خبرُ ولاية عبدالله بن عامر بن كريز (1) على البصرة (41 هـ - 661 م)

  (حدّثني أبو زيد، قال : حدّثنا علي، قال : أراد معاوية توجيه عتبة بن أبي سفيان (2) على البصرة فكلَمه ابن عامر وقال : إنَ لي بها أموالاً وودائعَ، فإنْ لم تويجهني عليها ذهَبَتْ، فولاّه البصرة، فقدِمها في آخر سنة 41 هـ ، وإليه خراسان وسجستان، فأراد زيد ابن جبلة (3) على ولاية شرطتِه فأبى، فولّى حبيب بن شهاب الشامي (4) شرطته، وقد قيل قيس بن الهيثم (5) السلميّ، واستقضى عمرة بن يثربي (6) الضَبّي أخا عَمْرو بن يثربي) (7) .
  (ذكر عمر بن شبَة ي أخبار البرة أنّ النبيّ (ص) وجد يوم الفتح عند عمرة بن

*************************************************
(1) عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، ويكنى أبا عبد الرحمن، وأمّه دجاجة بنت أسماء، ولد بمكّة بعد الهجرة بأربع سنين، تولّى البصرة لعثمان، ثمّ تولاها معاوية ثلاث سنين، ومات قبل معاوية بسنة . ابن سعد الطبقات : ج 5، ص 44 ، 49 .
(2) عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أميّة، وُلد قي عهد رسول (ص) ، يكنى أبا الوليد، ولّه عثمان الطائف وصدقاتها، ثم ولاّه معاوية مصر بعد موت عَمْرو بن العاص، فأقام عليها سنة وتوفيّ بها سنة 42 هـ . ينظر : ابن عبد البر النُميَرْيّ، الاستيعاب : ج 3، ص 1025 -1026 .
(3) زيد بن جبلة بن مرداس بن قيس بن مسلمة السعدي البصريّ، أحد الفصحاء وكان أحد رؤساء وفد تميم إلى عمر، وكان مع الإمام علي (ع) في صفن . ينظر : ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 3 ، ص 531 - 532 .
(4) حبيب بن شهاب الشامي التاجر، وإليه ينسب نهر حبيب بالبصرة، أقطعه أيّام زياد وقيل عثمان . البلاذري، فتوح البلدان : ج 2، ص 444 .
(5) قيس بن الهيثم السلميّ، من تابعي أهل البصرة . ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 5، ص 384 .
(6) عمرة بن يثربي الضبّيّ، تولّى قضاء البصرة، كان معروفاً بقلّة الحديث، لم يزل على القضاء حتى عزل ابن عامر عن البصرة سنة 45 هـ ، وولي الحارث بن عمر الأزدي، فأقر عميرة، ثمّ عزل الحارث وولي زياد في بقية سنة 45 هـ ، فعزل عميرة عن القضاء . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 149 ، وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 290 .
(7) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 130 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 202 ـ

  قتادة (1) اللّيثي خمسَ نسوةٍ، فقال : (فارِقْ إحداهُنّ) ، ففارق دجاجة بنت الصلت (2) ، فتزوّجها عامر بن كريز (3) ، فولدت له عبد الله، فعلى هذا كان له عند الوفاة النبويّة دون السنتين وهذا هو المعتمد) (4)

خبرُ خروج الخطيم (41 هـ / 661 م)

  (حدّثني أبو زيد، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد، قال : خرج في ولاية ابن عامر معاوية يزيد بن مالك الباهلي وهو الخطيم، وإنمّا سمي الخطيم لضربة أصابته على وجهه، فخرج هو وسهم بن غالب الهجيمي (5) ، فأصبحوا عند الجسر فوجدوا عبادة بن قرص اللَيثي (6) أحد بني بجير - وكانت له صحبة - يصلي عند الجسر، فأنكروه فقتلوه، ثمَ سألوه الأمان بعد ذلك فأمّنهم ابن عامر، وكتب إلى معاوية : إني قد جعلت لهم ذمّتك، فكتب إليه معاوية : تلك ذمّة لو أخفرتها لا سئلتَ عنها، فلم يزالوا آمنين حتى عُزل ابن عامر) (7) .

*************************************************
(1) ذكر أن اسمه عمر بن عَمْرو اللّيثي، وقيل عبيد بن عَمْرو الليثي، ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 4، ص 488 .
(2) دجاجة بنت أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة، أمّ عبد الله بن عامر بن كريز . ابن سعد، الطبقات الكبرى : ج 5، ص 44 .
(3) عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أمّه البيضاء بنت عبد المطلب، أسلم يوم الفتح وعاش إلى خلافة عثمان . ينظر : ابن ماكول، إكمال الكمال : ج 7، ص 167 .
(4) ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 5، ص 14 ؛ ج 8، ص 126 ، تهذيب التهذيب : ج 5، ص 239 .
(5) سهم بن غالب الهجيميّ، من زعماء الثائرين على معاوية، خرج سنة 41 هـ بالبصرة، وقاتل حتى فني أكثر أصحابه، فاستخفى، ثمّ ظهر، فطلبه زياد فتوارى، وما زال كذلك حتى قبض عليه عبيد الله بن زياد فصلبه بالبصرة، وقيل صلبه زياد . ينظر : الزركلي، الأعلام : ج 3، ص 144 .
(6) عبادة بن قرص اللّيثي، ويقال عبادة بن قرص العبسي، ويقال ابن قرط، سكن البصرة وقتل سنة 41 هـ في وقعة ابن عامر بسهم بن غالب الهجيمي . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 7 ، ص 82 ، ابن حِبّان البستي، الثقات : ج 3، ص 303
(7) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 130 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 203 ـ

دارُ عبد الله بن عامر بن كريز

  (أخري أبو زيد النُمَرْيّ، أخري أيوب بن عمر بن أي عمرو، قال: أخري عبد اه بن حمّد الغروي، قال: اشرى عبد اه بن عامر بن كريز بن خالد بن عقبة بن أي معيط داره التي ي السوق ليرع ها بابه عل السوق بثانن أو تسعن ألفاً، فلاّ كان من اللَيل سمع بكاءً، فقال أهله: ما هؤلء يبكون، قالوا عل دارهم، قال: يا غام ائتهم وأعلمهم أنّ الدار وامال هم) (1) .

علاقة عبدالله بن عامر بأبي الاسود الدؤلي

  (أخبرني حبيب بن نصر المهلّبيّ، قال : حدّثنا عمر بن شبَة، قال : ذكر الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد بن عبد الملك بن عمر، قال : كان ابن عبّاس يكرم أبا الأسود الدؤلي لما كان عاملاً لعلي بن أبي طالبٍ (ع) على البصرة ويقضي حوائجه، فلماّ ولي ابن عامر جفاه وأبعده ومنعه حوائجه ، ما كان يعلمه من هواه في علي بن أبي طالبٍ (ع) ، فقال فيه أبو الأسود :
ذكـرتُ ابـن عبّاسٍ بباب ابن iiعامرٍ      ومـا مرَ مِن عيشي ذكرتُ وما iiفَضَل
أمـيـرين كـانا صـاحبيَ iiكـلاهما      فـكُلٌ جـزاه اللهُ عـني بـما iiفَـعَل
فـإن كـان شـرّاً كـان شرّاً iiجزاؤه      وإن كان خيراً كان خيراً إذا عَدَل (2)

علاقةُ عبد الله بن عامر بزياد بن أبيه

  (حدّثني عمر بن شبَة، قال : زعمُوا أنّ رجلاً من عبد القيس كان مع زياد لما وفد على معاوية، فقال لزياد : إنَ لابن عامر عندي يداً فإن أذنت ليّ أتيته، قال : على أن تحدّثني

*************************************************
(1) ابن أبي الدنيا، مكارم الأخلاق : ص 108 .
(2) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 12 ، ص 368 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 204 ـ

