فرحاً بما أخبره المعلم، فقال : يا أبا واثلة أ حقٌ ما قال المعلمُ لي ؟ قال : نعم، شَبَهُهُ فيك وشَبَهُكَ فيه أبنُ مِن ذلك، فادّعى الرّجل الغلام ونسبَه إلى نفسه) (1) .
  (وقال عمر بن شبَة، عن أبي الحسن المدائنيّ : نظر إياس إلى ثلاثِ نسوةٍ فزعْنَ من شيءٍ، فقال : هذه حامل، وهذه مُرضع، وهذه بِكْر، فقام إليهنَ رجلٌ فسألهنَ، فوجدهُنَ كما قال، فقيل له : مِن أينَ علِمتَ ؟ قال : لمّا فزعْنَ وضعَت كلُ واحدةٍ يدَها على أهم المواضع لها، وضعت المرضعُ يدَها على ثديها، والحاملُ على بطنِها، والبِكْر على أسفلِ مِن ذلك) (2) .
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُمَيرْيّ، عن عبد الصّمد بن عبد الوارث، عن أبيه، قال : حدّثني شكن أبو قبيصة كاتب إياس بن معاوية، قال : كان إياس يقول في الرّجلِ يطلقُ المرأة وقد أحدثت في بيتها أشياء : ما كان من متاع المرأة فهو لها إلاّ أن يقيمَ الرّجلُ البينة أنّه له، وكان إياس يقول في المهر الآجل والعاجل : إنْ دخلَ بها فزعمت أنّه لم يدفع إليها العاجل تأخذه لها والآجل ليس لها أن تأخذَه به إلاّ أن يفرّق موتٌ أو طلاق) (3) .
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، قال : حدّثنا عفّان، قال : حدّثنا حمَاد، قال :

*************************************************
(1) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 368 _ 369 ، المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 428 .
(2) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 429 .
(3) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 336 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 327 ـ

  سمعتُ إياس بن معاوية يقول في الذي به الفالج (1) والجذام (2) والبرص (3) ، ويذهب ويشتري ويبيع، قال : يجوزُ طلاقُه وشراؤه وبيعُه، قال : وسمعتُ إياساً يقول : مَن زوّج غائباً فهو ضامن حتى يقدم، وإذا زوّج رجلٌ رجلاً، فقال : أنا بريءٌ مِن الصَداق فهو ضامنٌ، وإن اشترط رضى غائب فلَه شرطُه) (4) .
  (وأخبرني عبد الله بن الحسن عن النُمَيرْيّ، عن موسى، عن أبي هلال، عن أشعث، قال : وجاء رجلٌ إلى الحسن، فقال : يا أبا سعيد إنّ إياساً ردّ شهادتي، فانطلق الحسن معه قال : فلقي إياساً، فقال : ما حملَك على أن رددت شهادة هذا ؟ أمَا بلغك أنَ رسول الله (ص) قال مَن استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم، له ذمّةُ الله وذمّةُ رسوله، فقال له الآخر : أيهّا الشيخ إنّ الله يقول : {ممِنَْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُهَدَاءِ} (5) ، وإنَ صاحبَك ليس ممّن يُرضى مِن الشُهداء) (6) .
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُمَيرْيّ، عن محمّد بن حاتم، عن إبراهيم بن مرزوق، قال : جاء رجلان إلى إياس بن معاوية يختصمان في قطيفتين (7) ، وهو قاضٍ،

*************************************************
(1) الفالج : ريح يأخذ الإنسان فيذهب بشقه، وهو داء معروف يُرخي بعض البدن، والفَلج : الفَجَح في السّاقين، وأصل الفلج النصف من كل شيءٍ، ومنه يقال : ضربه الفالج في الساقين . ابن منظور، لسان العرب : ج 2، ص 346 .
(2) الأجذم : المقطوع اليد، والجذام من الأمراض المعدية، وكانت العرب تتطير منه وتتجنّبه . ابن منظور، لسان العرب : ج 12 ، ص 82 ، 88 .
(3) البرص : داءٌ معروفٌ، وهو بياض يقع في الجسد . ينظر : ابن منظور، لسان العرب : ج 7، ص 5 .
(4) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 336 .
(5) جاء في سورة البقرة قوله تعالى : {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإنِْ لمْ يَكُونَا رَجُليَنِْ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ممَِنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُهَدَاءِ} ، آية/ 282 .
(6) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 337 .
(7) القطيفة : دثار مخمّل، وقيل : كساءٌ له خمل، والجمع قطائف . ابن منظور، لسان العرب : ج 9 ، ص 286 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 328 ـ

  إحداهما حمراء والأخرى خضراء، فقال أحدهما : دخلتُ الحوض أغتسل ووضعت قطيفتي، وجاء هذا فوضع قطيفته بجنب قطيفتي، ثمَ دخل فاغتسل فخرج قبلُ، فأخذ قطيفتي فمضى بها، ثمَ خرجتُ فاتّبعتُه فزعم أنهّا قطيفتَه، فقال : أ لَكَ بيينة ؟ فقال : لا، فقال : آتوني بمشطٍ فأُتيَ بمشطٍ، فسرّح رأس هذا ورأس هذا، فخرج مِن رأسِ أحدهما صوفٌ أحمر، وخرج مِن رأس الآخر صوفٌ أخضر، فقضى بالحمراء للّذي خرج من رأسه صوفٌ أحمر، وبالخضراء للّذي خرج من رأسه صوفٌ أخضر) (1) .
  (قال : حدّثنا موسى، قال حدّثنا حمَاد عن حبيب بن الشهيد، قال : توضّأ إياس فرأى على عقبِه مكاناً لم يُصبْه الماء، فقيل له : يا أبا واثلة عقبك لم يصبْه الماء، فوضَع عقبه بين إصبعيه الإبهام والتي تليها فمسحَ بلَلَ الماء) (2) .
  (وأخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن عبد الواحد، عن حمَاد بن سلمة، قال : قال إياس : إذا شارك المسلمُ النصرانيَ أو اليهوديَ وكانت الدّراهم مع المسلم، هو الذي يتصرّف بها بالشراء والبيع فلا بأس، ولا يدفعها إلى اليهودي أو النصراني يعملان بها ، لأنهمّا يُربيان (3) ، قال : حدّثنا مسلم، قال حدّثنا جميل بن عبيد الطائيّ، قال : سبقنا يوم جمعة بالصلاة، صلاة الجمعة، ومعنا إياس بن معاوية، وهو يومئذٍ قاضٍ، فدخلنا المسجد، فاصطففنا ونحن نفرٌ، فتقدّم إياس فصلىّ بنا أربعاً) (4) .

*************************************************
(1) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 339 .
(2) وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 339 .
(3) الرّبا : رَبَا الشيءُ يربُو رُبُوَاً ورِباءً، زادَ ونمَا، وأربيتُهُ نمَيتُه، وفي التنزيل { وَيُربْيِ الصَدَقَاتِ} ، ومنه أُخذ الربا المحرّم ،... وهو كلُ قرضٍ يُؤخَذ به أكثرُ منه، أو تجُرُ به منفعة . ابن منظور، لسان العرب : 14 /304 .
(4) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 340 _ 341 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 329 ـ

  (وقال النُميَرْيّ عن ابن عاصم، قال : كان رزق إياس بن معاوية مائة درهم) (1) .
  (حدّثني عبد الله بن الحسن عن النُمَيرْيّ، عن موسى، عن حمَاد، قال : لما ماتت أمُ إياس بكى، فقيل له : ما يُبكيك، فقال : كانَ لي بابان فأُغلِقَ أحدهُما) (2) .
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن موسى، عن أبي هلال، عن أيّوب، قال : قال إياس أنّه لتأتيني القضيّة لها وجهان، فأيهمُا أخذتُ عرفتُ أنْ قد أصبتُ الحقَ) (3) .
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن يزيد بن هارون، عن العوّام بن حوشب، قال : التقيت أنا وإياس بن معاوية بذات عِرق(4) ، فذكرت إبراهيم (5) - يعني التيميّ - فقال : لولا كرامتُه عليّ لأثنيتُ عليه، فقلتُ : أ تعرفُهُ ؟ قال : نعم، قلتُ : فلِمَ تكره أن تُثني عليه، قال : إنّه كان يقال : إنَ الثناءَ مِن الجزاء) (6) .
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن خلاّد بن يزيد وغيره : إنَ إياساً بن معاوية أتى المدينة فصلّى في مسجد النبيّ (ص) ، ثمَ لبث في مقعده، فنظر إليه أهلُ الحلقة فزكنوه حتى صاروا فِرقتين، فِرقةٌ تزعُم أنّه معلم، وفِرقةٌ تزعُم أنّه قاضٍ، فوجَهوا إليه رجلاً، فجلَس إليه يحادثُه شيئاً، ثمَ أخبره خبرَ القومِ وما صاروا إليه مِن الظن به، فقال :

