قال : وقال يحيى بن نوفل (1) الحميريّ : لو امتدحتُ أحداً لامتدحتُ بلالاً (2) ، وكان يأتيهم على وجه الصّداقةِ والزّيارة، فقال مرّةً وأتى بلالاً :
كلّ (3)  زمان الفتى قد لبس      ت خيراً وشرَاً وعُدماً iiومَالا
فـلا الفقرُ كنتُ له iiضارعاً      ولا المالُ أظهرَ منّي iiاختيالا
وقد  طِفتُ للمالِ شرقَ iiالبِلا      دِ وغـربيَها وبلوتُ الرجالا
وزرتُ  الملوك وأهل النّدى      أزول  إلى ظلهم حيثُ iiزالا
فـلو كـنتُ مـتدِحاً للنَوال      فـتىً  لامتدحتُ عليهِ iiبلاِلا
ولـكنّنِي لـستُ ممّن iiيُريدُ      بـمدح الملوك عليه iiالسُؤالا
سـيكفي الكريمَ إخاءُ الكريم      ويـقنعُ بـالوِد مـنهُ iiنَوَالا
  قال : ثمَ نقضها بقوله :
وأمّـا  بـلالٌ فـبئسَ iiالـبِلال      أرانـي  بـه اللهُ داءً iiعُـضالا
فـلو أنّـه قـد كـساه iiالـجُذام      فـجـلَله  مِــن أذاه iiجَــالا
ولو قد جرى في عروق الشؤون      فـأورثـه  بـحّـةً أو iiسُـعالا
لـعـاد بــلالٌ إلــى iiأمـه      مـبـقّعة وضـحـيا iiخـيـالا
هـما الـمعجبان فـأمّا iiالعجوز      فـتؤوي الـنيساء معاً iiوالرجالا
وأمّــا  بـلالٌ فـذاك iiالـذي      يـميلُ معَ الشرب حيث iiاستمالا


*************************************************
(1) يحيى بن نوفل اليمانيُ، من حمير، ويكنى أبا معمر، كان كثير الهجاء ولا يكاد يمدح أحداً، كان في أيّام الحجَاج بالعراق وله أخبار مع بلال بن أبي بردة، توفي نحو سنة 125 هـ . ينظر : ابن قتيبة الدينوريّ، الشعر والشعراء : ج 2، ص 729 _ 730 ، الزركليّ، الأعلام : ج 8، ص 174 .
(2) ذكر أبو هلال العسكريّ نقلاً عن عمر بن شبَة (كان يحيى بن نوفل يمدحه حتى بدا له فجعل هجوه) . ينظر : الأوائل : ص 289 .
(3) ي أخبار القضاة لوكيع، ج 2، ص 32 : (لكلِّ) . (الناشر) .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 352 ـ

فـيصبحُ مـضطرباً نـاعِساً      تخالُ  مِن السُكر فيه iiاحوِلالا
ويمشي ضعيفاً كمشي iiالنّزيف      كأنّ به حين يمشي كسالا (1)
  قال : وقال أيضاً :
أقولُ gمن يُسائِلُ عن بلالٍ      وعـبدِ الله عند نثا الرجَالِ
بـلالٌ  كان ألأمُ مَن iiرأينا      وعـبدُ اللهِ ألأمُ مِـن iiبلالِ
هـما أخوان، أمّا ذا iiفجَونٌ      وأمّا  ذا فأصهبُ ذو iiسبالِ
فـجَونهما  يُشبه نسلَ iiحامٍ      وأصـهبهم  يُشبَهُ بالموالي
وكـان أبـوهما فيما iiرأينا      أسيلَ  الخد مكتسيَ iiالجمال
فقد فضحا أبا موسى iiوشانا      بـنِيهِ  بالبُهُولِ iiوبالضَلالِ
  قال : وقال أيضاً :
تقول  هُشيمةُ فيما iiتقولُ      مـللت  الحياةَ أبا iiمَعمرِ
ومالي  أن لا أملَ iiالحياة      وهـذا بلالٌ على iiالمِنبرِ
وهذا أخوهُ يقودُ الجيوش      عظيمُ السرادق iiوالعسكرِ
رقيقين لا حرمةً iiيعرفان      لـجارٍ  ولا سائلٍ iiمُعترِ
  وقال :
أشـبهت أمّـك يا بلالُ iiلأنهّا      نـزعتك، والأمُ اللَئيمةُ iiتنزعُ
أشـبهتها  شَـبَهَ العبيدِ iiلأمه      فبمثلِ  ما صنعَ العبيد iiتصنعُ
ولـدتك  إذْ ولدتك لا iiمتكرماً      عـفَاً، ولا بـحال ربك iiتقنعُ
ووليت مصراً لم تكن أهلاً له      ومـن الولاية ما يضرُ وينفعُ


*************************************************
(1) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 277 _ 278 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 353 ـ

  قال : وكانت أمُ بلالٍ أمَ ولدٍ) (1) .
  (وقال : حدّثني عبّاس بن الوليد النرسيّ، قال : حدّثنا حمّد أبو عبد الله، عن رجلٍ من بني صبر (2) ، قال : كان بين بني صبير وبني ربيع نزغ، فصرِنا إلى دار بلال، فجيء بابن عون (3) ، فتحدّثنا بيننا : إنمّا جيء به بسبب قتادة (4) ، فجاء قتادة، فقام إليه ابن عون، فقال : يا أبا الخطّاب، اتّقِ الله، فقال : وجدتهُا بدارٍ مَضِيعة :
تعدو الذئاب على مَن لا كلابَ له      وتـتّقي  حوزة المستنفِر iiالحامِي
  وجدتهُا بدارٍ مَضِيعة، ثمَ دخل، فلم نلبث أن دخلنا على بلال، فقال لنا : اخرجوا، وبقيَ ابنُ عون وقتادة، فقال له بلال : طلقْها، فقال : هي طالِق، فقال : طلقْها ثلاثاً، فقال : واحدةٌ تُبِينُها منّي، فقال : أ تعلمُنِي وأنا ابنُ أبي موسى صاحب رسول الله (ص) ، فقال : هي طالقٌ ثلاثاً، فقال : يا أبا الخطّاب هذا شيءٌ أكبرُ مِن هذا ؟ فقال : قد كانت الولاة تؤدبُ في هذا، وتعزر في هذا، فأمَرَ بضربه، ونحن نراه يضربُه سوطين أو ثلاثة، فضربه أربعة وأربعين سوطاً، ونحن نعدُها، ثمَ خرج، قال : قال أبي : وكان عليه إزارٌ صغيرٌ، فكنتُ آوي له من قصره، وإذا الدَمُ يسيلُ) (5) .
  (وأخبرني عبد الله بن الحسن عن النُمَيرْيّ، أنَ قتادة لما ضرُِبَ ابن عون قال له :

*************************************************
(1) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 278 _ 279 .
(2) بنو صبير، هم من بني يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم . كحّالة : عمر رضا : معجم قبائل العرب (دار العلم للملايين، بيروت - 1968 ) : ج 3، ص 1262 .
(3) هكذا ورد اسمُه، ولم نعثر على ترجمته .
(4) قتادة بن دعامة بن قتادة، أبو الخطّاب السّدوسيُ البصريُ، مفسرّ، وصف بأنّه كان أحفظَ أهل البصرة، محدثاً، رأساً في العربيّة وأيّام العرب والنّسب، مات بواسط في الطاعون سنة 117 ، أو 118 هـ . الزركليّ، الأعلام : ج 5، ص 189 .
(5) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 279 _ 280 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 354 ـ

  وأنت أيضاً فتزوَجها سدوسيّة، ويقال : إنَ بلالاً إنمّا يغضب لقتادة ، أنّ بني سَدوس انتقلوا في الجاهليّة إلى بكر بن وائل، وأصلهم مِن الأشعرييّن، وفي ذلك يقول السرّادق الذّهبيُ، ينتمي إليهم وينتفي مِن بكر بن وائل :
وقـومِي  الأشعرونَ وإن نأونى      أحِــنُ  إلـى لـقائهمُ iiحـنينا
فـلو أنـيّ تـطاوعني iiسَدوس      لـزُرنـا الأشـعرين مُـغرّبينا
مـع الـضحّاك وهو إمامُ iiعدلٍ      تـخـيّره  أمـيـر iiالـمؤمنينا
نـكاثر  حـيّ بـكرٍ مـا iiأتينا      مُـكاشرةً ونـأخذ مـا iiهـوينا
وإن عـرضوا لـنا ضيما iiأبينا      ويـمّـمنا مـنـاكب iiأوّلـيـنا
ولـستُ بـبائعٍ قـومي iiبـقومٍ      ولـو أنّـا اعـترينا أو حـفينا
فـيا لـلنّاس كـيف ألوم iiنفسي      وأصلي مِن سرُاة الأشعرينا (1)
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن خلاّد بن يزيد، قال : حدّثني يونس ابن حبيب، قال : أَمَرَ بلال فنُودي : الصّلاة جامعة، فرأيتُ ابنَ عون يُزاحم على باب المقصورة، وقد ضربه بلال وصنع به ما صنع، فاعتطفَ عليه (2) (3) .
  (قال : وخَتَنَ ابنيه عَمْراً وبراداً، فعمل طعاماً كثيراً، ودعا النّاس، ووضعت الموائد، وكان يجلسُ معه على مائدته أربعة، فجاء إعرابيٌ فجلس معه فأكل فشرِقَ، فمات، فأمَرَ به بلالٌ فحُمِلَ إلى أهلِه، وأرسل إليهم بأربعةٍ وعشرين درهماً لكفنه، وتفرّقَ النّاسُ عن الطّعام فلم يؤكَل) (4) .

