أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ، عن أبي زيد، عن الحسن بن عثمان، عن أبي عبيدة، قال : أوّل مَن قضى بين أهل البصرة أبو مريم الحنفيّ لعتبة بن غزوان عند قدومه البصرة سنة أربع عشرة، فلم يزل قاضياً حتى مات عتبة في سنة خمس عشرة، ووُلي المغيرة ابن شعبة (1) ، فأقرّه حتى عُزل، فلم يقضِ بعده إلا يسيراً، حتى شكى إلى عمر ضعفه فعزله) (2) .

*************************************************
حقّي عندك ؟ قال : لا، قال : لا ضير إذاً، وقالوا أوّل مَن قضى بالبصرة سليمان بن ربيعة، وقتل بالغجر من أرض الترك في خلافة عثمان، وعظامه عند أهلها يستسقون بها، قال ابن جمانة :
وإنّ  لـنا قـبرين قـبراً iiبـلنجرٍ      وقبراً  بأعلى الصين يا لك من iiقبرِ
فـهذا  الـذي بالصنّ عمّت فتوحُه      وهذا الذي بالترّك يُسقى بهُ القطرُ*
أراد بالذي في الصّين قبر قتيبة بن مسلم، قتل بفرغانة، فجعله في الصين، ينظر الأوائل : ص 286 .
* البيتُ حسب هذه الرِواية مشتملٌ على إقواءٍ عروضيٍ، وحسب رواية البلاذري (ت 279 هـ) في فتوح البلدان : 1 / 241 ، نشر وتحقيق وفهرسة : الدكتور صلاح الدّين المنجد، مكتبة النهضة المصريّة 1956 م ، ورواية الحمويّ في معجم البلدان : 2 / 244 ، تقديم : محمّد عبد الرحّمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي 2008 م، هكذا :
وهـذا  الـذي يُـسقى به سُبُلِ iiالقَطْرِ      ii
فلا إقواءَ حسب هذه الرِواية. (الناشر).
(1) المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفيّ، يكنّى أبا عبد الله، وقيل أبا عيسى، أسلم عام الخندق، وقدم مهاجراً، وقيل أوّل مشاهدِه الحديبية، توفيّ سنة 50 هـ بالكوفة . ينظر ابن عبد البرَ النُميَرْيّ، الاستيعاب : ج 4، ص 1445 - 1446 .
(2) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 285 - 286 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 151 ـ

أخبارُ الوالي المغيرة بن شعبة

  - خبر(1) المغيرة مع أمِ جميل :
  (حدّثني عمر بن شبَة عن عليّ بن محمّد، عن قتادة، قال : كان المغيرة بن شعبة - وهو أمير البصرة - يختلفُ إلى امرأةٍ من ثقيف يُقال لها الرّقطاء، فلقيَه أبو بكرة يوماً، فقال له : أينَ تريد ؟ قال : أذكرُ (2) آلَ فلان، فأخذ بتلابيبه (3) ، وقال : إنَ الأمير يُزار ولا يزور، وكانت المرأةُ التي يأتيها جارةً لأبي بكرة، فقال : فبينا أبو بكرة في غرفةٍ له مع أخيه نافع وزياد ورجلٍ آخر يُقال له شبل بن معبد (4) ، وكانت غرفةُ جارتِه تلك محاذيةً غرفة أبي بكرة، فضربت الرّيحُ بابَ غرفةِ المرأةِ ففتحتْهُ، فنظر القومُ فإذا هم بالمغيرة ينكحُها، فقال أبو بكرة : هذه بليّة قد ابتُليتُم بها فانظُروا، فنظرُوا حتّى أثبتُوا، فنزل أبو بكرة فجلس حتّى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة، فقال له أبو بكرة : إنّه قد كان من أمرك ما قد علمتَ فاعتزِلْنا، فذهبَ المغيرةُ وجاء ليصلي بالنّاس الظهر، فمنعه أبو بكرة، وقال : لا واللهِ لا تصلي بنا وقد فعلتَ ما فعلتَ، فقال النّاس : دعوه فليُصليَ إنّه الأمير، واكتبُوا إلى عمر .
  فكتبُوا إليه، فورد كتابُه أن يقدُموا عليه جميعاً، المغيرة والشّهود، فبعث عمر بأبي موسى وعزم عليه ألا يضعَ كتابَه من يده حتّى يرحلَ المغيرة، فقال : إنيّ رأيتُ أبا موسى

*************************************************
(1) ذكر عمر بن شبَة فضيحة المغيرة مع أم جميل بالتفصيل، ومن وجوهٍ مختلفةٍ، ومن عدّة مصادر .
(2) عند أبي الفرج الأصفهاني (أزور آل فلان) . ينظر : الأغاني، ج 16 ، ص 104 .
(3) تلابيبه : يقال أخذ بتلابيبه إذا أجمعت ثيابه عند نحره وصدره ثمّ جررته، وكذلك إذا جعلت في عنقه حبلاً أو ثوباً وأمسكته به، واللُبة موضع الذّبح. ينظر : ابن منظور، لسان العرب : ج 1 ، ص 734 .
(4) شبل بن معبد بن عبيد بن الحارث بن عَمْرو بن علي، وهو أخو أبي بكرة لأمه، وهم أربعةُ أخوة لأم ولدٍ اسمها سميّة، وهم الذين شهدوا على المغيرة بالزنا . ينظر ابن الأثر : أُسد الغابة (دار الكتاب العربي، بيروت - د . ت) : ج 2، ص 385 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 152 ـ

  قد دخل المسجد الغداة وعليه بُرنس، وها هو في جانب المسجد، فقال المغيرة : إنّه لم يأتِ زائراً ولا تاجراً.
  وجاء أبو موسى حتى دخل على المغيرة، ومعه صحيفةٌ على يده، فلماّ رآه، قال : أمير ؟ فأعطاه أبو موسى الكِتاب فلماّ ذهب يتحرّك عن سريره، قال له : مكانَك جهّز ثلاثاً، وقال آخرون : إنَ أبا موسى أمره أن يرحلَ من وقته، فقال المغيرة : قد علمت ما وجهت له أفلا تقدّمتَ وصلّيتَ ؟ فقال : ما أنا وأنت في هذا الأمر سواء، فقال المغيرة : إنيّ أُحبُ أنْ أقيمَ ثلاثاً لأتجهّز، فقال أبو موسى : قد عزم أميرُ المؤمنين ألاّ أضعَ عهدي من يدي إذا قرأته حتى أرحلَك إليه، قال : إن شئت شفّعتني وأبررت قسمَ أمير المؤمنين بأن تؤجلَني إلى الظهر وتُمسك الكتابَ في يدك.
  فلقد رُئي أبو موسى مقبلاً ومدبراً، وأنّ الكتابَ في يده معلّقٌ بخيط، فتجهّز المغيرة وبعث إلى أبي موسى بعقيلةٍ، جارية عربيّة من سبي اليمَامة من بني حنيفة، ويقال : إنهَا مولَدة الطائف، ومعها خادمٌ، وسار المغيرة حتى صلّى الظُهر، حتى قدم على عمر (1) ) .
  (حدّثنا عمر بن شبَة فرواه عن جماعةٍ من رجاله بحكاياتٍ متفرّقة، قال عمر بن شبَة : حدّثني أبو بكر العليميّ، قال : أخبرنا هشام عن عُيينة بن عبد الرحّمن بن جوشن، عن أبيه عن أبي بكرة، قال عمر بن شبَة : وحدّثنا عَمْرو بن عاصم، قال : حدّثنا حمَاد ابن مسلمة، عن عليّ بن يزيد، عن عبد الرحّمن بن أبي بكرة، قال أبو زيد عمر بن شبَة : وحدّثنا عليّ بن محمّد بن حبّاب بن موسى، عن مجالدٍ، عن الشَعبي، قال : وحدّثنا محمّد ابن عبد الله الأنصاريّ، قال : حدّثنا عوف بن قسامة بن زهير، قال أبو زيد عمر بن شبَة :

*************************************************
(1) الجوهريّ، السقيفة وفدك : ص 92 - 93 ، وذكر أبو الفرج الأصفهاني الرّواية نفسها نقلاً عن الجوهريّ، ولكن باختصار، الأغاني : ج 16 ، ص 103 - 104 ، ووردت عند ابن أبي الحديد نقلاً عن كتاب الأغاني عن الجوهريّ، شرح نهج البلاغة : ج 12 ، ص 234.

