خالداً وهو آمن، فأخرج خالداً من البصرة، وخاف أن لا يجيز المصعب أمانَ عبيد الله، فلحق مالك بثأج (1) ، فقال الفرزدق يذكر مالكاً ولحوق التميميّة به وبخالد :
عـجبتُ  لأقـوامٍ تـميمٌ iiأبوهم      وهم في بني سعدٍ عِظامُ المباركِ
وكانوا  أعزَ النّاس قبل مسيرهم      إلى  الأزد مصفرّاً لحاها iiومالكِ
فما ظنّكم بابن الحواريّ مصعبٍ      إذا  افترَ عن أنيابه غيرَ ضاحكِ
ونـحنُ  نـفينا مالكاً عن iiبلاده      ونـحنُ فَقأنا عينه بالنيازكِ (2)
خبرُ معاقبة مصعب بن الزبير اهل البصرة ، ومسير عبد الملك لحرب مصعب (71 هـ / 690 م)

  (قال أبو زيد، فزعم المدائنيُ وغيره من رُواة أهل البصرة أنّه أرسل إليهم فأتُي بهم، فأقبل على عبيد الله بن أبي بكرة، فقال : يا ابن مسروح، إنمّا أنت ابن كلبةٍ فتعاوَرها الكلاب فجاءت بأحمر وأسود وأصفر، من كل كلبٍ بما يشبِهُهُ، وإنمّا كان أبوك عبداً نزل إلى رسول الله (ص) من حصن الطائف، ثمّ أقمتُم البيّنة تدّعون أنّ أبا سفيان زنى بأمكم، أما والله لئن بقيت لأُلحقنّكم بنسبكم، ثمّ دعا بحُمران، فقال : يا ابن اليهوديّة إنمّا أنت عِلجٌ نبطيٌ سُبيت من عين التمر (3) ، ثمّ قال للحكم بن المنذر (4) بن الجارود : يا ابن

*************************************************
مثل بن يدي الحجَاج، فلماّ رآه قال له : (ثكلتك أمُك، قال : وأبي مع أمي، قال : أين ألقتك الأرض بعدي ؟ قال : ما قمتُ مقاماً أوسع من مقامي، إنّ الله استعملك علينا فأبينا، فأبى علينا) فأمّنه الحجّاج . ينظر : الباذريّ، أنساب : ج 7، ص 389 .
(1) ثأج : عين من البحرين على ليال، وقيل : قرية بالبحرين ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 3، ص 5 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 5، ص 4 .
(3) عن التمر : بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة، وهي على طرف البرية، قديمة، افتتحها المسلمون على يد خالد بن الوليد سنة 12 هـ عنوة. ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 6، ص 369 .
(4) الحكم بن المنذر بن الجارود بن عَمْرو بن حنش، وصف بالجود والكرم، أثنى عليه الشعراء . ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 6، ص 281 ، 296 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 302 ـ

  الخبيث، أتدري مَن أنت ؟ ومَن الجارود ؟ إنمّا كان الجارود عِلجاً بجزيرة ابن كاوان (1) فارسيّاً، فقطع إلى ساحل البحر، فانتمى إلى عبد قيس، ولا والله ما أعرف حيّاً أكثر اشتمالاً على سوءةٍ منهم، ثمّ أنكح أخته المكعبر الفارسيّ، فلم يُصِب شرفاً قطُ أعظم منه، فهؤلاء ولدها يا ابن قُباذ.
  ثمّ أُتي بعبد الله بن فضاله الزهرانيّ، فقال : ألستَ مِن أهل هَجَر، ثمّ مِن أهل سماهيج (2) ، أمَا والله لأردّنَك إلى نسبك، ثمَ أُتي بعلي بن أصمع، فقال : أعبدٌ لبني تميمٍ مرّة، وعزيٌ مِن باهلة ! ثمّ أُتي بعبد العزيز بن بشر بن حنّاط، فقال يا ابن المشتور (3) ، ألم يسرق عمّك عنزاً في عهد عمر فأُمِر به فسير ليقطعه، أمَا والله ما أعنت إلاّ مَن ينكح أختك، وكانت أخته تحت مقاتل بن مسمع (4) ، ثمّ أُتي بأبي حاضر الأسديّ، فقال : يا ابن الاصطخريّة، ما أنت والأشراف، وإنماّ أنت من أهل قطر دعيٍ في بني أسد، ليس لك فيهم قريب ولا نسيب، ثمّ أُتي بزياد بن عَمرو (5) ، فقال : يا ابن الكرماني إنمّا أنتَ عِلجٌ من أهل كِرمان، قطعت إلى فارس فصرتَ ملاّحاً، ما لَك ولِلحرب، لأَنت بجر القَلْس (6) أحذق، ثمّ أُتي بعبد الله بن عثمان بن أبي العاص، فقال : أعليَ تُكثر وأنتَ عِلجٌ

*************************************************
(1) جزيرة ابن كاوان، يقال : إنَها جزيرة عظيمة، وهي من بحر فارس بين عمان والبحرين، افتتحها عثمان بن أبي العاص الثقفيّ في أيّام عمر بن الخطاب لما أراد غزو فارس في البحرين، مرّ بها في طريقه وكانت من أجلّ جزائر البحر . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 3، ص 57 .
(2) سماهيج : جزيرة في المجر، تدعى بالفارسيّة ماش ما هي، فعرّبته العرب، وقيل هي قرية على جانب البحرين . ياقوت الحمويّ، المصدر نفسه : ج 5، ص 65 .
(3) المشتور، من الشتر : انقلاب في جفن العين الأسفل . ينظر : الفراهيديّ، العين : ج 6، ص 245 .
(4) مقاتل بن مسمع، كان أحد القادة لمقاتلة الخوارج الأزارقة سنة 72 هـ ، من ناحية كرمان إلى دار أبجرد، فقاتل حتى قتل. الطبريّ، تاريخ : ج 5، ص 17 .
(5) ربمّا هو زياد بن عَمْرو، أبو عَمْرو بن زياد القرشيُ الفهريّ، روى عن ابن عبّاس . ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل : ج 3، ص 539 .
(6) القَلس : ما خرج من الحلق ملءَ الفم أو دونه، وليس بقيء، والقَلس الشرب الكثير من النبيذ،

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 303 ـ

  من أهل هَجَر ؟ لحق أبوك بالطائف وهم يضمُون مَن تأشّب إليهم، يتعزّزون به، أمَا والله لأردّنَك إلى أصلك، ثمّ أُتي بشيخ بن النّعمان (1) ، فقال : يا ابنَ الخبيث، إنّما أنت عِلْجٌ من أهل زَنْدَوَرد (2) ، هربت أمُك وقُتل أبوك، فتزوّج أختَه رجلٌ من بني يشكر، فجاءت بغلامين، فألحقَاك بنسبِهما، ثمَ ضربهم مائةً مائةً، وحلَق رؤوسَهم ولحاهم، وهَدَم دورَهم، وصَهَرَهم في الشّمس ثلاثاً، وحملهم على طَلاق نسائهم، وجمّر أولادَهم في البُعوث، وطاف بهم في أقطار البصرة، وأحلفهم أن لا ينكِحُوا الحرائر، وبعث مصعب خداش بن يزيد (1) الأسديّ في طلبِ مَن هَرَب مِن أصحاب خالد، فأدرك مرّة بن محكان فأخذهُ، فقال مرّة :
بـني أسـدٍ إن تقتلوني iiتحُاربوا      تميماً إذا الحرب العَوانُ iiاشمعلَتِ
بـني  أسـد هل فيكمُ مِن iiهوادةٍ      فتَعفُون  إن كانت بي النعلُ iiزلَتِ
فلا تحسب الأعداء إذْ غبتُ عنهم      وأُوريـتُ مـعناً أنَ حربيَ iiكلَتِ
تـمشَى  خـداش ي الأسكّةِ آمناً      وقـد  نهلت منّي الرّماحُ iiوعلَتِ
  فقرّبه خدَاش فقتلَه - وكان خداش على شرطة مصعب - وأمر مصعب سنانَ ابن ذهل أحد بني عَمْرو بن مرثد بدار مالك بن مسمع فهدمها، وأخذ مصعب ما

