللبصرة أهمية كبيرة في التاريخ الإسلامي ، إذ يقول معاوية بن أبي سفيان إلى الزبير دونك الكوفة والبصرة ، لا يسبقنك لها إبن أبي طالب ، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد طلب الزبير وطلحة من الإمام علي ( عليه السلام ) أن يولهما البصرة الكوفة (1) . قال إبن المنادي : حدثنا جدي ، قال : نبأ علي بن الحسن بن شقيق ، قال : اخبرنا حازم ، عن زياد المكي ، قال : قال لي الضحاك إبن مزاحم إخرج من هذه يعني - خراسان - فإنه كان بها فتن ، قال : قلت : فالجزيرة بالموصل ؟ قال : فإن بها الملاحم ، ولكن عليك بالمصرين - يعني الكوفة والبصرة - . قال إبن مبارك : وأخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن إبن سيرين ، قال : إذا وقعت الفتنة فعليكم بالمصرين : البصرة والكوفة ( 2) . t-size : 8px;">************************************************************** (1) المصدر السابق : ص 5 . (2) الملاحم : ص 155 رقم 84 .
وبعد هذا التمهيد نأتي على المحاور التالية : أولاً : جذور التشيع في البصرة كانت البصرة تتهم طوال تاريخها بأنها عثمانية احياناً وأموية احياناً اخرى ، ولكن التاريخ قد شوه الحقائق لدور البصرة في ولائها لأهل بيت النبي ( ص ) ، إما حسداً وإما ثأراً . فالبصرة شيعية إذ يقول حمد الله المستوفي في كتابه ( نزهة القلوب ) : الشيعة الإمامية في العراق من العرب يتواجدون في نواحي البصرة والكوفة والحلة . الفرق الشيعية الإمامية في البصرة ( 1 ) الضميرية : فرقة من الشيعة تسكن على ضفاف نهر الضمير ، وقديماً كانوا ينقشون مذهب أهل البيت على لوح ، وهم الآن يقاربون 500 منزل (1) . ( 2 ) العقيراوية : قال القاضي نور الله الشوشتري هم طائفة من الشيعة الإمامية في البصرة (2) .
**************************************************************
(1) مجالس المؤمنين : ص 61 .
(2) المصدر السابق .
( 3 ) المزرعية : طائفة من الشيعة الإمامية ، ومنها 200 عائلة لهم منازل خاج مدينة البصرة (1) .
ونلاحظ إن أصحاب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قد ظهروا في زمان ولايته ، خاصة قبائل بني عبد القيس وربيعة وبني سعد وبني تميم وهذه القبائل بولائها المطلق للإمام علي ( عليه السلام ) ، كما يؤيد لنا المؤرخون ذلك ، فقد خرج يوم الجمل إلى الإمام علي ( عليه السلام ) من شيعته من أهل البصرة من ربيعة ثلاثة الآف رجل (2) ، وكذلك قدمت ربيعة على علي ( عليه السلام) الكوفة لقتال معاوية بن أبي سفيان ، بعد قدوم بني سعد الكوفة ، وكان الإمام علي ( عليه السلام) يأمر عبد الله بن عباس بالإحسان إلى ربيعة فقد قال ( عليه السلام ) إلى إبن عباس : ( وأحسن إلى هذا الحي من ربيعة وكل من قبلك ، فأحسن اليهم ما استطعت ان شاء الله ) . أما دور قبيلة عبد القيس وهي معروفة في ولائها ونصرتها للامام علي ( عليه السلام ) في حرب الجمل فهو جلي واضح من خلال مواقف حكيم بن جبلة العبدي . **************************************************************
(1) المصدر السابق : ص 62 . (2) بحار الأنوار : ج 32 ص 120 .
