وبعد ان انحسر التهديد المصري ، أفاقت الدولة العثمانية لأهمية دجلة ولخطورة المشروعات البريطانية وان تتولى هي بنفسها أمر تسير البواخر في المياه العراق ، فنشب نزاع بين محمد نجيب باشا والي بغداد والقنصل البريطاني العام في بغداد هنري راولنسون H . Raulinson عندما انزل احد التجار الهنود المقيم في كربلاء الباخرة ( الكربلائية ) التي تم بنائها لحسابه في نهر دجلة وترفع العلم البريطاني ، وعندما وصلت الى مدينة البصرة تم احتجازها طبقاً لأوامر الوالي وتم رفع العلم العثماني عليها ، وعلى الرغم من اذعان الدولة العثمانية ـ كما هو شأنها ـ امام المطاليب البريطانية والتي قادت في النهاية على عزل محمد نجيب باشا ، الا انها اصبجت تشعر اكثر من اي وقت مضى بخطورة ما سينجم عنه النشاط البريطاني في مياه العراق والخليج العربي ، لذلك بعث الباب العالي في عام 1848 ( بيربك ) مع عدد من الضباط البحريين وربابنة السفن الى البصرة بمهمة اصلاح القوة البحرية العثمانية التي كانت لا تزيد عن ست سفن تمتاز برداءة تسليحها (91) ، وتأسس ترسانة في البصرة من اجل تعزيز النفوذ العثماني ، ويبدوا ان هذا الخطوة علاقة وثيقة بأعتقاد المسؤولين العثمانيين ان اهمال البصرو مسؤول عن ضعف الاهتمام والنشاط العثامني في الخليج العربي (92) ، وكذلك تردي العلاقات بين الدولتين العثمانية والايرانية بعد قيام الاخيرة باحتلال المحمرة ونشوب المناوشات بين الدولتين الامر الذي ادى الى توسط كل من بريطانيا وروسيا ودخول الدولتين في مباحثات من اجل تحديد الحدود (93) ، فوجد سفن عثمانية في تلك المناطق سيكون على جانب من الاهمية في حالة فشل المفاوضات الدائرة لعقد معاهدة ترسيم الحدود ، واغلب الظن ان العثمانيين لم يكن مهتمين بمصير المحمرة بقدر ما كانوا يخشونه من استخدام الاخيرة كميناء حر حيث لا تدفع البضائع الاجنبية وبخاصة البريطانية اي رسوم وبذلك ستنتعش تجارة التهريب وسيلحق الاذى بدور البصرة التجاري وبالاقتصاد العثماني في العراق ، لذا تم

*************************************************
(91) علي ، كاظم باقر ، البحرية الفارسية في الخليج العربي ، دراسة لواقعها البحري 1848 ـ 1907 ، ( مطبعة جامعة البصرة ، 1984 ) ص 75 .
(92) نوار ، تأريخ العراق الحديث ، ص 399 .
(93) للتفاصيل : نوار ، عبد العزيز ، العلاقات التجارية ـ الايرانية ، دراسة في دبلوماسية المؤتمرات : مؤتمر ارضروم 1843 ـ 1844 ، ( القاهرة ، 1974 ) .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 26 ـ

ارسال سفينة حراسة حربية عثمانية في عام 1846 لترابط عند مدخل قناة الحفار عند مدينة المحمرة ، وذلك لتحويل تجارة المحمرة الى البصرة ولترغم السفن الذاهبة الى المحمرة الى الصعود لتدفع ما عليها من رسوم كمركية ، فاحتجت الحكومة الايرانية وايدتها بذلك الحكومة البريطانية التي مارست ضغوطاً على اسطنبول التي اذعنت بدورها ، وعلى كل حال فقد نجم عن المباحثات العثمانية الفارسية توقيع معاهدة ارضروم الثانية في عام 1847 حيث تنازلت الدولة العثمانية المحمرة وميناءها وجزيرة خضر ( عبادان ) والاراضي الواقعة على الضفة الشرقية من شط العرب الى الدولة الفارسية مقابل تنازل الاخيرة عن أدعائها في مدينة السليمانية وشهرزور (94) .
   وعلي الرغم من ان محمد رشيد الكوزلغلي والي العراق قد هيأ في عام 1852 معملاً للحدادة لسد حاجة السفن (95) وكلف احدى الشركات البلجيكية ببناء باخرتين واللتان عرفتا بإسم ( بغداد ) و ( البصرة ) لنقل اموال التجارة بين موانيء البحر الاحمر والبصرة (96) ، من اجل تأسيس شركة تجارية عثمانية للملاحة تعمل بين مونيء البحر الاحمر والخليج العربي (97) الا ان ما ان اندلعت حرب القرم ، ( 1854 ـ 1856 ) وتردد ان الروس يعدون هجوماً على شمال العراق وان قواتاً فارسية قد تم تحشيدها على الحدود العراقية بتحريض من الروس فقد طلب محمد رشيد الكوزلغلي من بريطانيا ارسال قوات الى العراق للدفاع عنه ، الا ان بريطانيا رفضت هذا الطلب لاسباب عديدة واقتصرت على ارسال سفينتين حربيتين الى البصرة للأنظمام الى السفينة آل حربية المتواجدة هناك للقيام بمظاهرة حربية للارهاب الدولة الفارسية (98) ، ورداً على الاجراءات العثمانية الهادفة الى تأسيس شركة عثمانية للملاحة ، فقد تم توسيع شركة لنح في عام 1861 ليتم تأسيس شركة جديدة بإسم شركة الفرات ودجلة للملاحة البخارية the Euphrates and Tigis Steam Navigation Company ، وعلى الرغم من اعتراض العثمانيين على تأسيس هذه

*************************************************
(94) النجار ، المصدر السابق ، ص 61 ـ 83 .
(95) الارحيم ، المصدر السابق ص 173
(96) العزاوي ، المصدر السابق ، ج 7 ، 109 ـ 110 .
(97) نوار ، تأريخ العراق الحديث ، ص 272 .
(98) نوار ، المصالح البريطانية في انهار العراق ، ص 128 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 27 ـ

الشركة وانزال بواخر جديدة ، الا ان هذه الاعتراضات سرعان ما تبدد ، لان السلطات العثمانية سواء في اسطنبول ام بغداد كانت جاهلة بأمور الملاحة في انهار العراق ولم تكن لها سياسة واضحة تجاه بريطانيا ، ففي الوقت الذي اخذ الضعف يدب في مفاصل الدولة العثمانية واخذت هذه الدولة تعتمد على بريطانيا عسكرياً ومالياً ، كانت تخشى من مخططات بريطانية في العراق والخليج العربي .
  وعلى الرغم من الاجراءات التي اتخذتها السلطات العثمانية الرامية الى زيادة عدد البواخر العاملة بين البصرة وبغداد (99) وانشاء ما عرف بـ ( ادارة عُمان العثماني ) Oman Oticman adminestration التي كانت تحت ادارة وزير البحرية العثماني مباشرة (100) لكنها لم تكن جادة وفعالة الا عندما جاء مدحت باشا الذي عارض وباستمرار الرعايا البريطانيين ومصالحهم في العراق (101) فقام باصلاح البواخر واضاف بواخر جديدة ليصل عددها الى العرشين واعادة تنضم ادارة ُعُمان العثمانية للملاحة ، فتم افتتاح خط ملاحي بين اسطنبول والبصرة عبر قناة السويس وبين البصرة وجدة لنقل الحجاج ، واخذت بواخر ادارة عُمان العثماني تعمل بين البصرة والموانيء الاوربية (102) وهكذا اخذت الادارة العثمانية بمنافسة شركة الفرات ودجلة البريطانية الذي اخذت تمارس عمليات النقل النهري بين البصرة وبغداد عبر نهر دجلة ، واصبح لها فرعاً في البصرة وتّمكنت من تأسيس مستودع للفحم في المعقل وحوضاً في البصرة لاصلاح سفنها (103) ، ومن اجل تعزيز سيادة العراق على شط العرب وتعزيز هيمنة بريطانيا عليه ادعت الاخيرة بأن شط العرب ليس نهراً عراقياً بل نهراً مفتوحاً Free River وان الملاحة حرة فيه ومن حق السفن الحربية البريطانية الصعود الى القرنة لانه سبق للسفن الحربية البريطانية وخلال حرب القرم ليس فقط الصعود الى القرنة بل القيام بحركات عسكرية في شط العرب وبموافقة السلطات العثمانية (104) .

*************************************************
(99) نوار ، تأريخ العراق الحديث ، ص 272 .
(100) Longrigg , S . H , irag 1900 ـ 1950 ( Beirut 1968 ) , p . 33 .

(101) Hoskins , op . cit , p , 435 .