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 153 ـ

  قال الواقديّ : حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّد بن أبي بكرة عن أبيه، عن مالك بن أوس بن الحدثان، قال : وحدّثني محمّد بن الجهم، عن عليّ بن أبي هاشم، عن إسماعيل بن عبلة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك :
  إنَ المغيرة بن شعبة كان يخرج من دار الإمارة وسط النّهار، وكان أبو بكرة يلقاه فيقول له : أينَ يذهبُ الأمير ؟ فيقول : آتي حاجةً، فيقول له : حاجة ماذا ؟ إنّ الأمير يُزار ولا يزور ! فقال : وكانت امرأةُ التي يأتيها جارةً أبي بكرة، فبينما أبو بكرة في غرفةٍ له مع أصحابه وأخويه نافعٍ وزيادٍ ورجلٍ آخر يقال له سبل بن معبد (1) ، وكانت غرفة جارية تلك بحذاء غرفة أبي بكرة، فضربت الرّيحُ بابَ المرأة ففتحته، فنظر القوم، فإذا هم بالمغيرة ينكحها، فقال أبو بكرة هذه بليّة ابتُليتُم بها فانظُروا، فنظروا حتّى أثبتوا، فنزل أبو بكرة فجلس حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة، فقال له : إنّه قد كان من أمرك ما قد علمتَ فاعتزِلْنا، قال وذهب ليصلي بالنّاس الظهر، فمنعه أبو بكرة، وقال له : لا والله لا تصلي بنا وقد فعلتَ ما فعلتَ، فقال النّاس : دعوه فليُصل فإنَه الأمير، واكتبُوا بذلكم إلى عمر، فكتبُوا إليه، فورد كتابُه بأن يقدُموا عليه جميعاً، المغيرة والشُهود) (2)
.
  (أخرجه عمر بن شبَة في أخبار البصرة من هذا الوجه، وساق قصّة المغيرة هذه من طرقٍ كثيرةٍ ملخَصُها أنّ المغيرة بن شعبة كان أمير البصرة لعمر، فاتهَمه أبو بكرة، وهو نفيع الثقفيّ الصحابيّ المشهور، وكان أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كَلَدة الثقفيّ - وهو معدودٌ في الصحابة - وشِبْل - بكسر المُعجمة وسُكون الموحَدة - ابن معبد بن عتبة بن الحارث البجليّ، وهو معدود في المخضرمينَ، وزياد بن عبيد، الذي كان بعد ذلك يقال له زياد بن أبي سفيان أخوه من أُمٍ، أُمُهم سُمَيّة مولاة الحارث بن كَلَدة، فاجتمعوا جميعاً

*************************************************
(1) المقصود هو شبلُ بنُ معبد.
(2) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 16 ، ص 104 - 105 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 154 ـ

  فرأوا المغيرة متبطّنَ المرأة، وكان يقال لها الرّقطاء، أمّ جميل بنت عَمْرو بن الأفقم الهلاليّة، وزوجها الحَجَاج بن عتيك بن الحارث بن عوف الجشميّ، فرحلوا إلى عُمر فشكوه، فعزلَه وولّى أبا موسى الأشعريَ، وأحضر المغيرة، فشهِد عليه الثلاثةُ بالزنا، وأمّا زياد فلم يُثبِت الشّهادةَ، وقال : رأيتُ منظراً قبيحاً، وما أدري أخَالَطَها أم لا ؟ فأمر عمر بجلد الثلاثة حدَّ القَذْف) (1) .
  (قال أبو زيد عمر بن شبَة (2) : فجلس له عمر ودعا بهِ وبالشهود، فتقدّم أبو بكرة فقال : أريتَه بن فخذيها ؟ قال : نعم والله، لكأنيّ أنظر إلى تشريم جُدَريٍ بفخذيها، قال المغيرة : لقد ألطفتَ النظر، قال أبو بكرة : لم آلُ أن أثبتَ ما يخُزيك الله به، فقال عمر : لا والله حتى تشهد لقد رأيتَه يلِجُ فيها كما يلِجُ المِروَدُ في المِكْحَلَة ؟ قال : نعم أشهدُ على ذلك، فقال عمر : اذهب عنك مغيرةُ ذهب ربعُك، ثمَ دعا نافعاً، فقال : علامَ تشهد ؟ قال : على مِثل شهادة أبي بكرة، فقال عمر : لا حتى تشهد أنّك رأيتَه يلجُ فيها ولوج المِرْوَد في المِكْحَلَة، قال : نعم حتى بلغ قذذه، فقال : اذهب عنك مغرةُ ذهب نصفُك، ثمَ دعا الثالث وهو شبل بن معبد، فقال : علامَ تشهدُ ؟ على مثل شهادتي صاحبَيَ، فقال (3) اذهب عنك مغيرةُ ذهب ثلاثةُ أرباعِك، قال : فجعل المغيرة يبكي إلى المهاجرين، وبكى إلى أمّهات المؤمنينَ حتى بكن معه، قال : ولم يكن زيادٌ حضر ذلك المجلس، فأمر عمر أن ينحي الشهودَ الثلاثة، وأن لا يجالِسَهم أحدٌ من أهل المدينة، وانتظر قدومَ زياد، فلماّ

*************************************************
(1) ابن حَجَر العسقلاني، فتح الباري : ج 5، ص 187 .
(2) أورد أبو الفرج الأصفهاني السّند كاملاً (قال أبو زيد : وحدّثني الحكم بن موسى، قال : حدّثنا يحيى بن حمزة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن عبد الله بن عبد الرحّمن الأنصاريّ، عن مصعب بن سعد أنّ عمر بن الخطاب جلس ودعا المغيرة ...) ينظر : الأغاني، ج 16 ، ص 16 - ص 106 .
(3) ذكر أبو الفرج الأصفهاني (فقال له علي بن أبي طالبٍ اذهب عنك مغيرةُ ذهبَ ثاثةُ أرباعِك) ينظر، الأغاني : ج 16 ، ص 107 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 155 ـ

  قدِم جلس في المسجد واجتمع رؤوسُ المهاجرينَ والأنصار، قال المغيرة : وكنتُ قد أعددتُ كلمةً أقولها، فلماّ رأى عمر زياداً مقبلاً، قال إنيّ لأَرى رجلاً لن يخزيَ اللهُ على لسانِهِ رجلاً مِن المهاجرين) (1) .
  (وفي حديث أبي زيد، عن السرّي عن عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان النهديّ أنّه لمّا شهِد الشاهدُ الأوّلُ عند عمر تغيرّ لذلك لون عمر، ثمّ جاء الثاني فشهِد، فأنكر لذلك إنكاراً شديداً، ثمّ جاء الثالث فشهِد، فكأنّ الرّماد نُثِر على وجه عمر، فلماّ جاء زياد جاء شابٌ يخطر بيديه، فرفع عمر رأسَه إليه، وقال : ما عندَك أنتَ يا سَلْحَ العُقاب (2) وصاح أبو عثمان النهديّ صيحةً تحكي صيحة عمر، قال : عبد الكريم بن رشيد : لقد كدت أن يغشى عليَ لصيحته، فكان المغيرة يحدّث، قال : فقمتُ إلى زياد، فقلتُ : (لا مخبأ لعطرٍ بعد عروس) (3) ، يا زياد أذكّرك الله، وأذكّرك موقف القيامة، وكتابه ورسوله، أن تتجاوز إلى ما لم ترَ، ثمَ صمت (4) ، يا أمير المؤمنين إنَ هؤلاء قد احتقروا دمِي، فالله الله في دمِي، قال : فتدفّقت عينا زيادٍ وأحمرَ وجهه، وقال : يا أمير المؤمنين، أما إن أحِقّ ما حقَ

*************************************************
(1) الجوهريّ، السّقيفة وفدك : ص 94 ؛ وينظر : أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 106 - 107 ، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : ج 12 ، ص 236 .
(2) سَلْحَ العُقاب : السّلْح التغوّط، وهو خاصٌ بالطائر ، (وقول عمر : يا سَلْحَ العُقاب، معناه أنّه يُشبِه سَلْحَ العُقاب الذي يحرِقُ كلَ شيءٍ أصابه، كذلك هذا توقّع العقوبة بأحد الفريقين لا محالة إن كملت شهادته حدّ الشهود عليه) . ابن قدامة ، المغني : ج 10 ص 180 ، وينظر : العسكري ، السيد المرتضى : عبد الله بن سبأ (ط 6، إيران - 1992 ) : ج 1، ص 227 .
(3) (لا مخبأ لعطرٍ بعد عروس) مثلٌ يضُربُ للشيء يُستعملُ عند الحاجة إليه، وأصله أنّ رجلاً تزوّج امرأة فأُهديت إليه، فوجدها تفلة – متغريّة الرائحة – فقال : أينَ الطيب ؟ فقالت : خبّأته، فقال : لا مخبأ لعطرٍ بعد عروس، والعَروس اسم للرجل والمرأة، فإذا كان الرجل فجمعه عرس، وإذا كانت المرأة فالجمع العرائس . ينظر : أبو هلال العسكريّ، جمهرة الأمثال (تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش، ط 2، دار الجيل، بيروت - د.ت) : ج 2، ص 395 .
(4) في شرح نهج البلاغة للمعتزلي : ج 2،ص 237 ، (ثمّ صحتُ).

