البصرة في العهد العثماني الاخير
الدكتور يقظان سعدون العامر

الحالة الادارية
الحالة العمرانية
الحالة الاقتصادية
الحالة الاجتماعية
الحالة السياسية


   يقصد بالعهد العثماني الأخير المدة الممتدة من عام 1831 وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، ويمثل عام 1813 انتهاء فترة حكم المماليك في العراق كان امراً طبيعياً فيما يحض السلطان محمود الثاني ( 1808 ـ 1838 ) ، الذي كان يهدف الى القظاء على الكيانات السياسية التي ظهرت في الأجزاء التابعة للدولة العثمانية والتي يرجع سبب ظهورها الى ضعف هذه الدولة ، لذا عمل السلطان محمود على اعادة السلطة المركزية اليه من جديد وخاصة بعد نجاحه في القضاء على الانكشارية في اسطنبول والاجزاء الاخرى من الدولة ، وبما أن داود باشا كان منفصلاً عن العاصمة ولم ينفذ للسلطان امراً غير احلال الجيش النظامي في في محل الأنكشارية مع احتفاظه بحرسه المماليك ، وكذلك امتناع داود باشا عن مساعدة السلطان محمود في حربه ضد روسيا ، لكل هذه الاسباب عزم السلطان محمود على ارجاع العراق إلى الحكم العثماني المباشر (1) ، ومن اجل القضاء على داود باشا وضم العراق إلى الحكم العثماني جهز السلطان محمود الثاني حملة عسكرية جعل على رأسها علي رضا باشا واليه على حلب ، وبينما

*************************************************
(1) لونكريك ، ستيفن هيمسلي ، اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ترجمة جعفر الخياط ( بغداد 196 ) ص 315 ، حول علاقة داود باشا بالسلطان محمود الثاني انظر نوار ، عبد العزيز ، داود باشا والي بغداد ( القاهرة ، 1968 ) الفصل السابع .

البصرة في العهد العثماني الاخير   ـ 2 ـ

وبينما كان جيش علي رضا في طريقه إلى بغداد كان وباء الطاعون يتفشى في العراق (2) ، وقد أغرق دجلة بعض محلات بغداد ، وهكذا فإن الكوارث الطبيعية سادعت على إنهيار المماليك في العراق (3) ، لكن هذا لا يعني ان جيش علي رضا لم يجابه أية مقاومة ، بل أنه دخل بغداد في أيلول في عام 1831 بعد أن تكبد خسائر لايستهان بها .
   بدأ على رضا حال دخوله بغداد بتنفيذ سياسته الرامية إلى القضاء على المماليك في بقية العراق بهدف توطيد سلطته المركزية ، أما في البصرة فقد قضي متسلمها عزيز آغا ، الذي كان يكن الولاء لداود باشا ، تقديم الولاء لعلي باشا ، وإلتحق بجيش عزيز آغا الفارين من مذبحة علي رضا التي نفذها ضد المماليك الذين سبقوا وأن اعلنوا ولاء الطاعة الباب العالي ، ومما شجع حركة عزيز آغا على الإستمرار هو الإنتفاضة ضد علي رضا عمت جميع العراق (4) بعد أن حصلت النقمة في الناس ( بحيث صاروا يثنون على حكم المماليك ) (5) ، وبهدف القضاء على حركة عزيز آغا عين عين رضا درويش آغا على البصرة ، حيث طارد جماعة عزيز آغا الذي فر إلى إيران (6) ، وطلب من الحكومة الفارسية أن تلتزم ببنود معاهدة أرضروم الأولى لعام 1823 والتي تنص على الألتزام بمبدأ حسن الجوار وعدم التخل في الشؤون الداخلية وعدم تأييد الجماعات المعارضة ، وأن تقوم الحكومة الفارسية بتسليم عزيز آغا .

*************************************************
(2) لونسكي ، فلاديمير بور بسوفيتش ، تاريخ الاقطار الحديثة ، ترجمة د . عفيفة البستاني ، ( موسكو ، 1971 ) ص 169 .
(3) نوارا عبد العزيز ، المصدر السابق ، ص 259 ـ 261 .
(4) كان الاكراد في الشمال على وشك تشكيل امارة لهم ، واعلنت الموصل ثورتها ضد العثمانيين ، وكانت عشائر شمر الجربا ثائرة . اما عشائر غزة فهي غالباً ما كانت تهدد بغداد التي اعلنت هي الاخرى ثورتها في مايس 1832 . أما في الجنوب ، فقد اعلنت عشائر المنتفق استقلالها في ( مناطقها ) في حين استولت عشائر كعب على بساتين المحمرة التابعة لمتسلميه البصرة ، العزاوي ، عباس ، تاريخ العراق بين أحتلالين ، ج 7 ، ( بغداد ، 1955 ) ص 18 ، 20 ، 24 ، 38 ، نوار ، عبد العزيز ، تاريخ العراق الحديث ( القاهرة ، 1968 ) ص 61 ، 452 ـ 453 ، القهواتي ، حسين محمد ، دور البصرة التجاري في الخليج العربي 1869 ـ 1914 ـ بغداد ( بغداد ، 1980 ) 34 .
(5) العزاوي ، المصدر السابق ، ج 7 ، ص 17 .
(6) استعملت إصطلاح إيران بدلاً من فارس تجنباً للألتباس مع العلم ان هذه التسمية استخدامها في عام 1935 .

البصرة في العهد العثماني الاخير   ـ 3 ـ

  وافقت الاخيرة على تسليمه الا انها رجت الابقاء على حياته ، بينما كان على رضا مصمماً استئصال شأنه لذلك اعدمه حال استلامه (7) .
   وتابع الوالي علي رضا في القضاء على الانتفاضة التي عمت العراق ، فبعد ان قضى على بعض الامارات وقلل من نفوذ بعض العشائر ، وجه علي رضا اهتمامه الى المحمرة ، ويبدوا ان الوالي كان يدرك ان شيخ فتح المحمرة ميناؤه لجميع السفن من دون وجهتها من البصرة إلى المحمرة ، كما ان التجار البرطانيين استخدموا ميناء المحمرة كقاعدة لتهريب بضاعئهم تفادياً لدفع رسوم الكمارك في البصرة ، وكان التهريب يتم من المحمرة الى الزبير ومنها الى نجد والعراق ، لذلك عزم علي رضا ، وبتحريض فونتانية v . fontainer القنصل الفرسي في البصرة ، على فتح المحمرة قبل ان يستولي عليها البرطانيون ومن اجل ( انقاذ البصرة من التدهور الاقتصادي التي تسببت فيه المحمرة ) (8) .
  عانت البصرة كثير طيلة مدة بقاء جيش علي رضا الذي أرهق السكان الى درجة اخوا انهم ينتظرون يوم رحيلة عن مدينتهم ، فقد ألتزم سكان البصرة منازلهم تجنباً لمطاليب الوالي وجنده ، ومن كان يعمل فأنه فعل ذلك بالقوة وتحت تهديد السلاح ، والذي يرفض كان يتعرض للجلد والكي بالنار ، فضلاً عن ان هذه الاساليب قد ادت الى الاضرار بالتجارة حيث رحل تجار البصرة عن مدينتهم لينجوا بانفسهم ومالهم خاصة انّ تكاليف حملة علي رضا وقعت على سكان البصرة (9) ، ولم يكتف علي رضا بذلك انه قام وبتحريض من روبرت تايلر r . taylor القنصل البرطاني الذي كان يكن الكراهية للنفوذ الأقتصادي والسياسي لأسرة الزهير الزبيرية في البصرة ، بإرسال حملة ضد هذه الاسرة العربية ، وأتبعه علي رضا سياسة العثمانيين التقليدية وهي ضرب العشائر العراقية الواحدة ضد الأخرى من اجل تعزيز السيطرة العثمانية ، لذلك استخدم عشائر المنتق وقوة من قبائل العتوب ضد اسرة الزهير والتي

*************************************************
(7) نوار عبد العزيز ، تأريخ العراق الحديث ، ص 62 ـ 63 .
(8) خزعل ، حسين خلف الشيخ ، تأريخ الكويت السياسي ، ج 1 ( بيروت ، 1962 ) ص 107 ، نوار ، عبد العزيز ، تأريخ العراق الحديث ، ص 69 ـ 76 .
(9) نوار ، عبد العزيز ، تأريخ العراق الحديث ، ص 77 ـ 78 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 4 ـ

غالباً ما كان والي او متسلم البصرة واقعاً تحت نفوذها فضربت المنتفق وقبائل العتوب الحصار على الزبير لمدة سبعة أشهر حتى أقتحمت سور الزبير واقتادت زعماء الزهير الى خارج مدينتهم حيث قتلهم (10 ) ، وهكذا عانى اهالي البصرة من سوء الاوضاع التي استمرت منذ عهد المماليك (31) وعلى الرغم مما قام به علي رضا في العراق بهدف تعزيز السلطة المركزية ، الا انها استمرت لفترة قصيرة ، وفيما يتعلق بالمحمرة ، فأن اللوم يوجه لعلي رضا لانه ( لم ينظم ادارة المحمرة ويجعلها منقاده للبصرة مما ادى الى دوام النزاع ) (12) .