(102) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 284 ـ 277 .
(103 ) التميمي ، المصدر السابق ، ص 53 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 28 ـ

  لقد كان موقف الدولة العثمانية قريباً ، ففي الوقت الذي ارسلت تأكيدات الى ولاتها في بغداد بعدم السماح للسفن الحربية البريطانية الصعود الى القرنة الا بعد التوصل الى تسوية للموضوع ، فأنها اهملت متابعة الموضوع وهذا ما شجع بريطانيا على عدم اثارة الموضوع لان اهماله من مصلحتها ، وبالفعل اخذت السفن الحربية الربيطانية تقوم برحلات بين البصرة والموصل (105) ، ولم تعمل الدولة العثمانية وبأني طريقة ممكنة على مقاومة النفوذ البريطاني المتزايد في العراق ، فرفضت الطلب المتقدم من شركة فرنسية ترغب في تسيير بواخر في نهر دجلة على ان ترفع العلم العثماني ، وبذلك خسرت فرصة ثمينة لضرب النفوذ البريطاني بالنفوذ الفرنسي (106) .
  ولم تقصر الاهمية الاستيراتيجية للعراق عامة والبصرة خاصة عند بريطانيا على تسيير بواخر في انهاره ومرابطة قوة في مياه البصرة فحسب ، بل امتدت الجهود البريطانية الى مد سكك حديد تربط سواحل البحر الاحمر بالخليج العربي عبر البصرة وكذلك ربط الاخيرة بمكاتب بريد وخط التلغراف الذي يربط اوربا بالهند ، ام هاذين المشروعين سيضاعفان الاهمية الاستيراتجية للبصرة ، لان حماية نهاية مشروع السكة ومحطة التلغراف ( تستوجب في هذه الحالة التمسك ببوابة الدفاع الرئيسية عند الخليج من الشمال وهي البصرة ) (107) ، ويرجع اهتمام بريطانيا بمد سكك حديد على طول نهر الفرات عبر البصرة الى الخليج العربي الى النصف الاول من القرن التاسع عشر (108) ، فالاحداث في افغانستان الناجمة عن التدخل الايراني فيها عام 1837 أدى الى احتلال بريطانية للأحواز ، وكذلك حرب القرم واحداث الثورة الهندية لعام 1857 جعل المسؤوليين البريطانيين ينظرون باهتمام متزايد الى طريق قناة السويس الذي تشرف عليه فرنسا ، لم تتم عملية تنفيذ مشروع سكة حديد الفرات لاعتبارات عديدة منها ان الحكومة البريطانية كانت مهتمة بتنفيذ مشروع مد خط .

*************************************************
(105) المصدر نفسه ، ص 129 .
(106) نوار ، تأريخ العراق الحديث ، ص 275 .
(107 ) التميمي ، المصدر السابق ، ص 60 .
(108) HOSKINS , OP , CIT . 321 ـ 342 , ibib , pp . 280 ـ 289 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 29 ـ

تلغراف عبر الفرات وبخاصة ان بريطانيا والدولة العثمانية توصلتا في 1863 الى اتفاقية مد خط تلغرافي تقوم بنفقاته الدولة العثمانية حين تقدم بريطانيا المساعدة الفنية ، وفي عام 1868 قامت بريطانيا بربط البصرة بمكاتب بريد وخط التلغراف الهندي الاوربي عندما انشأت محطة في الفاو (109) .
   أثير مشروع سكة حديد الفرات في لندن مرة أخرى ، وتألفت خلال الاعوام 1871 ـ 1872 لجنة برلمانية اوصلت الحكومة بربط البحر المتوسط بالخليج العربي بسكة حديد عبر وادي الفرات لان ( اهمية طريق الفرات العسكرية العثمانية ) فحسب ، بل عن بلاد فارس وجميع المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط . . . والمحيط الهندي ) ، والدفاع هنا ضد روسيا لان هدف روسيا هو الوصول الى الخليج العربي ، وتريد انجاز ذلك عبر مراحل ، فتحتل ارمينيا ثم تتقدم باتجاه آسيا الوسطى وتحتاج شمال ايران ثم تتقدم باتجاه الخليج العربي عبر الخط الممتد بين قارص باتجاه نهر الفرات والعراق (110) ، لذا فعندما اندلعت الحرب العثمانية ـ الروسية عام 1877 اثر الانتفاضة البلقانية لعام 1875 واحتلال روسيا لقارص وباطوم واردهان وتقدمها باتجاه اسطنبول حتى وصلت الى سان ستيفانو حيث وقعت معاهدة مع الدولة العثمانية في اذار 1878 ، توصلت الحكومة البريطانية الى قرار بضرورة وقف التقدم الروسي عن طريق احتلال ( مواقع حربي ) في شرق البحر المتوسط ، فاقترح اللورد دزرائيلي رئيس الوزاء المحافظة عدة مواقع وكانت البصرة من ضمنها (111) ، الا ان الاختيار وقع على قبرص .
  وشهدت الاعوام 1878 ـ 1880 تردي العلاقات العثمانية ـ البريطانية في الوقت الذي تحسنت العلاقات العثمانية ـ الالمانية (112) ، وكان لتردي

*************************************************
(109) نوار ، تأريخ العراق الحديث ، 276 ـ 278 ، التميمي ، المصدر السابق ، ص 61 .
(110) صالح ، المصدر السابق ، ص 168 ـ 169 .
(111) ٍٍٍSeton ـ watson, ٌR .w ,Disraeli ,Gisraeli , Gladstone and the Eastern Question ,( London , 1962 ) , P. 422 .

(112) ALـAmir ,Y.S,British Reaction to Germany’s Ottoman Policy 1870 ـ 1885 ,unpublished Ph .D theses ,( University of Bradford , 1978 ) , vol . pp , 129 ـ 319 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 30 ـ

العلاقات انعكاس على سياسة الدولة العثمانية في العراق وفي البصرة خاصة فأتخذ العثمانيون اجراءات عديدة لتحدي المصالح والنشاط البريطاني في البصرة ، فبعد قيام الاسطول البريطاني بقصف الاسكندرية عام 1882 كتمهيد لاحتلال مصر ، قررت الدولة العثمانية التحرك ( لمواجهة الخطر نفسه في شط العرب لئلا تتكرر القصرة مرة اخرى في ميناء البصرة ) ، وحاولت السلطات العثمانية في عام 1883 في بناء استحكامات حربية على ضفة شط العرب ، وأبلغ والي البصرة المسؤولين البريطانيين ان النية مجتهة لبناء قلعة كبيرة في الفاو التي ( تعتبر مفتاحاً لشط العرب ونقطة التقاء خطوط التلغراف الهندية الاوربية بالخط العثماني ، وذلك مكان له اهمية الدولية ، اذ انه المحطة العثمانية الوحيدة في البصرة ) ، وهيأ والي البصرة جميع المستلزمات لبناء القلعة وارسل قوة عسكرية ، ان بناء هذه القلعة سيؤدي الى التحكم بالملاحة في شط العرب الذي اهتم بها البريطانيون خاصة وانهم يعملون من اجل فتح نهر الكارون الى الملاحة والذي تم في عام 1888 ، عارض البريطانيون مشروع بناء القلعة في الفاو بشدة واعتبروه موجهاً ضد المصالح البريطانية وحاولوا استخدام ايران ضد الدولة العثمانية ، وقدوا الاحتجاجات التي لم تجد اذناً صاغية عند العثمانيين الذين أصروا على بناء القلعة ، فهدد رئيس الوزراء البريطانية سالزبوري Salisbury باستخدام القوة وانذر انه في حالة عدم اعطاء الباب العالي ضمانات اكيدة حول الاهداف العسكرية في منطقة شط العرب فانه سيطلب من الاسطول البحري البريطاني في شرق افريقيا التوجه لتدمير تحصينات الفاو (113) ، لم تثن هذه التهديدات السلطات العثمانية ، فقد اغرقت المدفعية العثمانية سفينة بريطانية عند اقترابها من الفاو وحذت بتكرار الحادث في حالة تقرب اي سفينة بريطانية من التحصينات العثمانية في شط العرب ، قررت بريطانيا استخدام اسلوب التهديد ، فأمرت قطع بحرية من اسطولها بالتوجه نحو الفاو ، الا انها جوبهت نيران المدفعية العثمانية حال اقترابها من القلعة ، ولم تقتصر بناء الاستحكامات على الفاو فحسب بل امتد لبناء استحكامات اخرى في جزيرة شمشمية في شط العرب وفي كوت الزين مقابل مصب نهر الكارون وفي ( الكطعة ) بين كوت الزين والدوسر (114) فضلاً عن ذلك اخبرت الدولة العثمانية بريطانيا في عام

*************************************************
(113) العقاد ، صلاح ، التيار السياسية في الخليج العربي ( القاهرة ، 1965 ) ص 210 ـ 212 .
(114) النجار ، المصدر السابق ، ص 93 ـ 99 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 31 ـ

1881 بأن ( الجزء الواقع بين القرنة والبصرة من النهر ليس نهراً حراً اذ انه يجري في كلتا ضفتيه في املاك الحكومة العثمانية ، وان دخول المراكب التجارية الاجنبية والمراكب الحربية على الاخص مثل هذا النهر . . . بدون رضى وقبول الحكومة يعتبر طبقاً للقوانين غير مسموح به ) ، وقامت بمنع السفن الحربية البريطانية من الدخول الى شط العرب ، لكن بريطانيا فسرت الطلب العثماني بأن لا تتعدى السفن الحربية البريطانية مدينة القرنة ، قدم الباب العالي احتجاجات الى بريطانيا عندما تواجدت سفينة حربية بريطانية في شط العرب قبالة مدينة البصرة ، وبعد فتح نهر الكارون للملاحة تكثف تواجد السفن الحربية البريطانية في الشط مما زاد قلق السلطات العثمانية التي اصرت على ان شط العرب اسفل المحمرة نهر عراقي وتكون الملاحة فيه تحت اشراف الدولة العثمانية ، ويجب على كل سفينة حربية بريطانية تروم الدخول في الشط ان تودع اسلحتها الى المدير العثماني في الفاو حتى عودتهم الى الفاو مرة اخرى عدا اربع قطع يسمح لهم بالاجتفاظ بها للدفاع عن انفسهم ، وتم تطبيق التعليمات العثمانية على اول مركب بريطاني وصل الى الفاو فتدخل الوكيل البريطاني في الفاو ، واقنع القنصل الايراني في البصرة التوسط لدى السلطات العثمانية في البصرة لوقف تطبيق هذه التعليمات ولكن بدون جدوى ، ثم بدأت السلطات العثمانية في البصرة باستيفاء ضريبة كمركية قدرها 8% على السفن البريطانية التي تعمل بين المحمرة والاحواز والبصرة والقرنة ، فأحتج المسؤلون البريطانيون ، فكان رأيهم بأن شط العرب مفتوح منذ زمن طويل امام السفن دون اي ضريبة ، اما شركة الفرات ودجلة البريطانية فذكرت ان الضريبة المقررة هي 1 % اكد الباب العالي بأن شط العرب مياه عراقية ومن حق الدولة العثمانية فرض الضريبة التي قررها ، لكن الاذعان هو السمة المميزة لمواقف الدولة العثمانية ، أذ سرعان ما قدم القنصل البريطاني في البصرة بدراسة تفيد بأن الشط بين البصرة والقرنة يعتبر نهر مفتوحاً ، فكانت السفن تسير من الفاو حتى القرنة دون اي مضايقة وكانت تدفع 1% اقتنع الباب العالي بهذا الرأي ! ورد 7 % من الضريبة الكمركية الى الشركة البريطانية ، وهكذا توقف الموضوع مؤقتاً ، ففي خريف عام 1894 تعرض الجنود العثمانيون في الفاو الى سفينة هندية لم تذعن لأوامرهم ، فأصدر المسؤلون البريطانيون بعض التعليمات التي تعارض بل ترفض الاجراءات العثمانية ، ودارت مباحثات بين الدولتين في اسطنبول الا انها لم