*************************************************
(1) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 29 .
(2) في تهذيب الكمال للمزي : ج 4، ص 280 : (فاغتظتُ عليه، وقلتُ في نفسي : دقَ اللهُ جنبيك) . (الناشر) .
(3) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 30 .
(4) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 281 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 355 ـ

  قال : وقال المدائنيّ : ووُضع طعامُه مرّةً، فجلس النّاس يأكلونَ، ومعهم قتادة معه قائدٌ له، فلماّ وُضِع الطّعام أذّنَ المؤذنُ للمغرب، فقام النّاس، وقعد قتادة فلم يقُم، ولبث معه قائده، فلحظهما بلال وهو مُغيظ، فلماّ كان بعد أيّام استعدَت امرأةُ قائد قتادة عليه، فقالت : إنّه يضربني، فقال : صدقتِ، وأمَرَ به فضرُِبَ أربعين سوطاً، فكان القائد يقول : ما ضرَبني إلاّ لقعودي على طعامِه آكلُهُ مع قتادة، إلى هنا عن عمر بن شبَة) (1) .
  حدثنا أبو نعيم بن عديّ، حدثنا عمر بن شبَة، حدثنا عبد الوهّاب الثقفيّ، حدثنا أيّوب عن أبي قلابة، عن أنس، قال : أمَرَ بلال أن يُشفَع الأذان ويُوتَر الإقامة) (2)   (وكان بلالاٌ محتالاً خبيثاً . أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ عن أبي زيد، قال : ولى يوسف بن عمر صالح بن كريز أو كروم على العنب، فبقي عليه ثلاثون ألفاً، فحُبس بها، وبلالٌ محبوس.
  فقال له بلال : إنّ على العذاب سالماً، ويلقّب بزنبيل، فإيّاك أن تقوله : وجعل يكرّر زنبيل حتى علقها، فعذّبه سالم، فنسيِ اسمَه وكنيتَه، وجعل يقول : اتّق الله يا زنبيل، فيقول : أقبل، فلماّ خلىّ سبيله، قال له : ألم أنهك عن زنبيل ؟ فقال : وهل ألقاني في الزّنبيل غيرك ؟ أنا لم أعرف ما زنبيل لولاك، وما تدع شرَك في سرّاء ولا ضرّاء) (3) .
  (قال عمر بن شبَة : كان ظلوماً، توفيّ بعد العشرين ومائة) (4)

*************************************************
(1) المزيّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 281 .
(2) الذهبيّ، تاريخ : ج 24 ، ص 131 ، تذكرة الحفّاظ : ج 3، ص 818 .
(3) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 290 ـ 291 .
(4) الخزرجيّ الأنصاريّ، خلاصة تذهيب : ص 53 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 356 ـ

أخبارُ محمد بن سيرين :

  (عمر بن شبَة، حدّثنا يوسف بن عطيّة : رأيتُ ابن سيرين فقيراً عظيمَ البطن، له وَفرةٌ، يفرُق شعرَه، كثيرَ المزاح والضَحِك، يخَضِبُ بالحِنّاء) (1) .
  (حدّثنا أبو زيد عمر بن شبَة بن عبيدة، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو هلال عن غالب، عن بكر بن عبد الله المزيّ، قال : مَن أراد أن ينظرَ إلى أعلم النّاس، ما رأينا ولا أدركنا الذي هو أعلمُ منه، فلينظر إلى الحسن البصريّ، ومَن أراد أن ينظرَ إلى أورع النّاس، ما رأينا ولا أدركنا الذي هو أورع منه، فلينظر إلى محمّد بن سيرين، ومَن أراد أن ينظرَ إلى أوعى النّاس وأجدرهم أن يسوقَ الحديث كما سمعه، فلينظر إلى قتادة (2) ، ومَن أراد أن ينظرَ إلى أعبد النّاس، ما رأينا ولا أدركنا أعبَدَ منه، فلينظر إلى ثابت البنانيّ (3) ، إنّه لَيَظَلُ في اليوم المعمعاني (4) البعيدِ ما بين طرَفَيْه يُرَاوِحُ بين جبهتِهِ وقَدَمَيه) (5) .

خبرُ وفاة الحسن البصري وابن سيرين

  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن زيد بن يحيى، عن أبي عاصم الجرّار، قال : سمعتُ الحسنَ قبل وفاتِهِ عاماً، يقول : أنا ابنُ ثمانٍ أو تسعٍ وثمانين، ومات في يوم

*************************************************
(1) الذهبيّ، تاريخ : ج 7، ص 240 ، سر أعلام النباء : ج 4، ص 607 _ 608 .
(2) قتادة، وردت ترجمته في صفحاتٍ سابقة .
(3) ثابت بن أسلم البنانيُ، يكنى أبا محمّد، كان ثقةً في الحديث مأموناً، توفي في ولاية خالد القرشيّ على العراق . ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 232 ، 233 .
(4) المعمعاني ويُنسب إليها المعمعانيُ، والمعمعان هو شدَة الحر، والمعمعة : صوتُ الحَريق . الفراهيدي ، العين : ج 1، ص 95 ، الزمخشريّ، الفائق في غريب الحديث (ط 1، دار الكتب العلميّة، بيروت - 1996) : ج 3، ص 249 .
(5) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 53 ، ص 204 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 357 ـ

  الجمعة سنة عشر ومائة) (1) .
  (قال أبو زيد : مات الحسن وابن سيرين والفرزدق وجرير في سنة عشر ومائة، فقبرُ الفرزدق بالبصرة، وقبرُ جرير وأيّوب السختيانيّ (2) ومالك بن دينار (3) باليمامة، في موضعٍ واحدٍ) (4) .

أخبارُ ذي الرُمّة (5) الشاعر (ت 117 هـ / 735 م)

  (أخبرني إسماعيل بن يونس، قال : حدّثنا عمر بن شبَة، حدّثنا إسحاق الموصيّ عن الأصمعيّ، قال : قال رجلٌ : رأيتُ ذا الرُمّةِ بمِربَدِ البصَرة، وعليه جماعةٌ مجتمِعةٌ، وهو قائمٌ، وعليه بُرد (6) قيمتُه مائتا دينار، وهو يُنشد ودموعه تجري على حيته:
ما بال عينِك منها الماءُ ينسكبُ
  فلماّ انتهى إلى قوله :

*************************************************
(1) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 6 .
(2) أيّوب السختيانيُ : أيّوب بن أبي تميمة السّختيانيُ، ويكنى أبا بكر، مولىً لعنزة، واسم ابن تميمة كيسان، كان ثِقةً ثَبْتاً في الحديث، جامعاً عدلاً ورعاً، كثيرَ العلم، حجّةً، ولد سنة 86 هـ، وتوفي بالطاعون بالبصرة سنة 131 هـ . ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 246 ، 252 .
(3) مالك بن دينار، ويكنى أبا يحيى، مولىً لبني ناجية بن سامة بن لؤي بن غالب القرشي، من زهّاد التابعين، كان يكتب المصاحف بالأجرة، قيل : إنّه توفي سنة 131 هـ ، وقيل : 123 هـ . ينظر : ابن قتيبة الدينوريّ، المعارف : ص 470 .
(4) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 10 ، ص 390 ، وأكّد أبو الفرج الأصفهاني خَطَأ عمر بن شبَة قائلاً : (وهذا غَلَطٌ من أبي زيد عمر بن شبَة ، أنّ الفرزدق مات بعد يوم كاظمة، وكان ذلك في سنة اثنتي عشرة ومائة) .
(5) وردت ترجمته
(6) بُرد : الرد ثوبٌ مِن بُرود العصب والوشي . الفراهيديّ، العين : ج 8، ص 29 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 358 ـ

تُـصغي إذا شـدّها بالكُور iiجانحةً      حتى إذا ما استوى في غرزِها تثِبُ
  قلتُ : يا أخا بني تميم، ما هكذا قال عمُك، قال : وأيُ أعمامي يرحمُك الله ؟ قلت : الرّاعي (1) ، قال : وما قال ؟ قال : قلتُ : قولُه :
ولا تُعجِل المرءَ قبلَ الورو      ك  وهـيَ بـركبتِهِ أبصرُ
وهـي  إذا قام في iiغرزها      كـمثل  الـسفينة إذْ iiتُوقَرُ
ومُـصغِية  خـدَها iiبالزّما      م فـالرأس منها له iiأصعَرُ
حتى  إذا ما استوى iiطبَقت      كـما طبّق المِسحَلُ iiالأغبرُ
  قال : فأرتج عليه ساعة، ثمّ قال : إنّه نَعَتَ ناقةَ ملِكٍ، ونَعَتُ ناقة سُوقةٍ، فخرج منها على رؤوس النّاس) (2) .