  ما يجري بينك وبينه، قال : نعم، فأذن له فأتاه، فقال له ابن عامر : هيه هيه! وابن سُمَيَة (1) يقبح آثاري ويعرض بعماّلي ! لقد هممت أن آتي بقَسَامةٍ (2) من قريش يحلفون أنّ أبا سفيان لم يرَ سُميّة، قال : فلماّ رجع سأله زياد فأبى أن يخبره، فلم يدعه حتى أخبره، فأخبر ذلك زياد معاوية، فقال معاوية لحاجبه : إذا جاء ابن عامر فاضرب وجه دابته عن أقصى الأبواب، ففعل ذلك به، فأتى ابن عامر يزيد فشكا إليه ذلك، فقال له : هل ذكرت زياداً قال : نعم، فركب معه يزيد حتى أدخله، فلماّ نظر إليه معاوية قام فدخل، فقال يزيد لابن عامر : اجلس فكم عسى أن تقعد في البيت عن مجلسه، فلماّ أطال خرج معاوية وفي يده قضيب يضرب به الأبواب، ويتمثّل :
لنا  سياقٌ ولكم iiسياقُ      قد علمت ذلكمُ الرفاقُ
  ثمَ قعد، فقال : ابنَ عامر، أنت القائل في زياد ما قلت ؟ أما والله لقد علمت العرب أني كنتُ أعزّها في الجاهليّة، وإنّ الإسلام لم يزدني إلاّ عزّاً، وإنيّ لم أتكثّر بزيادٍ مِن قلّةٍ، ولم أتعزّز به مِن ذلّةٍ، ولكن عرفتُ حقّاً له فوضعته موضعه، فقال : يا أمير المؤمنين نرجع إلى ما يحبُ زياد، قال : إذاً نرجعُ إلى ما تحبُ، فخرج ابن عامر إلى زياد فترضّاه) (3) .

أخبار القاضي عميرة بن يثربي (41 - 45 هـ / 661 - 665 م)

  (أخري عبيد الله بن الحسن عن النُمَيرْيّ، عن محمّد بن سليمان الثماميّ، عن موسى ابن الفضل الربعيّ، عن أيّوب بن عتبة، قال : كان عميرة بن يثربي وكان قاضياً يقول

*************************************************
(1) ابن سُميّة : هو زياد بن أبيه، ويقال ابن عبيد، ويقال له ابن سُميّة، وسُميّة أمّه، وهو الذي ادّعاه معاوية، فقيل له زياد بن أبي سفيان . ينظر : البخاري، التاريخ الكبير : ج 3، ص 357 ، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 19 ، ص 166 .
(2) القَسَامة : الجماعة يقسمون على الشيء، أو يشهدون، ويمين القسامة منسوب إليهم . ينظر : ابن منظور، لسان العرب : ج 12 ، ص 481 .
(3) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 163 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 205 ـ

  في المكاتب - إذا هلك وترك مالاً وعليه دين وعليه بقيّة من مكاتبته - يُبدَأ بالمكاتبة (1) قبل الدَيْن) (2) .
  (أخري عبيد اه بن احسن عن النُمَرْيّ، قال، حدّثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون، عن ابن سرين: إنَ رجاً استعار من قومٍ متاعاً فرهنه، فأتوا عمرة بن يثري فأمرهم أن يفتكُوا متاعهم) (3) .

خبرُ ولاية الحارث بن عبد الله الأزدي (4) (45 هـ / 665 م)

  (حدّثني عمر بن شبَة : حدثنا عليّ بن محمّد : حدثنا مسلمة بن محارب، قال : وفد ابن الكوّاء (1) -واسم ابن الكوّاء عبد الله بن أوفى - إلى معاوية، فسأله عن النّاس، فقال ابن الكوّاء : أمّا أهل البصرة فقد غلب عليهم سُفهاؤها، وعاملها ضعيف، وبلغ ابن عامر قول ابن الكوّاء فاستعمل طفيل بن عوف اليشكريّ على خراسان، وكان الذي بينه وبين ابن الكوّاء متباعداً، فقال ابن الكوّاء، إنّ ابن دجاجة لَقليل العلم بي، أظَنّ أنّ ولاية طفيل خراسان تسوؤني ؟! لوددت أنّه لم يبقَ في الأرض يشكريٌ إلا عاداني، وأنّه

*************************************************
(1) المكاتبة : هو أن يكاتب الإنسان عبده أو أمته على مالٍ معلوم يؤدّيه إليه في نجومٍ معلومة، فإنَه يستحبّ له أن يكاتبه على ذلك إذا علم أنّ له القدرة على أداء ثمنه وفكّ رقبته، بأن يكون ذا صناعةٍ أو حرفةٍ أو غير ذلك . ينظر : الطوسيّ، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى (قم - د. ت) : ص 549 .
(2) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 290 .
(3) وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 290 .
(4) الحارث بن عبد الله بن وهب الأزديّ النميريّ الدوسيُ، شهد اليرموك وشهد صفيّن مع معاوية، جعله على رجال فلسطين، تولّى البصرة، فلم يلبث يسيراً حتى كتب أهل البصرة إلى معاوية يستعفونه منه ويشكون ضعفه، وكتب الحارث يستعفي فولىّ معاوية زياداً، مات في زمن معاوية . ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 11 ، ص 452 ، 455 - 456.
(5) ابن الكوّاء هو عبد الله بن أوفى، ويقال عبد الله بن عَمْرو بن النعمان بن ظالم اليشكريّ أبو عَمْرو، ويقال : أبو الكوّا اليشكريّ . ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 37 ، ص 96 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 206 ـ

  ولّهم، فعزل معاوية ابن عامر وبعث الحارث بن عبد الله الأزدي) (1) .
  (فحدّثني عمر، قال : حدّثني عليّ بن محمّد، قال : عزل معاوية ابن عامر وولىّ الحارث بن عبد الله الأزديّ البصرة في أوّلِ سنةِ خمسٍ وأربعين، فأقام بالبصرة أربعة أشهر، ثمّ عزله، قال : وقد قيل : هو الحارث بن عَمْرو وابن عبد عَمرو، وكان من أهل الشام، وكان معاوية عزل ابن عامر ليولي زياداً، فولىَ الحارث كالفرس المحلل، فولىّ الحارثُ شرطتَه عبدَ الله بن عَمْرو بن غيان (2) الثقفيّ، ثمّ عزله معاوية وولاّها زياداً) (3) .

خبرُ ولاية زياد ابن ابيه على البصرة (45 - 53 هـ / 665 - 672 م)

  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا عليّ، قال : حدّثنا بعض أهل العلم أنّ زياداً لما قدم ، الكوفة ظنّ المغيرةُ أنّه قدِم والياً على الكوفة، فأقام زياد في دار سلمان بن ربيعة الباهليّ (4) فأرسل إليه المغيرة وائل بن حجر الحضرميّ (5) أبا هنيدة، وقال له : إعلم لي علمَه، فأتاه فلم يقدر منه على شيء، فخرج من عنده يريد المغيرة، وكان زاجراً فرأى غراباً ينعق فرجع إلى زياد، فقال : يا أبا المغيرة هذا الغراب يُرحلك عن الكوفة، ثمّ رجع إلى المغيرة

*************************************************
(1) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 27 ، ص 101 - 102 .
(2) عبد الله بن عَمْرو بن غيان بن سلمة، جدّه غيان بن سلمة له صحبه، وهو من كبار رجال معاوية، قد ولاّه البصرة بعد موت زياد، فأقام أميراً ستّة أشهر، ثمَ عزله . ابن عبد البر النُميَرْيّ، الاستيعاب : ج 3، ص 1197 .
(3) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 164 .
(4) سلمان بن ربيعة الباهلي، هو أوّل قاضٍ قضى لعمر بن الخطاب بالعراق، شهد القادسيّة فقضى بها، ثمّ قضى بالمدائن، وقُتل بالنجر من أرض الترك في خلافة عثمان . ينظر : ابن قتيبة الدينوريّ، المعارف : ص 433 .
(5) وائل بن حجر الحضرميّ، كان ملكاً عظيماً بحضرموت، لما بلغه ظهور النبيّ (ص) نزل ملكه ونهض إلى الرسول (ص) مسلماً فأقطعه أرضاً، يكنى أبا هنيدة، مات في آخر ولاية معاوية، ابن حِبّان البستيّ، مشاهير علماء الأمصار : ص 77 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 207 ـ

  وقدم رسولُ معاوية على زياد من يومه، أن ِسِرِْ إلى البصرة) (1) .

