أنّكم أهلُ حقّ، وأنّ حقّكم طالما دفع الباطل، فأتيتكم في أهل بيتي ...) (1) .

خبرُ استخلاف سمرة بن جندب على البصرة (50 هـ / 670 م)

  (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ، عن أبي زيد، عن المدائني ... كان زياد على البصرة وأعمالها إلى سنة خمسين، فمات المغيرة بن شعبة بالكوفة – وهو أميرُها –، فكتب معاوية إلى زياد بعهده على الكوفة مع البصرة، فكان أوّل من جمُعا له، فشخَص إلى الكوفة، واستخلف سمرة بن جندب، فرجع زياد وقد قتل سمرة ثمانية آلف رجلٍ.
  قالوا : جاء رجلٌ فأعطى زكاة ماله وصلىّ ركعتين، فقتله سمرة، فأتاه أبو بكرة، فقال له : لمَِ قتلتَ رجلاً قد أحسن عمله، قال : أخوك زياد يأمرني بذلك، قال : أنت وأخي في النار، وكان رسول الله (ص) قال لسمُرة، وأبي هريرة (2) ، وأبي مخدورة (3) : (آخركم موتاً في النار) ، فمات أبو هريرة، وكانَ سمُرة يسألُ عن أبي مخدورة، وأبو مخدورة يسأل عن سمُرة، فماتَ أبو مخدورة، ثمَ أخذ سمُرة الزمهرير فماتَ شرّ ميتة، وكان سمُرة أوّلَ مَن باعَ خمراً في الإسلام ...) (4) .
  (حدّثني عُمر، قال: حدّثني إسحاق بن إدريس، قال : حدّثني محمّد بن سليم، قال : سألتُ أنس بن سيرين : هل كانَ سمرة قتَلَ أحداً ؟ قال : وهل يحصُى مَن قتل سمرة ابن جندب ؟! استخلفه زياد على البصرة، وأتى الكوفة، فجاء وقتل ثمانية آلف مِن

*************************************************
(1) الطبريّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 174 .
(2) أبو هريرة : أُختلف في اسمِه، فقيل هو عمير بن عامر بن عبد ذي الشري الدوسي، وقيل سكن بن ودفة، وقيل عبد عَمْرو بن عبد غنم، ويقال عبد الله بن عامر، وقيل بريد بن عرقة، مات بالمدينة سنة 57 هـ . ابن خيّاط، الطبقات : ص 192 .
(3) أبو مخدورة : أوس بن معمر أبو مخدورة، أو مجدورة الجمحي، من أصحاب رسول الله (ص) . ينظر : الجواهري، محمّد : المفيد من معجم رجال الحديث (ط 2، مكتبة المحلاتي، قم - 1424 هـ ) : ص 77
(4) أبو هلال العسكري، الأوائل : ص 240 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 227 ـ

  الناس، فقال له : هل خافُ أن تكونَ قد قتلتَ أحداً بريئا ً؟ قال : لو قتلتُ إليهم مثلهم ما خشيتُ، أو كما قال) (1) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثني موسى بن إسماعيل، قال : حدّثنا نوح بن قيس عن أشعث الحدّاني، عن أبي سوار العدويّ، قال : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعن رجلاً قد جمع القرآن) (2) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثني عليّ بن محمّد عن جعفر الصدفيّ عن عوف، قال : أقبل سمرة من المدينة، فلماّ كان عند دور بني أسد خرج رجلٌ من بعض أزقّتهم ففجَأَ (3) أوائلَ الخيل، فحمل عليه رجلاٌ مِن القوم فأوجرَه الحربة، قال : ثمَ مضت الخيلُ، فأتى عليه سمرة بن جندب وهو متشحطٌ (4) في دمه، فقال : ما هذا ؟ قيل : أصابتهُ أوائلُ خيلِ الأمير، قال : إذا سمعتُم بنا قد ركبنا فاتّقوا أسنّتنا) (5) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثني موسى بن إسماعيل، قال : حدّثني سليمان بن مسلم العجليّ، قال : سمعت أبي يقول : مرّرت بالمسجد، فجاء رجلٌ إلى سمرة فأدّى زكاةَ ماله، ثمَ دخل فجعلَ يصلي في المسجد، فجاء رجلٌ فضرَب عنقَه، فإذا رأسُه في المسجد وبدنُه ناحية، فمرَ أبو بكرة، فقال : يقول اللهُ سبحانه : (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَى * وَذَكَرَ اسْمَ

*************************************************
(1) الطبريّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 176 .
(2) الطبريّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 176 .
(3) فجأ : فاجأه : يفاجئه مفاجأة، وفجأة لغة : هو كلُ ما هجم عليك من أمرٍ لم تحتسبه فقد فجأك، الفراهيدي، العين : ج 6، ص 188 .
(4) متشحط من شحط، التشحُط : الاضطراب في الدم، الفراهيدي، العين : ج 3، ص 90 .
(5) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 176 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 228 ـ

  رَبِهِ فَصلَى (1) قال أبي : فشهدتُ ذلك، فما مات سمرة حتى أخذَه الزّمهرير (2) فمات شرَ مِيتة، قال : وشهدتُه وأتى بناسٍ كثيرٍ، وأناس بين يديه، فيقول للرجل : ما دينُك ؟ فيقول : أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأنَ محمّداً عبدُه ورسولُه، وأني بريءٌ من الحروريّة (3) ، فيُقدَم وتضُرب عنقُه حتّى مرَ بضعةٌ وعشرون) (4) .

خبرُ ثورات الخوارج بالبصرة (50 هـ / 670 م)

  (حدّثني عمر، قال : حدّثني زهير بن حرب، قال : حدّثنا وهب بن جرير، قال : حدّثنا غسّان بن مضُر عن سعيد بن زيد، قال : خرج قَريب وزَحّاف، وزياد بالكوفة، وسمرة بالبصرة، فخرجنا ليلاً، فنزلنا بني يشكر، وهم سبعون رجلاً، وذلك في رمضان، فأتوا بني ضُبيعة، وهم سبعون رجلاً، فمرُوا بشيخٍ منهم يقال له حكّاك، فقال حين رآهم : مرحباً بأبي الشعثاء، فرآه ابنُ حصين، فقتلوه وتفرّقوا في مساجد الأزد، وأتت فرقةٌ منهم رُحبة بني عليّ، وفرقة مسجد المعادل، فخرج عليهم سيف بن وهب في أصحابٍ له، فقتل مَن أتاه، وخرج على قَريب وزحّاف شبابٌ مِن بني عليّ، وشباب مِن بني راسبٍ، فرمَوهُم بالنَبل.
  قال قَريب : هل في القوم عبدُ الله بن أوس الطاحي (5) - وكان يناضله - ؟ قيل : نعم،

*************************************************
(1) سورة الأعلى، آية 14 _ 15 .
(2) الزمهرير : وهو من زمهر، والزمهرير شدّة البرد، والزمهرير هو الذي أعدّه الله تعالى عذاباً للكفار في الدار الآخرة، ابن منظور، لسان العرب : ج 4، ص 330 .
(3) الحروريّة : فرقة من الخوارج نسبة إلى حروراء، قرية في الكوفة، كان بها أوّل تجمُعٍ مسلَحٍ للخوارج، ينظر، قلعجي، محمد، معجم لغة الفقهاء (ط 2، دار النفائس، بيروت - 1988 ) : ص 179 .
(4) ابن شاذان، الإيضاح : ص 68 ، الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 217 .
(5) عبد الله بن أوس بن حذيفة أبو عثمان، كان أبوه أوس من وفَد على الرسول (ص) ضمنَ وفدِ ثقيف، ينظر : الزركشي، البرهان (تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، دار إحياء الكتب

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 229 ـ

  قال : فهلُمّ إلى البراز، فقتله عبد الله وجاء برأسه، وأقبل زياد من الكوفة، فجعل يؤنّبه، ثمَ قال : يا معشر طاحية لولا أنّكم أصبتم في القوم لنفيتكم إلى السّجن، قال : وكان قَريب مِن إياد، وزحّاف مِن طيء، وكانا ابنَي خاله، وكانَ أوّل مَن خرج بعد أهل النهر، قال غسّان : سمعتُ سعيداً يقول : إنّ أبا بلال قال : قريب لا قرّبه الله، وأيم الله لأَنْ أقع مِنَ السمّاء أحبُ إليّ مِن أن أصنعَ ما صنعَ، يعني الاستعراض) (1) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا زهير، قال : حدّثني وهب، قال : حدّثني أبي، أنّ زياداً أشتدّ في أمر الحروريّة بعد قَريب وزحّاف فقتلهم، وأمر سمرة بذلك، وكان يستخلفُه على البصرة إذا خرج إلى الكوفة، فقتل سمرة منهم بشراً كثيراً) (2) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا أبو عبيدة، قال : قال زياد يومئذٍ على المنبر : يا أهل البصرة، والله لتكفُني هؤلاء، أو لأبدأنَ بكم، والله لئن أفلتَ منهم رجلٌ لا تأخذون العام من عطائكم درهماً، قال : فثار النّاسُ بهم فقتلوهم) (3) .

