البصـرة في العصـر الامـوي

الاستـاذ جاسـم صكبـان علـي


1 ـ دور البصـرة في التاريـخ العربـي الاسلامـي
2 ـ إدارة البصـرة
3 ـ أهالـي البصـرة
4 ـ أقتصاديـات البصـرة
  أولاً : مـوارد بيـت المـال ..
  ثانياً : وجـوه الصـرف
  ثالثاً :التجـارة


1 ـ دور البصـرة في التاريـخ العربـي الاسلامـي :
   خضعت الدولة الاسلامية لمعاوية سنة 41 هـ / 661 م بعد عقده معاهدة مع الحسن بن علي (رض) وكان هناك أربعة أحزاب عربية ، أولها أنصار ألامويين معظمهم من أهل الشام ، وثانيهما العلوين وهم يرونه ان أعقاب على بن أبي طالب (رض) أحق بولاية أمر ألمسلمين ومعظم هؤلاء في العراق ومصر . والحزب الثالث هو ألخوارج الذين يرون ان كلا الحزبين قد الحد في الدين . وسمي الخوارج بهذا الاسم لانهم خرجوا على علي بن ابي طالب (رض) ونشقوا عليه مع أنهم كانوا من حزبه واعوانه ، ولانهم كانوا يعتقدون ان علياً أمام بويع بيعة صحيحة فلا معنى لقبول التحكم مع جماعة خرجوا عليه بل كان خليقاً به ان يمضي في حربهم حتى يدخلوا فيما دخل فيه كافة الناس أو يقتلوا عن اَخرهم .
  والحزب الرابع هو الحزب العثماني الذي أنتشر في البصرة وطبعها بطابعة ولذا قيل ان البصرة عثمانية الهوى تذهب الى الشورى على أسلوب الراشدين . وقد انضم هذا الحزب الى ابن الزبير . ولما يئس من تحقيق مبدئه أنضم الى ابن الاشعث والمهالبة كما سنرى . اعتمد معاوية على مجموعة من الولاة الكفوئين في تذليل المشاكل والقضاء على المتمردين ضده وتثبيت حكمه في العراق ، وابرز هؤلاء الولاة المغيرة بن

البصرة في العصر الاموي  ـ 2 ـ

شعبة وزياد بن ابيه . كان المغيرة بن شعبة وزياد بن ابيه من الطائف المدينة المعروفة بجمالها وطيب هوائها وقد أشتهرا بالفطنة والذكاء والدهاء .
   كان المغيرة بن شعبة قد أسلم سنة 6 هـ / 627 م وقد عين والياً على البصرة بعد وفاة عتبة بن غزوان وقد نظم الدواوين فيها وفي سنة 21 هـ / 641 م عين والياً على الكوفة . واما زياد بن ابيه فقد كان والياً لعلي بن ابي طالب (رض) على بلاد فارس وقد فشل معاوية في استمالته الى جانبه في صراعه ضد علي (رض) عندما اغتيل علي (رض) اعلن زياد استقلاله في فارس . وحاول معاوية ان يوسط المغيرة لضم زياد الى جانبه وفي سنة 41 هـ تسلط يسر ابن ابي ارطاة والي البصرة على اولاد زياد يريد قتلهم وكتب يسر الى زياد ( لئن ام تسرع الى أمير ألمؤمنين والا قتلت بنيك )(1) فبعث ابو بكرة في ذلك ، ويبدوا ان وساطة المغيرة لعبت دوراً في الامر فشخص زياد الى معاوية سنة 42 هـ / 662 م بعد ان استلم عهد أمان من معاوية وعندما وصل زياد سأله معاوية عن احوال فارس فاخبره بما انفق وبما حمل الى الامام على (رض) وبما بقى فصدقه معاوية وقبض منه ما بقي عنده(2)
   وكانت الحالة في البصرة سيئة جداً . فقد أصبحت الامور بيد القبائل لا في يد الحكومة ، وغلب على البصرة سفهاؤها ضعف سلطان الدولة فيها . وانتشر السلب والنهب والقتل في رابعة النهار ، وذلك لان واليها عبد الله بن عامر ( 41 هـ ـ 44 هـ / 661 م ـ 664 م ) وكان رجلاً ليناً لايأخذ على ايدي السفهاء وقد ( شكا ابن عامر الى زياد فساد الناس وظهور الخبث فقال : جرد فيهم السيف فقال اني اكره ان اصلحهم بفساد نفسي )(3) فعزله معاوية ، وعين الحارث بن عبد الله الازدي وكان ذلك أول سنة 45 هـ / 662 م وكان معاوية بريد منه ان يكون ( كالفرس المملك )(4) ثم عزلة وعين زياد بن ابيه في اواخر سنة 45 هـ / 662 م جاء زياد الى البصرة والامور مضطربة جداً ، والجرائم مستمرة والفحش فيها ظاهر فخطبهم خطبة المعروفة بالبتراء وانما سميت بذلك لانه لم يحمد الله فيها ولما فيها من روائع الكلم

**************************************************************
(1) ابن كثير ، عماد الدين أبو الفداء أسماعيل ، البداية والنهاية ، دار أبن كثير ( بيروت ) ص 22 .
(2) الطبري ، تاريخ الطبري ، ج 5 ، ( القاهرة ، 1962 ) ص 176 ـ 180 .
(3) المصدر نفسه ص 212 .
(4) المصدر نفسه .

البصرة في العصر الاموي  ـ 3 ـ

وبديع الحكم وبيان سياسته في حكم البلاد . وعدد فيها مساوئ البصرة وتوعد أهلها بالويل والثبور(5) .
   وتقدم زياد في العقوبة ، وجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة وخاف الناس من سلطانه خوفاً شديداً حتى أمن الناس بعضهم على بعض حتى كاد الشيء يسقط من الرجل او المرأة فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه وتبيت المرأة فلا تغلق بابها وساس الناس سياسة لم يرى مثلها وهابه الناس هيبة لم يهابوها أحداً قبله(6) وقد وضح الطبري الطريقة التي حقق بها زياد الامن في البصرة فقد روى ان زياداً امر بمنع التجول وكان يؤخر صلاة العشاء فاذا أفزع أمهل بقدر ما يرى أن أنساناً بلغ الخريبة ثم يأمر صاحب الشرطة بالخروج فيخرج ولا يرى انساناً الا قتله(7) وكانت الخريبة هي اقصى العمران من البصرة ، وكانت مسلحة للاعاجم ففتحها خالد بن الوليد فخلت منهم(8) وأراد زياد ان يختبر مدى نجاح تدابيره الامنية فبعث ( بقطيفة منسوجة بذهب ، فالقيت بالخريبة فمكث ليالي واياماً ما يمسها احد ) .
  واضيفت الكوفة الى زياد بعد موت المغيرة سنة 50 هـ / 670 م وبذا يكون زياد اول من جمعت له البصرة والكوفة وكان زياد يقيم ستة اشهر في الكوفة وستة اشهر بالبصرة .
   وقام زياد بأعمال عمرانية في البصرة فقد اهتم بنظافة شوارعها وتسويتها بعد المطر ، اذ امر اصحاب الدور بأخذ قسم من فناء دورهم لتسوية الشوراع به وكان يأمر الناس بتنظيف الشوارع ـ فكر بتطوير هذا المسلك فاجر من يقوم بهذه

**************************************************************
(5) المصدر نفسه ص 118 ـ 219 .
(6) المصدر نفسه ص 222 .
(7) المصدر نفسه والجزء ص221 ـ 222
وانظر البلاذري وانساب الاشراف ج 4 ق 1 ( القدس ، 1938 ) ص 181 .
(8) البلاذري فتوح البلدان ( القاهرة . 1959 ) ص 243 .
(8أ) البلاذري ، انساب ، ج 4 ، القسم الاول ، ص 172 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 4 ـ

المهمة(9) وبذا يكون زياد أول من اوجد التنظيف العام للشوارع .
   ومن اعمال زياد الادارية في البصرة هو تقسيم جند البصرة الى خمسة اقسام وكانت الصيغة القبلية أكثر وضوحاً في هذ التقسيم ، وكان هذا التقسيم . يهدف الى تسهيل توزيع العطاء على افراد القبائل من خلال رؤسائهم .
  يضم كل خمسة عدداً من العشائر . وهذه الاخماس هي أهل العالية أهل الحجاز وتميم وبكر والازد وعبد القيس وجعل لكل خمس رئيساً يقر تعينه الخليفة وكثيراً ما يقوم بقيادة خمسة في الحروب(10) .
   ومن الغريب ان احد الباحثين بعد هذا الاصلاح من العوامل التي ساعدت على اضعاف سلطة رؤساء القبائل(11) .
  وزاد زياد في مسجد البصرة زيادة كثيرة وبناه بالاجر والجص وسقفه بالساج . وجعل حين بنى المسجد ودار الامارة يطوف فيها وينظر الى البناء ثم يقول لمن معه من وجوه أهل البصرة أترون خللاً فيقولون ما نعلم ببناء أحكم منه ، فقال بلا هذه الاساطين التي على كل واحدة منها أربعة عقود لو كانت أغلظ ، سائر الاساطين ، وظلت الاساطين سالمة قوية ولم يؤت منها تصديع ولا عيب ، وقد قال فيها احدهم
بنى  زياداً  لذكر  الله  iiمصنعة
من الحجارة لم تعمل من الطين
لولا تعاون أيدي الانس iiترفعها
أذن  لقلنا  من اعمال الشياطين
   وجعل زياد صفة الجامع المقدمة خمس سواري وبنى منارته بالحجارة وهو أول من عمل المقصورة ونقل دار الامارة الى قبلة المسجد ، وكان بناؤه أياها لبن وطين حتى بناها صالح بن عبد الرحمن السجستاني مولى بني تميم في ولايته خراج العراق

**************************************************************
(9) البلاذري ن انساب ج 4 ق 1 ص 206 .
(10) العلي ، أحمد صالح ، خطط البصرة ، ( بغداد 1989 ) ص51 .
(11) الخيرو ، رمزية ، أدارة في العراق في صدر الاسلام ، ( بغداد 1978 ) ص98 ـ 101 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 5 ـ

لسليمان بن عبد الملك بالاجر والجص وزاد فيه عبيد الله بن زياد(12) .
   ورأى زياد ان الناس ينفضون ايديهم أذا تربت وهم في الصلاة فقال لا أمن من يضن الناس على طوال ألايام ان نفض الايدي في الصلاة سنة ، فأمر بجمج الحصى والقاه في المسجد .
  وكان جانب المسجد الشمالي متروباً لانه كان هناك دار لنافع بن الحارث بن كلدة فايمن والده بيعها فلما تولى عبيد الله بن زياد البصرة بعث الفعلة فهدموا تلك الدار ما سوية به تربيع المسجد وأرض عبد الله بن نافع بأن اعطاه بكل ذراع خمسة أذرع وفتح له في الحائط خوخة الى المسجد فلم تزل الخوخة في حائطه حتى زاد الخليفة العباسي المهدي المسجد فأدخلت الدار كلها فيه(13) ولم يزد احد بالمسجد بعد ابن زياد حتى كان المهدي حين اشترى بعض الدور المحيطه به فزادها فيه(14) .
  وكانت دار الامارة في الرحبة التي يقال لها رحبة بني هاشم وكانت تسمى الدهناء وفيها السجن والديوان وكان القصب هو مادة البناء لدار الامارة والمسجد فلم تزل الحال كذلك الى ان بنى ابو موسى الاشعري المسجد ودار الامارة بلبن والطين وسقفها بالعشب وزاد في المسجد وكان الامام أذا جاء الى الصلاة بالناس تخطاهم الى القبلة(15) ولما ولي زياد البصرة لمعاوية قال ( لا ينبغي للامام ان يتخطى الناس فحول دار الامارة من الدهناء الى قبلة المسجد فكان الامام يخرج من الدار في الباب الذي في حائط القبلة(16) ) وهذا يعني ان البناء القديم ضل علفى حاله وأن دارة الامارة ملاصقة للجامع من جهة القبلة أي الجنوب الغربي وكان بينها وبين الجامع باب يخرج منه الامير الى المسجد مباشرة دون ان يتخطى المصلين .

**************************************************************
(12) البلاذري ، فتوح ، ص 342 ـ 343 .
(13) المصدر نفسه ، ص 343 .
(14) المصدر نفسه ، 344 .
(15) المصدر نفسه ، ص 341 ـ 342 .
(16) المصدر نفسه ، المصدر نفسه .