الخطبةُ البتراء (2)

  (فحدّثني عمر، قال : حدّثنا مسلمة والهذلي وغيرهما أنّ معاوية استعمل زياداً على البصرة وخراسان وسجستان، ثمّ جمع له الهند والبحرين وعمان، وقدم البصرة في آخر شهر ربيع الآخر، أو غرّة جمادى الأولى سنة 45 هـ، والفسقُ بالبصرة ظاهرٌ فاشٍ، فخطب خطبةً بتراء لم يحمد الله فيها، وقيل بل حمد الله، فقال : الحمدُ لله على إفضاله وإحسانه، ونسأله المزيّد من نعمه، اللَهُمَ كما رزقتنا نعماً فألهمنا شكراً على نعمتك علينا، أمّا بعد :
  فإنَ الجهالةَ الجهلاء، والضالةَ العمياء، والفجور الموقد لأهله النار، الباقي عليهم سعيرها، ما يأتي سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العُظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى منها الكبير، كأن لم تسمعوا بآي الله، ولم تقرؤا كتاب الله، ولم تسمعوا ما أعدَ اللهُ من الثواب الكريم أهل طاعته، والعذاب الأليم أهل معصيته، في الزّمن السرّمد الذي لا يزول، أ تكونونَ كمن طرفت عينه الدنيا، وسدّت مسامعه الشهوات، واختار الفانية على الباقية، ولا تذكرون أنّكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تُسبقوا به من ترككم هذه المواخير (3) المنصوبة، والضعيفة المسلوبة في النّهار

*************************************************
(1) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 164 .
(2) البتراء من البتر، والبتر استئصال الشيء قطعاً غيره، وكلُ أمرٍ انقطع مِن الخير أثرُه فهو أبتر، وخطبة بتراء إذا لم يذكر الله تعالى فيها، ولا صلّى على النبي (ص) ، وخطب زياد خطبة بتراء ، لأنّه لم يحمد الله ، تعالى فيها ولم يصلي على النبي (ص) ، ابن منظور، لسان العرب : ج 4، ص 37 - 38 .
(3) الماخور بيت الرّيبة، وهو أيضاً الرّجل الذي يلي ذلك البيت ويقود إليه، فالماخور هو مجلس الرّيبة وجمع أهل الفسق والفساد، وهي تعريب (مي – خور)، وقيل هو عربي لتردّد الناس إليه . ينظر : ابن منظور، لسان العرب : ج 5، ص 161 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 208 ـ

  المبصر، والعدد غيرُ قليل، ألم تكن منكم نهاةٌ تمنع الغُواة عن دلج (1) اللّيل وغارة النهار ؟
  قرّبتم القرابة وباعدتم الدين، تعتذرون بغير العذر، وتعظون على المختلس (2) كلُ امرئٍ منكم يذبُ عن سفيهه، صنيعَ مَن لا يخاف عقاباً ولا يرجو معاداً، ما أنتم بالحلماء، وقد اتّبعتم السّفهاء، ولم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام، ثمّ أطرقوا وراءكم كنوساً في مكانس الريَب، حُرم عليَ الطعام والشراب حتى أسويّها بالأرض هدماً وإحراقاً، إنيّ رأيتُ آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح أوّله، لين في غير ضعف، وشدّة في غير جبريّةٍ وعنف، وإنيّ أقسم بالله لآخذنَ الولي بالولي، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول : أُنج سعد قد هلك سعيد، أو تستقيم في قناتكم، إنَ كِذبة المِنبر تبقى مشهورة، فإذا تعلّقتم عليّ بكذبة فقد حلّت لكم معصيتي، مَن بُيتَ منكم فأنا ضامنٌ لما ذهب له، إيّاي ودَلَج اللّيل فإنيّ لا أُوتى بمُدلجٍ إلا سفكتُ دمه، وقد أجّلتُكم في ذلك بقدر ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إليّ، وإياي ودعوى الجاهليّة، فإنيّ لا أجد أحداً دعا بها إلا قطعتُ لسانه.
  وقد أحدثتم أحداثاً لم تكن، وقد أحدثنا لكل ذنبٍ عقوبة، فمَن غرّق قوماً غرّقتُه، ومَن حرّق على قومٍ حرّقناه، ومن نقّب بيتاً نقّبتُ عن قلبه، ومن نبش قبراً دفنتُه حيّاً، فكُفّوا عنّي أيديكم وألسنتكم أكفف يدي وأذاي، لا يظهر مِن أحدٍ منكم خلاف ما عليه عامّتكم إلا ضربتُ عنقه، وقد كانت بيني وبين أقوام إحنٌ (3) ، فجعلت ذلك دُبُر

*************************************************
(1) الدُلجة : يسر السحر، والدلَجة سير اللّيل كله، وأدلجوا ساروا في آخر اللّيل، وأدلجوا ساروا اللّيل كلّه. ابن منظور، لسان العرب : ج 2، ص 272 - 273 .
(2) المختلس من خلس، والخُلس الأخذ في نهزة ومخاتلة . الجوهريّ : خلستُ الشيء واختلسته وتخلَستُه إذا استلبتُه . ابن منظور، لسان العرب : ج 6، ص 65 .
(3) إحن : الإحنة : الحقد في الصدر . الفراهيديّ، العين : ج 3، ص 305 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 209 ـ

  أذني وتحت قدمي، فمَن كان منكم محسناً فليزدد إحساناً، ومَن كان مسيئاً فلينزع عن إساءته، إني لو علمتُ أنَ أحدكم قد قتله السُل من بغضي لم أكشف له قناعاً، ولم أهتك له ستراً حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره، فاستأنفوا أموركم، وأعينوا على أنفسكم، فرُبّ مبتئسٍ بقدومنا سيسُرّ، ومسرور بقدومنا سيبتئس.
  أيهُا النّاس إنّا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خوَلنا، فلنا عليكم السّمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل فيما وُلينا، فاستوجبوا عدلنا وفيأنا بمناصحتكم، واعلموا أني مهما قصرّت عنه فإنيّ لا أُقصرّ عن ثلاث، لستُ محتجباً عن طالب حاجةٍ منكم، ولو أتاني طارقاً بليل، ولا حابساً رزقاً ولا عطاء عن إبّانه، ولا مجمراً (1) لكم بعثاً، فادعوا الله بالصلاح لأئمتكم فإنهّم ساستكم المؤدبون لكم، وكهفكم الذي إليه تأوون، ومتى تصلحوا يصلحوا، ولا تشُربوا قلوبكم بغضَهم فيشتدُ لذلك غيظكم ويطول له حزنكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع أنّه لو استجيب لكم كان شرّاً لكم، أسأل الله أن يعينَ كلاًّ على كلٍ، وإذا رأيتوني أُنفذ فيكم الأمر فأنفِذوه على إذلاله ، وأيم الله إنَ لي فيكم لصرعىً كثيرة فليحذر كلُ امرئ منكم أن يكونَ من صرَعاي.
  قال : فقام عبد الله بن الأهتم (2) ، فقال : أشهد أيها الأمير أنّك قد أُوتيت الحكمة وفصل الخطاب، فقال : كذبت، ذاك نبيُ الله داود (ع) ، قال الأحنف : قد قلت فأحسنت أيهّا الأمير، والثناء بعد البلاء، والحمد بعد العطاء، وإنّا لن نثني حتى نبتلي، فقال زياد :

*************************************************
(1) التجمير : جمّر الجند أبقاهم في ثغر العدو، وقد نهي عن ذلك، وجمر الجند أن حبسهم في أرض العدو ولا يقفلهم من الثغر، وجمّر الأمير الجيش إذا أطال حبسهم بالثغر ولم يأذن لهم في القفل إلى أهلهم، وهو التجمير . ابن منظور، لسان العرب : ج 4، ص 146.
(2) عبد الله بن الأهتم، واسم الأهتم سُمّي بن سنان بن خالد بن منقر من بني زيد مناة بن تميم، ويكنى أبو معمر المنقري . ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 27 ، ص 107 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 210 ـ