خبرُ طلب زياد للفرزدق سنة (50 هـ / 670 م)

  حدّثني عمر بن شبَة، قال : حدّثنا أبو عبيدة، وأبو الحسن المدائنيّ، وغيرهما : أنّ الفرزدق لما هجا بني نهشل، وبني فُقيم لم يزد أبو زيد في إسناد خبره على ما ذكرت، وأمّا محمّد بن عليّ فإنَه حدّثني عن محمّد بن سعد عن أبي عبيدة، قال : حدّثني أعين ابن لبطة بن الفرزدق، قال : حدّثني أبي عن أبيه، قال : لما هاجيت الأشهب بن رميلة (4)

*************************************************
العربية - 1957 ) : ج 1، ص 246 .
(1) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 176 _ 177 .
(2) الطبريّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 177 .
(3) المصدر نفسه : ج 4، ص 177 .
(4) الأشهب بن ثور بن أبي حارثة بن عبد المنذر النهشليّ، شاعرٌ مشهورٌ كان يهاجي الفرزدق،

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 230 ـ

  والبعيث (1) فسقطا، استعدَتْ عليَ بنو نهشل وبنو فقيم زيادَ بن أبي سفيان، وزعم غيره أنّ يزيد بن مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل استعدَى أيضاً عليه، فقال أعين : فلم يعرفه زياد حتّى قيل له : الغلامُ الأعرابيّ الذي أنهب ورقه وألقى ثيابَه فعرفه، قال أبو عبيدة : أخبرني أعين بن لبطة، قال : أخبرني أبي عن أبيه، قال : بعثني أبي غالب (2) في عِيرٍ له، وجلب (3) أبيه، وامتار له، واشترى لأهله كسى، فقدِمتُ البصرةَ، فبعث الجلب، فأخذتُ ثمنَهُ فجعلتُه في ثوبي أزاوله إذْ عرض لي رجلٌ أراهُ كأنّه شيطان، فقال : لَشَدَ ما تستوثقُ منها، فقلتُ : وما يمنعني ؟، قالَ : أمَا لو كانَ مكانَك رجلٌ أعرفُه ما صبر عليها، فقلتُ : ومَن هو ؟ قال : غالب بن صعصعة، قال : فدعوتُ أهل المربد، فقلتُ : دونكما، ونثرتهُا عليهم، فقال لي قائلٌ : ألقِ رداءك يا ابنَ غالب، فألقيتُهُ، وقال آخر : ألقِ قميصَك، فألقيتُهُ، وقال آخر : ألقِ عمامتَك، فألقيتُهَا حتّى بقيتُ في إزار، فقالوا : ألقِ إزارَك، فقلتُ : لن أُلقيه وأمشي مجرَداً، إني لستُ بمجنونٍ.
  فبلغ الخبرُ زياداً، فأرسل خيلاً إلى المربد ليأتوه بي، فجاء رجلٌ من بني الهجيم على فرسٍ، قال : أتيتَ فالنّجاء ! وأردفني خلفَه وركض حتى تغيَبَ، وجاءت الخيلُ وقد سبقت، فأخذ زيادٌ عمَين لي، ذهيلاً والزّحاف، ابني صعصعة - وكانا في الديوانِ على ألفينِ ألفينِ، وكانا معه - فحبسهما، فأرسلتُ إليهما : إن شئتما أتيتُكما، فبعثا إليّ : لا

*************************************************
الذهبيّ، توضيح المشتبه : ج 4، ص 314 .
(1) البعيث، هو خداش بن بشر بن خالد أبو زيد المجاشعيّ التميميّ، خطيب شاعر من أهل البصرة توفي سنة 134 هـ . الزركلي، الأعلام : ج 2، ص 302.
(2) غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال التميميّ الداريّ، والد الفرزدق الشاعر، كان مشهوراً بالجود، لقي الإمام عليّاً (ع) وأدخل عليه الفرزدق، توفي نحو سنة 40 هـ . ينظر ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 5، ص 260 ، الزركلي، الأعلام : ج 5، ص 114 .
(3) الجلب اسم المفعول المجلوب، يقال : جلب اليء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة . ينظر : النووي ، المجموع ، (دار الفكر للطباعة والنشر - د. ت) : ج 13 ، ص 23 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 231 ـ

  تقربْنَا إنّه زياد، وما عسى أن يصنعَ بنا ولم نذنب ذنباً، فمكثا أيّاماً، ثمَ كلَم زياد فيهما، فقالوا : شيخان سامعان مطيعان ليس لهما ذنبٌ مما صنع غلامٌ أعرابيٌ من أهل البادية، فخليَ عنهما، فقالا لي : أخبرنا بجميع ما أمرك أبوك من ميرة أو كسوة، فخبرّتهما به أجمع فاشترياه، وانطلقتُ حتى لحقت بغالب، وحملت ذلك معي أجمع، فأتيتُه وقد بلغه خبري، فسألني : كيف صنعت ؟ فأخبرتُه بما كان، قال : وإنّك لَتحسنُ مثلَ هذا، ومسح رأي، ولم يكن يومئذٍ يقول الشّعر، وإنمّا قال الشعر بعد ذلك، فكانت في نفسِ زيادٍ عليه.
  ثمَ وفد الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة (1) من بني ربيعة بن كعب بن سعد، والجون بن قتادة (2) العبشميّ، والحُتات بن يزيد (3) أبو منازل أحد بني حُوَيّ بن سفيان ابن مجاشع إلى معاوية بن أبي سفيان، فأعطى كلَ رجلٍ منهم مائة ألفٍ، وأعطى الحُتات سبعين ألفاً، فلماّ كانوا في الطريق سأل بعضهم بعضاً فأخبروه بجوائزهم، فكان الحُتات أخذ سبعين ألفاً، فرجع إلى معاوية، فقال : ما ردّك يا أبا منازل ؟! قال : فضحتني في بني تميم، أمَا حسبي بصحيح ؟! أولستُ ذا سنٍ ؟! أولستُ مطاعاً في عشيرتي ؟! فقال معاوية : بلى، قال : فما بالك خسست بي دون القوم ؟ فقال : إني اشريتُ من القوم دينهم ووكلتُك إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفان - وكان عثمانيّاً - فقال : وأنا فاشترِ منّي

*************************************************
(1) جارية بن قدامة السّعديّ بن زهير بن الحصين من بني زيد مناة بن تميم، بعثه الإمامُ علي (ع) الى البصرة وبها عبد الله بن عامر الحضرميّ، فحاصره في دار سينبل رجل من بني تميم، وكان معاوية بعثه إلى البصرة يبايع له سنة ( 38 هـ ) ، ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 56 .
(2) الجون بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب التميميّ. ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 1، ص 652 .
(3) الحُتات بن يزيد بن علقمة المجاشعيّ من بني زيد مناة بن تميم، كان ضمن وفد تميم الذي قدم على الرسول (ص) ، وقيل اسمُه بشِر، مات عند معاوية، وقد رثاه الفرزدق وهجا معاوية لأخذه ميراثه . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 10 ، ص 271 ، 272 ، 275 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 232 ـ

  ديني، فأمر له بتمام جائزة القوم، وطعن في جائزته، فحبسها معاوية، فقال الفرزدق في ذلك (1) :
أبـوكَ  وعـمّي يا معاوِيَ iiأورثا      تـراثاً فـيحتاز الـتراثَ iiأقاربُه
فـما بـال ميراث الحُتات iiأخذته      ومـيراثُ حـربٍ جامدٌ لك iiذائبُه
فـلو كـانَ هذا الأمر في iiجاهليّةٍ      عـلمتَ  مَنِ المرءُ القليلُ iiحلائبُه
ولـو كانَ في دِينٍ سِوى ذا iiشنِئتُمُ      لـنا  حقّنا أو غصّ بالماء iiشاربُه
ولو  كانَ إذ كُنّا وفي الكف iiبسطةٌ      لصمّم عضبٌ فيك ماضٍ مضارِبُه
  وأنشد محمّد بن عليّ : (وفي الكف مَبسطٌ) (2) .

