العمارة العربية في البصرة
دراسة في تاريخ فن البناء والزخارف
العربية الاسلامية

الأستاذ منذر عبد الكريم البكر


يقول خالد بن صفوان :
   نحن أكثر الناس عاجاً وساجاً وخزاً وديباجاً وبرذوناً هملاجاً وخريدة مغناجاً ، بيوتنا الذهب ونهرنا العجب أوله الرطب وأوسطه العجب وآخره القصب .

العمارة العربية في البصرة   ـ 2 ـ

المبحث الأول
فن العمارة
   هناك تعريفات كثيرة للفن وردت في الكتب ، غير إنني أرى إن التعريف الآتي أكثر ملاءمة للبحث : الفن ما يخرجه الإنسان من عالم الخيال إلى عالم الحس ، ليحدث في النفس إعجاباً أو طرباً أو دهشة أو تأثيراً بالعواطف الإنسانية مع الشعور بالجمال (1) .
   كما إن الفن والآثار العربية الإسلامية ـ ومنها العمارة ـ جوانب مهمة لدراسة التاريخ العربي الاسلامي ، فالمشتغلون في التاريخ العربي الإسلامي لا يزال بعضهم يضن واهماً إن من المستطاع كتابة التاريخ العرابي الإسلامي بغير الإستعانة بالآثار ، وهذا زعم خاطيء يؤدي إلى نتائج غير مرضية في دراسة التاريخ العربي الإسلامي .
   وفي الواقع إن المشتغل بالآثار العربية الإسلامية لا يستطيع أن يكون من العلماء في هذا الميدان بغير أن تقوم دراسته على أساس قوي من التأريخ العربي الإسلامي ، بالإضافة إلى أن المشتغل بالتاريخ العربي الإسلامي لا يستطيع ان يكون مؤرخاً موفقاً إلاّ إذا كان له المام كبير بالآثار العربية الإسلامية أو إمكنه على ـ إقل تقدير ـ أن يحسن إستخدام النتائج العلمية التي وصل إليها العلماء الآثار العربية الإسلامية ، ومن الملاحظ إن إعلام المؤرخين للعرب من بين المستعربين معظمهم من علماء الآثار العربية الإسلامية في الوقت نفسه : أو حسبنا أن نذكر بيكر وكالة من الألمان والسوفاجية من الفرنسيين وآرنولد ولين بول من الإنكليز ، أما من العرب فكان الرائد في هذا المجال هو الدكتور زكي محمد حسن .

**************************************************************
(1) قارن ذلك بما ورد في :
Ernst Fiseher, Thenecessity of .p 15
Bianchi Bandinelli. Wirklichkeht und Abstra ktion, pp. 7-8 worterdueh ber kunst p.377

العمارة العربية في البصرة   ـ 3 ـ

   والواقع أن طبيعة المراجع والمصادر في دراسة التاريخ العربي الإسلامي ، تجعل من العسير على الباحث أن يفهم جوانب كثيرة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية بغير أن يستعين بدراسة الآثار ، لكنه يكاد لا يستغني في بعض تلك الجوانب عن دراسة كثير من كتب الأدب والتراجم والطبقات وعلم الشريعة .
   إن ما يجب أن يستخدمه المؤرخ إذا أراد أن تكون بحوثه في تاريخ العرب أقرب إلى الكمال هي :

1 ـ أوراق البردي
   وهي ذات قيمة عظيمة في دراسة الحياة الإجتماعية والسياسية وتأتي هذه الأهمية من تحيز بعض المؤرخين المسلمين لتاريخ الاُسرة التي يكتبون في ظلها ، أو تعصبهم لمنهجها أو الذي يسببه الكلام على الإدارة وأحوال المجتمع ونظمه المالية والاقتصادية ، حيث نجد نصوصاً تتعلق بالجزية والخراج وإسناد المناصب وأنظمة الإدارة وطرق التجارة وبناء العمائر وعقود الزواج والبيع والشراء وما إلى ذلك (2) .

2 ـ الكتابات التاريخية الأثرية على العمائر والتحف وشواهد القبور
   تمتاز هذه الكتابات بأن تواريخها صحيحة والأعلام التي ذكرتها يقل التحريف والتصحيف فيها وبذلك فهي مصدر من المصادر الأصيلة في دراسة التاريخ العربي وذلك لأنها تمتاز بأنها معاصرة للحقائق والأحداث التي تسجلها وبأنها أكثر حياداً من كتابات المؤرخين (3) ، كما إنها تزيد المعروف من أسماء الموظفين وتعيين مراكز الأُسرات الحاكمة ودرجة إستقلالها أو تبعيتها وتمدنا ببيانات عن الشؤون الإدارية والمالية وتؤرخ العمائر فنسدي أجل خدمة لتاريخ الفن ولعلم الآثار بوجه عام .
   ومن حسن الحظ إن النصوص العربية المكتوبة على العمائر والتحف في الوطن العربي قد بدء في جمعها على يد بعض من المشتغلين بالآثار العربية الإسلامية

**************************************************************
(2) سيد إسماعيل كاشف التاريخ الإسلامي ومصادر البحث فيه ص 82 ـ 84 .
(3) م . ن . ص 95 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 4 ـ

وعلى رأسهم ( كامب ) F . Combe و ( فييت ) G . Wiet و ( سوفاجية ) J . Sauvqaget وقد نشر ذلك تحت عنوان : سجل الكتابات التاريخية الأثرية العربية d ' Epigraphie Arabe Repertoire Chronologique وقد ظهر الجزء الأول منه عام 1931 ، بدأ السجل بنقش النمارة المكتوبة بالحروف النبطية سنة 328 م وتأريخ آخر الكتابات في الجزء الثالث عشر سنة 705 هـ ، وقد جمع هذا السجل كل الكتابات المؤرخة أو التي يمكن معرفة تاريخها بإسم أمير أو حاكم أو بطرازها الفني أو بغير هذا وذاك من الأدلة والقرائن وتنتهي بعض أجزاء هذا السجل بعدد من الكتابات فإت المشرفين على إخراجه وضعها وترتيبها التأريخي فجعلوها ذيلاً يكشف عما فات أدراجه في الأجزاء السابقة (4) .

3 ـ السكة وعلم النميات
   النمّيات جمع النمي وتعني الفلوس أو الدراهم من اليونانية Nomos واللاتينية Nummus بمعنى الفضة المضروبة أو النقد والأنوط (5) .
   كان ضرب النقود عند العرب من إختصاص رئيس الجماعة السياسية من خليفة أو سلطان أو أمير أو الذين يمثلون من الولاة والحكام .
   وطبيعي إننا لا نظفر من دراسة السكة العربية بشيء يخص الديانة أو النظم أو الأساطير ، كما يفعل الذين يدرسون السكة اليونانية أو الرومانية ، ولكن دراسة النقود العربية تضم عدداً عن النواحي الوثيقة الصلة بالنظم والإتجاهات الدينية للأُسرات الحاكمة ، وذلك لأن الكتابات المنقوشة على السكة تشتمل على القاب الأُمراء والحكام وتواريخهم وبعض عبارات خاصة بإتجاهاتهم الدينية فضلاً عن إن السكة العربية كانت تتأثر في أوزانها بالحالة الإقتصادية في البلاد .

**************************************************************
(4) م . ن . ص 98 وأتنجهاوزن : الفنون والآثار الإسلامية ص 77 ـ 81 .
(5) راجع : مجلة كلية الآداب العدد السابع لسنة 1972 ص 2 ـ 7 .
H.joswig. Das Gled pp.23-24

العمارة العربية في البصرة   ـ 5 ـ

والحق على كل حال أن النقود العربية للأنقاب والنعوت التي تلقي الضوء على كثير من الأحداث السياسية التي تثبت أو تنفي تبعية الولاة أو السلاطين والبلاد للخلافة أو الحكومات المركزية في التاريخ العربي ، وعلاوة على هذا كله تخلد السكة العربية أسماء مدن كانت تضم دوراً لضرب النقود مما يشهد بما كان لهذه المدن من شأن إداري كبير (6) .
وليست النقود العربية وثائق قديمة فحسب ولكنها فوق ذلك وثائق رسمية لا يسهل الطعن في قيمتها (7) .