  صدقت، فقام أبو بلال مرداس بن آدية (1) يهمس وهو يقول : أنبأ الله بغير ما قلت، قال الله عزَ وجلَ : { وَإِبْرَاهِيمَ الَذِي وَفَى * أَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلاِْنْسَانِ إلاَِ مَا سَعَى} (2) ، فأوعَدنا الله خيراً مّا واعدت يا زياد، فقال زياد : إنّا لا نجد إلى ما تريد أنتَ وأصحابك سبيلاً حتى نخوض إليها الدّماء) (3) .
  (حدثنا ابن عبيدة - يعني عمر بن شبَة - حدثنا الصلت، حدثنا أحمد، حدّثني سليمان بن صالح، حدّثني عبد الله بن يونس عن الزهريّ، قال : سمعت رجلاً من أهل الرأي يقول : سمعت زياداً على المنبر يقول : إنَ أكذب النّاس مَن قام على رأس مائة ألف فكذبّهم، إنيّ والله لا أعدكم خيراً إلا أنجزتُه لكم، ولا شرّاً إلا أنجزتُه لكم، ولا أعاقبكم بذنبٍ حتى أتقدّم إليكم فيه، فاتقوا غضب السلطان فإنَه يُغضبه ما يُغضب الوليد، ويأخذ أخذ الأُسود، وله مُلكٌ مؤجَل، فإذا انقضت مدّتُهُ كشف اللهُ عنكم) (4) .
  (حدّثني عمر، حدّثنا خلاد بن يزيد، قال : سمعت من يخبر عن الشعبيّ، قال : ما سمعتُ متكلماً قطُ تكلَم فأحسن إلاّ أحببتُ أن يسكت خوفاً أن يسيءَ إلاّ زياداً، فإنَه كان كلمّا أكثر كان أجودَ كلاماً) (5) .

*************************************************
(1) مرداس بن حدير بن عامر بن عبيد بن كعب الربعي الحنظلي التميميّ، أبو بلال، ويقال له مرداس ابن آدية، وهي أمّه من عظماء الشراة، شهد صفيّن مع الإمام علي (ع) وأنكر التحكيم، شهد النهروان وسجنه عبيد الله بن زياد بالكوفة، ونجا من السجن، قتل سنة 61 هـ . ينظر : الزركلي، . الأعلام : ج 7، ص 202 .
(2) سورة النجم / آية 37 - 39 .
(3) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 165 - 167 .
(4) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 19 ، ص 186 - 187 .
(5) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 167 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 211 ـ

إجراءاتُ زياد الأمنيّة

  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا عليّ عن مسلمة، قال : استعمل زياد على شرطته عبد الله ابن حصن (1) ، فأمهل النّاس حتى بلغ الخبر الكوفة، وعاد إليه وصول الخبر إلى الكوفة، وكان يؤخر العشاء حتى يكون آخر مَن يصليّ، ثمّ يصليّ ويأمر رجلاً فيقرأ سورة البقرة ومثلها يرتّلُ القرآن، فإذا فرغ أمهل بقدر ما يُرى أنّ إنساناً يبلغُ الخُريبة، ثمّ يأمر صاحب شرطته بالخروج، فيخرج، ولا يرى إنساناً إلاّ قتله.
  قال : فأخذ ليلةً أعرابيّاً فأتى به زياداً، فقال : هل سمعت النداء، قال : لا والله قدِمتُ بحلوبةٍ (2) لي، وغشيني اللَيل فاضطررتهُا إلى موضعٍ، فأقمتُ لأصبح، ولا علم لي بما كان من الأمير، قال : أظنّك واللهِ صادقاً، ولكن في قتلك صلاحُ هذهِ الأمّة، ثمّ أمر به فضرُبت عُنقُه، وكان زياد أوّل مَن شدّ أمر السلطان، وأكّد المُلك لمعاوية، وألزم النّاس الطاعة، وتقدّم في العقوبة، وجرّد السيف، وأخذ بالظنّة، وعاقب على الشبهة، وخافه النّاس في سلطانه خوفاً شديداً، حتى أمن النّاس بعضهم بعضاً، حتى كان الشيء يسقطُ مِن الرجل أو المرأة فلا يَعرِض له أحدٌ حتى يأتيه صاحبه فيأخذه، وتبيت المرأة فلا تُغلِق عليها بابها، وساس النّاس سياسة لم يُرَ مثلُها، وهابه النّاس هيبةً لم يهابوها أحداً قبله، وأدرّ العطاء وبنى مدينة الرزق (3) .

*************************************************
(1) عبد الله بن حصن أحد بني ثعلبة بن يربوع . ينظر : ابن خياط، تاريخ خليفة بن خياط : ص 159 .
(2) الحَلوب والحلوبة سواء، وقيل الحَلوب الاسم، والحلوبة الصفة، وناقة حَلوبة وحَلوب للتي تحُلَب . ابن منظور، لسان العرب : ج 1، ص 228 .
(3) مدينة الرّزق : قيل : إنَ الزّابوقة هي مدينة الرّزق، والزّابوقة موضع قريب من البصرة، وفي مدينة الرّزق طعام يرزقونه النّاس . ينظر : ابن خيّاط، تاريخ : ص 135 ، ابن عبد البر النُميَرْيّ، الاستيعاب : ج 1، ص 368 ، ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 4، ص 463 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 212 ـ

  قال : وسمع زياد جرساً من دار عميرة، فقال : ما هذا، فقيل : محترس (1) ، قال : فليكفَ عن هذا، أنا ضامنٌ لما ذهب له، ما أصاب من اصطخر (2) ، قال : وجعل زياد الشُرَط أربعة آلف عليهم عبد الله بن حصن، أحد بني عبيد بن ثعلبة صاحب مقبرة ابن حِصن، والجعد بن قيس التميميّ صاحب طاق الجعد، وكانا جميعاً على شرطه، فبينما زياد يوماً يسر وما بين يديه يسيران بحربتين تنازعا بن يديه، فقال زياد : يا جعد ألقِ الحربة فألقاها، وثبت ابن حصين على شرَُطه حتى مات زياد.
  وقيل : ولي الجعد أمر الفُسّاق وكان يتتبّعهم، وقيل لزياد : إنّ السُبُل مخوفة، فقال : لا أعاني شيئاً سوى المصر حتى أغلب المصر وأصلحه، فإن غلبني المصر فغيره أشدُ غلبةً، فلماّ ضبط المصر تكلّف ما سوى ذلك فأحكَمه، وكان يقول : لو ضاع حبلٌ بيني وبين خراسان علمت مَن أخذه، وكتب خمسمائة مِن مشيخة أهل البصرة في صحابته، فرزقهم ما بين الثلثمائة على الخمسمائة، فقال فيه حارثة بن بدر الغدّاني (1) :
ألا مَـن مـبلغٌ عنّي iiزياداً      فـنِعمَ أخو الخليفةِ iiوالأمير
فـأنت إمـام مَعدَلةٍ iiوقصدٍ      وحزمٍ حن تحضرُك الأمور
أخوك خليفةُ الله ابنُ iiحربٍ      وأنـت وزيرُه، نعم الوزير

*************************************************
(1) المحترس من حرس يحرسه حراسة، أي حفظه، واحترس منه بمعنى، أي تحفّظت منه . ينظر : الجوهريّ، الصحاح : ج 3، ص 916 .
(2) اصطخر : بلدة بفارس من أعيان حصون فارس ومدنها وكُوَرها، أنشأها اصطخر بن طهورت ملك الفرس . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 1، ص 171 .
(3) حارثة بن بدر الغدّاني، من بني يربوع بن حنظلة من تميم أبو العنبس التميمي البصريّ، وغدانة لقب، واشتقاقه من التغدّن، وهو التثني والاسترخاء، مات بنيسابور ودفن بها، وقيل مات غريقاً بالأهواز في ولاية المهلّب . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 11 ،ص 389 ، 397 ، الزركلي ، الأعلام : ج 5، ص 116 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 213 ـ