*************************************************
(1) وردت الأبيات في ديوان الفرزدق باختلافٍ بسيط :
أ تـأكلُ مـيراث الحُتات iiظلامةً      ومـيراث حـربٍ جامد لك ذائبُهْ
أبـوك  وعـمّي يا مُعاويَ iiأورثا      تـراثاً فـيحتازُ الـتراثَ iiأقاربُهْ
فـلو كـانَ هذا الحكم في جاهلية      عَرفت  مَن المولى القليلُ iiحلائبُهْ
ولو كانَ هذا الأمرُ في غير مُلكِكم      لأدَيـتَهُ، أو غـصّ بالماء شاربُه
وكم من أبٍ لي يا مُعاويَ لم iiيكنْ      أبوك  الذي مِن عبد شمس iiيُقاربُه
ينظر : ديوانُ الفرزدق، (شرحه وضبطه : علي خريس، ط 1، بيروت - 1996 م) : ص 36 - 37 .
(2) ضبطُ الأبيات الشعريّة في ديوان الفرزدق، كالآتي :
وقـد  رُمـتَ أمـراً يا معُاوي iiدونه      خـياطفُ عِـلْوَدٍ صِـعابٌ iiمـراتبُهْ
وما كنتُ أعطي النَصْفَ من غر قدرةٍ      سـواك  ولـو مـالت عـليّ iiكتايبُهْ
ألـستُ أعـزَ الـنّاس قـوماً iiوأُسرْةً      وأمـنعَهُم  جـاراً إذا ضِـيمَ iiجـانبُهْ
ومـا  ولـدتْ بـعد الـنبي iiوأهـله      كـمثلي  حَـصانٌ في الرجالِ iiيُقاربُهْ
أبـي غـالب والمرءُ صعصعةُ iiالذي      إلـى دارمٍ يَـنْمي فـمَن ذا iiيُـناسبُهْ
أنا  ابنُ الجبال الشمّ في عددِ iiالحصى      وعرقُ  الثرى عرقي، فمَن ذا يحاسبُهْ
وبـيتي إلـى جـنبٍ رحـيبٍ iiفناؤه      ومِـن  دونـهِ البدرُ المضيء iiكواكبُهْ
وكـم مـن أبٍ لي يا مُعاويَ لم iiيزلْ      أغـرَ  يُـباري الريحَ ما أزوَرّ جانبُهْ
نـمتهُ  فـروعُ الـمالكينَ ولـم iiيكن      أبـوك الـذي من عبد شمسٍ iiيخُاطبُهْ

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 233 ـ

وقـد رمـت شـيئاً يـا معاوي iiدونه      خـياطفُ  عِـلْوَدٍ صـعابٌ iiمـراتبُه
وما كنتُ أُعطي النَصْفَ من غير قدرةٍ      سـواكَ ولـو مـالت عـليّ iiكـتائبُه
ألـستُ  أعـزَ الـنّاسِ قـوماً iiوأسُرةً      وأمـنـعُهم جـاراً إذا ضِـيْمَ جـانبُه
ومــا  وَلَـدَت بـعد الـنبي iiوآلـه      كـمثلي حَـصانٌ فـي الرجال iiيقاربُه
أبـي  غـالبٌ والـمرءُ نـاجية الذي      إلـى  صـعصعٍ ينمي فمَن ذا iiيناسبُه
وبـيتي إلـى جـنب الـثُريَا iiفـناؤه      ومـن دونـه الـبدر المضيء كواكبُه
أنا  ابنُ الجبال الصم في عدد iiالحصى      وعـرق الثرى عرقي فمَن ذا iiيحاسبُه
أنـا  ابـنُ الذي أحيى الوئيدَ iiوضامنٌ      عـلى الـدهر إذْ عزَت لدهرٍ iiمكاسبُه
وكـم  مِـن أبٍ لي يا معاوي لم iiيزل      أغـرَ  يـباري الريح ما أزوَرَ iiجانبُه
نـمتهُ فـروعُ الـمالكينَ ولـم iiيـكن      أبـوك الـذي مـن عبد شمسٍ iiيقاربُه
تـراه  كـنصلِ الـسيف يهتزُ iiللندى      كـريماً يـلاقي الـمجدَ ما طرَ شاربُه
طـويل نـجاد السيف مذْ كان لم iiيكن      قـصٌي  وعـبدُ الـشمسِ مّن يحاطبُه
  فردَ ثلاثين ألفاً على أهله، وكانت أيضاً قد أغضبت زياداً عليه، فلما استعدت عليه نهشل وفقيم ازداد عليه غضباً، فطُلِبَ فهرب، فأتى عيسى بن خصيلة بن متعب بن نصر بن خالد البهثريّ، ثمّ أحد بني سليم، والحجّاج بن عاط (1) بن خالد السّلميّ، قال ابن سعد : قال أبو عبيدة : فحدّثني أبو موسى بن خصيلة، قال : لما طرد زيادٌ الفرزدق جاء إلى عمّي عيسى بن خصيلة ليلاً، فقال : يا أبا خصيلة إنَ هذا الرجل قد أخافني،

*************************************************
تـراهُ  كنصلِ السَيفِ يهتزُ iiللندى      جواداً  تلاقى المجدَ مُذْ طرّ شاربُهْ
طويل نجاد السيفِ مُذْ كان لم يكن      قصٌي  وعبدُ الشمسِ ممّن iiيُخاطبُهْ
ينظر : ديوان الفرزدق : ص 42 - 43 .
(1) الحجَاج بن عاط بن خالد بن ثويرة بن حنثر السلميّ، من بني بهثة بن سليم، له صحبة، وهو الذي جاء بفتح خير إلى مكّة، سكن المدينة، ثم تحوّل إلى الشام، وسكن دمشق، ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 12 ، ص 101 ، ابن ماكول، اكمال الكمال : ج 1، ص 560 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 234 ـ

  وإنَ صديقي وجميع مَن كنت أرجو قد لفظوني، وإنيّ قد أتيتك لتغيّبني عندك، قال : مرحباً بك، فكان عنده ثلاث ليالٍ، ثمّ قال : إنّه قد بدا إليّ أن ألحق بالشام، فقال : ما أحببتَ، إن أقمت معي ففي الرُحب والسَعة، وإن شخصتَ فهذه ناقةٌ أرحبيّة أُمتّعُكَ بها، قال : فركب بعد ليل، وبعث عيسى معه حتى جاوز البيوت، فأصبح وقد جاوز مسيرة ثلاث ليالٍ، فقال الفرزدق (1) في ذلك :
كفاني  بها البهزيُ جمُلانَ مَن iiأبى      مِن  النّاس والجاني تخُاف iiجرائمُهْ
ومَـن كانَ يا عيسى يؤنب iiضيفَه      فـضيفُك  مـحبورٌ هنيٌ iiمطاعمُهْ
فـقـال  تـعـلّم أنـها iiأرحـبيّةٌ      وأنّ  لـك الليلَ الذي أنت iiجاشمُهْ
فـأصبحتُ والملقى ورائي iiوحنبلٌ      وما صدرت حتّى علا النجمَ عاتمُهْ
تـزاورُ عـن أهـل الحُفير iiكأنهّا      ظـليمٌ تـبارى جـنحَ ليلٍ iiنعائمُهْ


*************************************************
(1) وردت اأبيات الشعرية بألفاظٍ ختلفةٍ ي ديوان الفرزدق ص 477 _ 478 ، وكالآتي :
أتـأتي  بها والليلُ نِصفانِ قدْ مضى      أمـامي، ونـصفٌ قدْ تولّتْ iiتوائمُهْ
فـقـالَ : تـعـلّمْ إنـهّا iiأرحَـبيّةٌ      وإنّ  لـك الـليلَ الذي أنت iiجاشمُهْ
نـصيحتُهُ بـعد اللُبابِ التي اشترى      بـألفينِ لـمْ تـحجنْ عليها iiدراهمُهْ
وإنّـك إنْ يـقدرْ عـليك يـكن iiلهُ      لـسانُكَ أو تُـغلَق عـليك iiأداهـمُهْ
كـفاني  بها البهزيُ جمُلانَ مَن iiأبى      مـن الناس والجاني تخُاف iiجرائمُهْ
فتى الجُود عيسى ذو المكارم والندى      إذا  الـمالُ لـم تَرفعْ بخيلاً iiكرائمُهْ
تـخطّى رؤوس الحارسين iiمخاطراً      مـخافةَ  سُـلطانٍ شـديدٍ iiشـكائمُهْ
فـمرّت  عـلى أهـل الحُفير كأنها      ظـليمٌ تـبارى جُـنحَ لـيلٍ iiنعائمُهْ
كـأنّ شـراعاً فـيه مَـثنى زمامِها      مـن  الـساج لولا خطمُها وبلاعمُهْ
كـأنّ  فـؤوساً رُكّـبت في iiمحالِهَا      إلـى  دأيِ مـضبورٍ نبيلٍ iiمحازمُهْ
وأصـبحتُ  والمُلقى ورائي iiوحنبلٌ      ومـا صَدَرتْ حتّى تلا الليلَ iiعاتمُهْ
رأت  بـين عـينَيها رُوَيَةَ iiوانجلى      لها الصّبحُ عن صعل أسيلٍ iiمخاطمُهْ
إذا مَـا أتـى دُوني الفُريّان iiفاسْلَمي      وأعـرض  من فلجٍ ورائي iiمخارمُهْ