البصرة في العصر الاموي  ـ 6 ـ

وحاول الحجاج ان يزيل أسم زياد من دارة الامارة وهم ببنائها بجص واَجر فقيل له أنما تزيد أسمه ثباتاً وتوكداً فهدمها وتركها فبنيت عامة الدور حولها من طينها ولبنها وابوابها . ثم أمر سليمان بن عبد الملك باعادتها فاعادوها بالاجر والجص على أساسها ورفع سمكها . واراد عدي بن أرطاة والي عمـر بن عبد العزيـز ( 99 هـ ـ 101 هـ / 717 م ـ 719 م ) على البصرة أن يبني قوقها غرفاً فرفض عمر ذلك فامسك عدي عن أتمام الغرف وتركها(17) .
  ونقل زياد خمسين الف عائلة من البصرة والكوفة ألى خراسان واسكنهم فيما وراء النهر(18) ولعل ذلك يعود الى رغبة زياد في التخفيف من حدة التوتر ألسياسي في العراق أو انه أراد ان يشجع حركة التعريب في خراسان ولتصبح خراسان قاعدة ثابتة للعرب ، وربما قصده من نقلهم أيضاً تخفيف الضيق الاقتصادي في البصرة والكوفة حيث جذبت البصرة الكثير من القبائل العربية من البحرين والحجاز وجميع انحاء الدولة العربية وكذلك لتخفيف التدهور الاخلاقي الذي كانت تعيشه البصرة لكثرة اللصوص والقتلة(19) وقد هجر زياد اعداداً كبيرة من الازد الى مصر وقد اطلق المصريون على الازد المهجرون الى مصر اسم العرقيين لمجيئهم من العراق(20) ويرى العلي ان الذين نقلهم زياد من اللازد الى مصر من غير المرغوب فيهم(21) .
  وطمس زياد كل انجازات عبد الله بن عامر وهدم كل ما عمره ، وقد عرفت البصرة هذا هذا النوع من التخريب وقاست منه كثيراً ، وقد أشار الجاحظ الى ما حدث في البصرة حيث قال ( من شأن الملوك ان يطمسوا على اثار من قبلهم وان يميتوا ذكر اعدائهم فقد هدموا بذلك السبب اكثر المدن واكثر الحصون ، كذلك كانوا في ايام العجم وايام الجاهلية ، وعلى ذلك هم في أيام ألاسلام . كما هدم عثمان صومعة ( قصر ) غمدان ... وكما هدم زياد كل قصر ومصنع كان لابن عامر وكما

**************************************************************
(17) المصدر نفسه ، ص 344 .
(18) الطبري ، المصدر السابق ، ج 5 ص 226 .
(19) العلي ، احمد صالح ، التنظيمات الاجتماعية واللاقتصادية في البصرة في القرن الاول الهجري ( بيروت 1969 ) ص 49 .
(20) ياقوت الحموي ، معجم البلدان ، ض ( لايدن 1866 ) ص 451 .
(21) المصدر السابق ، ص44

البصرة في العصر الاموي  ـ 7 ـ

هدم أصحابنا بناء مدن الشامات لبني مروان )(22) ولقى زياد مثل ما لقيه ابن عامر وقد اشار ابن الفقيه الى ذلك حيث ذكر ان زياداً بنى دار الرزق وحفر نهر الابلة ونهر المعقل . وبنى البيضاء والحمراء فلم يضف اليه وبنى سكة البخارين فاضيفت اليهم وبنى سبعة مساجد فلم يضف أليه شيء منها ، وكل مسجد بالبصرة كانت رحبته مستديرة فانها من بناء زياد . وهناك أمثلة كثيرة(23) .
   لعبت البصرة دوراًُ مهماًُ في فتوح المشرق فرغم ان معاوية كان قد جعل نفسه المشرف المباشر على خراسان فانه وجد من الضروري ربطها بالبصرة فجعل والي البصرة مسؤولاً عنها(24) وهكذا يكون عبد الله بن عامر والي البصرة لاول مرة هو المسؤول عن تعيين عمال خراسان(25) أرسل والي البصرة سنة 44 هـ / 664 م أحد قواده عبد الله بن سوار لغزو بلاد السند فغزا بلاد القيقان وغنـم غنائـم كثـيرة(26) .
  وكان مقاتلة البصرة في أيام زياد ثمانين الفاً وعيالهم مائة وعشرين الفاً في حين كان مقاتلة الكوفة ستين الفاً وعيالهم ثمانين الفاً(27) .
   وشهد عهد عبيد الله بن زياد في البصرة ( 55 هـ ـ 67 هـ / 674 م ـ 686 م ) أخصب الحركات العسكرية ومجموعة من الحركات السياسية المعارضة للدولة الاموية خاصة بعد وفاة معاوية اذا كانت الفترة التي أعقبت وفاته من أخصب الفترات في حركاتها السياسية والعسكرية المضادة للدولى الاموية . فقد ايد بعض البصريين حركة الحسين بن علي (رض) واجتمعوا وقرروا الخروج على عبيد الله بن زياد وكاتبوا الحسين بن علي واجابهم على ذلك وقد كتم كتاب الحسين كل من قرأه من الاشراف ألا المنذر بن الجارود فانه ظن أنه دسيس من أبن زياد فجاء به أليه فبعث خلف الرسول الذي جاء به من الحسين فضرب عنقه . وصعد عبيد الله المنبر وقال

**************************************************************
(22) الحيوان ج 7 ص 72 .
(23) البلدان ، طبعة لايدن ، ص 191 .
(24) الطبري ، المصدر السابق ج 5 ص 209 ـ احمد الصالح ، ادارة خراسان ، مجلة كلية الاداب ، 15 ( بغداد 1972 ) ص 317 . فلهازون ، الدولة العربية وسقوطها ( القاهرة 1968 ) ص 396 .
(25) الطبري ، المصدر السابق ، ج 4 ، ص 301 ، البلاذري المصدر السابق ، ص 399 ـ 400 .
(26) البلاذري ، فتوح ، ص 421 .
(27) المصدر نفسه ، ص 344 ـ 345 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 8 ـ

ثم بايع أهل البصرة عبيد الله بن زياد على أن يقوم لهم بأمرهم حتى يصطلح الناس على أمام يرتضونه لانفسهم
   ونشطت دعاية ابن الزبير في البصرة ، فقد كان في سنة 64 هـ / 683 م في سوق الابل رجل مقنع على فرس شهباء فتقنع وكان يقول ( أيها الناس هلموا ألي ادعوكم الى ما لم يدعوكم اليه احد ، ادعوكم الى العائذ بالحرم ... فتجمع له نويس فجعلوا يصفقون على يديه ) ثم كشف عن هويته وخاطب الناس قائلاً ( الا من أرادني فأنا سلمة بن ذويب بن عبد الله بن محكم بن زيد بن رياح بن يربوع بن حنظلة . ولما علم ابن زياد بذلك دعا الناس الى الصلاة الجامعة وأنشأ يقص أمره وامرهم ما كان قد دعاهم الى من يرتضونه ... وقال لهم ( وانه بلغني أنكم مسحتم اكفكم بالحيطان وباب الدار وقلتم ما قلتم واني امر بالامر فلا ينفذ ويرد علي رأيي وتحول القبائل بين أعواني وطلبي ثم هذا سلمة بن ذؤيب يدعوا الخلاف عليكم ..)(29أ) .
  وانضمت اعداد من أهل البصرة الى سلمة وقعدوا عن عبيد الله فلم ياتوه ولغرض كسب اهل البصرة قال للناس بعد ان عد ما في بيت المال ( ان هذا فيئكم فخذا اعطياتكم وارزاق ذراريكم منه ) وامر الكتاب بتحصيل الناس وتخريج الاسماء واستعجل الكتاب في ذلك حتى وكل بهم من يحسبهم بالليل في الديوان واسرجوا بالشمع ، فلما صنعوا ما صنعوا وقعدوا عنه وكان من خلاف سلمة عليه ما كان كف عن ذلك ونقلها حين ترك البصرة الى الشام . وكان عبيد الله قد أرسل رسولاً الى الكوفة يدعوهم إلى مثل الذي فعل من ذلك أهل البصرة فابو عليه وحصبوا الوالي الذي كان عليهم ، ثم خالفه أهل البصرة فهاجت في البصرة فتنة ولحق عبيد الله بن زياد بالشام(30) . وجعل أهل البصرة عبد الملك بن عبد الله بن عامر عليهم أمير لمدة شهر ثم جعلوا ببه بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب فظل شهرين والياً عليهم . وكان ببه قد تناول في عمله على البصرة أربعين الف من بيت المال فاستودعها رجلاً فلما قدم عمر بن عبيد الله بن الحارث فحبسه واغرمه المال (31)

**************************************************************
(29أ) الطبري ، المصدر السابق ، ج5 ص 507 ـ 508 ،
(30) الطبري ، المصدر السابق ، ج 5 ص 503 .
(31) المصدر السابق ، ج 5 ، ص 507 ـ 513 ص 529 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 9 ـ

ثم تمكن ابن الزبير من السيطرة على البصرة سنة 64 هـ / 683 م وعين عمر بن عبد الله بن معمر والياً عليها(32) .
   وكسب التوابون بعض البصريين الى حركتهم المضادة للخلافة الاموية لكنهم لم يساهموا في معركة عبن الوردة التي دارت بين التوابين وبين الجند الشامي الذي قاده عبيد الله بن زياد لان البصريين تحركوا متأخرين الى جبهـة القتال فالتقـوا بالمنسحبين الخاسرين للمعركـة وقرروا الرجوع الى البصـرة لفوات الاوان(33) .
   وفي سنة 66 هـ / 685 م بعث المختار المثنى بن مخرمة العبدي الى البصرة يدعو اليه من استطاع من اهلها فدخلها وابتنى مسجداً يجتمع فيه قومه فجعل يدعوا الى المختار ، ثم اتى مدينة الرزق فعسكر عندها وجمعوا الطعام في المدينة ونحروا الجزور ، وبعث اليه الحارث بن عبد الله بن القباع جيشاً مع عباد بن الحصين أمير الشرطة وقيس بن الهيثم فقاتلوه واخذوا منه المدينة وانهزم أصحابه ، وكان قد قام بنصرة دعاة المختار بنو عبد القيس . وارسل الاحنف بن قيس وعمرو بن عبد الرحمن المخزومي ليصلحا بين الناس وساعدهما مالك بن مسمع فانحجز الناس بعضهم عن البعض ، ورجع دعاة المختار مغلولين مسلوبين واخبروا المختار بما وقع من الصلح على يد الاحنف وغيره من اولئك الامراء .وطمع المختار بهم وكاتبهم في ان يدخلوا معه فيما هو فيه من الامر . ولم تلق رسائل المختار لهم أذناً صاغية(34) .
  وبذا لم ينجح المختار في الاستيلاء على البصرة حيث أعتقد ان نجاحه في الاستيلاء عليها سيسهل له السيطرة على جميع العراق والاقاليم الشرقية ويمكنه من ان يحرم ابن الزبير من مصادر غنية ويجعله معتمداً اقتصادياً على الحجاز الاقليم الفقير .
اضافة الى ذلك فان احتلال البصرة سيمد المختار بالكثير من المؤيدين مما يزيد في قوته العسكرية الامر الذي يساعده على مواجهة الخلافة الاموية وابن الزبير معاً .