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 155 ـ

  القومُ، فليس عندي، ولكنّني رأيتُ مجلساً قبيحاً، وسمعتُ نفساً حثيثاً وانتهاراً، ورأيتُه متبطنَها، فقال عمر : أرأيتَهُ يدخلُ ويخرجُ كالمِيل في المِكْحَلَة ؟ قال : لا .
  وروي أنّه قال : رأيتُه رافعاً برجليها، ورأيتُ خصيتيه مترددتين بن فخذيها، وسمعتُ خفزاً (1) شديداً، وسمعتُ نَفَسَاً عالياً، فقال عمر : أرأيتَهُ يُدخلُه ويُخرجُه كالمِيل في المِكْحَلَة ؟ قال : لا، فقال عمر : اللهُ أكبر، قُم يا مغيرةُ إليهم فاضربهم.
  فجاء المغيرة إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين، وروى قوم أنّ الضارب لهم الحدّ م يكن المغيرة، وأعجب عمر قول زياد، ودرأ الحدّ عن المغيرة، فقال أبو بكرة بعد أن ضرُب : أشهد أنَ المغيرةَ فعل كذا وكذا، فهمَ عمر بضربه، فقال له عليٌ (ع) : (إنْ ضربتَه رجمتُ صاحبَك) ، ونهاه عن ذلك، فاستتاب عمر أبا بكرة، فقال : إنمّا تستتيبني لتقبل شهادتي، قال : أجل، قال : فإنيّ لا أشهد بين اثنين ما بقيتُ في الدّنيا، قال : فلماّ ضرُبوا الحدّ قال المغيرة : اللهُ أكبر، الحمدُ لله الذي أخزاكم، فقال عمر : أُسكت أخزى اللهُ مكاناً رأوك فيه، وأقام أبو بكرة على قوله، وكان يقول : والله ما أنسى قطُ فخذيها، وتاب الاثنان فقبِلَ شهادتهمَا، وكان أبو بكرة بعد ذلك إذا طُلب إلى شهادةٍ قال : اطلبوا غيري، فإنّ زياداً أفسد عليّ شهادتي، وكانت الرّقطاء التي رُمي (بها) المغيرة تختلفُ إليه في أيّام إمارته الكوفة في خلافة معاوية في حوائجها فيقضيها لها) (2)
  (وقال عمر بن شبَة في أخبار البصرة بإسنادٍ له أنّ المرأة التي رُميَ بها المغيرة هي أُمّ جميل بنت عَمْرو بن الأفقم الهلاليّة، ويقال : إنَ أصل أبيها من ثقيف، قال : واسم زوجها الحجَاج بن عتيك بن الحارث بن عوف بن وهب بن عَمْرو الجشميّ، وكان ممّن

*************************************************
(1) يُريد النَفَس الشديد المتتابع . الجوهريّ، الصّحاح : ج 3، ص 874 .
(2) الجوهريّ، السّقيفة وفدك : ص 95 - 96 ، وذكر أبو الفرج الأصفهاني الرّواية باختصار، الأغاني : ج 16 ، ص 107 - 108 ، وينظر : ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة : ج 12 ، ص 237 - 238 .


اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 156 ـ

  قدِم البصرة أيّام عتبة بن غزوان، وولُي حائط المسجد مّا يلي بني سليم أيّام زياد، وكان قد رحل بامرأته إلى الكوفة لمّا جرى للمغيرة ما جرى، ثمّ رجع إليها في إمارة أبي موسى، فاستعمله على بعض أعماله) (1) .
  (وذكر عمر (2) بن شبَة في كتاب أخبار البصرة أنّ أبا بكرة لمّا جُلد أمرت أمُه بشاةٍ فذُبحت، وجعلت جلدها على ظهره، فكان يقال : ما ذاك إلا من ضربٍ شديدٍ) (3) .
  (وذكر عمر بن شبَة في كتاب أخبار البصرة (4) ... وحكى عبد الرحّمن بن أبي بكرة أنّ أباه حلف ألاّ يكلّم زياداً ما عاش، فلماّ مات أبو بكرة كان قد أوصى أن لا يصليَ عليه زيادٌ، وأن يصليَ عليه أبو برزة (5) الأسلميّ، وكان النبيّ (ص) آخى بينهما، وبلغ ذلك زياداً فخرج إلى الكوفة، وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره) (6) .
  (حدّثنا ابن عماّر والجوهريّ قال : حدّثنا عمر بن شبَة، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد ابن يحيى بن زكريا، عن مجالد، عن الشعبيّ، قال : كانت أمُ جميل بنت عمر التي رُميَ بها المغيرة بن شعبة بالكوفة تختلف إلى المغيرة في حوائجها فيقضيها لها، قال : ووافقتُ عمر

*************************************************
(1) ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 2، ص 28 - 29 .
(2) أورد أبو الفرج الأصفهاني في سند الرّواية قال أبو زيد : وحدّثني سليمان بن داود بن علي، قال : حدّثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جدّه، قال ... ) ينظر، الأغاني : ج 16 ، ص 109 .
(3) ابن شاذان، الإيضاح : ص 554 ، ابن خلّكان، وفيات الأعيان : ج 6، ص 366 .
(4) أورد المحموديّ محقّق كتاب المسترشد للطبريّ الشيعيّ نصّ الرّواية السابقة نفسه، ولكنّه زاد عليها، فذكرنا أعلاه موضع الزّيادة فقط نقلاً عن كتاب أخبار البصرة لابن شبَة، ينظر : الطبريّ الشيعيّ، المسترشد، (تحقيق : الشيخ أحمد المحموديّ، ط 1، قم - 1415) : ص 162 (الهامش).
(5) أبو برزة الأسلميّ، واسمه فيما ذكر محمّد بن عمر عن بعض ولد أبي برزة عبدُ الله بن نضلة، وقيل نضلة بن عبد الله، وقالوا : ابن عبد الله بن الحارث بن حبال، شهد فتح مكّة، نزل البصرة وبنى فيها داراً، ثمَ غزا خراسان فمات بها . ابن سعد، الطبقات : ج 4، ص 298 - 299 .
(6) الطبريّ الشيعي، المسترشد : ص 162 (اهامش).

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 157 ـ

  بالموسم والمغيرة هناك، فقال له عمر : أتعرفُ هذه ؟ قال : نعم هذه أمُ كلثوم بنت عليّ، فقال له عمر : أتتجاهل عليّ ؟ والله ما أظنُ أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتُك إلا خفت أن أُرمى بحجارةٍ من السّماء !!) (1) .
  (قال حسّان بن ثابت (2) يهجو المغيرة بن شعبة في هذه القصّة (3) :
لَـو أنّ الـلُؤمَ يُنسبُ كان عبداً      قـبيحَ الـوجه أعورَ من iiثقيفِ
تـركتَ الـدينَ والإسـلامَ iiلما      بـدت  لك غدوةً ذاتُ iiالنصيفِ
وراجـعتَ الصَبا وذكرتَ عهداً      من القَيْناتِ والغمز اللَطيفِ (4)
  (أخبرني الجوهريّ وابن عماّر، قال : حدّثنا عمر بن شبَة، قال : حدّثني المدائنيّ عن عبد الله بن سليم القهريّ، قال : لمّا شخَص المغيرة إلى عمر رأى في طريقه جاريةً فأعجبته، فخطبها إلى أبيها، فقال له : أنت على هذه الحال، قال : وما عليك أن أعُفَ فهو الذي تُريد، وإن أُقتل ترثني، فزوَجه، قال أبو زيد : قال الواقديّ : تزوَجها بالرَقم (5) ،

*************************************************
(1) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 16 ، ص 109 .
(2) حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام من بني مالك بن النجّار الأنصاريّ الشاعر أبو الوليد، وقيل أبو عبد الرحّمن، يقال له شاعر رسول الله (ص) ينظر : ابن عبد البر النُميَرْيّ، الاستيعاب : ج 1 ، ص 341 .
(3) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 16 ، ص 110 .
(4) وردت هذه الأبيات في ديوان حسّان بن ثابت وكالآتي :
لَـو أنّ اللُؤمَ يُنسبُ كان iiعبداً      قـبيحَ الوجه أعورَ من iiثقيفِ
تـركتَ الدينَ والإيمان iiجهلاً      غـداةَ لقيتَ صاحبةَُ iiالنصيفِ
وراجعتَ الصَبا وذكرتَ iiلهواًً      من الاحشاء والخِصر اللَطيفِ

ينظر : حسّان بن ثابت : ديوان حسّان بن ثابت (تحقيق : د. سيّد حنفي حسنين، مراجعة : حسن كامل الصيرفيّ، الهيأة العامة لقصور الثقافة، القاهرة - 2008 م) : ص 171 .
(5) الرقم : جبال دون مكّة بديار غطفان . ينظر : ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 4، ص 413 .


اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 158 ـ

  وهي امرأةٌ من بني مُرّة، فلماّ قدِم بها على عمر قال : إنّك لفارغُ القَلب طويل الشَبَق) (1) .
  (أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عماّر، قال : حدّثنا عمر بن شبَة، قال : حدّثنا الأصمعيّ، قال : حدّثنا أبو هلال عن مطير الورّاق، قال : قال المغيرة بن شعبة : نكحت تسعاً وثمانين امرأةً، أو قال : أكثر من ثمانين امرأة، فما أمسكتُ امرأةً منهنَ على حبٍ، أُمسكُها لودّها ولحسبها، ولكذا ولكذا) (2) .
  (قال أبو زيد : وبلغني أنهّم ذكروا النساء عند المغيرة بن شعبة، فقال أنا أعلمُكم بهنّ، تزوّجتُ ثلاث وتسعين امرأةً، فيهنَ سبعون بِكراً، فوجدتُ اليمانيّةَ كثوبك أخذت بجانبه فاتَبعك بقيّته، ووجدت الربعيّة أمَتَك أمرتها فأطاعتك، ووجدت المُضريّة قرناً ساورتَهُ، فغلبتَه أو غلبَكَ) (3) .
  (حدّثنا ابن عماّر، قال : حدّثنا عمر بن شبَة، قال : حدّثنا أبو عاصم، قال : رأى المغيرة امرأة له تخَلّل بعد صلاة الصُبح، فطلّقها، فقالت : علاَمَ طلّقني، قيل رآك تخَلَليين (4) فظنَ أنّكِ أكلتِ، فقالت : أبعدَهُ الله، واللهِ مَا أتخلّلُ إلا مِنَ السوَاك) (5) .
  (وذكر عمر بن شبَة في أخبار البصرة أنّ العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه قال لعمر رضي الله عنه : إنَ رسول الله صلىّ الله عليه (وآله) وسلّم أقطعني البحرين، فقال : ومَن يشهد لك بذلك ؟ قال المغيرة بن شعبة، فأبى أن يجُيزَ شهادتَه) (6) .