*************************************************
(1) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 344 .
(2) وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 344 ، المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 436 .
(3) وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 342 ، المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 434 .
(4) ذات عِرق : مهل أهل العراق، وهو الحدّ بين نجد وتهامة، وعرق موضع قرب البصرة. ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 6، ص 316 .
(5) إبراهيم التيميّ، هو ابن يزيد بن شريك من تيم الرّباب، ويكنى أبا أسماء، مات في سجن الحجَاج، فأمر به فألقي على الكناسة . ابن سعد، الطبقات الكبرى : ج 6، ص 285 .
(6) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 357 ، المزيّ تهذيب الكمال : ج 3، ص 433 _ 434 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 330 ـ

  قد أصاب الذين ذكروا أنّني قاضٍ، ورويداً أخبرك عن القوم، أمّا الذي مِن صفتِه كذا فهو كذا، وأمّا الذي يليه فهو كذا، فلم يخطِئ في واحدٍ منهم إلاّ شيخ فإن قال وأمّا ذلك الشيخ فإنَه نجّار، قالوا فقال له الرّجل في كلهم والله أصبت إلاّ في هذا الشيخ فإنَه شيخٌ مِن قريش، فقال إياس : وإن كان مِن قريش فإنَه نجّار، فقام الرّجل إلى أصحابه، فقال : جئتُكم والله مِن عندِ أعجبِ النّاس، لا والله إن منكم واحداً إلاّ أخبرني عن صناعته، فقال : وإن كان مِن قريش فإنَه نجار، قال : صدق والله إنيّ أعملُ أرجوازي) (1) .
  (قال النُميَرْيّ، فحدّثت به عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، فقال : أخلِق بهذا الحديث أن يكونَ كان بمكّة ، لأنهّم أهل قيافة (2) ، فأمّا أهل المدينة فلا أعلم، ولكن يوسف بن الماجشون (3) خالي حدّثني أنّ إياساً قدم المدينة، فعمِل عبد الرّحمن بن القاسم (4) بن محمّد طعاماً ونزّههم بالعقيق (5) ، ودعا إياساً، وكان للماجشون لونان يُعملان في منزله فيُجاد صُنعتُهما، فعُمِلا ووجَه بهما إلى العقيق، فقدّما أصناف طعام عبد الرّحمن والماجشون لا يعلم، ولا عبد

*************************************************
(1) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 367 _ 368 ، ونقل المزيّ الرواية بقوله : (وقال عمر بن شبَة أيضاً ...) ، ينظر : تهذيب الكمال : ج 3، ص 429 _ 430 .
(2) القيافة : القائف الذي يتتبّع الآثار ويعرفها، ويعرف شَبَهَ الرّجل بأخيه وأبيه . ابن منظور، لسان العرب : ج 9، ص 293 .
(3) يوسف بن الماجشون، هو يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون، الإمام المحدث، أبو سلمة التيميّ المنكدريّ مولاهم المدنيّ، ولد في عهد سليمان بن عبد الملك، وتوفي سنة 185 هـ ،عاش 88 سنة . الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 8، ص 371 ، 372 .
(4) عبد الرحّمن بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر التيميّ القرشيّ، مديني من سادات أهل المدينة وصالحيهم، مات سنة 126 هـ . البخاري، التاريخ الكبير : ج 5، ص 339 ، ابن حِبّان البستيّ، مشاهير علماء الأمصار : ص 206 .
(5) العقيق : بناحية المدينة، وفيه عيونٌ ونخلٌ، و قصورٌ ودورٌ ومنازلُ وقرى، وقيل : هو وادٍ عليه أموال أهل المدينة . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 6، ص 340 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 331 ـ

  الرحّمن بن القاسم، فقال إياس : ينبغي لهذين اللَونين ألاّ يكونا عُمِلا ههنا، وينبغي أن يكونا عُمِلا في منزل الماجشون، فقال عبد الرحّمن : لا علم لي، وقال الماجشون : لا علم لي، قال يوسف : فسألني أبي، فقلتُ : صَدَقَ في منزلنا عُمِلا، فقيل إياس : ومِن أينَ علِمت ؟ قال : جِيء بهما على غير مقادير سائر الطعام في حره وبَرْدِه، ورأيتُ الماجشون نظر إلى وجه ابنه حين وضع اللَونانِ) (1) .
  (وقال عمر بن شبَة أيضاً : حدّثني الأصمعيّ، قال : رأى إياس رجلاً فقال : تعال يا يمامي، فقال : لستُ بيماميّ، قال : فتعال يا أضاخيّ، قال : لستُ بأضاخي، قال : فتعال يا ضروريّ، فجاء فسأله عن نفسه، فقال : ولدتُ باليمامة، ونشأت بأضاخة (2) ، ثمَ تحوّلتُ إلى ضريّة (3) ) (4) .
  (وقال أيضاً : حدّثني غير واحدٍ من أهل واسط منهم إسماعيل بن إبراهيم بن هود، بإسناد فيه سفيان بن حسن إن شاء الله : إنَ إياساً بن معاوية كان جالساً، فنظر إلى رجل دخل المسجد - مسجد واسط - فقال له : هذا الرّجل من أهل البصرة من ثقيف، قد أرسل حماماً له فذهب ولم يرجع إليه، فقام رجل فسأل ذلك الرّجل فأخبر عن نفسه بما قال إياس، فسألوا إياساً عن ذلك ؟ فقال : أمّا مَعرفة البصرييّن فلا أحمد عليه، وأمّا قولي ثقفيّ فإنَ لثقيف هيأةٌ لا تخفى، وأمّا قولي فقد حماماً له فإنيّ رأيتُهُ يتصفّحُ الحمام لا يرى

*************************************************
(1) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 368 ، وذكر الرواية المزيّ بقوله (وقال عمر بن شبَة ...) ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 429 _ 430 .
(2) أضاخة : أضاخ من قرى اليمامة لبني نمير . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 1، ص 173 .
(3) ضرية : قرية عامرة قديمة على وجه الدهر في طريق مكّة من البصرة من نجد ، وقيل : ضرية أرض بنجد وينسب إليها حمى ضرية ينزلها حاج البصرة . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 5 ، ص 228 .
(4) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 431 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 332 ـ

  ناهضاً ولا طائراً ولا ساقطاً إلاّ ونظر إليه، فقلتُ : إنّه قد فَقَدَ حماماً لنفسه) (1) .
  (قال : وحدّثني محمّد بن سلام – إن شاء الله – عن مسلمة بن محارب، قال : تقدّم إلى إياس رجلٌ مِن عنزة أعيمش (2) ، تخاصمه امرأة كالقَلعة، ومعها نفرٌ فيهم فتىً شابٌ له منظرٌ ورُواء، فأقبلت المرأة تَكلّم بلسانٍ سليط، فقال لها إياس : أجملي في منازعةِ بعلِكِ، فقالت : لو كان لذلك أهلاً فعلت، ولكنّه هلباجةٌ (3) نؤومٌ، لكل معروفٍ عَدُوم، فقال بعلُها : أمّا إذا أبت فو الله لا أكتمُ خبرَها، ثمَ أنشده :
نـبت عـينُها عـين وراق فـؤادُها      فـتىً مـن بني جلاّن رخوَ iiالمكاشرِ
فـتىً لـو أُجـاريه إلـى المجد iiفتُهُ      وقـصرَ عـن إدراك حـر iiالـمآثرِ
رأتــه  جـميلاً ذا رُواء iiفـأذعنت      إلـيه  ورامـتني بـإحدى الـقناطرِ
ودونَ الذي رامَت من الموت عارضٌ      عـلى رأسـها جـمٌ كـثيرُ الزّماجرِ