**************************************************************
(32) المصدر السابق ج 5 ص 527 .
(33) الطبري ، المصدر نفسه ، ج 5 ص 605 .
(34) المصدر نفسه ج 6 ص 66 ـ 69 ، ابن كثير ، المصدر السابق ، ج 8 ص 275 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 10 ـ

  وعندما احكم المختار قبضته على اشراف الكوفة في 66 هـ / 686 م وقتل من اتهم بقتل الحسين بن علي ( رض) وانزل العقاب بالاشراف الذين ثاروا ضده بعد ان حاول كثيراً مصالحتهم(35) هرب بعض اشراف الكوفة الى البصرة عند مصعب ابن الزبير يستغيثون ويستنصرون بالبصريين على المختار وكان عددههم اكثر من عشرة الاف ولم يستجب مصعب لطلبهم الا بعد ان وافق المهلب بن ابي صفرة عامله على فارس ومعه مقاتلة اهل البصرة على الانضمام اليه . لان جيش المهلب يضم خيرة مقاتلي أهل البصرة ولقدرة المهلب العسكرية وقد نجح مصعب في القضاء على المختار بهؤلاء المقاتلين (36) .
  ولما فرغ مصعب من المختار وفد على أخيه عبد الله في الحجاز فعزله حداً له وعين بدله ابنه حمزة . وكان حمزة جواداً سخياً وظهرت منه خفة وضعف وكان اضعف الناس واقلهم علماً بالامر واحتمل مالاً كثيراً من مال البصرة فعرض له مالك بن مسمع فقال : لاندعك تخرج باعطياتنا لكن حمزة شخص بالمال فترك أباه واتى المدينة فاودع ذلك المال رجلاً فذهبوا به الا واحداً كان اودعه فوفى له وعلم ابن الزبير بما صنع فقال ( ابعده الله : اردت ان اباهي به بني مروان فنكص )(37) فعزله ورد اخاه مصعباً الى العراق أميراً . ولما رده أمير بعث مصعب الحارث بن ابي ربيعة على الكوفة أميراً وذلك أنه بدأ بالبصرة مرجعه الى العراق أميراً بعد العزل فصار اليها .
  أستغل عبد الملك غياب مصعب عن البصرة في حربه ضده في باجميرة فكتب الى انصار الامويين فيها داعياً اياهم الى الوقوف بجانبه ضد مصعب وواعدا أياهم بالعطايا السخية وقد نجح في ذلك أذ أرسل خالد بن عبد الله بن أسيد الذي تمكن من السيطرة على البصرة(37أ) وكان خالد قد ذهب الى البصرة سراً واختبأ عند احداث اشراف قبيلة باهلة وذلك لولاء هذه القبيلة للامويين ثم طلب خالد مساعدة رئيس قبيلة بكر بن وائل(37ب) وانجدته قبائل الازد أضافة الى قبائل ثقيف وتميم وعبد

**************************************************************
(35) الطبري ، المصدر السابق ج 6 ص 57 .
(36) المصدر نفسه والجزء ص 93 ـ 116 .
(37) المصدر نفسه والجزء ص 118 ، اليعقوبي ، تاريخ اليعقوبي ج 3 ( النجف 1964 ) ص 11 .
(37أ) المصدر السابق ج6 ص 152 ، البلاذري ، أنساب ج 4 ص 100 ، ص 155 .
(37ب) المصدر نفسه والجزء ص 521 ، البلاذري ، انساب ج 4 ص 100 ، وص 156 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 11 ـ

القيس وسدوس(38) ان العامل الذي لعب الدور الرئيس في حصول خالد على هذا التأييد هي الامتيازات السخية التي أعطيت لاتباع الامويين في البصرة(39) .
  واصطدم الطرفان في الجفرة سنة 70 هـ / 689 م وهي منطقة من مناطق المربد ، واسفرت المعركة عن أنتصار انصار ابن الزبير ودخل الطرفان في مفاوضات أسفرت عن منح الامان لخالد واولئك الذيـن ايدوه على ان يرجـع خالـد الى دمشق . وقد عاقب مصعب بشدة انصار الامويين الذين بقـوا في البصرة(39أ) .
  وقد حقد اهل البصرة على مصعب لعقابه القاسي الذي تعرض له انصار الامويين بعد فشل حركة خالد بن عبد الله بن اسيد ضد مصعب في الجفرة . فقد عطفهم عليه وقد شعر مصعب بذلك فحاول دون جدوى التقرب اليهم بأن اعطاهم العطاء مرتين في السنة(39ب) .
   وعندما قتل مصعب ابن الزبير في معركة دير الجاثليق سنة 72 هـ / 691 م وثب حمران بن ابان وعبيد الله بن ابي بكرة فتنازعا في ولاية البصرة فقال ابن ابي بكرة اعظم غناء منك انا كنت انفق على اصحاب خالد يوم الجفرة . فقيل لحمران انك لاتقوى على ابن ابي بكرة فاستعن بعبد الله بن الاهتم فانه ان اعانك لم يقو عليك ابن ابي بكرة ففعل وغلب حمران على البصرة وابن الاهتم على شرطها .

   مكث حمران على البصرة يسيراً ، وخرج ابن ابي بكرة حتى قدم على الملك في الكوفة بعد مقتل مصعب ، فولى عبد الملك خالد بن عبد الله بن خالد بن اسيد على البصرة واعمالها ، فوجه خالد عبيد الله بن ابي بكرة خليفته على البصرة وظل ابن ابي بكرة على البصرة حتى قدم خالد(40) .
   عزل عبد الملك بن مروان خالد بن اسيد عن ولاية البصرة في سنة 73 هـ / 692 م وولى اخاه بشر بن مروان فسار بشر الى البصرة واستخلف على الكوفة

**************************************************************
(38) الطبري المصدر السابق والجزء ص 152 ـ 156 .
(39) البلاذري ، المصدر السابق ، ج 5 ص 332 .
(39أ) الطبري المصدر السابق والجزء ص 154 ـ 155 .
(39ب) البلاذري ، انساب ، ج 5 ص 271 .
(40) الطبري ، المصدر السابق ، ج6 ص 165 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 12 ـ

عمرو بن حريث ، وامر عبد الملك اخاه بشراً انه يولي المهلب حرب الازارقة ويجعله مستقلاً عنه وخوله الحق في جميع جنوده من اهل البصرة(41) .
   مات بشر بن مروان سنة 75 هـ / 694 م فتولى الحجاج بن يوسف الثقفي امرة العراق فجاء الكوفة وهدد اهلها ووعدهم ثم خرج منها الى البصرة التي ثار اهلها ضده فقام في البصرة مثل الذي قام بها في أهل الكوفة وتوعدهم مثل وعيده أياهم فأتي عطائي برجل من بني يشكر فقيل هذا عاص . فقال ان بي فتقاً وقد واَه بشر فعذرني وهذا عطائي مردود في بيت المال فلم يقبل منه وقتله ففزع لذلك أهل البصرة فخرجوا حتى تداكئوا على العارض بقنطرة رامهرمز .
  وخرج الحجاج حتى أنزل رستقباذ في أول شعبان من سنة 75 هـ / 694 م فثار الناس بالحجاج . عليهم عبد الله ابن الجارود ، فقتل عبد الله بن الجارود واخرون ، وكان سبب أمر عبد الله بن الجارود ان الحجاج لما ندب الناس الى اللحاق بالمهلب بالبصرة فشخصوا سار الحجاج حتى نزل رستقباذ قريباً من دستوبي ومعه وجوه أهل البصرة فقام في الناس فقال ( ان الزيادة التي زادكم ابن الزبير في عطاياكم زيادة فاسق منافق . ولست أجيزها . فقام اليه عبد الله ابن الجارود العبدي فقال : انها ليست زيادة فاسق منافق ولكنها زيادة امير المؤمنين عبد الملك قد أثبتها لنا فكذبه وتوعده ، فخرج ابن الجارود على الحجاج وتابعه وجوه الناس ... )(42) .
  وأستغل الزنج ضروف الاضطرابات الذي سادت أثناء انشغال الحجاج بالقضاء على حركة ابن الجارود سنة 76 هـ / 695 م فنضم الزنج أنفسهم وتزعمهم رجل يقال له رياح شير زنجي ( اسد الزنج ) وتمكنوا من ان يقهروا جيشاً يقوده زياد بن عمرو العتكي رئيس شرطة البصرة وخليفة الحجاج بها . وعند رجوع الحجاج من رستقباذ أرسل اليهم جيشاً اَخر تمكن من قتل زعيمهم ولم يفلت منهم الا القليل وقد شارك في هذه الحركة لفيف من أهل الكلاء ، رصيف ترسوا به السفن بالبصرة وهو مركز للتجارة والباعة ، وغيرهم من البيضان قد شاركوا في هذه الحركة .(42ب)

**************************************************************
(41) المصدر نفسه والجزء ص 196 .
(42) المصدر نفسه والجزء ص 211 . ابن كثير ، المصدر السابق ج 9 ص 9 .
(42ب) طه . عبد الواحد ذنون ، العراق في عهد الحجاج ، الموصل 1985 ص 102 ـ 103 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 13 ـ

  واجهه الحجاج صعوبات كبيرة عندما اراد ان يحقق الامن اوالاستقرار في البصرة منها تناقص واردات البصرة تدريجياً لهجرة أهل القرى والفلاحين من اراضيهم الزراعية التي كانوا يدفعون عنها الخراج للدولة . وخطر الخورج الذين كانوا ينازعون الخلافة الاموية في العراق وكان الحجاج بحاجة الى جيش لمحاربة الخوارج لكن العرب لم يكونو راغبين في مساعدته ولذا فقد عزم على أجبار الناس على الخدمة في الجيش والاشتراك في حرب الخوارج(43) . واما الفلاحون واهل القرى الذين تركوا ارضهم الزراعية فقد امرهم بالرجوع الى ارضهم الزراعية بالقوة(44) .
  وتذمر المقاتلة البصريون شأنهم في ذلك شان بقية المقاتلين في سياسة الجمير التي أتبعها الحجاج فانضموا الى حركة عبد الرحمن بن الاشعث التي أنطلقت من بلاد الترك سنة 81 هـ / 700 م . وجاءوا معه الى العراق وتمكن بواسطتهم من دخول البصرة بعد أن انتصر على جيش الحجاج في دجيل . وفر المنهزمون الى البصرة فاتبعهم المنتصرون ودخلوا المدينة وانسحب الحجاج من البصرة حتى دخل الزاوية وهي احدى ضواحي البصرة وخندق بها وانضم اليه هناك بعض الثقفيين والقرشيين من أهل البصرة ، ثم زحف ابن الاشعث الى الكوفة واستخلف عبد الرحمن بن العباس الهاشمي على البصرة فواصل القتال لكن ذلك لم يدم الا اياماً لان سواد أهل البصرة قبلوا الامان الذي نادى به الحجاج بعد انصراف ابن الاشعث نحو الكوفة .
   وعندما سيطر الحجاج على الكوفة هرب ابن الاشعث الى البصرة وكان عبد الله بن عبد الرحمن قد استردها له من قبضة جيش الحجاج ولكنه لم يلبث هناك طويلاً بل رجع الى مسكن(45) .
   كانت القبائل العربية المنضمة لحركة ابن الاشعث متماسكة وكانت طبقة القراء اشد الناس حماساًواقواهم صوتاً في الاشتراك في الحركة (46) . ولم ينتقم الحجاج

**************************************************************
(43) الطبري ، المصدر السابق والجزء ص 327 ـ 328 .
(44) المصدر نفسه والجزء ص 381 .
(45) الطبري ، المصدر نفسه والجزء ص 364 ـ 366 .
(46) فلهاوزن ، المصدر السابق ، ص 240 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 14 ـ

من أهل البصرة فقد امر وعلى الفور بالنداء بالامان الشامل لمن القى السلاح(47) .
  وقد انضم قراء البصرة الى حركة ابن الاشعث وذلك لقرار الحجاج باخراج الفلاحين من المدن وارجاعهم الى قراهم الاصلية لهذا فقد نال هؤلاء عطف القراء الذين خرجوا يبكون معهم وصادف مجيء ابن الاشعث في ذلك الوقت فانضموا اليه فاستبسلوا في قتال الحجاج(47أ) . ومع ذلك فقد وجد من بين القراء من رفض الاشتراك في الحركة ، فعند طلب من الحسن البصري ان يبدي رايه في الاشتراك بها قال :ـ ارى انها فتنة صماء ذلك انكم لم تختلفوا في رب ولا نبي ولا كتاب ولا قبلة فرحم الله عبداً اتقى ربه ونظر ليوم معاده . وقال لهم ايضاً : انما ابتليتم بالحجاج عقوبة ، فلن تستطيعوا ان تردوا عقوبة الله باسيافكم ومع ذلك فقد اكرهه ابن الاشعث على الانضمام اليه(47ب) .
  وكانت الاساورة والزط قد دخلوا الاسلام واشترطوا على انفسهم اذا وقع خلاف بين العرب المسلمين لاينصروا بعضهم على بعض . ولكنهم شهدوا امر ابن الاشعث معه فاخبر بهم الحجاج فهدم دورهم وحط اعطياتهم واجلى بعضهم وقال ( كان في شرطكم ان لا تعينوا بعضنا على بعض(48) ) .
  وتمكن المهالبة وهم من ازد عمان من السيطرة على البصرة لمدة سنتين 101 هـ ـ 102 هـ / 719 م ـ 720 م ، وعندما هرب يزيد بن المهلب بن ابي صفرة من السجن الذي كان سجنه به عمر بن عبد العزيز الى ان يفضي الاموال التي كان قد كتم بها الى سليمان بن عبد الملك انها صارت اليه عند فتحه جرجان وطبرستان ، قصد يزيد بن المهلب البصرة فغلب عليها فاخذ عامل يزيد بن عبد الملك عدي بن ارطاة الفزاري فحبسه وخلع يزيد بن عبد الملك ، وكان يزيد بن عبد الملك قد كتب الى عدي بن ارطاة بخبره بهرب يزيد بن المهلب ويأمره ان يتهيأ لاستقباله وان يأخذ

**************************************************************
(47) المصدر نفسه ص 248 .
(47أ) الطبري ، المصدر نفسه ج 6 ص 381 .
(47ب) ابن اسعد ، المصدر السابق ، ج 7 القسم الاول ص 199 ، خليفة بن خياط ، المصدر السابق ج 1 ص 287 .
(48) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 367 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 15 ـ