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 32 ـ

تسفر عن شيء فقررت بريطانيا وضع حد للأجراءات العثمانية في الفاو والضغط على العثمانيين للموافقة على انشاء قنصلية بريطانية في الفاو ، وهكذا رضخ البريطانيون الى التهديد البريطاني ، فمقابل سحب الطلب البريطاني بأنشاء قنصلية بريطانية ، تعهدت السلطات العثمانية بحسن معاملة السفن البريطانية (115) .
   ولئن اذعنت الدولة العثمانية لتهديدات بريطانية ومن ثم منحها الامتيازات في شط العرب ، الا ان العشائر العربية في البصرة قاومت وببسالة النفوذ البريطاني في شط العرب ، وفي الحقيقة ان هذه المقاومة ترجع الى بعد احتلال بريطانيا للمحمرة في عام 1857 وتغلغل النفوذ البريطاني فيما فشهدت بواخر وسفن بريطانية وهندية هجمات عربية تعاونت السلطات البريطانية والفارسية والعثمانية لايقافها ، وتصاعدت تفي هذه الهجمات في عقد الثمانينات وبخاصة بعد افتتاح نهر الكارون للملاحة الذي سيكون له الاثر البالغ على مصالحهم في المنطقة (116) ، وتعرضت بواخر بريطانية عديدة الى هجمات عربية وتكبدت خسائر مالية وبشرية لا سيما بعد ان اعتبرت عادة الهند البريطانية للملاحة التجارية والخطوط البريطانية الاخرى المحمرة ميناء تموين ، ومارست بريطانيا الضغوط على السلطات المحلية في البصرة من اجل وضع حد للمقاومة العربية ، ونجم عنه انشاء ( محطات ) امان في الشط في عام 1896 ، وتعاونت السلطات العثمانية والفارسية على تطبيق نطام الخفارات الليلة لتسيير قوارب مسلحة ، وبالاضافة الى هذه النقاط الخاصة بالحراسة والتي اقيمت على ضفتي النهر والتي يقوم بها جنود عثمانيون ، كانت تتواجد سفينة بريطانية حربية ، لكن هذه الاجراءات المشددة فشلت في وضع حد للمقاومة العربية التي وسعت اهدافها لتشمل السفن الفارسية وجميع السفن التي تتعاون مع بريطانيا وايران ، لذلك قررت بريطانيا أن تأخذ على عاتقها حراسة شط العرب ، وهذا ما كانت تطمح اليه لتعزيز نفوذها افي هذا النهر العربي ، وخوفاً من نقمة العرب عليها طلبت الدولة العثمانية من بريطانيا سحب السفينة الحربية المتواجدة في شط العرب ، وشهد مطلع القرن

*************************************************
(115) المصدر نفسه ، 100 ـ 105 .
(116) النجار ، مصطفى عبد القادر ، التأريخ السياسي لعربستان العربية 1897 ـ 1925 ( القاهرة ، 1971 ) ص 207 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 33 ـ

الحالي تصاعد عمليات المقاومة العربية ـ التي تصفها بريطانيا بالقرصنة !! ، فتعرضت العشرات من السفن البريطانية والهندية الى الهجمات العربية ، ولم تفلح المساعي البريطانية المكثفة مع وضع حد للمقاومة العربية (117) .
  وعلى الرغم من تعاون العثمانيين البريطانيين بهدف القضاء على المقاومة العربية في البصرة ضد النفوذ البريطاني الا ان الاخيرين كانوا يشكون بنوايا العثمانيين ، ففي عام 1893 أسس العثمانيون ( الادارة السنية الحميدية ) لتحل محل ادارة عُمان العثماني ، فبدأت شركة فرات ودجلة للملاحة البخارية البريطانية بتنسيق مصالحها مع شركة الهند البريطانية للملاحة البخارية (118) ، ومن اجل احتواء المشروع العثماني اقترحت غرفة تجارة لندن انشاء شركة بريطانية ـ عثماننية تعمل تحت العلم العثماني ، لكن وزير البحرية العثماني رفض الاقتراح وامتنع عن اعطاء اية امتيازات للبراطنيين ، بل ان الوزير العثماني كان قد عين مدير الادارة البحرية في البصرة الاهتمام بالادارة السنية الحميدية ، لم تقتصر ( المعارضة ) العثمانية للمشاريع البريطانية في العراق على الباب العالي بل أمتدت لتشمل السلطان عبد الحميد الثاني نفسه ، فعندما وصلته اخبار بوجود سفينتين حربيتين بريطانتين في شط العرب ، امر على الفور بسحب هاتين السفينتين ، وافقت بريطانيا على ذلك مقابل موافقة السلطان العثمان على استخدام الشركة البريطانية مقطورات طالما كانت البضائع مكدسة في البصرة ، ويستدل من ذلك ان موقف السلطان كان متردداً وغير ثابت ويعود ذلك الى انه كان يخشى انه في حالة رفض منح امتيازات جديدة للبرطانيين في المياه العراقية فأن بريطانيا ستقوم باحتلال البصرة ومنطقة شط العرب حتى القرنة ، وهكذا حصلت شركة الفرات ودجلة للملاحة التجارية المدعمة من قبل الحكومة البريطانية على امتياز استخدام مقطورات من البصرة الى بغداد طالما ان البضائع المراد ارسالها الى بغداد متراكمة ، لذا ابلغ القنصل البريطاني في بغداد مدير الشركة البريطانية بوجوب ( ان تحتفظ على الشاطيء ، من البضائع الزائدة المتراكمة ) ، الا ان الامور لم تستمر اذ سرعان ما طلب محسن باشا والي البصرة من القنصل البريطاني في آذار وحزيران عام

*************************************************
(117) النجار ، التأريخ السياسي لمشكلة الحدود ، ص 105 ـ 108 .
(118) longrigg ,Op,P.33 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 34 ـ

1901 بايقاف استخدام المقطورات ، رد شركة الفرات ودجلة البريطانية بأن ارصفة البصرة مكدسة بالبضائع تحتاج الى استخدام باخرة ثالثة يرفع عليها العلم العثماني الى جانب المقطورات ، ويبدوا ان البرطانيين ادركوا انهم اذ اصروا على رفع العلم البريطاني على الباخرة الثالثة فأن الباب العالي الذي اصبح يشك في كل طلب بريطاني سيرفضه ، لكن السفير البريطاني في اسطنبول اوكونور N . O.conor كان له رأي مخالف لرأي الشركة ، فكان يريد الحفاظ على الوضع القائم فيما يتعلق بالامتيازات البريطانية في انهار العرق ، وانه يرى بأن المطالبة بأستخدام باخرة ثالثة سيؤدي الى تغيير الوضع القائم وبذلك يعزز موقف بعض الدول في اثاره موضوع امتيازات شركة الفرات ودجلة للملاحة البخارية وفي الواقع التي كانت هناك محاولات فرنسية وروسية والمانية رامية الى آثارة موضوع امتيازات الشركة البريطانية من اجل الحصول على امتيازات مماثلة ، فقد كان لفرنسا مصالح تجارية في البصرة فضلاً عن انها أنشأت خطاً ملاحياً مع البصرة ، فقد كان لشركة Mesine des Messageries Maritimes التابعة للحكومة الفرنسية ، فقد أنشأت خطاً ملاحياً مع البصرة لنقل البريد الى مسيليا (119) ، وقد بدأ هذا الخط في عام 1881 الا انه تعثر (120) ، وشهد العقد الاخير من القرن التاسع عشر محولات روسية محمومة من اجل الوصول الى الخليج العربي (121) ، فقد ذكرت الصحافة الروسية مشروعات عديدة لربط الاراضي الروسية بالخليج العربي (122) ، بل ان الاشاعات ترددت بوجود اتفاقية مكتوبة بين روسيا وايران تقتضي بتسليم الاخيرة بندر عباس الى روسيا (123) ، وفي

*************************************************
(119) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 283 ـ 284 ، 286 .
(120) lsswi , C , The Economic History of the Middle East 1800 ـ 1914 ( Tht University of Chicago PRESS , ( 1966 ) , PP . 350 ـ 1 .
(121) Ronaldshay , EARL of , Tht Life of Lord Curzon ,( London , 1982 ) , vol .ll , pp , 306 ـ 10 .
(122) Hardinge of ponshurst , Lord C , Old Diplomacy : Tht Reminiscences of , ( London , 1947 ) P . 65 .
(123) Busch , Op . cit ,vol . ll , p . 310 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 35 ـ