  فرفع إياس رأسَه فنظر في وجوه القوم، فقال للفتى : ما اسمُك ؟ قال : روق بن عَمْرو، فقال : أجلانّي أنت ؟ قال : نعم، قال : ادنُ، فدنا منه فأخذ بأُذنه وقال : والله لئن بلغني أنّك دخلتَ بينهما لأُطِيلَنَ حبسَك، فقال البَعْل : أمّا إذا أظهرت ما كنتُ أُخفِي فهي طالقٌ ثلاثاً، فقال له إياس : إنّك لكريمٌ، ثمَ قال للمرأة : انهضي، فغيرُ فقيدةٍ ولا حميدةٍ، قبّحَك الله وما تاقت إليه نفسُكِ) (4) .
  (قال : وحدّثنا عبد الواحد بن غياث، قال : سمعتُ عبد الله بن الحسن يقول : قال

*************************************************
(1) المزيّ، المصدر نفسه : ج 3، ص 431 .
(2) أُعيمش : من عَمَشَ، والأعمش الفاسد العيَن، الذي تغسق عيناه، ومثله الأرمص، وقيل : العمش ضعف رؤية العين مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها . ابن منظور، لسان العرب : ج 6، ص 320 .
(3) هلباجة : الهلباج والهلباجة والهلبج الأحمق الذي لا أحمق منه، وقيل : الثقيل من النّاس، وقيل : هو الأحمق الضخم القليل النفع، الأكول الشروب . ابن منظور، لسان العرب : ج 2، ص 392 المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 432 .
(4) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 432 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 333 ـ

  إياس بن معاوية : التاجرُ الفَقِيه أفقهُ مِن الفَقِيه الذي ليس بتاجرٍ، قال : فلَم أفهم ذلك حتى تبينّ لي بعدُ، وقال حدّثنا هارون بن معروف، قال : حدّثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب، قال : شهدت إياس بن معاوية يقول : ما بعُد عهدُ قومٍ بنبيهم إلاّ كان أحسن لقولهِم وأسوأ لفعلِهم) (1) .
  (قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال : حدّثنا حمَاد بن سلمة، قال : قال إياس : لا تنظر إلى ما يصنع العالمِ، فإنَ العالم قد يصنعُ الشيءَ يكرهُهُ، ولكن سَلهُ حتى يخبرك بالحق، قال : وقال إياس : إذا فرغ النّاس فلا تكن أوّل مَن يقوم، وقال أيضاً : حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال : حدّثنا القاسم بن الفضل عن إياس بن معاوية، قال : إذا عمل الرّجل عملاً يريدُ به الله فإنَ ذلك يقبل منه، وإن عرض الشيطان فيه، وإن أرادَ به الله والنّاس فإنَ ذلك يردُ عليه) (2) .
  (وقال : حدّثنا أحمد بن معاوية، قال : حدّثنا عبد الله بن بكر السّهميّ، قال : حدّثنا بعضُ أصحابنا، أنّ إياساً بن معاوية كان في حلقة فتذاكرُوا الولد أبرّ أم الوالد، فاجتمع رأيهم على أنّ الولدَ أبرُ،ّ وإياس مشتغلٌ في شيءٍ، فلماّ أقبل عليهم فأخبروه، قال : إنيّ أخالفكم، أ زعُم أنهمّا إذا كانا برَين جميعاً فالولدُ أبرُ، قالوا : وكيف ؟ قال : أنّ برَ الوالد طباع يطبعُه اللهُ عليه لا يستطيع إلاّ ذلك، وبرَ الولد تشدُدٌ منه لما افترضَ اللهُ عليه من حقه) (3) .
  (وقال : حدّثنا هارون بن معروف، قال : حدّثنا ضمرة عن حفص بن عُمر

*************************************************
(1) المزيّ، المصدر نفسه : ج 3، ص 432 .
(2) المزيّ، المصدر نفسه : ج 3، ص 432 _ 433 .
(3) المصدر نفسه : ج 3، ص 433 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 334 ـ

  الكنديّ، قال : قال إياس : أكره للرّجل أن يكونَ رفيعاً (1) ، لأنّ أولئك أقربُ النّاس مِن الذّنوب) (2) .
  (وقال : حدّثنا الوليد بن شجاع، قال : حدّثنا ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن أبي سلمة، قال : قال خالد بن صفوان لإياس : لولا خصالٌ فيك كنتَ أنتَ الرّجل، قال : وما هي ؟ قال : تقضي قبل أن تفهم، ولا تبالي مع مَن جلستَ، ولا تبالي ما لبِستَ، قال : أمّا قولك : إنيّ أقضي قبل أن أفهمَ ، فأيهمُا أكثر ثلاث أو اثنتان ؟ قال : لا بل ثلاث، ومَن لا يفهمُ هذا ؟ قال : أنا كذلك لا أقضي حتّى أفهم، وأمّا قولك : لا أبالي مع مَن جلستُ ، فإنيّ أجلس مع مَن يرى لي أحبّ إليَ مِن أن أجلسَ مع مَن أرى له، وأمّا قولك : لا أبالي ما لبستُ ، فإنيّ ألبس ثوباً أقي به نفسي أحبُ إليّ مِن أنْ ألبسَ ثوباً أقيه بنفسي . إلى هنا عن عمر بن شبَة) (3) .

خبرُ هروب إياس بن معاوية من البصرة

  (وقال عمر بن شبَة عن أبي الحسن المدائنيّ : قضى إياس سنةً ثمّ هرب، وكان سبب هربه أنّه خاف عديَ بن أرطأة، قال : وقد اختلف أبو عبيدة وأبو الحسن في سبب ذلك، حدّثنا غير واحدٍ، منهم أبو عبيدة وخلاّد الأرقط وغيرهما، أنّ وكيع بن أبي سُود (4) .

*************************************************
(1) لعلَ امقصود ب (رفيعاً) أن يكون ذا شأنٍ ورفعةٍ ووجاهةٍ ومالٍ .
(2) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 434 .
(3) المزيّ، المصدر نفسه : ج 3، ص 434 .
(4) وكيع بن أبي سود : هو وكيع بن حسّان بن قيس بن أبي سود الغدانيُ التميميُ، وهو الذي قتل قتيبة بن مسلم أمير خراسان في خلافة سليمان سنة 96 هـ ، وقتل معه أحد عشر رجلاً من أخوته وأبناء أخوته، وتولىّ إمرة خراسان، فعزله يزيد بن المهلّب . ينظر : خليفة بن خيّاط، تاريخ خليفة : ص 247 ، ابن كثير، البداية : ج 9، ص 189 ، ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 7، ص 164 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 335 ـ

  شهد عند إياس بشهادةٍ فَيَعَلَ (1) به، خافَه على نفسه إن ردَ شهادته، ورأى مِن الحق أنْ لا يجيزَها، فقال : يا أبا مطرف ما لَك ولِلشهادة ؟ إنمّا يشهد الموالي، إنيَ ها هنا، فارتفع، قال : صدقت والله، فارتفع، ثمّ أقبل على الذي أحضره فسبّه، فلماّ قام أقبل عليه الذي أحضره فقال : إنّه والله ما به إلا ردّك وتزوير شهادتِك، ولقد شهِد أشرافُ النّاس في قدم الدهر وحديثه، فقال : صدقت والله، والله لأضربنّه ضربةً بسيفي أخذت منه ما أخذت، وكان وكيعٌ حاقداً عليه) (2) .
  (وقال عمر بن شبَة : فحدّثنا أبو عبيدة عن إبراهيم بن شقيق، عن مسلم أبي زياد مولى عَمْرو بن الأشدق، قال : تزوّج رجلٌ مِن بني فراص، كانت أختُه تحت عديّ بن أرطأة، امرأة مِن حدّان كانت عقيلةَ (3) قومها، فكان يشرب فيطلقُها، ثمَ يجحد، فأتت إياس بن معاوية فذكرت ذلك له وجاءت بشاهدٍ، فسأل عنه إياس فعدل، ولم تأتِ بغيره، فأحلف إياس الفراصيّ فحلف، فقالت المرأة : إنَ لي مملوكاً يشهدُ فهل تجوز شهادتُهُ ؟ قال : لا، قالت فإن أعتقتُهُ ؟ قال : إن كان عَدْلاً فأعتقيه، فسأل عنه إياس فعُدل، فانتزعها إياس مِن الفراصيّ فوضعها على يد عبد الرحّمن بن البكر السّلميّ (4) ، فانتزعها عديّ فردّها على الباهليّ، وكان عديّ ناكحاً أخته أمّ عبّاد بنت عماّر بن عطيّة، فجاء إياس يوماً يريد الدخول على عديّ وعنده وكيع بن أبي سود وقد ائتمروا به، وشجّع وكيع عدياً