من كان بالبصرة من اهل بيته ، فاخذهم عدي وحبسهم وفيهم المفضل وحبيب ومروان بنوا الهلب وعبد الملك بن المهلب .
  وصل يزيد بن المهلب البصرة وكان عدي بن ارطاه قد جمع اليه اهلها وخندق عليها وبعث على خيل البصرة المغيرة بن عبد الله بن ابي عقيل الثقفي . وكان عدي بن ارطاة رجلاً من بني فزارة .
  اقترح عبد الملك بن المهلب على عدي بن ارطاة ان يخلي سبيله وياخذ ابنه حميداً رهينة وهو يضمن له ان يرد يزيد بن المهلب عن البصرة وياتي فارس ويطلب لنفسه الامان ولا يقرب عدي ارطاة فابى عليه عدي .
  جاء يزيد بن المهلب ومعه اصحابه الذين اقبل فيهم والبصرة محفوفة بالرجال وقد جمع محمد بن المهلب ولم يكن ممن حبس رجالاً وفتية من اهل بيته وناساً من مواليه ، فخرج حتى استقبله فاقبل في كتيبة تهول من راَها .
  دعا عدي بن ارطاة اهل البصرة ، فبعث كل خمس من اخماسها رجلاً فبعث الى خمس الازد المغيرة ابن زياد بن عمرو العتكي وبعث على خمس بني تميم محرز بن حمران السعدي من بني منقر وعلى خمس بكر بن وائل عمران بن عامر ابن مسمع من بني قيس بن ثعلبة فقال ابو منقر رجل من قيس بن ثعلبة ان الراية لاتصح الا في بني مالك ابن مسمع ، فدعا عدي نوح بن شيبان بن مالك بن مسمع فعقد له على بكر بن وائل ودعا مالك بن المنذر بن الجارود فعقد له على عبد القيس ودعا عبد الاعلى بن عبد الله بن عامر القرشي ، فعقد له على اهل العالية وهم قريش وكنانة والازد وبجيلة وخشعم وقيس عيلان كلها ومزينة ـ وبالبصرة خمس أهل العالية .
   أقبل يزيد بن المهلب لايمر بخيل من خيلهم ولا قبيلة من قبائلهم الا تنحوا له عن السبيل حتى يمضي ، واستقبله المغيرة بن عبد الله الثقفي في الخيل فحمل عليه محمد بن المهلب في الخيل فاخرج له عن الطريق واصحابه واقبل يزيد حتى نزل داره واختلف الناس اليه وطلب من عدي بن ارطاة ان يدفع اليه اخوته ويصالحه على البصرة ويخليها له حتى ياخذ لنفسه ما احب من يزيد بن عبد الملك . فلم يقبل منه وخرج الى يزيد بن عبد الملك حميد بن عبد الملك بن المهلب . فبعث معه يزيد بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسري وعمر بن يزيد الحكمي يحملان اماناً ليزيد بن

البصرة في العصر الاموي  ـ 16 ـ

المهلب واهل بيته . ويبدو ان يزيد بن المهلب لم يعبا بامان بزيد بن عبد الملك .
  كان يزيد بن المهلب ينفق الاموال بسخاء على انصاره ومؤيديه اذ كان يقطع لهم قطع الذهب والفضة فمال اليه الناس ، والحق بن عمران بن عامر بن مسمع ساخطاً على عدي بن ارطاة حين نزع من رايته ، راية بكر بن وائل ، واعطاها ابن عمه ، مالت الى يزيد ربيعة وبقية تميم وقيس وناس بعد ناس فيهم عبد الملك ومالك ابناء مسمع ومعه ناس من اهل الشام . وكان عدي لايعطي الا درهمين درهمين . ويقول لا يحل لي ان اعطيكم من بيت المال دراهماً الا بامر يزيد بن عبد الملك ولكن تبلغوا بهذا حتى ياتي الامر في ذلك .
  وحدث الصدام بين انصارابن المهلب وجيش عدي بن ارطاة وانهزم انصار عدي واسر عدي وجيء بع امام ابن المهلب مبتسماً فقال له ابن المهلب ولم تبتسم ـ فاجابه عدي بكلام طويل كاد به ان يؤمن على نفسه وكتفى بسجنه واستوثق أهل البصرة ليزيد بن المهلب وبعث عماله الى الاحواز وفارس وكرمان .
  ولما خضعت البصرة لابن المهلب قام فحمد الله واثنى عليه وخاطب البصريين انه يدعوهم الى كتاب الله وسنة نبيه محمد (ص) ويحثهم على الجهاد(49) .
   ثم ترك يزيد البصرة واستعمل عليها مروان المهلب وخرج ومعه السلاح وبيت المال فاقبل حتى نزل واسطاً .
  وجه يزيد بن عبد الملك جيشاً يقوده مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد لمقاتلة بزيد بن المهلب فسار مسلمة حتى اتى العراق وكان يقول اني اخشى ان يتعبا ابن المهلب ويهرب فنطلبه ، فقال له حسان النبطي وكان معه لا يحسن ذلك ايها الامير . قال ولم ، قال سمعته يقول ويح عبد الرحمن بن الاشعث هبة غلب على البصرة اغلب على الصبر ، ما ضره لو ألقى ثوبه على وجهه ثم تقدم حتى قتل . فقال مسلمة ما اجراه ان لايبرح فالتقيا بمسكن فحاربه محاربة شديدة ويزيد مبطون شديد العلة ، فلم يبرح حتى قتل سنة 102 هـ / 720 م . وكان معاوية بن يزيد بن المهلب

**************************************************************
(49) الطبري ، المصدر السابق ، ج 6 ص 578 ـ 586 . وانظر ، المسعودي ، مروج الذهب ، ج 3 ص 199 اليعقوبي ، المصدر السابق ، ج 3 ص 46 ـ 52 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 17 ـ

بواسط فلما انتهى اليه خبر ابيه اخرج عدي بن ارطاة ومن كان معه فضرب اعناقهم وهرب ثم القى القبض عليـه وحمل الى يزيد بن عبد الملـك الذي قتلـه بدمشق(50) .
  وكانم في البصرة رجل تجرأ ان يرفع صوته معارض يزيد بن المهلب وهذا الرجل هو الحسن البصري . فقد كان مر على الناس وقد اصطفوا صفين وقد نصبوا الرايات والرماح وهم ينتظرون خروج يزيد وهم يقولون يدعون يزيد الى سنة العمرين فقال الحسن ( انما كان يزيد بالامس يضرب اعناق هؤلاء الذين ترون ثم يسرح بها الى بني مروان يريد بهؤلاء وهؤلاء رضاهم ، فلما غضب غضبة نصب قصباً ثم وضع عليها خرقاً ثم قال اني خالفتهم فخالفوهم ، قال هؤلاء نعم وقال : اني ادعوكم الى سنة العمرين وان من سنة العمرين ان يوضع قيد في رجله ثم يرد الى محبس عمر الذي فيه حبسه . فقال ناس من اصحابه ممن سمع قوله :ـ والله لكانك يا ابا سعيد راضٍ عن اهل الشام(51) فاجابهم بالنفي القاطع .
  وخطب الحسن البصري في جموع البصريين ضد حركة ابن المهلب وسماها فتنة . وهاجمه المهالبة كثيراً لكنهم اضطروا ان يكفوا عن مهاجمته(52) . وكان تاثير الحسن البصري كبيراً على الموالي ، وعلى راي فلها وزن لم يكن اتباع الحسن البصري من ذوي النباهـة والا كـان من الصعب ان يسكت عن ابن المهلب(53) . ولم تكن فتنة المهالبة اخر فتنة في البصرة ، في سنة 126 هـ / 743 م هرب محمد بن القاسم والي البصرة عندما قتل الخليفة الاموي الوليد بن يزيد ، فاصطلح اهل البصرة على عبد الله بن عبد الله بن امية يقال له الافوه فصلى بها جمعه ، ثم قدم جرير بن يزيد بن درير بن عبد الله البجلي ثم ولّي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز العراق . فكتب الى عبد الله بن عمر بعد عبد الله ابن ابي عثمان فصلى بالناس حتى قدم ابن سهيل ، ويقال ولّي عبد الله بن عمر بعد عبد الله بن عثمان سعيد بن عمروا بن جحدة بن

**************************************************************
(50) اليعقوبي ، المصدر نفسه والجزء ص 54 .
(51) الطبري ، المصدر نفسه والجزء ص 587 ـ 588 .
(52) المصدر نفسه والجزء ص 593 .
(53) المصدر السابق ، ص 306 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 18 ـ

مغيرة المخزومي فاخرجه أهل البصرة فولى عمروا بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان (54) .
   واستمرت الفتنة في البصرة حتى سنة 129 هـ / 746 م حين قدم ابن هبيرة فكتب الى المسور بن عباد بن حصين بأمرة ان يصلي فنزل دار الامارة فمنعه بنو سعد واصطلح الناس على عباد بن منصور وهو قاضي فصلى بالناس حتى قد اسلم ابن قتيبة بن عمرو الباهلي والياً على البصرة من قبل ابن هبيرة ، فسود سفيان بن معاوية وحارب سلماً فظهر سلم عليه ، ثم خرج سلم من البصرة حين سلم ابن هبيرة واستخلف على البصرة محمد بن جعفر الهاشمي من بن نوفل ثم بعث ابو العباس اسد بن عبد الله بن مالك الخزاعي فصلى بالناس جمعة ثم ولى ابو سلمى سفيان بن معاوية(55) .
  وعانت البصرة كثيراً من هجمات الخوارج عليها منذ مبايعة لمعاوية بن ابي سفيان بالخلافة ففي سنة 41 هـ / 661 م وثب ابان بن حمران على البصرة واستولى عليها وعاث فيها خراباً(56) .

  وفي السنة نفسها ، خرج يزيد بن مالك الباهلي وسهم بن غالب الهجيمي ، وضيقت قوات الوالي عليهم فطلبوا الامان فامنهم عبد الله بن عامر(57) .
   وخرج قريب وزحاف هجما على المسلمين في مساجد البصرة وقتلا اعداداُ كبيرة من المسلمين ، فخرج عليهم شباب من بني علي وشباب من بني راسب فاصابوهم وابعدوهم وكان قريب من اياد وزحاف من طي وكانا ابن خاله ـ وخاطب زياد أهل البصرة وحذرهم من تأييد الخوزارج وحملهم مسؤوليه ايقاف الخوارج عند حدهم اذ قال ( يا اهل البصرة والله لتكفنني هؤلاء او لابد أن بكم ، والله لئن افلت منهم رجل لاتأخذون العام من عطائكم درهماً ... فثار الناس بهم فقتلوهم(58) ) .

**************************************************************
(54) خليفة بن خياط ، المصدر السابق ، ج 2 ، ص 388 .
(55) المصدر نفسه والجزء ص 429 ـ 430 .
(56) الطبري ، المصدر السابق ، ج 5 ص 167 .
(57) نفس المصدر والجزء ص 171 . خليفة بن خياط ، المصدر نفسه ج 1 ص 192 .
(58) نفس المصدر والجزء ص 238 ، اليعقوبي ، نفس المصدر ج 2 ص 220 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 19 ـ

   وعندما انقسم الخوارج سنة 62 هـ / 681 م الى أربع فرق اتخذت فرقة الازارقة البصرة مركزاً رئيسياً لهم ثم انتقلوا من البصرة الى الاحواز ومشوا في السواد فارتاع أهل البصرة ألى الوالي عبد الله بن الحارث بن نوفل وتجردوا للخوارج فاتبعوهم واخافوهم حتى خرج من بقى منهـم بالبصرة فلحـق بابن الازرق(59) . ثم قدم نافع بالازارقة نحو البصرة فدخلها حتى دنا من الجسر لكن البصريين ابعدوه عن مدينتهم وطاردوه حتى بلغ مكاناً من أرض الاحواز وتقاتل البصريـون في دولاب مع الخوارج وقتل نافع زعيـم الخـوارج في هـذا القتـال (60) . ثم امّرت الخزارج عليها عبد الله بن الماحوز وعادوا الى القتال وقتل أميرهم ، ومع ذلك فقد استمروا في التقدم نحوا البصرة بعد ان امروا عليهم عبد الله بن ماحوز الذي نجح في قيادة الازارقة والحق خسائر بقوات الخلافة وبلغ ذلك أهل البصرة فهالهم وأفزعهم .
  أقبلت الخوارج نحو البصرة ، فخرج اشراف الناس الى المهلب ابن ابي صفرة وكلموه ان يتولى قتال الخوارج وصدهم عن البصرة فرفض بحجة ان ابن الزبير عينه على خراسان ولا يرغب في مخالفة ابن الزبير . فكتب البصريون كتاباً على لسان ابن الزبير موجهاً الى المهلب يدعوه فيه الى الاستجابة لمطاليب أهل البصرة في قتال الخوارج (61) . فقبل المهلب قتال الخوارج وجاءت الخوارج حتى انتهت الاصغر عليهم عبيد الله بن الماحوز فخرج المهلب اليهم في أشراف الناس ووجوههم فحازهم عن الجسر ودفعهم عنه ، فكان اول شيء ودفعهم فارتفعوا الى الجسر الاكبر ثم أنه عبأ لهم فسار اليهم في الخيل والرجال أنه قد اظل عليهم وانتهى اليهم ارتفعوا فوق ذلك مرحلة بعد مرحلة ومنزلة بعد منزلة حتى أنتهوا ألى الاحواز(62) .
   ويبدوا ان الخوارج لم يتمكنوا بعد ذلك من الوصول الى البصرة الا سنة 75 هـ / 694 م عندما خرج داود بن النعمان احد بني مازن بن عبد القيس بموقع

**************************************************************
(59) نفس المصدر والجزء ص 567 .
(60) نفس المصدر والجزء ص 568 ، ص 613 ـ ص 614 .
(61) نفس المصدر والجزء ص 615 ـ 616 ، اليعقوبي ، المصدر السابق ج 3 ص 11 ـ 12 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 20 ـ

ناحية طف البصرة وهو اول من اتخذها دار هجرة فوجه اليه الحكم بن ايوب الثقفي والي البصرة جيشاً فقضى على حركته وكان داود من أهل البحرين(63) . وهدأت حركات الخوارج ضد البصرة حتى سقوط الدولة الاموية .