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 235 ـ

رأت بـين عـينَيها دُويّـةَ iiوانجلى      بها الصُبحُ عن صعلٍ أسيلٍ مخاطمُهْ
كـأنّ شـراعاً فـيه مجرى iiزمامُها      بـدجـلةَ إلا خـطـمُهُ iiومـلاغمُهْ
إذا  أنـتِ جاوزتِ الغريّين iiفاسلَمي      وأعـرضَ  مِن فلجٍ ورائي iiمخارمُهْ
  وقال أيضاً :
تداركني أسباب عيسى مِن الرَدى      ومَـن يَـكُ مـولاّه فليس iiبواحدِ
  وهي قصيدةٌ طويلةٌ (1) .
  قال : وبلغ زياداً أنّه قد شخَصَ، فأرسل عليّ بن زهدم، أحد بني نولة بن فقيم في طلبه، قال أعين : فطلبه في بيت نصرانيّةٍ يقال لها ابنة مرّار من بني قيس بن ثعلبة، تنزل قصيمة كاظمة (2) ، قال : فسلَتْه من كسِر بيتها، فلم يقدر عليه، فقال في ذلك الفرزدق:
أتـيتَ  ابنةَ المرّارِ أُهبِلْتَ iiتبتغي      ومـا  يُبتغى تحت السَويّةِ iiأمثالي
ولـكن بُـغائي لـو أردتَ iiلقاءنا      فضاءُ الصّحاري لا ابتغاءٌ بأدغالِ
  وقيل : إنهّا ربيعة بنت المرّار بن سلامة العِجليّ أُم أبي النّجم الراجز، قال أبو عبيدة : قال مسمع بن عبد الملك : فأتى الرّوحاء، فنزل في بكر بن وائل، فأمِن، فقال يمدحُهم :
وقَدْ  مَثَلتْ أينَ المسيرُ فلم iiتجدْ      لـفَورتها كالحي بكر بن iiوائلِ
أعـفّ  وأوفـى ذمّةً يعقدُونها      إذا وازَنَت شُمَ الذُرى بالكواهلِ
  وهي قصيدةٌ طويلةٌ (3) ، ومدحهم بقصائد أُخَر غيرها.

*************************************************
(1) ينظر القصيدة في ديوان الفرزدق : ص 125 _ 126 .
(2) كاظمة : على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة، بينها وبين البصرة مرحلتين . ياقوت الحموي، معجم البلدان : ج 7، ص 114 .
(3) وردت الأبيات بلفظٍ مختلفٍ في ديوان الفرزدق، ص 385 .
تبغّتْ جِواراً في معدٍ فلَم iiتجدْ      لحُرمتِها كالحي بكر بن وائلِ


اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 236 ـ

  قال : فكان الفرزدقُ إذا نزل زيادٌ البصرة نزل الكوفة، وإذا نزل زيادٌ الكوفة نزل الفرزدقُ البصرة، وكان زياد ينزل البصرة ستَة أشهرٍ، والكوفة ستَة أشهرٍ، فبلغ زياداً ما صنع الفرزدق، فكتبَ إلى عامله على الكوفة عبد الرحمن بن عبيد (1) : إنمّا الفرزدق فحلُ الوحوش يرعى القِفار، فإذا ورد عليه الناس ذُعِر ففارقهم إلى أرضٍ أخرى فرتَع ، فاطلبه حتّى تظفرَ به، قال الفرزدق : فطُلِبتُ أشدَ طلبٍ حتى جعل من كان يؤويني يخرجُني من عنده، فضاقت عليّ الأرض، فبينا أنا ملففٌ رأي في كسائي على ظهر الطريق إذْ مرّ بي الذي جاء في طلبي، فلماّ كان الليلُ أتيتُ بعض أخوالي من بني ضبّة وعندهم عرس - ولم أكن طعِمتُ قبل ذلك طعاماً - فقلتُ : آتيهم فأصيب من الطعام، قال : فبينا أنا قاعد إذْ نظرتُ إلى هادي فرسٍ وصدر رمح قد جاوز باب الدار داخلاً إلينا، فقاموا إلى حائطِ قصبٍ فرفعوه، فخرجتُ منه، وألقوا الحائط فعاد مكانه، ثمّ قالوا : ما رأيناه، وبحثُوا ساعةً، ثمَ خرجُوا، فلماّ أصبحنا جاءوني، فقالوا : اُخرُج إلى الحجاز عن جوار زياد لا يظفر بك، فلو ظفر بك البارحة أهلكتنا، وجمعُوا ثمنَ راحلتين، وكلّمُوا لي مقاعساً، أحد بني تيم الله بن ثعلبة، وكانَ دليلاً يسافرُ للتّجار.
  قال : فخرجنا إلى بانِقيا (2) حتّى انتهينا إلى بعض القصور التي تُنزل، فلم يُفتح لنا الباب، فألقينا رحالَنا إلى جنب الحائط، واللَيلةُ مقمِرةٌ، فقلتُ : يا مقاعس، أرأيتَ إن بعث زياد بعد ما نصبح إلى العتيق (3) رجالاً أيقدرون علينا ؟ قال : نعم، يرصدوننا - ولم

*************************************************
أبـرَ  وأوفـى ذمّـةً iiيـعقدُونها      وخيراً إذا ساوى الذُرى بالكَواهلِ
وينظر القصيدة كاملة في ديوان الفرزدق : ص 385 _ 386 .
(1) عبد الرحمن بن عبيد بن طارق بن جعونة بن منقر المنقريّ، كان على شرَطة الحجَاج بالبصرة والكوفة. السمعاني، الأنساب : ج 5، ص 396 .
(2) بانِقيا : ناحية من نواحي الكوفة . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 2، ص 264 .
(3) العتيق : وهو بيت الله الحرام ، أنّه عُتق من الجبابرة، فلا يستطيعُ جبّار أن يدَعيه لنفسه، ولا يؤذيه، فلا ينسب إلى غير الله تعالى، وقد ذكره الله تعالى بهذا الاسم في كتابه، فقال : { وَلْيَطَوَفُوا بِالْبَيْتِ .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 237 ـ

  يكونوا جاوزوا العتيق، وهو خندقٌ كان للعجم -، قال : فقلتُ : ما تقولُ العرب ؟، قال : يقولون أمهِله يوماً وليلة ثمّ خُذْه، فارتحل ، فقال : إنيّ أخافُ السباع، فقلتُ : السباع أهونُ مِن زيادٍ، فارتحلنا لا نرى شيئاً إلا خلَفناهُ، ولَزِمَنا شخصٌ لا يفارقُنا، فقلتُ : يا مُقاعس أترى هذا الشخص ؟ لم نمرُر بشيءٍ إلا جاوزناهُ غيرَه، فإنَه يسايرُنا منذ الليلة، قال : هذا السّبع، قال : فكأنّه فهِمَ كلامَنا فتقدّم حتى ربَضَ على متنِ الطريق، فلماّ رأينا ذلك نزلنا، فشددنا أيدي ناقتَينا بثِناين، وأخذتُ قوسي، وقال مقاعس : يا ثعلب أتدري ممّن فررنا إليك ؟ مِن زياد، فأحصَب بذنبه حتى غشينا غبارُه، وغشى ناقتَينا، قال : فقلتُ : أرميه ؟ فقال : لا تهَِجْه فإنَه إذا أصبحَ ذهب، قال : فجعل يرعد ويبرق ويُزئِر، ومقاعس يتوعَده حتى انشقَ الصّبحُ، فلماّ رآهُ ولىّ، وأنشأ الفرزدقُ (1) يقول :
مـا  كـنتُ أحـسبُني جـباناً iiبعدما      لاقـيـتُ لـيـلةَ جـانبِ iiالأنـهارِ
لَـيـثاً كـأنَ عـلى يـديهِ iiرِحـالةً      شَـثْـنَ الـبراثنِ مُـؤجَدَ الأظـفارِ
لـمّا سـمِعتُ لـهُ زمـازمَ iiأجهشت      نـفسيِ  إلـيّ وقلتُ : أينَ فراري ؟
وربَطْتُ جِرْوتها وقلتُ لها : اصْبري      وشـددتُ  فـي ضِيق المقام iiإزاري
فـلأنتَ  أهْـونُ مـن زيـادٍ iiجانباً      اذهَـب إلـيكَ مـخضرمَ iiالأسـفارِ

*************************************************
الْعَتِيقِ } سورة الحج، آية 29 . ينظر : ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 6، ص 298 .
(1) ورد شعرُ الفرزدق هذا بألفاظٍ ختلفةٍ:
مـا كُـنتُ أحـسبُني جباناً قبل iiما      لاقـيـتُ لـيلة جـانبِ iiالأنـهارِ
لَـيثاً،  كـأنَ عـلى يـديهِ iiرِحالةً      جـسدَ  الـرَاثنِ مُـؤجَدَ الأظـفَارِ
لـمّا سـمْعتُ لـهُ زمـازمَ iiأقبلت      نـفسي  إلـيّ وقُـلتُ أينَ iiفراري
فضربتُ جرْوتها وقلتُ لها اصْبري      وشـددتُ فـي ضيق المَقام إزَاري
فـلأنتَ أهْـونُ مِـن زيـادٍ iiجانباً      فـاذَهـب إلـيكَ مـخُرمَ الـسُفّارِ
ينظر : الفرزدق، ديوان، ص 192 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 238 ـ