تصيب على الهوى منه وتأتي      مـحبُك مـا يجُنُ لنا iiالضمير
بـأمر  الله مـنصور iiمُـعانٌ      إذا  جـار الـرعيّة لا iiتجور
يـدرُ  عـلى يديك لما أرادوا      مـن الـدنيا لهم حَلَب iiغزير
وتـقسم بـالسواء فـلا iiغنيٌ      لـضيمٍ  يـشتكيك ولا فـقير
وكنت  حياً وجئت على iiزمان      خـبيثٍ،  ظـاهرٌ فيه iiشرور
تـقاسمت الـرجال به iiهواها      فـما تُخفي ضغائنها iiالصدور
وخـاف الحاضرون وكلُ iiبادٍ      يُـقيمُ عـلى المخافة أو يسير
فـلما قـام سـيف الله فـيهم      زيـادٌ  قـام أبـلج iiمـستنير
قـويٌ لا مـن الـحدثان iiغِرٌ      ولا جـزعٌ ولا فانٍ كبير ii(1)
  (أخبرنا أبو أحمد الجوهريّ عن أبي زيد، عن المدائني ّ... وأوّل مَن اخذ السقيف على حوانيت السّوق زياد، وذلك حين أَمَر ألاّ تُغلقَ أبوابُ الحوانيت، وكانت الكلاب تطرق الأمتعة، فأمَرَ بمد السُقُف عليها، وكان يقول : إنّا والله ما علونا أعوادكم واستحللنا فيكم إلاّ بذَبنَا عن حريمكم، وأيمّا عِقال أصيبَ مِن مقامي هذا إلى خراسان فأنا ضامنٌ له) (2) .
  (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ، عن أبي زيد، عن السويكيّ، عن سليمان بن مسلم، عن أبيهن قال : سمعتُ زياداً يقول : مَن سرُق له متاعٌ لم نسأله البيّنة، فليجيء فليأخذه، وكان النّاس يُغطّون أمتعتهم ويذهبون) (2) .
  (حدّثني عمر بن شبَة، حدّثنا أبو عاصم النبيل، قال : كان زياد يبعث إلى سكّة المربد

*************************************************
(1) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 167 - 169 ، وينظر : أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 241 - 242 .
(2) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 241 .
(3) أبو هلال العسكريّ، المصدر نفسه : ص 241 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 214 ـ

  فيمسحها، فإنْ زِيد فيها بناءٌ أمَرَ به فهُدم) (1) .
  (حدّثني عمر بن شبَة، حدّثنا عمر بن عاصم عن حمَاد بن سلمة، عن الحجَاج، عن الحكم بن عتيبة، أنّ زياداً أقطع تميم بن مصاد في سرق، ثمّ تاب وأصلح، فأجاز شريح شهادته) (2) .
  (حدّثني عمر بن شبَة عن يزيد بن هشام، عن محمّد بن سيرين، أنّ ابن أخٍ لزياد خرج إلى السّواد فقَتل دِهقاناً، فدفعه زياد إلى وليّ الدهقان فعفا عنه) (3) .
  (حدّثني عمر بن شبَة، حدّثنا أبو خيثمة بن جرير الضَبي ،عن ابن شبرمة، قال : قال ابن سُمَيّة : مَن عَرَض عَرَضنا له بالسَوط، ومَن صرََح صرََحنا له بالحَدّ - يعني التعريض بالشتيمة) (4) .
  (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ، عن ابن زيد، عن عليّ بن محمّد، عن مسلمة بن محارب، قال : قال زياد لمولاه عجلان : قد ولّيتك حجابتي، وعزلتك عن أربعة : طارق اللَيل، فشرٌ ما جاء به، لو كان خيراً ما كنتَ من شأنه، ورسولِ صاحب الثّغر، فإنَه إن جلس ساعةً فسد عمل سنة، والمنادي بالصّلاة، وصاحب الطعام، فإنَ الطعام إذا أعيد عليه التسخين فسد، فأبطأ زياد يوماً بالغداء لشيءٍ كان فيه مِن أمر الدّهاقين (5) ، فقال شعبة بن المحسن (6) الضَبّيّ : الغداء – أصلح اللهُ الأمير – فقال رجلٌ من الدّهاقين : بأي

*************************************************
(1) البلاذريّ، أنساب الأشراف : ج 5، ص 223 .
(2) البلاذري، المصدر نفسه : ج 5، ص 236 .
(3) المصدر نفسه : ج 5، ص 236 .
(4) المصدر نفسه : ج 5، ص 237 .
(5) الدّهاقين : مفردها دِهقان، رئيسُ القرية ومقدّم أصحاب الزراعة، يصُرف ويمنع من الصرف . الطرحيّ، جمع البحرين : ج 6، ص 250 .
(6) هكذا ضبطه العسكريُ، وأورد الحادثةَ البلاذري في الأنساب، ج 5، ص 217 - 218 ، فضبطه ب

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 215 ـ

  ذنبٍ أتيناه حتى ابتلينا هؤلاء الكلاب ؟
  فسمعها زياد، فقال : بجرأتِكَ على الله، وشرِكِكَ به، وكَذِبِك عليه، يا ابن المحسر (1) لا تعودنَ مثل هذا، ودعا بالطعام، فأكل وكان أكولً ذميماً، فقال له زياد : ما لَكَ مِنَ الولد ؟
  قال : تسع بنات.
  قال : وأين أكلهنّ مِن أكلك ؟
  قال : أنا أجملُ منهنّ، وهنَ آكلُ منّي.
  فقال زياد : ما أحسن ما سألت، ففرض لهنَ، فقال ابن المحسن :
إذا  كـنتَ مرتادَ السّماحةِ iiوالنَدى      فـنـادِ  زيـاداً أو أخـاً iiلـزيادِ
يُجِبْكَ امرؤٌ يُعطي على الحمدِ مالَه      إذا  ضـنَ بـالمعروف كلُ iiجوادِ
ومـاليَ  لا أُثـني عـليه وإنّـما      طـريفي  مـنهم كـلُه iiوتـلادي
هـما أصـلحا أمـرَ البريّةِ بعدما      تفانَوا  وكادُوا يصبحونَ كعادِ ii(2)
  (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ عن أبي زيد، عن ابن سلاّم، عن أبي المعتمر، قال : زياد أوّل مَن عرّف العُرفاء (3) وجعل عليهم المناكب (4) ، وقال : العُرفاء كالأيدي

*************************************************
سعد بن المخَشّ . (الناشر) .
(1) هكذا في الأصل، ولعلَ زياداً أرادَ التعريض به، فحرَف في اسمِه . (الناشر) .
(2) أبو هلال العسكري، الأوائل : ص 242 - 243 .
(3) العرفاء : جمع عريف، وهو القيّم بأمور القبيلة أو الجماعة من النّاس، يلي أمورهم، ويتعرّف الأمير منه أحوالهم، والعرافةُ عملُه، وقوله العرافة حقّ، أي فيها مصلحةٌ للنّاس ورفق في أموالهم وأحوالهم . ينظر : ابن منظور، لسان العرب : ج 9، ص 238 .
(4) المناكب : قوم دون العرفاء، وأحدهم منكب، وقيل المنكب رأس العرفاء . ابن منظور، لسان العرب : ج 1، ص 772 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 216 ـ

  والمناكب فوقها، وقيل معاوية : أنت أذكى النّاس أم زياداً ؟
  فقال : إنّه لا يدع الأمير يتفرّق عليه، وإنّه يتفرّق عليّ، ثمّ أجمعُه، وقال له معاوية : أنا أسْوَسُ منك ضبطتُ سلطاني باللين، وضبطتَ سلطانَك بالشّدّة.
  وخطب زياد، فقال : لا أجد ساقطاً ردَ على شريف، أو حَدَثاً ردّ على ذي شَيبةٍ إلاّ أوجعتُ بطنه وظهره، وكتب زياد إلى معاوية : إنيّ ضبطتُ العراق بشمالي ويميني فارغة، يسأله ولاية الحجاز، فكره ابن عمر ذلك، فدعا عليه، فخرج في أصبعه طاعونة (1) ، فأراد قطعها، فنهاه شريح (2) عن ذلك، وقال : تلقى الله أجذم (3) ، قد قطعت يدك خوفاً من لقائه، فمات سنة ثلاث وخمسين، وكانت ولايته للعراق خمس سنين) (4) .