الحالة الادارية
   كانت البصرة منذ منتصف القرن الثامن عشر متسلميه او متصرفيه تابعة الى اياله بغداد (13) ، وفي عام 1851 اصبحت ( ايالة مستقلة ) الا انها لم تستمر طويلاً لان الامور المالية والعسكرية ظلت بيد والي بغداد (14 ) ، وهكذا عادت البصرة لتصبح مجرد متسلميه ضمن ايالة بغداد (15) ، وكانت تتبع البصرة مقاطعات عديدة اوردها القاضي احمد نور الانصاري في تقريره الذي قدمه عام 1860 الى مستلم البصرة منيت باشا فمقاطعات الجانب الغربي هي : العشار والسراجي ومهيجران وحمدان واليهودي ونهر خوز وابي الخصييب والفياضي والعامية وبلجان والزين والدواسر والمعامر والفاو ، اما مناطق الجانب الشرقي او ما يعرف مقاطعة شط العرب فهي : نهر حسن التنومة وكوت الجوع وكوت السيد المملوك وكوت ابن نعمة وكوت ابن زغير وكوت القوام والموحية وكوت غضبان وكوت الشيخ وكوت ابن سوادي وكوت الدحيمي وكوت الحداد وكوت علوان ونهر جاسم علوان والدعيجي والشلامجة والبور

*************************************************
(10) خزعل ، حسين خلف الشيخ ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 101 ـ 104 .
(11) الانصاري ، احمد نور ، النصرة في اخبار البصرة ، تحقيق د . يوسف عز الدين ، ( بغداد ، 1969 ) ص 11 ـ 12 ، 30 ـ 34 .
(12) العزاوي ، عباس المصدر السابق ، ج 7 ، ص 40 .
(13 ) الابالة : الاسم العثماني للمقاطعة الذي استخدم حتى عام 1864 ــ عندما حل اسم ( الولاية ) محّله .
(14) نوار ، عبد العزيز ، تأريخ العراق الحديث ، ص 256 ـ 257 .
(15 ) لونكريك ، المصدر السابق ، ص 336 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 5 ـ

والبوارين (16) ، ومن الجدير بالذكر ان الولاة العثمانيين وكجزء من سياستهم الرامية الى التقليل من نفوذ العشائر العربية ، اعادوا واضافوا اراضي الى البصرة ، فقد نجح الوالي رشيد الكوزلفلي من استعادة مهيجران ونهر خوز وبعض المقاطعات من ايدي المنتفق ، وكذلك استطاع نامق باشا خلال ولايته الثانية من العراق من استعادة ابي الخصيب ويوسفان والفياضي والعامية وبعض مقاطعات القرنة وجعلها بيد مستلم البصرة وأخذ وارداتها رأسها الى الخزينة ، وبعد عام 1863 اصبحت البصرة أيالة مستقلة الا انها عادت في عام 1869 لتصبح لواء تابعاً لولاية بغداد تتبعها اقضية القرنة والكويت والبصرة ، وكان قضاء القرنة يتكون من نواحي بني منصور والمدينة والنشوة والدير ، وتدار من قبل مدير ، اما قضاء الكويت فقد كان يدار من قبل شيخها الذي اصبح قائمقاماً بعد ان تم تعينه في عام 1871 من قبل الدولة العثمانية ، وقد تم اعفاء سكان الكويت من كافة الرسوم ومن اداء الخدمة العسكرية (17) ، اما قضاء البصرة فكان يتكون من خمسة نواحي ومن مدينة البصرة التي هي مركز الولاية او المستلميه ، وهي النواحي هي : الهارثة والزبير وشط العرب وابي الخصيب والفاو : وفي عام 1875 اصبحت البصرة ولاية تشمل القرنة والزبير وسوق الشيوخ والناصرية وكوت الامارة والكويت والاحساء (18) ، الا انها سرعان ما انزلت في عام 1880 مرة اخرى الى درجة المتسلميه : ولم هذا طويلاً حيث تحولت بحلول عام 1884 الى ولاية وفتحت وكالة الى قائد البحرية ، الى ان وصل واليها عزت افندي من اسطنبول بعد مرور سنتين (19) ، وهكذا منذ عام 1848 ( لم تنضم ولاية البصرة الى ولاية بغداد ، وكل ارتباطها بهذه الاخيرة يقتصر على ان القوات المرابطة ضمن حدود ولاية البصرة تعود الى الفيلق السادس الذي مقره في بغداد ، وان كل مؤسسات ولاية البصرة ودوائرها كالكمارك والبريد والبرق والحجر الصحي وادارة الدين العام وشركة الريجي الخاصة بالتبغ والبنك العثماني الرسمي ، تتبع مباشرة كان لمركزها الرئيسي الموجود في

*************************************************
(16) الانصاري ، احمد نور ، المصدر السابق ، ص 19 ـ 25 .
(17) خزعل ، حسين خلف الشيخ ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 138 .
(18) اداموف ، الكسندر ، ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، ترجمة هاشم صالح التكريتي ، ج 1 ، ( مطبعة جامعة البصرة ، 1982 ) ص 10 .
(19) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 35 ـ 39 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 6 ـ

بغداد (20) ، وكان يعمل في دوائر الولاية ملاك من الموظفين يقومون بواجبات معينة (21) .

الحالة العمرانية
   كانت البصرة مسورة ، وسورها ، كما يصفه القاضي احمد نور الانصاري ، ( من لبن غير مفخور ، وبعضه متداع قريب الاضمحلال ) (22) ، وتتخلّل السور خمسة ابواب هي باب بغداد وباب الزبير وباب السراجي وباب المجمعة وباب الرباط (23) ، اما حدود مدينة البصرة فيحدها من جهة الشرق شط العرب ومن االغرب الصحراء الممتدة حتى مدينة الزبير ، ومن الشمال نهر الخندق ومن الجنوب نهر الخورة (24) ، ويشق المدينة نهر العشار الذي يسقي النخيل والاشجار ويستسقي منه اهلها (25) ، وكذلك تدخل في السفن الصغيرة ، تجلب الامتعة من رصيف العشار

*************************************************
(20) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ص 38 .
(21) لونكريك ، المصدر السابق ، ص 357 ـ 376 .
(22) الانصاري ، المصدر السابق ، ص 19 .
(23) buckingham , g .s . travehs in assyria , media and bersia including a gourney from baghded by mount zagros , ( london , 1880 ) , pp .134 ـ 5 .

(24) النبهاني ، المصدر السابق ، ج 9 ، ص 10 .
(25) يذكر اداموف ان العوامل التي تجعل من البصرة ( بؤرة لجيع الامراض هو انعدام المياه الصالحة للشرب ، فالفقراء يشربون من قناة العشار التي تجعلها نفايات المدينة قذرة جداً بسبب بعد المدينة من شط العرب ، والبصريون الموسرون هم وحدهم الذين يتأتى لهم جلب المياه لاستخدامهم الخاص من شط العرب ، ولكن حتى مياه هذا الاخير لا يمكن وضعها بالنقاء وذلك لانه لا تصب في النهر في اثناء الجزر المياه الراكدة في المستنقعات المجاورة فحسب ، وانما يرد اليه ايضاً القسم الأغلب من قاذورات المدينة عن طريق قناتي العشار والخندق ) ويستدل اداموف على قذارة شط العرب من التجربة التي قام بها الدكتور بوريل ، رئيس دائرة الحجر الصحي في البصرة في العقد الاخير من القرن الماضي ، فبعد ان كرر التجربة خمس مرات توصل ان السنتمتر المكعب الواحد من الماء الذي اخذه من الموضع الذي يأخذ منه السقاة المياه 68200 عصية من جراثيم التيفوس والدزانتري وجراثيم كثيرة الشبه بجرثومة الكوليرا ، ولاية البصرة ، ج 1 ، ص 29 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 7 ـ