2 ـ إدارة البصـرة :
  بلغت الدولة العربية اقصى توسعها في العصر الاموي . وكانت منقسمة الى خمس ولايات هي : العراقان ، ومصر ، والحجاز واليمن وأواسط بلاد العرب والجزيرة وتتبعها أرمينيا واذربيجان وبعض أراضي اَسية الصغرى ، وافريقيا الشمالية حتى غرب مصر وبلاد الاندلس وجزيرة صقلية وسردينية والبليار ومركزهم القيروان .
   فأما العراقان فهما العراق العربي ويشمل بلاد بابل واشور القديمة وكان مركزه الكوفة . والعراق العجمي ويشمل بلاد فارس وكرمان وسجستان وخراسان وكابل وبلاد السند وما وراء النهر والخليج العربي ومركزهم البصرة .
  وكانت سلطة الوالي كبيرة كما يتبين من سياسة زياد بن ابيه والحجاج بن يوسف الثقفي .
  واصبحت البصرة في العصر الاموي من اهم مراكز ولايات الخلافة الاموية وكان يديرها والٍ وهو يتمتع بشبه أستقلال ذاتي ، لكنه مسؤول اتجاه الخليفة ويعمل باسمه وكانت واجباته حفظ الامن وتطبيق الشريعة وتحقيق الامن للمواطنين وكانت هذه الواجبات صعبة وشاقة على ألامير في أول الامر لان معظم القبائل تغلغلت فيها حياة القبيلة ولم يألفوا الخضوع لسلطة مركزية عليا مسيطرة عليهم . وفي حين كان لشيوخهم سلطات قوية قائمة على الروح البدويـة الصحراويـة(64) . ثم تناقصت سلطة هؤلاء الشيوخ بمرور الزمن وأصبح من اللازم عليه الخضوع لقوانين العامة وسلطة الامير .
  وكان الامير يراعي المصلحة العامة ولا يراعي مصلحة قبيلة او جماعة متعددة وكان يحفظ التوازن بين العشائر ويحدد الحقوق والواجبات بين القبائل والاشخاص ولذا

**************************************************************
(63) خليفة بن خياط ، المصدر نفسه ، ج 1 ص 269 ، ابن كثير ، المصدر نفسه ج 9 ص 10 .
(64) العلي ، احمد صالح ، التنظيمات ، ص 110 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 21 ـ

فقد كانت السلطة العليا له . واجبه ليس القضاء بين الناس وهو المسؤول امام الخليفة(65) .وبينا فيما مر من البحث اهم امراء البصرة وسياستهم في ادراة الولاية .
  وهناك مؤسسة تساعد الوالي في حكم البصرة وتطبيق النظام وتنفيذ الاحكام . تلك هي الشرطة والشرطة هم الجند الذين يعتمد عليهم الخليفة او الوالي لحفظ الامن والنظام ومطاردة الجناة ويسمون بالشرط لانهم جعلوا لانفسهم علامة يعرفون بها (66) . وكان عمر بن الخطاب (رض) اول من أدخل نظام العسس اي حراس الليل ونظم علي ابن ابي طالب (رض) الشرطـة وسمـي رئيسهـا صاحـب الشرطـة(67) .
  وكانت الشرطة من أهم القوات التي أعتمد عليها أمير البصرة في تثبيت سلطته في الولاية ويفهم من الطبري ان اول ذكر مفصل للشرطة يأتي في عهد زياد بن ابيه . فقد جعل الشرطة اربعة الاف ، عليهم عبد الله بن حصن والجعد بن قيس النميري . وكانا على الشرطة . وكانا يسيران بحربتين بين يديه . ثم تنازعا بين يديه فعزل زياد الجعد وثبت حصن على شرطه .
   وفي رواية اخرى ان زياداً ولي الجعد امر الفساق وكان يتتبعهم ، وقيل لزياد ان السبل مخوفة . فقال : لا اعاني شيئاً سوى المصر حتى اغلب على المصر واصلحه . فان غلبني الممر فغيره اشد غلبة ،فلما ضبط المصر تكلف ما سوى ذلك فاحكمه وكان يقول : لو ضاع حبل بيني وبين خراسان علمت من اخذه(68) .
   وكان زياد اول من سار الشرطة بين يدية بالحراب ومشي بين يديه بالغمد واتخذ منهم الحرس الذين بلغ عددهم خمسمائة واستعمل عليهم شيبان صاحب مغيرة شيبان فكانوا لا يبرحون المسجد(69) .

**************************************************************
(65) البلاذري ، انساب الاشراف ، ج 4 ، القسم الثالث . ص 29 .
(66) ابن منظور ، لسان العرب ، مادة شرط .
(67) حسيني ، أ ، عبد القادر ، الادارة العربية ، القاهرة بدون تاريخ ، ص 104 .
(68) الطبري ، المصدر نفسه ، ج 5 ص 222 ـ 223 .
(69) المصدر والجزء نفسه ص 224 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 22 ـ

ومن مهام شرطة زياد تنفيذ اوامرة ونشر الامن في المدينة ومطاردة اللصوص المتمردين والاشقاء وقطاع الطرق(70) . وساهم الشرطة في الوقوف بوجه الخوارج الذين حاولوا دخول البصرة (70أ) غير ان عملهم اقتصر في داخل المدينة ولم يذكر عنهم اشتراكهم في حملات عسكرية او انهم ساهموا في الفتوح . ويظهر من اسماء الشرطة انهم من قبائل مختلة .
  واعتمدت اميرالبصرة على موظفين اخرين لغرض تثبيت سلطانه وادارة مدينة والسيطرة على السكان وتوزين العطاء لهم ، ويسمى هؤلاء بـ ( العرفاء ) والمعلومات حول العرفاء واضحة ومفصلة منذ عهد زياد فيما بعد (71) ، وعلى الارجح كانت وظيفة العرافة موجودة في الدول العربية الاسلامية منذ عهد الرسول ( ايام حنين ) وتطور تنظيمها زمن زياد .
   لقد كان العريف مسولا عن توزيع العطاء على عرافته وقد يقترح زيادة العطاء مراعيا في ذلك القواعد الموضوعة لتنضيم مثل هذه الامور . ويجري توزيع العطاء وفق سجل يبين النساء والاطفال والمقاتلة وتجهيزاتهم ومقدار عطائهم ومواليهم(72) . وكان العرفاء مسؤلون عن جمع الجند عند النفير العام ( 73 ) .
   وعلى العرفاء مراقبة مثيري المشاكل والشغب والفتن واخبار الحكومة عنهم . وان قصروا في ذلك فهم يصبحون تحت طائلة العقاب فقد خاطب عبيد الله بن زياد العرفاء قائلا ( اكتبوا الي الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ... فمن كتب لنا فيرى ومن لم يكتب لنا احد فيضمن لنا ما في عرافته الايخالفنا منهم مخالف ولايبغي علينا منهم باغ . فمن لم يفعل يرئت منه الذمة وحلال لنا ماله وسفك دمه . وايما

**************************************************************
(70أ) الخيرو ، رمزية ، ادارة الطرق في صدر الاسلام ( بغداد ، 1978 ) ص 140 .
(70) البلاذري ، انساب ، ج 5 ، ص 221 ، الطبري ، المصدر نفسه ص 5 - ص 235 .
(71) البلاذري انساب ج 4 ، ص 789 ( مخطوطة القاهرة ) .
(72) ابن سعد الطبقات ، ج 3 ، القسم الاول ص 214 ، البلاذري ، المصدر السابق ج 3 ص 572 ( مخطوطة القاهرة ) .
(73) الطبري ، المصدر نفسه ، ج 6 ص 205 ، ص 207 ، ص 231 .


البصرة في العصر الاموي  ـ 23 ـ

عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين احد لم يرفعه الينا صلب على باب داره والغيت تلك العرافة من من العطاء ...(74)
   وهناك بعض الاعمال المهمة التي يقوم بها العرفاء منها دفع الديات المطلوبة من عرافتهم ، والنظر في بعض الخلافات البسيطة التي تحدث بين افراد العرافة ولذا فان كثرة واجبات العريف واهميتها اوجبت ان يكون العريف ذا شخصية قوية ولديه سلطات تمكنه من اداء واجبه (75) .
   وورد في بعض المصادر وجود عرفاء في السوق ، روى وكيع قضية عن قطع السنانير لعلها سوق السنانير وقضية سوق الدجاج ، فقضى فيهما عريف سوق الدجاج وعريف سوق السنانير (76) .
   لقد ادت واجبات الوخاء ودورهم المهم في حياة الناس ان يحلو محل شيوخ العشائر الذين أخذت سلطاتهم تتناقص تدريجا (77) .
   ووجدت في عهد زياد وظيفة مدينة اخرى . هي المنكب وقيل هو المنكب هو رئيس العرفاء وقيل هو أقل من العريف وتابع له (78) . ويرد في المصادر اسم وظيفة مدينة اخرى هو النقيب والذي تروي المصادر انه أقل رتبـة من العريف ومصادر أخرى تقـول انـه العريـف (79) .
   وكان الرسول (ص) قد استحدث هذه الوظيفة في بيعة العقبة ويقصد بمن يشغلها المندوب الذي يختاره قومه للحديث والتعاقد باسمهم . وقد وردت لفظة نقيب في القران الكريم حيث قال سبحانه وتعالى ( وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا )(80) .

**************************************************************
(74) الطبري ، المصدر نفسه ، ج 5 ص 359 .
(75) ابن سعد ، الطبقات ، ج 5 ، ص 293 ، ج 6 ص 173 .
(76) وكيع ، اخبار القضاة ، ج 2 ( القاهرة 1950 ) ص 347 .
(77) العلي ، احمد صالح ، المصدر السابق ، ص 118 .
(78) ابن منظور ، لسان العرب ، مادة ( النقيب ) .
(79) المصدر نفسه ، مادة ( نقب ) ، العلي ، احمد صالح ، التنضيمات ، ص 118 .
(80) سورة المائدة اية 12 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 24 ـ

   وقسم زياد البصرة الى خمسة أخماس ، يضم كل خمس عددا من العشائر وهذه الاخماس هي أهل العالية ( أهل الحجاز ) وتميم ، وبكر ، والازد وعبد القيس ، وجعل لكل خمس رئيسا (81) . وكان زياد هو الذي يعين هؤلاء ثم يقر الخليفة هذا التعيين . ويراس رؤساء الاخماس مجالس القبائل في السلم (82) . ويمثلون العشيرة امام الامير ويقرون موقفها السياسي(83) وكانوا يقودون عشائرهم في وقت الحرب الا انهم كانوا خاضعين للامير وتابعين له وكانت سلطتهم مقصورة على عشائرهم فقط .
   ويشكل الشهود العدول فئة اخرى تساعد الامير في ادارة الولاية حيث كانت اغلب الحرف يقوم بها الاعاجم مما جعل القضاة يقرون لبعضهم ان يكونوا شهود عدول على الاشخاص او في القضايا التي تظهر بين الصناع ويسمى هؤلاء الاشخاص الشهود العدول . وكان تعيينهم يتم بعد استفسار علني وسري عن احوالهم(84) وقد ثبت الصناع قيماً وتقاليد احذ بها القضاة والمحكومين في الحكم على الخلافات التي تظهر بين الصناع (85) .