*************************************************
(1) وَعْل واستوعل إليه، يقال : ما وجد وَعْلاً ولا وَغْلاً يلجأُ إليه، أي مؤئلاً يئلُ إليه، وقال الخليل : لم يجد بدّاً، ومالي عنه وَعْل أي : مالي منه بُدّ . يُنظر : لسان العرب ، لابن منظور : 9 / 260 .
(2) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 437 .
(3) عقيلة : العقيلة من النّساء الكريمة المخدّرة، المرأةُ الكريمةُ النفيسةُ . ابن منظور، لسان العرب : ج 11 ، ص 463 .
(4) هو عبد الرّحمن بن بكر السّلميّ البصريّ، له ولد اسمُه خالد، محدث ثِقة . ينظر : ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 3، ص 89 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 336 ـ

  على الإقدام عليه، فلقيه داود بن أبي هند (1) خارجاً من عند عدي، فقال : إنَ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لَكَ مِن النّاصحينَ، فخرجَ إلى عمر بن عبد العزيز) (2)
  (وقال : أمّا المدائنيّ فذكر المهلّب بن القاسم (3) بن عبد الرحّمن الهلاليّ كان من أجمل النّاس، فشرِب يوماً وامرأتُه عنده، فناولها قدحاً وأمرها بشربه فأبت عليه، فقال : إن لم تشربيه فأنت طالقٌ ثلاثاً، فقالت : ضعْه مِن يدك، فوضعه وفي الدّار ظبيٌ يجول في الدّار، فمرّ بالقدح فكسره، فجحد المهلّب طلاقها، فأرسلت إلى أهلها فاحتملوها، فأتى القاسم بن عبد الرحّمن بن عديّ بن أرطأة، فقال : إنَ أهل زوجة ابني غلبوه عليها، فتغضّب له عديّ فانتزعها، وردّها على المهلّب، فخاصمته المرأة إلى إياس وجاءت بالنّسوة فشهدْنَ لها، وفتّش إياس عن الأمر فوجده حقَاً، فقال للمهلّب : لئن قربتها لأرجمنَك، فغضب عديّ على إياس، فقال له عمر بن يزيد بن عمر الأسديّ – وكان عدوّاً لإياس ، لأنّه كان حكم على ابنه بأرحاء كانت في يده فأخرجها من يده – انظر قوماً يشهدون على إياس أنّه قَذَفَ المهلّب بن القاسم، ثمّ احدِدْهُ واعزلْه، فقال : ائتني بمَن يشهد، فأتاه بيزيد الرّشك (4) وابن رياط (5) ليلاً، فأجمَع عديّ على أن يرسلَ إذا أصبح إلى

*************************************************
(1) داود بن أبي هند، ويكنى أبا بكر، واسم أبي هند دينار، كان من أهل سرخس وبها ولد، وُصف بأنّه كان ثِقةً كثيرَ الحديث، توفي سنة 139 هـ . ابن سعد، الطبقات الكبرى : ج 7، ص 256 .
(2) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 437 .
(3) المهلّب بن القاسم بن عبد الرّحمن الهلاليُ، أمّه فاطمة بنت أبي صفرة، كان ماجناً يشرب الخمر، تزوّج أمّ شعيب بنت محمّد بن الهرماس البطائحيّ . وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 314 .
(4) يزيد الرّشك، وهو يزيد بن أبي يزيد، كان قسّاماً بالبصرة، كنيتُه أبو الأزهر، توفي سنة 130 هـ . ابن حِبّان البستيّ، مشاهير علماء الأمصار : ص 241 .
(5) ابن رياط، كان على شرطة البصرة أيّام ولاية عمر بن هبيرة الفزاريّ . خليفة بن خيّاط، تاريخ خليفة : ص 262 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 337 ـ

  إياس فيشهدان عليه، والقاسم بن ربيعة الجوشنيُ (1) حاضرٌ، فقال عمر بن يزيد لعديّ : إنّ هذا سيأتي إياساً فيحذّره، فاستحلف عديّ القاسم بن ربيعة أن لا يخبرَ إياساً بشيء فحلف، ثمَ خرج فمرّ بدار إياس فدقّ بابَه، فقيل : مَن هذا ؟ فقال القاسمُ بن ربيعة : كنتُ عند الأمير فأحببتُ أن لا آتي أهلي حتى أمرَ ببابك فأُعلمك، ثمّ مضى، فقال إياس : ما جاءني السّاعة إلاّ لأمرٍ خافَه عليّ، فتوارى، ثمَ خرج إلى واسط) (2) .

خبرُ تولية الحسن البصري (3) قضاء البصرة

  (وقال أبو عبيدة ي حديثه (4) بإسناده، فكتب عديّ إى عمر بن عبد العزيز أنّ إياساً هربَ إليك مِن أمرٍ لزِمَه، وإ ي ي ولَيتُ احسنَ بن أي احسن القضاء، فكتب إليه عمر: احسنُ أهلٌ ما ولَيتَه، ولكن ما أنتَ والقضاء؟ ف ي رقْ بينها فرَقَ اه بنَ أعضائك) (5) .
  (قال أبو احسن – المدائنيّ – في حديثه (6) ، لما هرب إياس غمّ ذلك عديّاً وخالف عمر، فقال له يوسف بن عبد الله بن عثمان بن أبي العاص : إن أردت أن لا يجد عليك عمر فأكرِه الحسن على القضاء، فإنَ عمر لا يغيرّ ما صنعت، ففعل، وكتب إلى عمر :

*************************************************
(1) القاسم بن ربيعة بن جوشن الجوشنيّ الغطفانيُ، بصريٌ ثِقةٌ، عارفٌ بالنّسبِ، ابن حَجَر العسقلاني، تقريب التهذيب : ج 2، ص 68 .
(2) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 438 _ 439 .
(3) الحسنُ البصريُ : هو الحسن بن أبي الحسن، واسم أبي الحسن يسار، من سبي ميسان، وقع إلى المدينة فاشترته الرّبيع بنت النضر عمّة أنس بن مالك فأعتقته، وقيل : إنَ أمَ الحسن كانت مولاة لأم سلمة زوج النبي (ص) ، ولد الحسن بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب، تولّى قضاء البصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز، توفي سنة 110 هـ . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 7 ، ص 156 ، 178 ، وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 3 ، 7 .
(4) الرواية هنا مكملةٌ روايةَ عمر بن شبَة عن أبي عبيدة معمر بن المثنى المذكورة آنفاً .
(5) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 439 .
(6) الرواية هنا مكملةٌ روايةَ عمر بن شبَة عن أبي الحسن المدائنيّ المذكورة آنفاً .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 338 ـ

  إنَ إياساً هرب إليك مِن حقٍ لزمه، وقد ولَيتُ الحسن القضاء، فكتب إليه عمر : إنَ في الحسن لخلفاً) (1) .
  (قال : وحدّثنا هارون بن معروف، قال حدّثنا ضمرة عن ابن شوذب، قال : ولَيَِ الحسنُ قضاء البصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز بعد إياس بن معاوية، فما قام له ولا قوِيَ عليه، وكان النّاس إذا تداركوا عليه قال : إنَ النّاس لا يصلحهم إلا وزعة – يعني الشرَُط – إلى هنا عن عمر بن شبَة) (2) .
  (... فولي الحسنُ البصريّ القضاء، فكتب عمر يُنكر على عديّ ما ذكره عنه إياس، ويوفق صنعَه في تولية الحسن القضاء، ذكر ذلك عمر بن شبَة، ومات إياس سنة اثنتين وعشرين ومائة) (3) .
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُمَيرْيّ، عن موسى، عن سلام بن مسكين، قال : كنا ننتظر الحسن وهو عند عديّ بن أرطأة، وخرج علينا وهو كئيب حزين خبيث النّفس، فقال : إنّ هذا الرّجل أجلسني للنّاس قاضياً فأعلمتُه كبِرَ سنيي وضعفي، فإنَه لا طاقة لي بالقضاء، فقال : أعِنّي أيّاماً حتى أُقعِدَ مكانَك رجلاً) (4) .