*************************************************
(1) طاعونة وطاعون والطواعين : خراجات وقروح وأورام رديئة، وقيل : إنَ الوباء هو الطاعون، وقيل : هو كلُ مرض يعمّ . ابن قيّم الجوزيّة، الطب النبويّ (مراجعة وتقديم، عبد الغني عبد الخالق ( دار الكتب العلمّية، بيروت - د . ت) : ص 30 ، ووصف الطاعون بأنّه بثر كالباقلاّء، فأزيَدُ مادّتِهِ الدمُ المتعفّن، وصورته شيءٌ مستديرٌ ينزِف الدم والصديد، وغايته إزهاق النفس . ينظر : الشيخ داود الأنطاكيّ، تذكرة أولي الألباب (المكتبة الثقافيّة، بيروت - د . ت) : ج 2، ص 150 .
(2) شريح القاضي بن الحارث بن قيس الكنديّ، من أهل الكوفة، من أهل اليمن، ولاّه عمر على قضاء الكوفة، قدم به زياد البصرة، فقضى بها سنة، توفي سنة 78 هـ ، وقيل 79 هـ . ابن سعد، الطبقات : ج 6، ص 131 ، 138 ، 145 .
(3) الجذم : القطع . ابن منظور، لسان العرب : ج 12 ، ص 97 .
(4) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 243 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 217 ـ

عمال زياد وقضاته واعوانه

  (حدّثني عمر بن شبَة، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد، قال : استعان زياد بعدّةٍ من أصحاب النبيّ (ص) منهم عمران بن الحصين (1) الخزاعيّ، ولاّه قضاء البصرة والحكم ابن عَمْرو الغفاري (2) ولاّه خراسان، وسمُرة بن جندب (3) ، وأنس بن مالك (4) ، وعبد الرحّمن بن سمُرة (5) ، فاستعفاه عمران فأعفاه، واستقضى عبد الله بن فضالة اللّيثيّ (6) ،

*************************************************
(1) عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف الخزاعيّ، ويكنى أبا نجيد، أسلم قديماً، وغزا مع الرسول (ص) ، نزل البصرة ومات بها، استعمله زياد على قضاء البصرة يسيراً، ثمّ استعفى فأعفاه، توفيّ قبل وفاة زياد بسنة، إذ توفي سنة 52 هـ . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 9 - 10 ، 12 ، ابن قتيبة الدينوريّ، المعارف : ص 309 ، وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 291 - 292 .
(2) أبو برزة، الحكم بن عَمْرو بن مجدع بن خديم الغفاريّ، من بني عبد مناة بن كنانة، صحابيّ نزل البصرة، وولاّه زياد خراسان، فسكن مرو ومات بها . ينظر : المزيّ، تهذيب الكمال : ج 7، ص 124 - 125 .
(3) سمُرة بن جندب بن هلال بن جريح بن مرّة، أبو سعيد الفزاريّ، نزل البصرة فاختطّ بها، ثمّ أتى الكوفة فنزلها ومات بها، قَتَل سمُرةُ بشراً كثيراً بلغوا سبعين ألفاً، استخلفه زياد على البصرة لمدة ستّة أشهر، مات سنة 59 هـ . ينظر : ابن حِبّان البستي، مشاهير علماء الأمصار : ص 67 ، الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 3، ص 185 - 186 .
(4) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد من بني عدي بن النجّار، وأمّه أمّ سليم بنت ملحان، قدم الرسول (ص) وعمره ثمان أو عشر سنين، نزل البصرة وسكنها، وكان آخر من مات من صحابة رسول الله (ص) بالبصرة سنة 93 هـ . ابن سعد الطبقات : ج 7، ص 17 ، 26 ، ابن حِبّان البستيّ، مشاهير علماء الأمصار : ص 65 .
(5) عبد الرحمن بن سمُرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، يكنى أبا سعيد، تحوّل إلى البصرة ونزلها ومات بها سنة 50 هـ ، أو 51 هـ . ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 15 .
(6) عبد الله بن فضالة اللَيثيّ الزهراني، كان على قضاء البصرة حينما استعفى عمران . وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 292 ، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 5، ص 312 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 218 ـ

  ثمّ أخاه عاصم بن فضالة (1) ، ثمّ زرارة بن أوفى (2) الجَرشَي، وكانت أخته لبابة عند زياد.
  وقيل : إنَ زياداً أوّل مَن سيِر بن يديه بالحراب، ومشُيَ بين يديه بالعُمُد (3) ، واتخذ الحرس رابطة خمسمائة، واستعمل عليهم شيبان (4) صاحب مقبرة شيبان من بني سعد، فكانوا لا يبرحون المسجد) (5) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا عليّ، قال :
  جعل زياد خراسان أرباعاً، واستعمل على مَرْوَ (6) أمير بن أحمر اليشكريّ (7) ، وعلى

*************************************************
(1) عاصم بن فضالة اللّيثيّ، أخو عبد الله، استقضاه زياد على البصرة. وكيع، أخبار القضاة : ج 1 ، ص 292 ، ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 3، ص 465 .
(2) زرارة بن أوفى الجَرَشي، من بني الجريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، يكنى أبا حاجب، كان قاضياً على البصرة أيّام زياد، واستمرّ حتى تولّى عبيد الله بن زياد البصرة فعزله، مات فجأة سنة 73 هـ . ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 150 ، وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 296 .
(3) العمد والعمود من خشب أو حديد، والجمع أعمدة، ابن فارس، معجم مقاييس اللُغة (تحقيق عبد السلام محمّد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404 هـ) : ج 4، ص 138 .
(4) شيبان بن عبد الله الأشعريّ، صاحب مقبرة شيبان، ولاّه زياد باب عثمان وما يليه بالبصرة، فجدّ في طلب الخوارج وأخافهم، فلم يزل على ذلك حتى أتاه ليلة وهو متّكئ بباب داره رجلان من الخوارج، فضرباه بأسيافهما فقتلاه . ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : ج 5، ص 99 - 100 .
(5) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 169 .
(6) مَرْو : مَرْو الشاهجان، هذه مَرْو العظمى أشهر مدن خراسان، وقصبتها، بينها وبين نيسابور سبعون فرسخاً. ينظر ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 7، ص 253 .
(7) أمير بن أحمر اليشكريّ، بعثه عبد الله بن عامر بن كريز ففتح طوس وما حولها أيّام عثمان . ينظر : ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 29 ، ص 257 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 219 ـ

  أبرشهر (1) خُليد بن عبد الله الحنفيّ (2) ، وعلى مَرْوَ الرُوذ (3) والفارياب (4) والطالقان (5) قيس بن الهيثم وعلى هراة (6) وباذغيس (7) وقادس (8) وبوشنج (9) نافع بن خالد الطاحيّ (10) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا عليّ، قال : أخبرنا أبو عبد الرحّمن الثقفيّ ومحمد بن

*************************************************
(1) أبرشهر : شهر بالفارسيّة البلد، وأبر الغيم، وما أراهم أرادوا إلا قصبةً تابعة خراسان. ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 1، ص 63 .
(2) خُليد بن عبد الله الحنفيّ، بعثه عبد الله بن عامر بن كريز إلى هراة وباذغيس فافتتحها في خلافة عثمان، واستخلفه زياد بن الربيع الحارثيّ على خراسان، فأقرّه زياد بن أبيه، واستمرّ في ولاية خراسان حتى وفاته . ينظر : الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 217 ، السمعانيّ، الأنساب : ج 1، ص 250 ، ج 5، ص 637 ، ابن الجوزيّ، المنتظم : ج 5، ص 260 .
(3) مرو الرُوذ، الرُوذ بالذال المعجمة، هو بالفارسيّة النهر، فكأنّه مرو النهر، وهي مدينة قريبة من مرو الشاهجان، بينهما خمسة أيّام، وهي على نهرٍ عظيم ، فلهذا سُميت بذلك، ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 7، ص 253 .
(4) الفارياب : مدينة مشهورة بخراسان، من أعمال جوزجان قرب بلخ غربي جيحون . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 6، ص 410 .
(5) الطالقان : بلدة بخراسان بن مرو الرُوذ وبلخ، بينها وبن مرو الرُوذ ثلاث مراحل، وهي أكبر مدن طخارستان . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 6، ص 239 ، 252 .
(6) هَراة : مِن أمّهات مدن خراسان، بُنيت للإسكندر لما دخل الشرق ومرّ بها إلى الصين . ينظر : ياقوت الحمويّ، المصدر نفسه : ج 8، ص 471 .
(7) باذ غيس : ناحية تشتمل على قرىً من أعمال هراة ومرو الرُوذ . ياقوت الحمويّ، المصدر نفسه : ج 2، ص 254 .
(8) قادس : قرية من قرى مَرْو عند الدزق العليا . ياقوت الحمويّ، المصدر نفسه : ج 7، ص 6 .
(9) بوشنج : بُليدة نزهة خصيبة من نواحي هراة، بينهما عشرة فراسخ. ياقوت الحمويّ، المصدر نفسه : ج 2، ص 400 .
(10) نافع بن خالد الطاحي من أهل البصرة، محدثٌ ثِقةٌ . ينظر : ابن حِبّان البستيّ، الثقات : ج 9 ، ص 210 .
(11) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 169 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 220 ـ