4 ـ العمارة والفنون الزخرفية
   إن دراسة الفنون ذات شأن عظيم في تاريخ المدينة العربية ، فإن دراسة العمائر والتحف تلقي الضوء على الكثير من الأمور ذات الصلة الوثيقة بالحياة الإقتصادية والإجتماعية وتكشف عن مستوى المعيشة وإزدهار الصناعة أو تدهورها وتبين تطور العلاقات بين الأقاليم .
   وإذا أردنا أن ندرس الأزياء والملابس والأسلحة والحلي فلا يكفي أن ندرس ما وصل إلينا منها من قليل ، وإنما يجب أن ندرس الرسوم الآدمية في الصور الموجودة في المخطوطات وفي الرسوم الموجودة على التحف والرسوم المستقلة فإننا نفيد من درس ما في هذه الصور من رسوم الملابس والاسلحة والحلي .

**************************************************************
(6) انظر : السيد إسماعيل كاشف المصدر السابق ص 100 .
(7) أخرج الأب أنتساس ماري المكرملي سنة 1939 كتاباً سماه النقود العربية وعلم النميات جمع فيه أهم ما كتبه القدماء في هذا الميدان ، لا سيما البلاذري والمقريزي ، إضافة إلى بعض ما كتبه المحدثون وعلق عليه وشرحه شرحاً وافياً وذيله بفهارس غنية جداً لا سيما التي ترد على النقود والنعوت والألقاب والصفات والواردة عليها والمواد والجواهر التي تتخذ منها النقود والموازين والمكاييل والمقاييس والأنماق والرموز والإشارات والأدعية المستعملة في ضرب النقود ، إضافة إلى الفهارس الضافية للرجال والمصطلحات والعادات والأخلاق والمواضع والبلدان ، ومن يدرس ويطلع على هذا الكتاب ويرجع إلى فهارسة الطويلة يتبين كثيراً مما يمكن كشفه في النقود العربية من الحقائق السياسية والإجتماعية .
وحول إهتمام الأوريين بالنميات راجع : اتنجهازون : الفنون والآثار الإسلامية ص 68 ـ 70 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 6 ـ

أقسام الفنون الجميلة
  إن الفنون تقسم إلى قسمين أساسيين (8)

الفنون الشكلية الفنون الحركية أو الفنون الزمنية
   فالفنون التشكيلية هي التي ينقل فيها الفنان أشكال الرئيات ويجسمها فيتمتع الإنسان برأيتها كالمباني والتماثيل والصور والزخارف وتشمل هذه الفنون العمارة ـ النحت ـ التصوير الفنون الزخرفية وتسمى أيضاً الفنون التطبيقية والفنون الصناعية والفنون الفرعية وإصطلاح الفنون الزخرفية أوفق هذه التسميات وأعمها لأنه يشمل كل فروع هذا النوع من الفنون الشكلية فتدخل في ضمنه زخرفة المباني بالنحت أو بالألوان أو بمواد مختلفة وكذلك أثاث المنزل وأدوات الأكل والشرب والأقمشة والمصنوعات التي يدخل فيها شيء من الزخارف(9) .
   أما الفنون الزمنية أو فنون الحركة : فهي الفنون التي لا يشعر بها إلانسان إلاّ بحاسة السمع وتحتاج إلى مدة من الزمن حتى يتم تأثيرها كالقطعة الموسيقية والقصيدة .
   أما الرقص فإنه لا يدرك بالنظر ولكنه يحتاج لزمن لإتمام الخطوات على الإيقاعات الموسيقية ، وأما الفن المسرحي فيتمتع به الإنسان بالسمع والبصر أيضاً وكل فصل من فصول الرواية المسرحية يحتاج إلى مدة من الزمن .
   وتشمل الفنون الزمنية أو الفنون الحركة : الموسيقى والرقص والشعر والبلاغة والفصاحة والتمثيل (10)
.
**************************************************************
(8) عفيف بهنسي : جمالية الفن العربي ص 18 .
(9) سيدة إسماعيل كاشف ، المصدر السابق ص 102 .
(10) م . ن . ص 103 ـ 105 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 7 ـ

المبحث الثاني
لا شك في أن العرب قبل الإسلام كانت لهم حضارة زاهرة وعلوم وفنون وصنائع(1) .
   والواقع إن العرب كانوا عند ظهور الإسلام في دور من أدوار حياتهم لا يمكن أن يعطي للعناية بالفنون أهمية تستحق الذكر ، فقد كانت أمامهم مهمات قومية جليلة هي نصرة الدين الجديد وتحرير الوطن العربي من الإحتلال والسيطرة البيزنطية ـ الساسانية ، ونشره وتأسيس الدولة الواسعة الأرجاء ، بل إن العارفين بطبيعة الجماعة اللإسلامية في عهد النبي محمد ( ص ) وفي عصر الخلفاء قبل قيام الدولة العربية في العصر الأموي(2) ، يعتقدون إنه لو ساد العالم العربي على سنة ذلك العصر ، لما قامت في الأرض العربية المساجد الشاهقة والعمائر الضخمة والقصور الفاخرة(3) ، ولما صنع العرب الثياب الغالية والآنية النفيسة وغير ذلك مما يخالف بساطة الدين وحياة الجهاد والتقشف التي كانت سائدة في ذلك العصر وليس هذا عيباً بأي حال من الأحوال لأن الأُمم تمر في حياتها بأطوار يحتاج كل منها إلى إتجاهات خاصة وأهداف معينة ، ولا ريب في أن العرب في عصر الرسول ( ص ) وعصر الخلفاء الراشدين كانت تشغلهم عن ( الفنون ) أُمور في الدرجة الأولى من الخطورة تتعلق بكيان الاُمة وسلامة الجماعة الناشئة ونشر الدين الإسلامي وتحرير الأرض .
   علماً بأن العرب قبل الإسلام كانت لهم عمارة وفنون وصناعات إذ إزدهرت صناعة الصياغة في يثرب حتى قيل أن العرب المسلمين وجدوا فيها ( 300 ) صائغ من اليهود ، ولكن لم يصل إلينا شيء من منتجات هذه الصناعة .

**************************************************************
(1) راجع الهمذاني في كتابة الإكليل الجزء الثامن نجدد أمثلة على ذلك وكذلك عفيف بهنسي : جمالية الفن العربي ص 28 ـ 29 وأحمد فكري : مساجد القاهرة ومدارسها ص 26 .
(2) إبن طباطبا العلوي : الفخري في الآداب السلطانية ص 73 .
(3) راجع زكي محمد حسن : الفنون الإسلامية ص 10 كذلك :
E.Diez
(11) Die kunst der islamischen volker pp10 - 11

العمارة العربية في البصرة   ـ 8 ـ

وكان لهم نحت الأحجار(4) وصناعة النسيج والدباغة ، والذي يطلع على الآثار العربية قبل الاسلام تأخذه الدهشة عندما يرى إبداع العربي في ذلك(5) ولهذا لا يمكن أن ننكر ما للعرب من دور في تكوين الفن العربي في المدة الإسلامية .
   من الغريب إن كثيراً من الغربيين حين ينسبون شتى العناصر الفنية العربية إلى بعض الفنون القديمة يلحون في ذلك كأنهم يعملون على الحط من شأن العرب ، بل يذهب المتعصبون منهم إلى رمي العرب بالتأخر واللاقبال على النهب والسلب وبالبعد عن الحضارة والإستقرار ، ولكن هذا ظلـم فـادح وتملية روح غير علمية(6) فقد إزدهرت العمارة والفنون والزخرفية(7) كما قامت بينهم فنون اخرى كالشعر والخطابة والأدب(8) ، إضافة إلى تحرير الوطن العربي نشروا الإسلام في الجزء الأكبر من العالم المعروف في ذلك الوقت ، وفضلاً عن هذا وذاك نرى إن الفن العربي إستفاد من الفنون التي سبقته ، ولا يمنعه هذا من أن تكون له ذاتية وعناصره المستنبطة ، كما إن الإسلام حقق نجاحاً أكثر من الأديان الأخرى في أن يكون له فن مطبوع بطابع حضاراته وله ميزاته الخاصة وعناصره التي تجمع بين مدارسه في الإجزاء المختلفة في ديار الإسلام ، وذلك كله على الرغم من إن الإسلام لم يتخذ الفنون أداة في نشر دعوته أو التبشير بتعاليمه كما فعلت البوذية والمسيحية .
   وإذا عرفنا إن الأساليب الفنية في أي بلد من البلدان تتطور تطوراً طبيعياً وتتأثر بالمؤثرات الإقتصادية والتيارات الفنية التي تجلبها الشعوب التي تحكمه أو تتصل به وبين غيره من الأقاليم أدركنا إن الإسلام والعرب أفلحا في خلق حضارة عربية إسلامية إزدهرت وكان من مظاهرها هذا الفن الذي إتسع إنتشاره وطالت حياته قروناً عديدة .