الى الكمرك (26) ، وبما ان تقاطع الجداول الفرعية مع الانهار الرئيسية ادى تقسيمها الى عدة محلات بحيث اصبح لكل محلة وقرية نهرها (27) ، مما جعل الاتصال بينهما يتم بواسطة القوارب المحلية الامر الذي جعل بعض السواح الاجانب يطلقون على البصرة بـ ( بندقية الشرق ) (28) ، وتقع في القسم الجنوبي في العشار عند مدخل المدينة غالبية البيوت ومعظم الاسواق وسراي الحكومة ومحكمة التجارة ودائرة البلدية ودائرة الكمرك (29) ، اما مساكن اهلها فتسعة اعشارها ، كما ذكر الانصاري ، ساوت التراب ، واما العشر الباقي فهو مساكن الوجوه وسائر الناس الموجودين (30) ، ويرجع ذلك الى ما فعلته الاوبئة التي اجتاحت البصرة ، والى اهمال الولاة وعدم شعورهم بالمسؤلية وكذلك الى عدم اهتمام السلطة المركزية بالعراق بصورة خاصة ، ويقع ( القوناق ) وهو مقر الوالي وجميع الدوائر الاخرى على ضفة العشار عند مدخل المدينة ، وكان يتألف من بناية من طابقين مبنية من اللبن لا يميزها شيئ من الابنية المحيطة بها غير ضخامتها وشكلها الذي يشبه الثكنة ، اما سوق المدينة والذي يمتد بمحاذاة نهر العشار فيضم ( مالايقل عن الف وخمسمائة وكان تغص ، بسبب انعدام البضائع المنتجة محلياً ، اما ببضائع اوربية صرفة . . . او بالمنتجات العربية المستوردة . . . ) وتوجد في كثير من المواضع في السوق وفي جميع ساحات المدينة وتقاطع الشواع فيها المقاهي والتي تقوم بمقام النوادي حيث يجتمع فيها الناس يتحدثون عن امور حياتهم او يعقدون صفقات تجارية ، وتحوي المدينة ثلاث كنائس تعود للطوائف المسحية الغالبة وهي السريان والكاثوليك والسريان الكلدان والارمن حيث يمارسون شعارئهم الدينية (31) .
   وشهدت البصرة توسعاً خلال ولاية مدحت باشا للعراق حيث قام في عام 1870 ببناء ضاحية جديدة وهي المنطقة المحصورة بين نهر العشار والخورة

*************************************************
(26) الانصاري ، المصدر السابق ، ص 19 .
(27) النهاني ، المصدر السابق ، ج 9 ، ص 15 .
(28) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 39 .
(29) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 46 .
(30) الانصاري ، المصدر السابق ، ص 19 .
(31) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 10 ـ 41 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 8 ـ

( لتكون نواة في البصرة الجديدة لينقل هذه المدينة بعيداً عن المستنقعات ) (32) ، وبذلك أوصل البصرة الى شط العرب ، وقام بنقل مقر الحكومة وشيد مباني للادارات والكمارك وبدأ ببناء ثكنة عسرية ومستشفى عسكري ، وقامت الشركات الاجنبية العاملة بالبصرة ببناء مستودعات وارصفة لها على شط العرب ، يضاف الى ذلك ، شجع مدحت باشا بكل الوسائل بناء الدور هناك وقام بتأجير الاراضي الاميرية تأجيراً طويل الامد ، وبما ان مدحت باشا كانت لديه مشاريع يريد القيام بها في منطقة الخليج العربي ، وكجزء من اهتمام اسطنبول اصلاح الاسطول في البصرة من جديد والتي سبق لها ان بعثت احداً من امراء البحرية مع بعض الضباط الموظفين للشروع بالعمل (33) ، امر مدحت باشا بتوسيع ميناء البصرة وبناء حوض داخلي على شط العرب في منطقة المعقل لترسوا فيه البواخر ذات الغاطس الكبير ، لان الحوض القديم والذي يقع على نهر العشار في منطقة المناوي اصبح غير قادر على استقبال البواخر الكبيرة ، وبعد أن اكتمل الحوض الجديد استوردت الدولة آلة لرفع ما وزنه بين 30 ـ 35 طن من الحمولة ومن والي البواخر ، كما امرت ببناء في المنطقة الشمالية للحوض وفي منطقة المعقل لتغطي حاجة الرصيف والحوض (34) ، الا ان ميناء البصرة تعرض الى الاهمال ، فالسكن في ضاحية مقام علي لم يكن آنذاك آمن ، وهذا لم يشجع الاهالي على السكن فيه ، علاوة على ذلك لم يكن بعض الولاة الذين جاؤا بعد مدحت باشا متحمسين لفكرة تطوير ميناء البصرة .
  لذلك توقف السكن في مقام علي في عهد الوالي ناصر السعدون الذي اعاد ( القوناق ) الى البصرة واصدر امراً مشدداً لسكان البصرة يمنعهم فيهم من السكن خارج حدود المدينة (35) ، ومع ذلك فأن الحياة اخذت تعود الى ضاحية مقام علي او ميناء البصرة شيئاَ فشيئاً ، فالرحالة الاجانب الذين زاروا البصرة في العقد الاخير من القرون الماضي ذكروا بأن ( ميناء البصرة ميناء حديث ونامي ، وهناك سوق صغير مملوء

*************************************************
(32) نوار ، تأريخ العراق الحديث ، ص 318 .
(33) العزاوي ، المصدر السابق ، ج 7 ، ص 83 .
(34) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 47 ـ 48 .
(35) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 41 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 9 ـ

ٍبالبضائع الاجنبية ) (36) ، ثم أخذ أهالي البصرة بالانتقال الى منطقة الميناء تدريجياً ، واسس ( منكرديك ) احدى الشخصيات البصرية في عام 1897 ( شركة العربات بالخيل ) لنقل الناس من البصرة الى الميناء ، وتأسست بعد ذلك ( شركات ) مماثلة (37) .
   واصبح ميناء البصرة في اوائل القرن الحالي ، كما يصفه لنا اداموف ، قنصل روسيا ً القيصرية في البصرة قبل الحرب العالمية الاولى ، يضم الترسانة البحرية وورشة التصليح محركات السفن والمدافع والاسلحة الملحقة بها ، وكذلك ادارة الميناء ودائرة الكمارك ودائرة الحجر الصحي ومكتب قائد الاسطول العثماني الصغير ومكاتب جنود البحري ، وتقع على الضفة اليسرى من نهر العشار عند تفرعه من شط العرب تقع بطارية مدفعية بنيت من الطين وسعف النخيل حيث يقوم فيها جنود المدفعية ، ويوجد في هذه الضفة ايضاً ( قوناق ) مدحت باشا المهجور ، وعلى الضفة اليمنى توجد ترسانة لصنع قوارب نقل المسافرين وكذلك السفن الكبيرة الحجم لنقل البضائع والتي تقع خلف دائرة الكمارك ، ويتصل بدائرة الكمارك والترسانة سوق ضاحية مقام علي الذي يحوي على اكثر من اربعمائة دكان ، وعند بداية االسوق يقوم فوق نهر العشار جسر كلون من الجذوع والالواح ، اما المباني الواقعة على الضفة اليمنى لشط العرب والتي كانت تشغله منطقة المناوي قبل ذلك ، فهي تقع ضمن منطقة الميناء ، وجميع هذه المباني هي اما ملكاً للشركات التجارية الاوربية او مستأجرة من قبلها ، لان هذه الشركات انتقلت الى هناك لتكون مقربة الميناء ، وقبل ان ينتقلوا الى منطقة الميناء ، كان الاوربيون يسكنون منطقة الماركيل ( تحريف معقل ) (38) أو كوت أفرنجي إذ كانت توجد هناك القنصلية البرطانية التي تطل على شط العرب ، ويوجد في المعقل حوض جاف وورشة تعود لشركة الفرات ودجلة

*************************************************
(36) cober ,h. s . trough turkish arabia : a journey from mediterraneam to bomboay by the eubhrates and tigris and the p . gulf ( london , 1894 ) , p . 414 .
(37) النبهاني ، المصدر السابق ، ج 9 ، ص 64 ـ 65 .
(38) المصدر نفسه ، ص 16 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 10 ـ

