وأوردَ أخباراً عن ثورة الإمام الحسين (ع) (1) ، وربمّا كان قد أورد ذلك ضمن كتابه في أخبار الكوفة المفقود .
  وبذلك نصبح أمام رأيين لا ثالث لهما، فأمّا أن يكونَ على مذهب أهل السُنّة، أو أنّه كان شيعيّاً يخُفي مذهبَه في التشيُع، وإن كان على مذهب أهل السُنّة فإنَه برغم ذلك كان محبَاً للإمامِ عليّ بن أبي طالب (ع) وموالياً لآل بيت رسول الله (ص) ، وإنّه كان موضوعيّاً أميناً في نقل الأخبار الخاصّةِ بهم .

*************************************************
(1) ينظر أبو مخنف : مقتل الحسين (ع) (تحقيق : حسين الغفاريّ، المطبعة العلميّة، قم - د. ت) : ص 28 ، ابن عساكر : ترجمة الإمام الحسين (ع) ، (تحقيق : الشيخ محمّد باقر المحموديّ، قم - 1414 ) : ص 272 ، 299.

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 26 ـ

المبحثُ الثالثُ : تلاميذُهُ


  كان لارتقاء مكانة عمر بن شبَة النُمَيرْيّ العلميّة أن أصبحَ مقصداً للعديد من طلبة العلم الذين واكبوا حضور مجالسه وملازمة حلقات درسه في صنوف العلوم التي برع فيها كافّة، وقد ظلَ عمر بن شبَة مضيئاً مِعطاءً حتى أواخر حياته، فقد روى الخطيبُ البغداديّ أنّ تلامذته كانوا يحرصون كلَ الحرص على القدوم إليه في منزله للسمّاعِ والروايةِ عنه، وهو شيخٌ كبيرٌ قد تجاوز الثمانين مِن عمره، لا يقوى على الخروج من منزلِه (1)
  وبحقٍ نقول : إنَ عمر بن شبَة النُميَرْيّ كان مدرسةً تخرّج منها عدد كبير من كبار العلماء المسلمين الذين ذاع صيتُهم، وعلت منزلتُهم، وحسُنت سمعتُهم العلميّة، نذكر منهم على سبيل المثال :
  1 ـ ابن ماجة، أبو عبد الله محمّد بن يزيد بن ماجة الربعيّ القزوينيّ (ت 273 هـ - 886 م) ، الحافظُ الكبير، والمفسرُ والمحدث، له معرفة وحفظ، من أهل قزوين، ورحل إلى العراق (2) ، وذُكر أنّ ابن ماجة حدَث عن عُمر بن شبَة بحديثين (3) .
  2 ـ أبو حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر الرازيّ (ت 277 هـ - 890 م) ، أحد الأئمة

*************************************************
(1) ينظر : تاريخ بغداد : ج 11 ، ص 209 .
(2) الذهبيّ، تذكرة الحفّاظ : ج 2، ص 636 .
(3) الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 12 ، ص 370.

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 27 ـ

  الحفّاظ الأثبات، مشهورٌ بالعلم مذكورٌ بالفضل، ثبْتٌ (1) ، وقد أكّد ابن أبي حاتم رواية أبيه عن عمر بن شبَة النُميَرْيّ (2) .
  3 ـ أبو بكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذريّ البغداديّ الكاتب (ت 279 هـ - 892 م) ، كان كاتباً بارعاً، وشاعراً، وراويةً للأخبار، أحد البُلغاء، وُصف بأنّه كان ثقةً مأموناً (3) .
  4 ـ ابن أبي الدنيا أبي بكر بن عبد الله بن محمّد بن عبيد القرشيّ، مولاهم البغداديّ المؤدب (ت 281 هـ - 894 م) ، صاحب التصانيف المشهورة، كان ثقةً صدوقاً (4)
  5 ـ ثعلب، أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زيد الشيبانيّ (ت 291هـ - 903 م) ، إمام الكوفييّن في النّحو واللُغة، ثقةٌ، حُجّةٌ، دَيناً، صاحاً، مشهوراً بالحِفظ وصِدق اللَهجة والمعرفة بالغريب ورواية الشّعر القديم، عاش في بغداد وتوفيّ بها (5) .
  6 ـ أبو شعيب عبد الله بن الحسين بن أحمد الأمويّ الحرّاي المؤدب (ت 295 هـ - 907 م) ،استوطن بغداد وحدَث بها حتى وفاته، قيل عنه : (ثقةٌ مأمونٌ) (6) .
  7 ـ أبو نعيم عبد الملك بن محمّد بن عدي الجرجانيّ (ت 310 هـ - 922 م) ، قيل عنه : (أحد الأئمّة المسلمين، ومن الحفّاظ لشرائع الدّين مع صدقٍ وتورّعٍ وضبطٍ وتيقّظٍ، قدم بغداد وحدَث بها حتى وفاته) (7) .