**************************************************************
(4) أُنظر الهمداني : الاكليل الجزء الثامن وكذلك راجع : A.Grohmann , Arbien . pp . 140 ـ 218
(5) A.Grohmann , Op . cit . pp . 238 ـ 243
(6) راجع : كاسكل : الدور السياسي للبدو في التاريخ ص 75 .
(7) راجع حول ذلك كتاب أحمد تيمور باشا : التصوير عند العرب الذي إخرجه وزاد عليه الدكتور زكي محمد حسن وأُنظر : زكي محمد حسن : التصوير في الإسلام عند الفرس ص 18 ـ 19 .
(8) حول الموضوع أُنظر : د . منذر البكر : مساهمات العرب في التراث اليوناني قبل الإسلام مجلة المورد المجلد الثامن العدد الثالث بغداد 1979 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 9 ـ

  وعلى كل حال فإن الفن العربي الإسلامي مظهر من مظاهر الحضارة العربية الإسلامية ، التي إزدهرت من الهند الى المحيط الاطلسي ومن الحدود البرانس والدانوب الى جنوب بلاد العرب وشرق افريقية ، وكان يمتاز بعناصر مشتركة في مدارسه المختلفة التي أزدهرت في تلك الرقعة الواسعة من الكرة الارضية .
   ولقد ولد الفن العربي الإسلامي ـ إذا فصلنا الفترة الحقبة الإسلامية عن الحقب التاريخية الاخرى ـ في القرن السابع الميلادي وبلغ أوج عظمته في القرنين 13 ـ 14 م ، ثم دب اليه الضعف منذ القرن 18 م بعد تأثر العرب بمنتجات الفنون الغربية واقبلوا على تقاليدها وقل تماسكهم بأساليبهم الفنية الموروثة وضنوا بالوقت اللازم لإنتاجها حين اصبحت السرعة في الانتاج والاقتصاد في النفقات اساس الحياة الاقتصادية(9) .
  ولما بدأ الغربيون في دراسة الفن العربي أطلقوا عليه أسماء غير جامعة أو غير دقيقة لان بعضها لا يصلح الا لجانب من هذا الفن ، كما أن بعضها لا يتفق مع الحقائق العلمية المعروفة(10) ، وذهب فريق من الاوربيين إلى تسميته إسماً شاملاً هو الفن المحمدي Muhammedan Art ولكن العرب ينفرون من هذه التسمية لإنها تنسب إلى الرسول العربي ( ص ) ظاهرة دنيوية لا شأن لها بالعقيدة الاسلامية وجانباً من جوانب الحضارة لم يكن له شأن به ولاعلاقة بمكانته الدينية إضافة إلى إن نسبة هذا الفن إلى النبي محمد ( ص ) قد تكون موازية ومقابلة لنسبة فن آخر هو الفن المسيحي Christain Art والقياس بين الفنين غير مقبول لإن قوام الفن المسيحي وتاريخه حياة القديسين وما إلى ذلك من الأمور الدينية التي لا نظير لها في الفن العربي في الحقبة الإسلامية .

**************************************************************
(9) مارسية : الفن الاسلامي ص 19 وعفيف بهنسي ، المصدر السابق ص 30 ـ 31 .
(10) زكي محمد حسن : الفنون الاسلامية ص 3 وزكي محمد حسن التصوير في الاسلام عند الفرس ص 20 ـ 21 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 10 ـ
  فلا ريب أذن في أن أفضل الاسماء للفن الذي أزدهر في الوطن العربي في الحقبة الاسلامية هو الفن العربي الاسلامي(11) لإن الاسلام جمع العرب والف منهم دولة عربية موحدة لها ذاتيتها وخصائصها (12 أ) .
   من الطبيعي أن العمائر والمنتجات الفنية في الدولة العربية الاسلامية الواسعة لم تكن ذات طراز واحد في القرون الطويلة التي أزدهر فيها الفن العربي الاسلامي ، وطبيعي كذلك أنها لم تكن واحدة في كل أقطار الوطن العربي ، فأن الحرف والصناعات ظلت بعد التحرير العربي مدة من الزمن في يد أهلها(12 ب) ، فكانت الاساليب الفنية المحلية تتطور في كل قطر تطوراً لا تفقد فيه كل صلتها بماضيها ، لكنها تخضع لكثير من الاتجاهات التي يتطلبها الوضع الجديد .
  ونتيجة لهذا الاختلاط ظهر فن متشابه في جملته متباين في جزئياته ، وعلى هذا الاساس قامت في الوطن العربي طرز أو أنماط أو مدارس أو أساليب فنية تتطور بتطور العصور وتتأثر بالاحداث السياسية والاجتماعية ، وكانت الفروق بين هذه الطرز الفنية المختلفة أظهر ما تكون في العمارة ، فان فن البناء أكثر الفنون أتصلاً بالاقطار التي ينشأ فيها ، بينما كان تبادل العناصر الفنية وتأثر بعضها ببعض أسهل في ميدان الفنون الزخرفية .

**************************************************************
(11) راجع ما ذكر حول تسمية الفن ( بالفن العربي ) عفيف بهنسي المصدر السابق ص 11 ـ 17 ويضيف أن الفن العربي مرتبط بالامة العربية وبدايته مرتبطة ببدايتها وتطوره العضوي مرتبط بتطور هذه الامة العضوي في جميع مراحلها الطفولة والشباب والكهولة وفي جميع منازعها المادية والروحية وفي جميع حالات القوة أو الضعف والازدهار أو الانحطاط الاشعاع أو الانعكاس والفن هو أكثر عمقاً وشمولاً لمفهوم الحضارة ، أصبح أكثر وضوحاً وغنى بعد الاسلام وأصبح أكثر أرتباطاً بشخصية العرب الروحية ، عفيف بهنسي : المصدر السابق ، ص 50 .
(12 أ) زكي محمد حسن : المصد السابق ص 5 .
(12 ب) كروبناوم : الوحدة والتنوع في الحضارة الاسلامية ص 154 وما بعدها E.Kunst des orients p.19ff .
غير إننا نميل إلى أن الفن العربي الاسلامي ركز على وحدة التعبير الفني كذلك تمتاز بشدة التنوع الذي أصبح صفة من صفاتها وهذا لا يتعارض مع صفة الوحدة ، لإنه تنوع شبيه بأختلاف لهجات اللغة الواحدة في الوطن العربي .
للتفصيل راجع : أحمد فكري : مساجد القاهرة ومدار لها ص 19 ، ص 43 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 11 ـ
   وحسبنا إن المنتجات الصناعية التي تتجلى فيها الأساليب الفنية الزخرفية كانت تنقل من قطر إلى آخر في الدولة العربية الإسلامية على يد التجار الذين كانوا يجوبون أنحاء هذه الدولة وقد إمتد نشاطهم في ( العصور الوسطى ) إلى الشرق الأقصى وجزر المحيط الهندي وصحاري السودان وجنوب روسيا وسواحل بحر البلطيق وجنوب أوربا وغربها ، وهكذا نرى إن العمائر والتحف العربية الإسلامية لها طابع خاص ولكنها تتميز بعضها عن البعض وتختلف بحسب الأقطار والعصور المختلفة ، فالعمائر تختلف في مواد العمارة نفسها وفي أنواع الأعمدة وتيجانها والعقود أو الأقواس وفي المأذن والقباب والمتدليات وفي أنواع الزخارف الهندسية والنباتية والكتابية وفي المواد التي تغطي بها الجدران كالجص والقاشاني .
   أما التحف المختلف طرائق صناعتها وأساليب زخرفتها والألوان المفضلة فيها والأشكال التي يقبل عليها قطر دون آخر ، فضلاً عن إن بعض أنواع التحف كانت تزدهر صناعتها في قطر دون سائر الأقطار العربية بسبب وفرت موادها الأولية فيه أو لغير ذلك من الأسباب ولهذا ظهرت طرز يمكن تقسيمها بالشكل الآتي :
1 ـ مدة الإنبعاث والنمو : وهي المدة التي شملت الأساليب الفنية العربية القديمة وقد بعثها الإسلام من جديد ونمت في المدة العربية الأموية .
2 ـ مدة النضج والتطور : وتشمل المدة العربية العباسية الاولى حين نضجت فيها الاساليب الفنية العربية في المدة الاولى .
3 ـ مدة الإنتشار التأثير : وهي المدة العربية العباسية المتاخرة حين إنتشرت الأساليب الفنية .
4 ـ مدة الركود : وهي مدة القرن السادس عشر الميلادي إذ بدأ العرب يتأثرون بالاساليب الفنية الاوربية(13) .