للملاحة البّخارية eubhrates and tirris stcarn navigation combany ، ويوجد على الضفة اليمنى من شط العرب مبنى وحيد وهو مبنى المستشفى العسكري البحري الذي يتألف من طابقين ويضم ستين سريراً ، أن سبب أختيار هذه المنطقة لبناء المستشفى صحي وذلك لانعدام المياه الراكدة فيما حيث ان الكثير من البصريين الموسرين ينتقلون في الصيف الى القرية ( كردلان ) الواقعة الى الاعلى قليلاً من المستشفى على نهر يحمل نفس الاسم (39) ، وهكذا ازدهرت منطقة الميناء في العقد الاول من القرن الحالي الى درجة ان بعض الاوربيين ابدوا اعجابهم بها لنظافتها وسعتها ولبناياتها الشاهقة وقصورها الانيقة المزركشة بشناشيلها ولمنظر قواربها الراسية على طول نهر العشار على مقربة من ابواب تلك القصور والتي هي الواسطة الرئيسية لتنقل في ارجاء المدينة ، فضلاً عن ذلك ، ومن اجل منطقة الميناء بالبصرة ، فقد قررت السلطات العثمانية المحلية في عام 1908 بشق طريق عرضه اربعة عشر متراً محاذياً لنهر العشار ، وكذلك ربط الميناء والمدينة بخط تراموي ، وقامت باستملاك الدور وهدمها ، وفي العام التالي افتتح سليمان نظيف والي البصرة هذا الطريق الذي لم يتم اكسائه بالغير الا في عام 1922 ، وقام ببناء مخفر في وسط الطريق يقال له ( الرشادية ) (40) ، وفي العام نفسه كلفت السلطات المحلية بعض الوجهاء تأسيس شركة تقويم بتزويد المدينة بمياه الشرب بواسطة شبكة من الانايب الحديدية ، وتأسست الشركة واستعانت بخبرة مهندس هندي ، وعلى الرغم من المسوحات التي قامت بها الشركة الا ان المشروع لم ير النور (41) .

الحالة الاقتصادية
  مارس اهالي البصرة خلال هذه الفترة جميع الانشطة الاقتصادية ولكن بدرجات متفاوتة تبعاً لتأثير عوامل عديدة في هذه النشاطات ، فكان لطبيعة البيئة

*************************************************
(39) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 41 ـ 42 ، القهواتي المصدر السابق ، ص 50 .
(40) النبهاني ، المصدر السابق ، ج 9 ، ص 9 ، 72 ، 331 القهواتي ، اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، 39 .
(41) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 50 ـ 51 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 11 ـ

وللمناخ اثر في تحديد نوعية النشاط الزراعي والمحاصيل الزراعية في البصرة ، فتربة البصرة وظروف مناخها هي اكثر ملائمة لنجانح زراعة النخيل ، ويمكن القول ان اغلب زراعة سكان البصرة هو النخيل ، وقد قدر عدد اشجار النخيل في العراق في اوائل القرن الحالي بـ 16 ـ 18 مليون نخلة (42) ، غالبيتها في البصرة ، الا ان زراعة النخيل هذه وانتاج التمر قد تعرضت الى كوارث طبيعية والى آفات زراعية ، فالفيضانات المتكررة والرياح الشمالية الباردة وموجات الغبار والآفات الزراعية المتمثلة خصوصاً بأسراب الجراد ، كل ذلك ادى الى دمار ، الملايين من اشجار النخيل والاضرار بمحصول التمر فقد شهد العراق عامة والبصرة خاصة في عام 1896 فيضاناً مروعاً ادى الى تدمير ما يزيد على مليوني نخلة في منطقة البصرة وحدها ، كما اضر بمحصول التمر لدرجة لم يبقى منه اي كمية للتصدير ، وأثرت موجات الرياح الشمالية الغربية الباردة في الاعوام 1868 و 1906 و 1907 وكذلك الرياح الشمالية الشرقية الجافة في الاعوام 1901 و 1904 على طلع النخيل وبالتالي على حاصل التمر الذي كان معظمه حشفاً ، علاوة على ذلك مرة بالبصرة في الاعوام 1867 و 1886 اسراباً من الجراد على ثمار النخيل قبل نضجها (43 ) .
   فضلاً عن النخيل ، فقد كان سكان البصرة يزرعون الحنطة والشعير والرز والسمسم والماش والذرة وانواع من البقول ، وتتم زراعة غالبية الفواكه وبخاصة العنب والتين والنارنج والاترج والليمون والبطيخ بنوعيه وكذلك النباتات العطرية والمخضرات (44) ، وقد اعطى الولاة العثمانيون اهتماماً متزايداً في الزراعة وشاريع الري ، فقد اعطي نامق باشا ولايته الثانية في العراق ( 1861 ـ 1867 ) الاوامر الى محمد منيب متسلم البصرة على ( استخلاص الاملاك والنخيل من ايدي الاعراب الذين كانوا ينهبون ثورة البلاد بوسيلة محافظة النخيل ) ، فبذل محمد منيب جهده في تنفيذ الاوامر ووجه عزمه الى استخلاص الاملاك واعلن ( ان محافظة الاملاك واعلن والحاصلات من وظائف الحكومة . . . واثبت لأهل الاملاك املاكهم وأمنهم في

*************************************************
(42) الارحيم ، فيصل محمد ، تطور العراق تحت حكم الاتحادين ، ( الموصل ، 1975 ) ص 151 .
(43) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 357 ـ 368 .
(44) النبهاني ، المصدر السابق ، ج 9 ، ص 14 ، 53 ـ 57 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 12 ـ

اوطانهم (45) ، وثم ربط بعض مقاطعات البصرة برسم الجّريب ( 3967 م2 ) عام 1865 (46) ، كما عهد نامق باشا الى محمد منيب ( بمهمة السداد في الجزائر واصلاح مستنقعاتها ، وتخليص البصرة من وخامة الهواء ) (47) ، وفي سبعينات القرن الماضي حاول بعض الولاة وبهدف اضعاف نفوذ العشائر العربية العظيمة ، تحويل حياة البداوة والري بزراعة الاكراه ، فقد نظموا عدة حملات عسكرية حاصرت مخيمات العشائر لتجبرها ( بالقوة على ان تباشر بزراعة الارض ) ، لكن هذه الاجراء لم يؤد الى اي نتيجة ايجابية اذ سرعان ما تركت تلك العشائر المهنة الجديدة حال ارتحال تلك القوة العسكرية (48) .
   وفي الواقع ان قانون الاراضي وانظمة الطابو كان قد صدر في عام 1858 وجرت عليهما التعديلات ، لكن هذه القوانين لم يجر العمل بها ، ولم يتم تأسيس دائرة الطابو بصورة صحيحة ، فحصل البعض على اقطاعتهم الواسعة بالرشوة واتبعت طرق احتيال الحصول على الارض ، وكان ذو النفوذ في البصرة يحصلون على مساحات شاسعة بهذه الوسائل ، واصبح قسم منهم يملكون اقطاعات واسعة والفلاحون الصغار وعوائلهم كانوا تنحت رحمتهم ، ولم يكن بمقدور هؤلاء الاخيرين شراء ارضي بالطابو لارتفاع اسعار الاراضي ، وهكذا كان الفلاح يعاني من نظام الالتزام ونظام الطابو ، وعندما جاء مدحت باشا رأى ان نظام الطابو يجب ان يطبق بعد اجراء تعديلات عليه من اجل وضع حد لاستبداد الملتزمين ولتوطين العشائر حتى تقوى قبضة الحكومة عليها واخيراً من اجل ان تدر هذه العملية عائداً للحكومة ، ولذا امر مدحت باشا بتعويض الاراضي الخالية في مقابل قيمتها حتى يمكن الفلاح لشراء ارض لنفسه وليقطع دابر الاملاك اصحاب رؤوس الاموال ، وقام ايضاً بتخفيض قيمة الاملاك عن الفلاح لان مدحت باشا اعتقد بأن هذا سيمكن الفلاح من اصلاح امر الارض وزيادة خصوبتها وبالتالي تدر عليه بارباح كثيرة وعلى الحكومة ايضاً ، وفي مناطق عديدة لم يفوض مدحت باشا الاراضي بالمزايدة وهو ما نص عليه

*************************************************
(45) المصدر نفسه ، ص 312 ـ 313 .
(46) الانصاري ، المصدر السابق ، ص 44 .
(47) العزاوي ، المصدر السابق ، ج 7 ، ص 138 ـ 139 . (48) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 177 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 13 ـ