خبرُ الوالي يوسف بن عمر (3) (120 - 127 هـ / 737 - 744 م)

  (وذكر عمر بن شبَة النُميَرْيّ في كتاب أخبار البصرة أنّ يوسف بن عمر وزن درهماً فنقص حبّة، فكتب إلى دور الضرّبِ بالعراق، فضرَبَ أهلَها، فأُحصي في تلك الحبّة مائة ألف سوط ضربها النّاس.
  وكان يوسف مذموماً في عمله، أخرق، سيء السيرة، وكان جواداً، فكان يُطعم

*************************************************
(1) الرّاعي : هو عبيد بن حصين، كان من رجال العرب ووجوه قومه، وكان يقال له في شعره كأنّه يعتسفُ الفلاة بغير دليلٍ، أي أنّه لا يحتذى شعرَ شاعرٍ، ولا يُعارضُه، وكان مع ذلك بذيئاً، هجّاءً لعشيرته . ابن سلاّم الجمحيّ . طبقات فحول الشعراء : ج 2، ص 502 .
(2) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 18 ، ص 40 _ 41 .
(3) يوسف بن عمر بن محمّد بن الحكم بن أبي عقيل، أمير العراقيين وخراسان هشام، ثمَ أقرّه الوليد ابن يزيد، كان جبّاراً عسوفاً، ولي اليمن سنة 106 هـ ، واستمرّ لغاية 120 هـ ، إذْ تولّى العراق، وكان يضُرب بحمقِهِ المثل، فيُقال (أحمقُ مِن أحمقِ ثقيف)، ضرُِب عنقُه بالسّجن سنة 127 هـ ، الزركليّ، الأعلام : ج 5، ص 242 _ 244 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 359 ـ

  النّاس على خمسمائة خِوان(1) ، أقصاها وأدناها سواء، يأكلُ منها الشاميّ والعراقيّ، وعلى كل خِوان فرنية (2) عليها السُكّر، فنفد السُكّر مِن فرنية، فتكلّم أهلُها، فضرب الخبّاز ثلثمائة سوط، والنّاس يأكلون، فكان الخبّاز يتّخذ الخرائط (3) فيها السُكّر، فكلمّا نَفَدَ زادُوا) (4) .

أخبارُ الوالي أبي العاج (5) في البصرة

  (حدّثني عمر بن شبَة عن أبي عاصم النبيل، قال : عدا رجلٌ مِن باهلة على رجلٍ ، من بني ضُبيعة فضربَه، فاستدعى الباهليُون أبا العاج واستعانوا عليه بسَلم بن قتيبة (6) فقال أبو العاج : يأمرني ابنُ قتيبة أن أتعصّبَ على بني ضُبيعة، فو الله ما أحبُ أنّ النّاس

*************************************************
(1) اخِوان : المائدة، معرّبة، والخِوان ما يُوضع عليه الطّعام عند الأكل . ابن منظور، لسان العرب : ج 13 ، ص 146 .
(2) فرنية، الخُبزة المستديرة العظيمة، وهي خبزةٌ مُسلّكةٌ مضمومةُ الجوانب إلى الوسط، يسلّك بعضها في بعض، ثمّ تروى لبناً وسمناً وسكّراً . ابن منظور، لسان : ج 13 ، ص 322 .
(3) الخرائط : مفردها خريطة، مثل الكيس تكون من الخزف والأدَم، تشُرج على ما فيها . ابن منظور، لسان : ج 7، ص 286 .
(4) ابن خلّكان، وفيات الأعيان : ج 7، ص 107 _ 108 ، وردت الرّواية باختصار لدى الذهبيّ، تاريخ : ج 8، ص 396 .
(5) أبو العاج : هو كثر بن عبد الله، ويقال كثير بن فروة، أبو أحمد السّلميّ المعروف بأبي العاج، ولا ولقب بذلك لطول ثناياه، كان من أهل الشام، وكان مسكنُه العراق، واستخلفه عديّ بن أرطأة على واسط، وولاّه يوسف بن عمر البصرة أيّام هشام بن عبد الملك نحو سنة، ثمّ عزله . ينظر : البلاذريّ، أنساب : ج 9، ص 123 ، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 50 ، ص 39 _ 40 .
(6) ورد في الرواية أنّه سَلم بن قتيبة، والصحيح هو مسلم بن قتيبة ، ولعلّه خطأ في النسخ أو الطباعة، وهو مسلم بن قتيبة بن مسلم بن عَمْرو بن الحصين، أبو عبد الله الباهليّ، تولّى البصرة ليزيد بن عمر بن هبيرة في حكم مروان بن محمّد، ثمّ تولاّها أيّام المنصور سنة 146 هـ لمدّةٍ يسيرة، ثمَ عزله وولىّ محمّد بن سليمان، وتوفيّ في الري سنة 149 هـ . ينظر : ابن قتيبة الدينوريّ، المعارف : ص 407 ، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 22 ، ص 146 _ 147 ، 155 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 360 ـ

  كلَهم في الجنّة إلاّ بني ضُبيعة، يا غلام ائتني بسياط عليها ثمارها.
  فقال الباهليّون لسَلم : أصلِح أيهّا الرّجل بيننا، فأصلَح بينهم وانصرفوا، وضُبيعة ابن ربيعة بن نزار، فيقال : إنّ بهُْثَة (1) سُليم هو بهثة ضُبيعة، والله أعلم) (2) .

أخبارُ خالد بن صفوان (3) :

  (حدثنا أبو شعيب، حدثنا أبو زيد، حدثنا الضحّاك، قال : لما خرج وفد أهل البصرة إلى ابن هبيرة (4) ، مرّوا بالكوفة، فاحتجب الأعمش (5) ، فقال خالد بن صفوان أنا أُخرجه، فنادَوا على بابه : يا أعمش، يا أعمش، فخرج مُغضباً، فقال : مَن هذا ؟ فقال خالد : أنا مِن الذين قال اللهُ عزّ وجلَ : {إِنَ الَذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ

*************************************************
(1) بهثَة : بطن من قيس عيلان بن مضر، وهو الذي ينسب إليه بنو سليم، وهم بنو بهثة بن سليم، وبنو بهثة بن حرب بن وهب بن جلي بن أحمس بن ضُبيعة . ينظر : السمعاني، الأنساب : ج 1، ص 420 .
(2) البلاذريّ، أنساب الأشراف : ج 9 ص 123 ، ج 13 ، ص 307 .
(3) خالد بن صفوان بن عبد الله بن عَمْرو بن الأهتم، أبو صفوان التميميّ المنقريّ البصريّ، أحد فصحاء العرب، وفد على عمر بن عبد العزيز وهشام بن عبد الملك، وقبلُ كان يجالس هشام وخالد القرشيّ، قيل : إنّه أدرك السفّاح، ووفاته نحو سنة 133 هـ . ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 16 ، ص 94 _ 95 ، الزركليّ، الأعلام : ج 2، ص 297 .
(4) ابن هبيرة : هو يزيد بن عمر بن هبيرة بن معيّة، أبو خالد الفزاريّ، أصله من الشام، تولّى قنسرين للوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان مع مروان بن محمّد يوم غلب على دمشق، وجمع له ولاية العراق سنة 127 هـ ، قتل بواسط سنة 132 هـ وهو ابن نحو 40 سنة . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 65 ، ص 324 ، 326 ، 335 .
(5) الأعمش : هو سليمان بن مهران، الأسديّ بالولاء، مولى بني كاهل، يكنى أبا محمد، ولد سنة 61 هـ ، كان عالماً بالقرآن والحديث والفرائض، وكان رأساً في العلم النافع والعمل الصالح، توفي سنة 148 هـ . ينظر : ابن حِبّان البستيّ، مشاهير علماء الأمصار : ص 179 ، الزركليّ، الأعلام : ج 3 ، ص 135 .


اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 361 ـ

  يَعْقِلُونَ} (1) ، فلما عرفه الأعمش جلس معه فأطال) (2) .
  (حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا أبو زيد، عن أبي عبيدة، قال خالد بن صفوان : لا تطلبوا الحوائج في غير حينها، ولا تطلبوها إلى غير أهلها، ولا تطلبوا ما لستم له بأهل فتكونوا للمنع أهلاً) (3) .
  (حدثنا عمر بن شبَة، حدّثني الدغل بن الخطاب، قال : بنى أبو نخيلة (4) دارَه فمرّ به خالد بن صفوان، فوقف عليه، فقال له أبو نخيلة : يا أبا صفوان كيف ترى ؟ قال : رأيتُك سألتَ إلحافاً، وأنفقتَ إسرافاً، وجعلتَ إحدى يديك سطحاً، ومأت الأخرى سلحاً، فقلت : مَن وضع في سطحي وإلاّ رميته بسلحي، ثمّ مضى، فقيل له : ألا تهجوه، قال : إذا يقف على المجالس سنة ويصف أنفي لا يعيد حرفاً) (5) .

خبرُ تولي عبّاد بن منصور الناجي (6) قضاء البصرة (127 هـ / 744 م)

  (وذكر عمر بن شبَة أنّه أوّل ما ولي سنة سبع وعشرين، ولاه يزيد بن عمر بن

*************************************************
(1) سورة الحجرات / آية 4 .
(2) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 16 ، ص 110 .
(3) ابن عساكر، المصدر نفسه : ج 16 ، ص 115 .
(4) أبو نخيلة : هو أبو نخيلة بن جوز، ويقال : حزن، بن زائدة بن لقيط بن هدم بن يثربي، من بني زيد مناة من تميم، شاعر من أهل البصرة، كان عاقّاً بأبيه، فنفاه عن نفسه، فخرج إلى الشام واتصل بمسلمة بن عبد الملك، فأحسن إليه وأوصله إلى خلفاء بني أميّة، وبقي إلى أيّام المنصور . ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 7، ص 304 .
(5) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 7، ص 304 .
(6) عبّاد بن منصور الناجي من بني سامة، تولّى أحداث البصرة وصلاتها مع القضاء في حكم مروان ابن محمّد، ولم يزل على ذلك حتى قدم يزيد بن عمر بن هبيرة والياً على العراق سنة 127 هـ ، فتولىّ مسلم بن قتيبة البصرة فعزل عبّاد بن منصور، وقيل : إنَ عبّاد بن منصور تولّى قضاء البصرة زمن المنصور . ينظر : ابن قتيبة الدينوريّ، المعارف : ص 482 ، وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 44.

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 362 ـ

  هبيرة، فلماّ عُزل ووليّ مسلم بن قتيبة عزله وولىّ معاوية بن عمرو (1) ، ثمَ استعفى فأعفاه مسلم وأعاد عبّاد بن منصور وكان يرمي بالقدر ويدلّس فضعّفوه بسبب ذلك) (2) .

موقف والي البصرة سليمان بن علي (3) من الامويين في البصرة

  (أخبرني أحمد بن عبد الله، قال : حدّثنا أحمد بن عبد العزيز، قال : حدّثنا عمر بن شبَة، قال :
  قال سُديف (4) لأبي العبّاس يحضُه على بني أميّة، ويذكرُ مَن قَتَلَ مروان وبني أميّة من قومه :
كـيفَ بـالعفو عـنهُمُ iiوقـديماً      قـتـلوكم وهـتَكُوا iiالـحُرُماتِ
أينَ زيدٌ وأينَ يحيى بنُ زيدٍ (5)      يـا  لـها مـن مصيبةٍ iiوتِراتِ


*************************************************
(1) معاوية بن عَمْرو بن غلاب، من بني نصر بن معاوية، ثِقَةٌ، ولي القضاء ليزيد بن عمر بن هبيرة في البصرة . وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 48 ، ابن حبّان البستيّ، الثّقات : ج 7، ص 470 .
(2) ابن حَجَر العسقلاني، فتح الباري : ج 13 ، ص 125 .
(3) سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس، عمّ المنصور والسّفّاح، كان أحد الأجواد، ولي البصرة من قبل أبي العبّاس السّفّاح، وأضاف إليه كور دجلة والبحرين وعمان سنة 133 هـ ، فأقام بها إلى أن عزله المنصور سنة 139 هـ ، توفي سنة 142 هـ . ينظر : الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 6، ص 162 ، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 1، ص 390 .
(4) سُديف بن ميمون، مولى خزاعة، وكان سبب ادّعائه ولاء بني هاشم أنّه تزوّج مولاةً لآل أبي لهب فادّعى ولاءهم، وقيل : بل أبوه هو كان المتزوّج مولاة اللّهَبيين، فولدت منه سُديفاً، فلماّ يَفَعَ وقال الشعر وعُرِف بالبيان، وحُسن العارضة، ادّعى الولاء في موالي أبيه، فغلبوا عليه، وهو شاعر مُقِلٌ من شعراء الحجاز، ومن مخضرمي الدولتين، وكان شديد التعصّب لبني هاشم، مظهِراً لذلك في أيّام بني أميّة . أبو الفرج الأصفهانيّ، الأغاني : ج 16 ، ص 142 .
(5) يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبٍ، قُتل بخراسان، وكان قد صار إليها حينما قتل أبوه زيد بن عليّ بالكوفة، قتله سالم بن أحوز، بعثه إليه نصر بن سيّار واحتزّ رأسه وأنفذه إلى نصر، فأنفذه نصر إلى هشام، فوصل إليه وهو بالرُصافة، وصلبت جثّته بجوزجان، فلم يزل مصلوباً .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 363 ـ

والإمامُ  (1)  الذي أُصيب iiبحرّا      ن (2)  إمامُ الهدى ورأسُ الثقاتِ
قـتلوا آلَ أحـمدٍ ل عـفا iiالذَن      بَ لـمروانَ غافرُ السيّئاتِ ii(3)

  (أخبرني أحمد بن عبد العزيز، قال : حدّثنا عمر بن شبَة، قال : حدّثني محمّد بن عبد الله بن عَمرو (4) ، قال : أخبرني طارق بن المبارك عن أبيه، قال : جاءني رسولُ عَمْرو بن معاوية (5) بن عَمْرو بن عتبة، فقال لي : يقول لك عَمْرو قد جاءت هذه الدولة (يعني العبّاسية) وأنا حديثُ السّن، كثيرُ العيال، منتشر المال، فما أكون في قبيلةٍ إلا شُهِر أمري وعُرِفت، وقد اعتزمت على أن أفدي حُرَمي بنفسي، وأنا صائرٌ إلى باب الأمير سليمان

*************************************************
حتى ظهر أبو مسلم الخراسانيّ فأمر بجسده فأُنزل، فدعا مسلم بديوان بني أميّة يتصفّح أسماء قتلة يحيى بن زيد ومن سار في ذلك، فمَن كان حيّاً قتله، ومَن كان ميّتاً خلفه في أهله وعشيرته، كان قتله سنة 126 هـ . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 64 ، ص 224 _ 225 ، 228 _ 229 .
(1) الإمام : هو إبراهيم بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم، أبو إسحاق، المعروف بالإمام، عهد إليه أبوه محمّد بن علي بالإمامة من بعده، فرفع أمره إلى مروان بن محمّد الأمويّ، فأخذه وسجنه وقتله في السجن بحرّان . ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 7 ، ص 202 .
(2) حرّان : مدينة عظيمة مشهورة، وهي قصبة ديار مضر، تقع على طريق الموصل والشام والروم، وفيها قال الشاعر سُديف بن ميمون :
قد كنتُ أحسبُني جَلداً فضعضعني      قـبرٌ  بـحرّان فيه عِصمةُ الدينِ
يريد إبراهيم بن محمّد بن علي العبّاسي، وكان مروان حبسه بحرّان حتى مات بالطاعون، وقيل : قتل أواخر سنة 132 هـ . ينظر : ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 3، ص 130 _ 131 .
(3) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 4، ص 344 _ 345 .
(4) محمّد بن عبد الله بن عَمْرو بن معاوية بن عَمْرو بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أميّة، أبا عبد الرّحمن العتبيّ، من أهل البصرة، صاحب أخبار ورواية للأدب، توفي سنة 228 هـ . الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 3، ص 126 ، الذهبيّ، تاريخ : ج 6، ص 367 .
(5) عَمْرو بن معاوية بن عَمْرو بن عتبة بن أبي سفيان، الأمويّ العتبيّ البصريّ . ينظر : الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 11 ، ص 96 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 364 ـ