*************************************************
والقّلس الغناء الجيّد، والقَلس الرّقص في غناء، والقَلس والتقليس، الضرب بالدُف والغناء، والقَلس حبلٌ ضخمٌ مِن ليف أو خوص، وقيل هو حبلٌ غليظٌ مِن حبال السُفن . ابن منظور، لسان : ج 6، ص 182 .
(1) لم أعثر على ترجمته .
(2) زندورد : منزلٌ من منازل الأنباط بالسّواد، قال ابن مُفرغ يهجو عبيد الله بن زياد :
تبينَْ هل بيثربَ زَنْدَوَردٍ      قُرى آبائك النّبط iiالعلاِج
ينظر : أبو عبيد البكريّ، معجم ما استعجم : ج 2، ص 703 .
(3) خداش بن يزيد الأسديّ، كان على شرطة مصعب بن الزبير في البصرة . الطبريّ، تاريخ : ج 5 ، ص 5 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 304 ـ

  كان في دار مالك، فكان فيما أخذ جارية ولدت له عمر بن مصعب (1) ، قال : وأقام مصعب بالبصرة حتى شخص إلى الكوفة، ثمّ لم يزل بالكوفة حتى خرج لحرب عبد الملك، ونزل عبد الملك مسكَن (2) ، وكتب عبد الملك إلى المروانيّة من أهل العراق، فأجابه كلُهم، وشرط عليه ولاية أصبهان، فأنعمَ بها لهم كلّهم، منهم حجّار ابن أبجر (3) ، والغضبان بن القبعثريّ (4) ، وعتّاب بن ورقاء (5) ، وقطن بن عبد الله الحارثيّ (6) ، ومحمّد بن عبد الرحّمن بن سعيد بن قيس، وزَحر بن قيس، ومحمّد بن عُمير (7) ، وعلى مقدّمته محمّد بن مروان (8) ، وعلى ميمنتِه عبد الله بن يزيد بن معاوية (9)

*************************************************
(1) عمر بن مصعب بن الزبير بن العوّام القرشي . البخاري، التاريخ الكبير : ج 6، ص 196 .
(2) مسكّن : طسوج يقع غربي دجلة بين أرض السّواد وأوّل أرض تكريت، وفيه قُتِل مصعب بن الزبير . الحمريّ، الرّوض المِعطار في خبر الأقطار (تحقيق : د. إحسان عباس، ط 2، بيروت - 1984 ) : ص 251 .
(3) حجّار بن أبجر بن جابر بن بجر بن عائذ، من بني ربيعة البكريّ العجلي الكوفي . ابن سعد، الطبقات : ج 6، ص 231 ، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 12 ، ص 205 .
(4) الغضبانُ بنُ القبعثريُ الشيبانيُ البصريُ، كان مِن علماء العرب . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 48 ، ص 62 .
(5) عتّاب بن ورقاء بن الحارث بن عَمْرو، أبو ورقاء الرّياحيّ اليربوعيّ التميميّ، ولاّه مصعب إمارة أصبهان، حارب الخارجين على مصعب في الرّي، ومهّد أمورَها، ثمَ انتدبه الحجَاج لقتال شبيب ابن يزيد، فقُتل في وقعة تعرف بيوم عقاب سنة 77 هـ . الزركليّ، الأعلام : ج 4، ص 200 .
(6) قطن بن عبد الله الحارثيّ، ولاّه عبد الملك بن مروان ولاية الكوفة بعد قتل مصعب بن الزبير . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 15 ، ص 178 .
(7) محمّد بن عمر بن عطارد بن حاجب التميميّ مِن أشراف الكوفة، وله مع الحجَاج وغيره من أمرائها أخبار . ابن حَجَر العسقلانيّ، الإصابة : ج 6، ص 271 _ 272 .
(8) محمّد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة، كان والي الموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان، له وقائع مع الرّوم، وهو والد مروان آخر ملوك بني أميّة، توفيّ سنة 101 هـ . الزركليّ، الأعلام : ج 7، ص 95 .
(9) عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان القرشي الأمويّ، أمّه أمّ خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 305 ـ

  وعلى ميسرته خالد بن يزيد (1) ، وسار إليه مصعب وقد خذله أهلُ الكوفة) (2) .

خبرُ استخلاف سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي (3) (72 هـ / 691 م)

  (وذكر عمر بن شبَة أنّ مصعباً استخلفه على البصرة لمّا خرج لقتال عبد الملك بن مروان، وذلك سنة اثنتين وسبعين) (4) .

خبرُ قتل مصعب بن الزبير (72 هـ / 691 م)

  (حدّثني أبو زيد، قال : حدّثني عليّ بن محمّد، قال : مرّ ابنُ ظَبيان بابنةِ مطرف بالبصرة فقيل لها : هذا قاتلُ أبيك، فقالت : في سبيل الله أبي، فقال ابن ظَبيان :
فلا في سبيلِ الله لاقى حمِامَهُ      أبوكِ ولكن في سبيل الدَراهم

  فلماّ قُتِل مصعب، دعا عبد الملك بن مروان أهلَ العراق إلى البيعة، فبايعُوه، وكان مصعب قُتِل على نهرٍ يُقال له الدُجيل (5) عند دير الجاثليق (6) ، فلماّ قُتِل أمرَ به عبدُ الملك

*************************************************
ربيعة . ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 33 ، ص 387 .
(1) خالد بن يزيد بن معاوية، أبو هشام الأمويّ، أمّه أمّ هاشم بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة، توفي سنة 90 هـ في حكم الوليد بن عبد الملك . ابن عساكر، المصدر نفسه : ج 16 ، ص 301 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 5، ص 5 _ 6 .
(3) سنان بن سلمة بن المحبّق، أبو عبد الرحّمن البصريّ الهذلي، كان أميراً على البحرين، توفي في آخر ولاية الحجَاج على العراق . ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 124 ، 212 .
(4) ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 3، ص 202 ، تهذيب التهذيب : ج 4، ص 212 .
(5) الدُجيل : اسم نهرٍ في موضعين، أحدهما مخرجُه من أعلى بغداد بين تكريت وبينها مقابل القادسيّة دون سامراء، فيسقي كُوْرةً واسعةً وبلاداً كثيرةً، منها أوانا، وعكبرا، والحظيرة، وصريفين، وغير ذلك، ثمّ صَبُ فضلتِهِ في دجلة، ومن دُجيل هذا مسكَن التي كان عندها حرب مصعب ومقتله . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 4، ص 291 .
(6) دير الجاثليق : دير قديم البناء، رُحب الفناء، من طسوج مسكَن قرب بغداد في غربي دجلة، وهو

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 306 ـ

  وبابنه عيسى (1) فدُفِنا) (2) .
  (قال عمر بن شبَة : وحدّثني محمّد بن يحيى، قال : تزوّج مصعب سكينة (3) ، وهو يومئذٍ بالبصرة، عامل لأخيه عبد الله بن الزّبير، وكان بينَ مصعب وبين أخيه رسول يقال له أبو السلاَس، وهو الذي جاء بنعيه، فقال ابن قيس (4) فيه :
قد أتانا بما كرهنا أبو السلاس      كـانت بـنفسه الأوجاع ii(5)
  (وحدّثني عمر، قال : حدّثني علي بن محمّد قال : قُتل مصعب يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادي الأولى أو الآخرة سنة 72 هـ) (6) .

*************************************************
في رأس الحد بين السّواد وأرض تكريت، وعنده قُتِل مصعب. ياقوت الحمويّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 337 .
(1) عيسى بن مصعب بن الزّبير، أحد الشّجعان، كان مع أبيه في العراق وقُتِل معه . الزركليُ، الأعلام : ج 5، ص 109 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 5، ص 9 .
(3) زعمُوا أنّ السيّدة سَكينة (ع) تزوّجت مصعب بن الزّبير وهو أبو عذرتها، وهي من موضوعات آل الزبير، فإنَ رواتها هم الزبير بن بكّار ومصعب الزّبيري وعروة بن الزّبير، والمعروف أنّ زوجها الأوّل هو عبد الله الأكبر بن الإمام الحسن (ع) ، وهو أبو عذرتها، وقيل : إنَ أبا عذرتها هو عمر ابن الحسن بن عليٍ (ع) ، ولا توجد أيُ صحّةٍ بشأن زواجها من مصعب، فإنَ آل الزبير كانوا من مبغضي الإمام عليٍ وأهل بيته (ع) ، وقد حاربُوه في الجمل، وكان عبدُ الله بن الزّبير مِن المعادين لآل البيت (ع) . للمزيد ينظر : العامليّ، السيّد جعفر مرتضى : مختصر مفيد (ط 1، المركز الإسلامي للدراسات، بيروت - 2004 ) : ج 9، ص 172 _ 174 .
(4) هو عبد الله بن قيس بن شريح بن مالك بن ربيعة الرّقيّات، من قريش الظواهر، وإنمّا نُسب إلى الرُقيّات ، أنّ جدّاتٍ له تواليَن يُسَميَنَ رقيّة، وقيل : أنّه شبّب بثلاث نسوةٍ سُمين جميعاً رُقيّة، كان زبيريَ الهوى، وخرج مع مصعب، ولما قُتل مصعب هرب، فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فسأل عبد الملك في أمره فأمّنه. أبو الفرج الأصفهانيّ، الأغاني : ج 5، ص 80 ، 84 .
(5) أبو الفرج الأصفهاني، المصدر نفسه : ج 16 ، ص 163 .
(6) الطبريّ، تاريخ : ج 5، ص 11 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 307 ـ