اوائل عام 1900 وصلت سفينة حربية روسية الى ميناء عدن في طريقها الى الميناء بندر عباس (124) ، أضافة الى ذلك بدأت روسيا بتكوين سلات تجارية من موانيء الخليج العربي (125) ، ففي عام 1901 نشأ خط ملاحي بين اوديا والبصرة واعلنت الحكومة الروسية بأنها ستسير بواخر على هذا الخط الذي سيمر بموانيء البحر الاحمر والخليج العربي (126) ، اما المانيا فترجع علاقتها مع الخليج العربي علاقة عامة والبصرة خاصة الى عام 1892 عندما بدأت شركة فونكنهاس الالمانية بممارسة نشاطها في ميناء لنكه الايراني إذ كانت تقوم بشراء الاصواف واللاليء (127) ، ثم نشأ خط ملاحي بين بريمن والبصرة عام 1895 إذ وصلت باخرتان الى البصرة لكن هذا الخط توقف في العام التالي (128) ، وفي نفس العام عينت الحكومة الالمانية معتمداً سياسياً لها في الخليج العربي وجعلت في مقره بوشهر (129) ، ومدت شركة فونكنهاس نشاطها منذ عام 1898 الى البحرين وبندر عباس ، ازدهرت تجارة الشركة الالمانية حتى ظنت السلطان البريطانية ان الحكومة تدعم هذه الشركة (130) .
  ترجع جذور التقارب العثماني ـ الالماني الى ما قبل مؤتمر برلين بعام 1878 ، حين قامت بعثة بروسية في القرن التاسع عشر بزيارة الى الدولة العثمانية تنظيم وتدريب الجيش العثماني (131) ، ومن اسباب هذ التقارب هو ان العلاقات العثمانية ـ البريطانية كانت تسير نحو الهاوية وبخاصة بعد الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 (132) ، وبما ان بريطانيا قد وطدت نفوذها في الدولة

*************************************************
(124) Ronaldshay , op , cit , vol , ll .p. 310 .
(125) Al ـ Y . S , Great Britain and the Berlin ـ Baghdad Railway 1899 ـ 1903 , unpublished M.A hesis (Univessity of East Anglia , 1973 ) , P . 31 .
(126) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 286 .
(127) ابراهيم ، عبد العزيز الغني ، السلام البريطاني في الخليج العربي 1899 ـ 1947 دراسة وثائقية ( الرياض ، 1981 ) ص 130 .
(128) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 286 .
(129) خزعل ، المصدر السابق ، ج 2 ، ص 123 .
(130) ابراهيم ، المصدر السابق ، 130 .
(131) Henderson , W . O , German Econonic Penetration in the Middle East 1870 ـ 1914 , The Economic Hiistoy Review , vol . xvll , 1948 , P . 56 . ِAl ـ Amir , British ٌٌReaction , vol . xvll , ll . lp . 448 ـ 601 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 36 ـ

العثمانية وفي بعض اجزائها وبخاصة العراق ، لذا اراد السلطان عبد الحميد الثاني ( ان يستميل اليه المانية التي بدأ نجمها يبزغ في سماء السياسة كأكبر ند ومنافس ( لبريطانيا ) ، وذلك لتلويح لها بمصالح معينة واهمها اعطاء صلاحيات مد خطوط سكة حديد برلين ـ بغداد ـ البصرة لها ) (133) ، وهكذا منحت الدولة العثمانية في الرابع من تشرين الاول 1888 حق شراء سكة حديد حيدر باشا ـ عصمت ومد وتشغيل سكة حديد من عصمت الى انقرة مروراً بمدينة آسكي شهر الى البنوك الالمانية ، وتأسست الشركة العثمانية لسكك حديد الاناضول وحصلت المصالح الالمانية ايضاً على امتيازات اخرى لمد هذه الخط بعد اكمال مرحلته الاولى ، وكان للتأييد الالماني الرسمي للمصالح المانية اثر في حصول الأخرين على الامتيازات في الدولة العثمانية ، حيث قام القيصر الثاني وليم الثاني الذي كان يطمح في جعل المانيا قوة عالمية لها مستعمارات بعد ان اكمل بسمارك جعلها اكبر قوة اوربية ، بزيارتين الدولة العثمانية الاولى عام 1889 الى اسطنبول والثانية عام 1898 الى دمشق (134) ، وكانت احدى النتائج المهمة للزيارة الثانية هو ان بريطانية اسرعت في اتخاذ بعض الاجراءات التي تهدف الى حماية مصالحها في العراق والخليج العربي ازاء تقدم الماني محتمل في العراق ، وفي الواقع اذ ان عطس ألماني في الشرق وليس في الخليج العربي فحسب وكما ذكر ذلك احد الصحفين الالمان ، خيل لبريطانيا ان اركان الامبراطورية قد تزلزلت (135) ، لقد ادرك الساسة البريطانيون ان بريطانيا لا تملك اي وسيلة لوقف مشروع سكة حديد برلين ـ بغداد ـ البصرة ان يبلغ مداه ، ان تفرض هي

*************************************************
(133) علي ، اورخان محمد ، السلطان عبد الحميد الثاني ، حياته واحداث عهده ( الرمادي ، 1987 ) ص 228 ـ 233 .
(134) ألقى القيصر الالماني خطاباً في 8 تشرين الثاني جاء فيه : ( وليوقن صاحبا لشوكة السلطان عبد الحميد خان الثاني والثلثمائة مليون من المسلمين المرتبطين بمقام خلافته ارتباطاً قوياً والمنتشرين في جميع انحاء الكرة الارضية ان امبراطور الالمانية ستبقى محباً لهم الى الأبد ) ، وقد علق احد المؤرخين الالمان على هذا الخطاب بأنه ( من المحتمل ان يقع سلطان اسطنبول بايدي الروس أنئذ خليفة مسلم في دمشق او غيرها ، ومن الامبراطور صديق للمسلمين جميعاً لان السلطان وحده ، كما ان الدعوة الى الجهاد المقدس في حالة قيام حرب عالمية ستفيد حتماً ألمانية صديقة الخليفة ) ، رافق ، عبد الكريم ، العرب والعثمانيون 1516 ـ 1916 ( دمشق 1974 ) ، ص 428 .
(135) العقاد ، المصدر السابق ، ص 213 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 37 ـ

شروطاً لا تقرها المانيا والدول الاخرى التي تزمع الاشتراك في المشروع ، اضافة الى ذلك فأنهم كان يخشون ( ان اي احتلال من قبل الدولة العثمانية لها ( الكويت ) سيكون عائقاً امام مصالحنا التجارية في العراق ) وانه ( لن يمر يوماً دون ان تحاول السلطات العثمانية ( في العراق ) الاضرار باالتجارة البريطانية بإسم الحجر الصحي واحياناً عن طريق اصرارهم على ممارسة السيادة على مصب شط العرب في الفاو (136) ، ( وسيتفاقم الموضوع اكثر اذا قامت المانيا باحتلال الكويت في ثياب الدولة العثمانية (137) ، لذا قامت بريطانية بعقد معاهدة سرية مع شيخ الكويت في حزيران عام 1899 تقضي بعد تخليه عن اية بقعة من اراضيه بدون موافقتها (138) ، وعلى الرغم من توقيع هذه المعاهدة ، لم تعارض بريطانيا المشروع الالماني للاسباب عديدة وانها ( تحاولوا ايقاف الضغط الروسي نحو الخليج على طريق وضع حاجز الماني بينها بين الروس (139) ، ومع ذلك فأن عدم المعارضة البريطانيين للمشروع يبدوا انها مبنية على اعتقادهم ان الالمان سيمنحونهم حتق مد الجزء الجنوبي المحصور بين بغداد والبصرة او الى اي ميناء على الخليج العربي .
  وفي منتصف كانون الثاني عام 1900 وصلت بعثة المانية الى الكويت من البصرة بصبحه احد البصريين واجتمعت بشيخ الكويت واخبره بأن مشروع السكة سينتهي عند الكويت وانهم اختاروا ( كاظمة ) كمحطة نهائية للمشروع ، وهنا قررت بريطانيا اخبار كل من المانيا والدولة العثمانية بطبيعة العلاقة بينها وبين شيخ الكويت ، لذا علمت الدولة العثمانية بشتى الطرق من اجل القضاء على اتفاقية عام 1899 ، اما المانية فأنها اعتبرت الحماية البريطانية على الكويت بأنها تعارض بنود معاهدة برلين لعام 1878 وانها تعتبر الاجزاء البريطاني بأنه لا يتفق مع علاقات الصداقة القائمة بينها وبين بريطانيا (140) .