  الفضيل، عن أبيه : أنَ زياداً لما ولي العراق استعمل الحكم بن عَمْرو الغفاريّ على خراسان، وجعل معه رجلاً على كُوَرٍ وأمرهم بطاعته، فكانوا على جباية الخراج، وهم أسلم بن زرعة (1) ،وخُليد بن عبد الله الحنفيّ، ونافع بن خالد الطاحي، وربيعة بن عسَل اليربوعيّ، وأميرُ بن أحمر اليشكريّ، وحاتم بن النّعمان (2) الباهليّ، فمات الحكم بن عَمْرو وكان قد غزا طخارستان (3) ، فغنِم غنائم كثيرة، واستخلف أنس بن أبي أناس (4) بن زنيم، وكان كتب إلى زياد : إني قد رضيتُه لله وللمسلمينَ ولك، فقال زياد : اللَهُمّ إنيّ لا أرضاه لا للمسلمينَ ولا لي.
  وكتب زياد إلى خُليد بن عبد الله الحنفيّ بولاية خراسان، ثمَ بعث الربيع بن زياد

*************************************************
(1) أسلم بن زرعة الكلابيُ، كان ينبش قبور الدهاقين يطلب فيها الجوهر، حتى أسرف في ذلك . ينظر : البلاذري، أنساب الأشراف : ج 11 ، ص 112 .
(2) حاتم بن النعمان الباهليُ، حاتم بن النعمان بن عمر بن عمارة الباهلي، شهد صفيّن مع معاوية، وكان أميراً على بعض العسكر، وهو سيّد بني باهلة بالجزيرة، وهو الذي فتح مَرْو زمن عبد الله بن عامر . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 11 ، ص 379 .
(3) طخارستان : ولاية واسعة كبيرة تشتمل على عدّة بلاد، وهي من نواحي خراسان، وهي طخارستان العليا والسّفلى، فالعليا شرقي بلْخ وغربي نهر جيحون، وبينها وبن بلْخ ثمانية وعشرون فرسخاً، وأمّا السّفلى فهي أيضاً غربي جيحون، إلاّ أنهّا أبعد من بلْخ . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 6 ، ص 252 .
(4) أنس بن أبي أناس بن زنيم، من كنانة من الدؤل رهط أبي الأسود الدؤلي، شاعر مشهور . ابن قتيبة الدينوريّ، الشعر والشعراء (تحقيق وشرح : أحمد محمّد شاكر، دار الحديث، القاهرة - 2006) : ج 2، ص 726

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 221 ـ

  الحارثيّ (1) إلى خراسان في خمسينَ ألفاً، من البصرة خمسةٌ وعشرين (2) ألفاً، ومن الكوفة خمسة وعشرين ألفاً، على أهل البصرةِ الرّبيع، وعلى أهلِ الكوفةِ عبدُ الله بن أبي عَقِيل (3) وعلى الجماعة الرّبيعُ بن زياد) (4)

خلافُ زياد مع نافع بن خالد الطاحي

  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا عليّ، قال : حدّثنا مسلمة بن محارب، وابن أبي عَمْرو ، شيخٌ من الأزد : أنّ زياداً عتب على نافع بن خالد الطاحي، فحَبَسَهُ، وكتب عليه كتاباً بمائة ألف، وقال بعضهم : ثمانمائة ألف، وكان سبب مَوْجدته عليه أنّه بعث بخِوان (5) بازهر قوائمه منه، فأخذ نافعٌ قائمةً، وجعل مكانه قائمةً مِن ذهب، وبعث باخِوان إلى زياد مع غلامٍ له يقال له زيد، كان قيمَهُ على أمره كله، فسعى زيدٌ بنافع، وقال لزياد : إنّه قد خانك وأخذ قائمةً مِن قوائم الخِوان، وجعل مكانه قائمةً مِن ذهب، قال فمشى رجالٌ من وجوه الأزد إلى زياد، وفيهم سيف بن وهب المعْولَي (6) ، وكان شريفاً، وله

*************************************************
(1) الرّبيع بن زياد الحارثيّ : اختُلف في صحبته، كان نائب زياد على خراسان، تولي سنة 53 هـ ، وكان قد ذكر حجر بن عديّ فأسِف عليه، وقال : والله لو ثارت العرب له لما قُتِل صبراً، ولكن أقرّت العرب فذلّت، ثمّ لما كان يوم الجمعة دعا الله على المِنبر أن يقبضَه إليه، فما عاش إلى الجمعة الأخرى . ابن كثير، البداية والنهاية : ج 8، ص 67 .
(2) هكذا في الأصل، والأصح : عشرون، وكَذِي ما بعدها .
(3) عبد الله بن أبي عقيل الثقفيّ، نزل الكوفة، وكان أحد الأمراء الأربعة الذين توجّهوا في حكم عمر سنة 21 هـ إلى الأحنف بمَرْو الشاهجان . ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 4، ص 154 .
(4) الطبريّ تاريخ : ج 4، ص 170 .
(5) الخِوان، الذي يؤكَل عليه، معرّب والجمع أخْوِنَة، والخِوان المائدة معرّبة . ابن منظور، لسان العرب : ج 13 ، ص 146 .
(6) سيف بن وهب : أبو وهب التيمي البصريّ، ذكره ابن حِبّان في الثقات . ينظر : ابن حِبّان البستيّ، الثقات : ج 4، ص 338 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 222 ـ

  يقول الشاعر :
اعمِدْ بسيفٍ للسّماحة iiوالنَدى      واعمِد بِصَبرْة للفعال الأعظمِ
  قال : فدخلوا عل زيادٍ وهو يَستاك، فتمثّل زيادٌ حن رآهم :
اذكر بنا موقفَ iiأفراسِنا      بالحِنو إذ أنتَ إلينا فَقِير
  قال : وأمّا الأزد فيقولون : بل تمثّل سيفُ بن وهب أبو طلحة المَعْولَي هذا البيت حين دخل على زياد، فقال : نعم، قال : وإنمّا ذكّره أيّام إجارة صبَرْة، فدعا زياد بالكتاب فمحاه بسواكه وأخرج نافعاً) (1) .
  (حدّثني عمر بن شبَة، قال : حدّثنا عليّ عن مسلمة، أنّ زياداً عزل نافع بن خالد الطاحي، وخُليد بن عبد الله الحنفيّ، وأمير بن أحمر اليشكريّ، واستعمل الحكم بن عَمْرو بن جدّع بن جذيم بن الحارث بن نُعيلة بن مُليك - ونُعيلة أخو غِفار بن مُليك - ولكنّهم قليل، فصاروا إلى غِفار، قال مسلمة : أمر زيادٌ حاجبه، فقال : أدعُ إليّ الحكم - وهو يريد الحَكَم بن أبي العاص (2) الثقفيّ - فخرج الحاجب فرأى الحَكَم بن عَمْرو الغفاريّ فأدخله، فقال زياد : رجلٌ له شرفٌ وله صحبةٌ من رسول الله (ص) ، فعَقَد له على خراسان، ثمَ قال له : ما أردتُك، ولكنّ اللهَ عزَ وجلَ أرادَك) (3) .