**************************************************************
(13) حسين مؤنس : المساجـد ص 95 ـ 106 ، مارسيـه المصدر السابق ص 18 ـ 25 ، زكي محمد حسن الفنون الإسلامية ص 143 وراجع أيضاً رأي الدكتور أحمد فكري المصدر السابق ص 26 ـ 49 .
E . Diez , Op . cit . pp . 4 ـ 6

العمارة العربية في البصرة   ـ 12 ـ
   وحين نتحدث عن إنبعاث ونمو الفن العربي الإسلامي يدفعنا هذا إلى أن نذكر طائفة من الملاحظات :
1 ـ إن حكمة العرب تجلت في إستخدام الفنايين المحليين في الأرض التي حررها العرب وبعد نظرهم في ترك أمور الصناعة والفنون تسير وتتطور تطوراً ًطبيعياً على يد الفنانين المحليين في البداية سواء منهم الذين أعتنتقوا الإسلام أم إحتفضوا بدينهم القديم .
2 ـ تشجيع العرب الفنانيين المحليين وإعجابهم بمهاراتهم وإستخدامهم في شتى أنحاء الوطن العربي وإنتقال الفنانيين بين العراق ومصر وسوريا وشمال أفريقيا حيث ساهموا في بناء بغداد ، وكذلك فعل المعتصم عند بناء سامراء .
3 ـ الموقف العربي المتسامح من أهل الذمة والإعتراف بالمهارة الفنية لهم .
4 ـ إنتشار الإسلام السريع وتحرير وتحرير الأرض العربية وإن كثيراً من العرب أقبلوا منذ العصر العباسي على الإشتغال بالصناعة والفنون التطبيقية .
5 ـ إننا نجد في العمائر والتحف العربية في مدة الإنبعاث عناصر فنية مختلفة إستعملت جنباً إلى جنب بسبب إختلاط الأساليب الفنية قبل الإسلام والتأثير المحلي .

المبحث الثالث
طائفة من العناصر المعمارية
( أ ) الماَذن
   كان النبي محمد ( ص ) وأصحابه يصلون في البداية من غير أذان ، ثم أمر النبي ( ص ) بلالاً أن يؤذن داعياً إلى الصلاة(1) فكان بلال أول مؤذن في الإسلام ، كان يؤذن من أعلى سطح يجاور المسجد في المدينة ، ثم صار يؤذن على ظهر المسجد نفسه ، وكانت المساجد الأولى في الوطن العربي في المدة الأولى الاسلامية بغير ماَذن ، وكان يحدث ان يدعو المؤذن الى الصلاة من سور المدينة .

**************************************************************
(1) أبن هشام : السيرة النبوية . القسم الثاني ص 509 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 13 ـ
   إتخذ العرب الماَذن لأول مرة في دمشق حين أذنوا للصلاة من أبراج المعبد الوثني القديم الذي قام على انقاضه المسجد الأموي(2) ، وكانت هذه الأبراج الأربعة ، الأصل الذي بنيت على أمثاله الماَذن الأولى في الشام ومصر والمغرب ، وعرف العرب المكان الذي يلقى منه الاذان باسم ( المئذنة ـ او الصومعة او المنارة ) وكان العرب يطلقون على أبراج الزهاد بإسم ( الصوامع ) ولعل إستعمال هذه الكلمة للدلالة على الماَذن ، راجع إلى ان المآذن الاولى في الشام كانت مربعة ( كأبراج الزهاد ) وكانت طراز هذه المآذن المربعة هو الذي عم إستعماله في المغرب العربي (3) .
   وضلت المئذنة تسمى ( صومعة ) في المغرب العربي حتى الآن. . . ومن الغريب أن بعض أهل المغرب يسمون المأذنة ( عساس ) بمعنى مكان المراقبة أو الملاحظة ، مما يشهد إن الماَذن لم تكن تستخدم للأذان فحسب بك كانت تستعمل للكشف والمراقبة في بعض الاحيان ، اما كلمة ( المنارة ) فكانت تطلق في البدية على المكان الذي ينبعث منه النور ، ثم أطلقت على ( الفنارات ) وقد ذهب العلماء في اصل الماَذن من الوجهة المعمارية مذاهب شتى فقيل اصلها مشتق من ابراج الكنائس أو من ابراج الحراسة والمراقبة او من الفنارات القديمة أو من بعض أبراج العبادة في الهند(4) .
   غير إن الاعتقاد الصحيح انها مشتقة من الزقورات في العراق ، وكان استعمال الحجر في بناء الماَذن يتوقف على مادة البناء المستعملة في اقطار الوطن العربي ففي العراق مثلاً استخدم الطابوق(5) .
   وشيد المعماريون العرب في العراق مئذنتي الملوية وابي دلف اللتين ظلتا فريدتين في العمارة العربية ، ثم شيدوا الماَذن المربعة والمثمنتة والاسطوانية .

**************************************************************
(2) زكي محمد حسن : المصدر السابق ص 144 ـ 150 .
(3)م . ن .
(4) ان الماَذن المربعة قائمة على معطيات الزقورات من حيث رمزه التصاعدي الوحداني . عفيف بهنسي : المصدر السابق .
(5) Fr Wachsmuth : Der Backseinbau P . 25 p . 36 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 14 ـ
  علماً أن ماَذن العراق يغلب عليها ان تكون القاعدة اي بدن المئذنة على شكل دائري ويتبع ذلك أن تكون الشرفات العلوية مستديرة أيضاً وهي على الهيئة الأسطوانية(6) .

( ب ) الأقواس والعقود
   عرفت العمارة العربية أنواعاً مختلفة من العقود ، وكان كل قطر من اقطار الوطن العربي في المدة الإسلامية يفضل بعض هذه العقود عن البعض الآخر ، ومن العقود التي اقبل العرب على استعمالها بوجه عام : عقد على شكل نعل الفرس ، وقد شاع استعماله في الأندلس والمغرب العربي ، ومنها عقد يسمى العقد المرتد وهو يشبه عقد نعل الفرس غير انه مدبب الرأس ويتألف من قوس دائريين ويرتد ابتداؤه عن خط امتداد مركز العقد ، ومن العقود الاخرى : العقد المشرشر ويتألف من سلسلة عقود صغيرة واقواس متتالية ، وهناك العقد المزين باطنه بالمقرنصات والعقد المدبب المرتفع الذي استعمل في كثير من العمائر العربية في القطر العراقي وفي بعض العمائر في القطر المصري (7) ، وهناك : عقد مقوس يتألف من منحيين متماثلين يتكون كل منهما من قوسين احدهما محدب والآخر مقعر وهذا ما نجده في المدرسة المستنصرية ببغداد والعتبات المقدسة في العراق .

( ج ) الدلايات
   هي حليات معمارية تشبه خلايا النحل ، وترى في العمائر مدلاة في طبقات مصفوفة بعضها فوق بعض وتستعمل للزخرفة المعمارية ولا سيما في واجهات المباني ، كما تستعمل للتدرج من شكل إلى آخر ولا سيما من السطح المربع الى سطح دائري تقوم عليه القبة ، كما تقوم في بعض الاحيان مقام المساند حين تتخذ أسفل دورات او شرفات المؤذن في المنارات وتسمى باللغات الاوربية (8) ( stalactites ) .

**************************************************************
(6) حسين مؤنس : المصدر السابق ص 133 .
(7) زكي محمد حسن : المصدر السابق ص 150 ـ 152 .
(8) حول إستعمال الدلايات المقرنصة في العمارة العربية راجع :
Rosintal , pendentifs Trompes et stalactites dansl , Architectute Orintale paris . 1928 . L . Hulder mann , Uder Stalktitem in der arabischen Baukunst ( zeitsch . Arch . und ingen . ver . ) vol . 31 , 6 . Hannover 1885 . pp . 523 ـ 531 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 15 ـ

من لفظ يوناني بمعنى ينقط وتطلق هذه الكلمة في الاصل على التحجر الذي ينشأ على أشكال متدلاة في غير إنتظام وذلك في بعض الكهوف بفعل رشح مياه محملة بالاملاح الجيرية ويبدو أن إستعمال الدلايات في العمائر العربية يرجع الى القرن الخامس هـ / الحادي عشر م ، أقبل المعماريون على استعمالها إقبالاً عظيماً حتى صارت من أبرز مميزات العمائر العربية في واجهات المساجد وفي الماَذن وتحت القباب وفي تيجان الأعمدة وفي السقوف الخشبية ، واختلفت اشكالها بإختلاف الزمان والمكان في الوطن العربي في المدة الإسلامية .