  قال ابنُ سعد : قال أبو عبيدة : فحدّثني أعينَ بن لبطة، قال : حدّثني أبي عن شبث ابن ربعيّ الرياحيّ، قال : فأنشدتُ زياداً هذه الأبيات فكأنه رقَ له، وقال : لو أتاني لآمنته وأعطيتُهُ، فبلَغ ذلك الفرزدق، فقال :
تــذكّـرَ  هـــذا الـقَـلـبُ مِـــن شــوْقـهِ ذِكـــراً      تــذكّــرَ شــوقــاً لــيــس نــاسِـيَـهُ iiعَــصـرْا
تــذَكَــرَ  ظــمـيـاءَ الــتــي لــيــس iiنـاسِـيَـاً      وإن  كــــان أدْنـــى عـهـدِهـا حِـجـجـاً iiعَــشـرا
ومــــا مُــغــزِلٌ بــالـغَـورِ غَــــوْرِ iiتـهِـامـةٍ      تَــرعَــى أراكــــاً فــــي مـنـابِـتِـه iiنــضَـرْا
مـــــن الأُدْم حِـــــوَاءِ الــمـدامـعِ iiتَــرعــوي      إلــــى رَشــــأٍ طِــفـلٍ تــخـالُ بـــه فــتَـرا
أصـــابَــت بـــــوادِي الـــوَلــولانِ حِــبـالـةً      فــمـا  اسـتـمـسكَت حــتّـى حَـسِـبْـنَ بـهـا iiنَـفْـرا
بــأَحْـسَـنَ مِــــن ظــمـيـاءَ يـــومَ iiتـعـرَضـتْ      ولا مُـــزنــةٌ راحـــــتْ غـمـامـتـها iiقــصَــرْا
وكـــم دونــهـا مـــن عــاطـفٍ فـــي صـريـمةٍ      وأعــــداءِ قــــومٍ يَــنــذرُون دمــــي نَـــذْرا
إذا أوعـــدُونــي عـــنــد ظــمـيـاءَ iiســاءهــا      وعــيــدي وقــالـت : لا تـقـولـوا لـــه iiهُــجْـرا
دعــانــي زيــــادٌ ؟ لـلـعـطـاء ولــــم أكـــنْ      لآتــيــه  مــــا ســــاقَ ذو حــســبٍ iiوَفْـــرا
وعــنــد زيــــادٍ لــــو يُــريــدُ عــطـاءهُـمْ      رجــــالٌ  كـثـيـرٌ قـــد يـــرى بــهـم iiفــقـرا
قــعــودٌ لــــدى الأبــــوابِ طـــلاّبُ iiحــاجـةٍ      غــــوانٍ مِــــن الـحـاجـاتِ أو حــاجـةٍ iiبــكـرا
فــلــمـاّ  خــشــيـتُ أن يـــكــونَ iiعــطــاؤهُ      أداهِـــــمَ سُـــــوداً أو مــحُــدْرجـةً iiسُــمْــرا
نــمـيـتُ  إلــــى حــــرفٍ أضــــرّ iiبـنـيّـها      ســــرُى الـلـيـلِ واسـتـعـراضُها الـبـلـدَ الـقـفْـرا
تـنـفَـسُ فـــي بــهـوٍ مـــن الــجـوفِ واســـعٍ      إذا  مـــــدَ حــيـزومـا شـراسـيـفـها iiالــضَـفـرا
تـــراهــا  إذا صـــــامَ الــنّــهـار iiكــأنّــمـا      تــســامِـي فــيـنـقـاً أو تــخـالـسُـهُ iiخــطــرا
تــخـوضُ  إذا صـــاح الــصّـدى بــعـد iiهَـجـعـةٍ      مــــن  الــلّـيـلِ مـلـتـجّـاً غـيـاطـلهُ iiخــضُـرا
فــــإنْ أعــرضــت زوراءُ أو شــمَــرتْ iiبــهــا      فــــلاةٌ تــــرى مــنـهـا مـخـارِمَـهـا iiغُــبـرا
تعادينَ عن صُهبِ الحصى وكأنمّا طحنَ به من كل رضَراضة جمَرا


اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 239 ـ

وكـم مـن عدُوٍ كاشحٍ قد iiتجاوزتْ      مـخافتَهُ  حـتى تـكون لها iiجسرا
يـؤمُ  بـها الموماة مَن لن ترى iiله      إلى  ابن أبي سُفيان جاهاً ولا iiغُدْرَا
ولا تُـعـجلاني صـاحبيَ iiفـربمّا      سـبقتُ  بـورد الـماءِ غاديةً كُدرا
وحِـضنين مـن ظلماءِ ليلٍ iiسريتُهُ      بـأغيَدَ قـد كـان النعاسُ له iiسُكرا
رمـاهُ  الكرى في الرأسِ حتّى iiكأنّهُ      أمـيمُ  جـلاميدٍ تـركْنَ بـه iiوَقْرا
مـن  الـسّيرِ والإدلاجِ تحسِبُ iiأنمّا      سـقاهُ الـكرى في كل منزلةٍ iiخمَرا
جـررنـا  وفـدَيناهُ حـتّى iiكـأنّما      يرى بهوادِي الصُبح قنبلةً شُقْرا (1)
  قال : فمضينا وقدِمنا المدينةَ، وسعيد بن العاص (2) بن أميّة عليها، فكان في جنازةٍ، فتبعتُه، فوجدته قاعداً والميّتُ يُدفن حتى قُمت بين يديه، فقلتُ : هذا مقام العائذ من رجلٍ لم يُصب دماً ولا مالا، فقال : قد أجرت إن لم تكن أصبتَ دماً ولا مالاً، وقال : من أنت ؟ قلت : أنا همّامُ بنُ غالب بن صعصعة، وقد أثنيتُ على الأمير، فإن رأى أن يأذن لي فأُسمِعَه فليفعَل، قال : هاتِ، فأنشدتُه :
وكُومٍ تُنْعِمُ الأضيافَ عيناً      وتصبِحُ في مَباركها iiثِقالا
  حتّى أتيتُ إلى آخرها، قال : فقال مروان :
قعوداً ينظرون إلى سعيد


*************************************************
(1) ينظر ضبط الأبيات الشعريّة في ديوان الفرزدق، إذْ لم يرد البيتُ الأخير (جررنا وفدَيناهُ حتّى كأنمّا ... إلخ) في الديوان : ص 141 _ 142 .
(2) سعيد بن العاص بن سعيد بن أحيحة بن العاص، وأمّه أمّ كلثوم بنت عَمْرو بن عبد الله، قُتل أبُوه يوم بدر كافراً، تولّى الكوفة أيّام عثمان، وأضرَ بأهلها إضراراً شديداً، ودامت ولايته خمس سنوات إلا شهراً، ثمّ عزله عثمان وعاد إلى المدينة، وظلّ مع عثمان محاصرَاً في الدار، ثمّ انضمَ لأصحاب الجمل، إلا أنّه فارقهم ونزل مكّة، حتّى حكم معاوية، إذ استعمله على المدينة . ابن سعد، الطبقات : ج 5، ص 30 _ 35 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 240 ـ

  قلتُ : واللهِ إنّك لقائم يا أبا عبد الملك، قال : وقال كعب بن جُعَيل (1) : هذه والله الرؤيا التي رأيتُ البارحة، قال سعيد : وما رأيتَ، قال : كأنيّ أمشي في سكّةٍ من سكك المدينة، فإذا أنا بابن قتِرة في جُحر، فكأنّه أراد أن يتناولني فاتّقيته، قال : فقام الحطيئة (2) فشقَ ما بين رجلين حتّى تجاوز إليّ،َ فقال : قل ما شئتَ فقد أدركتَ من مضى، ولا يدركك من بقي، وقال لسعيد هذا والله الشعر لا يعلَل به منذ اليوم، قال فلم نزل بالمدينة مرّة، وبمكّة مرّة، وقال الفرزدق (3) في ذلك :
ألا مَــن مـبلغٌ عـنّي iiزيـاداً      مُـغـلغلةً  يـخبُ بـها iiالـبريدُ
بـأنيّ  قـد فـررتُ إلـى iiسعيدٍ      ولا  يُـسطاعُ مـا يـحمي iiسعيدُ
فـررتُ  إلـيه مِـن ليثٍ iiهِزبر      تَـفادَى عـن فـريستِهِ iiالأُسـودُ
فإن  شئتَ انتسبتُ إلى iiالنّصارى      وإن شئتَ انتسبتُ إلى اليهود (4)