أخبارُ الوالي مصعب بن الزبير

  (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ، عن أبي زيد، عن معاوية، عن عَمْرو، عن زائدة، عن عطاء بن السّائب، عن أبي البختريّ، قال : مرَ عبيدة (1) بالمسجد، فسمِع مصعباً حين فرغ مِن الصلاة يقول : لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له، يرفعُ صوته بها، فقال : ما له قاتله اللهُ ؟ إنّه لغار بالبِدَع، ثمَ صار هذا سنّةً في العامّة، يفعلونها إلاّ أنهّم يقولون في آخر الصّلاة : يارب يارب) (2) .
  (قال أبو زيد : كان ابنُ عُصيفير محبوساً بمائة ألفٍ، فبلغه أنَ مصعباً يريد الكوفة، فأمر رجلاً أن يُقسم ألا نزَلَ الأحنفُ في طريقِه، وينزله داره إذا قدِم، ففعل، فكلّم الأحنف فيه مصعباً، فقال : عليه مائة ألف، فقال : مثلُك أيهّا الأمير يسألهُا ؟، ومثلي سألها، ومثله تُرِكَت له، فقال : هي لكَ ومثلُها، فلماّ أحرزها الأحنف جعلها لابن عُصيفير.
  وكلّم الأحنف مصعباً في عبد الله بن الحرّ (3) ، وكان محبوساً، فأطلقه، فقال ابن الحرّ : ما أدري بِمَ أكافئك، إلاّ أنيّ أقتلك فتدخل الجنّة وأدخل النّار، فقال : لا حاجة لي في مكافأتك، وكان مصعباً مِن أحسن النّاس وجهاً وأسخاهم كفّاً وأشجعهم قلباً، وكان أحبّ عمال العراق إلى النّاس لِلينه في موضع اللين، وشدَته في موضع الشّدَة، وكان أمر أخيه عبد الله مستقيماً حتى قُتل، فاضطرب أمرُه، وانحلَ نظامه، والذي أنكر على مصعب وهجَنَ أمرَه، أنّه أمَن أصحاب امختار - وهم خمسة آلاف - فلماّ خرجوا

*************************************************
(1) عبيدة يقصد به عبيد الله بن أبي بكرة .
(2) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 252 .
(3) عبدُ الله بن الحرّ كان كوفيّاً خرج إلى الشام وقاتل مع معاوية، ولما استشهد الإمام علي (ع) رجع للكوفة، ولما مات معاوية عاث في حال الخراج بالمدائن، فظفر به مصعب وسجنه وشفع فيه، فأُخرج، فعاد إلى الفساد والخروج، فحاربه مصعب، مات مقتولاً آخر سنة 68 هـ . الصفديّ، الوافي بالوفيات : ج 17 ، ص 68 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 308 ـ

  إليه قتلهم، فقال له عبدُ الله بن عمر : لو أنّ رجلاً أتى غنماً للزّبير فذبَح في غداةٍ واحدةٍ خمسة آلاف أ كنتَ تراه مسرفاً ؟ قال : نعم واستحيى، وقتل عَمرة بنت النّعمان بن بشير زوجة المختار، فقال عمر بن أبي ربيعة (1) :
إنّ مِن أعجب العجائب عندي      قـتلُ  بـيضاءَ حرّةٍ عطبولِ
كُـتب  الـقتلُ والقتالُ iiعلينا      وعلى المحصنات جرُ iiالذُيولِ
  وبقي مصعب أميراً على العراق حتى صار إليه عبد الملك، فقاتله، فأسلمه أهل العراق، وتفرّقوا عنه، فبقي في سَعةٍ فأمّنه عبدُ الملك، وضمن له أن يولّيَه العراق، فقال : إنَ مثل هذا الأمر لا ينكشف عن مثلي إلاّ وهو غالبٌ أو مقتول، فأمّن أهل الشام ابنه عيسى، فقال له مصعب : صرِ إليهم فقد أمّنوك، فقال : لا تتحدّث نساء قريش أنيّ قد أسلمتك، قال : فتقدَم احتسبك، فتقدّم، فقُتل بن يديه، وشدّ على مصعب عبدُ الله بن زياد بن ظَبيان، وشدّ عليه مصعب فضربه فهشم رأسَه فرجع وعالجه، وجاء وشدّ عليه وزرقه زائدة فصرع، ونزل ديامي – مولى عبد الله بن زياد بن ظَبيان – واحتزّ رأسه، وحمله عبد الله بن زياد إلى عبد الملك، فلماّ رآه سجد، فقال عبد الله : ندمت ألاّ أكون ضربت رأس عبد الملك حين سجد فأكون قد قتلتُ مَلِكَي العِراق وتركتُها تضطرب، فقال الأقيشر يرثي مصعباً :
واللهِ  مـا حـدَثتُ قـائدَ جحفلٍ      عـند  الـوغى متقلب iiالأزوالِ
أمضى وأكرم مشهداً مِن مصعبٍ      لـولا  تـقارب مـدّة iiالآجـالِ
  وكان مصعب يوم قتل نيِّف وثلاثون سنة) (2) .

*************************************************
(1) عمر بن أبي ربيعة، هو عمر بن عبد الله بن عَمْرو بن المغيرة المخزوميّ القرشيُ، أبو حفص، شاعر كان يفِدُ على عبد الملك فيكرمه، وغزا في البحر فاحترقت السّفينة به وبمَن معه فمات غرقاً، وقد جاوز السّبعين سنة 93 هـ . كحّالة، عمر : معجم المؤلفين (بيروت - د. ت) : ج 7، ص 294 .
(2) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 253 _ 254 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 309 ـ

أخبارُ القاضي هشام بن هبيرة (1) (64 _ 72 هـ / 683 _ 691 م)

  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن هشام بن عبد الملك، عن قتادة، قال : قلت لسعيد بن المسيَب (2) : إنّ هشام بن هبرة كتب إلى شريح في مكاتب ترك دَيناً وترك بقيّةً من مكاتبتِه ولم يدع وفاء، فكتب إليه : إنّه بالحصص، فقال سعيد : أخطأ شريح وكان قاضياً، وقضاء زيد بن ثابت (3) أنّ الدَين أحقُ مِن المكاتبةِ) (4) .
  (وقال: حدّثنا هشام قال، حدّثنا ريك عن سام بن ثوبان، قال: جلبتُ بغالً إى البرة، فعرف رجلٌ بغاً أو بغلةً، فخاصمني إى هشام، فقى له عيَ وكتب إى ريح، فقدّمت صاحبي إليه، فقال: بعته هذا البغل أو البغلة؟ قال: نعم: فقى ي عليه) (5) .
  (وقال: حدّثنا موسى بن إساعيل، قال: حدّثنا مَاد عن قتادة، أنّ امرأةً وهبت ولء موىً لزوجها، فقال هشام بن هبرة: أمّا أنا فأجعله له ما عاشَ، إذا مات الزوج رجع الولء إى عصبتِه) (6) .

*************************************************
(1) هشام بن هبيرة بن فضالة، تولّى قضاء البصرة سنة 64 هـ، وتوفيّ في أوّل ما قدم الحجَاج العراق . ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 151 ، وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 298 .
(2) سعيد بن المسيّب بن حزن بن أبي وهب المخزوميّ، ولد بعد أن استُخلف عمر بأربع سنين، ومات وهو ابنُ أربعٍ وثمانينَ، وصف بأنّه كان فقيه الفقهاء وعالم العلماء. ابن سعد، الطبقات : ج 5، ص 119 ، 121 .
(3) زيد بن ثابت بن الضحّاك بن زيد بن لوذان الأنصاريّ من بني النجّار، يكنى أبا سعيد، وقيل أبا عبد الرّحمن، كان حينما قدم الرسول (ص) إلى المدينة ابن إحدى عشرة سنة، شهد أحداً والخندق، وكان يكتب للرسول (ص) الوحي وكتب لأبي بكر وعمر، وكان على بيت المال أيّام عثمان، توفي سنة 50 هـ ، وقيل قبل ذلك أو بعده . ابن عبد البر النُميَرْيّ، الاستيعاب : ج 2، ص 537 ، 538 _ 540 .
(4) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 299 _ 300 .
(5) وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 300 .
(6) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 300 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 310 ـ

  (قال : وحدّثنا أحمد بن إبراهيم الموصليّ، قال، حدّثنا حمَاد بن يزيد عن أبيه، قال : رفع إلى هشام بن هبيرة قومٌ يخلطون دقيق الشعر ودقيق البرُ، فحلَق أنصاف رؤوسهم وأنصاف لحاهم، قال حمّاد : وأنا أراه، قال : أنا رأيتُهم) (1) .