*************************************************
(1) ينظر : الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 2، ص 70 ، 73 ، 74 .
(2) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل : ج 6، ص 116 ، الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 12 ، ص 370 ، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب : ج 7، ص 405.
(3) الذهبيّ، تاريخ الإسلام : ج 13 ، ص 162 .
(4) الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 13 ، ص 397 .
(5) الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 5، ص 414 ، 421 ، الذهبيّ، تذكرة الحفّاظ : ج 2، ص 666.
(6) الخطيب البغداديّ، المصدر نفسه : ج 9، ص 441 - 443 .
(7) الخطيب البغداديّ، المصدر نفسه : ج 10 ، ص 427 - 428 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 28 ـ

  8 ـ أبو القاسم عبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغويّ (ت 317 هـ - 929 م) ، الحافظ الكبير، كان ثقةً ثبْتاً فَهِماً عارفاً (1) .
  9 ـ أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسّان التنوخيّ (ت 317 هـ - 929 م) ، من أهل الأخبار عاش في بغداد وحدّث بها، كان ثقةً مأموناً، جيّد الضّبط، عظيمَ القدر، وحسن الفصاحة، تولّى قضاء مدينة المنصور عشرين عاماً (2) .
  10 ـ أبو محمّد يحيى بن محمّد بن صاعد البغداديّ مولى المنصور (ت 318 هـ - 930 م) ، الإمام الحافظ، محدث العراق، عالم بالعلل والرجال، فاقَ أهلَ زمانه في الحفظ (3) .
  11 ـ أبو علي إسماعيل بن العبّاس بن عمر الورّاق (ت 323 هـ - 934 م) ، محدثٌ نَقَلَ الخطيبُ البغداديُ توثيقَه، وذكر أنّه مّن سمع من عمر بن شبَة (4) .
  12 ـ أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ (ت 323 هـ - 934 م) ، عالم محدث كثير الأدب، ثقةٌ، ورعٌ، أثنى عليه المحدثون (5) .
  13 ـ ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمّد بن إدريس الرازيّ (ت 327 هـ - 938 م) ، قال عنه الذهبي : (الحافظ الثبْت، ابن الحافظ الثبْت، ... مع علوَ الرواية ومعرفة الفن) (6) ،

*************************************************
(1) ابن النديم، الفهرست : ص 288 - 289 ، الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 10 ، ص 110 - 111 .
(2) الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 4، ص 250 - 251 .
(3) الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 14 ، ص 501 .
(4) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد : ج 6، ص 297 .
(5) الطوسي : الفهرست (تحقيق : الشيخ جواد القيّومي، (ط 1، مؤسّسة النشر الإسلامي – 1417) ، ص 83 ، القمّي، عباس : الكنى والألقاب : ج 2، ص 163 .
(6) الذهبيّ : ميزان العتدال : ج 2، ص 587 .


اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 29 ـ

  سمع هو وأبوه عن عمر بن شبَة وكتبا عنه (1) .
  14 ـ علي بن عيسى بن داود بن الجرّاح الوزير (ت 334 هـ - 945 م) ، وزَر للمقتدر ثلاث مرّات، كان بمنزلةٍ من الرياسة يجلُ وصفُها، عالماً فَهِماً، صاحبَ تصانيف (2) .
  15 ـ أبو العبّاس محمّد بن أحمد بن حمَاد بن الأثرم (ت 336 هـ - 947 م) ، مقرئ ومحدث ثقة، ولد في سامراء عام (240 هـ - 854 م) ، وانتقل للبصرة وسكنها حتى مات بها (3) .
  وعددٌ آخرُ غيرهم (4) .