*************************************************
(136) النجار مصطفى عبد القادر وآخرون ، تأريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر ( مطبعة جامعة البصرة ، 1984 ) ص 138 .
(137) ابراهيم ، المصدر السابق ، ص 59 .
(138) خزعل ، المصدر السابق ، ج 2 ، ص 128 ـ 129 .
(139) بحري ، لؤي ، سكة حديد بغداد ، ( بغداد ، 1967 ) .
(140) ابراهيم ، المصدر السابق ، ص 69 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 38 ـ

   كان لموقف بريطانيا وألمانيا والدولة العثمانية من مشروع سكة حديد برلين اصداء فيما يتعلق بالمنافسة البريطانية ـ الألمانية في مياه العراق وكذلك في الموقف العثماني من الامتيازات البريطانية في العراق عامة والبصرة خاصة ، ومنذ عام 1901 حاول السير ماكنزي Sir G . Mackenzie مدير شركة الهند البريطانية للملاحة البخارية ، والتي لها فرع في البصرة بأسم شركة كري ـ ماكنزي والتي كانت تسير بواخر بين البصرة والهند وتقوم بمتاجرة بمختلف السلع اضافة الى نقلها الى البريد الهندي الى البصرة (141) ، ان يعزز من احتكار شركة الفرات ودجلة للملاحة البخارية في انهار العراق ، فكان يهدف الى دمج هذه الشركة البريطانية بالادارة السنية الحميدية عن طريق شراء او استئجار بواخر الاخيرة وبذلك تسيطر بريطانيا على البواخر العثمانية في المياه العراقية وقد تبنت وزارة الخارجية البريطانية مقترحات ماكنزي ، واعتبر اللورد كري عميلة دمج الشركتين في غاية الاهمية لمصالح بريطانيا في العراق (142) ، اما المانيا فأنها من اجل تعزيز مرقعها في العراق فأنها أقترحت على الدولة العثمانية تقديم قرض مالي مقابل حصولها على احتكار الملاحة في نهر دجلة ، وهكذا لم يقتصر الصراع بين بريطانيا وألمانية على الكويت بل امتد الى نهر دجلة حيث يحاول كل طرف تعزيز مكانته في العراق من اجل السيطرة عل ى الجزء الجنوبي من خط السكة المفتوح (143) ، اضافة الى ذلك استمرت حركة المانيا التجارية في الخليج العربي وفي البصرة في التقدم ( وكان لها اثر في العراق ، فتوسعت شركة فنكنهاوس وامتد نشاطها الى البصرة والمحمرة والاحواز وحاولت الحصول على بعض امتيازات في البحرين وفي الجزيرة حلول ، ومع انها فشلت في الحصول على بعض الامتيازات في بسبب معارضة البريطانيين الا انها نجحت في جزيرة ابي موسى (144) ، وبواسطة فرع الشركة في البصرة قام خط هامبورغ ـ امريكا Hamburg ـ Americe Line بتنظيم رحلات منتظمة مع البصرة في عام 1906 حيث وصلت ميناء البصرة اربع بواخر خلال الفترة من ايلول ـ كانون الاول من نفس العام وبلفت حمولة البواخر (140) .

*************************************************
(141) القهواتي ، المصدر السابق ، 278 .
(142) Cohen Op Cit , pp 155 ـ 6 .
(134) نوار ، المصالح البريطانية في انهار العراق ، ص 206 ـ 207 .
(144) lssawi , op . cit , p . 353 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 39 ـ

الالمانية في ميناء البصرة الدرجة الثانية بعد حمولة السفن البريطانية والتي احتفظت بالصدارة ، وكان لاتصال بواخر الخط الالمانيء مع موانيء الخليج العربي أثر كبير في انخفاض أسعار النقل البري وتضررت بريطانيا في هذا الحقل الامر الذي ادى الى قلقلها ، وفي عام 1908 تأسست في بغداد قنصلية المانية ثم تبعها في البصرة ، وهذا مما شجع على تطور التجارة الالمانية مع البصرة (145) ، وحاولت شركة فنكنهاوس الالمانية في عامي 1907 و 1911 فتح لها فرع في الكويت حيث ارسلت شيخ الكويت شخص يمثلها او من خلال القنصل الالماني في البصرة ، ويبدوا ان لهذه المحاولات علاقة بوصول قضية سكة حديد برلين الى طريق مسدود ، لكن السلطات البريطانية حذرت شيخ الكويت من مراسلة القنصل الالماني في البصرة خوفاً من وقوع الشيخ في دائرة البصرة القنصلية ، وطلبت منه ان يتجاهل الرد وان يمتنع من مراسلة القنصل الالماني في البصرة ، وان بأمكان وكيل الشركة الالمانية من ان مراسل الشيخ مباشرة دون توصية من البصرة ، اما اذا الح القنصل الالماني في البصرة على المراسلة مع الشيخ فعلى الشيخ ان يعلنها بوضوح ان لا ينتمي الى نفوذ البصرة وبالنسبة الى الشؤون القضائية يعتبر نفسه في دائرة القنصلية البريطانية في بوشهر ، وعلى الرغم من جهود بريطانيا الى ابعاد الشركة الالمانية من الكويت ، الا ان هذه الشركة مارست نشاطاتها غير شخصيات ايرانية ، وفي عام 1912 ارسلت الشركة الالمانية موفداً لها الى شيخ الويت بحجة فتح فرع لها في الكويت ، لكن غايتها هو الطلب من شيخ الكويت التعاون مع الشركة الالمانية للسكك الحديد في تأجير او بيع ما يلزمهم من الاراضي في الكويت ، مقابل ذلك سيسعى القيصر الالماني لدى السلطان العثماني محمد الخامس ان يمنح مبارك ام قصر وسفوان (146) .
   اما الدولة العثمانية ، فأنها لم ترفض مقترحات ماكنزي فحسب بل انها زادت من بواخر الادارة السنية الحميدية وشجعت ايضاً نشوء ملاحة تجارية وطنية في العراق ، عارض البريطانيون لان ذلك سيقضي ( في المستقبل على البواخر البريطانية ) وبالتالي على النفوذ البريطاني التي تستميت بريطانيا من اجل المحافظة

*************************************************
(145) للمزيد من التفاصيل ، انظر ، المصدر السابق ، ص 220 ـ 227 القهواتي ، المصدر السابق ص 404 ـ 410 .
(146) ابراهيم ، المصدر السابق ، ص 134 ـ 137 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 40 ـ

عليه وتعزيزه ليكون عائقاً امام تنفيذ مشروع سكة حديد برلين ـ بغداد ، اضافة ذلك قررت السلطات العثمانية في البصرة انشاء مخازن تابعة لادارة الكمرك في البصرة بهدف تخزين البضائع الواردة في البصرة حتى يجري عليها الفحوص الكمركية وتقدير الرسوم ، الى ان مسؤولية الفرات ودجلة للملاحة البخارية رفضوا انزال البضائع الى ارصفة ميناء البصرة وقاموا بنقلها مبشرة بواسطة بواخر الشركة ، فاعترض العثانيون واصروا على انزال البضائع على الارصفة لتقدير البواخر على الارصفة لتقدير الضرائب الكمركية ، لكن الشركة البريطانية طالبت بباخرة ثالثة بحجة ان هذه الاجراءات ستؤدي الى تأخير عمليات الشحن والتفريغ وتزيد من نفقات النقل النهري ، ومارس البريطانيون ضغوطهم على العثمانيين الذين اذعنوا كعادتهم ، حيث وافقوا على اضافة باخرة ثالثة على ان ترفع العلم العثماني (147) ، وما ان نزلة الباخرة الثالثة حتى بدأت المنازعات لانها ربطت بها المقطورة الامر الذي اثار الباب العالي الذي اثار استخدام المقطورة بينما أصرت الخارجية البريطانية على ان الباخرة الثالثة تستخدم الحقوق نفسها التي تستخدمها باخرتي شركة الفرات ودجلة ، ان هذه الحقيقة تكشف لنا حقيقة العثمانيين غير الواضح تجاه البريطانيين ، ففي الوقت الذي يعلنون عن تخوفهم من النفوذ البريطاني في العراق ويعلمون لعرقلته ، نزاعهم يذعنون لمطاليب بريطانيا ، بل انهم وان عارضوا فانها ليست فعالة ، وهذا ناجم من اهمال العثمانيين من متابعة هذه الامور وكان البريطانيون على علم تام بما كان عليه العثمانيون من اهماله ، وهكذا استمر البريطانيون من استخدام الباخرة الثالثة مع مقطورتها بعد ان نسي العثمانيون الموضوع (148) .
  اما فيما يتعلق بسكة حديد برلين ـ بغداد ، فقد شهد عام 1903 تراجعاً برطانياً عن فكرة التفاهم مع المانيا ورفض المساهمة في المشروع ، ويعود هذا التراجع الى الضغوط التي مارستها جماعات عديدة من الحكومة البريطانية ، فالأضافة الى الصحافة والرأي العام البريطاني ، فأن المصالح البريطانية في الدولة العثمانية عارضت مد السكة (148) فقد عارضت شركة الفرات ودجلة للملاحة

*************************************************
(147) نوار ، المصالح البريطانية في انهار العراق ، ص 197 ـ 201 .
(148) نوار ، المصالح البريطانية في انهار العراق ، ص 201 .
(A148) Al ـ Amir , Great Bitain and the Baghdad Railway , pp . 34 ـ 94 . Al ـ Amir , Great Britain and the Baghdad Radway , 4 . 73 ـ 4 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 41 ـ

البخارية السكة لان المادة التاسعة والثالثة والعشرين فتحت شركة سكة حديد بغداد حق استخدام سفن شراعية او بواخر في شط العرب وفي نهري دجلة والفرات في نقل المواد الازمة المعفاة من الضرائب ، في بناء وتشغيل السكة ، علاة على ذلك رأت شركة الفرات ودجلة في قيام شركة سكة حديد بغداد منافس قوي لها في حال باقاءها محتوكرة للمواصلات النهرية بين بغداد والبصرة ، ووضعت الشركة البريطانية اعتباراً هاماً في منافستها في لمشروع السكة وهو ان طريق السكة هو اقصر واسرع من الطريق النهري الذي تقطعه بواخرنها وهذا ما سيقضي عليها (149) ، وطرأ تحسن على مكانة بريطانيا العالمية ، فبعد ان انتهت مشاكلها الاستعمارية مع فرنسا بعد ان توصلت الى اتفاقية عام 1904 والتي عرفت بالوفاق الودي ، والذي مهد الطريق الذلاي تفاهم بريطاني ـ روسي توج في عام 1907 وبموجبه تمكنت الدولتان من حل مشاكلها الاستعمارية في آسيا ، وكان لهذا التفاهم اثره البالغ على النشاط البريطاني في العراق ، فلم يعد هناك خوف روسي اذا كثفت بريطانيا نشاطها في العراق ، لذا عززت بريطانيا موقعها في العراق ، وهكذا اعلنت بريطانيا بأنها ستشارك في مشروع سكة حديد برلين ـ بغداد بشرط تجزأة الخط على ان يقوم رأسمال بريطاني ببناء الجزء الممتد من بغداد الى الخليج العربي ، ولعبت الظروف الدولية مرة اخرة في صالح بريطانيا ، ففي عام 1908 استولى رجال تركيا الفتاة على الحكم في اسطنبول وأجبروا السلطان عبد الحميد الثاني على اعادة الدستور ثم أجبروه بعد ذلك تنازل عن العرش ، وكان من نتائج الانقلاب التركي فتور العلاقات الالمانية ـ العثمانية ( واصبح الالمان مبعدين عن التأثير السياسي في الاوساط الرسمية العثمانية ، وبات مشروع سكة حديد بغداد بأكمله يلاقي الكثير من الصعوبات ) (150) ، ومن اجراء الانقلاب ايضاً ان اهملت بواخر الادارة السنية الحميدية ( فتحرج مركزها واصبحت الفرصة ملائمة لتقديم عروض بريطانية جديدة تؤدي الى السيطرة عليها ، وبالتالي السيطرة على اهم جزء سيسير في خط حديد بغداد المقترح ) ، وحثت لجنة الدفاع الامبراطوري المسؤولين البريطانيين ان يساعدوا ( شركة الهند البريطانية للملاحة ( البخارية ) على