القانون ، واذا وجد ان القانون لا ينسجم مع مصلحة الفلاحين عدّله ، فبالنسبة للبساتين فأنه تركها لزراعها على ان يؤخذ منهم سوى العشر سنوياً ، واذا كانت البساتين حديثت الغرس اعفاها من الرسوم لمدة ستة اعوام (49) ، وهكذا شهدت منطقة شط العرب عملية واسعة لتسجيل عقارات (50) ، علاوة على ذلك تم تحديد المفروض على الانتاج الزارعي بعشر المحصول فقط لان الحكومة كانت تريد الاكثار من المزروعات وهذا ما حدث مثلاً بالنسبة الى القطن (51) ، فقد امر هداية باشا والي البصرة في عام 1889 بزرع القطن وجلب للأهالي البذر من الموصل فزرعوه في ذلك العام في بعض مناطق البصرة ولكنهم لم يستمروا في زرعه ، ومع ذلك استمر الجهود لزراعة القطن في البصرة ، فبعد ان تشكلت غرفة تجارة البصرة عام 1906 جلب محمود علي كاظم احد اعظاء الغرفة بذر القطن وتم توزيعه على الفلاحين ونجحت زراعته وتم جلب محجلة لحلج القطن وتنظيفه من البذر ، وكذلك تم جلب بذر التوت لزراعة اشجار لاجل تربية دودة الغز (52) ، ومع ذلك لم تكن زراعة القطن وتربية دودة القز مزدهرة بل انهما يسدان الاستهلاك المحلي المحدود جداً (53) .
  وخفف مدحت باشا الضريبة المفروضة على زراعة بساتين النخيل لتشجيع المزارعين على غرسها ، اما في البصرة ، فاّنه عندما زارها اتصل باّهلها الذين ابدوا لهم تذمرهم من طريقة التخمين التي كانت تجري على النخيل ، فكانت العادة تجري ان يلتزم شخص بدفع مبلغ محدد للحكومة على انتاج منطقة معينة تقدر محصولاتها دون طريقة التخمين ، الامر الذي يؤدي الى الحاق الاذى بمزارعي النخيل لان الملتزم كان غالباً ما يبالغ في قيمة الانتاج ، وبما ان زراعة النخيل كانت مكلفة ، لهذين السببين عزف عدد كبير من المزارعين عن زراعته ، لذا الغى مدحت باشا

*************************************************
(49) العزاوي ، المصدر السابق ، ج 7 ، ص 180 ـ 181 ، نوار تأريخ العراق الحديث ، ص 376 ـ 377 .
(50) lssawi , c . the economic history of the middle east 1800 ـ 1914 ( the universwity of chicago press , 1966 , p . 168 .
(51) نوار ، تأريخ العراق الحديث ، ص 198 ، 239 .
(52) النبهاني المصدر السابق ، ج 9 ، ص 54 ، 326 .
(53) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 183 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 14 ـ

طريقه التخمين وفرض على كل دونم (15) قرشاً (54) سنوياً ، اصبحت المسافة تؤجر كلها دفعة واحدة وأصبح من مصلحة المزارعين زراعة الارض البور ، اما المناطق الاخرى البعيدة او المنقطعة عن العراق فقد فرضت على النخلة من 2 ـ 3 قرش حسب الانتاج والتكاليف (55) .
   كان لاّجراءات مدحت باشا في البصرة نتائج ايجابية ، فبعد ان عم الامن والاستقرار بداً الناس وبخاصة التجار بالهجرة اليها ( والفارون يرجعون لاوطانهم ، فعمرت البلاد وأطمأنت قلوب العباد ) (56) ، وازدادت مساحات الاراضي المزروعة بالحبوب عام 1870 بفضل اصلاحات مدحت باشا سواء في مجال توزيع الاراضي او توفير البذور للفلاحين (57) ، وتم التوسع في زرع الفسائل في عهد السبعينات من القرن التاسع عشر بحيث طرأت زيادة في انتاج التمر منذ عام 1883 (58) ، وكان لتوفر طرق ووسائل المواصلات الاثر الكبير في زيادة الحاصلات الزراعية ، فكان لافتتاح قناة السويس 1869 وكذلك قيام بعض الولاة الذين حكموا قبل افتتاح القناة ومدحت باشا باستيراد عدد من السفن إذ تم ربط البصرة باوربا غير قناة السويس الاثر البالغ في زيادة الطلب على الحاصلات الزراعية (59) ، ومع ذلك فالزراعة كانت دون المستوى ويرجع ذلك الى عوامل عديدة ، اولها ، عدم وجود شبكة قنوات للري والسدود التي لها الاهمية في منطقة تمتاز بشحة مياه الامطار ، اما العامل الثاني فيرجع الى قلة الايدي العاملة في الزراعة ، فقد اشارت الى بتعض الدراسات الى ان سدس سكان المدن في ولاية البصرة كان يمتهنون الزراعة ، اما العامل الثالث الذي يعيق الزراعة عدم توفر الاموال لدى المزارعين ، بالاضافة الى عوامل اخرى كرداءة المواصلات الداخلية والادوات البدائية المستعملة في الزراعة (60) .

*************************************************
(54) القرش يساوي 9.08 فلس ويساوي ايضاً 40 ( باره ) والباره تساوس 0.454 من الفلس القهواتي ، المصدر السابق ، ص 482 .
(55) العزاوي ، المصدر السابق ، ج 7 ، ص 201 ـ 205 .
(56) النبهاني ، المصدر السابق ، ج 9 ، ص 320 .
(57) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 340 .
(58) المصدر نفسه ، ص 359 .
(59) نوار ، تأريخ العراق الحديث ، ص 310 ، القهواتي ، المصدر السابق ، ص 330 .
(60) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 178 ـ 179 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 15 ـ

وتحتل تربية الماشية المكانة الاولى عند سكان ولاية البصرة إذ يشتغل نصفهم بهذه المهنة ، فعلى الرغم من تربية الابل والخيول كان يختص بها البدو الرحل ، الا انها كانت مهمة ، فقد بلغ ععد الابل في ولاية البصرة عام 1900 بـ 11.539 رأساً ، اما الخيول ، فعلى الرغم من اهميتها بالنسبة الى البدوي الا ان تربيتها اصبحت لغرض المتاجرة بها وتصديرها الى الهند بالدرجة الاولى ، فقد بدأ تصدير الخيول من البصرة الى الهند منذ نهاية القرن الثامن عشر عندما كان manesty مقيماً لشركة الهند الشرقية البرطانية في البصرة الذي رأى بضرورة ادخال تحسينات في الخيالة الهندية ، واستمر تصدير الخيول من البصرة الى الهند منذ ذلك الوقت حيث بلغ معدل ما كان يتم تصديره من الخيول الى الهند سنوياً ما بين 2500 ـ 3500 ، ونشطت تجارة تهريب الخيول على الرغم من المنع الذي فرضته السلطات العثمانية فالخيول التي كانت تشتري من العشائر المتنقلة في ضفاف نهر دجلة كانت تهرب الى المحمرة ، اما الخيول التي كانت تشتري من العشائر المتاخمة لنهر الفرات فكانت تنقل الى مدينة الزبير ومنها يتم تهريبها الى الكويت (61) ، وكانت تربية الحمير والبغال رائجة في البصرة (62) ، فالنوع الاول كان يربيه الفلاحون او القبائل المنصرفة الى العمل الزراعي حيث تستخدم لاعمال الحقول والركوب ايضاً ، وبلغ عدد الحمير والبغال في البصرة 110.000 رأس ، اما تربي الاغنام والابقار فكانت اوسع انتشاراً ، فقد بلغ عدد الاغنام في عام 1902 في ولاية البصرة 461.628 رأساً ، اما الابقار فيتم تربية نوع ( النجدي ) في ولاية البصرة والتي تشتهر بغزارة حليبها ، وبسبب فؤاد الابقار العديدة فقد اعفت الحكومة االعثمانية الابقار والثيران من اي ضريبة عدا ضريبة الذبح ، لانها كانت تبغي الى تسهيل وضع المزارعين وتشجيع العمل الزراعي ، اما الجاموس فتكثر تربيته اينما وجدت الاهوار والمستنقعات ، فقد بلغ عدد الجاموس في عام 1904 في ولاية البصرة 18.500 رأساً إذ تتركز في العمارة والمنتفق (63) .