قضايا الحسن البصري :

  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن الأنصاريّ، عن الأشعث، عن الحسن، أنّه كان لا يجيز شهادةَ الولد للوالد، ولا الزوج للمرأة، ولا المرأة للزوج، ويجيز

*************************************************
(1) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 439 .
(2) المزيّ، المصدر نفسه : ج 3، ص 440 ، لفظ القول (إلى هنا عن عمر بن شبَة) فيه إشارةٌ واضحةٌ إلى أنّ جميع الرّوايات المذكورة آنفاً التي نقلها المزيّ جاءت نقلاً عن عمر بن شبَة .
(3) ابن حَجَر العسقلاني، فتح الباري : ج 13 ، ص 125 .
(4) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 7 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 339 ـ

  شهادة الأخ لأخيه) (1) .
  (أخبرني ابن الحسن عن النُميَرْيّ، عن موسى، عن ابن هلال، عن أشعث، قال : خاصمت إلى الحسن في بنت مؤذّنٍ لنا ادّعت أنَ زوجها لا يقدر أن يدخلَ بها، وقال هو : بلى قد دخلتُ بها، فقال الحسن : فما ذنبي إن كان ما عندك مثل الهُدبة، فأجَلَه سنةً يتداوى) (2) .
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن موسى، عن إسماعيل، عن أبي هلال، قال : حدّثنا الأشعث، قال : خاصمت إلى الحسن في بنت مؤذّنٍ لنا ادّعت أنَ زوجها لا يقربها، فأجَلَهُ سنةً، فلماّ ذهبت السّنة خاصمته إلى عبد الملك بن يعلى، فقلت : أصلحك الله إنّه قد أجل سنةً، فقال : أوَ هو واجبٌ على أن أُؤجّله سنة كما يجبُ الصلاة والصّوم ؟) (3) .

خبرُ قتل يزيد بن المهلّب (4) (102 هـ / 720 م)

  (أخبرت عن عمر بن عبيد (5) ، قال : حدّثنا حيان بن معاوية، قال : حدّثنا الهيثم بن عديّ، قال : حدّثنا الضحّاك بن رمل، قال : شهدت يزيد بن عبد الملك حين أُتي بأُسارى

*************************************************
(1) وكيع، المصدر نفسه : ج 2، ص 9 .
(2) وكيع، المصدر نفسه : ج 2، ص 10 .
(3) وكيع، المصدر نفسه : ج 2، ص 17 _ 18 .
(4) يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة، أبو خالد الأزديّ، ولي المشرق بعد أبيه، ثمّ ولي البصرة لسليمان، ثمّ عزله عمر بن عبد العزيز وولىّ عديّ بن أرطأة، وطلبه عمر وسجنه، ثمَ هرب من حبسه، وله أخبار في السخاء والشجاعة، ولما استخلف يزيد بن عبد الملك غلب على البصرة، فسار لحربه مسلمة بن عبد الملك فقتله سنة 102 هـ . الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 4، ص 503 ، 506 .
(5) عمر بن عبيد هو عمر بن شبَة النُمَيرْيّ .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 340 ـ

  بني المهلّب، فقال : ما تقولون في هؤلاء ؟ فقام عثمان بن حيّان (1) المرّيّ ، وقال : نقول فيهم ما قال اللهُ عزّ وجلّ : {لاَ تَذَرْ عَلىَ الأَْرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَاراً} (2) ، فقال رجاء ابن حيوة (3) : بل نقول فيهم ما قال اللهُ عزّ وجل : {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (4) ، قال رجاء لعثمان : ما دعاك إلى ما قلت ؟ قال : أبَا المقدام، إنّ اللهَ عزّ وجل خلق للجنّة قوماً فجعلَك منهم، وخلَق للنّار قوماً فجعلني منهم، فلماّ أصبح يزيد مِن الغد جلس وجيء بالأُسارى - وهم أربعةَ عشرَ رجلاً - فقام زيد بن أرطأة أخو عديّ، فقال : يا أمير المؤمنينَ قُتِل أخي وابنُ أخي، قال : خُذ رجلينِ منهم، فأخذ اثنين، ثمَ قام عبد الله ابن عروة (5) البصريّ، فقال : قُتِل أبي، قال : خُذ منهم رجلاً، فما زال كذلك يقوم الرّجل فيقول قُتِل أبي فيدفع إليه رجلاً، حتّى أقبل رجلٌ أزرقُ مربوعٌ، فقال : يا أمير المؤمنين رأيُ أمير المؤمنين عبد الملك ورأي عبد العزيز عمك فيّ، وأنت منهم، فاسمع ما أقول، قال : هات، فأنشَدَ :
كريمٌ إذا ما نال عاقَبَ مجُمِلاً      أشدَ  العِقاب أو عفا لم iiيؤنبِ

*************************************************
(1) عثمان بن حيّان بن معبد بن شدّاد المرّيُ، أبو المغراء الدمشقيُ مولى عتبة بن أبي سفيان، قال عمر ابن عبد العزيز : (الوليد بالشام، والحجّاج بالعراق، ومحمّد بن يوسف باليمن، وعثمان بن حيّان بالمدينة، وقرّة بن شريك بمصر، امتلأت واللهِ الأرض جَوراً) ، استعمله الوليد على المدينة، وكان في سيرته عنفٌ، وعزله سليمان سنة 96 هـ . ينظر ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 7 ، ص 104 _ 105 .
(2) سورة نوح / آية 26 .
(3) رجاء بن حيوة الكنديّ الشاميّ، أبو المقدام، الفقيه، كان شريفاً نبيلاً، سيّد أهل الشام، توفي سنة 112 هـ . ينظر : الذهبيّ، العبر : ج 1، ص 138 .
(4) سورة الأنعام / آية 128 .
(5) عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوّام، أبو بكر الأسديّ، كان له عقل وحزم ولسان وفضل، بقي حتى حكم الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وبلغ من العمر 95 أو 96 سنة، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 5، ص 279 _ 280 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 341 ـ

فـعفْو  أمـير المؤمنينَ iiوحسبه      فمهما يكن مِن صالحٍ غير أخيبِ
أسـاءوا فـإنْ تصفح فإنَك قادرٌ      وأفـضلُ  عفوٍ جئته عفوُ مذنِبِ
  فقال : هيهات أبا صخر، أطّت (1) بك الرّحِم، ليس إلى ذلك سبيل، وفي غير هذا الحديث، قال : لما أُتي يزيد بأُسارى آل المهلّب قال كثير بن عبد الرحّمن الخزاعيّ (2) : فُتكَِ – والله – بالكَرم يوم فُتِكَ بآلِ المهلّب، فتيان العرب وحرار الأنساب، ثمّ وقف بين يدي يزيد، فأنشد الأبيات، فقال له : لشدّ ما أطّت بك الرّحِم، ابنَ عبد الرّحمن، قال : أجل يا أمير المؤمنين، ولعطف الكرم أحسن، فعفا وأوسَع عفواً، قال : إذا أهبُ ما كان مِن سعةِ رأيهم لقدر الخلافة ونشفّعك فأطلِق عنهم، واللهُ أعلم أيّ ذلك كان) (3) .