خبرُ قتل مطرِف الباهليّ (2) (72 هـ / 691 م)

  (فحدّثني عمر بن شبَة، قال : حدّثني أبو الحسن المدائنيّ ومخلد بن يحيى بن حاضر، أنّ مطرفاً أتى بالنابئ بن زياد بن ظَبيان ورجلٍ من بني نُميَر قد قطعا الطريق، فقَتَل النابئ ورَب النُميَرْيّ بالسّياط فتركَهُ، فجمع له عبيد الله بن زياد بن ظَبيان معاً بعد أن عزله مصعب عن البصرة وولاّه الأهواز، فخرج يريده، فالتقيا فتوافقا وبينهما نهر، فعبرَ مطرف إليه النهر، وعاجله ابن ظَبيان فطعنه فقتله، فبعث مصعب مُكرم بن مطرف في طلب ابن ظَبيان فسار حتى بلغ عسكر مُكرَم (3) ، فنُسب إليه ولم يلق ابنَ ظَبيان، ولحق ابن ظَبيان بعبد الملك لما قتل أخوه، قال البَعيث اليشكريُ (4) بعد قتل مصعب يذكر ذلك :
ولمّا رأينا الأمر نُكْساً صدورُه      وهـمُ الهوادي أن تكُنَ iiتواليا


*************************************************
(1) المصدر نفسه : ج 1، ص 300 .
(2) مطرّف بن سيدان الباهليّ، تولّى شرطة البصرة من قبل مصعب بن الزبير، ثمّ عزله وولاّه الأهواز، فقتله ابن ظَبيان سنة 72 هـ . ينظر : الطبريّ، تاريخ : ج 5، ص 9 .
(3) عسكر مُكرم : بلدٌ مشهور من نواحي خوزستان، منسوب إلى مُكرم بن معزاء الحارث، أحد بني جعونة بن الحارث بن نمير بن عامر بن صعصعة صاحب الحجَاج، وقيل : بل مولى كان للحجَاج، بعثه لمحاربة خرزاد بن باس حين عصى، وكانت هناك قرية قديمة فبناها مُكرَم وجعلها مدينة، وسماّها عسكر مُكرَم . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 6، ص 328 .
(4) البَعيث اليشكريّ : هو خداش بن بشر بن خالد بن الحارث بن ببّه بن قرط، أبو يزيد التميميّ المجاشعيّ المعروف بالبَعيث، أحد الشعراء المجيدين، بصريّ، وقيل : كان خطيباً شاعراً . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 16 ، ص 323 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 311 ـ

صـبرنا  لأمـرِ الله حـتّى iiيُـقيمَه      ولـم نـرضَ إلاّ مِـن أمـيّة iiواليا
ونـحنُ قـتلنا مصعباً وابنَ iiمصعب      أخــا أســدٍ والـنّخعِيَ الـيمانيا
ومـرّت  عُـقَابُ الموتِ منّا iiبمسلمٍ      فـأهوت  لـه نـاباً فـأصبح iiثاوِيا
سـقَينا  ابـنَ سـيدانٍ بكأسٍ iiرويَةٍ      كفتنا، وخيرُ الأمر ما كان كافيا) (1)

خبرُ التنازع بين حُمران بن أبان وعبيد الله بن ابي
بكرة على ولاية البصرة (72 هـ / 691 م)


  (حدّثني عمر بن شبَة، قال : حدّثني عليّ بن محمّد، قال : لمّا قُتل المصعب وثب حمُران بن أبان وعبيد الله بن أبي بكرة فتنازعا في ولاية البصرة، فقال ابن أبي بكرة : أنا أعظم غناءً منك، أنا كنت أُنفِقُ على أصحاب خالد يوم الجُفرة، فقيل لحُمران إنّك لا تقوى على ابن أبي بكرة فاستعن بعبد الله بن الأهتم فإنَه إن أعانك لم يقوَ عليك ابنُ أبي بكرة، ففعل، وغلب حمُران على البصرة وابن الأهتم على شرُطها، وكان لحُمران منزلة عند بني أميّة) (2) .
  (حدّثني أبو زيد، قال : حدّثني أبو عاصم النبيل، قال : أخبرني رجلٌ، قال : قدم شيخٌ أعرابيٌ فرأى حمُران، فقال مَن هذا ؟ فقالوا : حمُران، فقال : لقد رأيتُ هذا وقد مال رداؤه عن عاتقه، فابتدرَه مروان وسعيد بن العاص أيهمُا يسويه) (3) .
  (قال أبو زيد : قال أبو عاصم : فحدّثتُ ذلك رجلاً مِن ولد عبد الله بن عامر، فقال :

*************************************************
(1) الطبريّ، تاريخ : ج 5، ص 9، وقد أورد البلاذريّ الرواية نفسها بشيءٍ من التصرّف، بقوله : (حدّثني عمر بن شبَة عن مخلد بن يحيى أنّ مصعب بن الزبير ولىّ مطرّف بن سيدان الباهليّ أحد بني جئاوة شرطته في بعض الأيام التي ولي فيها العراق لأخيه عبد الله ...) . ينظر : أنساب الأشراف : ج 7، ص 21 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 5، ص 13 .
(3) الطبريّ، المصدر نفسه : ج 5، ص 13 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 312 ـ

  حدّثني أبي أنَ حمُران مدّ رجلَه فابتدر معاوية وعبد الله بن عامر أيهمُا يغمِزُها) (1) .

خبرُ ولاية خالد بن عبدالله بن خالد بن أسيد على البصرة (72 هـ / 691 م)

  (حدّثني عمر، قال : حدّثني عليّ بن محمّد، قال : مكث حمُران على البصرة يسيراً، وخرج ابن أبي بكرة حتى قدم على عبد الملك الكوفة بعد مقتل مصعب، فولىّ عبدُ الملك خالدَ بن عبد الله بن خالد بن أُسيد على البصرة وأعمالها، فوجّه خالد عبيد الله بن أبي بكرة خليفته على البصرة، فلماّ قدم على حمُران، قال : أ قد جئت ؟ لا جئت!، فكان ابنُ أبي بكرة على البصرة حتى قدِم خالد) (2) .

أخبار الوالي بشر بن مروان (3) على البصرة (74 هـ / 693 م)

  (حدّثني أبو زيد، حدّثني عبد الله بن محمّد بن حكيم، عن خالد بن سعيد بن عَمْرو ابن سعيد، عن أبيه، قال : قَحَطَ النّاس في زمن بشِر بن مروان، فخرجوا فاستسقَوا وبشرٌ معهم، فرجعوا وقد مطروا، ووافق ذلك سيلاً من اللَيل، فغرقت ناحيةُ بارق (4) وبني سليم.