*************************************************
(1) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 16 ، ص 110 .
(2) أبو الفرج الأصفهاني، المصدر نفسه : ج 16 ، ص 96 - 97 .
(3) المصدر نفسه : ج 16 ، ص 97 .
(4) الخلل : ما يبقى من الطعام بين الأسنان . ينظر : الفراهيديّ، العيَن، ج 4، ص 140 .
(5) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني : ج 16 ، ص 97 .
(6) ابن شاذان، الإيضاح : ص 554 - 555 ، الطبريّ الشيعيّ، المسترشد : ص 163 (الهامش) ، ابن خلّكان وفيات الأعيان : ج 6، ص 367 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 159 ـ

اخبار مجاشع بن مسعود (1)

  (عمر بن شبَة : استخلفه المغيرة على البصرة في خلافةِ عمر) (2)

اخبار حذيفة بن محصن القلعاني (3)

  (قال عمر بن شبَة ولاّه عمر على اليمامة) (4)

أخبار أبي موسى الاشعري (5)

  خبر فتح تستر (6) ،(وذكره خليفة بن خيّاط في تاريخه، وعمر بن شبَة في أخبار البصرة من وجهين آخرين عن قتادة، ولفظ عمر : سُئل قتادة عن الصلاة إذا حضر القتال، فقال : حدّثني أنس بن مالك أنهّم فتحُوا تستر، وهو يومئذٍ على مقدّمة النّاس، وعبد الله بن قيس - يعني أبا موسى - أميرهم، وفي رواية عمر بن شبَة حتى انتصف

*************************************************
(1) مجاشع بن مسعود بن ثعلبة بن وهيب بن عائذ بن ربيعة السلميّ، وفد على الرسول (ص) بعد فتح مكّة وبايعه على الإسلام والجهاد في سبيل الله، توفيّ سنة (36 هـ) . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 7 ، ص 30 ، ابن حِبّان البستيّ، مشاهير علماء الأمصار : ص 50 .
(2) ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 10 ، ص 36 .
(3) حذيفة بن محصن القلعاني، وقيل الغلفاني بالعين المعجمة واللام والفاء، استعمله أبو بكر على عمان بعد عزل عكرمة، فلم يزل إلى أن مات أبو بكر، ثمّ ولاّه عمر اليمامة . ينظر : ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 2، ص 38 - 39.
(4) ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 2، ص 39 .
(5) أبو موسى الأشعريّ، واسمه عبد الله بن قيس بن سليم، وأمّه ظبية بنت وهب من عك، وقد أسلمت وماتت بالمدينة، قدِم أبو موسى مكّة فحالف سعيد بن العاص وأسلم بمكّة، وقيل إنّه هاجر إلى الحبشة، تولىّ البصرة أيّام عمر، وتوفيّ سنة 52 هـ، وقيل 42 هـ في حكم معاوية، ينظر : ابن سعد الطبقات : ج 4، ص 105 ، 116 ، ابن عبد البر النُميَرْيّ، الاستيعاب : ج 4، ص 176 .
(6) تستر : مدينة بخوزستان، وهي من أرض البصرة لقربها منها، فُتحت إبّان ولاية أبي موسى الأشعريّ على البصرة، ينظر : ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 2، ص 444 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 160 ـ

أخبارُ القاضي كعب بن سور (1)

  (أخبرنا أبو أحمد عن الجوهريّ عن أبي زيد (2) ، وذكر أبو عبيدة أنّ صاحب عين هجر (3) أتى عمر وعنده كعب بن سور، فقال : يا أمير المؤمنين إنَ لي عيناً فاجعل لي خراج ما تسقي، فقال : هُو لَكَ، فقال كعب : يا أمير المؤمنين ليس ذلك له، قال : ولمَِ ؟ قال : لأنّه يَفيضُ ماءٌ عن أرضه يسيح في أرض النّاس، ولو حَبَسَ ماءَه في أرضِه لغرقت، فلم ينتفع بمائه ولا بأرضه، فمُرْه فليحبس ماءَه إن كان صادقاً، قال عمر : أتستطيع أن تحبسَ ماءك ؟ قال : لا ، فكانت هذه لكعب) (4) .
  (وقد اشتهرت قصّة كعب بن سور، رواها عمر بن شبَة في كتاب قضاة البصرة (5) من وجوهٍ، أحدهُنّ عن الشعبيّ، أنَ كعب بن سور كان جالساً عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأةٌ، فقالت : يا أمير المؤمنين ! ما رأيتُ رجلاً قطّ أفضل من زوجي، والله إنّه ليبيتُ ليله قائماً، ويظلُ نهاره صائماً، فاستغفَر لها وأثنى عليها، واستحيت المرأةُ وقامت راجعةً، فقال كعب : يا أمير المؤمنين هلاّ أعديت المرأة على زوجها ؟ فجاء فقال لكعب : اقضِ بينهما فإنّك فهمتَ من أمرها ما لم أفهم، قال : فإنيّ أرى كأنهّا امرأةٌ عليها

*************************************************
(1) كعب بن سور بن بكر بن عبد الله بن ثعلبة الأزديّ، قاضي البصرة، وليها لعمر وعثمان، قُتل يوم الجمل. ينظر : وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 274 - 275 ، الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 3 ، ص 524 .
(2) أورد ابن قيّم الجوزيّة الرّوايةَ عن عمر بن شبَة بقوله : (وقال عمر بن شبَة) . ينظر : الطرق الحكيمة : ج 1، ص 98 .
(3) عن هَجَر : هَجَر مدينةٌ، وهي قاعدة البحرين، وقيل ناحية البحرين كلّها هَجَر، سميت عن هَجَر بهَجَر بنت المكفف، وكانت من العرب المتعرّبة . ينظر : ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 8 ، ص 469 .
(4) أبو هلال العسكريّ، الأوائل : ص 287 ، وينظر : ابن قيّم الجوزيّة، الطرق الحكيمة : ج 1، ص 98 .
(5) يقصد في كتاب أخبار البصرة، وضمن الجزء الخاص بأخبار قضاة البصرة، أو أنّه تناولَ أخبار قضاة البصرة ضمن ما ذكره عن أخبار البصرة .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 161 ـ

  ثلاثُ نسوةٍ هي رابعتُهنّ، فأقضي له بثلاثة أيّام ولياليهن يتعبّد فيهنّ، ولها يومٌ وليلةٌ، فقال عمر : والله ما رأيك الأوّل بأعجب إليّ من الآخر، اذهب فأنت قاضٍ على أهل البصرة (1) ، (وفي لفظٍ، قال عمر : نِعْمَ القاضي أنت) (2) .
  (وأخبرني عبد الله بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن عمر بن عمران السّدوسيّ، عن الحسن بن أبي جعفر، وأخبرتي محمّدُ بن أبي عليٍ القيسيّ، عن محمّد بن صالح العدويّ ، يزيد بعضُهم على بعضٍ أنَ المرأة التي أتت عمر بن الخطاب تثني على زوجها ، فقال كعب بن سور : إنهّا تشكوه، فقال عمر : اقضِ بينهما، تكلّمت فقالت :
يـا  أيهّا القاضي الحكيمُ رُشْدُهْ      ألهى خليلي عن فراشي مسجدُهْ
زهَـدَهُ فـي مـضجعي iiتعبُدُه      نـهـارُه ولـيلُه مـا iiيـرقُدُه
ولـستُ  في أمرِ النساء أحمَدُه      فاقضِ القضا يا كعبُ لا iiتردّدُه
  فقال الزوجُ :
إنـيّ امـرءٌ أذهـلني ما قد iiنزل      في سورةِ النُور وفي السَبعِ الطُوَلْ
زهّـدني فـي فرشِها وفي الحَجَل      وفـي كـتابِ اللهِ تـخويفٌ iiجَلَلْ
فـحِثَها فـي ذا على حُسنِ iiالعمَلْ
  فقال كعب :
إنَ أحـقَ القاضِين مَن iiعقَل      ثُمَ قضى بالحق جُهداً وفَصَلْ
إنَ لـها حـقَاً عليك يا iiبَعَل      نصيبُها  مِن أربعٍ لِمَن iiعَدَلْ
فأعطِها ذاك ودَعْ عنك iiالعِلَلْ


*************************************************
(1) عبد الله بن قدامة، المغني : ج 8، ص 140 ، عبد الرحمن بن قدامة، الشرح الكبير : ج 8، ص 136 .
(2) عبد الرحمن بن قدامة، الشرح الكبير : ج 8، ص 136 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 162 ـ

  فبعثه عمر على البصرة) (1) .
  (أخبرنا عبدُ الله بن الحسَن، عن النُميَرْيّ، قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل، قال : حدّثنا حمَاد بن سلمة، عن أيّوب، عن ابن سيرين، وحبيب، عن ابن سيرين، عن كعب ابن سور أنّه استحلف يهوديّاً، فقال : أدخلوه الكنيسة، وضعُوا التوراة على رأسه، واستحلفوه باللهِ الذي أنزل التوراةَ على موسى) (2) .   (أخبرني عبدُ اللهِ بن الحسن عن النُميَرْيّ، عن أحمد بن إبراهيم، عن حفص، عن حجّاج، عن قتادة، قال : التقى رجلٌ على حمار، ورجلٌ على جمل، أو قال حمار، ففزع الحمارُ، فصرعه فكسُرِ، فاختصما إلى كعب بن سور، فلم يضمَنه) (3) .
  (وقال النُميَرْيّ : حدّثنا أحمد بن إبراهيم الموصليّ، قال : حدّثنا خالد بن الحارث عن ابن عوف عن محمّد : إنَ امرأتينِ رقَدَتَا، ومع كل واحدةٍ ولدُها، فانقلبت إحداهما على أحد الصبييّن فقتلته، وأصبحتا وكلُ واحدةٍ منهما تدّعي الباقية، فاختلفتا إلى كعب ابن سور، لا أدري كم، قال : فبعث إلى القامة (4) ، فأوطوا المرأتين والصبيّ، فألحق الشبه بإحدى المرأتين، فقال كعب : إنيّ لستُ بسليمان بن داود، ولم أجد شيئاً أفضل مِن أربعة من المسلمينَ شهِدُوا) (5) .