  ابن عليّ، فصرِْ إليَ، فوافيته فإذا عليه طيلسان (1) مُطبِق أبيض، وسراويل، وشيء مسدول، فقلت : يا سبحان الله ما تصنع الحداثةُ بأهلها ؟ أ بهذا اللباس تلقى هؤلاء القوم لما تريد لقاءهم فيه ؟ فقال : لا والله ولكنّه ليس عندي ثوبٌ إلا أشهَر ممّا ترى، فأعطيتُه طيلساني، وأخذت طيلسانه ولويتُ سراويله إلى ركبتيه، فدخل، ثمَ خرج مسروراً، فقلت له : حدّثني ما جرى بينك وبين الأمير ؟ قال : دخلتُ عليه ولم نتراءَ قطُ، فقلت : أصلح الله الأمير، لفظتني البلاد إليك، ودلّني فضلك عليك، فإمّا قتلتني غانمِاً، وإمّا رددتني سالماً، فقال : ومَن أنت ؟ ما أعرفك! فانتسبتُ له، فقال : مرحباً بك، اقعُد، فتكلّم آمناً غانماً، ثمَ أقبل عليَ فقال : ما حاجتُك يا ابن أخي، فقلت : إنَ الحُرم اللَواتي أنت أقرب النّاس إليهنَ معنا، وأولى النّاس بهنَ بعدنا، قد خِفن لخوفنا، ومَن خاف خِيف عليه، فو الله ما أجابني إلاّ بدموعه على خدّيه، ثمّ قال : يا ابن أخي، يحقِنِ اللهُ دمك، ويحفظك في حُرَمك، ويوفر عليك مالك، ووالله لو أمكنني ذلك في جميع قومِك لفعلتُ، فكن متوارياً كظاهرٍ، وآمناً كخائفٍ، ولتأتِيني رقاعُك، قال : فكنتُ والله أكتب إليه كما يكتب الرّجل إلى أبيه وعمه، قال : فلما فرغ من الحديث رددت عليه طيلسانه، فقال : مهلاً فإنَ ثيابنا إذا فارقتنا لن ترجعَ إلينا) (2) .

أخبارُ القاضي الحجَّاج بن أرطأة(3) (132 هـ / 749 م)

  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن عمر بن عبيدة، أنَ الحجَاج بن أرطأة قال لسوّار :

*************************************************
(1) الطيلسان : ضربٌ من الأكسية، والطيلسان ليس بعربيٍ، وأصله فارسيٌ، إنمّا هو تالشان فعرب . ابن منظور، لسان : ج 6، ص 125 .
(2) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 4، ص 343 _ 344 .
(3) الحجّاجُ بنُ أرطأة : يَظْهَرُ الاختلافُ في ترجمتِهِ. وهو الحجّاج بنُ أرطأة بنِ ثَورِ بنِ هُبيرةَ النَخعيُ، من مِذحج، يكنى أبا أرطأة، قيل : إنّه كانَ من صحابةِ المنصورِ العبّاسي فضمَهُ إلى ولدِهِ المهدي العبّاسي، فلم يزلْ مَعَهُ حتى تويفّ بالرّي أيّامَ المنصورِ، تولىّ قضاءَ البصرةِ فكانَ أوّلَ قاضٍ لبني .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 365 ـ

  قتلني حبُ الشرّف، فقال له سوّار : اتّقِ الله تشَرُف) (1) .
  ( ... قال : حدّثنا عمرُ بن شبّة مِن حِفظه، ونسختُ من كتابٍ لهارون بن الزّيّات بخطّه عن عمر بنِ شبَة، وروايتُهُ أتمّ، فحكيتُ لفظَه، قال : شهِدَ رجلٌ عند أبي العجَاج (2) – وكان على البصرة – على رجلٍ من المُعَيطييّن (3) بشهادةٍ، وكان الرّجلُ الشاهدُ سكرانَ، فقال المشهود عليه - وهو المُعيطيّ - أعزّك اللهُ، إنّه لا يحُسِن أن يقرأ مِن السُكرِ، فقال

*************************************************
العبّاس، وقيل : هو أوّلُ قاضٍ أخَذَ الرشوةَ في البصرة، وكان قد تولىّ القضاءَ مدّةِ شهرٍ واحدٍ فقط، فعزلَهُ سُليمان بن علي . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 2، ص 359 ، وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 50 ، 51 ، 53 ، وقد ورد ذكرُه في رجال الطوسي، وقال : إنّه الحجّاجُ بنُ أرطأة، أبو أرطأة النَخعيُ الكوقيُ، مات في الرّي في زمن أبي جعفر عليه السّام . ينظر : الطوسيُ، رجال الطوسي : ص 133 ، وجاء أنّه (مِن حِسَان محدثي الإماميّة، ومِن خَواص الشيعة، روى عن الإمام الباقر (ع) ، وعُدَ مِن أصحابِ الإمامِ الصّادقِ (ع) . الأمين، أعيان الشيعة : ج 4، ص 562 ، الشبسري، عبد الحسين، الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصّادق (ع) : ج 1، ص 344 ، وقد أكّد السيّد محسن الأمين ( أنّ الكلامَ بشأنِه لا يخلو مِنَ التناقض، ولا يبعدُ أن يكونَ الحاملُ على ذمه مِن التحامل) ، وأشار إلى أنَ الأصمعيَ هو مَن رَماهُ بالرشوةِ، وقال :( متى كانَ الأصمعيُ مّن يُقبَل قولُهُ في الرُواة جَرحاً وتعديلاً، خصوصاً إن كانُوا مِن أتباع أهلِ البيتِ المعلوم انحرافُه عنهم) . ينظر : أعيان الشيعة : ج 4، ص 564 ، بينما يشكك السيدُ الخوئيُ في كونِهِ مِن أصحابِ الإمامينِ الصّادقِ والباقر (ع) ، قال : (ذِكرُهُ في أصحابِ الصّادقِ (ع) يناقضُ موتَهُ في زمانِ الإمامِ الباقر (ع) ، ولا يبعد أن تكونَ جملةُ (عليه السّام) الواردة في القول ( ماتَ في الرّي زمان أبي جعفرٍ عليه السّام ) زيادةً من النُسّاخ، ويكونُ المرادُ مِن أبي جعفرٍ، المنصور لا الباقر واللهُ أعلمُ . ينظر : السيّد الخوئيُ، معجم رجال الحديث : ج 5، ص 212 ، وبدورنا نؤيّدُ ما قالَه السيّدُ الخوئيُ، ونرجح كونه من رجالات بني العبّاس، ومن أصحابِ أبي جعفر المنصور، ومات في أيّامه، وليس مِن أصحاب أبي جعفر الباقر (ع) ، وما ورد بشأنِهِ فهو من قبيل التّصحيف والخَلط، واللهُ أعلمُ .
(1) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 50 .
(2) ذكر أبو الفَرج الأصفهاني اسمَ القاضي هكذا (أبو العجّاج) ، ولعلَهُ تصحيفٌ، ويقصدُ به الحجّاج ابن أرطأة، إذْ لا يوجدُ قاضٍ بصريٌ يُعرف أو يكنى بأبي العجّاج .
(3) المُعَيطي : نسبة إلى مُعَيط من أولاد عقبة بن أبي مُعَيط . ينظر : السّمعانيُ، الأنساب : ج 5، ص 350 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 366 ـ

  الشاهد : بلى إنيّ لأُحسِنُ، فقال : إقرأ، فقال :
علِقَ القلبُ iiالرّبابا      بعدَما شابتْ وشابا
  قال : وإنمّا تماجَنَ بذلك على المُعَيطيّ، ليحكيَ به ما صنعَ الوليدُ بن عقبة في محراب الكوفة، وقد تقدّم للصلاة وهو سكران فأنشدَ في صلاتِهِ هذا الشعر، وكان أبو العجَاج محمَقاً (1) ، فظنَ أنَ هذا قرآن، فقال : صدق اللهُ ورسولُه، ويلَكُم كم تعلمونَ ولا تعملونَ ...) (2) .