*************************************************
(1) كعب بن جُعيل بن قُمير بن عجرة التغلبيّ، شاعر تغلب في عصره، مخضرم، شهِد صفيّن مع معاوية، وهو شاعر معاوية وأهل الشام يمدحهم ويردّ عنهم، توفي نحو 55 هـ . ابن قتيبة الدينوريّ، الشعر والشعراء : ج 2، ص 635 ، الزركليّ، الأعلام : ج 5، ص 225 _ 226 .
(2) الحطيئة : هو جرول بن أوس من بني قطيعة بن عبس، لقب بالحطيئة لقصِره وقُربه من الأرض، ويُكنى أبا مُليكة، وهو شاعرٌ مخضرمٌ جاهليٌ إسلاميٌ هجّاءٌ، لم يَسلم من لسانِه أحدٌ، عاش إلى زمان معاوية . ينظر : ابن قتيبة الدينوريّ، الشعر والشعراء : ج 1، ص 310 ، البغداديّ، خزانة الأدب (تحقيق : محمّد نبيل طريفي، واميل بديع اليعقوب، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت - 1998 ) : ج 2، ص 359 ، 365 .
(3) في ديوان الفرزدق، ص 110
ألا مَـن مُـبلغٌ عـنّي زياداً      بـأنيّ  قـد لجأتُ إلى iiسعيدِ
وأنـيّ قـد فررْتُ إليهِ iiمنكم      إلى ذي المجدِ والحسب التليدِ
فـراراً من شتيم الوجه iiوَرْدٍ      يُـفِزُ  الأُسـدَ خَوفاً iiبالوعيدِ
.
(4) هذا البيتُ والذي بعدهُ مشتملٌ على إقواءٍ عروضيٍ، والبيتانِ غيرُ موجودين في الديوان كما تقدّم، وكذا الأخير .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 241 ـ

وإن شئتَ انتسبتُ إلى فُقَيم      ونـاسبني وناسبت iiالقُرود
  ويُروى :
وناسبني وناسبت اليهودُ

وأبـغضُهم إليّ بنو iiفُقَيم      ولكن سوف آتي ما ترِيدُ
  وقال أيضاً :
أتـاني وعـيدٌ مِـن زيادٍ فلم iiأنَم      وسَيلُ اللوى دوني فَهضبُ iiالتَهائمِ
فـبِتُ  كـأنيّ مُـشعَرٌ iiخـيبريّةً      سرَت في عظامي أو سِمام الأراقمِ
زيـادَ بن حربٍ لن أظُنَك iiتاركي      وذا  الضغن قدْ حشَمتُهُ غير iiظالمِ
  قال : وأنشدنيه عمرو :
وبالضّغن قد خشّمتني غير ظالمِ

وقـد  كافحت منّي العراقَ iiقصيدةٌ      رجومٌ مع الماضي رؤوسَ المخارم
خـفـيفةُ  أفـواهِ الـرُواة iiثـقيلة      عـلى  قِـرنها نـزّالةٌ بـالمواسمِ
  وهي طويلةٌ . فلم نزلْ بين مكّة والمدينة حتى هلك زياد) (1)
*************************************************
(1) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 179 _ 186 ، ورد في ديوان الفرزدق، ص 524 :
وعـيدٌ  أتـاني مـن زيادٍ فلم أنمْ      وسَيل اللوى دوني وهضبُ التهائمِ
فـبتُ  كـأنيّ مُـشعَرٌ iiخـيبرّيةً      سرَتْ في عِظامي أو لُعابُ الأراقمِ


اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 242 ـ

خبرُ غزو والي خراسان الحكم بن عمرو (1) جبل الآشل (2) ووفاته سنة (50 هـ / 670 م)

  (حدّثني عُمر بن شبَة، قال : حدّثني حاتم بن قبيصة، قال : حدّثنا غالب بن سليمان عن عبد الرحمن بن صبيح، قال : كنتُ مع الحكم بن عَمْرو بخراسان، فكتب زياد إلى الحكم بن عَمْرو أنّ أهل جبل الأشل سلاحهم اللُبود (3) ، وآنيتُهم الذهب، فغزاهم حتى توسّطوا، فأخذوا بالشعاب والطرق، فأحدقوا به ، فعِيّ بالأمر، فولىّ المهلّب الحرب، فلم يزل المهلّب حتالُ حتّى أخذ عظيماً من عظمائهم، وقال له : اختر بين أن أقتلك وبين أن تخرجَنا من هذا المضيق، فقال له : أوقِد النار حيال الطريق من هذه الطُرق، ومُر بالأثقال فلتُوجَه نحوَه حتى إذا ظنَ القومُ أنّكم قد دخلتم الطريق لتسلكُوه فإنهّم يستجمعون لكم، ويُعرُون ما سواه من الطُرُق، فبادِرهم إلى غيره فإنهّم لا يدركونكَ حتّى تخرجَ منه . ففعلُوا ذلك، فنجا وغنِموا غنيمةً عظيمةً) (4) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد، قال : لمّا قفل الحكم بن عَمْرو من غزوة جبل الأشل، ولي المهلّب ساقتَه، فسلكوا في شِعاب ضيّقة، فعارضه الترك فأخذوا عليهم بالطُرق، فوجدوا في بعض تلك الشعاب رجلاً يتغنّى من وراء حائطٍ ببيتين :
تـعَزّ  بـصبرٍ لا وَجدكَ لا ترى      سَنام الحِمى أُخرى اللّيالي الغوابرِ
كـأنَ فـؤادي من تذكُريَ iiالحِمى      وأهلَ الحِمى يهفو به ريشُ iiطائرِ
  فأتى به الحكَم، فسأله عن أمره، فقال : غايرتُ ابنَ عمٍ لي فخرجتُ ترفعني أرضٌ

*************************************************
(1) الحكم بن عَمْرو بن مجدع الغفاريّ، له صحبةٌ، خرج إلى خراسان غازياً، أمر معاوية بتقييده فقيد بمرو، فبقي في قيده حتى مات سنة 50 هـ في مرو . ابن حِبّان البستيّ، مشاهير علماء الأمصار : ص 101 .
(2) الأشل : جبل في ثغور خراسان . ينظر : ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 1، ص 162 .
(3) اللُبود، ومفردُها اللبد، واللبد الصوف . الجوهريّ، الصحاح : ج 2، ص 533 .
(4) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 186 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 243 ـ

  وتخفضني أخرى، حتى هبطتُ هذه البلاد . فحمله الحكم إلى زياد بالعراق .
  قال : وتخلّصَ الحكَم من وجهه حتّى أتى هراة (1) ، ثمّ رجع إلى مَرْو) (2) .
  (حدّثنا عمر، قال : حدّثني حاتم بن قبيصة، قال : حدّثنا غالب بن سليمان عن عبد الرحمن بن صبيح، قال : كتب إليه زياد : والله لئن بقيت لك أقطعنَ منك طابقاً سحتاً، وذلك أنّ زياداً كتب إليه لمّا ورد بالخبر عليه بما غَنَم أنّ أمير المؤمنين كتب إليّ أن أصطفِيَ له صفراءَ وبيضاءَ والروائع (3) فلا تحرّكنّ شيئاً حتى تخُرِجَ ذلك، فكتب إليه الحكم : أمّا بعد فإنَ كتابَك ورد تذكُر أنَ أمير المؤمنينَ كتبَ إليّ أن أصطفِيَ كلَ صفراءَ وبيضاءَ والروائع ولا تحرّكنّ شيئاً ، فإنَ كتابَ اللهِ عزّ وجلَ قبلَ كتاب أمير المؤمنينَ، وإنّه والله لو كانتِ السمّاواتُ والأرضُ رتقاً على عبدٍ اتّقى الله عزَ وجلَ جعلَ الله سبحانه وتعالى له مخرجاً، وقال للناس اغدوا على غنائِمِكم، فغدا النّاسُ، وقد عزل الخُمس، فقسّم بينهم تلك الغنائم، قال : فقال الحكَم : اللَهُمَ إن كانَ لي عندك خيرٌ فاقبضني، فمات بخراسان بمَرْو) (4) .
  (قال عمر : قال عليّ بن محمّد : لما حضرت الحكَم الوفاة بمَرْو استخلَفَ أنس بن أبي أناس، وذلك في سنة 50 هـ) (5) .

*************************************************
(1) هراة : من أمّهات مدن خراسان . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 8، ص 471 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 4 ، 186 _ 187 ، وورد عند السمعاني، الأنساب : ج 4، ص 305 :
تعَزّ  بصبرٍ لا رجعت لكي iiترى      سَـنَام الحمى آخر الليل iiالغرائر
كـأنَ فـؤادي من تذكره iiالحمى      وأهل الحمى يهفو به ريش طائر
(3) الروائع : من الرَوع، ويقال لكلّ شيءٍ يروعك منه جمالٌ وكثرةٌ راعني، فهو رائعٌ، ابن منظور ، لسان : ج 8، ص 135 .
(4) الطبريّ : تاريخ، ج 4، ص 187 .
(5) الطبريّ : المصدر نفسه، ج 4، ص 187 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 244 ـ

خبرُ ولاية الربيع بن زياد (1) الحارثي خراسان سنة (53 هـ / 672 م)

  (حدّثني عمر، قال : حدّثني عليّ بن محمّد، قال : ولي الربيع بن زياد خراسان سنتين وأشهراً، ومات في العام الذي ولي فيه، واستُخلف عبد الله بن الربيع، فوليَ شهرين ثمّ مات عبد الله، قال : فقدم عهده من قبل زياد على خراسان، وهو يُدفن، واستخلف عبد الله بن الرّبيع على خراسان خُليد بن عبد الله الحنفيّ) (2) .