*************************************************
(1) وكيع أخبار القضاة : ج 1، ص 276 - 277 .
(2) وكيع، المصدر نفسه : ج 1، ص 278 .
(3) المصدر نفسه : ج 1، ص 279 .
(4) القامة : الذي يقوم بالأمر والأحداث، وقيّم الأمر، مقيمه، والقيّم : السيّد وسائس الأمور . ابن منظور، لسان العرب : ج 12 ، ص 502 . القامة ربمّا تصحيف، والمقصود (القافة)، كما ورد ذلك عند الصنعانيّ، المصنّف (تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي، منشورات المجلس العلميّ، د.ت) : ج 7، ص 362 . والقافة : مع القائف، والقائف الذي يعرف الآثار، ويعرف شبهَ الرجل بأخيه وأبيه . ينظر : ابن منظور، لسان العرب : ج 9، ص 293 .
(5) وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 280 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 163 ـ

خبرُ ولاية أبي موسى الاشعري على البصرة

  (وأفاد عمر بن شبَة في تاريخ البصرة أنّ اسمها – أمّ عبد الله بنت أبي دومة – صفيّة بنت دمون، وأنهّا والدةُ أبي بُردة بن أبي موسى، وأنّ ذلك وقعَ حيثُ كان أبو موسى أميراً على البصرة من قبل عمر بن الخطاب ...) (1) .

خبرُ تولي أبي موسى الاشعري قضاء البصرة (2)   (وقد روى عمر بن شبَة في كتاب قضاة البصرة بإسناده عن أم سلمة، أنَ النبيَ (ص) قال : (مَن يلي القضاءَ بينَ المسلمينَ فلْيعدِل بينهم في لفظِهِ وإشارتِهِ ومَقعدِهِ، ولا يرفع صوتَه على أحدِ الخصمينِ ما لا يرفعه على الآخر) ، وفي روايةِ : (فليُساوِ بينهم في النظرِ والمجلسِ والإشارةِ) ، وكَتَبَ عُمر إلى أبي موسى : سو بين النّاسِ في مجلسِك وعدلك، حتى لا ييأس الضعيف مِن عدلك، ولا يطمعُ شريفٌ في حيفِك) (3) .
   (وقال عمر بن شبَة : حدّثني هارون بن عمر، عن محمّد بن شعيب، عن عيسى بن موسى، أنّ عمر كتب : أمّا بعد فإنَ القضاء فريضةٌ محكمةٌ، وسُنّةٌ متّبعةٌ، وفهمٌ يقسِمُه الله، افهم إذا أدلي إليك، واقضِ إذا فهِمت، وأنفِذ إذا قضيت، ثمَ اعرف أهل المحك والشغب واللظ في الخصومة، فإذا عرفت أولئك فأنكِر وغيرّ، فإنَه مَن لم يزع النّاس عن الباطل لم يحملهم على الحقّ، قاتِل هواك كما تقاتِل عدوَك، وأوجِب الحقَ غير مُضارٍ فيه، وإذا حضرك الخصم فرأيتَ منه العِيّ والفهاهة (4) فسدده وارفق به، في غير ميلٍ ولا جورٍ على صاحبه، وشاوِر ذوِي الرأي من جلسائك وإخوانك، فإنَه مجلسٌ لا

*************************************************
(1) ابن حَجَر العسقلاني، فتح الباري : ج 3، ص 133 ، العينيّ، عمدة القارئ : ج 8، ص 93 .
(2) ذكر أنّه تولّى القضاء في خلافة عمر بن الخطاب . ينظر، وكيع، أخبار القضاة : ج 1، ص 283 .
(3) عبد الله بن قدامة، المغني : ج 11 ، ص 441 .
(4) الفهاهة من فه وتعني العِي، ينظر ابن فارس، معجم مقاييس اللُغة : ج 4، ص 435 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 164 ـ

  يحابى فيه قريب، ولا يخفى فيه بعيد، عادِ ولدك وأهل بيتك فيما وليت من الحكم، فإنَه فيه مقحماتُ جهنّم، وليس لوالٍ ولا قاضٍ أن يأخذ بظنه ولا بعلمه دون ما وضح له بالبيّناتِ العاملة، وأبلغ النّاس ريقهم، وأفهمهم حججهم، وإيّاك والضجر والتبرُم بالحضور والتأذي بهم، والسلام) (1) .
  (وروى عمر بن شبَة في كتاب قضاة البصرة بإسناده عن الشعبيّ، أنّ عمر وأُبيّاً (2) تحاكما إلى زيدٍ في نخلٍ ادّعاه أُبيّ، فتوجّهت اليمين على عمر، فقال زيد : أعفِ أميرَ المؤمنينَ، فقال عمر : ولم يُعفِ أميرَ المؤمنينَ ؟ إن عرفتُ شيئاً استحققتُه بيميني، وإلاّ تركتُه، واللهِ الذي لا إلهَ إلاّ هو إنّ النخلَ لَنخلي، وما لأبُيٍ فيه حقٌ، فلماّ خرجَا وهب النَخلَ لأُبيّ، فقيل له : يا أميرَ المؤمنين هلاّ كان هذا قبلَ اليمين ؟ فقال : خِفتُ أن لا أحلِفَ فلا يحلِفُ النّاس على حقوقِهم بعدي، فيكون سُنّةً، لأنّه حلف على حقّ، فأشبه الحلف عند غير الحاكم) (3) .
  (رواه عمر بن شبَة، وفيه لما أتيا بابَ زيدٍ خرج، فقال : السّلامُ عليكَ يا أمير المؤمنينَ، لو أرسلتَ إليّ لأتيتُك، قال : في بيته يُؤتَى الحَكَم، فلماّ دخلا عليه قال : السّلامُ عليكَ يا أمير المؤمنينَ، هاهنا يا أمير المؤمنينَ، قال بل أجلس مع خصمي، فادّعى أُبيّ وأنكر عمر، ولم تكن لأُبيٍ بينة، فقال زيد : أعفِ أمير المؤمنينَ من اليمين، فقال عمر : تاللهِ إن زِلتَ ظالماً، السّلامُ عليكَ يا أمير المؤمنينَ ! هاهنا يا أمير المؤمنينَ ! أعفِ أمير المؤمنينَ !، إن كان

*************************************************
(1) البلاذريّ، أنساب الأشراف : ج 10 ، ص 290 .
(2) هو أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النَجّار، ويكنى أبا المنذر، شهِدَ العقبة مع السّبعين من الأنصار، كان يكتب بالجاهليّة، وكان في الإسلام يكتبُ الوحيَ لرسول الله (ص) ، وشهد بدراً وأُحداً والخندق والمشاهد كلّها، مات في خلافة عمر سنة 22 هـ، وقيل في سنة 30 هـ أيّام عثمان. ابن سعد، الطبقات الكبرى : ج 3، ص 498 ، 502 .
(3) عبد الله بن قدامة، المغني : ج 11 ، ص 168.

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 165 ـ

  لي حقٌ استحققتُه بيميني، وإلاّ تركتُهُ، واللهِ الذي لا إله إلاّ هُو إنَ النَخلَ لَنخلي، وما لأبُيٍ فيها حقٌ، ثمّ أقسم عمر لا يصيبُ زيدٌ وجهَ القضاء حتى يكونَ عمر وغيره مِن النّاس عندَه سواء، فلماّ خرجَا وهبَ النخلَ لأُبيّ، فقيل له : يا أمير المؤمنين فهلاّ كان هذا قبل أن تحلِف ؟ قال خِفت أن أتركَ اليمين فتصيرَ سُنّة فلا يحلف النّاس على حقوقهم) (1) .
  (قال عثمان بن عفان لابن عمر (2) : إنّ أباكَ قد كان يقضي وهو خيرٌ منك، قال : إنَ أبي قد كان يقضي، وإن أشكلَ عليه شيءٌ سألَ رسولَ الله (ص) .. رواه عمر بن شبَة في كتاب قضاة البصرة) (3) .