*************************************************
(1) الحُمق : قلّةُ العقل . الجوهريّ، الصحاح : ج 4، ص 1464 .
(2) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 5، ص 141 .
والروايةُ نقلَها ابنُ أبي الحديد، في شرح نهج البلاغة : ج 17 ، ص 231 ، عن أبي الفرج - أيضاً - ولكنَه زادَ في بعضِ ألفاظِها، وغيرَ فيها، فهارون بن الزَيّات عند أبي الفرج، هارون بن الرَباب عنده، وفي رواية أبي الفرج لا توجد إشارةٌ صريحةٌ إلى كون أبي العجّاج المذكور قاضياً، إذْ أشار إليه ب - كان على البصرة -، فهل هُوَ على ولايتِها، أو على شرَُطها، أو على الحوادث والصّلاة ؟، وغير ذلك، ومِن ثمَ فإنَ نسبةَ الرواية إلى الحجّاج بن أرطأة لاحتمال التصحيف في اسمِهِ مع أبي العجّاج لا يستقيمُ خصوصاً إذا لحظنا ما تُصَورُهُ الرواية من كونه أحمقَ لا يعلمُ من القرآنِ شيئاً فيخلُطُهُ بالشعر، وقد تقدّم الاختلافُ في حال الحجّاجِ بن أرطأة، ومع غض النظرِ عن كونِهِ من أصحابِ المنصور العبّاسي، أو مِن أصحابِ الإمام الباقر (ع) ، فقد ذُكِر عنه أنّه كان حافظاً فقيهاً لا يوجدُ أحفَظ منه، والعلماء آنذاك جثاةٌ على ركبِهم عنده يسألونه، وغير ذلك من أحواله. ينظر : الأمين، محسن، أعيان الشيعة، طبعة دار التعارف للمطبوعات، بيروت، ط 5 ، 2000 م : ج 7 ، ص 291 _ 295 ، ما يُستبعَدُ جدّاً معه أن يحُمَل عليه ما ذُكِرَ في متنِ الرواية، واللهُ أعلمُ ... ( الناشر ) .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 367 ـ

عمر بن عامر(1) وسوار بن عبدالله العنبري (2) على قضاء البصرة (137 هـ / 754 م)

  (فأخبرني عبد الله بن الحسن عن أبي زيد، عن أخيه معاذ، عن قريش، قال أنس استقضى سليمان بن عليّ سواراً وعمر بن عامر جميعاً، فتنازع إليهما رجلٌ في جارية اشتراها، فردَها بعيبٍ، فقضى عمر بن عامر بقضاء أهل المدينة أنّ الخراج بالضمّان، وقضى سوار أن يردَها وما استُغِلَ منها، فلماّ اختلفا عَزَلَ سليمان سواراً، وأقرَ عمر بن عامر) (3) .
  (وقال عمر بن شبَة : سمعتُ أبي يقول : تقدّم خالد بن يوسف التميميّ (4) إلى عمر ابن عامر في منازعةٍ، وكان رجلاً بادناً، فأمر بإقامته (5) ، فعنَفَ به الذي أقامه، فأظهر مِن جسدِه شيئاً فأصبح ميتاً، فخرج بجنازتِهِ، وتبعَه صوارخُ يصرخنَ : وا قتيلَ عمراه، فجزع مِن ذلك جزعاً فاحشاً، فجعل يدعو بالموت والرّاحة من القضاء، فلم ينشب أن مات فُجأةً) (6) .

*************************************************
(1) عمر بن عامر السّلمي، أبو حفص البصريّ، تولّى قضاء البصرة سنة 137 هـ ، توفي 139 هـ ، قيل : إنّه مات فُجأةً . الذهبيّ، الكاشف : ج 2، ص 63 ، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 7 ، ص 410 .
(2) سوّار بن عبد الله بن قدامة، من بني العنبر، أبو عبد الله التميميّ، تولّى قضاء البصرة سنة 138 هـ ، وقيل : 140 هـ ، مدة 17 سنة، وولي صلاة البصرة مرّتين، ومات وهو أميرها وقاضيها . ابن قتيبة الدينوريّ، المعارف : ص 590 ، وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 57 .
(3) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 55 .
(4) لم نعثر على ترجمته .
(5) إقامته : مِن إقامةِ الحدّ، يحدُه حدّاً، أي أقام عليه ذلك ، ابن منظور، لسان العرب : ج 3، ص 140 .
(6) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 55 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 368 ـ

خبرُ القاضي طلحة بن إياس العدوي (1) (138 هـ / 755 م)

  فأخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن خلاّد بن يزيد، قال : لما مات عمر ابن عامر شاور سُليمان بن عليّ البتّيّ (2) في قاضٍ يولّيه، فاستعفاه مِن المشوَرَة، فأعفاه، ثمّ بلغ البتّيّ أنَ سليمان يميلُ في وهب بن سوار بن زهدم الجرميّ وفي آخر، فأتاه : إنّك كنت شاورتني في رجلٍ توليه فاستعفيتك من ذلك، وكان واسعاً لي، وخيّل أنّه لا يسعني اليوم، وذلك أنّه بلغني أنّك تميلُ إلى فلان وفلان، فإن كنتَ لا بُدَ مولياً فعليك بطلحة بن إياس العدويّ، فإنَه رجلٌ قد وليَ فُحُمِد، فلماّ كان بعد ذلك كلّمه معروف ابن سويد (3) ، أو بعضُ خاصِّ سليمان في أمرٍ من الحكم فخالفه، فأتى البتّيّ، فقال : ما رأيتُ مثل ما لقيتُ منك لقيةَ جليسٍ من جليس، قال : وما ذاك ؟ قال : أتخطّى القبائل والمساجد، وأتخطّى حَلَق المسجد حتى أجلس إليك فأشرت فولّيت، ثمَ سئلت ما لا يحلّ لي، قال فما منعك أن تفعل ؟ قال : الله يمنعني ومخافته، قال : الله! فو الله لا يزيدونَك على أن عزلوك فتعود إلى ما كنتَ عليه، قال : فو الله لكأنمّا كشف عن وجهي غطاءً، فمضى لرأيه يعدل) (4) .

*************************************************
(1) طلحة بن إياس بن زهير بن حيّان العدويّ، تولّى قضاء البصرة بعد عمر بن عامر . وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 56 .
(2) البتّيّ : هو عثمان بن سليمان بن جرموز، كان صاحب رأيٍ وفقهٍ، من أهل الكوفة، وانتقل إلى البصرة فنزلها، وكان مولىً لبني زهرة، ويكنى أبا عَمْرو، وكان يبيع البتوت، فقيل : البتّيّ . ابن سعد، الطبقات الكبرى : ج 7، ص 257 .
(3) معروف بن سُويد الجذامي، مولى عليّ بن عبد الله بن عبّاس، أبو سلمة البصريّ، توفي قبل الخمسين ومائة . ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 9، ص 346 ، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 10 ، ص 208 .
(4) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 56 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 369 ـ

أخبار القاضي سوار بن عبدالله العنبري (تولى سنة 138 هـ (1) / 755 م)

  (كان فقيهاً، ولاّه جعفر القضاء سنة ثمان وثلاثين، وبقي على القضاء إلى أن مات وهو أمير البصرة وقاضيها، وكذا قال عمر بن شبَة في تاريخ البصرة : إنّ المنصور ضمَ إليه الإمرة مع القضاء في سنة ستٍ وخمسين ومائة، وفيها مات) (2) .
  (أخبرني عبد الله بن أبي مسلم عن النُميَرْيّ، عن أحمد بن معاوية، قال : حدّثني بعضُ المحدثين، قال : مات هميم بن عيّاض بن سعد العنبريّ وترك ثلاثة بنين من أم ولدٍ له سقلابيّة، وابناً من بنت عمٍ له، وابنة، وكان المهيرة (3) يسمّى عيّاضاً، وكان أكبرهم، فقالوا له : اقسِم بيننا أموالنا، فقال : لي نصيبان ولكم نصيب، فأبَوا وأتَوا سوّاراً، فهو أوّل يومٍ جلس فيه للقضاء، فقال أكبر الثلاثة، وهو جَهْوَر :
قــولا لـسوار بـني عَـنرٍ      أنت امرؤٌ تقضي بفصلِ القَضا
مــات  أبـونا ولـه iiلـهوةٌ      مـن  نَـعَمٍ دثـرٍ كـبيرٍ وشَا
يـظـلمُنا  مـيـراثَنا جـهده      وأنـت قـاضينا فماذا ترى ii؟
  فقال له سوّار : كم ترك أبوك مِن الولد ؟ قال : ثلاثة لأم ولد، وواحد لمهيرة، قال : فهل مِن وارثٍ غركم ؟ قال : لا، إلاّ ابنة له مِن أمةٍ سوداء، فقال سوار : القسم بينكم سواء، للرّجل مثلُ حظ الأنثى مرّتين، قال عيّاض : بالله ما رأيتُ كاليوم قطّ يأخذ بنو الأمة كما آخذ، قال : بذلك نزل كتابُ الله، قال : وتأخذ بنت السّوداء كما آخذ، فقال :