*************************************************
(149) بحري ، المصدر السابق ، ص 142 .
(150) بحري ، المصدر السابق ، ص 81 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 42 ـ

وضع يدها على البواخر العثمانية ، واذ تعذر فأنه ان تدمج شركة لنج ( شركة الفرات ودجلة للملاحة البخارية ) مع الشركة العثمانية ) ، وتباحث السفير البريطاني في اسطنبول مع السؤولين العثمانين وتم الاتفاق مبدئاً على دمج شركة الفرات ودجلة مع الادارة السنية الحميدية وعلى تشكيل ( الشركة العثمانية للملاحة في دجلة والفرات وشط العرب ، وان تكون هذه الشركة تابعة للدولة العثمانية وترفع بواخرها العلم العثماني وان تحتكر الملاحة في هذه الانهر وان يكون مديرها بريطاني ) ، وأصر الجانب البريطاني ان تحتفظ شركة الفرات ودجلة بكافة حقوقها وامتيازاتها في حالة الغذاء امتيازات الشركة الجديدة ، تعمد رئيس الوزراء العثماني حسين حلمي باشا تقدم الاتفاقية الى السلطان للموافقة عليها وأصدر فرماناً قبل عرضها على مجلس المبعوثين ، دون ان يراعي مجلس الاعيان من مغبة اعطاء البريطانيين امتيازات اخرى دون عرضها على مجلس المبعوثين ، ( فأوقعت ( الحوكومة العثمانية ) نفسها في ورطة شديدة وخلقت الازمة الكبرى الاولى التي كشفت للعرب ان الاتراك وضعوا انفسهم في مرتبة اعلى من مرتبة العرب وان الاتحادين حين جاؤوا ليحكموا بعد انقلابهم انما جاؤوا ليحكوا كاتراك يخضع لهم العرب ويأتمرون باوامرهم ، فقد سيطرت على اذهان الاتحاديين ان فكرة الدولة القومية التركية هي التي تعيد الى الدولة قوتها ومجدها ، فليترك الجميع وليصبح رعايا الدولة كلها اتراكاً حتى يعود الانسجام الى اجزاء الدولة العثمانية ) ، وثارت ثائرة مبعوثي البصرة وبغداد والديوانية ( طالب النقيب واحمد باشا الزهير واسماعيل حقي بابان وشوكت باشا ) الى مجلس المبعوثان واستفسروا عن اسباب منح هذا الامتياز الى الشركة البريطانية والذي ( يضر بمصالح البلاد اضراراً كبيراً ) رد حسين حلمي مدعياً بأنه لم يكن امام الحكومة البريطانية من خيار ثان سوى سحب امتياز شركة الفرات ودجلة والاصطدام مع بريطانيا وهذا ما كانت تخشاه حكومته التي رأت تجب ذلك والتوصل الى حل وسط وهو ما توصلت اليه ، وادعى حسين حلمي ان المادة ( 100 ) تعطي حكومته الحق من منح الامتيازات التي لا لاتكلفها اعباء مالية ، الا ان مبعوثي العراق وبقية النواب العرب في مجلس المبعوثان صمموا على احراج الحكومة ليجربوها على الاستقالة واسقاط الامتياز ، فنفذ النواب ادعاء حسين حلمي وذكروا للمجلس ان للأمتياز اعباء مالية تتحملها الحكومة العثمانية على شكل تعويضات في حالة تعذر الملاحة بسبب

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 43 ـ

مشروعات الري ، وأنبى اسماعيل حقي بابان مبعوث بغداد وقال : ( ان الحكومة تسيء صنعاً اذا كانت تحصر الملاحة في شركة خاصة انكليزية عثمانية لانها تضر بالبلاد وبالاهلين ومستقبل بلاد العرب ) ، وجرت محاولة لغلق الموضوع الا ان المجلس عارض ذلك مما شجع مبعوثوا العراق على احراج الحكومة عند صوت المجلس على اقتراح اسماعيل حقي بابان والذي نص انه كان على الحكومة تقديم الامتياز الى مجلس المبعوثان وعندما عقد المجلس جلسته في 14 كانون الثاني 1909 في جو مشحون بالارهاب طالب المبعوثون العراقيون عامة والبصريون خاصة من امثال طالب النقيب بضرورة منع الحكومة في المضيء في المشروع لانه لا يضر ( باقتصاديات البلاد ، كما انه يزيزد من نفوذ الانكليز في العراق ) ، وأظهر هؤلاء المبعوثون ( استعدادهم لتكوين شركة وطنية تتولى العمل المذكور ) ، وقد ايد المبعوثون العرب المبعوثين العراقيين ، اما رجال تركيا الفتاة فانهم مارسوا ظغوطاً على المبعوثيين العراقيين والعرب على السواء لتأييد حكومة حسين حلمي تركي الفتاة فأنهم مارسوا ضغوطاً المبعوثين العراقيين والعرب على السواء لتأييد حكومة حسين حلمي التي فازت اخيراً بثقة المجلس (151 ) .
   لكن موقف حكومة حسين حلمي كان محرجاً ، فعندما منح مجلس المبعوثان الثقة بوزارة حسين حلمي ، فأن ذلك قد خلق لها مشاكل عديدة ، فقد تقدم البريطانيون بطلب الحصول على الامتياز مد سكة حديد من بغداد الى الخليج العربي عبر نهر دجلة ، وكانت دجلة من حكومة الهند قد درست الموضوع وتوصلت الى قرار انه اذا رفض العثمانيون هذا الطلب فأنهم سيتم احتلال الدوحة وبيويبان وام قصر والفاو ، اما البصرة فسيتم احتلاها مؤقتاً ، وفي حالة توسع رقعة الحرب مع الدول العثمانية ، فقد اعربت اللجنة عن قلقها من قيام فرقة عسكرية بضرب الطوق حول البصرة لان ذلك سيكون امراً خطيراً بالنظر الى الملستلزمات العسكرية الاخرى ، ( الا ان السيطرة على شط العرب سيكون امراً في بالغ الاهمية (152) ، وقال حسين حلمي : ( ان هذه المشكلة تضعناً بين المطرقة والسندان ، وليس بمقدوري ، ولاسباب سياسة اي أمنح الامتياز للبريطانيين . . . ) ، اضافة الى ذلك انه بينما كانوا مبعوثو

*************************************************
(151) نوار ، المصالح البريطانية في أنهار العراق ، ص 207 ـ 213 ، الحصري ، ابو خلدون ساطع ، محاضرات في نشوء القومية العربية ، ( بيروت ، 1985 ) ص 135 .
(125) Bush , op . cit , P . 329 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 44 ـ

العراقيون يعبرون عن استنكارهم لامتياز تأسيس الشركة العثمانية للملاحة في دجلة والفرات وشط العرب اشتدت معارضة العراقيين للحكم العثماني وللشركة الجديدة ، وظهرت نيات قوية نحو انشاء شركات وطنية برؤوس اموال بريطانية ، وعقد اجتماعات صاخبة في بغداد والبصرة ضد هذا الامتياز ، وتدهور الوضع ان الباب العالي اراد اعلان حالة الطوايء ، وأقتنع حسين حملي بانه من الخطورة بمكان منح الامتياز الى شركة الفرات ودجلة للملاحة البخارية البريطانية الا ان في الوقت نفسه وجد الامر ( في غاية الصعوبة لنا رفض البريطانيين . . . لان تأييدهم في بعض قضايانا امر لا يمكن التفريط به ) ، لكل هذه الاسباب فضل حسين حلمي تقديم استقالته (153) .
  وتظاهر حقي باشا الذي اصبح رئيساً للوزارة بانه يريد الحد من قوة الشركة البريطانية في العراق ، فسمحت السلطات العثمانية الى مشاركة العراقيين في النشاط الملاحي في نهر دجلة ، أعترضت الشركة البريطانية على ذلك وادعت بان شركة فنكنهاوس الالمانية اتخذت من اغا محمد جعفر ، الذي استخدم باخرة بمقطورة في نهر دجلة ، ستاراً لنشاطها في المياه العراقية وان الشركة الالمانية هي المستفيدة من وراء نشاطه ، بينما ( أصر ) الباب العالي ان من حقه منح التصاريح لمن يشاء في المياه العراقية ، وشددت شركة الفرات ودجلة البريطانية من موقفها وطالبت باستخدام باخرة رابعة بمقطورتها على ان ترفع العلم العثماني ، وهكذا يظهر التنافقض والتردد في الموقف العثماني ، افي جهة يتظاهر ( تخوفه ) من ازدياد النفوذ البريطاني في العراق و ( يحاول ) الحد منه ، من جهة اخرى يمنح امتياز اضافية للبريطانيين من دون مرعاة للشعور الوطني الذي عم العراق (154) ، وعلى الرغم من موافقة الدولة العثمانية على تشكيل الشركة العثمانية للملاحة النهرية في عام 1909 ، الا ان التطبيق لم يتم الا بعد ان توصلت بريطانيا والدولة العثمانية في اواسط عام 1913 الى اتفاقيات حول سكة حديد برلين ـ بغداد والامور المتعلقة بها ، فقد اصبح البصرة المحطة النهائية