ولايةُ عثمان بن أبي العاص (4) على البصرة

  - خبرُ وفادة أهل البصرة على عمر بن الخطّاب
  (وقال عمر بن شبَة في أخبار البصرة : أوفد عثمان بن أبي العاص - وهو أمير البصرة - أبا صخرة (5) في رجالٍ من الأزد على عمر، فسألهم عن أسمائهم، وسأل أبا صخرة، فقال : أنا ظالمُ ابن سارق، وكان أبيضَ الرأس واللحية، فأتاه وقد اختضب،

*************************************************
(1) عبد الله بن قدامة، المصدر نفسه : ج 11 ، ص 442 - 443 .
(2) عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن، لم يشهد بدراً، وشارك في الخندق، مات بمكّة وهو حاج سنة ( 73 هـ )، ودفن بها . ابن حِبّان البستي، مشاهير علماء الأمصار : ص 37 .
(3) عبد الله بن قدامة، المغني : ج 11 ، ص 480 .
(4) عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان الثقفيّ، قدم على الرسول (ص) مع وفد ثقيف، واستعمله الرسول (ص) على الطائف، وتولىّ البحرين لعمر، فلماّ عُزل نزل البصرة، وينسب إليه موضعُ شطّ عثمان، توليّ في حكم معاوية . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 7، ص 40 .
(5) أبو صُفرة الأزديّ، والد المهلّب الأمير المشهور، قيل اسمه ظالم بن سارق، وقيل : ابن سراق، وقيل : قاطع بن سارق بن ظالم، وقيل : غالب بن سراق، فنزلوا البصرة، فكان أبو صُفرة والد المهلَب فيمن نزل البصرة . ينظر : ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 7، ص 185 - 186 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 166 ـ

  فقال : أنت أبو صُفرة، فغلبت عليه الكنية) (1) .

خبرُ وفاة عمر بن الخطاب

  (فرأيتُ في أخبار البصرة لعمر بن شبَة، قال لنا أبو عاصم : ثنا حنظلة بن أبي سفيان : سمعتُ سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر : سمعتُ عمر قبل أن يموتَ بعامٍ يقول : أنا ابن سبعٍ وخمسينَ، أو ثمانٍ وخمسين، وإنماّ أتاني الشيب مِن قِبَل أخوالي بني المغيرة) (2) .

أخبارُ معركة الجمل 36 هـ / 656 م

  - خبرُ بيعة الإمام علٍي (ع) وخروج طلحة والزبير
  (وقد جمع عمر بن شبَة في كتاب أخبار البصرة قصّة الجمل مطوّلةً، وها أنا أُلخّصها واختصر على ما أورده بسندٍ صحيحٍ أو حسنٍ، وأبينّ ما عداه، فأخرَجَ من طريق عطيّة بن سفيان الثقفيّ عن أبيه، قال : مّا كان الغد من قتل عثمان أقبلتُ مع عليٍ، فدخل المسجد، فإذا جماعةُ عليٍ وطلحة، فخرج أبو جهم بن حذيفة (3) ، فقال : يا علي ألا ترى ؟ فلَم يتكلّم، ودخل بيته، فأُتي بثريدٍ فأكل، ثمّ قال : يُقتلُ ابن عمّي ونُغلب على ملكِه ! فخرجَ إلى بيت المال ففتحَه، فلماّ تسامعُوا النّاس تركوا طلحة، ومن طريق مغيرة ابن إبراهيم عن علقمة، قال : قال الأشتر (4) : رأيتُ طلحة والزبير بايعا علياً طائعيَن غير

*************************************************
(1) ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 7، ص 186 .
(2) ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 7، ص 387 .
(3) أبو جهم بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد القرشيّ العدويّ، وقيل : اسمه عامر، وقيل : اسمه عبيد، من مسلمة الفتح، وهو أحد الأربعة الذين كانت قريش تأخذ عنهم النسب، مات في آخر حكم معاوية، وقيل : تأخّر إلى أوّل حكم ابن الزبير . ينظر : ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 7، ص 60 - 62 .
(4) الأشتر واسمُه مالك بن الحارث بن عبد يغوث، من مذحج من أصحاب الإمام علي (ع) ، شهد .
(5) ابن خلّكان، وفيات الأعيان : ج 6، ص 105 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 167 ـ

  مكرهَينِ .
  ومن طريق أبي نضرة، قال : كان طلحة يقول : إنّه بايع وهو مكرَهٌ، ومن طريق داود ابن أبي هند، عن الشعبيّ، قال : لمّا قُتل عثمان أتى النّاسُ عليّاً وهو في سوق المدينة، فقالوا له ابسط يدك نبايعك، فقال : حتى يتشاورَ النّاس، فقال بعضُهم : لإنْ رجعَ النّاسُ إلى أمصارهم بقتل عثمان ولم يقُم بعدَه قائم لمَ يؤمن الاختلافُ وفساد الأمّة، فأخذ الأشتر بيدِه فبايعُوه.
  ومِن طريق ابن شهاب، قال : لمّا قُتل عثمان وكان عليٌ، خلا بينهم، فلماّ خشي أنهّم يبايعون طلحة دعا النّاس إلى بيعتِهِ، فلم يعدلوا به طلحة ولا غيره، ثمَ أرسل إلى طلحة والزبير فبايعاه، ومِن طريق ابن شهاب، أنّ طلحة والزبير استأذنا عليّاً في العمرة، ثمَ خرجا إلى مكّة، فلقيا عائشة، فاتفقوا على الطلب بدم عثمان، حتى يقتلوا قتلته، ومن طريق عوفٍ الأعرابيّ استعمل عثمان يعلى بن أميّة (1) على صنعاء، وكان عظيمَ الشأن عنده، فلماّ قتل عثمان، وكان يعلى قدِم حاجّاً، فأعان طلحة والزبر بأربعمائة ألف، وحمل سبعينَ رجلاً من قريش، واشترى لعائشة جملاً يقال له عسكر بثمانين ديناراً.
  ومن طريق عاصم بن كليب عن أبيه، قال : قال عليٌ : أتدرون بمَن بُليتُ، أطوع النّاس في النّاسِ عائشة، وأشدّ النّاس الزبير، وأدهى النّاس طلحة، وأيسر النّاس بيعلى ابن أميّة، ومن طريق ابن أبي ليلى، قال : خرج عليٌ في آخر شهر ربيع الآخر سنة ستٍ

*************************************************
معه الجمل وصفيّن والمشاهد كلّها، ولاّه الإمام عليّ (ع) مصر، فخرج إليها، فلماّ كان بالعريش شرِب شرُبةَ عسلٍ مسمومةٍ فمات . ينظر : ابن سعد، الطبقات الكبرى : ج 6، ص 213 .
(1) يعلى بن أميّة بن أبي عبيدة بن همّام التميميّ، ويقال له يعلى بن مُنية، كان حليفاً لبني نوفل بن عبد مناف، أسلم وشهد مع الرسول (ص) تبوك، عمل لعثمان على صنعاء، وخرج مع عائشة في الجمل، شهِد صفيّن مع الإمام علي (ع) ، وقيل إنّه قُتل فيها . ينظر : ابن سعد الطبقات : ج 5، ص 457 ، ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 6، ص 538 - 539 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 168 ـ

  وثلاثين، ومن طريق محمّد بن عليّ بن أبي طالبٍ، قال : سار عليٌ من المدينة ومعه تسعمائة راكبٍ، فنزلَ بذي قار.
  ومن طريق قيس بن أبي حازم، قال : لمّا أقبلت عائشة فنزلت بعض مياه بني عامر، نبحت عليها الكلاب، فقالت : أيُ ماءٍ هذا ؟، قالوا : الحوْأَب (1) ، بفَتح الحاء المهمَلَة وسكُون الواو، وبعدها همزة، ثمَ موحَدة، قالت : ما أظنُني إلاّ راجعةً، فقال لها بعض مَن كان معها : بل تقدُمين، فيراك المسلمين، فيُصلحُ الله ذات بينهم، فقالت : إنّ النبيّ (ص) قالَ لنا ذات يوم : (كيفَ بإحداكنّ تنبحُ عليها كِلابُ الحوْأَب) (2) .
  (لمّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة، ذكر عمر بن شبَة بسندٍ جيّدٍ أنهّم توجّهوا مِن مكّة بعد أن أهلّت السّنة، وذكر بسندٍ له آخر أنّ الوقعة بينهم كانت في النصف من جمادي الآخر سنة ستٍ وثلاثين) (3) .
  (وذكر عمر بن شبَة عن المدائنيّ، عن أبي مخنف، عن جابر، عن الشعبيّ، قال : لمّا خرج طلحة والزبير كتبت أمُ الفضل (4) بنت الحارث إلى عليٍ بخروجهم، فقال عليٌ :

*************************************************
(1) الحَوْأَب : موضعُ بئرٍ نبحت كلابُه على عائشة عند مقبلها إلى البصرة . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 3، ص 191 ، وجاء أنّ عائشة قالت : (رُدّوني رُدّوني) ، وعزمت على الرجوع فأتاها عبد الله بن الزبير، فقال (كذب مَن زعم أنّ هذا الماء الحوأب، وجاء بخمسينَ من بني عامر، فشهدوا وحلفوا على صدق عبد الله، وجعلوا لهم جعلاً، وكانت أوّل شهادة زور أقيمت في الإسلام . ينظر : أبو جعفر، الإسكافيّ، المعيار والموازنة (تحقيق : الشيخ محمّد باقر المحمودي ط 1 - 1981) : ص 55 .
(2) ابن حَجَر العسقلاني، فتح الباري : ج 13 ، ص 45 .
(3) ابن حَجَر العسقلاني، فتح الباري : ج 13 ، ص 47 .
(4) أمُ الفضل بنت الحارث، وهي لُبابة الكبرى ابنة الحارث بن حزن بن البجير من بني قيس بن عيلان، أسلمت في مكّة وكان الرسول (ص) يزورها في بيتها، وأختها ميمونة زوجة الرسول (ص) ، تزوّج أمّ .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 169 ـ

  العجب لطلحة والزبير، إنّ اللهَ عزَ وجلَ لمّا قُبِضَ رسولُه (ص) ، قلنا : نحنُ أهلُه وأولياؤه لا ينازعنا سلطانه أحدٌ، فأبى علينا قومنا فوَلَوا غيرنا، وأيمُ الله، لولا مخافةُ الفُرقة وأن يعودَ الكفر ويبورَ الدّين لغيرنا، فصرنا على بعض الألم، ثمَ لم نرَ بحمدِ اللهِ إلاّ خيراً، ثمَ وثَبَ النّاس على عثمان فقتلُوه، ثمَ بايعوني، ولم أستكره أحداً، وبايعني طلحةُ والزبيرُ، ولم يصبرِا شهراً كاملاً حتى خرجا إلى العراق ناكثيَنِ، اللَهُمَ فخُذهما بفتنتهما للمسلمين) (1) .