*************************************************
(1) ذكر أنَ سواراً تولّى القضاء للمرّة الأولى من 138 - 145 هـ ، وعندما تغلّب إبراهيم بن عبد الله الحسنيّ على البصرة سنة 145 هـ استقضى عبّاد بن منصور الناجيّ، وبعد قتل إبراهيم وقمع ثورته أعاد المنصور سواراً عام 145 هـ على قضاء البصرة، وظلّ قاضياً عليها إلى وفاته سنة 156 هـ . ينظر : وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 56 ، 81 .
(2) ابن حَجَر العسقلاني، لسان الميزان : ج 3، ص 127 .
(3) المهيرة : الحرّة، والمهائر الحرائر . ابن منظور، لسان : ج 5، ص 186 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 370 ـ

  
نُــبّـئـتُ ســـوّاراً قــضـى iiأنّــنـي      وجَــهْــوَراً فـيـمـا ورثــنـا iiسَـــوَا
فـقـلـتُ : مــهـلاً لــيـس ذا iiهــكـذا      أخــطـأتَ  يــا ســوّار فَـهْـم iiالـقَـضَا
ســيّــان  حــــرٌ أُمُــــهُ iiحُـــرّةٌ      وقَــيْـنـةٌ أُمّــهــم مــــل iiأمــــا
أبــــي أبــوهــم وأبــوهـم iiأبـــي      وخــالـهُـم أحــمـرُ عــبـدُ الـعـصـا
نــحــن  لا مــيــز فــقـل iiبـيـنـنا      مـقـالـةً يــرضـى بــهـا ذو iiالـتّـقـى
لا تـجـعـلـنْ مَــــن أُمُـــه iiحُـــرّة      وخــالُــه أبــيـضُ رُحـــب iiالـفـنـا
كأحمر الخال قليل الجدا سقلالب تنميهِ إذا ما انتمى
أخــوالـهـم  صــفـرٌ لــهـم أوجـــهٌ      يــكـرهـهـا  اللهُ وأهــــلُ iiالــسَـمـا

  فقال له سوّار : لم أتيناه ولكن سمعته، انهض يا عيّاض، فكتابُ الله قضى عليك، قال : واللهِ لا أرضى بما تقول، وما في كتاب الله أنْ أُجعَلَ سواءً وبني الحمراء، قال : إيّاك أن تعدو ما آمرك به فأجعلُ السجنَ لك داراً، قال : والله ما رأيتُ قاضياً أشدَ تعصّباً منك للحُمرة والشُقرة، فقال له جَهْوَر : ويلَك يا عيّاض، لو كان ذا تعصّباً لم تعطَ بنت نسحة شيئاً - يعني أختهم - قال : والله لا نعطيها شيئاً ولو جهد جهداً، وما ترى ذلك لها، فقال جَهْوَر : بلى والله، أليس كذلك قلت : يا أخا بني العَنبر ؟ قال سوّار : بلى والله قاله، ثمَ أمر بعض إخوانه فقسم بينهم، فقال عيّاض :
قـضيت  بـغير الحق سوّار iiبيننا      وسوَيتَ بين الزنج والشُقر iiوالعَرَبْ
نـسيتَ  قـضاءَ النّاس حين وليته      وماشَيت نصَاً صيرَّ الرأسَ iiكالذَنَبْ
أسـأتَ أ يـا سوّار صيرّتَ iiماجداً      كـريمَ المحيَا فاضلَ الرأي iiوالأَدَبْ
وأشـقر  صـفياناً وسـوداء iiجعدة      مـحدّدة الأنـياب مـأفونة الحسَبْ
فـو  اللهِ ما وُفّقْتَ للحق في iiالذي      قضيتَ ولكن جِيت والله بالكَذِبْ (1)

*************************************************
(1) وكيع، أخبار القضاة: ج 2، ص 77 ـ 78 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 371 ـ

  (وأخبرني عبد الله عن النُمَيرْيّ، عن عبد الله بن سوّار قال : كان أبي يغدو من داره فيصليّ الغداة بأهل المسجد الجامع، ثمَ يُقيم في دار الإمارة، ويصليّ الصّلوات بالنّاس، حتى إذا صلّى العَتَمَة جاء إلى منزله فبات فيه، ثمَ يغدو بغَلَس، قال : فغدا يوماً ومعه خادمه حيّان، فلماّ كان في زقاقِ الأزرق، إذا هو برجلٍ قد تغشّى امرأةً، فلماّ غشيها وثَبَ الرّجلُ فسعى، وسعى حيّان في أثره ليأخذَه، فصاحَ به أبي فردَهُ وقال : ما لَكَ ولَه ؟ لعلَها امرأتُهُ، لعلَها أَمَةٌ لقومٍ قد شغلوها عنه، فهو لا يقدر عليها إلاّ في هذا الوقت ) (1) .
  (فأخبرني عبد الله بن الحسن عن النُمَيرْيّ، عن عبد الواحد بن غياث، قال : حدّثني يسار بن محدوج، قال ضاربت سراجاً (2) النحويّ وخرجت إلى الصيّن (3) ، وكنت زوج أختِهِ، فادّعى إلى العرب، فقال لي ابنُه وهو غائبٌ بسيراف (4) : إنّه بلغني أنّ أبي ادّعى إلى العرب، فاكتُب ما أملي عليك : أمّا بعدُ، بلغني أنّك ادّعيتَ إلى العرب، وأنا ابنُك، وفلانٌ أبوك، فمِن أينَ جاءتك العربيّة، لا بارك الله لَكَ ؟ قال يسار : فلماّ قدمت أتيتُ سوّاراً فصحتُ به أسألُهُ أن يدعوَ أبي، فدعاني، فقال : ألستَ ابنَ محدوج ؟ قلتُ : بلى، قال، فما لَكَ ؟ قلتُ : قدمت بمال السراج وقد مات وترك صبيةً صغاراً، فأردتُ أن تقبضَه منّي قال : كم هو، أعشرة آلف ؟ قلتُ : أكثر، فما زال يزيد حتى بلغ خمسين ألفاً، فقلت :

*************************************************
(1) وكيع، المصدر نفسه : ج 2، ص 79 .
(3) لم نعثر على ترجمةٍ له، واحتمالُ كونِه ابنَ السرّاج النحويّ، أبا بكر محمّد بن السري إمام النّحو، بعيدٌ ، لأنّه مات في الكهولة سنة (316 هـ) ، وقيل سنة (310 هـ )، ينظر : ابن النديم، الفهرست، ص 67 ، السّمعانيّ، الأنساب : ج 3، ص 421 ، الذهبيّ، سير أعلام : ج 14 ، ص 483 . والحادثة زمن القاضي سوَار الذي توفيّ سنة 156 هـ . ينظر هامش (3) من صفحة 388 من الكتاب .
(4) الصيّن : بلادٌ في بحر المشرق مائلة إلى الجنوب، وشماليها الترك، وأهلُها بين الترك والهند . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 5، ص 215 .
(5) سيِراف، مدينة جليلة على ساحل بحر فارس، كانت قديماً فرضة الهند . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 5، ص 103 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 372 ـ

  أكثر، فقال : كم هو ؟ فقلتُ : سبعمائة ألف، ففتح عينيه، وقال سبعمائة ألف ؟ ! قلتُ : نعم، قال : نرى إلى غدٍ حتى أدعوَ بك، فراءيتُ له من الغدِ فدعاني، فقال : يا يسار ، لقد أسهرتني اللَيلة، وقد فكّرت في هذا المال، رأيتُك ضربت به كبد البحر، ثمّ أتيت به بلدك، فجئتني ولا شاهدَ عليك، تسألُني أن أقبضَه منك، ولم أرَ أحداً أحقَ به منك، فأمسكه، ولكن ائتني بابنِ أخيكَ صاحب الأذنين حتى أضمنَه، قال : فجئتُه فضمنته وإيّاه، ثمَ جعل يشتري به لولد سراج الأرَضين حتّى أنفدَهُ) (1) .
  (قال النُمَيرْيّ : وحدّثني أبو يعمر، قال : شهدت كتاب سوّار إلى زُفر بن الهُذيل (2) : سلامٌ عليكم، فإنيّ أجمد اللهَ إليك الذي لا إلهَ إلاّ هو، وأوصيك بتقوى الله، وكفى بالله حسيباً وجازياً ومثيباً) (3)
  (قال : وحدّثني محمّد بن عبد الله بن حمَاد الثقفيّ، قال : قال أعرابيٌ لسوّار :
لَـو كـنتَ مـن لـبنٍ لكنتَ iiرثيّة      أو كنتَ خبزاً كنتَ خبزَ الكَرنجِ (4)
  قال : فبلغني أنّه أنشدَ سوّاراً، فلم يقبل له شيئاً) (5)   (قال : وحدّثني الحكم بن النضر، قال : حدّثني الحرُ بن مالك بن الخطاب، قال :