3 - أهالـي البصـرة :
   روى الطبري ان العرب الساكنين في البصرة في خلافة علي بن ابي طالب ( رض ) كانوا يبلغون حوالي 65 الف من الرجال المحاربين المسجلين في العطاء (86) . ويدخل ضمن هذا العدد الجنود البصريون الذين يرسلون لمدة مؤقته الى بعض المقاطعات (87) . كما يشمل من سجل في الديوان من البدو القاطنين أطراف البصرة .

**************************************************************
(81) العلي ، احمد صالح ، المصدر السابق ، ص 53 - 54 .
(82) الطبري ، المصدر السابق ، ج 5 ، ص 526 - 527 ، البلاذري ، المصدر السابق ، ج 4 ، القسم الثاني ص 106 .
(83) الطبري ، المصدر السابق والجزء ص 528 .
(84) الخصاق ، احمد ، ادب القضاة ، ص 29 - 30 ( مخطوطة دائرة الهند بلندن رقم 859 ذ .
(85) وكيع ، المصدر السابق ، ج 2 ص 351 ، ابن سعد ، ابن انس ، مالك المدونة الكبرى ج 3 القاهرة 1324 هـ ص 414 ، 416 .
(86) الطبري ، المصدر نفسه ، ج 5 ص 79 .
(87) البلاذري ، فتوح ، ص 314 ، 403 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 25 ـ

وقد يشمل هذا الرقم النوفين الذين لم تحذف اسماؤهم من الديوان ، ولايشمل هذا الرقم النساء والاطفال او العرب غير المسجلين في العطاء .
   وقد نقص عدد العرب في البصرة عندما نقل 40 الف من مقاتل البصرة والكوفه مع عيالاتهم واسكنهم خرسان (88) . كما نقل عددا منهم الى مصر . وازداد عدد سكان البصرة في عهد عبيد الله بن زياد الى 90 الف وبلغت عيالاتها 140 الف (89) . ثم قل سكان البصرة في اواخر عهد عبيد الله بن زياد بسبب حركة الزنج ، اذا اضطر قسم منهم الى مغادرة المدينة خوفا على حياتهم او ركود الحياة التجارية بعد ان قطع الخوارج التجارة عن المدينة(90) . ثم تعرضت المدينة الى طاعون في سنة 69 هـ فمات من أهل البصرة خلق كثير (91) . ويقول الطبري ان نشا الطاعون وقع سنة 65 هـ وكان يسمى الطاعون الجارف (92) .
   يتكون عرب البصرة من تجمع عدد من العشائر يشمل كل منها عدد كبيرا وصغيرا من الافراد يتحدون من جد واحد يحملون اسمه . وقام زياد بتنظيم المدينة على أساس عشائري ، فقد جعل كل عشيرة وحدة مالية وعين عليها عريفا مسؤولاً عن تسلم العطاء وتوزيعه على افراد عرافته(93) . وبذا فقد جعل التنظيم المالي منسجماً مع التنظيم الاجتماعي الذي يستند الى العشيرة .
   ويمكن استخلاص عدد افراد العشيرة الواحدة من الدية التي حددها عمر بن الخطاب (رض) باثنى عشر الف درهم . وكان كل رجل يدفع اربعة دراهم سنوياً لمدة ثلاثة سنوات ومعناه ان كل فرد ان يدفع اثنى عشر درهماً . أي أن عدد افراد العشيـرة كـان حوالـي الف رجـل(94) . ولايدخل ضمن هذا العدد النساء والاطفال وكانت العشائر الصغيرة تندمج بعشائر اخرى .

**************************************************************
(88) المصدر نفسه ، ص 109 ، الطبري ، المصدر والجزء نفسه ص 227 .
(89) الطبري ، المصدر السابق ج 5 ص 503 ، البلاذري انساب ، ج 4 ، القسم الثاني ص 116 ،
(90) المبرد ، الكامل في الادب ( لايبرج ، 1845 ) ص 451 .
(91) ابن كثير ، المصدر السابق ، ج 8 ص 262 .
(92) تاريخ الطبري ، ج 5 ، ص 612 .
(93) العلي التنظيمات ، ص 49 .
(94) المصدر نفسه ، ص 50 - 51 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 26 ـ

   ظل نظام نظام العشائر بعد تنظيمات زياد اساس التنظيم الاجتماعي والاداري وصار التنظيم منسجماً مع النظام العشائري وتساوت العشائر التي اشتركت في الفتوحات الاولى مع العشائر الاخرى مما ولد انسجاماً في السكان العرب من أهل العطاء في البصرة .
   وكانت العشيرة هي الوحدة الاساسية في الجيش وفي الاشتراك في الحروب وهي اصغر وحدة عسكرية في الميدان القتال .
   وقد قسم زياد المدينة الى خمسة قبائل كبرى يسمى كل منها خمسا ويشمل كل خمس عددا من العشائر . وكانت الغاية من هذه الاخماس عسكرية (95) . وتتفرغ القبيلة الى عشائر لكن وحدتها لم تكن شديدة التماسك وان سلطتها لم تطغ على من تشملهم من العشائر لذا فقد ظلت العشيرة الوحدة الاساسية في التنظيم الاجتماعي والمالي والاداري . على ان القبيلة ظلت هي صاحبة الكلمة العليا في الحوادث والازمات السياسية الكبرى التي تمر بها المدينة . وكان أسهل للدولة وللامير التعامل مع القبيلة من التعامل مع العشيرة .

أما الاخماس الكبرى فهي :
1 ـ أهل العالية وهم يتكونون من العشائر الحجازية الاصل التي استوطنت البصرة ويؤلف بعضهم اقدم مقاتلة البصرة . وبرز منهم رجال كانت لهم صلة نسب بزياد ابن ابي سفيان وابنه عبيد الله وهم من عشيرة الحجاج بن يوسف (96) .
واستناداً الى الطبري فان أهل العالية هم قريش وكنانة والازد وبجيلة وخثعم وقيس عيلان كلها ومزينة (97) . ومن العالية هذيل وسليم وعقيل وعدي بن كعب وبناته وناجية وياهلة والحريش وقشير وضبة ومزينة وتيم وسهم وعقيل (98) :

**************************************************************
(95) العلي ، خطط البصرة ، ص 51 .
(96) المصدر نفسه ، ص 81 .
(97) المصدر السابق ، ج 5 ص 580 .
(98) العلي ، خطط البصرة ، ص 82 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 27 ـ

2 ـ تميم : وقد استوطنت البصرة منذ بداية تاسيسها وكانت لها مساهمة فعالة في كثير من الاحداث الكبرى في البصرة وظهر فيها عدة رجال شغلوا مناصب ادارية بارزة .
   ومن عشائرهم في البصرة : حنظلة وسليط وطهية وعجيف ومازن والحطيات والحرماز ورياح وسعد وصريم وعطارد وعبر والفدات ودارم ومجاشع والهجيم (99) .
3 ـ بكر : وهي احدى المجموعات القبلية الخمسة في البصرة ويظهر من الحلف الذي عقد بين عشائر بكر في البصرة في عهد زياد ان بكراً كانت مكونة من ثمان عشائر كبرى وهي قيس بن ثعلبة ، وعنترة ، وتيم اللات ، وعجل ، وذهل بن شيبان ، ويشكر ، وذهل بن ثعلبة وضبعة ثم اضيف الى حنيفة (100) .
4 ـ عبد القيس : ويبدو من المصادر المتوفرة في الوقت الحاضر ان عددهم كان قليلا في البصرة(101) .
5 ـ الازد : وهم واحدة من القبائل الخمسة الكبرى روي الطبري ( ان مضر كانت تكثر ربيعة بالبصرة وكانت جماعة الازد اخر من ترك البصرة . كانوا حيث مصرت البصرة ... واقامة جماعة الازد لم يتحولوا ثم لحقوا بالبصرة بعد ذلك في اخر خلافة معاوية واول خلافة يزيد(102) ... )
ويدل هذا النص ان عددهم اخذ بالازدياد في اول العهد الاموي بعد ان كانوا أقلية .
   أما الحرف التي أشتغل بها العرب فهي عدا العمل بالجيش ، الاشتغال بالتجارة والسوق مما كان يدر عليهم ارباحا طائلة . وكونوا علاقات مع ناس قد

**************************************************************
(99) المصدر نفسة ص 87 .
(100) الطبري السابق ج 5 ص 515 - 516 .
(101) العلي ، المصدر السابق ، ص 96 .
(102) الطبري ، المصدر السابق ج 5 ص 516 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 28ـ

يكونون اعرابا ليسوا من اقاربهم او عشائرهم فاصبحت المصالح المشتركة اقوى من الروابط القبلية وادت بالكثيرين ان يستقلوا عن عشائرهم .
   وثمة عوامل اخرى اضعفت العلاقات القبلية وهي تاثير الدين الاسلامي الذي يدعو الى الاخوة والمساواة بين معتنقيه دون النظر الى احسابهم وانسابهم وقد لعبت الدوائر الدينية دورا كبيرا في ذلك واهم هذه الدوائر : القراء والخوارج .
   اما القراء فقد اعتبروا ابا موسى الاشعري أماهم في هذا المجال . وقد اتسعت هذه الجماعة تدريجيا وزاد عددها وقويت الرابطة التي تربط بين افرادها ولم يكونوا مقصورين على عشيرة واحدة أو قبيلة (102أ)... وقد أنضم اليهم بعض الاشراف ...
   اما الخوارج فقد حصلوا على مؤيدين لهم في البصرة والبحرين وهم ينتمون الى قبائل متعددة (102ب) ، وهناك فرق اخرى لم تلعب الا دوراً ضئيلا في اضعاف الروابط القبلية وهي المرجئة والمعتزلة ولكنهم كونوا روابط فكرية وعقلية ...
   ويشكل العبيد طبقة أجتماعية مهمة ضمن أهالي البصرة واصل العبيد اسرى الحروب الذين اطلق العرب المسلمين سراح معظمهم ولم يسترقوهم(102ج). وكان اصلهم من الجند الساساني وقد اشتغلوا في الجيوش العربية الاسلامية(103) والخدمة في البيوت والعمل في الصناعة والتجارة ويدخل ضمن العبيد الزنج الذين تحركوا في عهد مصعب بن الزبير والحجاج بن يوسف والذين سبق ان درست حركتهم ...
   لقد فسح العرب المجال للعبيد للانصراف الى أعمال الحرب والاشتغال بالاداب والسياسة وقووا معنوياتهم بعد ان اعتنقوا الاسلام وحموهم من سوء معاملة

**************************************************************
(102أ) ابن سلام ، الاموال ، القاهرة ، ص 319 ( طبعة الفقي ) البلاذري ، فتوح البدان ص 368 .
(102ب) ابن سعد الطبقات ، ج 4 ، القسم الثاني ص 27 .
(102ج) المصدر نفسه والجزء والقسم ص 86 ، ص 116 ، ص 117 .
(103) ابن سلام ، المصدر السابق ، ص 178 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 29 ـ

أسيادهم فقد قال الرسول ( من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه ومن اخصاه اخصيناه ) (104) .
   ويعد العبيد جزءاً من العائلة التي يعمل فيها ويشاركها في السراء والضراء اما الجواري فقد انجبن من العرب اولاداً واصبحـن امهات اولاد ولا يجوز ببيعهـن (105) ، كما ان اولادهن يصبحون احراراً وقد تعلم بعض افراد هذه الطبقة اللغة العربية واعتنقوا الاسلام وبذلك ضاقت الهوة التي تفصلهم عن العرب .
   وتشكل طبقة الاعاجم جزءاً من أهالي البصرة وهم فئات متعددة فمنهم المعتقون من العبودية الذين تصبح لهم مكانة مستقلة في عشيرة سيدهم وهم يتمتعون بحرية واسعة وفرصة للاستفادة من مواهبهم ويتمتعون بنفس الحقوق المدنية التي يتمتع بها الاحرار ومن أهل دينهم وهم يشاركون عشيرة سيدهم في دفع دية القتل الخطأ ويقاتلون معها في الحروب(105) .
   ومن الاعاجم الاساورة الذين استساموا للعرب المسلمين عندما فتحت الاحواز ونزلوا في تميم واقاموا معهم يقاتلون المشركين وخرجوا مع ابن عامر الى خراسان ولم يشهدوا معهم الجمل وصفين ولاشيئاً من حروبهم لكنهم شهدوا امر ابن الاشعث معه فاضربهم الحجاج فهدم دورهم واجلى بعضهم وقال .( كان في شرطكم ان لا تعينوا بعضنا على بعض (106) ) . وكان عددهم 250 (106أ) ...
   ومن الاعاجم السيابجة الذين نقلوا من اطراف البحرين الى البصرة ايام ولاية عبيد الله بن عامر وكان عددهم يبلغ حوالي أربع مائة رجل . ومن الاعاجم ايضاً الزط الذين نقلوا من البحرين الى البصرة . ونقل عبد الله بن زياد الفين من البخارية اوطنهم البصرة(107) .