*************************************************
(1) الطبريّ، المصدر نفسه : ج 5، ص 13 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 5، ص 13 .
(3) بشر بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس، أبو مروان الأمويّ القرشي، أخو عبد الملك، ولاّه الكوفة والبصرة سنة 74 هـ، كان ممّدَحاً، توفي بالبصرة سنة 75 هـ، وهو أوّل أمير مات بالبصرة . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 1، ص 253 ، 264 .
(4) ناحية بارق : بارق ماءٌ بالعراق، وهو الحدّ بين القادسية والبصرة، وهو من أعمال الكوفة . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 1، ص 255 ، ويظهر أنّ المطر والاستسقاء كان الكوفة، وليس في البصرة، فيكون ذلك الحدث ضمن أخبار الكوفة، إلاّ إنّه في الوقت نفسِه حدث وقعٌ في أيّام إمرة بشر على البصرة وضمن سيرته وأخباره، فربمّا قد أوردَ عمر بن شبّة هذا الخبر في كتابه أخبار البصرة الذي تطرّق فيه إلى أخبار ولاتهَِا أيضاً .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 313 ـ

  فخرج بشِر من الغد ينظر إلى آثار المطر حتى انتهى إلى بارق، فإذا الماءُ في دار سرُاقة ابن مرداس البارقيّ (1) ، وسرُاقة قائمٌ في الماء، فقال : أصلحَ الله الأمير، إنّك دعوت أمس ولم ترفع يديك فجاء ما ترى، ولو كنتَ رفعتَ يديك جاء الطُوفان، فضحِك بشر، فأنشأ سرُاقة يقول :
دعـا  الرّحمن بشِرٌ iiفاستجابا      لـدعوته  فـأسقانا الـسَحابا
وكان دعاءُ بشرٍ صوبَ غيثٍ      يُـعاش  به ويحُيى ما iiأصابا
أغـرُ بـوجهِهِ نُسقى ونُحيى      ونستجلي بغرَتهِ الضّبابا ii(2)
  (حدّثني أبو زيد النُميَرْيّ، حدّثني شهاب بن عبّاد، قال : مدح ابن قيس الرّقيّات بشر بن مروان، فقال :
يا بشرُ يا ابنَ الجعفريّة ما      خـلَقَ الإلـهُ يديكَ iiللبُخلِ
جـاءت بـه عجز iiمقابلة      ما  هنَ مِن جُرم ولا عُكلِ
  فقال له بشر : احتكم، قال : عشرونَ ألفاً، قال : قبّحك الله، لك عشرون وعشرون، حتى بلغ مائةَ ألفٍ) (3) .
  (وقال : وحدّثني أبو زيدٍ النُميَرْيّ، حدّثنا بكر بن عبد الله عن مالك بن دينار، قال : مات بشر بن مروان فدُفن، ثمّ مات أسود فدُفن إلى جنبه، فمررتُ بقربهما بعد ثلاثة أيّام، فلم أعرف قبرَ أحدهِما مِن قبرِ صاحبِه، فذكرتُ قولَ الشاعر :

*************************************************
(1) سرُاقة بن مرداس الأزديّ البارقيّ، شاعر من العراق، قدم دمشق أيّام عبد الملك هارباً من المختار الثقفيّ، وكان قد هجاه، ثمَ رجع إلى العراق مع بشر بن مروان . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 20 ، ص 156.
(2) ابن أبي الدنيا، مكارم الأخلاق : ص 142 _ 143 .
(3) ابن أبي الدنيا، مكارم الأخلاق : ص 142 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 314 ـ

والعُظيَاتُ خشاش بينهم      فـسَواءٌ قبر مُثرٍ iiومُقِل (1)

أخبار القاضي موسى بن أنس (2) (75 هـ / 694 م)

  (وحدّثني عبد الله بن الحسن عن النُمَيرْيّ، عن موسى بن إسماعيل، عن أبي هلال الراسبيّ، قال : قدمت إلى موسى بن أنس قصاراً (3) دفعت إليه كرابيس (4) ، فجحدي فاستحلفه) (5) .

خبرُ ولاية الحجَّاج بن يوسف الثقفي (6) (75 هـ / 694 م)
خبرُ دخول الحجَّاج البصرة سنة (75 هـ / 694 م)


  (حدّثني عمر بن شبَة، قال : خرج الحجَاج إلى البصرة واستخلف بالكوفة أبا يعفور (7) عروة بن المغيرة بن شعبة، فلم يزل عليها حتى فرغ الحجَاج من رستقباد) (8) .

*************************************************
(1) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 10 ، ص 265 .
(2) موسى بن أنس بن مالك بن النضر، وأمُه من أهل اليمن، ثقةٌ قليلُ الحديث، استقضاه الحجَاج، فوقعت فتنةُ ابن الزبير فلزم بيته . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 192 ، المزيّ، تهذيب الكمال : ج 16 ، ص 510 .
(3) القصَار : المحور للثياب ، لأنّه يدقّها بالقصَرََة، التي هي القطعة من الخشب، وحرفتُه القِصَارة . ابن منظور، لسان العرب : ج 5، ص 104 .
(4) كرابيس، مع كِرباس، الكرباس والكرباسة، ثوبٌ فارسيٌ، وقميصٌ من كرابيس، هي مع كرباس، وهو القطن . ابن منظور، لسان العرب : ج 6، ص 195 .
(5) وكيع أخبار القضاة : ج 1، ص 309 .
(6) الحجَاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل، أبو محمّد الثقفيّ، ولاّه عبد الملك على الحجاز، فقتل ، ابن الزّبير، ثمّ عزله وولاّه العراق، توفي سنة 95 هـ . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 12 ، ص 113 ، 197 .
(7) عروة بن المغيرة بن شعبة الثقفيّ، يكنى أبا يعفور، كان أميراً على الكوفة . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 6، ص 269 .
(8) رستقباد : قيل هي تعريب (رستم كواد) ، وهو اسم مدينة من مدن خوزستان، أصبحت خراباً في صدر الإسلام، ثمّ أُختطّت بالقرب منها مدينةُ عسكر مكرم . ينظر : ياقوت الحمويّ، معجم

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 315 ـ

  (أخبرنا أحمد بن يحيى، قال، حدّثنا عمر بن شبَة عن أشياخه، قال : لما ولىّ عبد الملك ابن مروان الحجَاج بن يوسف العراق اتّصلَ به سرََفُه في القتل، وأنّه أعطى أصحاب الأموال، فكتب إليه عبد الملك :
  أمّا بعدُ، فقد بلغني سرفُكَ في الدّماء، وتبذيرك الأموال، وهذا لا أحتمله لأحدٍ من النّاس، وقد حكمتُ فيك في القتل العَمد بالقَوْد، وفي الخطأ بالدّية، وأن تردَ الأموال إلى مواضعها، فإنمّا المالُ مالُ اللهِ عزّ وجلّ، ونحن خُزّانه، وسيّان منعُ حقٍ وإعطاءُ باطلٍ، فلا يؤمنَنَك إلاّ الطاعة ولا يخُيفَنّكَ إلاّ المعصية، وكَتَبَ في أسفل الكِتاب :
إذا  أنـتَ لم تترك أموراً iiكرِهتَها      وتطلب رضاي في الذي أنا طالبُهْ
وتـخشى الذي يخشاه مثلك iiهارباً      إلـى  الله مـنه ضيَع الدُرَ iiجالبُهْ
فـإنْ تـرَ مـنيي غـفلةً iiقرشيّةً      فـيا  ربماَ قد غصَ بالماءِ iiشاربُهْ
وإنْ  تـرَ مـنيي وثـبةً iiأمـويّةً      فـهذا وهـذا كـلُه أنـا iiصاحبُهْ
ولا تَـعدُ مـا يأتيكَ منّي فإنْ iiتعُدْ      تـقُمْ  فـاعلمَنْ يوماً عليكَ نوادبُهْ
  فلماّ ورد الكتاب على الحجَاج وقرأه كَتَبَ جوابَهُ : أمّا بعدُ فقد جاءني كتابُ أمير المؤمنينَ يذكرُ فيه سرفََي في الدّماء وتبذيري الأموال، فو اللهِ ما بالغت في عقوبة أهل المعصية، ولا قضيت حقَ أهلِ الطّاعة، فإن يكن قَتلي للعُصَاةِ سرََفَاً، وإعطائي أهل الطاعةِ تبذيراً، فليُمضِ لي أميرُ المؤمنينَ ما سَلَف، وليحدد لي أميرُ المؤمنينَ فيما يحدث حدّاً أنتهي إليه ولا أتجاوزه.
  وكتب في أسفل الكتاب :
إذا أنا لم أطلب رضاك وأتّقي      أذاكَ فيومي لا توارت كواكبُهْ

*************************************************
(1) البلدان : ج 6، ص 328 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 216 ـ

إذا  قـارف الـحجَاجُ فـيك iiخطيئةً      فـقامت عـليه فـي الصّباحِ نوادبُهْ
أُسـام مَـن سـالمت من ذي iiهوادةٍ      ومَـن  م تـسالمه فـإنيّ iiمـحاربُهْ
إذا أنـا لـم أُدْنِ الـشّفيقَ لـنُصحِهِ      وأُقـصِ  الـذي تسري إليّ iiعقاربُهْ
فـمَن  يـتّقي يومي ويرجو إذا iiغدا      على ما أرى والدّهر جمٌ عجائبُهْ (1)

خبرُ زواج الحجَّاج من هند بنت أسماء بن خارجة (2)

  (... ثمَ خلف عليها الحجَاج، وكان السبب في ذلك فيما ذكره المدائنيُ عن الحِرمازيّ، عن القحذميّ، وأخبرني به مِن ها هنا أحمد بن عبد العزيز، عن ابن شبَة، عن عثمان بن عبد الوهّاب، عن عبد الحميد الثقفيّ، قال : كان السبب في ذلك أنّه بعث بُردة بن أبي موسى الأشعريّ (3) - وهو قاضيه - إلى أسماء يقول له : إنَ قبيحاً بي من بلاء أمير المؤمنين عندي أن أُقيمَ بموضعٍ فيه ابنا أخيه بشِرٍ لا أضمهما إليَ، وأتولىّ منهما مثل ما أتولىّ من ولدي، فاسأل هنداً أن تطيب نفساً عنهما) (4) .
  (وقال عمر بن شبَة في خبره : وأعلِمْها أنّه لا بُدَ من التفرقة بينها وبينهما حتى أؤدّبهما، قال أبو بُردة : فاستأذنت فأُذِن لي وهو يأكلُ وهندٌ معه، فما رأيتُ وجهاً ولا كفّاً ولا ذراعاً أحسنَ مِن وجهِها وكفّها وذراعها، وجعلت تُتحفُني وتضع بين يدي.