خبرُ القاضي عبد الملك بن يعلى (4)

  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُمَيرْيّ، عن عبد الله بن حمَاد، عن أبي عقبة المزيّ : أنَ رجلاً ادّعى على رجلٍ ألف درهم ولم يكن له بينة، فاختصما إلى عبد الملك بن يعلى ، فقال له : على ألف درهم فقضيته، فقال الآخر : أصلحك اللهُ قد أقرَ، فقال عبد الملك : إن شئت أخذت بقوله أجمع، وإن شئت أبطلته أجمع) (5) .

*************************************************
(1) أطّت بك الرَحِم : أي رقّت وحنّت . ينظر : الزمخشري، أساس البلاغة : ص 15 .
(2) كثير بن عبد الرحّمن بن الأسود، أبو صخر الخزاعيّ، من فحول شعراء الإسلام، توفي في ولاية يزيد بن عبد الملك سنة 105 هـ . أبو الفرج الأصفهانيّ، الأغاني : ج 9، ص 5 _ 6 .
(3) الأزديّ، تاريخ الموصل : ص 15 _ 16 .
(4) عبد املك بن يعلى اللَيثي، اختُلف في تاريخ توليه قضاء البصرة وتاريخ وفاته، فقيل : إنّه تولّى قبل الحسن البصريّ وتوفي في أيام عمر بن عبد العزيز، وقيل : استقضاه عمر بن هبيرة فلم يزل قاضياً حتى مات يزيد بن عبد الملك سنة 105 هـ . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 217 ، وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 14 ، وما يجدر ذكره سوف يتمُ الاعتماد على رواية عمر بن شبَة النُميَرْيّ في أنّ عبد الملك بن يعلى تولّى القضاء في خلافة يزيد بن عبد الملك، ومات وهو قاضٍ .
(5) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 18 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 342 ـ

  شهدت عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة وهو اللَيثيّ تابعيٌ ثِقةٌ، وكان يزيد بن هبيرة ولاّه قضاء البصرة لما ولي إمارتها من قبل يزيد بن عبد الملك بن مروان، ذكر ذلك عمر بن شبَة في أخبار البصرة، وقال إنّه مات وهو على القضاء) (1) .
  (وقال عمر بن شبَة : وقد اختُلف في أمر عبد الملك بن يعلى، فقيل : مات قاضياً، ويقال : بل عزله خالد القسريُ (2) ووُليّ ثمامة، ويقال : إنَ عمر بن هبيرة (3) وُلي ثمامة وعُزل عبد الملك) (4) .
  (وقال عمر بن شبَة : قيل : مات قاضياً – عبد الملك بن يعلى – وبه جزم عمر بن شبَة في تاريخه) (5) .

خبرُ تولي ثمامة بن عبدالله الانصاري (6) القضاء (106 هـ / 724 م)

  (قال عمر بن شبَة : سمعتُ بعضَ علمائنا يذكر أنَ ثمامة لما دُعي إلى ولاية القضاء

*************************************************
(1) ابن حَجَر العسقلاني، فتح الباري : ج 13 ، ص 124 .
(2) خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كز، أبو الهيثم البجليُ، أمير مكّة للوليد وسليمان، وأمير العراقين لهشام، وهو من أهل دمشق، عزله هشام سنة 120 هـ عن العراق وولىّ يوسف بن عمر، وقتل سنة 126 هـ وهو ابن نحو ستيّن سنة . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 16 ، ص 135 ، 139 ، 162 .
(3) عمر بن هبيرة بن معيّة بن سكن، أبو المثنّى الفزاريّ، كان أمير العراقين ليزيد بن عبد الملك، فلما ولي هشام عزله بخالد القسريّ سنة 106 ، فأخذه خالد وسجنه مدّة، ثمّ هرب ولحق بهشام في دمشق، واستجار بمسلمة بن عبد الملك . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 45 ، ص 373 .
(4) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 18 ، ص 435 .
(5) ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ص 380 ، 381 .
(6) ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك أبو عبد الله الأنصاريّ من فقهاء الأنصار، تولّى قضاء البصرة سنة 106 هـ . وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 20 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 343 ـ

  شاور محمّد بن سيرين (1) فأشار عليه أن لا يقبل، فقال : لا أقرّك، فقال : أخيرهم أنّك لا تحسن القضاء، قال : فأكذب، قال فجعل ابن سيرين يعجب منه، وقال ثمامة : وقعت على بابٍ من القضاء جسيمٍ أدفعُ الخصوم حتى يصطلِحُوا، فكتب بذلك إلى خالد، فعزله عن القضاء في سنة عشر ومائة وكان ولاّه في سنة 106) (2) .
  (وقال عمر بن شبَة النُميَرْيّ : سمعتُ الأنصاريَ يقول : وفد ثمامة بن عبد الله إلى هشام فأجازه بستمائة درهم وردّه قاضياً، وقال : سمعتُ خلاّد بن يزيد يقول : قال الأنصاريُ : قال لي أبي : يا بنيَ قد ولي القضاء مِن أهلك غير واحد، وكلُهم لم يحمد، وكان أبو الأنصاريّ عبد الله بن المثنّى كاتبه) (3) .
  (قال : وتنازع إليه رجلان، فقال : خلطتما، فقال : لولا تخليطنا لم نأتك، فأمر مناديه أن ينادي عليهما : يا مخلّط يا مخلّط) (4) .
  (قال : وحدّثنا أبو عبيدة، قال : استعدَتْه امرأةٌ على رجلٍ وادّعت عليه حقَاً، ولم يكن لها بينة، فأراد استحلافه، فقالت المرأة : إنّه رجلُ سوءٍ يحلفُ فيذهب بحقي، ولكن استحلف إسحاق بن سويد (5) فإنَه جاره، فأرسل إلى إسحاق ليستحلِفَه) (6) .

*************************************************
(1) محمّد بن سيرين، يكنّى أبا بكر مولى أنس بن مالك، كان ثقةً مأموناً فقيهاً إماماً كثيرَ العِلم وَرِعاً، أصلُه مِن سبي عين التّمر، وُلد لسنتين بقيتا من حكم عثمان، ومات بعد الحسن بمائة يوم، وذلك سنة 110 هـ . ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 193 ، 206 .
(2) ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 2، ص 26 .
(3) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 406 _ 407 .
(4) المزيّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 407 .
(5) إسحاق بن سويد العدويّ، كان ثِقةً، توفي في الطاعون في أوّل خلافة بني العباس سنة 131 هـ . ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 243 .
(6) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 407 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 344 ـ

  (قال : حدّثنا عَمْرو بن عاصم وموسى بن إسماعيل، قالا : حدّثنا حمَاد بن سلمة عن حميد، وزاد موسى – وحبيب – أنّ ثمامة بن عبد الله كتب إلى خالد بن عبد الله يسألُه عن رجلٍ أوصى بثلثه في غير قرابته، فكتب : إنْ أمضِها كما قال، وإن أَمَرَ أنْ يُلقى في البحر – زاد موسى – قال محمّد بن سيرين : أمّا في البحر فلا، ولكن يُمضي كما قال) (1) .
  (وقال : حدّثنا عبد الواحد بن غياث، قال : حدّثنا أبو عوانة عن قتادة، عن ثمامة ابن أنس أنّه إذا وضع الميّت في قبره قال : اللَهُمّ جافِ الأرضَ عن جنبه، وصعد روحَه، وتلَقَه منك برحمةٍ، وقال : ويقال : إنّه تنازعت إليه امرأتان، فقال : أيّتُكُما الميتة) (1) .
  (قال : وقال : وقعتُ على بابٍ من القضاء جسيمٍ، أدفع الخصوم حتى يصطلحوا، فكتب بذلك بلال إلى خالد فعزله عن القضاء في سنة عشر ومائة، وكان ولاّه في سنة ستٍ ومائة وولىّ بلالً القضاء مع الصلاة والأحداث، فقال خلف بن خليفة الأقطع (3) :
وكـنّا  قـبل إمرَتِهِ iiعلينا      مِنَ الشيخ المولّع في عناءِ
  أو قال : في بلاء، يعني ثمامة، وكان به وضح (4) ) (5) .
  (وقال : حدّثنا أبو بكرة بن خلاّد بن كثير، قال : حدّثنا زياد بن الربيع، قال : شهدنا عند ثمامة بن عبد الله بن أنس ونحن صبيان، فكتب شهادتنا، ثمّ استشبنا.