أخبار القاضي زرارة بن اوفى (45 - 55 هـ / 665 - 674 م)

  (أخري عبيد اه بن احسن عن النُمَرْيّ، عن أي داود، عن امستمرّ بن الرَيَان،

*************************************************
(1) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 169 - 170 .
(2) الحكم بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان الثقفيّ، له صحبة، ولّه أخوه عثمان البحرين، فافتتح فتوحاً كثيرة، توفي سنة 67 هـ . الذهبيّ، تاريخ : ج 5، ص 109 .
(3) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 170 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 223 ـ

  قال : حضرت زُرارة بن أوفى، وهو يومئذٍ على القضاء، وعنده جابر بن يزيد (1) ، فقال لجابر : إنّه رُفع إليَ غلام أُعتق، فرأيتُ ألاّ أُجيزَ ذلك حتّى يشبَ الغلام ويحُِبَ المال، فإن شاء أعتق، وإن شاء أمضى، وإن شاء ترك، فقال جابر : نِعْمَ مَا قضيت) (2)
  (وقال حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبو هلال عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، قال : لا يبلغني عن رجلٍ يأخذُ في النيروز والمهرجان (3) شيئاً إلا أبطلتُ شرَطه الذي كان شارط عليه الغلمان) (4) .
  (أخبرني عبدُ الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن عبد الواحد بن أبي جناب القصّاب، قال : رأيتُ زرارة بن أوفى - وهو قاضي المسلمين - خرج وعليه ثوبان أصفران، إزارٌ ورداءٌ، وكان يصليّ بالحيّ، قال أبو جناب : ورأيتُهُ يخضبُ بالحنّاء) (5) .

*************************************************
(1) جابر بن يزيد، أبو الشعثاء الأزديّ البصريّ، أحد الأعلام، ومن فقهاء البصرة، صاحب ابن عبّاس، وعنه قال ابن عبّاس : تسألوني عن شيءٍ وفيكم جابر بن يزيد، وقال عَمْرو بن دينار : ما رأيتُ أحداً أعلم بالفُتيا من جابر بن يزيد، توفي سنة 103 هـ . الذهبيّ، تذكرة الحفّاظ : ج 1 ، ص 72 - 73 .
(2) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 293 .
(3) النيروز والمهرجان : النيروز معناه اليوم الجديد يحلُ عند الإنقلاب الصيفيّ، ابتداءَ كل ربيعٍ من السّنة الجديدة، وهو اليوم 21 من شهر آذار، والنيروز هو استقبال السّنة، وافتتاح الخراج، وتولية العماّل، وضرب الدَراهم والدنانير . ينظر : الجاحظ، التاج في أخلاق الملوك (تحقيق : د . عمر الطباع، بيروت - د . ت) : ص 220 ، البيروني، الآثار الباقية عن القرون الخالية (لا يبزك - 1923 م) : ص 216 ، أمّا المهرجان : فهو دخول الشتاء، ويمثلُ نهاية العام، ويقع في 26 من شهر تشرين الأول، وبينه وبين النيروز ( 167 ) يوماً . ينظر : القلقشنديّ، صبح الأعشى : ج 2 ، ص 448 .
(4) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 293 - 293 .
(5) وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 294 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 224 ـ

أخبارُ القاضي شريح

  (أخبرني عبدُ اللهِ بنِ الحسن عن النُميَرْيّ، عن عبد الوهاب الثقفيّ، عن أيّوب، عن محمّد : أنَ شريحاً قضى في البصرة (1) في رجلٍ اشترى أَمَةً، فوهَبَها، ثمَ وجد بها حَبَلاً، فاختصمُوا إلى شريحٍ، فقال : أتحبُ أن أقولَ : إنَكَ زنيت ؟ قالَ : ثمَ تبيّنت ، أختصمُ إليه فيها، أو في مثلِها بعدَ ذلك، فردَها، ومعها عُقْرُها (2) ) (3) .

خْبرُ َحَفْرِ نَهرِ مَعِقل (4)

  (قالَ ابن شبَة : لما حفر زياد نهر معقل، ولم يبقَ إلا إطلاقه، تيمّن بمعقل بن يسار (5) صاحب النبي (ص) ، فأمر بفتقِه، فنُسب إليه) (6)

*************************************************
(1) ذكر أنَ شريحاً القاضي كان يقضي مع زرارة بن أوفى . ينظر : وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 297 .
(2) عُقرها، من العُقْر بالضمّ، ما تُعطاه المرأة على وطئ الشّبهة، وأصلُه أنّ واطئَ البِكر يعقِرُها إذا ما افتضّها، فسميَ ما تُعطاه للعَقر عُقراً، والعقر هو المهر . ابن منظور، لسان العرب : ج 4، ص 595 .
(3) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 297 .
(4) نهرُ مَعقِل : نهرٌ معروفٌ بالبصرة، ذُكر أنّ عمر بن الخطاب أمر أبا موسى الأشعريّ أن يحفر نهراً بالبصرة، وأن يجريه على يد معقل بن يسار المزنيّ، فنُسب إليه، وقيل : إنَ معاوية بن أبي سفيان كتب إلى زياد فحفر نهر معقل، وأجرى فتحه على يد معقل فنُسب إليه، وقيل بل أجراه زياد على يد عبد الرحمن بن أبي بكرة، أو غيره، فلماّ فرغ منه وأراد فتحه بعث زياد معقل بن يسار ليحضر فتحه تبركاً به ، أنّه من الصحابة، فقالَ الناس : نهر معقل، وورد أنّ زياداً أعطى رجلاً ألفَ درهمٍ، وقال له : سل عن صاحب هذا النهر مَن هو ؟ فإنْ قال رجلٌ : إنّه نهر زياد، أعطه الألف، فبلغ الرجل دجلة، فقال : ما لقيتُ أحداً يقول إلا نهر معقل، فقال زياد : وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 8، ص 417 .
(5) معقل بن يسار بن عبد الله بن معبر بن حراق يُكنّى أبا عبد الله، نزل البصرة، وبنى بها داراً، وتوفي بها في آخر حكم معاوية، ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 14 .
(6) أبو عبيد البكريّ، معجم ما استعجم : ج 4، ص 1244 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 225 ـ

خبرُ خروج الخطيم ( 46 هـ / 666 م )

  (حدّثني به عمر، قال : حدّثنا عليّ، قال : لما ولي زياد خافه سهم بن غالب الهجيميّ والخطيم، وهو يزيد بن مالك الباهليّ، فأما سهم فخرج إلى الأهواز فأحدث وحكَم، ثمَ رجع فاختفى، وطلب الأمان، فلم يؤمنه زياد، وطلبه حتى أخذهُ، وقتله وصلبه على بابِه، وأمّا الخطيم فإنَ زياداً سيرّه إلى البحرين، ثمّ أذِن لهُ، فقدِم، فقال له : إلزم مصرَك، وقال مسلم بن عمرو (1) : اضمنه، فأبى، وقال : إنْ بات عن بيته أعلمتك، ثمّ أتاه مسلم فقال له : لم يبِت الخطيم الليلة في بيته، فأمر به فقُتل، وأُلقي في باهلة) (2) .

خبرُ جمع ولايتي البصرة والكوفة لزياد بن ابيه (50 هـ / 670 م)

  (حدّثني عمر بن شبَة، قال، حدّثني عليّ بن محمّد، قال : كان زياد على البصرة وأعمالها إلى سنة 50 هـ ، فمات المغيرة بن شعبة بالكوفة، وهو أميرها، فكتب معاوية إلى زياد بعهده على الكوفة والبصرة، فكان أوّل من جمع له الكوفة والبصرة، فاستخلف على البصرة سمرة بن جندب، وشخَصَ إلى الكوفة، فكان زياد يقيم ستّة أشهرٍ بالكوفة، وستّة أشهرٍ بالبصرة) (3) .
  (حدّثني عمر، قال : حدّثني عليّ عن مسلمة بن محارب، قال : لمّا مات المغيرة جمعت العراق لزياد، فأتى الكوفة، فصعد المنبر، فحمِد اللهَ وأثنى عليه، ثمّ قال : إنّ هذا الأمر أتاني وأنا بالبصرة، فأردتُ أن أشخصَ إليكم في ألفين من شرََطةِ البصرة، ثمَ ذكرتُ

*************************************************
(1) مسلم بن عَمْرو بن حصين بن أسيد بن زيد بن قضاعي الباهلي، والد قتيبة بن مسلم أمير خراسان، كان عظيم القدر عند يزيد بن معاوية، قتل مع مصعب بن الزبير سنة 72 هـ . ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 58 ، ص 114 - 115 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 4، ص 172 .
(3) الطبريّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 174 .