( د ) الاعمدة والتيجان
  إستعمل المعماريون في البداية أعمدة كانوا ينقلونها من المعابد والكنائس والعمائر المخربة ، التي كانت تحملها تلك الاعمدة ، ثم إتخذ المعماريون أعمدة وتيجاناً من مبتكراتهم ، فعرفوا الاعمدة ذات البدن الإسطواني وذات البدن المضلع تضليعاً حلزونياً(9) وذات البدن المثمن الشكل ، وإنتشرت الاعمدة المثمنة في بعض عمائر القطر المصري(10) ، وكانت أضلاعها تزين بالزخارف النباتية الدقيقة .
   أما تيجان الاعمدة فقد عرفوا منها تيجاناً بصلية الشكل(11) وتيجاناً ًتشتمل على صف من الوريقات النباتية تتصل في جزئها الاسفل ، ثم تنتشر فتؤلف صفحة من الزخارف النباتية البديعة ، كما عرفوا تيجاناً من الدلايات وتايجاناً أخرى على هيئة الناقوس ، وكانت تيجان الاعمدة تتصل أحياناً بعضها ببعض عند بدء العقود بروابط خشبية قوية(12) ، وفي بعض الاحيان تجنب المهندسون إستعمال الاعمدة فيقيمون السقف أو البواكي على أكتاف من البناء ، كما نرى في جامع المتوكل بسامراء ، أما قاعدة العمود المشهورة في العمارة العربية فعلى هيئة ناقوس مقلوب مضلع(13) .

**************************************************************
(9) راجع : A . Grohmann , Op . cit . pp . 208 - 216 .
(10) احمد فكري : مساجد القاهرة ومدارسها ص 119 ـ 123 .
(11) وهذا ما نجده في اليمن راجع : A . Grohmann , Op . cit . p . 218 .
(12) حسين مؤنس : المصدر السابق ص 138 ـ 140 .
(14) قارن زكي محمد حسن : الصدر السابق ص 153 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 16 ـ
( هـ ) القباب
   إعتاد المعماريون بناء القباب على الاضرحة حتى أطلق الجزء على الشكل وصارت كلمة ( قبة ) تستعمل في بعض الاحيان للدلالة على الضريح كله ، علماً بأن أصل القبة ونشأتها في بلاد مابين النهرين(14) ، وقد إنتشرت في الوطن العربي أنواع مختلفة من القباب(15) ، ولعل أكثرها تنويعاً وزخرفة في القطرين السوري والمصري .
  وفي القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي دخلها التضليع ، وأمتازت القباب في القطر العراقي بكسوتها بالقاشاني ذي الزخارف النباتية الجميلة وبأنها بيضية أو بصلية الشكل .

( و ) المداخل
  إن الأبواب الخارجية في المساجد والمباني الكبيرة توضع داخل جحور شاهقة عميقة بعض العمق قد تمتد الى إرتفاع البناء أو تزيد عليه أحياناً ، وإن الباب تحف به من الجانبين أريكة تكون قمة الجحر عادةً ربع كروية ومحمولة على دلايات ؟ مخمسة

**************************************************************
(14) مارسية : المصدر السابق ص 80 E . Diez , Op . cit . p . 161 .
عفيف بهنسي : المصدر السابق ص 71 .
(15) حسين مؤنس : المصدر السابق ص 137 ، 140 ـ 142 .
E . Diez , Op . cit . p . 162 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 17 ـ
المبحث الرابع
العمائر العربية في البصرة

( أ ) المسجد :
   الموضوع الذي يُسجد فيه وكانت هذه الكلمة هي المستعملة في البداية للدلالة على أمكنة العبادة(1) . أما لفظ جامع فكان في البداية نعتاً للمسجد فقيل ( المسجد الجامع ) كما قيل ( مسجد الجماعة ومسجد الجمعة ) ، ولكن القوم لم يلبثو أن تجوزوا واصبحو يقتصرون على الصفة ويطلقون لفظ ( الجامع ) على كل مسجد كبير ، وعلى كل مسجد تصلي فيه الجمعة وإن كان صغيراً ولعل سبب ذلك أن صلاة الجمعة لم تكن تقام في البداية إلا في مسجد واحد في المدينة وهو أو المسجد الجامع او مسجد الجمعة أو مسجد الجماعة أو الجامع(2) . لما زاد عدد المسلمين في البلد الواحد أُقيمت صلاة الجمعة في أكثر من مسجد واحد ، وعرف الناس هذه المساجد التي تقام فيها الجمعة بإسم المسجد الجامع أو بإسم الجامع ، وإتسعت مساحتها لتسد حاجة المصلين أما أماكن العبادة الصغيرة فظلت تسمى مساجد .

**************************************************************
(1) حول المسجد الجامع في الاسلام راجع المقالة المهمة في الموسوعة الاسلامية ، التي تتكون من ثلاثة أقسام :
الاول : كتبه بيدرسن J . Pedersen ويتألف من :
أ ـ أصل الجامع .
ب ـ تطور بناء الجامع بعد الرسول ( ص )
ج ـ الجامع كمركز للعبادة
د ـ تأثيث الجامع
هـ ـ الجامع كمؤسسة دولة
و ـ الجامع كمركز للتعليم
ز ـ الجامع كمؤسسة دينية
ح ـ موظفو الجامع vol . 111 , pp 372 ـ 435
الثاني : كتبه كرن R . A . kern تناول فيه الجامع في بلاد الهند pp . 437 ـ 449
الثالث : كتبه ديتس E . Diez تناول تاريخ عمارة الجامع pp . 437 ـ 449 .
enzy klopadie des lslam vol . 1 . 111 .
Leiden ـ Leipzig . 1913 ـ 1936
E . Dies , Op . Cit . p . 161 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 18 ـ

  والمعروف أن المسلمين كانوا يحرصون على إقامة الجمعة في محل واحد في البلد في ذلك بياناً بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات وإنها لا تصلى إلا في مكان واحد ، وقد ذكر أن مدينة دمشق منذ تحريرها في خلافة عمر ( ر ض ) حتى شهر رمضان 756 م لم تكن تقام في داخل سورها إلا جمعة واحدة .
  المسجد أهم المباني التي تمتاز بها العمارة العربية ، ولكن المساجد الاولى في الوطن العربي كانت بسيطة في تخطيطها لا زخرفة فيها ، ولاعجب فقد كان العرب في البداية يرون أن المقصود من بناء المساجد أن تحمي المتعبدين من الحر والبرد وإن زخرفتها وتزينها قد يشغلان القلوب من الاقبال على الطاعة ويذهبان بالخشوع الذي هو قوام العبادة وروحها وهكذا كانت بساطة المساجد الاولى تناسب بساطة الشعائر في الاسلام ، فكانت قطعة الارض تحاط بجدران أربعة ، وقد تحاط بخندق محفور كما كانت في مسجد الكوفة الاولى ، وكان السقف يقام على أعمدة من جذوع النخل أو أعمدة حجرية منقولة من المعابد القديمة والمهجورة في الوطن العربي بعد تحريرها .
  والمسجد له فناء أو وسط يسمى الصحن ـ وقد يكون مكشوفاً أو مسقوفاً ـ وتحيط به أربع أجزاء أخرى تسمى أروقة ( جمع رواق ) ثلاثة منها بوائكها متساوية في العدد ( والبائكة جزء من الرواق ويسمونة أحياناً بلاطة وهو المحصور بين صفين من الاعمدة أو الأكتاف ) أما الرواق الرابع فأوسعها وهو رواق القبلة وفيه المحراب ، وتغطى الاروقة بسقوف مستوية محمولة على عقود أو أقواس تقوم على أعمدة من الرخام أو على أكتاف من البناء .(3)

   وأول مساجد البصرة بعد تحريرها سنة 14 هـ / 635 م
هو :

**************************************************************
(2) حسين مؤنس : المصدر السابق ص 66 و د : منذر البكر التطور التاريخي لواجهة جامع السلطان حسن في القاهرة ص 180 .
(3) زكي محمد حسن : المصدر السابق ص د : منذر البكر المصدر السابق ص 181 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 19 ـ