*************************************************
(1) المزيّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 407 .
(2) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 407 .
(3) خلف بن خليفة الأقطع، شاعر أموي مطبوع، اتهم بالسرقة في صباه فقطعت يده، وكانت له أصابع من جلد يلبسها، وكان لسناً بذيئاً من الظرفاء، توفي نحو سنة 125 هـ . الزركليّ، الأعلام : ج 2، ص 310 .
(4) الوضح : الضوء والبياض، وقد يكنى به عن البرص، ومنه قيل جذيمة الأبرش : الوضّاح . ينظر : الجوهريّ، الصحاح : ج 1، ص 416 .
(5) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 407 _408 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 345 ـ

  إلى هنا عن عمر بن شبَة (1) ، روى له الجماعة) (2) .

أخبارُ بلال بن أبي بردة (3)

  (وقال عمر بن شبَة النُميَرْيّ : كان بلال ظلوماً جائراً لا يبالي ما صنع في الحكم، ولا في غيره، وقال : حدّثنا أبو عاصم النبيل، قال : أوصى يزيد بن طلحة (4) الطلحات فجعل للإناث من ولده مثل ما للذكور، ولعن في وصيّته مَن غيرّها، فأتى بلالاً، فقال : أنا أوّل مَن غيرّها، فعلى يزيد لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين) (5) .
  (حدّثنا عمر بن شبَة عن أبي عاصم النبيل، قال : قال يزيد بن طلحة الطلحات

*************************************************
(1) (إلى هنا عن عمر بن شبَة) ، أي جميع الرّوايات الواردة أعلاه نقلت عنه .
(2) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 408 .
(3) بلال بن أبي بردة عامر بن عبد الله أبي موسى بن قيس، أبو عَمْرو، ويقال : أبو عبد الله الأشعريّ البصريّ ولي إمرة البصرة سنة 109 هـ ، وجمع له القضاء مع الولاية، فلم يزل قاضياً حتى قدم يوسف بن عمر سنة 120 هـ فعزله، وكان بلال قد جمعت له الشرطة والصلاة والقضاء، وذكر أنّ بلال أوّل مَن جار بالحكم مِن القضاة في البصرة . ينظر : وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 26 ، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 10 ، ص 507 ، 512 ، 513 .
(4) ذكر ابن قتيبة الدينوريّ أنّ طلحة الطلحات، وهو طلحة بن عبد الله الخزاعيّ، قد أنجب عشر أبناء إلاّ إنّه لم يذكر اسم يزيد بن طلحة، وإنمّا ذكر يحيى بن طلحة . ينظر، المعارف : ص 231 _ 232 .
(5) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 271 ، ونقل الرّواية البلاذريّ عن أبي عاصم النبيل عن عمر ابن شبَة، أنساب الأشراف : ج 9، ص 50 ، وذكر الرّواية باختصار الذهبيّ، تاريخ الإسلام : ج 8 ، ص 50 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 346 ـ

  لبلال واستبطأه في عيادته وعاد الزعل (1) الجرميّ (2) :
أ في حمّى ثلاث زرت جرماً      وتترك  شيخَ قومِك يا iiبلالُ ؟
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن محمّد بن أيّوب، عن عقيل، قال : أمر بلال داود بن أبي هند أن يحضره عند تقدّم الخصوم إليه، فإن حكم بخطأ رمى بحصى ليرجع، وكان داود يفعل، فإذا أخطأ رمى بحصى ليرجع بلال عن خطئه، وينظر حتى يصيب، فتقدّم إليه مولى له ينازع رجلاً، فحكم لمولاه ظلماً، فرمى داود بحصاة فلم يرجع بلال، ثمّ عاد فرمى حتى رمى بحصياته، فقال له بلال : قد فهمت ما تريد ولكن هذا ليس مّما يُرمى له بالحصى، هذا مولاي) (3) .
  (قال (4) : وحدّثني محدث أصدقه - ذهب اسمه عنّي - أنّ رسولاً قدِم على بلال والرّسول يريد السند (5) ، فنظر الرّسول إلى رجلٍ قاعد قبالة دار بلال في ظلٍ وعليه مظلّة، فأقبل على بلال، فقال : ما ترى الرجل الجالس في الظلّ وعليه مظلّة ؟ قال : بلى،

*************************************************
(1) الزَعل الجرميّ ذكر البلاذريّ بما يشير إلى أنّه كان من المقرّبن لبلال، إذ توسّط عنده الفرزدق في حاجة ليكلّم له بلالاً فلم يقضها له، فقال فيه الفرزدق :
سـل الـزّعل عـن آبائه ثمّ قل iiله      أ لست ابن جرم معدن اللُؤم والبخل؟
ومـا  خـلت جـرماً يعرفون iiأباهم      إذا  حصّلوا يوماً ونجلوا إلى iiالأصل
فلام بلال الفرزدقَ على هذا الشعر، فاعتذر الفرزدق، فقضى بلال حاجته . ينظر البلاذريّ، الأنساب : ج 12 ، ص 102 .
(3) البلاذريّ، المصدر نفسه : ج 9، ص 50 .
(4) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 36 ، أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 288 ، المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 271 .
(5) أكمل المزيّ الرّواية بسند الرّواية سابقة نفسه، نقلاً عن عمر بن شبَة النُميَرْيّ .
(6) السند : بلاد بين بلاد الهند وكرمان وسجستان، وقصبة السند مدينة يقال لها المنصورة . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 5، ص 82 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 347 ـ

  قال : فإنيّ أحبُ أن تأمرَ بحبسه .
  فأمر مَن أخذ بيده، فانطلق به إلى السجن، ولم يأت به بلالاً، فأقام في السجن لا يسمع منه شيء حتى قدِم الرّسول مِن السند، فقال لبلال : ما فعل الرّجلُ المحبوس ؟ قال على حاله، قال : فأرسِل إليه، فأرسَل فأُتيَ به، فقال لبلال : على ما حبستني أصلحك الله ؟ قال : لا أدري والله سل هذا، فقال للرّجل : لمَِ أمرت بحبسي ؟ قال : أنّك كنت قاعداً في ظِلٍ وعليك مَظلّة) (1) .
  (قال (2) : وحدّثني عليّ بن محمّد، وهو أبو الحسن المدائنيّ، قال : كان أبو موسى استرضع لابنه أبي بردة في بني فقيم في آل الغرق، فلماّ قدِم بلال البصرة قيل لبلال : لو استعملت أبا العجوز بن أبي شيع بن الغرق ؟ فقال : إنيّ رأيتُ منه ضلالاً، رأيتُه يحتجم في بيت إخوانه، ورأيتُه جالساً في الظل وعليه مظلَة، ورأيتُه يُبادر بيض البقيلة (3) ، قال : وكان بخيلاً على المال والطعام، يُعمل له الطعام الكثير فإذا غربت الشمس أو تغرب وضع الموائد، فإذا مدّ النّاس أيديهم أذّن المؤذّن، فقام وقام النّاس، فانتهبت الموائد، فأصبح جيرانه يشترون ذلك الطعام مّن انتهبه) (4) .
  (حدّثني عمر بن شبَة عن أبي عاصم، أخبرني أبي، قال، كاتب يكتب خلف بلال فأقطر على ثوبه قطرة، فقال : أتراني أُحبُك بعد هذا أبداً) (5) .