وقال أبو عمر : فلماذا قدم الزبير وطلحة وعائشة البصرة وعليها عثمان بن حنيف والياً لعلي بن أبي طالب ( رض ) بعث عثمان بن حنيف ، حكيم بن جبلة العبدي في سبعمائة من عبد القيس ، وبكر بن وائل فلقي طلحة و الزبير بالزابوقة قرب البصرة فقاتلهم قتالاً شديداً فقتل رحمه الله .
وكان الحكيم بن جبلة يقول اللهم أشهد ، اللهم أشهد ، وقال لأصحابه إني لست في شك من قتال هؤلاء يعني طلحة والزبير فمن كان في شك فلينصرف فقاتلهم قتالاً شديداً ، وضرب رجل ساق حكيم فقطعها فأخذ حكيم الساق فرماه بها فأصاب عنقه فصرعه ، وقتل يومئذ سبعون رجلاً من عبد القيس (1) . وعد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حكيم بن جبلة من عباد أهل البصرة ومخبتيهم . **************************************************************
(1) الإستيعاب في هامش الاصابة : ج 1 ص 324 . البصرة في نصرة الامام الحسين ـ 18 ـ
وصايا الإمام علي ( عليه السلام ) ببني تميم
كتب ( عليه السلام ) إلى ابن عباس وهو عامله على البصرة فقال له : حادث أهلها بالإحسان ، وأحلل عقدة الخوف من قلوبهم ( خوف معركة الجمل ) وقد بلغني تنمرك لبني تميم ، وغلظتك عليهم ، وإن بني تميم لم يغب لهم نجم إلاّ طلع آخر ، وإنهم لم يسبغوا بوغم في جاهلية ولا إسلام ، وإن لهم بنا رحماً ماسة ، وقرابة خاصة ، نحن مأجورون على صلتها ، ومأزورون على قطيعتها ، وكان من شيعة علي ( عليه السلام ) من بني تميم حارثة بن قدامة أحد أشرافهم (1) . أما دور بني سعد في تثبيت جذور التشيع في البصرة فهو واضح من خلال زعيمهم الأحنف بن قيس ، وإن بني سعد لم تقاتل علياً ( عليه السلام ) يوم الجمل ، إذ بعث الأحنف إلى الإمام علي ( عليه السلام ) إن شئت أتيتك في مائتي فارس فكنت معك وإن شئت إعتزلت ببني سعد فكففت عنك ستة الآف سيف ، فإختار علي ( عليه السلام ) إعتزاله ، وقد أرسلت عائشة إلى الأحنف تدعوه لنصرتها في حرب الجمل فـأبى ، واعتزال بالحلجاء من البصرة في فرسخين وهو في ستة الآف . **************************************************************
(1) بحار الانوار : ج 33 ص 492 .
فكان موقف شيعة البصرة واضحاً من قدوم عائشة ، كما عبر عنه أبو الأسود الدؤلي ( رض ) لما بعثه عثمان بن حنيف وهو يومئذ عامل الإمام علي ( عليه السلام ) على البصرة الى عائشة ، لما أنتهت إلى مقر أبي موسى قريباً من البصرة ليعلم له علمهم فجاء أبو الأسود الدؤلي حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها ، فقالت : أطلب بدم عثمان .
قال : انه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد . قالت صدقت ، لكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة ، وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله ، إنغضب لكم من سوط عثمان ، ولا نغضب لعثمان من سيوفكم ؟ فقال لها ما أنت من السوط والسيف إنما أنت حبيس رسول الله ، أمرك أن تقري في بيتك ، وتتلي كتاب ربك ، ليس على النساء قتال ، ولا لهن الطلب بالدماء ، وإن علياً لأولى بعثمان منك وأمس رحماً ، فأنهما أبنا عبد مناف ، فقالت لست بمنصرفة حتى أمض لما قدمت له ، افتظن يا أبا الأسود إن احداً يقدم على قتالي ؟ فقال : أما والله لتقاتلن قتالاً أهونه الشديد ثم قام (1) . ************************************************************** |