*************************************************
(153) Ahmad , F . The Young Turks , The Commitee of ltnion & plitics in Turkish pditics 1908 ـ 1914 , ( Oxford University press , 1969 ) p . 67 .
(154) نوار ، المصالح البريطانيا في انهار العراق ، ص 215 ـ 216 .
Longrigg , op . cit , p . 62 /

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 45 ـ

لمشروع السكة ويجب استحصال موافقة بريطانيا في حالة مد السكة من البصرة الى الخليج العربي ، وتم الاتفاق ايضاً على اعطاء كافة حقوق الملاحة النهرية للشركة العثمانية للملاحة النهرية ولمدة ستون عاماً وان تكون رأسمالها مناصفة بين بريطانيا والدولة العثمانية ، وتعهدت الدولة العثمانية بالاعتراف بحوق شركة الفرات ودجلة للملاحة البخارية وعدم السماح بتشكيل شركات وطنية للنقل البري ، ووافق الدولتان على تأليف لجنة مشتركة لتنظيم وادارة شؤون السير والسفر في شط العرب من القرنة الى الخليج العربي ، ووافقتا على ان تقوم الشركة العثمانية للملاحة النهرية وشركة الموانيء العثمانية المقترح تأسيسهما بشييد وأدارة مرافق محطات السكة الحديد في بغداد وفي البصرة ، وهكذا اصبحت منطقة شط العرب هذه مقفلة بوجه الالمان ، واتفاقية شط العرب هذه ( تعد مظهراً من مظاهر عجز الدولة العثمانية عن الدفاع عن شط العرب ) ، وبررت الدولة العثمانية هذه الاتفاقية ( بأنها باعت سفناً تجارية تشتري بثمنها سفناً حربية ) ، وبعد توقيع الاتفاقية بثلاثة اشهر ثم التوقيع على ( بروتوكول الاستانة ) حيث تم تعريف خط الحدود في شط العرب ، وعلى تعيين لجنة لتحديد الحدود على الارض وتأشيرها (155) ، وهكذا ربحت بريطانيا الكثير من هذه الاتفاقيات ، فقد تمكنت بعام 1913 من السيطرة على المحطة النهائية للسكة على الخليج العربي وعلى الطريق النهري بين البصرة والخليج العربي وضمنت المساهمة في محطات السكة في بغداد والبصرة ، علاوة على ذلك انها ضمنت مصالحها النفطية المتمثلة في الشركة الانكليزية ـ الايرانية التي تقوم بالتنقيب في منطقة الاحواز العربية ، وضمن بريطانيا اعتراف الدولة العثمانية ( بمكانة وحقوق ) شيخ المحمرة الذي تربطه مع بريطانيا اوثق العلاقات (156) .
  وبعد ان انهت بريطانيا مشاكلها مع الدولة العثمانية تمكنت من التوصل

*************************************************
(155) الكاتب ، محمد طارق ، شط البصرة وشط العرب وتأريخ ( البصرة ، 1971 ) ص 156 ـ 161 ، النجار ، التأريخ السياسي لمشكلة الحدود الشرقية للوطن العربي في شط العرب ، ص 116 ـ 133 ،
Kant , M , Oil poticy & Empire , British , policy , & Mesopotamian Oil 1900 ـ 1920 ( London , 1976 .
العربي ، خالد ، مشكلة شط العرب في ظل المعاهدات والقانون ( بغداد ، 1980 ) ص 32 ـ 36 .
(156) P . 10 ـ 11 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 46 ـ

الى اتفاقية مع المانيا وذلك في 15 حزيران 1914 حيث اعترفت المانيا بالمصالح البريطانية في القسم الجنوبي من العراق وان تكون البصرة المحطة الاخيرة من السكة ، ووافق الطرفان على استخدام نفوذها لدى الدولة العثمانية لجعل شط العرب بحالة صالحة للملاحة على ان ترسوا السفن ( بصورة حرة وسهلة في ميناء البصرة ) (157) ، وعلى ان يشارك الالمان في ادارة الشركة العثمالنية للملاحة النهرية وأن يكون لها حصة في رأسمالها (158) ، واعترف الالمان بحق شركة النفط الانكليزية ـ الفارسية بالتنقيب عن النفط في الاحواز ، اما حق التنقيب عن النفط بولايتي بغداد والموصل فأعطيت الى شركة النفط التركية على ان تكون حصة بريطانيا 75 % وللالمان 25 % من اسهمها (159) .
  ولم يعبر العراقيون عن سخطهم وأستيائهم ومقاومتهم للنفوذ البريطاني المتزايد في قطرهم والذين عبروا عنهم عبر مجلس المبعوثان او من خلال الاجتماعات والانتفاضات التي حدثت بصورة خاصة في بغداد والبصرة او من خلال الهجمات التي قام بها البصريون ضد البواخر البريطانية في شط العرب عام 1908.1909 (160 ) فحسب ، بل انهم بدأوا يغيرون في مواقفهم تجاه الانقلاب العثماني الذي حدث عام 1908 والدستور الذي اعلن ، فعلى الرغم من استقبال البصريين الجيد للدستور ، الا ان جماعة معينة منهم لم يكترثوا للأمر ، وعلى الرغم من ذلك فقد تم فتح فرع لجمعية الاتحاد والترقي في البصرة وانضم اليها الكثيرون ، وبعد ان باتت روح الاستبداد لدى الاتحادين واعلنوا ) بأن الامة التركية كانت وستظل هي الامة الحاكة في السلطة العثمانية وان الترك يتمتعون بحقوق وامتيازات سامية بصفتهم فاتحين ، فلا مجال اذن للاعتراف بحقوق مساوية للعناصر العرقية الاخرى ) (161) وحاولوا جاهدين عدم فوز السيد طالب النقيب واحمد باشا الزهير في انتخابات البصرة لمجلس المبعوثان على الرغم من كونهما من أوائل المنتمين الى فرع الجمعية في البصرة ، لكل هذه

*************************************************
(157) بحري ، المصدر السابق ، ص 171 ـ 173 .
(158) التميمي ، المصدر السابق ، ص 82 ـ 3 .
(159) Kirk , G . E . A Short History of the Middle , East , ( London , 1966 ) , P . 95 .
(160) Cohem , Op , cit , p . 140 .
(161) برو ، توفيق علي ، العرب والترك ، ( القاهرة ، 1960 ) ص 95 ـ 96 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 47 ـ

الاسباب اتخذت البصرة موقفاً خاصاً ومتشدداً من العثمانين الى درجة ان البصرة اخذت على عاتقها قيادة الحركة العربية في العراق ضد العثمانيين الاتراك (162) ، فأسس طالب النقيب في آب 1911 فرعاً لحزب الحر المعتدل الذي سبق وان تأسس في اسطنبول والذي يدعوا الى اللامركزية ومقامة سياسة التتريك ، ويدعوا من طالب النقيب تحول هذا الزب حزب الحرية والائتلاف بعد اسست الجماعات المعارضة للأتحادين هذا الحزب ، وقد أيد معظم البصريون هذا الحزب بحيث ان اثنين من هذا الحزب فازوا في انتخابات عام 1912 ، وبقي حزب الحرية والائتلاف بزعامة طالب النقيب على الرغم من سقوط الاتحادين وحل البرلمان ، ومع ظل فقد ظل البصريون ناقمين على الاتراك (163) ، وكانت تقارير القناصل البريطانيين تعطي تفاصيل عن هذا السخط ، بل ان لويمر قد ذكر بان البصريين سوف لا يقدون اي مساعدة الى اي طرف ما لم ( يمنح العرب المساوة السياسية مع الاتراك ) ، ثم لعب طالب النقيب دوراً في اثارة البصريين للمطالبة في ادخال الاصلاحات في مدينتهم (164) ، وقد حرض برنامج الاصلاحات البصريين على مقاومة الامتيازات ) الاجنبية (165) ، وكان لانتصار ابن سعود على العثمانيين في الاحساء الاثر في تشجيع العراقيين على عدم دفع الضرائب الى العثمانيين (166) .
   وعندما صدر قانون الادارة المحلية في 26 آذار 1913 قابله البصريون بالاحتجاج والاستنكار فارسل ممثلوها واعيانها برقيات احتجاج الى وزير الداخلية العثماني مباشرة ، واخبر طالب النقيب القنصل البريطاني ان القانون ( على العموم غير مقبول بشكله الحالي ، وان الوجهاء العرب يعارضون تطبيقه كما هو ( لان القانون منح الوالي حق التدخل في مناقشات ( المجلس العام ) وحق عدم مناقشة اي موضوع يعارضه ، وحق ايقاف اجتماعاته او حله اذا رغب ، واعلن وجهاء البصرة الذين يتزعمهم طالب النقيب بانهم سيرفضون وسيقاومون اي اجراءات تعسفيه (167) .