*************************************************
(1) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 272 _ 273 .
(2) أورد أبو هلال العسكريّ الرّواية ذاتها بقوله : (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ عن أبي زيد عن علي ابن محمد ...) ينظر : الأوائل، ص 288 .
(3) وردت عند أبي هلال العسكريّ (رأيته يتأذّن بنصّ القبلة) ، الأوائل : ص 289 .
(4) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 26 ، المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 273 .
(5) البلاذريّ، أنساب الأشراف : ج 9، ص 56 ووردت الرّواية بلفظٍ مقاربٍ عند المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 273 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 348 ـ

  (وقال (1) : وكان أصابه داءٌ فوصف له السَمن يجلس فيه، فكان يجلس فيه، ثمَ يأمر ببيعه، قال : فترك أهل البصرة أكلَ السَمن) (2) .
  (قال : وطالت ولايتُه فمدحته الشعراء، منهم رؤبة (3) وذو الرُمّة (4) ، وقد ذكره الفرزدق في شعره، ودخل عليه غير مرّةٍ، وقال له مرّةً : إنيّ رأيتُ شيخاً وشيخة من الأشعرييّن يطوفان بالبيت، والشيخ يقول :
أنت  هبت زائداً iiومِزْيَداً      وكهلة أسلُك فيها الأجرَدَا
  وهي تقول : إذا شئتَ، إذا شئتَ، فقال بلال : أُسكت أسكتَك الله، قال : ومدحه الفرزدق (5) ، فقال :

*************************************************
(1) سند الرّواية السابق (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ عن أبي زيد عن علي بن محمّد قال ،..) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 288 .
(2) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 289 ، وينظر المزيّ بلفظٍ مقاربٍ . تهذيب الكمال : ج 4 ، ص 273 .
(3) رؤبة بن العجّاج، واسم العجّاج عبد الله بن رؤبة بن حنفية التميميّ، من رجّاز الإسلام وفصائحهم، والمذكورين المقدّمين منهم، بدويٌ نزل البصرة، وهو مِن مخضرَمي الدولتين، مدح بني أميّة وبني العبّاس، وقد أخذ عنه وجوه أهل اللُغة، وكانوا يقتدون به ويحتجُون بشعره، ويجعلُونه إماماً، ويكنى أبا العجاف وأبا العجّاج، توفي في أيّام المنصور . ينظر : أبو الفرج الأصفهانيّ، الأغاني : ج 20 ، ص 445 .
(4) ذو الرُمّة : واسمُه غيان بن عقبة التيميّ، يكنى أبا الحارث، وذو الرُمّة لقبٌ لقّبته به ميّة، وكان اجتاز بخبائها وهي جالسةٌ إلى جنب أمها، فاستسقاها ماء، فقالت لها أمُها : قومي فاسقيه، أو إنهّا قالت : قومي يا خرقاء – والخرقاء التي لا تعملُ بيدها شيئاً ، لكرامتها على قومها – فاسقيه ماء، فقامت فأتته بماء، وكانت على كِتفه رُمّة - وهي قطعةٌ من حبل - فقالت : اشرب يا ذا الرُمّة، فلقب بذلك، وقيل : بل كان يصيبه في صغره فزعٌ فكُتِبَت له تميمةٌ فعلَقها بحبلٍ فلقب بذلك، توفي في خلافة هشام وله أربعون سنة . أبو الفرج الأصفهانيّ، الأغاني : ج 18 ، ص 5 _ 6 ، ص 47 .
(5) مدح الفرزدق بلالً بقوله :

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 349 ـ

إنـيّ والـذي حجّت قريشٌ      لـه  الأيـامَ تـابعةَ iiاللَيالي
سـأتركُ باقياً لك مِن iiثنائي      بما أبليت في الحِقَب الخوال
وكم لك من أبٍ يعلُو iiوينمى      وخـالٍ يا بلالُ إلى iiالمعالي
  وقال أيضاً :
ومُـظـلمةٍ  عـليَ مـن iiالـلَيالي      جــلا  ظَـلماءها عـنّي iiبـلالُ
بـخـيرِ يـمـينِ مـدعُوٍ iiلـخيرٍْ      تُـعـاونهُا إذا نـهـضتْ iiشِـمالُ
بـحقيّ  أنْ أكـونَ إلـيك أسـعَى      وفــي يـدِكَ الـعُقوبةُ iiوالـنّوَالُ
تـرى  الأبـصارَ خـاشعةً iiإلـيهِ      كما يشخَصْنَ حين يُرى الهلالُ (1)
  قال : وقال له ذو الرُمّة :
إلى ابن أبي مُوسى بلالٍ طوتْ iiبنا      قـلاصٌ،  أبـوُهنَ الجديلُ iiوداعرُ
أقـولُ لها إذْ شمَرَ السّيرُْ iiواستوتْ      بـها  البِيدُ واستنَت عليها iiالحرائرُ
إذْ ابـن أي مـوسى بـلال iiبلغته      فـقامَ بـفأسٍ بـين وصليكِ جازرُ
وأنـت  امرؤٌ من أهلِ بيتِ iiذؤابةٍ      لـهـم  قـدمٌ مـعرُوفةٌ iiومـفاخرُ
يطيبُ ترابُ الأرضِ إن تنزلوا بها      وتـحتال  إن يـعلو عليها iiالمنابرُ

*************************************************
رأيـتُكَ قدْ نضلتَ وأنتَ iiتنمي      إلى الاحساب أصحابَ النّضالِ
وإنـيّ، والـذي حجَت iiقُريشٌ      لـهُ  الأيّـامَ تـابعةَ iiالـلّيالي
يـمينَ مـحُافظٍ، فاحفظ يميني      بـمكّةَ عـند مُـطّرحِ الرّحالِ
لـترْ تـحلنْ إليكَ ببطن iiجمْعٍ      عـلى النُوق النواعج iiوالجمِالِ
سـأترك  بـاقياً لك من iiثنائي      بما  أوليتَ ي الحِقب iiالخوالي
وكـم  لكَ من أبٍ يعلُو iiوينمى      وعـمٍ يـا بـلالُ إلى iiالمعالي
ينظر : الفرزدق، ديوان : ص 401 .
(1) تنظر القصيدة : الفرزدق، ديوان : ص 415 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 350 ـ

  
ومــــا  زلــــت تـسـمـو لـلـمـعالي iiوتـجـتـبي      جــبـا  الـمـجـد مـــذْ شُـــدَتْ عـلـيـك الـمـآزرُ
إلـــــى  أنْ بــلــغـتَ الأربــعـيـن iiفـألـقـيـتْ      إلـــيــكَ  جــمـاهـيـرُ الأمـــــور iiالأكــابــرُ
فأحْكمْتها لا أنتَ في الحُكمْ عاجزٌ ولا أنتْ فيها عَن هُدى الحق جائرُ
  قال ومدحه رؤبة في أرجوزةٍ يقول فيها :
بلالُ يا ابنَ الشرف الأمحاض      وأنت  يا ابن القاضيينِ iiقاضِ
معتزمٌ  على الطّريق iiالماضي      وثـابت  الفِعل على الدحاضِ
أنتَ  ابنُ كل سيدٍ فيّاضِ ii(1)
  (أخبرني أحمد بن يحيى بن ثعلب، عن عمر بن عبيدة (2) ، عن معافى بن نعيم بن مورع العنبريّ، قال : غضب المهديّ على شبيب بن شيبة (3) في أمرٍ ذكره، فأمَرَ بهجائِهِ، ثمَ رضَيَِ، فأمر بالإِذْن له، فقال شبيب : إنمّا مثلي ومثلك ما قاله رؤبة لبلال بن أبي بردة :
إنـيّ وقـد تُعنى أمور iiتعتني      على  طريقِ العُذر إنْ عذرتني
فـلا ورب الآمـنات iiالـقُطَنِ      يَـعمُرْنَ أمـناً بالحرام iiالمأمن
بـمحبسِ الـهَدي ورب iiالبُدن      ورب وجـهٍ مِن حراءَ iiمنحني
مـا  آيـبٌ سـرّك إلاّ iiسرّي      شـكراً  وإن عرّك أمرٌ iiعرّني
ما الحفظُ أم ما النُصحُ إلاّ iiإنّني      أخوك والرّاعي لما iiاسترعيتني
إنـيّ إذا لـم تـرني iiكـأنّني      أراكَ بالغَيبِ وإن لم تَرَني (4)


*************************************************
(1) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 274 _ 276 .
(2) عمر بن عبيدة هو عمر بن شبَة النُميَرْيّ .
(3) شبيب بن شيبة، أبو معمر الخطيب المنقريّ البصريّ، نشأ في البصرة، ثمّ انتقل إلى بغداد في أيّام المنصور، واتصل بالمهدي بعده. الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 9، ص 275 .
(4) وكيع، أخبار القضاة : ج 2، ص 26 ، المزيّ، تهذيب الكمال : ج 4، ص 276 _ 277 .