1 ـ مسجد البصرة الكبير
   وهو من المساجد الاولى في الإسلام كان قطعة من الارض إختطها عتبة بن غزوان ، وقد أحيط بسور من القصب صنعه محجر بن الادرع من سليم كما يبدو وهناك من يذكر أن نافع بن الحارث بن كلدة قد بناه بالقصب ، ثم بني بعد ذلك باللبن والطين وينسب هذا العمل إلى أبي موسى الاشعري ( 17 ـ 29 هـ / 638 ـ 650 م ) وسقفه بالعشب بعد وقوع الحريق في البصرة ، ثم جدد على يد زياد إبن أبيه ( 45 هـ / 665 م ) الذي بناه بالآجر والجص وسقفه بخشب الساج وإتخذ به أعمدة من حجر نحتها من جبال الاحواز ، وجعل زياد في مقدمة المسجد خمسة صفوف من الاعمدة ، وأمر بفرش المسجد بالحصى ، كما شيد زياد مئذنة له من الحجر علماً بإن المساجد الاولى لم تكن لها مآذن ولا منابر ولا مقصورة ولامحاريب مجوفة(4) .
  ويظهر أن أكبر توسع للمسجد حدث في ولاية محمد بن سليمان بن على العباسي 160 هـ / 777 م وكانت البصرة قد بلغت أوج عظمتها وضاق مسجدها بالمصلين وقد أحصي من صلى فيه عام 164 هـ / 781 م فبلغ عدد المصلين عشرين ألفاً فأذن الخليفة المهدي بتوسيع المسجد .
  وقد ذكر إبن الفوطي أن جامع البصرة قد أحترق في سنة 624 هـ / 1227 م فقام الأمير شمس الدين بإعادة عمارته وأحضر الحجارة من جبل الاحواز ، وجلب له خشب الصنوبر والساج من البحر وأسكن فيه جماعة من الصوفية ، وبنى دهليزاً للجامع بحجرتين جعل في أحداهما كتباً(5) .
   لم يبقى من آثار المسجد إلا ركن واحد تنتصب فوقه المنارة يكون القسم الاسفل منها خالياً من النقوش والزخارف مكسواً بالطابوق ، وكان إستعمال الطابوق في العمارة العربية يؤثر على الشكل السطحي ، ويبدو أن المعماري العربي كان يختبر مادة البناء قبل إستعمال بطريقة الحل والشد .(6)

**************************************************************
(4) يذكر لنا د : حسين مؤنس أنه لاتوجد لدينا أية نفاصيل عن هيئة المنارة ، ويلاحظ أن إسم المنارة هو الذي إطلق على المآذن أول ماظهرت في العمارة العربية ، المصدر السابق ص 129 وراجع احمد .
(5) فكري : المصدر السابق ص 119 ـ 200 .
نقلاً عن الشيخلي : تاريخ البصرة القديمة وضواحيها ص 48 .
(6) Fr . Wachts muth , Op . Cot . p . 25 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 20 ـ

ويظهر أن البناء بالطابوق وصل في ظل الخلافة العباسية 132 ـ 656 هـ / 750 ـ 1258 م الى درجة الكمال في والإستعمال (7) .
   أما القسم الأعلى من المنارة فقد نقش عليه صف من الحنايات ذات القوسين وفوقها أفريزان من الزخارف الهندسية والنباتية(8) ، وكلها من الطابوق ، وفي الواقع أن الزخارف من الطابوق تكون عادة على شكل قطع صغيرة ، وتكون الزخرفة مستقلة عن أصل البناء(9) ، أما واجهة المسجد فأني أفترض أن الواجهة كانت مزينة بمشاكي ذات أقواس مدببة توجت بشكل سداسي يحتوي على زخارف نباتية دقيقة جداً هندسية منتظمة من الطابوق المنجور مؤطر بأطر بارزة ، كما يظهر أنه كان للواجهة مدخل رئيسي تقوم على جانبيه مئذنتان أسطوانيتان تحتويان على ثلاثة أفاريز ، إثنان منها ذات زخارف نباتية ومنحنيات حلزونية داخل أشكال هندسية تتناوب بين هذه الاشكال نجمة رباعية غير منتظمة الرؤوس ، أما الافريز الثالث فيحتوي على كتابة كوفية مطعمة بالصدف ، كما أن الواجهة تحتوي على كتابة بالخط الكوفي المزهر فوق أرضية متناظرة فوقها وردة رباعية .

2 ـ مساجد مندثرة
   وهي مساجد ذكرتها الروايات العربية منها : مسجد محمد بن سيرين ومسجد أنس ومسجد حفصة وكل هذه المساجد بالعرانيس المعراة ومنها مسجد الخشابين ومسجد الندب بقرب قصر أوس ومسجد أبي بكره الهذلي يقع الى الجنوب الشرقي من المسجد الجامع ومسجد الحامرة : نسب إلى قوم قدموا اليمامة من عمان ثم صاروا منها الى البصرة على حمير فأقاموا بحضرة هذا المسجد وقال بعضهم بنوه ثم جدد(10) ، ومسجد عاصم : نسب الى عاصم أحد بني ربيعة بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة(11).

**************************************************************
(7) ibid . p . 36 .
(8) F . sarre ـ E . Herz feld , arehae Logisehe Reise Im Euphrat ـ Vnd Tigrisgebiet . p . 249 .
(9) للتفصيل راجع : F . Wacht smuth , Op . cit . p78 .
(10) البلاذري : فتوح البلدان ص 457 .
(11) م . ن 432 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 21 ـ

3 ـ مسجد الزبير بن العوام
  ذكر إبن بطوطة أن للزبير مسجداً وزاوية ، ويظهر أن العثمانيين عندما سيطروا على العراق 979 هـ / 1032 م قد وسعوا المسجد الجامع في عهد والدة السلطان عبد العزيز كما تم توسيعه والزيادة فيه سنة 1334 هـ / 1910 م ، ثم عُمر على الوجه المطلوب(12) سنة 1335 هـ / 1911 م ويقع حالياً شرق محلة الكوت قرب سوق الخضر في مدينة الزبير ويضم ضريحاً لقبر الزبير هذا والبناء الحالي حديث العهد .

  4 ـ جامع العرب
  يقع في محلة القبلة ( محلة النقيب ) وهو مسجد واسع تهدمت منارته ، أرضيته مبلطة بالطابوق المربع الكبير الحجم وتتصل به حديقة جانبية ، كما تقوم فيه مدرسة دينية هجرت في الحقب الاخيرة ، ينسب بناؤه الى مهنة بن رحمة أمير البصرة الذي عاش في أوائل القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي .

5 ـ جوامع اخرى
   منها جامع القطانة وهو في محلة القطانة وجامع القصب وجامع عزيز آغا في منطقة القبلة وجامع عبد الله آغا في محلة السيف وكذلك جامع السيف الذي جدد بناؤه سنة 1311 هـ / 1890 م وجامع الخواجه محمود في محلة الباشا وقد جدد بناؤه سنة 1316 هـ / 1895 م ، جامع أبي منارتين في محلة الباشا أيضاً وقد أعيد بناؤه سنة 1342 هـ / 1922 م ، جامع الفرسي وقد بناه المهندس المعروف سنان باشا(13) . ومن مآثره في البصرة بناؤه جامع المناوي ( في محلة المناوي باشا ) وجامع في البراضعية(14) وجامع مقام علي في العشار الذي بني سنة

**************************************************************
(12) النبهاني : التحفة النبهانية ص 12 .
(13) عن المهندس سنان باشا واعماله في تركيا راجع : E . Diez . p . 136 . p207 .
(14) النبهاني : التحفة النبهانية ص 118 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 22 ـ

1167 هـ / 1754 م وأعيد بناؤه من قبل دائرة الاوقاف سنة 1342 هـ / 1922 م ولم نقف على مصدر يشير إلى سب تسمية هذا الجامع(15) .

6 ـ جامع الكواز
  يقع جامع الكواز في محلة المشراق في البصرة ، وقد بناه حسن الضاعن العبد السلام من القصب عام 920 هـ / 1514 م ولكن الشيخ عبد القادر بن الشيخ ساري بناه بالحجارة عام 930 هـ / 1523 م واطلق علية إسم محمد أمين الكواز شيخ الطريقة الشاذلية ، وقد جدد بناء الجامع في عام ( 1140 هـ / 1727 م ) على يد الشيخ أنس باش أعيان(16أ) والجامع مربع الشكل طول ضلعه حوالي ( 60 م ) وكانت له إيوانات واسعة ينزل بها الغرباء والمنقطعون ، وفيه مقبرة صغيرة تقع في الركن الشمالي منه ، تضم رفات الشيخ محمد أمين الكواز ، تقوم فوقها قبة تهدمت بعض جوانبها .