*************************************************
(162) فرح ، لطفي جعفر ، عبد المحسن السعدون ( بغداد ، 1980 ) ص 42
Longrigg , op , cit , p . 45 .
(163) التميمي ، المصدر السابق ، ص 32 ـ 36 .
(164) Quoted in Cohen , op , cit , p . 265 .
(165) التميمي ، المصدر السابق ، ص 37 .
(166) Cohen , op , cit , p , 265 .
(167) ِِِAhmed , op , cit , pp . 134 ـ 5 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 48 ـ

ونقل طالب النقيب مفارغة البصرة لقانون الى العاصمة العثمانية (168) ، وعلى الرغم من هذه الاحتجاجات رد اسطنبول بأن القانون في شكله الحالي سيتم تطبيقه وان الانتخابات العام ستتم ، وعبر وجهاء البصرة من غضبهم وسخطهم للموقف العثماني ، وحذر طالب النقيب بان البصريين ( سوف لا يترددون عن استخدام اساليب العنف من اجل تحقيق غاياتهم . . . فقد نظموا صفوفهم واستعدوا لهذا الطاريء ، وبدون شك ان اظطرارات خطيرة ستحدث اذا اصر الوالي الجديد للعودة الى اجراءات اعتباطية من اجل تنفيذ بنود القانون بشكله الحالي (169) الذي اضافة الى ذلك شكل طالب النقيب لجنة الدفاع الوطني التي ارسلت طلباً عاجلاً الى والي البصرة والى رئيس الوزارة العثمانية بوجوب عقد المجلس الاعلى لولاية البصرة حتماً ( من اجل توضح برنامج الاصلاحات (170) ، وهكذا تأزم الوضع في البصرة وبهدف القضاء على الحركة العربية لقيادة الجيش في البصرة وهو فريد بك ، وحال وصوله وضع خطة للقضاء على طالب النقيب باعتباره زعيماً لهذه الحركة الا ان الزعيم البصري ، لم يفلت من هذه المخطط فحسب بل ارسل من قاتل قائد الجيش (171) وتعزز موقف طالب النقيب والحركة العربية في البصرة ، فنشرت جريدة الدستور الناطقة بلسان جمعية الأصلاح التي ضمت اعضاء حزب الحرية الإئتلاف برنامجاًَ سبع واكدت على ضروة تطبيق الادارة اللامركزية وان يكون الوالي عراقياًُ ( عارفاً بالهجمات واحول العشائر المحلية وعلى ان تكون اللغة العربية اللغة الرسمية في جميع الدائر والمحاكم ) وقد تم توزيع هذا البرنامج على الجنود وعلى العشائر العربية في العراق تحرضهم ضد العثمانيين (172) ، وخشيت السلطات العثمانية من تدهور الاوضاع ، لذا قررت مهادنة طالب النقيب بهدف التخلص منه في النهاية الا ان الزعيم البصري احسن بنوايا العثمانيين فغادر الى الكويت (173) .

*************************************************
(168) التميمي ، المصدر السابق ، 37 ـ 38 .
(169) Ahmed , Op , cit ., p , 135 .
(170) Longrigg , Op , cit , p . 45 .
(171) فيضي ، سليمان ، غمرة النضال ، ( بغداد ، 1952 ) ص 108 ـ 115 .
(172) Zeine , Z . N . The Emergence of Arab Nationalism ( Beirut , 1960 ) , pp . 108 ـ 109 .
(173) التميمي ، المصدر السابق ، ص 40 ـ 41 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 49 ـ

  ايدت بريطانيا المقاومة البصرية ضد السلطات العثمانية ، بل انها اعترفت باهمية كسب الشعور العربي المحلي (174) ورعاية ودعم صدقات الحركات المحلية الهادفة الى الانفصال عن الحكم العثماني (175) ، علاوة على ذلك اتفق جميع السياسين البريطانين العاملين في العراق باهمية طالب النقيب الذي يعتبر ( من اهم الشخصيات المؤثرة في البصرة ) ، فهم يرون انه يمكن الاستفادة من نفوذ طالب النقيب وانه ( اذا هاجم البريطانيون البصرة فان بمقدور طالب النقيب فرع حزب الحرب المعتدل والفرار (176) ، فبعد ثلاثة ايام من تأسيس طالب النقيب فرع حزب الحر المعتدل في البصرة جاء القنصل البريطاني ، في البصرة الى دار الحزب واختلى بالنقيب حيث عرض عليه استعداد لبريطانيا لتقديم كل المساعدات الممكنة للحزب ، كما عرض ان يستدعي احدى قطع الاسطول البريطاني للرسو في مياه شط العرب خشية ان تتخذ الحكومة العثمانية اجراءات معادية للحزب ، لكن طالب النقيب رفض حماية بريطانيا واخبر القنصل البريطاني بان الحزب يعمل لمصلحة العرب وحدهم لا مصلحة غيرهم (177) ، ومع ذلك فقد كان السياسيون البريطانيون يخشون من شخصية طالب النقيب المتأرجحة (178) .
  ومع ان بريطانيا كانت تريد دعم حركة المقاومة في البصرة ضد العثمانيين ، الا ان سياستها اصبحت مع مرور الزمن اكثر وضوحاً ، فالحكومة البريطانيا كانت تخشى من تقسيم الدولة العثمانية لان ذلك سيؤدي الى حدوث تعقيدات اوربية ، لذا رفضت وزارة الحربية عام 1906 اقتراحاً بان تقوم القوات باحتاال البصرة ، وفي عام 1911 رفض مدير الحركات العسكرية مناشدة حكومة الهند بقيام بهجوم على العراق ، ( فاذا اردنا ان نحارب العراق فيجيء ان لا يكون حتى وادي الفرات ) .

*************************************************
(174) Cohen , Op , cit , p , 310 .
(175) lbid , p . 318 .
(176) lbid , p . 304 .
(177) فيضي المصدر السابق ، ص 97 ـ 98 .
(178) Cohen , Op , cit , p , 307 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 50 ـ

وحذرت وزارة الحربية لجنة الدفاع الامبراطوري بعدم تأييد اي عمليات ضد البصرة وبغداد (179) ، اضافة الى ذلك لم تشجع الحكومة البريطانية او الهندية قيام ثورة عربية نشطة في البصرة والعراق ضد العثمانيين ( لان مثل هذه السياسة سوف يكون لها اثار سيئة على الاقتصاد . . . لان حركات العشائر غير المسيطر عليها ستؤثر في المصالح البريطانية والتركية ) ، ويرى المسؤلون البريطانيون بوجوب عدم التحريض ( الى درجة اندلاع ثورة عربية ) وأنه ( بالبحفاظ على وحدة المقاطات الآسيوية ( العثمانية ) ، فانه يمكن منح زحف اوربي نحو الشرق الاوسط ) ، لذا فان النقطة الاساسية في السياسة البريطانية هو انها على الرغم من رعايتها ( للثورة العربية ) والا انها في الوقت نفسه تعمل على ( منع او على الاقل تأجييل اي شيء يمكن ان يقود الى اندلاع ثورة عربية وبالتالي تقضي على كيان الاجزاء التركية في آسيا ) (180) ، وعندما توتر الموقف في البصرة في نيسان 1913 الى درجة خطيرة بعد ان هدد طالب النقيب باللجوء الى القوة ، وصل ذلك الى مسامع القنصل البريطاني الذي أخبر حكومته بأن خطراً يوشك ان يحل في البصرة في ، فارسلت الحكومة البريطانية سفينة حربية الى البصرة ، وبالفعل وصلت السفينة في ايار 1913 ، وعندما تعاظمت الحركة الوطنية في البصرة في صيف عام 1914 اصبحت تشكل بالنسبة الى للبريطانيين ( المشكلة العربية ) ، ومع ذلك علمت وزارة الخارجية البريطانية على متعارضة اي اجراء ( قد يؤدي الى القضاء على نفوذها بين العرب ( او ) جعلهم . . . بجانب ( الدولة العثمانية ) ، وفي الوقت نفسه قامت وزارة الهند ( بنشر دعاية مؤيدة للبرطانيين بين عشائر شمال الخليج العربي ) (182) ، الا ان البريطانيون اخذوا يعتقدون بان الاحتلال بريطانيا للبصرة سيكون ضربة قاصمة لهيبة الدولة العثمانية ( وستكون اشارة الى انتفاضة عامة على طول نهر دجلة ) ، لان الجميع البصريين ضد بريطانيا (183) ، وهكذا فعندما وافق المسؤلون البريطانيون على ارسال قوة الحملة الهندية برئاسة ديلامين ،

*************************************************
(179) lbid , p . 300 .
(180) lbid , p . 366 .
(181) ايرلند ، فيليب ويلارد ، العراق دراسة في تطوره السياسي ، ترجمة جعفر خياط ( بيروت 1949 ) ص 178 .
(182) Cohen , Op , cit , p , 304 .
(183) lbid , p . 307 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 51 ـ

كانوا يريدون الحفاظ على الوضغ الراهن الذي هو في خدمة مصالح بريطانيا الستراتيجية والتجارية والسياسة في المنطقة ، ان ارسال قوة ديلامين لم تكن من اجل حماية النفط بل هو لمنع حدوث حلف عربي ـ عثمان وكذلك من اجل السيطرة على الثورة العربية ، بعبارة اخرى لم يكن هدف قوة الحملة الهندية خدمة اهداف القومية العربية في العراق ، بل اوضحت سياسة بريطانيا تجاه العراق قبل عام 1914 ( بعض الحماس في تشجيع الكراهية لدى العرب ضد العثمانيين ولكنها اوضحت شكاً افي الفؤاد الناجمة عن ثورة عربية غي مسيطر عليها ) ، لقد كان هذف السياسة البريطانية خلاة المدة الاخيرة من مباحثات سكة حديد بغداد ( هو تعزيز وتقوية صداقة عرب العراق من اجل تعزيز مصالح بريطانيا وليس مصالح العرب ) ، ولقد اوضحت المناقشات التي سبقت ارسال قوة الحملة الهندية الى الفاو أن هذه السياسة يجب ان تسير بهدف الحد وليس التحريض على ( الثورة عربية ) (184) .

*************************************************
(184) lbid , p . 305 , 308 .