**************************************************************
(104) ابن حنبل ، السند ، ج 5 ( القاهرة ، 1313 هـ ) ص 12 .
(105) الشافعي ، الام ، ط ( القاهرة ، 1321 هـ ) ص 135 ، 166
(105أ) العلي ، التنظيمات ص 83 - 87 .
(106) البلاذري ، فتوح ص 367 ، ص 368 ، العلي ، خطط ص 48 .
(106أ) العلي ، خطط ص 47 .
(107) البلاذري ، فتوح ص 369 ، الطبري المصدر نفسه ، ج 5 ص 298 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 30 ـ

   ومن الاعاجم الزنج الذين جلبوا الى العراق من افريقية الذين قاموا بحركة ايام مصعب بن الزبير . وازداد مددهم ايام الحجاج فاستغلوا سوء الاحوال الداخلية . فقاموا بحركة قمعها الحجاج ، غير ان الزنج مالبث ان ازداد عددهم في البصرة بحيث أنزعج أهل البصرة منهم وشكوهم الى الوالي خالد بن عبد الله القسري ففرقهم وقتل جماعة منهم(أ107) .
   ومن الاعاجم ايضاً الاصبهانيون وهم قوم اسلموا وهاجروا الى البصرة ويقال انهم كانوا من الاساورة الذين صاروا بالبصرة (107ب) . وهناك اعاجم يسمون الحامرة وهم عجم جاءوا من عمان ثم ساروا منها الى البصرة(107ج) . ومن الاعاجم ايضاً الاندغار وهم من سبايا السند الذين انزلوا البصرة (107د) .
   ورحل معاوية قوماً من الزط والسيابجة الساكنين في البصرة الى سواحل الشام . ونقل الوليد بن عبد الملك قوماً من الزط الى انطاكية وناحيتها (108) .
   وزاد عدد سكان مدينة البصرة حتى بلغ 200 الف وذلك حين انجزت مشاريع الري واصلحت معضم الاراضي الزراعية ولايشمل الرقم المذكور اعلاه من لم يكن مسجلا في العطاء من العرب ثم حصلت هجرة العمال الزراعية مما اضطر الدولة الى حصر توزيع الرزق من الحنطة على الجند العرب فقط ، وظل العمال يقاسون من البطالة ومنافسة العبيد الذين كانوا مستعدين للعمل باقل الاجور . ولذا فقد رحب العمال بحركة الخوارج التي منحت لهم فرصة الحصول على بعض الضمان الاقتصادي الذي كان يحصل عليه العرب ولكن فشل حركة الخوارج كان ضربة ولدت في نفوسهم الياس وقد فقد عدد كبير منهم حياته في الوباء الذي تفشى في المدينة في سنة 69 هـ \ 688 م . لكن الباقين منهم . كانوا كثيرين فاضطر الحجاج الى

**************************************************************
(107أ) ابن الاثير ، الكامل في التاريخ . ج 4 ، ( بولاق 1274 هـ) ص 188 .
(107ب) البلاذري ، فتوح البلدان ص 359 .
(107ج) المصدر نفسه ص365 .
(107د) المصدر نفسه ص 368 .
(108) البلاذري ، فتوح ، ص 369 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 31 ـ

ارجاعهم الى قراهم . وقد كرة العمال الرجوع الى القرى وكان ذلك من اهم دوافع تاييدهم لحركة عبد الرحمن بن الاشعث 81 \ 699 م .
   ورغم ذلك فقد ازداد سكان البصرة في العهد الاموي بسبب تقاطر العبيد والاعاجم عليها واستقرارهم فيها بعد وفاة الحجاج . وقد قدر العلي سكان البصرة أبان العهد الاموي بقرابة نصف مليون(109) .

4 ـ اقتصاديات البصرة ...
اولاً : مـوارد بيـت المـال ..
   كانت مورايد بيت المال في البصرة تاتي من خراج المقاطعات التي فتحها مقاتلة البصرة والتي كانت تابعة في ادارتها لها وقد فتحت هذه المقاطعات في فترات تاريخية مختلفة فقد فتحت كور دجلة ما بين سنتي 15 - 17 هـ \ 636- 638 م ... وفتحت الاحواز مابين سنتي 17 - 19 هـ \ 638 - 640م ... وفتحت اصفهان سنة 22 هـ \ 642 م وفارس فتحت مابين 25 هـ 39 هـ \ 645 - 659 م ، وفتحت كرمان سنة 30 هـ \ 650 م . وقد فتحت سجستان مابين 31 - 34 هـ \ 651- 654 م . وفتحت مكران سنة 45 هـ \ 665م وخرسان سنة 30 - 532 \ 650 - 652 م .
   وكان الخراج المفروض على هذه المقاطعات اعلاه مقطوعاً اي محدوداً بمقدار من المال مع اضافة اشياء اخرى اليه في بعض المقاطعات وكانت ظروف الفتح هي التي تقرر النظام المالي الذي طبقة العرب في بداية العهد . ولم يكن من الممكن الاستمرار باتباعه لما خلفه من مصاعب ادارية فاصبح من الضروري اعادة النظر فيه(110) .
   وقد اجرى معاوية تعديلات على الخراج ، فقد امر ان ترسل كل مقاطعة الى بيت المال المركزي مبلغاً معينا من المال بحسب قابليتها الاقتصادية ولهذا يسهل

**************************************************************
(109) خطط البصرة ، ص 48 .
(110) البلاذري ، فتوح ، ص 370 ، 372 ، 335 ، 341 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 32 ـ

عملية ادارة المقاطعة وكانت الدولة العربية تخصص لكل مصر واردات المقاطعة التي فتحها علما بان بعض المقاطعات اشترك في فتحها جند الكوفة وجند البصرة فاصبح من الصعب توزيع عطائها على المصرين . وان واردت المقاطعات المفتوحة لم تكن تسد في بعض الاحيان مصروفات الامصار التي فتحتها .
   ومن واردات بيت مال البصرة عثور التجارة والتي سنبحثها في موضوع التجارة . وهناك موارد اخرى من مصادر متعددة منها اموال من يموت بدون وارث او مصادرة اموال المتمردين والمحتالين . وربما كانت بعض الاموال تجبى من الامتيازات التي تعطيها الدولة كانشاء الحمامات(111) وصلت القوة ولاتذكر المصادر مقدار هذه الاموال .

ثانيـاً : وجـوه الصـرف
(أ) العطاء ... اما وجوه الصرف فكانت على العطاء وتكاليف الادارة وارزاق الجند وقد بلغت في ولاية عبيد الله بن زياد 60 مليون درهم سنوياً(112) فاما العطاء فهو الجراية السنوية الذي يتقاضاها المسلم من الخلافة الاسلامية حسب النظام الذي وضعه عمر بن الخطاب وكان هذا العطاء يدفع سنوياً في المحرم عند بداية السنة الهجرية أيام عمر بن الخطاب (113) ، وفي زمن زياد بن ابي سفيان (114) . ولاتشير المصادر الى موعده في عهد الخلفاء الاخرين . وصار الخلفاء يفتخرون بدفع العطاء في وقته . فقد أعلن معاوية في الكوفة انه سيدفع العطاء في وقته المعين(115) وكان مصعب بن الزبير يدفع عطاءين في السنة في البصرة . وقد وعد يزيد بن الوليد بن عبد الملك بجمع العطاء دفعة واحدة في كل

**************************************************************
(111) عن حمامات البصرة انظر البلاذري ، فتوح ، ص 348 - 349 .
(112) العلي ، التنظيمات ، ص 145 .
(113) الطبري ، المصدر السابق ، ج 4 ص 42 ، البلاذري ، فتوح ص 436 .
(114) البلاذري ، انساب ، ج 4 ص 788 ( مخطوطة القاهرة ) .
(115) البلاذري ، انساب ، ج 1 ص 599 ( مخطوطة باريس ) .

البصرة في العصر الاموي  ـ 33 ـ

سنة ويدفع ارزاقهم في كل شهر ، بعد ان كان اباه يدفه ارثا(116) .
   واذا لم يلب مستلم العطاء الدعوة بالذهاب للقتال فان اسمه يمحى من العطاء(117) :

(ب) رواتب الموظفين وهم الوالي والقاضي وصاحب الخراج وصاحب الشرطة ومن يقوم بمختلف الاعمال الحكومية . وهم ياخذون رواتب مقننة تختلف عن عطاء المقاتلة . ولهولاء رواتب مقررة ، فالوالي زياد بن ابيه كان يتقاضى 25 الف درهم سنوياً عدا المخصصات(118) وكان راتب الحجاج مع المخصصات نصف مليون درهم (119) وكان راتب القاضي 500 درهم شهرياً وكان راتب أياس بن معاوية قاضي البصرة 100 درهم شهرياً(120) . وكان رؤساء الكتاب ياخذون 300 درهم شهرياً . وقد رفع زياد العمال ورؤساء الكتاب الى 1000 درهم شهرياً(121) .

(ج) وقد اهتمت الخلافة بشؤون الفقراء ، فكانت توزع على أهالي الفقراء في البصرة المواد الغذائية مجاناً وكانت تؤخذ من الضرائب النوعية المفروضة على كسكر وتخزن هذه المواد الغذائية في مدينة الرزق او قرية الرزق او دار الرزق وقد بنى هذه الدار زياد بن ابي سفيان وزاد فيها عبد الله ابنه . وكانت المواد تجمع فيها وتوزع في بداية كل شهر على فقراء البصرة وكان على دار الرزق في عهد زياد الحارث بن نوفل (122) .
وقد مكنت هذه الحالة الفلاح من دفع بعض ضرائبه عيناً من المحصول

**************************************************************
(116) الطبري ، المصدر السابق ، ج7 ص269 ، الذهبي ، تاريخ الاسلام ج2 ( القاهرة 1368هـ ) ص267 .
(117) على سبيل المثال انظر الطبري ، المصدر السابق ، ج6 ص 327 - 338 ، المبرد ، الكامل في الادب ج3 تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم ( القاهرة بدون تاريخ ) ص 366-367 .
(118) اليعقوبي ، المصدر السابق ، ج2 ، ص167 .
(119) العلي ، التنظيمات ، ص 167 .
(120) المصدر نفسه ص 166 .
(121) اليعقوبي ، المصدر السابق والجزء والصفحة ، العلي المصدر السابق ص 167 .
(122) العلي ، خطط البصرة ، ص 154 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 34 ـ

ذلك خفف عنه عبىء الضريبة من نضره التي لايمكن توفيرها .
  ولمدينة الرزق اربعة ابواب ، باب مما يلي البصرة وباب الى الخلالين وباب الى المسجد وباب الى مهب الشمال(أ122) .
  ومن الخدمات الاخرى التي قدمتها الدولة العربية لأهالي البصرة حفر وصيانة الانهار والقنوات في المدينة . كنهر معقل والابلة ونهر دبيس ونهر عدي بن ارطاة .... الخ(123) . وكانت معظم هذه الانهار لغرض الشرب . فقد شكا أهل البصرة ملوحة مائهم الى عدي بن ارطاة والخليفة عمر بن عبد العزيز فأذنه الخليفة عمر بن ارطاة ان يحفر لهم نهراً ، فحفر نهر عدي وضلت شكوى البصريين من ملوحة الماء ، فلما وليها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز حفر لهم نهر بن عمر . وكان الولاة والاشراف في البصرة يستعذبون الماء من دجلة ويحتفرون الصهاريج(123أ) ، أضفافة الى المساعدات المالية التي توزع علـى فقرائهـم (124) .