*************************************************
(1) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 81 _ 82.
(2) زفر بن الهذيل بن قيس بن سلم العنبريّ، ويكنى أبا الهذيل، سمع الحديث، ونظر في الرأي، فغلب عليه، ونسب إليه، فقيه، وصاحب أبي حنيفة، وهو أكبر تلامذته، وكان مّن جمع بين العلم والعمل، مات بالبصرة سنة 158 هـ . الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 8، ص 38 ، 39 41 .
(3) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 82 .
(4) خبز الكرنج : لم نعثر على توضيح هذا النوع من الخبز، وربمّا التكرج وليس الكرنج، والتكرج الذي يقع على الطعام، وكرج الشيء إذا فسد، والكارج : الخبز المكرّج، وتكرّج، أي : فسد، وعَلَتْهُ خضُرة . ابن منظور، لسان العرب : ج 2، ص 352 .
(5) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 82 _ 83 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 373 ـ

  دخلت على سوّار وهو موجَعٌ مِن بطنه من طعامٍ أكلَه، فقلتُ له : عندي نبيذ بسر (1) قد اشتدّ، فقال : أيتني منه بقدحٍ، فأتيتُه، فقال : ضعه واخرُج إلى الحَكَم، فقل له : كذا وكذا فخرجتُ، ثمّ دخلتُ والقدحُ فارغٌ، فقلتُ له : أتيتُك بقدحٍ فبعثتني في حاجةٍ، ثمَ رجعتُ والقدحُ فارغٌ، وليس في البيت غيرُك، فمَن شرِبه ؟ فقال : أمّا أنتَ فلا تشهد على أنّك رأيتنِي شرِبتُه ؟ ) (2) .
  (وقال : قال أبو المنهال عيينة بن المنهال : كان سوّار لا يجيزُ شهادةَ مَن يشربُ النبيذ وأنشدَ لبعضهم :
لا تشهدنّ على صكٍ إذا iiحضروا      مِـن الـشهادة إلاّ رهـط iiعماّرِ
ويـتركون رجـالاً في iiمجالسهم      ذوي  أنـاةٍ وأحـلامٍ iiوأخـطارِ
أمّـا الـنبيذُ فـإنيّ لستُ iiتاركَه      ولا شهادةَ لي في حكم سوّارِ (3)
  وأخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن محمّد بن عبد الله بن حمَاد الثقفيّ، قال : كان سوّار يمرّ علينا يمشي، وهو أمير البصرة وقاضيها، وحدَه، عليه رداءٌ يمانيٌ أسودُ، ما معه عبدٌ ولا جندٌ ولا أحدٌ مِن النّاس) (4)

*************************************************
(1) بسُرْ : والواحدة بسُرة، والجمع بسُرات، وأَبسرَ النخل، صار ما عليه بسُراً، فأوّله طَلْع، ثمّ خَلال، ثمّ بَلَح، ثمّ بسُرْ، ثمّ رُطَب، والبسُر أن خلط البسُر مع غيره في النبيذ . ينظر : الجوهريّ، الصحاح : ج 2، ص 589 .
(2) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 83 .
(3) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 83 .
(4) وكيع، المصدر نفسه : ج 2، ص 84 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 374 ـ

خبرُ قتل ابن المقفَع (1) (142 او 143 هـ / 759 - 760 م)

  (وفي كلام عمر بن شبَة في كتاب أخبار البصرة ما يدُلُ على أنّ ذلك كان في سنة اثنتين وأربعين ومائة، أو ثلاث وأربعين) (2) .

صاحب شرطة والي البصرة اسماعيل بن علي (3) (143 هـ / 760 م)

  (حمزة بن موسى بن أنس، رجلٌ معروفٌ، وفي الشرطة على البصرة إسماعيل بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس أيّام إمرته عليها، ذكره عمر بن شبَة) (4) .

*************************************************
(1) ابن المقفّع : عبد الله بن المقفّع، أحد البلغاء الفصحاء، ورأس الكتّاب، وأولي الإنشاء، كان من مجوس فارس، فأسلم على يد الأمير عيسى عمّ السّفّاح، وكتب له واختصَ به، وكان يُتّهَمُ بالزندقة، غضب منه المنصور لأنّه كتب في توثيق عبد الله بن عليّ من المنصور، يقول : (ومتى غدر بعمه فنساؤه طوالق، وعبيده أحرار، ودوابّه حَبْس، والنّاس في حلٍ مِن بيعتِهِ) ، فكتب إلى عامله سفيان المهلّبيّ يأمره بقتل ابن المقفّع. الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 6، ص 208 _ 209 .
(2) ابن خلّكان، وفيات الأعيان : ج 2، ص 153 .
(3) إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب، أبو الحسن الهاشميّ، عمّ السفّاح والمنصور، كان معهم بالحميمة، وخرج معهم لطلب الخلافة، تولّى إمرة البصرة سنة 137 ، وحجّ بالنّاس سنة 142 هـ، ثمّ ولىّ المنصور سوّار بن عبد الله العنبريّ الأحداث مع القضاء والصلاة في البصرة، فلماّ مات، ولي إسماعيل بن عليّ بن عبد الله البصرة للمرّة الثانية سنة 143 هـ ، ثمّ شخص إسماعيل واستخلف محمّد بن سليمان، وتولي سنة 147 هـ . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 9، ص 24 _ 26 .
(4) ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 10 ، ص 338 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 375 ـ

خبرُ قدوم ابراهيم بن عبدالله الحسني (1) الى البصرة ، واعلانُ ثورتهِ (143 _ 145 هـ / 760 _ 762 م)

  (قال عمر (2) ، حدّثني أبو نعيم الفضل بن دكن، قال : حدّثني مطهر بن الحارث، قال : أقبلنا مع إبراهيم من مكّة نريد البصرة، ونحن عشرة، فصحِبنا أعرابيٌ في بعض الطريق، فقلنا له : ما اسمُك ؟ قال : فلان بن أبي معاد الكلبيّ، فلم يفارقنا حتى قربنا من البصرة، فأقبل عليَ يوماً، فقال : أليسَ هذا إبراهيم بن عبد الله بن حسن، فقلتُ : لا، هذا رجلٌ من أهل الشام، فلماّ كنّا على ليلةٍ مِن البصرة، تقدّم إبراهيم وتخلّفنا عنه، ثمّ دخلنا من غدٍ) (3) .
  (قال عمر : وحدّثني أبو صفوان نصر بن قديد بن نصر بن سيّار، قال : كان مقدم إبراهيم البصرة في أوّل سنة 143 هـ منصرف النّاس مِن الحجّ، فكان الذي أقدمه وتولىّ كراءة وعاد له في محمله، يحيى بن زياد (4) بن حسّان النبطيّ، فأنزله في داره في بني ليث، واشترى له جارية أعجميّة سنديّة، فأولدَها وَلَدَاً في دار يحيى بن زياد) (5) .

*************************************************
(1) إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، يكنى أبا الحسن، خرج بالبصرة غرّة شهر رمضان سنة ( 145 هـ )، كان مقتله بعد مقتل أخيه محمّد في ذي الحجّة من السنة نفسها ، ينظر : العلويّ، المجدي في أنساب الطالبيّن (تحقيق : د . أحمد المهدوي الدامغاني، ط 1، قم - 1409 ) : ص 42 ، الزركليّ، الأعلام : ج 1، ص 48 .
(2) عمر، هو عمر بن شبَة النُمَيرْيّ، وما يجدر ذكره أنّ عمر بن شبَة النُمَيرْيّ صنّف كتاباً في (أخبار محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن) ، ينظر : الباب الأول، الفصل الأول (مؤلَفات عمر بن شبَة) .
(3) الطبريّ، تاريخ، ج 6، ص 241 ، وورد نص الرواية باختصار عند أبي الفرج الأصفهانيّ عن (يحيى ابن علي بن يحيى المنجم عن عمر بن شبَة) ينظر : مقاتل الطالبين، ص 112 .
(4) يحيى بن زياد بن حسّان النبطيّ، لم نعثر على ترجمته، وتوجد ترجمة لزياد بن حسّان النبطيّ . ينظر : البخاري، التاريخ الكبير : ج 3 ، 35 .
(5) الطريقّ، تاريخ : ج 6، ص 241 .