  وأهم ما في الجامع بوابته ومئذنته ، فالبوابة هي فتحة كبيرة يعلوها عقد مدبب ، فوقه شريط عريض من القاشاني الملون وداخل الفتحة يوجد الباب الخشبي وفوقه مباشرة إفرايز من الكتابة هو قوله تعالى ( ان الله وملائكته يصلون على النبي ، ياايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) كما يسير هذا الافريز على بدن الفتحة ، وقد زين ببعض آيات من القرآن الكريم فوق هذا الافريز الكتابي لوحة تذكارية تشير الى تعمير الجامع وتتكون من خمسة أسطر تبدأ بـ ( عمر الكواز . . . ) وعلى جانبي اللوحة بلاطتان كتب على الاولى لفظ الجلالة وعلى الثانية كلمة : يا محمد ، وفوقها ثلاثة صفوف من المقرنصات تنتهي بنصف قبة مضلعة (16 ب) .
  أما المئذنة فتقع في الضلع الجنوبي من الجامع ، ويبلغ طولها ( 30 م ) .
الظاهر أنها إنشئت على قاعدة أو أن الضلع الجنوبي قاعدة لها ، وقد كسيت

**************************************************************
(15) كاظم جواد الساعدي : تاريخ البصرة ص 77 .
(16أ) الشيخ عبد القادر باش أعيان : البصرة في أدوارها التاريخية ص 81 .
(16ب) د . منذر البكر : جامع الكواز وضريح الحسن البصري نموذجان للعمارة الاسلامية في البصرة ص 395 وما بعدها .

العمارة العربية في البصرة   ـ 23 ـ

بالقاشاني الملون ، إذ يغلب عليه اللون الازرق الفاتح والداكن ، ويذكر أن الشيخ أنس باش أعيان بناها بالقاشاني عام ( 114 هـ / 1727 م ) ، وقد زخرفت بزخارف هندسية ونباتية بسيطة كالاوراق ذات الفلقتين المحورة عن الطبيعة والمعينات وتعارج متساوية الطول والزوايا ، كما توج بدنها بخمسة صفوف من الدلايات تبدو أكثر أتقاناً من دلايات البوابة الرئيسة ، وتنتهي المئذنة بقبة بصلية (16 ج) .

( ب ) المشاهد والأضرحة
  من العمائر العربية الضريح أو المشهد ، وهو البناء الذي يقام على رفات ولي أو إمام ، ويسمى أحياناً قبة أو تربة ، وكان صاحب الضريح يدفن فيه وتوضع فوق قبره تركيبة من الحجر أو الآجر أو تابوت من الخشب ، وكثيراً ما كانت الأضرحة تبنى ملحقه بالجوامع أو المدارس التي يشيدها الولاة والأمراء .
  وكانت معظم الأضرحة أبنية مربعة عليها قبة ذات أركان محلاة بالدلايات ، وقد كان تصميم الأضرحة والمشاهد يختلف بإختلاف أقطار الوطن العربي في المدة الإسلامية ، ومن ذلك أن ( الأمراء والأميرات ) كانوا يدفنون في مقابر على شكل أبراج اسطوانية ، وقد يعلوها في بعض الاحيان سقف مخروطي الشكل .
  وفي العرق كانت المشاهد ولا سيما الأضرحة المقدسة تشيد متأثرة بنظام المساجد(17) .
  وتضم في وسطها قاعة كبيرة للضريح تؤدي اليها مداخل كبيرة ذات عقود مدببة ، ثم روق يدور حول القاعة كلها ، وتقوم فوقها قبة كبيرة وتحف بالمدخل الرئيس منارتان ، أما جوانب البناء .

**************************************************************
(16ج) م . ن : ص 396 .
(17) ibid وللاستزادة حول ذلك راجع :
R . Rhene Spier , Architecure Eest and west . pp . 22 . 32
E . T . Rich mond : moslem Architecture p . 8
F . Sarre , Reise in . Kleinasien . p . 64
E . Kuhnel . Die islamisehen Kunst ( Springer Hand b.der Kunst geseh . Bd . 6 ) p . 428
W .Bach mann , Kirchen und Moscheen in Armenien und Kurdistan . p .77
F . Gluck , Die Kunst der sel dsehuken in Kleinasuen und Armenien p . 8
أما عن المنبر وتاريخه في المسجد وصناعته وزخارفه فراجع أفضل من كتبه عنه :
C . H . Beeker , Die Kanzel im Kultus des alten slam . Gieszen . 1906

العمارة العربية في البصرة   ـ 24 ـ

فتتألف من سلسلة من الغرف في طابقين ويفصل هذه الجوانب عن قاعة الضريح صحن كبير ، ومن أمثلة هذه الأضرحة ما موجود في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء .

   أما الأضرحة والمشاهد في البصرة فهي :

1 ـ ضريح الزبير بن العوام
  وهو من المعالم الأثرية في البصرة ، دفن الزبير بن العوام في وادي السباع وقد ذكر لنا إبن الجوزي في حوادث سنة 386 هـ أن أهل البصرة في شهر الحرم إدعوا أنهم كشفوا عن قبر العتيق ، ثم نقل الرفات إلى المربد حيث دفنوه هناك(18) .
  وقد ذكر إبن بطوطة أن مشهد الزبير بن العوام خارج البصرة ولاقبة عليه وله مسجد وزاوية فيها الطعام لابناء السبيل ، علماً بان قبر الزبير قد بني سنة 624 هـ / 1227 م وجعل فيه الفرش والقناديل(19) ، وقد رمم الضريح وبنيت له قبة في عهد السلطان عبد العزيز العثماني ، وفي سنة 979 هـ / 1031 م عمره ثانية السلطان سليم الثاني كما قام السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1293 هـ بتعمير المرقد(20) .
   ويقع الضريح والمسجد الآن في مدينة الزبير وقد جدد وأعيد بناءه .

2 ـ ضريح عتبة بن غزوان
   وهو حجرة منفردة بجوار ضريح الزبير(21) وليس لدينا أية معلومات أخرى .

**************************************************************
(18) النبهاني : المصدر السابق ص 62 وراجع ما ذكره أيضاً
F . Sarre ـ E . Herzfels , Op . cit . p . 251
(19) النبهاني : المصدر السابق ص 62 .
(20) نقلاً عن الشيخلي : المصدر السابق ص 48 .
(21) النبهاني المصدر السابق ص 62 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 25 ـ

3 ـ ضريح طلحة بن عبد الله
  ويقع بين الفضاء الكائن بين الزبير والبصرة الحديثة ، ولاتوجد معلومات واضحة عن بناء الضريح القديم وشكل القبة غير أن إبن الفوطي يذكر أنه في سنة 624 هـ / 1227 م بني على ضريح طلحة بنيان حسن وجعل فيه الفرش والقناديل(22) .
   ويظهر أن هذه القبة قد تهدمت فرممها السلطان عبد العزيز ، لكن الترميم لم يدم طويلاً فقام السلطان سليم الثاني بانشاء القبة على الضريح في سنة 979 هـ / 1031 م ، وفي سنة 1293 هـ / 1878 م قام السلطان عبد الحميد الثاني بتعمير المرقد(23) ، وتوجد على الضريح الآن قبة تم إنشاؤها حديثاً .

4 ـ ضريح أنس بن مالك
  ذكر الاصطخري أن قبر أنس بن مالك خارج المربد غير إنه لاتوجد هناك أشارة إلى المحلة التي دفن بها أنس بن مالك (23) ، أما أبن بطوطة فيذكر أن ضريح أنس بن مالك في وادي السباع ، ولاسبيل إلى زيارته إلا في جمع كثيف لكثرة السباع وعدم العمران ، أما الآن فتوجد على الضريح قبة قديمة .

5 ـ ضريح عبد الرحمن بن عوف
  لايوجد لدينا مخطط لهذا الضريح أو وصف له وكل مايشار إليه أنه يقع في قضاء أبي الخصيب غير أنني لا أستطيع الجزم بذلك وهو غير الصحابي عبد الرحمن بن عوف .
6 ـ ضريح العباس بن مرداس السلمي
  أن هذا الضريح لاأعرف له وصفاً أو مخططاً وكل مايشار إليه أن موقعه ربما بين أبي الخصيب والدواسر وهذا مجرد إفتراض لم يتحقق لي آثارياً .