خبرُ وضع علم النحو

  (حدثنا ابن الأنباريّ، قال : حدثنا أبي عن عمر بن شبَة عن الثوريّ، قال : سمعتُ أبا عبيدة معمر بن المثنى يقول : أوّل مَن وضعَ النّحو أبو الأسود الدؤليّ، ثمَ ميمون الأقرن (3) ، ثمَ عنبسة (4) الفِيل، ثمَ عبد الله بن أبي إسحاق (5) (6) .
  (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ، عن أبي زيد، عن حبّاب بن بشر، عن يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عيّاش، عن عاصم بن أبي النّجود، قال : أوّل مَن وَضَعَ العربيّة

*************************************************
(1) الربيع بن زياد الحارثيّ كان عامل زياد على خراسان، فبقي سنتين وأشهراً ومات . ينظر : ابن الجوزيّ، المنتظم : ج 5، ص 260 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 216 .
(3) ميمون الأقرن : من علماء النحو، أخذ عن أبي الأسود الدؤليّ، وقيل أخذ عن عنبسة الفيل . ينظر : الزبيديّ، طبقات النحويّن واللُغويين : ص 30 .
(4) عنبسة الفِيل : هو عنبسة بن معدان الفهريّ، رجلٌ من أهل ميسان، قدِم البصرة وأقام بها، وإنما سُمي الفيل ، لأنَ أباه معدان تقبّل بنفقةِ فيلِ زياد، فسُميَ به، الزّبيديّ، طبقات النحويين واللغويين : ص 29 ، ابن النديم، الفهرست : ص 47 .
(5) عبد الله بن أبي إسحاق المقريء مولى الحضرمييّن، أخذ قراءته عن يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم، ووصف بأنّه أحد الأئمّة في القراءة والنحو، توفيّ سنة 117 هـ، وقيل 129 هـ . ينظر : ابن قتيبة الدينوري، المعارف : ص 532 ، الذهبيّ، تاريخ : ج 7، ص 397 .
(6) عَمْرو الداني : نَقْط المصاحف : ج 1، ص 6 ، ابن الجوزيّ، المنتظم : ج 1، ص 97 _ 98 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 245 ـ

  أبو الأسود الدؤليّ، وجاء به إلى عليٍ (ع) (1) ، فقال : إني أرى العَرب قد خالطت هذه الأعاجم، وقد تغيرّت ألسنتُها، أفتأذن لي أن أضعَ كلاماً يقيمون به كلامَهم ؟ فقال لا ، فجاء رجلٌ إلى زياد بالبصرة، فقال : أصلحَ اللهُ الأميرَ، توفي أبانا، وترك بنوناً، فقال : زياد توفيّ أبانا وترك بنوناً ؟ أُدعوا أبا الأسود، فقال : ضعْ للناس الذي نهيتُك أن تضعَهُ لهم) (2) .
  وفي روايةٍ ثانيةٍ (قال عمر بن شبَة : وحدّثنا حيان بن بشر، قال : حدّثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عاصم، قال : أوّل مَن وضعَ العربيّة أبو الأسود الدؤليّ، فجاء إلى زيادٍ بالبصرة، فقال : إنيّ أرى العرب قد خالطت الأعاجمَ، فتغيرّت ألسنتُهم، أفتأذَن لي أن أضعَ للعربِ كلاماً يعرفونَ بهِ ويقيمون به كلامَهم، قالَ : لا، قال : فجاءَ رجلٌ إلى زياد، فقالَ : أصلَحَ اللهُ الأمير، توفي أبانا وترك بنونَ، فقال : أدعُ لي أبا الأسود، فقال : ضعْ للنّاسِ الذي نهيتُك أن تضعَ لهم) (3) .
  (وأخبرنا أبو أحمد، عن أبي زيد، عن أبي حاتم، عن محمّد بن عباد، عن أبيه، قال : سمع أبو الأسود رجلاً يقرأ : {أَنَ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشرِْكيِنَ وَرَسُولُهُ} (4) بكسر رسوله،

*************************************************
(1) ربمّا يوجد خلطٌ أو سقطٌ في الرّواية، فالإمامُ عليٌ (ع) هو الذي علّم أبا الأسود الدؤلي أصول علم النّحو وأرسى أسسه، وأبو الأسود جاء لزياد بن أبيه، وعَرَض عليه وضعَ علمِ النّحو . ينظر : ابن النديم، الفهرست : ص 45 .
(2) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 296 .
(3) الزبيديّ، طبقات النحوين واللُغويّين : ص 22 ، أبو هلال العسكريّ، المصون في الأدب : ص 118 ، وقد أضاف الزبيديّ وأبو هلال العسكريّ قول زياد قبل استدعاء أبي الأسود الدؤليّ : (فقال زياد توفي أبانا وترك بنوناً ؟) ، وينظر : ابن الجوزيّ، المنتظم : ج 6، ص 98 ، الذهبيّ، تاريخ : ج 5، ص 279 ، سير أعلام النبلاء : ج 4، ص 84 .
(4) سورة التوبة، آية 3 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 246 ـ

  فقال : لا يسعني إلا أن أضعَ شيئاً أُصلِحُ بهِ نحو هذا فوضعَ النّحو) (1) .
  (أخبرنا أبو أحمد، عن الجوهريّ، عن أبي زيد، عن أحمد بن معاوية، عن الأصمعيّ، خَدَمَنا صاحبٌ لنا، قال : سأل أبو الأسود أعرابيّاً : كيف أبوك ؟ قال : أخذته الحمّى ففضختْه فَضخاً، فَفتحتْه فَتحاً، فَطبختْه طَبخاً، فتركتْه فَرخاً، قال : فما فعلت امرأتُهُ التي عدّتهُا نهارُه وثمارُه ونُضارُه ؟، قال : طلّقها وتزوّج غيرها، فحظِيَت ورضِيَت وبظِيَت، قال : وما بظِيَت ؟ قال : حرفٌ من العربيّة لم يبلغْك، قال الأصمعيّ : هي مثل رضيت) (2) .

خبرُ وفاة زياد ، واقرار سمرة بن جندب على البصرة (53 هـ / 672 م)

  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا زهير، قال : حدّثنا وهيب، قال : حدّثني أبي، عن محمّد ابن إسحاق، عن محمّد بن الزبير، عن فيل مولى زياد، قال : ملَكَ زياد العِراق خمسَ سنين، ثمَ مات سنة 53 هـ) (3) .
  (حدّثني عمر، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد، قال : لمّا نزل زياد على العِراق، بقيَ إلى سنة 53 ، ثمَ مات بالكوفة في شهر رمضان، وخليفتُه على البصرة سمُرة بن جندب) (4) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثني عليّ، قال : كتبَ زياد إلى معاوية : قد ضبطتُ لك العراق بشمالي ويميني فارغة، فاشغلها بالحِجاز، وبعث في ذلك الهيثم بن الأسود (5)

*************************************************
(1) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 296 .
(2) المصدر السابق : ص 297 .
(3) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 214 ، يبدو هناك تناقضٌ، فإنَ زياد جمعت له البصرة والكوفة سنة 50 هـ ووفاته سنة 53 هـ ، يعني أنّه ملك العراق ثلاث سنين، وليس خمس سنين .
(4) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 214 .
(5) الهيثم بن الأسود بن أقيش بن معاوية بن سفيان، أبو العريان النخعيّ، وكان من رجال مذحج خطيباً شاعراً، ابن سعد، الطبقات : ج 6، ص 214 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 247 ـ

  النخعيّ، وكتب له عهده مع الهيثم، فلماّ بلغ ذلك أهلَ الحجاز، أتى نفرٌ منهم عبد الله ابن عمر بن الخطاب فذكروا ذلكَ له، فقال : ادعُوا الله عليه يكفيكُمُوه، فاستقبل القِبلة واستقبلوها، فدعَوا ودَعا، فخرجت طاعونةٌ على إصبعِهِ، فأرسلَ إلى شرُيح - وكان قاضِيه - فقالَ : حدث بي ما تَرى، وقد أُمرتُ بقطعِها، فأشرِ عليَ، فقال له شريح : إنيّ أخشى أن يكونَ الجراح على يدك، والألم على قلبِكَ، وأن يكونَ الأجلُ قد دنا فتلقَى اللهَ عزَ وجلَ أجذمَ وقد قطعت يدك كراهية لقائه، أو أن يكونَ في الأجل تأخير، وقد قطعت يدك، فتعيش أجذم وتعيرّ ولدك، فتركها، وخرج شريحاً فسألوه، فأخبرهم بما أشار به، فلامُوه، وقالوا : هلاّ أشرتَ عليه بقطعِها، فقال : قالَ رسولُ الله (ص) : (المستشارُ مؤتمََنٌ) (1) ) (2)
  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا عبد الملك بن قريب الأصمعيّ، قال : حدّثني ابن أبي زياد، قال : لما حضرت زياداً الوفاة قال له ابنُه : با أبتِ قد هيّأتُ لك ستيّن ثوباً أُكفنك فيها، قال : يا بُني قد دنا مِن أبيك لباسٌ خيرٌ مِن لباسِه هذا، أو سلب سريع، فمات، فدُفن بالثُوَيَة (3) إلى جانبِ الكوفة، وقد توجّه زيادٌ إلى الحِجاز والياً عليها، فقال مسكين ابن عامر بن شريح بن عَمْرو بن عدس (4) بن زيد بن عبد الله بن دارم :