*************************************************
(1) ابن العديم، بغية الطلب : ج 5، ص 2083 _ 2085 .
(2) هند بنت أسماء بن خارجة بن حصن الفزاريّة، كانت زوج عبيد الله بن زياد، وكانا ل يفترقان في سفرٍ ولا حضرٍ، وحزنت عليه حين وفاته حزناً شديداً، ودخلت الكوفة، قيل : لم يكن في زمانها امرأة شبيهها جمالاً وكمالاً وعقلاً وأدباً . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 70 ، ص 165 .
(3) أبو بردة بن أبي موسى الأشعريّ، واسمه عامر بن عبد الله بن قيس، تولّى قضاء الكوفة بعد شريح، وتوفي بالكوفة سنة 103 أو 104 . ابن سعد، الطبقات : ج 6، ص 268 _ 269 ، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 26 ، ص 43 .
(4) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 2، ص 381 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 317 ـ

  قال أبو زيد في خبره : فدعاني إلى الطعام، فلم أفعل، وجعلَتْ تعبثُ بي وتضحك، فقلت : أمَا والله لو علمتِ ما جئتُ له لبكيتِ، فأمسك يدها عن الطعام، فقال : أسماءُ، قد منعتَها الأكلَ، فقل ما جئتَ له، فلماّ بلّغتُ أسماءَ ما أُرسلتُ به بكت، فلم أرَ والله دموعاً قطُ سائلةً من محاجرَ ألحسن مِن دموعها على محاجرها، ثمّ قالت : نعم أُرسل بهما إليه، فلا أحدٌ أحقُ بتأديبهما منه، وقال أسماء : إنمّا عبد الملك ثمرة قلوبنا، يعني عبد الملك ابن بشر، وقد أنِسنا به، ولكنّ أمرَ الأمير طاعة، فأتيت الحجَاج فأعلمته جوابها وهيئتها، قال ارجع فاخطبها عليّ، فرجعت وهما على حالهما، فلماّ دخلتُ قلت : إنيّ جئتك بغير الرّسالة الأولى، قال : اذكر ما أحببت، قلت : قد جئت خاطباً، قال : أعلى نفسك فما بنا عنك رغبة ؟ قلت : لا، على مَن هو خير لها مني، وأعلمتُه ما أمرني به الحجَاج، فقال : ها هي تسمع ما أدّيت، فسكَتَتْ، فقال أسماء : قد رضِيَتْ، وقد زوّجتُها إيّاه.
  فقال أبو زيد في حديثه : فلماّ زوّجها أبوها قامت مبادرةً وعليها مُطرَف (1) ، ولم تستقلّ قائمةً مِن ثِقل عجيزتها حتى انثنت ومالَت لأحد شقّيها مِن شَحمها، فانصرفت بذلك إلى الحجَاج، فبعث إليها بمائة ألف درهم وعشرين تختاً من ثياب، وقال : يا أبا بردة إنيّ أحبُ أن تسلّمها إليها، ففعلتُ ذلك وأرسلتُ مَن سلّمه، فأرسلت إليّ : جئتَ قاضياً ورجعتَ دلاّلاً إليها فأرسلت إليَ من المال بعشرينَ ألفاً، ومن الثياب تختين، فقلت : ما أقبل شيئاً حتى أستطلع رأي الأمير، ثمَ انصرفتُ إليه فأعلمتُهُ، فأمرني بقبضةٍ ووصلني بمثله.
  وقال أبو زيد في حديثه : فأرسل إليها بثلاثينَ غلاماً مع كل غلامٍ عشرة آلاف درهم، وثلاثينَ جارية مع كل جارية تختٌ من ثياب، وأمر لي بثلاثين ألفاً وثياباً لم يذكر

*************************************************
(1) مطرف : واحد المطارف، وهي أردِية من خَزٍ مربّعة لها أعلام، وقيل ثوب مربّع من خَزٍ له أعلام، ابن منظور، لسان : ج 9، ص 220

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 318 ـ

  عددها، فلماّ وصل ذلك إلى هند أمَرت بمثل ما أمر لي به الحجَاج، فأبيت قبولَه، وقلت : ليس الحجَاج مّن يُتعرَضُ له بمثل هذا، وأتيتُ الحجَاج فأخبرتُه، فقال : قد أحسنتَ وأضعَف اللهُ لك ذلك، وأمر له بستيّنَ ألفاً، وبضعف تلك الثياب، وكان أوّل ما أصبته مع الحجّاج، وأرسلَ إليها : إنيّ أكره أن أبيتَ خِلْواً ولي زوجة، فقالت : وما احتباس امرأة عن زوجها وقد ملكها وآتاها كرامته وصداقها، فأصلحت من شأنها وأتته ليلاً) (1) .

أخبارُ عبيد الله بن أبي بكرة (2) (79 هـ / 698 م)

  (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ، عن أبي زيد، عن أحمد بن معاوية، عن محمّد ابن داود، قال : أتت امرأةٌ إلى عبيد الله بن أبي بكرة، فقالت : أتيتُك مِن بلدةٍ شاسعةٍ، تخفضني خافضة، وترفعني رافعة، لملماتٍ بريْنَ عظمِي وأذهبْنَ لحمِي، فصرتُ ولَهَْى أمشيِ بالحضيض، قد ضاقَ عليَ العَريض، فسألت في أحياء العرب عَن المحمودِ سيبُه، المأمون عيبُه، والمرجو نائلُه، والكريمِ شمائلُه، فدللت عليك، وأنا امرأةٌ مِن هوازن، قد هلك الوالد، وغاب الوافد، ومِثلُكَ سدَ الخلّة، وفكّ الغلّة، فافعل بي إحدى ثلاث : إمّا أن تحسنَ صفدي، أو تقيمَ أَوَدِي، أو تزوّدني إلى بلدي، قال : بل أجمعُهُنَ لك) (3) .
  (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ، عن أبي زيدٍ، عن الأصمعيّ، قال : مرَ عبيد الله بن أبي بكرة ببني ضُبيعة، فسلّم، فقال رجلٌ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقال لمن

*************************************************
(1) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 20 ، ص 381 _ 382 .
(2) عبيد الله بن أبي بكرة، أبو حاتم الثقفيّ، أحد الكرام المذكورين، والسّمحاء المشهورين، تولّى سجستان من قبل زياد، ثمَ عُزل عنها سنة 53 هـ ، وفي سنة 78 هـ ولىّ الحجَاج عبيد الله بن أبي بكرة سجستان، وتوفي فيها سنة 79 هـ . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 38 ، ص 129 ، 132 ، 142 .
(3) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 246 _ 247 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 319 ـ

  معه : احفظوا إليَ اسمَ الرّجل، فما برِحُوا حتى أتاه صلة) (1) .
  (حدثنا عبد الرحّمن بن أبي حاتم، حدثنا عمر بن شبَة، حدثنا يونس بن أخي عبّاد بن عبّاد المهلّبيّ، حدثنا أبو هلال عن قتادة، قال : سأل عبيد الله بن زياد أبا بكرة، ما أعظم المصيبة ؟ قال : مصيبةُ الرّجل في دِينه، قال : ليس عن هذا أسألُك، قال : فمَوت الأبِ قاصمةُ الظهر، وموتُ الوَلَد صدعٌ في الفؤاد، وموتُ الأخ قصُ الجناح، وموتُ المرأة حُزن ساعةٍ) (2) .