*************************************************
(61) fontainer , v . voyage dansl , mde et dons le galfe p . ( paris , 1944 ) . 11 . p . 255 .
(62) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 167 ـ 171 .
(63) المصدر نفسه ، ص 166 ـ 177 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 16 ـ

   اما الصناعة ، فعلى الرغم من انها حرفية الا انها كانت ضعيفة فهي بدائية وغير منتشرة الا في مدن قليلة من ولاية البصرة ويقتصر استهلاكها داخلياً ، وتشمل منتجات الصناعة المحلية على المنسوجات الحريرية والقطنية من مختلف الانواع والالوان والنقوش ، وعلى مناديل الرأس ( اليشماغ ) والعبي والاحزمة والاحذية على اختلاف انواعها وعلى الاواني النحاسية والفخارية (64) وكذلك على الفخار والآجر الذي لا يسد حاجة البصرة فيستوردنه من بغداد (65) .
   اما تجارة البصرة فقد شهدت تطوراً كبيراً منذ عقد السبعينات من القرن التاسع عشر فبعد ان كان معظم الصادرات من ميناء البصرة قبل افتتاح قناة السويس كانت عبارة عن تجارة ( الترانسيت ) القادمة اليها من البلدان والاقطار المجاورة ، فقد غدت لا تقتصر على ذلك ، بل شملت تصدير المنتجات الزراعية والحيوانية المحلية للبصرة وما يجاورها وما كان يردها الى الداخل والذي اخذ يشكل نسبة كبيرة من صادراتها الى الدول الاوربية والهند وموانيء الخليج العربي والبحر الاحمر والدولة العثمانية ، ويأتي في مقدم ما يصدره البصرة التمور بسائر انواعه المعباة بالاكياس افي الصناديق المكبوسة في الجلود او في الخصاف ، والشعير والرز والشلب وعرق السوس والسمسم والصوف والجلود المدبوغة والخيول ، وارتفعت قيمة الصادرات خلال الاعوام 1864 ـ 1913 من 18.095 باون استرليني الى 1.939.259 باّون استيرليني (66) ، علماً ان قيمة الصادرات في عام 1912 قد بلغت 3.246.560 .
   اما السلع الواردة الى ميناء البصرة فكانت تشمل الاقمشة بانواعها القطنية والحريرية والصوفية والسكر الناعم والمخروطي واكياس الجوت والقهوة والشاي والتبغ والتنباك والتوابل وعلب الكبريت والادوية والمكائن والالواح الخشبية واخشاب صناديق التمور والخيول والغزول ، وقد ارتفعت قيمة واردات البصرة خلال الاعوام 1864 ـ 1913 من 266.859 باون استرليني الى 3.899.273 باون استرليني اي ان الاستيرادات تضاعف اكثر من اربع عشرة مرة ونصف المرة ، اما

*************************************************
(64) المصدر نفسه ، ص 182 .
(65) النهاني ، المصدر السابق ، ج 9 ، ص 61 .
(66) القهواتي ، المصدر السابق ، ملحق رقم 1 ، ص 499 ـ 451 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 17 ـ

من حيث عدد وجملة البواخر والسفن الشراعية الوافدة والمغادرة لميناء البصرة فقد ارتفعت هي والاخرى خلال 1864 ـ 1912 ، فقد ارتفع عدد البواخر من (9) الى (195) باخرة ، في حين زادت الحمولة من 75. 974 طناً الى 346.939 طناً ، ولقد احتكرت برطانية وخاصة من العقد الاخير من القرن الماضي تجارة البصرة ، ففي عام 1893 بلغ عدد البواخر البرطانية الوافدة والمغادرة لميناء البصرة (108) باخر من مجوع (114) باخرة ، وازداد العدد في عام 1913 الى (163) باخرة برطانية وهندية من اصل ( 195 ) باخرة (67) ، وخلال الاعوام 1900 ـ 1902 بلغ المجوع الكلي لحمولة البواخر (478) الف طن منها (453) الف طن جائت بها بواخر تحمل العلم البرطاني ، كذلك ارتفع عدد الحمولة البرطانية في ميناء البصرة من (135) الف طن في عام 1904 الى (218) الف طن في عام 1906 (68) ، اضافة الى ذلك ان شركات برطانية او هندية كانت تحتكر تصدير صادرات البصرة كشركة كري ـ منكزي GRAY ـ MACKENZIE MESSRES التي تأسست في البصرة عام 1896 وارتبطت بالتجارة البرطانية ، بالاضافة التى تاسيس شركات كانت تقوم برحلات من البصرة الى لندن وبالعكس كشركة فرنك ستريك STRICK التي تأسست عام 1890 (69) .
  ان الازدهار الاقتصادي الذي شهدته مدينة البصرة ادى الى قيام المصارف بفتح فروع لها فيها ، ففي عام 1891 فتح بنك فارس الشاهنشاهي فرعاً له في مدينة البصرة ، الا انه سرعان ما حل محله البنك الامبراطوري العثماني في عام 1894 ، وكان يقوم بادارة فرع البنك العثماني في البصرة شخص اوربي ، لكنه مات في نفس العام ، لذا اغلق البنك فرعه ، وابقى في البصرة مراسلاً بسيطاً من الاهالي ، ثم اعيد فتح فرع البصرة عام 1904 وبذلك سدت الحاجة الملحة التي كان التجار

*************************************************
(67) المصدر نفسه ، ملحق رقم 2 ص 452 ـ 457 ، ملحق رقم 9 ، ص 469 ـ 472 .
(68) CAHEN , S . A . BRITISH POLICY IN MESOPOTMAIA 1903 ـ 1914 ( LONDON , 1967 ) , PP . 8 , 53 , 64 .
(69) التميمي ، حميد احمد حمدان ، البصرة في عهد الاحتلال البرطاني 1914 ـ 1921 ( بغداد ، 1979 ) ، ص 50 ـ 51 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 18 ـ

والبيوتات التجارية المحلية في امس الحاجة لها ، الصرافين المحليين استغلوا فرصة عدم وجود بنوك او منافسين لهم فاتفقوا فيما بينهم واخذوا يصرفون فائدة عالية جداً على الاشخاص الذي يلجأون الى مساعدتهم المالية ، فكان المزارعون في البصرة يقترضون منهم بفائدة لا تقل 24 % سنوياً وبما ان هؤلاء المزارعين لا يملكون رأسمال متداول كبير فانهم يقومون بكل تجارتهم بالدين الامر الذي يؤدي الى انخفاض نسبة الفائدة على القروض التي يأخذونها من الصرافين بكفالة وثائق شحن البضائع التي ارسلوها الى الخارج ، وهكذا ان تلك القروض تعتبر مهمة جداً لهؤلاء لكي يفوا بديونهم لمجهزيهم ، وعندما تأسس البنك الامبراطوري العثماني فرعاً له في البصرة أخذ يقدم خدمات كبيرة لرجال الاعمال المحليين (70 ) .

الحالة الاجتماعية
   اما فيما يتعلق بسكان البصرة فأنه لا يمكن تحديد عدد بدقة ، وما هو متوفر فهو اما تقديرات رسمية او تخمينات توصل اليها الباحثون لكن علم الاحصائيات عديدة ومتناقضة ومتذبذبة ، ويرجع ذلك لعدة اسباب منها عدم وجود احصائيات دقيقة على السكان لطبيعة حياة السكان البصرة ولعدم اعطائهم المعلومات الصحيحة عنهم لدوافع عديدة (71) ، انما السبب الاخر والمهم هو ان البصرة قد تعرضت خلال العهد العثماني الاخير الى سلسلة من الاوبئة التي فعلت فعلتها في سكان البصرة ، فقد تفشى وباء الطاعون في البصرة في الاعوام 1831 و 1838 و 1875 ، اما مرض الكوليرا فقد انتشر في الاعوام 1865 و 1871 و 1881 و 1889 و 1893 و 1904 ، ومع ان مرض الملاريا كان متوطناً في البصرة الا انه انتشر بشكل و باني عام 1876 ، اما مصدر هذه الاوبئة والامراض فهو السفن القادمة من الموانيء الهندية والايرانية وكذلك الهنود والفرس القادمون من الامكان المقدسة ، وعلى الرغم من اجراءات صحيحة التي اتخذها دوائر الحجر الصحي في البصرة ، الا انها لم تمنع من انتشار الاوبئة وبخاصة اذا علمنا ان القناصل البرطانيين في

*************************************************
(70) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 95 ـ 96 .
(71) المصدر نفسه ، ص 129 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 19 ـ