*************************************************
(1) ينظر : أبو داود، سنن أي داود (تحقيق : سعيد محمّد اللحام، ط 1، دار الفكر، بيروت - 1990) : ج 2، ص 504 ، الترمذي، سنن الترمذي (تحقيق : عبد الرحمن محمّد عثمان، ط 2، دار الفكر، بيروت - 1983 ) : ج 4، ص 14 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 215 .
(3) الثُوَيَة : موضع قريب من الكوفة، دُفن فيها المغيرة بن شعبة، وأبو موسى الأشعريّ، ولمّا مات زياد دُفن فيها أيضاً، وسُميت بالثُوَيّة ، لأنهّا كانت سجناً للنّعمان بنِ المنذر، يحبسُ بها مَن أراد قتلَه، فكانَ يقال لمن حُبِسَ بها : ثوَى، أي : أقام فسُميت الثُوَيَة بذلك . ينظر : ياقوت الحموي، معجم البلدان : ج 3، ص 18 .
(4) مسكين الدارميّ، وهو ربيعة، ولقبه مسكين بن أنيف بن شريح بن عَمْرو، الدارميّ التميميّ،

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 248 ـ

رأيتُ زيادة الإسلامِ ولّت      جِـهاراً حين ودَعَنَا زيادُ
  وقال الفرزدقُ (1) لمسكين ولم يكن هجا زياداً حتّى مات :
أ  مـسكينُ أبكى اللهُ عينك iiإنما      جرى في ضلالٍ دمْعُها إذْ تحدّرا
بَكَيْتَ  امرأً من آلِ مَيسان iiكافراً      ككسرى على عَدّانه أوْ iiكقيصرَا
أقـولُ  لـهُ لـمّا أتـاني iiنعيُهُ      بـه  لا بظبيٍ بالصرّيمةِ iiأعْفَرا
  فأجابه مسكين، فقال :
ألا أيـهُا المرءُ الذي لستُ ناطقاً      ولا قاعداً في القوم إلا انبرى iiليَا
فـجئني بـعمٍ مثلِ عميَ أو iiأبٍ      كمثلِ  أبي أو خالِ صدقٍ iiكخاليا
كعمرِو بن عمرٍو أو زرارة والداً      أو البشِر من كلٍ فَرَعتُ iiالرَوابيا
ومـا زال بي مثلُ القناة iiوسابحٍ      وخطَارةٍ  غِبّ السرُى مِن iiعياليا
فـهـذا لأيّـام الـحِفاظ وهـذه      لـرحْلي وهـذا عُـدَةٌ لارتحاليا
  وقال الفرزدق :
أبـلِغ زيـاداً إذا لاقـيتَ iiمـصرعَه      أنَ الـحمامة قـد طـارت من iiالحرَمِ
طـارت فـما زال يَـنْمِيها قـوادمُها      حتى استغاثت إلى الأنهار والأَجَمِ (2)

*************************************************
ويقال ربيع بن عامر بن أنيف، شاعرٌ من أهل العراق، وفد على معاوية، وعلى ابنه يزيد، ولقب بمسكين ، لقوله :
أنَـا  مـسكينٌ لمن iiأنكرني      ولـمن  يـعرفُني جدّ iiنطَقْ
لا أبيعُ النّاسَ عِرضي iiإنّني      لو أبيعُ النّاس عِرضي لنفَقْ
ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 18 ، ص 53 .
(1) ينظر : الفرزدق، ديوان : ص 151 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 215 _ 216 ، وذكر الرواية باختصار ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 19 ، ص 205 ، وفي ديوان الفرزدق، ص 491 ورد البيتانِ بلفظٍ مختلفٍ :

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 249 ـ

  (فحدّثني عُمر بن شبَة، قال : حدّثني عليّ، قال : مات زياد وعلى البصرة سمُرة بن جندب خليفة له، وعلى الكوفة عبد الله بن خالد (1) بن أسيد، فأقرَ سمُرة على البصرة ثمانية عشر شهراً، قال عمر : وبلغني عن جعفر بن سليمان الضبعيّ، قال : أقرَ معاوية سمُرة بعد زيادٍ ستّةَ أشهرٍ، ثمَ عزله، فقال سمُرة : لعنَ اللهُ معاوية، واللهِ لو أطعتُ اللهَ كما أطعتُ معاويةَ ما عذَبني أبداً) (2) .

خبرُ عزل سمرة بن جندب ، وتولية عبدالله بن عمرو بن غيلان

  (فحدّثني عمر، قال : حدّثني عيّ بن حمّد، قال : عزل معاوية سمُرة، وولىّ عبد الله بن عَمْرو بن غيلان، فأقرّه ستّة أشهرٍ، فولىّ عبدُ اللهِ بن عَمرو شرطتَه عبدَ الله بن حِصن) (3) .

خبرُ ولاية عبيد الله بن زياد على خراسان أواخر سنة (53 هـ / 672 م)

  (حدّثني عمر، قال : حدّثني عليّ بن محمّد، قال : حدّثنا سلمة بن محارب ومحمّد بن أبان القرشيّ، قال : لمّا مات زياد وفد عبيد الله إلى معاوية، فقال له : مَن استخلَف أخي على عملِه بالكوفة ؟ قال : عبد الله بن خالد بن أسيد، قال : فمَن استعمل على البصرة ؟

*************************************************
أبـلِغْ  زيـاداً إذا لاقـيتَ iiجـيفتَه      أنَ الـحمامة قـد طارتْ من iiالحرَمِ
طـارت فـما زال يَـنْمِيها قوادمُهَا      حتّى استغاثَت إلى الصحراء والأَجَمِ
(1) عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن شمس، وأمّه ريطة بنت عبد الله بن خزاعيّ، استعمله معاوية على الطائف، فأتى بعنبسة بن أبي سفيان سكران من الخمر، فحدَهُ، فغضِب معاوية لذلك وعزله، واستخلفه زيادٌ على الكوفة، ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 5، ص 471 ، ابن حبيب، المنمّق (صحَحه وعلق عليه : خورشيد أحمد فاروق، عالم الكتب، بيروت ) : ص 397 .
(2) ابن شاذان، الإيضاح : ص 68 .
(3) الطبريّ، تاريخ : ج 3، ص 242 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 250 ـ

  قال : سمُرة بن جندبٍ الفزاريّ، فقال له معاوية : لو استعملَك أبوك استعملتُك، فقال عبيد الله : أُنشدُك اللهَ أن يقوها إليّ أحدٌ بعدك : لو ولاّك أبوك وعمُك لولَيتُك !
  قال : وكان معاوية إذا أراد أن يولي رجلاً من بني حرب ولاّه الطائف، فإن رأى منه خبراً وما يعجبه ولاّه مكّة معها، فإنْ أحسن الولايةَ وقام بما وُلي قياماً حسناً جمعَ له معها المدينة، فكانَ إذا ولىّ الطائف رجلاً، قيل : هو في أبي جاد (1) ، فإذا ولاّه مكّة، قيل : هو في القرآن (2) ، فإذا ولاّه المدينة، قيل هو قد حَذَق.
  قال : فلماّ قال عبيد الله ما قال، ولاّه خراسان، ثمَ قال له حين ولاّه : إنيّ قد عهدت إليك مثل عهدي إلى عمالّي، ثمَ أوصيك وصيّةَ القرابة لخاصَتك عندي : لا تبيعَنَ كثيراً بقليلٍ، وخُذ لنفسِك من نفسِك، واكتفِ فيما بينك وبين عدوكَ بالوفاء تخفُ عليك المؤونة وعلينا منك، وافتح بابَك للنّاس تكُن في العِلم منهم أنتَ وهم سواء، وإذا عزَمت على أمرٍ فأخرجه إلى النّاس، ولا يكن لأحدٍ فيه مطمَع، ولا يرجعَنَ عليك وأنت تستطيع، وإذا لقيت عدوّك فغلَبوك على ظهر الأرض فلا يغلبوك على بطنها، وإن احتاج أصحابُك إلى أن تواسيَهم بنفسِكَ فآسِهِم) (3) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثني عليّ، قال : أخبرنا عليّ بن مجاهد عن ابن إسحاق، قال : استعمَل معاويةُ عبيدَ الله بن زياد، وقال :
استَمْسِك الَفسْفَاسَ (4) إن لم يقطع


*************************************************
(1) جاءَ أنَ ما يعنيه (هو في أبي جاد) أبي : في أوّل الأمر، ابن الجوزيّ، المنتظم : ج 5، ص 267 (الهامش) .
(2) ورد القرار، وليس القرآن ينظر : ابن الجوزيّ، المنتظم : ج 5، ص 267 .
(3) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 219 .
(4) الفَسْفَاس : الأحمق، ينظر : ابن منظور، لسان : ج 6، ص 164 .