ثالثـاً :التجـارة :
  اصبحت البصرة مركزاً تجارياً مهماً تمر به تجارة المرور بين المقاطعات المجاورة خاصة والشرق الاسلامي عامة لموقعها الجغرافي الممتاز . وقد اتخذت قبائل الجزيرة العربية منها سوقاً لبيع بضائعها الزائدة عن حاجتها ولشراء ما تحتاجه من السلع المختلفة . وكانت المربد مركزاً تجارياً للبدو(125) وذلك لوقوع المربد عند مدخل البصرة الغربي من جهة الصحراء فصار به سوق لمنتجات أهل الصحراء وخاصة الابل وقد رددت الاخبار ذكر سوق الابل في المربد(125أ) . وسوق للتباتين(125ب) وهم باعة التبن

**************************************************************
(122أ) الطبري ، المصدر السابق ج6 ص 67 .
(123) البلاذري ، فتوح ، ص 357 - 367 .
(123أ) المصدر نفسه ص 363 .
(124) الطبري ، المصدر السابق ، ج6 ص 570 .
(125) المصدر نفسه ج5 ص 507 .
(125أ) المصدر نفسه ، ح5 ص 507
(125ب) العلي ، خطط البصرة ، ص 112

البصرة في العصر الاموي  ـ 35 ـ

الذي يشكل مادة غذائية جافة للحيوانات وسوق الدباغين(125ج) وسوق العطارين(125د) وكان أهل الحجاز يستوردون السلع الكمالية والمنسوجات وكانت هذه السلع متركزة في ميسان والاحواز وفارس ، وهذه الاقاليم تابعة للبصرة ادارياً وجغرافياً ولذا فقد كان لابد لهذه السلع من المرور عبر البصرة .
  واهم الموانئ التجارية في البصرة الابلة وهي اهم ميناء للتجارة مع الهند وانظراً لآهمية العلاقات التجارية لهذا الميناء مع الهند فقد اطلق العرب عليه اسم ( فرج الهند ) او ( أرض الهند )(126) وكان في الميناء المذكور عامل خاص لجباية عشر التجارة . وقد ولي عشور الابلة في خلافة عمر بن الخطاب (رض) ابو بكرة(127) وتولاه انس بن سيرين في عهد ابن الزبير(128) . وقد تضائلت الابلة بعد انشاء البصرة فاصبحت ميناء ثانوياً واصبحت البصرة مركزاً للتجارة مع الهند ومع ذلك فقد ضلت الابلة مرفأً تجارياً وفيه مسفن لادامة وصناعة السفن ايام العباسيين .
  واهتم ولاة البصرة بالتجارة فقد حفر ، عبد الله بن عامر قناة دعيت باسمه وهي تقع شرق المدينة وبني على جانبها سوقاً وقد اعفيت هذه السوق من الضرائب (129) واضحى هذا السوق مركزاً تجارياً ومجمعاً لاهل السوق تجري فيه السباقات التجارية وتعلن الاوامر الحكومية . وظل هذا السوق الى ايام بلال بن ابي الذي حفر نهراً باسم نهر بلال وجعل على جنبيه الحوانيت ونقل اليها السوق(130) .

**************************************************************
(125ج) خليفة بن خياط ، المصدر السابق ج1 ص 162 .
(125د) العلي ، خطط البصرة ، ص 116 .
(126) الطبري نفس المصدر ج3 ص 343 ، 591 ، 593 .
(127) العلي خطط البصرة ، ص 251 .
(128) ابو يوسف الخراج ، القاهرة 1352 ، ص 137 .
(129) البلاذري ، فتوح ، ص 354 ، خليفة بن خياط ، المصدر السابق ج1 ص 143 .
(130) البلاذري ، المصدر السابق 358

البصرة في العصر الاموي  ـ 36 ـ

  وكانت هناك اسواق فرعية في اماكن مختلفة في مدينة البصرة منها سوق العطرين وسوق الطعام وسوق الغنم سوق الابل(131) .
  وكانت الاسواق تحت مراقبة الدولة ، حيث تراقب الاوزان والمكاييل وتحكم الخلافات التي تنشأ بين اصحاب المهن(131أ) ويمكن اعتبار هذه الوظيفة اصل وضيفة المحتسب التي ذكرتها المصادر لاول مرة في عهد ابن هبيرة حيث كان مهدي بن عبد الرحمن ثم اياس بن معاوية محتسبين في واسط (132) .
  وقد لعبت بعض اسواق البصره دورا في الحياة السياسية اضافة الى دورها الاقتصادي ، فقد اجتمع الناس في سوق المربد لمناقشة الامور العامة كالذي فعلوه عندما ساءت العلاقة بين تميم والازد وبكر بعد وفاة يزيد بن معاوية(133) وتجمعـت فيـه بنو تميم لمقاومـة يزيـد بن المهلب الذي تمرد علـى الخلافة الاموية(134) . وهذا يدل على ان المربد كان في العصر الاموي ساحة كبيرة تتسع لعدد كبير من الناس ويمكن ان يكون ميدان قتال بين جيوش كثيرة العدد .
  وكان المربد مكان يلتقي فيه الشعراء والادباء واللغويين ولذا فقد كان له دور كبير في الحياة الثقافية في البصرة فضلاً عن كونه مجتمعاً للناس في للاحداث السياسية المهمة .
  لم تكن البصرة قادرة على سد كل حاجاتها من السلع والمواد التي تحتاجها فأصبح من اللازم أستيراد السلع من الاماكن المتوفرة فيها . فكانت الابل والاغنام منتوجات من الاصواف والدهن والجلود تأتيها من جزيرة العرب من الغرب بالطريق الصحراوي الذي ينتهي عند المربد .
  وكانت المنتوجات والمواد الغذائية والاخشاب تأتي الى البصرة من المناطق

**************************************************************
(131) العلي خطط ص 128 ، ص 152 .
(131أ) المصدر نفسه ص 129 .
(132) وكيع ، اخبار القضاة ، ج1 ، ( القاهرة 1950 ) ص 353 .
(133) الطبري ، المصدر السابق ج5 ص 516 - 517 .
(134) المصدر نفسه ج6 ص 581 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 37 ـ

الشرقية بالطرق البرية ، وبالانهار مثل نهر معقل ونهر دجلة . ولذا فقد كان الكلاء الواقع على نهر معقل مركز التجارات القادمة من الشرق(135) .
  وكان لموقع البصرة على رأس الخليج العربي أهمية كبيرة في التجارة حيث كانت اقصر الطرق التجارية البحرية تمر بالخليج العربي ، وكانت السفن التي تسير في الخليج العربي تنقل السلع مابين العراق وملوخا وماجان الواقعتين جنوب سواحله منذ العصور القديمة . وظلت هذه التجارة نشيطة لفائض منتوجات الاقطار الواقعة على المحيط الهندي كالمنتوجات الزراعية والاخشاب والتوابل والحجار الكريمة . وحاجة المناطق الواقعة على اطراف البحر المتوسط(136) .
  ورغم ان الحروب الفارسية البيزنطية قد اضعفت ودهورت هذه التجارة وحولت الكثير من التجارات الى عدن والبلاد الواقعة في شبه جزيرة العرب والبحر الاحمر ، ظلت موانيء البحرين تزخر بالحياة وكانت منطقة البصرة تسمى ( فرج الهند ) مما يشير الى قوة العلاقات التجارية مع الهند واقليم المحيط الهندي .
  ثم وحد العرب الاقاليم الواسعة الواقعة مابين اواسط اَسية والمحيط الاطلسي في دولة واحدة وفرت الامن والاستقرار ونشرت العدل والمساوتة واباحت حرية العمل والتنقل لرعاياها فنشطت التجارة وارتفع المستوى المعيشي للمواطن وازداد الطلب على منتجات بلاد المحيط الهندي وفضل التجارة طريق الخليج العربي لقصره فأزدازت اهميته التجارية .
  وانتعشت التجارة في البصرة لمرور السلع والمنتجات القطنية والحريرية والصوفية(137) .

**************************************************************
(135) ياقوت الحموي ، معجم البلدان ج4 ص 942 ، ابن رسته ، الاخلاق النفسية ، المجلد السابع ( لايدن 1891 ) ص 185 .
B-Ashtor sociol and Economic Hhistroy of the East {landan 1976}
(136) العلي ، خطط البصرة ، ص 248 .
(137) M - lombard , the Go loden Age of ls lam {Amestrdom 1975} p-p-181-186 9220-222.

البصرة في العصر الاموي  ـ 38 ـ

  ومما زاد في انتعاش التجارة قلة الضرائب التي كانت تفرضها الدولة العربية على التجار فقد كان انس بن سيرين الذي كان عشاراً في البصرة يأخذ من التجار المسلمين من كل اربعين درهماً درهماً ومن اهل الذمة من كل عشرين درهماً درهماً ومن لاذمة له من الاجانب من كل عشرة دراهم درهم(138) .
  ولا تشير المصادر المتوفرة لدينا في الوقت الحاضر الى نوع السلع التي تعشر او تنظم جبايتها ، فقد روى ابو عبيد القاسم ان سلام بن عمر بن عبد العزيز كتب الى عدي بن ارطاة والي البصرة ( ان يأخذ العشور ثم يكتب بما يأخذ منهم البراءة ولا يأخذ من ذلك المال ولا ربحه الا زكاة سنة واحدة ويأخذ من غير ذلك المال ان وجد(139) . وتكون البراءة بمثابة وثيقه لهم وحجة على من يمرون به فلا يعشرهم مرة ثانية(140) .
  وكانت الابلة مركز التجارة البحرية ، في حين كانت الكلاء مركز التجارة المائية والمربد مركز التجارة مع جزيرة العرب والمناطق الغربية واقيمت مراكز الجباية عند نهر معقل والابلة ، وتسمى الحبل ، والعشور ، وقد عرف ابو عبيد الحبل بأنه كان يعترض به العاشر السفن لمنعهى من المضي قبل دفعها الصدقة(141) وكان الحبل على نهر معقل في المنطقة الجنوبية (142) ويشير وجود الحبل الى نشاط التجارة في نهر معقل مع كور دجلة والاحواز التي تصدر محاصيلها الزراعية كالحنطة والرز والسكر اضافة الى بعض مصنوعاتها كالمنسوجات مثلاً .
  وفرض المكس على بائعي السلع في الاسواق . وكان المكس موجوداً قبل الاسلام (143) وقد ذمها الكثيرون لسوء تطبيقها وهي متميزة عن عشور التجارة لأنها تجبى من مبيعات الاسواق في المدن ومن بعض الصناعات وربما كان صاحب السوق

**************************************************************
(138) ابو يوسف ، الخراج ، 137 ، وكيع ، اخبار القضاة ، ج2 ص 406 .
(139) الاموال ص 718 .
(140) ابن القيم الجوزية ، احكام اهل الذمة ، القسم الاول تحقيق صبحي الصالح ( دمشق 1961 ) ص 162 .
(141) ابو يوسف الخراج ص 136 ، ابي عبيد ، الاموال ص 530 .
(142) البلاذري ، فتوح ، ص 353 .
(143) تاج العروس ، مادة ( مكس ) .

البصرة في العصر الاموي   ـ 39 ـ

يجبها(144) روى ابن سلام ان عمر بن عبد العزيز كتب الى عدي بن ارطاة والى البصرة ( ضع عن الناس المكس وليس بالمكس ولكن البخس ... )(145) .
  ولا تشير المصادر الى مقدار وا جبي من عشور التجارات والمراكب في البصرة في صدر الاسلام والدولة الاموية . ومن المحتمل ان جبايتها كانت مندمجة مع صدقات البصرة .
  وضهرت علاقات النشاط التجاري في البصرة بشكل واضح في العصر الاموي ، ويتبين ذلك في الاقوال المنسوبة الى مشاهير البصريين الذين فخروا بما تميزت به مدينتهم ، ومنهم الاحنف بن قيس وخالد بن صفوان . قال الاحنف بن قيس مفتخراً على اهل الكوفة في مجلس مصعب بن الزبير :- ( ... نحن اكثر ساجاً وديباجاً ، ونحن اكثر قنداً ونقداً(146) . وقال خالد بن صفوان لمسلمة بن عبد الملك ( البصرة اكثر ساجاً وعاجاً وخزاً وديباجاً(147) ... ) .
  ويشتغل التجار البصريون لحسابهم الخاص ويقومون بأعمالهم بأنفسهم وحدهم او يعاونهم اولادهم او عبيدهم . ومنهم من كون شركات مؤقتة او دائمة مع تجار آخرين للقبام بأعمال تجارية محصورة بالبصرة وحدها او تمتد الى المدن الاخرى . وقد ساهم هؤلاء برأسمال او بنسب مختلفة . وقد ميز السرخسي بين ثلاث شركات ، وهي شركة المفاوضة والعنان والوجوه . في شركة المفاوضة يتساوى رأس المال والربح . ويجوز ان يتساوى الشركاء في شركة العنان او يتفاتون في راس المال والربح ولهم ان يخلطوا رؤوس اموالهم او يبقوها منفصلة ويجعل كل منهم عنان التصرف في بعض المال الى صاحبه . واما شركة الوجوه فتسمى شركة المفاليس وفيها يشترك الشركاء بغير رأس مال على ان يشتروا ويبيعوا بالنسيئة(148) .

**************************************************************
(144) العلي ، خطط البصرة ص 252 .
(145) الاموال 527 .
(146) المسعودي ، مروج الذهب ج 3 ( بيروت . د ـ ت ) ص 331
(147) ابن الفقية ، مختصر البلدان ( لايدن 1302 هـ ) ص 192 .
(148) الرضي ، المبوط ، ج11 ( القاهرة 1924 ) ص151 .

البصرة في العصر الاموي  ـ 40 ـ

وكان التجار يستعملون الصكوك في المعاملات التجارية ، فالتاجر يودع عند الصراف . ويأخذ منه صكاً ، ثم يشتري كل مايلزمه ويحول الثمن على الصراف فلا يستخدم المشتري شيئاً غير صك الصراف(149) .

**************************************************************
(149) العلي ، خطط البصرة ، ص 130-131 .