البصرة اعلنوا تذمرهم من استمرار دوائر الحجر الصحي العثمانية في فرض فترة حجر صحي لا تقل عن عشرة ايام على القادمين من الموانيء الهندية والايرانية بحجة زيادة نفقات البواخر وان ذلك يعرقل التجارة البرطانية ، ويتضح ان البرطانيين كان يهتمون بتجارتهم اكثر من اهتمامهم بحياة سكان البصرة ، اضافة الى ذلك ، انه على الرغم من الصحيات والاستغاثات المتكررة للدوائر الصحية في البصرة والتي وجهتها اسطنبول بهدف مساعدتهم لتحسين الاوضاع وعلاج الحالة الا انها باءت بالفشل ، وهكذا اثرت في سكان البصرة وتجارها (72) .
  فقد ذكر لتوسكي بان طاعون عام 1831 أنزل ضربة قاصمة بقوة البصرة الانتاجية ، فلم يسلم من اصل سكان البصرة (80) الف نسبة سوى بين 5 ـ 6 ألف فقط (73) ، اما اداموف فيرى ان اوبئة الطاعون في عام 1831 و 1838 ساعدت ( على نقصان السكان لاحقاً بحيث ظلت المدينة بعدها لفترة طويلة لا يتعدى سكانها ٍ12000 نسمة . . . ) (74) ويذكر ان القهواتي ان الامراض ادت الى ابادت الكثير من سكانها ( البصرة ) وسبب هجرة البعض منها حتع غدا عدد سكانها في عام 1854 لا يزيد عن 5000 نسمة بعد ان كان يربوا على 60000 قبل تلك المحن ) ، ويورد القهواتي ما ذكره السائح ussher الذي زار البصرة عام 1865 فذكر ان عدد سكان البصرة : في عام 1871 اصبح عدد سكان البصرة يتراوح بين 8 ـ 10 ألف نسمة ، وبلغ في عام 1887 اربعين ألفاً (75) ، اما busch فترى ان سكان البصرة في العقد الاخير في القرن التاسع عشر بلغ اكثر من اربعين ألف نسمة (76) ، ويتفق قسم من الباحثين على ان سكان البصرة

*************************************************
(72) القهواتي ، المصدر السابق ، 52 ـ 64 .
(73) لوتسكي ، المصدر السابق ، ص 169 .
(74) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 40 .
(75) القهواتي ، المصدر السابق ، ص 43 ـ 44 .
(76) busch , b . c . and the p . gulf 1894 ـ 1941 ( universsity of california press , 1967 ) p . 33 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 20 ـ

البصرة في السنوات القليلة التي سبقت الحرب العالمية الاولى اصبح (60) الف نسمة (77) .
   وشهدت مدينة البصرة توسعاً كبيراً ، فاصبحت تشمل المحلات الآتية : القبلة والبلوش والسيف وسوق الدجاج والمشراق والحكاكة وجسر العبيد وبستان القصب وعز الدين والقطانة وابو الحسن والجصة ويحيى زكريا جسر الملح والسيمر والفرسي والعباسية والكزارة ومناوي الباشا ونضران والصبخة الصغير والصبخة الكبير والمعصرة والخضر والساعي وأم البروم والقشلة والمقام ومحلة الدووب (78) ، وعلى من الشيخ محمد خليفة النبهاني ذكر في تحفته ان عدد المساجد او الجوامع التي كانت في البصرة في اوائل القرن التاسع عشر قد بلغ خمسين واربعين ، الا انه لم يبق في اوائل العشرينات من القرن الحالي سوى عشرين جامعاً ومسجداً : أربعة في محلة القبلة وثلاثة في محلة المشراق وثلاثة في محلة الحكاكة واثنان في محلة السيف ومثلها في محلة الباشا وواحد في محلة بستان القصب ومحلة القطانة ومحلة جسر الملح ومحلة فرسي ومحلة مناوي الباشا ومحلة البراضعية ، ولم تقتصر اهمية المساجد والجوامع كدور للعبادة فحسب بل انها كانت اماكن للتعليم تحل في محل المدارس لان التعليم في البصرة شأنه شأن التعليم في العراق خاصة والدولة العثمانية عامة ، لازال تعليماً دينياً ، فكانت هناك بناية ملحقة بالجامع او المسجد تجري فيها العملية التعليمية ويطلق عليها ( المدرسة ) ، ومن هذه ( المدارس ) التي كانت لها شأن في البصرة مدرسة الشيخ عثمان بن سند ومدرسة السليمانية ومدرسة الرحمانية في محلة السيف والمدرسة الرؤوفية في محلة القبلة والمدرسة الحللية في محلة القبلة ايضاً ، ولم يبق الا من هذه المدارس الا المدرسة الاخيرة (79) ، وهناك نوع آخر من ( المدارس ) وهو الذي اكثر رواجاً والذي يعرف بـ ( الكتاتيب ) ، ولا يقتصر هذا النوع من التعليم على الذكور من الفتيان بل على الاناث من الفتيات ، ويتم تعليم القراءة والكتابة وقصار السور من القرآن الكريم وبالاضافة الى هذه المدارس كانت هناك المدارس الرسمية الابتدائية والرشدي

*************************************************
(77) اداموف ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 40 ، القهواتي ، المصدر السابق ، ص 44 .
(78) النبهاني ، المصدر السابق ، ج 9 ، ص 106 ـ 107 .
(79) المصدر نفسه ، ص 93 ـ 103 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 21 ـ

( المتوسط ) والاعدادي ( الثانوي ) وكان في مدينة البصرة قبل عام 1902 مدرسة رشدية واحدة وست مدارس ابتدائية هي الحميدية والفيضية بالبصرة للبنات وعشار الابتدائية ومناوي الابتدائية وعشار الابتدائية علاوة على المدرسة الابتدائية لليهود ، وارتفع عدد المدارس في مدينة البصرة بعد هذا التاريخ ، فبلغ عدد المدارس الرسمية الابتدائية احدى عشر مدرسة ، في حين اصبح عدد المدارس الرسمية الاعدادية اثنان ( المكتب الاعدادي الملكي والاتحاد والترقي ) ، اما المدارس غير الرسمية الاهلية والطائفة الاجنبية فقد ازدادت هذه الاخرى فأسست جمعية الاتحاد الاسرائيلي عام 1906 مدرسة للذكور وتم تأسيس مدرسة واحدة للسيران والامريكان والاتين 1906 ( مدرسة للاناث ) واربع مدارس للكلدان : مدرسة للذكور واخرى للبنات في البصرة ، ومدرسة للذكور واخرى مسائية في منطقة العشار (80) ، فضلاً عن هذه المدارس كان في البصرة مدارس مهنية ، فيذكر لونكريك وجود مدارس صناعية (81) .
   اما فيما يخص الصحافة ، فلم تعرف البصرة في العهد العثماني الاخير عن الصحافة الا في عام 1889 عندما جلب محمد على الشهير بجلبي زادة وهو من اهالي مطبعة الى البصرة واصدر في اوائل شباط عام 1890 جريدة رسمية تسمى ( البصرة ) باللغتين العربية والتركية ، ثم حدثت خلافات بين والي البصرة حمدي باشا ومحمد باشا ادى الى غلق المطبعة نهائياً ، وجلب الوالي مطبعة اخرى باسم الحكومة العثمانية عام 1894 واصدر جريدة ( البصرة ) في كانون الثاني 1895 ، ثم صدرت في البصرة بعد عام 1908 عدة صحف هذه ( الايقاظ ) و ( التهذيب ) لصاحبها امين عالي بك باش اعيان و ( اظهار الحق ) لصاحبها قاسم جلميران الموصلي و ( الفيض ) و ( البصرة الفيحاء ) و ( التاج ) لصاحبها محمد نجيب والتي ظهرت في 22 تموز 1911 و ( المنير ) لصاحبها احمد جودت كاظم والتي صدرت في 12 تشرين الاول 1911 و ( الدستور ) لصاحبها عبد الله الزهير والتي ظهرت في 22 كانون الثاني عام 1912 و ( صدى الدستور ) لصاحبها عبد الوهاب طباطبائي والتي صدرت في 25 أيلول 1913 ، وجميع هذه الصحف

*************************************************
(80) الارحيم ، المصدر السابق ، ص 123 ـ 139 .
(81) ( longrigg . s . h . irag 1900 , ( beirut 1968 ) . p 37 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 22 ـ

كانت تصدر باللغتين العربية والتركية ، اما جريدة ( آتي ) فكانت تصدر باللغة التركية فقط ، ولما لهذا الصحف من دور في تنمية الوعي القومي ومعالجة مشاكل واحداث العراق فأن معظم هذه الصحف قد ألقي امتيازها وأغلقت (82) .