خبرُ تخاذل أبي موسى الاشعري

  (ذكر عمر بن شبَة والبطريّ سبب ذلك بسندهما إلى ابن أبي ليلى، قال : كان عليّ أقرّ أبا موسى على إِمرَة الكوفة، فلماّ خرج من المدينة أرسل هاشم بن عقبة بن أبي وقّاص (2) إليه أن أنهِض مَن قِبَلَك مِن المسلمين، وكُن مِن أعواني على الحقّ، فاستشار أبو موسى السائب بن مالك الأشعريّ (3) ، فقال : اتبع ما أمركَ به، قال : إني لا أرى ذلك، وأخذَ في تخذيل النّاس عن النهوض، فكتب هاشم إلى عليٍ (ع) بذلك ، وبعَثَ بكتابه مع محلِّ

*************************************************
الفضل العبّاس بن عبد المطلّب، فولدت له الفضل وعبد الله ومعبد وقثم وعبد الرحمن ،هاجرت إلى المدينة بعد إسلام العبّاس . ينظر : ابن سعد، الطبقات : ج 8، ص 277 - 278 .
(1) ابن عبد البر النُميَرْيّ، الاستيعاب : ج 2، ص 497 - 498 ، ابن العديم، بغية الطلب : ج 8 ، ص 3671 - 3672 .
0 (2) هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص الزهريّ، ابن أخي سعد بن أبي وقاص، كانت راية الإمام عليٍ (ع) يوم صفيّن مع هاشم بن عتبة، المعروف بالمِرقال ، أنّه كان يرقل بالحرب، أي يسُرع مِنَ الإرقال، وهو ضربٌ من العَدْو، أسلم يوم الفتح، وشارك بالقادسيّة، وشهد اليرموك فذهبت عينُه . ينظر : الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 3، ص 486 ، ابن حَجَر العسقلاني، الإصابة : ج 6، ص 404 - 405 .
(3) السائب بن مالك الأشعريّ، وفد إلى الرسول (ص) ، وأسلم وهاجر إلى الكوفة، وأقام بها . ينظر : النمازيّ الشاهروديّ، مستدركات علم رجال الحديث : ج 1، ص 466 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 170 ـ

  ابن خليفة (1) الطائيّ، فبعث عليٌ عمار بن ياسر والحسن بن عليّ يستنفران النّاس، وأمّر قرظة بن كعب (2) على الكوفة، فلما قُرِئ كتابُه على أبي موسى اعتزل، ودخل الحسنُ وعمارٌ المسجد ... ، ووقعَ في رواية ابن أبي ليلى في القصّة المذكورة، فقال الحسنُ :
  إنّ عليّاً يقول : أُذكّر اللهَ رجلاً رعى لله حقّاً إلاّ نفر، فإن كنتُ مظلوماً أعانَني، وإن كنتُ ظالماً أخذَلَني، واللهِ إنّ طلحة والزبير أَوّل مَن بايعني، ثمّ نكثا، ولم أستأثر بمالٍ، ولا بدّلتُ حكماً، قال : فخرج إليه اثنا عشرَ ألفَ رجلٍ) (3) .

خبرُ ضرب والي البصرة عثمان بن حنيف وحبسه (4)

  (حدّثنا عمر بن شبَة، قال : حدّثنا أبو الحسن عن أبي مخنف، عن يوسف بن يزيد، عن سهل بن سعد، قال : لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان (5) إلى عائشة يستشيرونها في أمره، قالت : اقتلوه، فقالت لها امرأةٌ : نشدتُكِ بالله يا أمَ المؤمنين في عثمان

*************************************************
(1) محلّ بن خليفة الطائي الكوفي، صدوقٌ ثِقةٌ، ينظر ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل : ج 8، ص 413 .
(2) قرظة بن كعب الأنصاريّ، أحد بني الحارث بن الخزرج، حليف لبني عبد الاشهل من الأوس ،ويكنى أبا عمرو، نزل الكوفة وابتنى بها داراً، ومات في خلافة الإمام عليٍ (ع) ، وصلّى عليه . ابن سعد، الطبقات : ج 6، ص 17 .
(3) ابن حَجَر العسقاي، فتح الباري: ج 13 ، ص 48 - 49 .
(4) أبو عبد الله عثمان بن حنيف بن واهب الأنصاريّ، أخو سهل بن حنيف، كان عامل عمر على العراق، تولّى البصرة في خلافة الإمام عليٍ (ع) فلم يزل عليها حتى قدِم عليه طلحة والزبير، فقاتلهما، ودخلوا عليه، فنتفُوا لحيتَه وجفونَ عينيه، وسجنوه، وأخذوا بيت المال، توفي بالمدينة في أيّام معاوية . ينظر : ابن حِبّان البستيّ، مشاهير علماء الأمصار : ص 49 ، الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 2، ص 320 - 322 .
(5) أبان بن عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن أميّة، وأمّه أمّ عَمْرو بنت جندب السّدوسيّة، استعمله عبد الملك على المدينة سبع سنين ثمّ عزله، أصابه فالج قبل أن يموت بسنة، وتوفي في خلافة يزيد ابن عبد الملك، ابن سعد الطبقات : ج 5، ص 151 - 153 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 171 ـ

  وصحبته لرسول الله (ص) قالت : ردّوا أباناً، فردّوه، فقالت : احبسُوه ولا تقتلُوه، قال : (لو علمتُ أنّك تدعينني لهذا لم أرجِع، فقال لهم جاشع بن مسعود : اضربُوه وانتفُوا شعر لحيتِهِ، فضربُوه أربعينَ سوطاً، ونتفُوا لحيتَه ورأسَه وحاجبَيه وأشفَارَ عينَيه، وحبسُوه) (1) .

خبرُ كتاب عائشة الى زيد بن صوحان

  (حدّثني عمر بن شبَة، قال : حدّثنا أبو الحسن، قال : حدّثنا أبو مخنف عن مجالد بن سعيد، قال : لما قدمت عائشة البصرة، كتبَت إلى زيد بن صوحان : مِن عائشة بنت أبي بكر أمّ المؤمنين حبيبة رسول الله (ص) ، إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان ،أمّا بعدُ، فإذا أتاك كتابيِ هذا فاقدِم فانصرنا على أمرنا هذا، فإنْ لم تفعل فخذل النّاس عن عليٍ .
  فكتب إليها : من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبي بكر الصديق حبيبة رسول الله (ص) أمّا بعدُ، فأنا ابنُك الخالص إن اعتزلتِ هذا الأمر ورجعتِ إلى بيتك وإلاّ فأنا أوّلُ مَن نابذك، قال زيد بن صوحان : رحِم اللهُ أمَ المؤمنين أُمِرَت أن تلزَم بيتها (2) وأُمِرنا أن نقاتل، فتركَتْ ما أُمِرَتْ به وأمَرَتنا به، وصنعتْ ما أُمِرنا به ونهتنا عنه) (3) .

*************************************************
(1) الطبريّ، تاريخ : ج 3، ص 485 .
(2) إذْ ورد في القرآن الكريم خطاباً لنساء النبيّ (ص) في قوله تعالى : {يَا نِسَاءَ النَبِيِ لَسْتُنَ كَأَحَدٍ مِنَ النِسَاءِ إِنِ اتَقَيْتُنَ فَلاَ تخَْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَذِي فيِ قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فيِ بُيُوتِكُنَ} سورة الأحزاب / 32 - 33 .
(3) الطبريّ، تاريخ : ج 3، ص 492 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 172 ـ

خبرُ كتاب عائشة الى أبي بكرة

  (وأخرج عمر بن شبَة من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن، أنّ عائشة أرسلت إلى أبي بكرة، فقال : إنّك لأمٌ، وإنّ حقَك لَعظيمٌ، ولكن سمعتُ رسول الله (ص) يقول : لَن يُفلِحَ قومٌ تملِكُهُم امرأةٌ (1) ) (2) .