خبرُ مشاركة أهل البصرة في ثورة ابن الاشعث (3) (82 هـ / 701 م)

  (وحدّثني عمر بن شبَة عن هارون بن معروف، عن ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، قال : كتب عماّل الحجَاج إليه : أنّ الخَراج قد انكسر، وأنّ أهلَ الذمّة قد أسلمُوا ولحقوا بالأمصار، فكتب إلى أهل البصرة وغيرها : أنّ مَن كان له أصلٌ في قريةٍ فلْيخرُج إليها.
  فخرج النّاس، فعسكروا وجعلوا يبكونَ ويقولونَ، وا محمّداه، وجعلوا لا يدرونَ أينَ يذهبونَ، فجعل قرّاء أهل البصرة يخرجونَ إليهم متقنّعين، فيبكونَ معهم، وقدم ابن

*************************************************
(1) أبو هلال العسكريّ، المصدر نفسه : ص 247 .
(2) ابن هبة الله، تعزية المسلم : ص 22 .
(3) عبد الرحّمن بن محمّد بن الأشعث بن قيس الكنديّ، من القادة الشجعان، سيرّه الحجَاج لغزو بلاد الترك فحقّق انتصارات باهرة، ثمّ نبذ طاعة الحجَاج وبايعه مَن معه على خلع الحجَاج، فزحف بهم آخر سنة 81 هـ عائداً إلى العراق لقتال الحجَاج، فسيطر على سجستان وكرمان والبصرة وفارس، ثمَ خرجت البصرة من يده، ثمَ استولى على الكوفة، فدارت بينه وبين الحجَاج وقْعةُ دير الجماجم، وانتهت بخروج ابن الأشعث من الكوفة، حتى اضطر إلى الهرب نحو رتبيل، فحماه مدّة، فوردت عليه كتب الحجَاج تهديداً ووعيداً، فقتله رتبيل، وبعث برأسه إلى الحجَاج سنة 85 هـ . ينظر : الزركلي، الأعلام : ج 3، ص 323 _ 324 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 320 ـ

  الأشعث على بغتةِ ذلك فاستبصر أهل البصرة في قتالِ الحجَاج مع ابن الأشعث) (1) .
  (حدّثني عمر بن شبَة عن أبي داود، عن شعبة، عن عَمْرو بن مرّة، قال : لما كان الجماجم (2) أراد القرّاء أن يؤمروا أبا البختريّ (3) الطائيّ، فقال : إنيَ مولى فأمروا رجلاً مِنَ العَرَب) (4) .

أخبارُ أنس بن مالك (93 هـ / 711 م)

  (روى عمر بن شبَة النُميَرْيّ، حدّثنا محمّد بن عبد الله الأنصاريّ، عن أبيه، عن ثمامة بن أنس، قال : قيل أنس بن مالك : أشهِدت بدراً ؟ قال : وأين أغيب عن بدرٍ لا أمَ لك ؟) (5) .
  (قال عمر بن شبَة، وغير واحدٍ : مات وله مائةٌ وسبعُ سنين) (6) .

*************************************************
(1) البلاذريّ، أنساب الأشراف : ج 7 ، 220 ، ج 13 ، ص 380 _ 381 .
(2) الجماجم : هو ديرٌ يعرف بدير الجماجم، يقع بظاهر الكوفة على طريق البر الذي يسلك إلى البصرة، وفيه كانت الواقعة بين الحجَاج وبين عبد الرّحمن بن محمّد بن الأشعث، وذكر أنّ ابن الأشعث لما رأى كثرة مَن معه مِن الجيش بالبصرة، وقد نازله الحجَاج بها، خرج إلى الكوفة ورأى أنّ أهلها أطوع له من أهل البصرة ، لبغضهم الحجَاج ، ولأنّه يجد بها مِن عشائره ومواليه أنصاراً كثيرة، فسار إليها ونزل دير الجماجم، ونزل الحجَاج بإزائه بدير قرّة، ووقعت الحرب بينهما، ثمّ انهزم ابن الأشعث، فعاد إلى البصرة . ينظر : البكريّ، معجم ما استعجم : ج 2، ص 573 _ 574 .
(3) أبو البختريّ الطائيّ : هو عليّ بن عبد الله بن جعفر بن سعيد مولى لبني نبهان من طيء، شهد مع عبد الرحّمن بن الأشعث يوم الدجيل، وقتل سنة 83 هـ . ابن سعد الطبقات الكبرى : ج 6 ، ص 292 .
(4) البلاذريّ، أنساب الأشراف : ج 7، ص 292 .
(5) ابن كثير، البداية والنهاية : ج 3، ص 384 .
(6) ابن كثير، المصدر نفسه : ج 9، ص 109 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 321 ـ

خبرُ وفاة الحجاج بن يوسف الثقفي (95 هـ / 713 م)

  (حكى عمر بن شبَة في أخبار البصرة أنّ الحجَاج لما احتضر استخلف ابنه عبد الملك (1) على الصلاة، ويزيد بن أبي مسلم (2) على الخَراج، ويزيد بن أبي كبشة (3) على الحرب، فأقرَهم الوليد بن عبد الملك حتّى مات) (4) .

خبرُ وفاة قاضي البصرة عبد الرحمن بن أُذينة (5) (95 هـ / 713 م)

  (وقال عمر بن شبَة : حدّثنا محمّد بن حاتم، قال : حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال : حدّثنا أيوب، قال :
  لما مات عبد الرّحمن بن أذينة طلبَ أبا قلابة (6) للقضاء، فهرب حتى أتى الشام،

*************************************************
(1) عبد الملك بن الحجَاج بن يوسف الثقفيّ، استخلفه الحجَاج على الصلاة سنة 95 هـ . ينظر : ابن قتيبة الدينوريّ، المعارف : ص 359 .
(2) يزيد بن أبي مسلم، أبو العلاء الثقفيّ، مولاهم، استكتبه الحجَاج واستعمله الوليد بن عبد الملك على العراق أربعة أشهر لما مات الحجَاج، واستعمله يزيد بن عبد الملك على أفريقية سنة 101 هـ ، وفي سنة 102 هـ وثب الجند عليه فقتلوه . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 5، ص 388 ، 390 ، 394 .
(3) يزيد بن أبي كبشة، واسم أبي كبشة حيويل بن يسار بن حيي بن قرط السكسكيّ الشاميّ، كان عريف السكاسك، ولي الشرطة لعبد الملك، ثمَ وي الصوائف، ثمّ تولّى العراقَين للوليد، ثمَ خراج السند أيّام سليمان، أقام بالهند أقلّ من شهرٍ ثمَ مات . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 65 ، ص 362 ، 367 .
(4) ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 11 ، ص 311 .
(5) عبد الرّحمن بن أذينة بن سلمة من بني عبد قيس العبديُ الكوفيُ، استقضاه الحجَاج سنة 83 هـ ، فلم يزل قاضياً حتى مات الحجَاج. وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 304 .
(6) أبو قلابة الجرميُ، هو عبد الله بن زيد، كان ثقةً كثيرَ الحديث، قيل : لم يكن بالبصرة رجلٌ أقضى منه، إلا أنّه كان أشدّ النّاس فراراً من القضاء، توفي بالشام سنة 104 أو 105 هـ . ابن سعد، الطبقات : ج 7،ص 183 ، 185 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 322 ـ

  فوافق ذلك عزل قاضيها، فذُكر للقضاء، فهرب حتّى أتى اليمَامة) (1) .
  (قال عمر بن شبَة، كان موته – عبد الرّحمن بن أُذينة – سنة خمسٍ وتسعين أو قبلها قليلاً) (2) .
  (قال عمر بن شبَة، وكان موت ابن أذينة وزرارة بن أوفى وهشام بن هبيرة متقارباً كأنّه في سنة خمسٍ وتسعين أو قُبيلها قليلاً) (3) .

أخبارُ الوالي عدي بن أرطأة (4) في البصرة (99 هـ / 717 م)

  (حدّثنا عمر بن شبَة، حدثنا أبو عاصم النبيل عن سفيان، عن جعفر بن برقان، قال : كتب عمر (5) إلى عدي : أنظر كلَ قريةٍ ليسُوا بأهل عمودٍ فمُرهم أن يجمعُوا) (6) .
  (حدّثنا عمر بن شبَة عن عفّان، عن حمَاد بن سلمة، عن حميد، أنّ رجلاً أسلم على يد عبيدة بن أبي عاصم (7) السّلميّ وترك عشرين ألفاً، فكتب عدي إلى عمر في ذلك : أنَ عبيدةَ أحقُ بميراثه) (8) .