الحالة السياسية
  بعد ان تمكن علي رضا من القضاء على المماليك في العراق ، عمل على توحيد العراق وذلك بالقضاء على الاماراة التي كانت قائمة انذاك كالامارة الجليلية الحاكمة في الموصل والامارت الكردية كالصورانيه والبهدينائيه والبوتائية والبابائية وكذلك ضم المحمرة الى البصرة ، وفي الواقع ان فترة ولاية علي رضا على العراق لم تكن بداية فترة جديدة إتسمت بالسلطة الفعلية للسلاطين العثمانيين على العراق فحسب بل شهدت ازدياد تغلغل الاجنبي وخاصة البريطاني في العراق ، ان بريطانيا ، التي عاشت من اجراءات داود باشا الذي كان مدركاً لخطورة النشاط البريطاني في العراق والذي حاول جاهد الحد منه على الرغم من توقيعه اتفاقية مع البريطانيين عام 1823 ، تعاونت مع السلطان العثماني محمود الثاني من اجل اسقاط داود باشا المعادي البريطاني ، وبالفعل وفي اعقاب استباب الامر له ، اصدر الوالي علي رضا قراراً اكد فيه تمسكه المعاهدات المعقودة بين الدولة العثمانية والدول الاجنبية او ما يعرف بنظام الامتيازات capitulations .
  وكان لموقع البصرة اهمية كبيرة لجميع المشاريع التي كانت تطمع الدول الاوربية وبخاصة بريطانيا تحقيقها ، وبما ان العراق كان اقصر طريق يؤدي الى الهند ( درة التاج البريطاني ) فقد اخذت بريطانية تهتم بموقعنه وتعمل من اجل مد خطوط مواصلات سواء باستخدام البواخر في انهار العراق او مد سكك للحديد او خط للتلغراف عبره ، ونظراً لأهتمام بريطانية المتزايد بالطرق المؤدية الى الهند عبر البحر الاحمر والبحر العربي والخليج العربي او الطريق البري عبر ايران او افغانستان ، والذي جاء كنتيجة للغزو الفرنسي لمصر عام 1798 (83) إذ اخذت بريطانية بعقد

*************************************************
(82) الارحيم ، المصدر السابق ، جنون رقم (1) و (2) ، ص 141 ـ 149 .
(83) kelly , j . B . Britain and tht p . gulf ( oxford university press , 1968 ) , pp . 3 .

البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 23 ـ

معاهدات مع الامارات العربية المطلة على الخليج العربي ، فقد اصبح للعراق عامة والبصرة خاصة اهمية في الاستراتيجية البريطانية .
  ظهر اهتمام القناصل البرطانيين وبخاصة روبرت تايلر الوكيل السياسي في البصرة عام 1826 بأستخدام البواخر لربط الشرق بالغرب ، وقامت شركة الهند الشرقية البريطانية على ايجاد طريق بديل لرأس الرجاء الصالح يمر اما بمصر او بالعراق حيث سؤدي التقليل من تكاليف النقل ويخصتصر الوقت ، لذا عهد الى الضابط فرنسيس جسني f . r . cheseney بمهمة دراسة امكانية استخدام بواخر في نهر الفرات وان يجري مقارنة بين طرق الفرات الاعلى ليقوم (84) ، ولكن جسني وضع طريق مصر جانباً لاعتبارات عديدة واهتم بطريق الفرات حيث وصل في عام 1830 الى الفرات الاعلى ليقوم بدراسة طبيعة انهار العراق واساليب النقل فيها وامكانية استخدام البواخر وكذلك دراسة طريق بصرة ـ حلب الصحراوي (85) ، وتابع جسني رحلته الى بغداد ومنها الى البصرة التي وصلتها نيسان 1831 ومنها اتجه الى ايران في طريقه الى لندن ليقدم تقاريره على المسؤولين البريطانيين ، وكانت هذه التقارير مشجعة بحيث بينة صلاحية نهر الفرات ، لسير البواخر وضروة ايجاد طرياق للمواصلات يربط البحر المتوسط بخليج البصرة ، وبعد ان حصل البريطانيون على فرمان سلطان يعطي الحق لهم باستخدام باخرتين في نهر الفرت ، ارسلوا جسني لمعرفة مدى صلاحية نهر الفرات ، ولم تبدأ الرحلة من البصرة لان جسني ادعى ان ذلك قد يوحي ان بريطانيا تريد احتنلال العراق ، وبخاصة ان جسني بهدف تجريد سيادة العراق التأريخية على شط العرب نهراً عراقياً بل انه امتداد للخليج العربي (86) !! ومع ان جسني بدأ رحلته من الساحل السوري صوب البصرة ، الا ان من دوافع بعثته كانت جعل العراق عامة والبصرة خاصة والتي تطل على ساحل الخليج العربي

*************************************************

(84) hoskins , h . british routes to india ( philadelphia , 1966 ) . 184 ـ 9 .
وللتفاصيل عن بعثة جسني راجع الفصل السابع من المصدر نفسه ص 154 ـ 182 .
(85) نوار ، تأريخ العراق الحديث ، ص 243 .
(86) نوار ، عبد العزيز ، المصالح البريطانية في انهار العراق 1600 ـ 1914 ، ( القاهرة ، 1968 ) ص 71 ، النجار ، مصطفى عبد القادر ، التأريخ السياسي لمشكلة الحدود الشرقية للوطن العربي في شط العرب ، ( البصرة ، 1974) ، ص 69 .


البصرة في العهد العثماني الاخير    ـ 24 ـ

الشمالي منطقة نفوذ بريطانية ، وما ان بدأت بعثة جسني في نهر الفرات ودخلت حدود ولاية البصرة حتى واجهت مقاومة العشائر العربية ، ويغزو البريطانيون هذه المقاومة الى تحريض فيكتور فونتانية v . Fontainer القنصل الفرنسي في البصرة للعشائر العربية بوجوب غلق انهار العراق لمنع مرور بواخر المسح الربيطانية (87) ، ولا اساس لهذا الادعاء لان العشائر العربية في ولاية البصرة كانت على دارية بنوايا بريطانيا ودورها في الخليج العربي والعرالق وبخاصة بعد ان قاومت العشائر العربية البعثات التبشيرية البريطانية في القرنة (88) ، الا ان هذه المقاومة لم تستمر ، لذا استأنف جسني رحلته ، وقام احد مساعديه وهو هنري بولص لنج H . B . Lynch بدراسة نهر الفرات خلال الاعوام 1837 ـ 1839 ، وفي عام 1840 اسس شركة للملاحة في نهر دجلة ، وفي الواقع ان فرمان عام 1834 أقتصر على نهر الفرات دون دجلة ، في حين ان شركة الملاحة او ما تعرف عادة بشركة بت لنج أقتصر اعمالها التجارية على نهر دجلة ، ولم يعاض المسؤلون العثمانيون ذلك ، ويعكس هذا على ما كان عليه رجال اسطنبول من جهل بجغرافية العراق وشؤونه الداخلية (89) .
  وشهد عام 1839 اهتماماً بريطانياً متزايداً بالموقع الاستراتيجي لمدينة البصرة ، ويرجع هذا الاهتمام الى مخاوف بريطانيا من تنامي النفوذ الروسي في أسطنبول بعد توقيع معاهدة هنكيار اسكلي عام 1833 بين الدولة العثمانية وروسيا ، وكذلك بريطانيا ثلاثة سفن مسلحة لتنضم الى الباخرة ( الفرات ) ولتشكل اسطولاً حربياً عهدت قيادته الى جسني التي كان تحت أمرة الوكيل السياسي في البصرة ، وعلى الرغم من انفراج الموقف لم تسحب بريطانيا السفن الثلاث بل ابقيت سفينة واحدة مرابطة في البصرة كاجراء احتياطي (90) .

*************************************************
(78) clayton , g . d . britain and tht eastern Questhon , missolonghi to gallippoli , ( university of LonDon press , 1971 ) , p . 78 .
(88) نوار ، تأريخ العراق الحديث ، ص 259 ـ 260 .
(89) صالح ، زكي ، بريطانيا والعراق حتى عام 1914 ، ( بغداد ، 1968 ) ، ص 162 .
(90) نوار ، المصالح البريطانية في انهار العراق ، 106 ، التميمي ، المصدر السابق ، ص 59 ـ 60 .