خبرُ نزول الإمام عليٍ (ع) الزّاوية (3) من البصرة

  (حدّثني عمر بن شبَة، قال : حدّثنا أبو الحسن عن مسلمة بن محارب، عن قتادة قال : نزل عليٌ الزّاوية، وأقام أيّاماً، فأرسل إليه الأحنفُ (4) : إن شئتَ أتيتُك، وإن شئتَ كففتُ عنك أربعة آلاف سيف، فأرسل إليه عليٌ كيف بما أعطيتَ أصحابَك من الاعتزال، قال : إنَ مِنَ الوفاء للهِ عزَ وجلَ قتالهم، فأرسَل، كُفَ مَن قدرتَ على كَفه، ثمَ سار عليٌ مِن الزاوية، وسار طلحة والزبير وعائشة من الفُرضة (5) ، فالتقَوا عند موضع قصر عبيد الله، أو عبد الله بن زياد، فلماّ نزل النّاس أرسل شقيق بن ثور (6) إلى عَمْرو بن

*************************************************
(1) حديث (لَن يُفلِحَ قومٌ تملِكُهُم امرأةٌ) أخرجه الإمام أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل (دار صادر، بيروت - د. ت) : ج 5، ص 51 ، وينظر : ابن حِبّان البستيّ، صحيح ابن حِبّان (تحقيق : شعيب الأرنؤوط، ط 2، مؤسّسة الرسالة، 1993 ) : ج 10 ، ص 375 .
(2) ابن حَجَر العسقلاني، فتح الباري : ج 13 ، ص 46 .
(3) الزاوية موضع قرب البصرة . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 4، ص 466 .
(4) الأحنف بن قيس، واسمُه الضحّاك بن قيس بن معاوية من بني زيد مناة بن تميم، ولدته أمُه وهو أحنف يكنى أبا بحر، وفد على مصعب بن الزبير بالكوفة، فتوفي هناك . ينظر : ابن سعد، الطبقات الكبرى : ج 7، ص 93 ، 97 .
(5) الفُرضة قرية بالبحرين لبني عامر بن الحارث بن عبد القيس . ياقوت الحمويّ، معجم البلدان : ج 6، ص 427 .
(6) شقيق بن ثور السّدوسيّ، أبو الفضل من أصحاب عثمان بن عفّان، مات سنة 64 هـ . ابن حِبّان البستيّ، مشاهير علماء الأمصار : ص 148 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 173 ـ

  مرحوم العبديّ (1) أن أخرُج فإذا خرجتَ فمِل بنا إلى عسكر عليٍ، فخرجا في عبد القَيس وبكر بن وائل، فعدلُوا إلى عسكرِ أميرِ المؤمنينَ، فقالَ النّاسُ : مَن كانَ هؤلاء النّاس معه غلب، ودفع شقيق بن ثور رايتَهم إلى مولىً له يقال له رشراشة (2) ، فأرسل إليه وعلة ابن محدوج الذهليّ (3) : ضاعت الأحساب، دفعت مكرمة قومك إلى رشراشة !، فأرسل شقيق أن أغْنِ شأنك فإنّا نُغني شأننا، فأقامُوا ثلاثةَ أيّامٍ لم يكن بينهم قتال، يُرسِلُ إليهم عليٌ ويكلمُهُم ويردَعُهُم) (4) .
  (حدّثنا عمر، قال : حدّثنا أبو بكر الهذليّ عن قتادة، قال : سار عليٌ من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة، وساروا مِنَ الفُرضة يريدون عليّاً، فالتقَوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة ( 36 هـ ) يوم الخميس، فلماّ تراءى الجمعان خرج الزبير على فرسٍ عليه سلاح، فقيل لعليٍ : هذا الزبير، قال : أما إنّه أحرى الرّجلينِ إن ذِّكر بالله أن يذكُر، وخرج طلحة فخرج إليهما عليٌ، فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهّم، فقال عليٌ : لَعمري لقد أعددتمُا سلاحاً وخيلاً ورجالاً، إن كنتما أعددتمُا عند اللهِ عُذراً، فاتّقيا اللهَ سبحانه، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً، ألم أكُن أخاكمُا في دينِكمُا، تحرّمان دمي وأحرّم دماءكما ؟ فهل مِن حدثٍ أحلَ لكما دمي ؟ قال طلحة : ألّبت النّاس على عثمان ، قال عليٌ : {يَوْمَئِذٍ يُوَفِيهِمُ اللَهُ دِينَهُمُ الحَقَ وَيَعْلَمُونَ أَنَ اللَهَ هُوَ الحَقُ المُبِنُ} (5) ، يا طلحة تطلب بدم عثمان ؟

*************************************************
(1) عَمْرو بن مرحوم العبديّ من أصحاب الإمام عليٍ (ع) . ينظر : التفرشي، نقد الرجال (ط 1 مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، قم - 1418 هـ) : ج 3، ص 342 .
(2) لم أعثر على ترجمته .
(3) وعلة بن محدوج الذهليّ كان على بكر وتغلب في موقعة الجمل . ابن الأثير، الكامل : ج 3، ص 232 .
(4) الطبريّ، تاريخ : ج 3، ص 513 .
(5) سورة النور، الآية / 25 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 174 ـ

  فلعن اللهُ قَتَلَةَ عثمان، يا زبير أتذكر يوم مررتَ مع رسول الله (ص) في بني غُنم، فنظَر إليّ فضحك وضحكتُ إليه، فقلتَ : لا يدعُ ابنُ أبي طالبٍ زهوَه، فقال لك رسول الله (ص) : (صَه (1) إنّه ليس به زهوٌ، ولَتقاتلَنّه وأنتَ له ظالمٌ) ، فقال : اللَهُمّ نعم، ولو ذكرتُ ما سرتُ مسيري هذا، واللهِ لا أقاتلُكَ أبداً، فانصرف عليٌ إلى أصحابه، فقال : أمّا الزبير فقد أعطى اللهَ عهداً ألا يقاتلَكم، ورجع الزبير إلى عائشة، فقال لها : ما كنتُ في موطنٍ منذ عقلتُ إلاّ وأنا أعرف فيه أمري، غير موطني هذا، قالت : فما تريد أن تصنع، قال : أريد أن أدعهم وأذهب، فقال له ابنه عبد الله : جمعت بن هذين الغارَينِ حتى إذا حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب، أحسست رايات ابن أبي طالب وعلِمت أنهّا تحمِلُها فتيةٌ أنجاد، قال : إنيّ قد حلفتُ ألاّ أقاتلَه وأحفَظَه ما قال له، فقال : كفِّر عن يمينك وقاتله، فدعا بغلامٍ له يقال له مكحول فأعتقه، فقال عبد الرحّمن بن سليمان التميميّ :
لـم  أرَ كاليومِ أخا iiإخوانِ      أعـجب من مكفِّر iiالأيمْانِ
بالعتق في معصيةِ الرَحمنِ
  وقال رجلٌ من شعرائهم :
يُـعتِقُ مـكحولاً لصون iiدينِه      كـفّـارةً  لـلهِ عـن يـمينه
والنكثُ قد لاح عل جبينه (2)
  (حدّثني عمر بن شبَة، قال : حدّثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم، عن قطر بن خليفة، عن منذر الثوريّ، عن محمّد بن الحنفية، قال : أقبلنا من المدينة بسبعمائة رجل، وخرج إلينا من الكوفة سبعة آلاف، وانضمّ إلينا مِن حولنا ألفان، أكثرُهم بكر بن وائل،

*************************************************
(1) صه ومه اسمان لاسكت واكفُف . ينظر : ابن منظور، لسان العرب : ج 1، ص 189 .
(2) الطبريّ، تاريخ : ج 3، ص 413 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 175 ـ

  ويقال ستّة آلاف) (1) .

أخبارُ وقائع معركة الجمل

  حدّثني عمر بن شبَة، قال : حدّثنا أبو الحسن، قال : حدّثنا بشير بن عاصم بن الحجَاج بن أرطأة، عن عماّر بن معاوية الذهبيّ حي من أحمس بَجيلة، قال : أخذ عليٌ مصحفاً يوم الجمل فطاف به في أصحابه، وقال : مَن يأخذُ هذا المصحفَ يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتولٌ، فقام إليه فتىً من أهل الكوفة عليه قباء (2) أبيض محشو، فقال : أنا، فأعرض عنه، ثمّ قال : مَن يأخذ هذا المصحفَ يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتولٌ، فقال الفتى : أنا، فأعرض عنه، ثمَ قال : مَن يأخذُ هذا المصحفَ يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتولٌ، فقال الفتى : أنا، فدفعه إليه، فدعاهم، فقطعُوا يده اليمنى، فأخذه بيده اليسرى، فدعاهم، فقطعُوا يده اليسرى، فأخذه والدماء تسيلُ على قبائه، فقُتل رضي الله عنه فقال عليٌ : الآن حلَ قتالهم، فقالت أُمّ الفتى بعد ذلك فيما ترثي :
لا هُــمَ إنَ مـسلماً iiدعـاهمُ      يـتلو كـتابَ اللهِ لا iiيـخشاهُمُ
وأُمُـهـم  قـائـمةٌ تـراهُـمُ      يـأتمرونَ  الـغيَ لا iiتـنهاهُمُ
قد خُضّبت مِن عَلَقٍ لحاهُمُ (3)
  (حدّثني عمر، قال : حدّثنا أبو الحسن، قال : حدّثنا أبو مخنف عن جابر، عن الشعبيّ، قال : حملت ميمنة أمير المؤمنين على ميسرة أهل البصرة فاقتتلوا، ولاذ النّاس بعائشة أكثرهم ضبّة والأزد، وكان قتالهُم من ارتفاع النهار إلى قريب من العصر، ويقال إلى أن زالت الشّمس، ثمّ انهزموا، فنادى رجلٌ مِن الأزد : كُرّوا، فضربه


*************************************************
(1) الطبريّ، المصدر نفسه : ج 3، ص 517 .
(2) القباء حشو : يتخذ للحرب . الجوهريّ، الصحاح : ج 5، ص 2009 .
(3) الطبريّ، تاريخ : ج 3، ص 521 - 522 .