**************************************************************
(22) صالح أحمد العلي : المصدر السابق ص 113 .
(23) د . منذر البكر : المصدر السابق ص 394 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 26 ـ

7 ـ ضريح المقداد بن الأسود الكندي
  من الأضرحة المندرسة في البصرة هذا الضريح ويقال أنه يقع الآن في قرية الصنكر على طريق أبي الخصيب .

8 ـ ضريح أبو الجوز ( أي الجوزاء )
  يقع في قرية نهر أبي سلال من ملحقات السراجي ، ويقال في قرية عبدليات ، ويضم الضريح قبتين ، إحداهما تضم رفات الشيخ محمد أبو الجوزي وهو من علماء البصرة ، أما الثانية فهي لزوجته أو أسريته ، وليس هو أبن الجوزي ، والقبتان مبنيتان باللبن والطين .

9 ـ ضريح الحسن البصري وإبن سيرين
  إن مرقد الحسن البصري من أبرز المعالم الأثرية عند المربد ، أما الأصطخري فذكر أنه خارج المربد ولاتوجد إشارة إلى المحلة التي دفن فيها الحسن البصري .

   البناء من الآجر وهو مربع الشكل تقريباً أبعاده 33 . 3 م * 3.18 م ، وله قبة على شكل مخروط ناقص يزينها في القمة تعبير زخرفي نصف كروي ، ويغطي سطح المخروط ستة صفوف تشبه خلية النحل(24) ، وفي كل ركن من أركانه الأربعة من الداخل توجد حنية خالية من الزخرفة(25) .
  وقد تعرض هذا البناء للتخريب نتيجة للظروف التي مرت بها البصرة ، وقد قامت مديرية الآثار والتراث بترميمه بعد أن تعرض لصاعقة جوية أصابت طرفه الغربي أما تالريخ هذا البناء فهو نهاية القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي(26)

**************************************************************
(24) للتفصيل راجع : عطا الله الحديثي وهناء عبد القادر : القباب المخروطية في العراق ص 37 ـ 39 .
(25) د . منذر البكر : المصدر السابق ص 395 .
(26) نقلاً عن عطا الله الحديثي وهناء عبد القادر : المصدر السابق ص 38 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 27 ـ

غير أن هر تسفلد أرخ البناء في عام 600 هـ / 1203 م (27) .
   أما ضريح أبن سيرين فهو غرفة سداسية الشكل تقوم فوقها قبة والبناء حديث .

( ج ) القصور
  كانت هناك قصور كبيرة ، غير إننا لا نكاد نعرف عن نظامها وتخطيطها شيئاً يستحق الذكر ، اللهم إلا في القصور المتأخرة أي منذ نهاية القرن 8 هـ / 14 م وكانت الطبقات السفلى من هذه القصور متينة البناء ومشيدة بالحجر ذات عقود جميلة ، وكانت الطبقات العليا تمتاز باسقفها البديعة المصنوعة من الخشب بالنقوش المذهبة ، بينما كانت واجهات القصور تزدان بالمشربيات ( الشناشيل ) البارزة والمصنوعة من الخشب المخروط ، وهي جزء مهم من البناء ، ويظهر أن أول من إستعمل هذا النمط من الواجهات في بغداد الخليفة المنصور وهارون الرشيد(28) .
  ثم إنتشر إلى البصرة ، غير أن هذا النمط من البناء إنتشر في أقطار الوطن العربي ، كما إنتشر بعد ذلك في القرن 6 هـ / 12 م في مدن شرق البحر الأبيض المتوسط مع إنتشار الغزو التركي(29) .

   أما أشهر قصور البصرة فهي :

1 ـ قصر أنس بن مالك
  يقع هذا القصر في الطفوف شمالي البصرة ، وقد وصفه الجاحظ بأنه أشبه بالضيعة التي كانت تحيطه المزارع والبساتين ، ويقول ياقوت بإنه يقع في الزاوية وبقربه نهر عدي(30) ، ويحتمل أن قصر أنس كان في المكان الذي يدعى حتى اليوم بخربة أنس .

**************************************************************
(27) E . Diez , Op . Cit . p . 158 .
(28) ibid
(29) صالح احمد العلي : المصدر السابق ص 119 .
(30) البلاذري : المصدر السابق ص 435 ـ 439 صالح احمد العلي المصدر السابق ص 119 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 28 ـ

2 ـ قصر أوس
  ينسـب هذا القصـر إلى أوس بن ثعلبة بن رقّى أحد بني تميم الله بن ثعلبة بن عكابه وهو والي خراسان في زمن بني أميـه ، وقد مر بتدمـر فقال في صنميها(31) :
فتأتي اهل تدمر iiخيراني      الـما  تسأما طول iiالقيام
فكائن مرّ من دهر ودهر      لاهـلكما  وعام بعد iiعام
(*) قال فيه عبد الله بن محمد بن أبي عينة :
فـيا طيب ذاك القصر قصراً iiونزهة
بـافيح سـهل غـير وعر iiولاضنك
بـغرس  كـابكار الـجواري iiوتربه
كـأن تـرها مـاء ورد عـلى مسك
كـأن  قـصور الـقوم ينظرن حوله
الـى  مـالك حوف على منبر iiالملك
يــدل  عـليها مـستطيلاً بـفضله
فيضحك منها وهي مطرقة تبكي (31)
3 ـ القصر الأحمر
  وهو لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان ، وإنتقلت ملكية لآل عمر بن حفص بن قبيصة بن أبي صفرة(32) .

4 ـ قصر النعمان
   وهو لنعمان بن صهبان الراسبي الذي حكم بين مضر وربيعة أيام مات يزيد بن معاوية ، وقد زاد عبيد الله بن زياد للنعمان بن صهبان في قصره(33) .

**************************************************************
(31) م . ن . ص 436 .
(32) م . ن .
(33) م . ن . ص 434 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 29 ـ

5 ـ قصر عيسى بن جعفر
  وهو لعيسى بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وهو بالقرب من حمام عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي وهو موضع بستان سفيان بن معاوية الذي بالخريبة (34) .

ياوادي القصر نعم القصر iiوالوادي
من منزل حاضر ان شئت او بادي
قـراقـيره  والـعـيس واقـفـة
والضب  والنون والملاح iiوالحادي

6 ـ قصر زربي
  يقع هذا القصر في سكة الدباغين وزربي مولى عبد الله بن عامر وكان قيماً على خيله(35) ، ثم صار لمسلم بن عمر بن الحصين بن قتيبة ، ثم إقتسمه أولاد مسلم ، وقد ذكره مسكين الدرامي في شعره فقال :

اقسمت بقصر زربي iiزماناً      ومـربده فـدار بني iiبشير
لـعمرك مـالكناسة لي iiبام      ولا بأب فكرم من كثير(36)

7 ـ القصر الأبيض
   يقع هذا القصر في أرض عبد الله بن عثمان الثقفي بين الزاوية والمسجد الجامع ، إشترى الأرض عبيد الله بن زياد وبنى قصره الأبيض ، يقع هذا القصر في النصف بين الزاوية والفرضة ، ويمتاز بنقوشه وزخارفه المتنوعة(37) .

**************************************************************
(35) نقلاً عن صالح أحمد العلي : المصدر السابق ص 20 .
(36) البلاذري : المصدر السابق ص 428 . صالح احمد العلي : المصدر السابق ص 120
(37) البلاذري المصدر السابق ص 346 .

العمارة العربية في البصرة   ـ 30 ـ

8 ـ قصر المسيّرين
  وهذا القصر لعبد الرحمان بن زياد وهو قصر في جوف قصر ويتلوه قصر عبيد الله بن زياد وإلى جانبه جوسق(38) .

9 ـ قصر النواهق
   وهذا القصر ينسب إلى زياد بن أبي سفيان ولانعرف موضعه ، وقد سماه بهذا الأسم الشطّار(39) .

10 ـ قصور أخرى
  ومن القصور الأخرى في البصرة : بني خلف وهم آَل طلحة الطلحات بن عبيد الله بن خلف الخزاعي ، وقصر نواضح في بادية البصرة على يوم من دجلة وقصر الغضبان في ظاهر البصرة ولعله منسوب إلى غضبان بن القبعثري البكري(40) وقصر الزيت وقصر عسل بقرب خطة بني ضبه(41) .

**************************************************************
(38) م . ن .
(39) الشيخلي : المصدر السابق . ص 71 .
(40) م . ن . ص 28 أما عن مخططات القصور القديمة واَثارها راجع : هدية جوان العيدان : تخطيط مدينة البصرة في القرن الأول الهجري ـ رسالة ماجستير مطبوعة على اَلة طابعة بغداد ص 1983 ص 161 ـ 185 .