*************************************************
(1) المزيّ، تهذيب الكمال : ج 16 ، ص 511 .
(2) ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 6، ص 123 ، الخزرجيّ الأنصاريّ، خاصة تذهيب تهذيب الكمال : ص 223 .
(3) المزيّ، تهذيب الكمال، ج 16 ، ص 511 .
(4) عدي بن أرطأة بن جدابة بن لوزان الفزاريّ، من أهل دمشق، استعمله عمر بن عبد العزيز سنة 99 هـ ، قتله معاوية بن يزيد بن المهلّب سنة 102 هـ . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 40 ، ص 57 ، 65 .
(5) عمر يقصد به عمر بن عبد العزيز، الذي تولّى الحكم آنذاك.
(6) البلاذريّ، أنساب : ج 8، ص 161 .
(7) لم أعثر على ترجمته .
(8) البلاذريّ، أنساب : ج 8، ص 162 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 323 ـ

  (حدّثني عمر بن شبَة، حدثنا عَمْرو بن عاصم، عن حمَاد بن سلمة، عن حميد، أنّ رجلاً اختلس طوقاً من عُنق جارية فارتفعوا إلى عدي بن أرطأة، فسأل عدي الحسن (1) ، فقال : لا تقطعه، وقال إياس بن معاوية بن قرّة : اقطعْهُ، فكتب عدي بذلك إلى عمر بن عبد العزيز، فكتب عمر : إنّ العرب كانت تسمّي هذا العَادِي، فاجلدْه واستودِعْه الحَبْس) (2) .

أخبار القاضي إياس بن معاوية المزني (3) :

  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن عمر بن عبيدة (4) ، عن عليّ بن محمّد، وعن الحسن ابن عثمان، عن أبي عبيدة : أنَ عمر بن عبد العزيز لما ولىّ عدي بن أرطأة البصرة، ولىّ عديٌ إياسَ بنَ معاوية بن قرّة القضاءَ) (5) .
  (وأخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن موسى بن الفضل، عن مطر بن حمران، قال : شهدت إياساً وجيء بغلام قد سرق أكسيةَ الجماّلين، فقامت عليه بينةٌ، فقال : اكشفُوا عنه، فكشفُوا عنه، فلم يكن احتلم، فقال : لو كان احتلم لقطعتُهُ، اذهبوا به حيث سرق فسودوا وجهَه، وعلقُوا في عُنُقِهِ العِظام، واضربوه حتى يدمى ظهرُه، وطوفُوا به، فجاء رجلٌ يسعى، فقال : أصلحكَ اللهُ إنَه مملوكٌ لي، فإن فعلتَ ذاك به كسرتَ ثمنَه، فقال إياس : يعمدُ أحدكم إلى الغلام لم يحتلم فيكلفه الضرّيبة، ولا يحُسن عملاً يعملُه، فإنمّا يأمُرُه أن يسرِقَ ويُطعِمَه، ويعمَدُ أحدُكم إلى جاريةٍ فيقولُ لها : اذهبي

*************************************************
(1) الحسن، هو الحسنُ البصريُ .
(2) البلاذريّ، أنساب : ج 8، ص 158 .
(3) إياس بن معاوية بن قرّة بن إياس بن هلال المزيُ، أبو واثلة، كان قاضياً على البصرة، وكان عاقلاً من الرّجال فطناً، توفي سنة 122 هـ . ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 234 ، وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 374 .
(4) عمر بن عبيدة، هو عمر بن شبَة النُميَرْيّ .
(5) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 312 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 324 ـ

  فأدي الضريبة، فإنمّا يقول لها : اذهبي فازنيِ وأطعمِينِي) (1) .
  قال حدّثنا أبو نعيم، قال حدّثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت، قال : سئل عامر عن شهادة الغلمان، فقال : هو ذا إياس بن معاوية لا يجيز شهادةَ الغلمان) (2) .
  (أخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن عارم بن حمَاد بن سلمة، عن إياس ابن معاوية في الرّجل يؤجرُ دارَه إلى أجلٍ ثمَ يموت، قال : تمضُىَ الإجارة والعارية إلى ذلك الأجل) (3) .
  (قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال : حدّثنا حمَاد بن سلمة، قال : سألتُ إياساً عن رجلٍ ترك ابنَه وجدَه ومولىً له، قال : إذا كان صاحبَ قربٍ منه فليس له مِن الولاء شيءٌ، إنمّا الولاءُ لمن له لما بقي) (4) .
  (وأخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن موسى، عن حمَاد، وقال إياس في رجلٍ أعتق رجلاً وآخر أعتق ابنه، قال : ولاءُ الأب لمن أعتقَهُ، وولاءُ الابن لمن أعتقَهُ، قال : وسمعتُ إياساً يقول : الولاءُ لا يُباع ولا يُوهب ولا يُورَث، وسئل إياس عن دِيَة العبد، فقال : ثمنُه ما بلغ، وقال في رجلٍ قَطَعَ يدَ عبدٍ، قال : هو له، وعليه لمولاه مثله، وقال في عبدٍ شجَ حُرّاً موضحة، فقال : إن شاء مولى العبد دفعُوا العبدَ برُمَتِهِ، وإن شاءوا أعطوا الديَة، وقال : كلُ شيءٍ يُقتَل به فإنَه يُقَاد به، مثل الحَجَر العَظيم، والخَشَبة العَظِيمة التي تَقتُل) (5) .

*************************************************
(1) وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 329 .
(2) المصدر نفسه : ج 1، ص 329 _ 330 .
(3) وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 330 .
(4) وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 330 .
(5) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 335 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 325 ـ

  (وقال عمر بن شبَة : حدّثني محمّد بن محمّد الباهليّ، قال : حدّثنا الواشجيّ، قال حدّثني عمر بن عليّ، عن أبي العبّاس الهلاليّ، قال : قدم إياس واسطاً، فقال النّاس : قدِم البصريُ، قدِم البصريُ، فقال ابن شبرمة (1) : انطلقوا بنا إلى البصريّ نسألُه، قال : فجاءَ وسلّم وجلس، فقال : أ تأذن – أصلحك الله– أن نسألك ؟ فقال : ما ارتبت بك حتى استأذنتني ؟ فإن كانت لا تؤذِي الجليس، ولا تشقُ على المسؤول، قال : فسأله عن اثنتين وسبعين مسألةً، كلُها يختلفانِ فيها، فيردُه إياس إلى قوله، إلاّ مسألتين، فإنهَما كانا على الاختلاف فيهما) (2) .
  (حدثنا أبو بكر الخرائطيّ، حدّثنا عمر بن شبَة النُميَرْيّ، قال : بلغني أنَ إياساً بن معاوية قال : ما يسرُني أن أكذبَ كذبةً لا يطّلع عليها أبي معاوية بن قرّة لا أسأل عنها يوم القيامة، وأنّ لي الدّنيا بحذافيرها) (3) .
  (وقال عمر بن شبَة النُمَيرْيّ، عن خلاّد بن يزيد الأرقط : كان لإياس صديق قد وطئ أمَه، فخرج في بعض حوائجِه، فولدت غلاماً، فشكَ فيه الرّجل فلم يدّعِهِ ولم يُنكره، وكان على باب الرّجلِ كتاب، وكان الغلام يختلفُ إلى ذلك الكتاب، فجاء إياس يريدُ صديقَه ذلك، فتصفَح وجوهَ الغِلمان، ثمَ أقبل على ذلك الغلام، فقال : يا ابن فلان قم إلى أبيكَ وأعلِمه أنيّ بالباب، فقال معلمُ الكِتاب لإياس : ومِن أينَ علِمت يا أبا واثلة أنّه ابنُه ؟ فقال : شَبَهُهُ فيه، فقام المعلمُ إلى الرّجل فأخبرَه خبرَ إياس، فخرج الرّجل بنفسه

*************************************************
(1) ابن شبرمة : هو عبد الله بن الطفيل بن حسّان بن المنذر الضَبّي، أبو شبرمة الكوفيُ، القاضي، فقيه أهل الكوفة، كان عفيفاً صارماً عاقلاً حسن الخلق جواداً، توفي سنة 144 هـ . المزيّ، تهذيب الكمال : ج 15 ، ص 76 ، 79 ،80 .
(2) المزيّ، المصدر نفسه : ج 3، ص 411 .
(3) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 10 ، ص 15 ، أورد المزيّ الرواية بقوله : (قال عمر بن شبَة ...) ، تهذيب الكمال : ج 3، ص 412 _ 413 .