*************************************************
(1) ابن أبي حاتم، ابجرح والتعديل : ج 6، ص 116 ، الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 12 ، ص 370 ، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب : ج 7، ص 405 .
(2) ابن النديم، الفهرست : ص 142 .
(3) الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 1، ص 279 - 280 .
(4) الخطيب البغداديّ، المصدر نفسه : ج 11 ، ص 208 ، المزيّ، تهذيب الكمال : ج 21 ، ص 389 - 390 ، الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 12 ، ص 370 ، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب التهذيب : ج 7 ، ص 405 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 30 ـ

المبحثُ الرابعُ : صلتُهُ برجالِ الدولةِ العبّاسيةُ

  لم يكن عمر بن شبَة النُمَيرْيّ من رجالات السّلطة العبّاسية أو من المقرّبين لمجالسهم، وإذا صحّ القول بأنّه قدم بغداد في عهد المأمون فلم يرد ما يشر إلى أنّه كان معروفاً لديه، أو لدى المعتصم، وخلال عهد الواثق (227 - 232 هـ / 841 - 846 م) تعرّض عمر بن شبَة إلى محنةٍ أليمةٍ، فقد امتُحن عام (231 هـ - 845 م) في سامراء فأصر على القول بأنََ (القرآن كلام الله ليس بمخلوق) ، وبناءً على ذلك تمَ تكفيره، فقالوا له : (أنت كافر) ، فلزِم بيته، وحلَف أن لا يحدثَ شهراً، وقد عبرّ عن محنته تلك بقصيدةٍ قال فيها (1) :
لـمّا رأيـتُ الـعِلمَ ولـىّ iiودَثَر      وقـام بـالجهل خـطيبٌ iiفـهمر
لـزمتُ بـيتي مـعلناً iiومـستتر      مـخاطباً خـير الورى لمن iiغبر
أعني النبيَ المصطفى على البشر      والـثاني الـصدّيق والتالي iiعمر
ومَـن أردت مـن مصابيح iiزُهَر      مـثلِ  الـنجومِ قد أطافت iiبالقمر
فـأنا  فـيهم فـي رياض iiوغدر      وفي  عظاتٍ جمّةٍ وفي عبر ii(2)
فــإن أردت عـالِمينَ iiبـالخبر      رواةَ أشـعـارٍ قـديماتٍ iiغُـرر
ومـن  أحـاديثِ الملوك iiوالسَمر      فـهم  حـوالَيَ كـنوز في iiالزبر

*************************************************
(1) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد : ج 11 ، ص 209 - 210 .
(2) هكذا في الأصل، وفي صدر هذا البيت اضطرابٌ في الوزن (الناشر) .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 31 ـ

آخــذ مـن هـذا وهـذا iiوأذر      أحوي الذي يصفُو وأرمي ما كدَر
فـذاك أولـى من مقاماتٍ iiالحُمر      مـن الـطُغام والـرُعاع والنشر
أهـؤاؤهم  شتّى المجال والصدر      مـختلفين  فـي الـقرآن iiوالقدر
إن  خـولفوا قـالوا تردّى iiوكفر      وكـان  أصحاب الحديث iiوالأثر
أحـجم قـومٌ عـن سُبابٍ iiوهتَر      فأصبحوا فُوضى الشهادات iiالكُبر
بـالكفر سحَاً مثلَ تَسكاب iiالمطر      فـالحمدُ  لـلَهِ الـعلي iiالـمقتدر
حـمدَ مُـقِرٍ لا بـشيء iiيـعتذر      لا بـل بـتقصيرٍ وتـفريطٍ iiمُقِر
  ففي الأبيات أعلاه صوَر عمر بن شبَة حاله عند وقوع محنة خلق القرآن، حيث سيطر الجهل وولىّ العلم ، لذلك فإنَه انكبَ على العلم يأخذ من هذا ويحوي الصّافي ويرمي الشائب، أفضل له من إرضاء السّلطة العبّاسية ومن سار على نهجها، مِن وصفهم بالطُغام والرعاع، الذينَ رَمَوا كلَ مَن خالفهم بالكفر.
  وعند انتهاء محنة خلق القرآن في سنة (234 هـ - 848 م) بأمر المتوكّل (حيث نهى عن القول بخلق القرآن وأطلق من كان بالسجون وكتب إلى الآفاق كتاباً ينهى عن المناظرة والجدل، فأمسك النّاس عنها) (1) ، وجاء أن المتوكّل أظهر الميل إلى السُنّة، ورفع المحنة، واستقدم المحدثين إلى سامراء (2) ، لم نجد أيَ ذكرٍ أو دورٍ لعمر بن شبَة، إذْ لم يصبح مِن المقرّبين للمتوكل أو لغيره من الخلفاء، أي لم يكن عمر بن شبَة من المقرّبين من حكّام بني العبّاس.
  ويبدو أنّ ابن شبَة كان يرتبط بصلةٍ ببعض رجال الدولة من الوزراء أو الكتّاب

*************************************************
(1) اليعقويّ، تاريخ اليعقويّ : ج 2، ص 484 - 485 .
(2) السيوطيّ، تاريخ الخلفاء (تحقيق : محمّد محيي الدين عبد الحميد، ط 1، مطبعة السعادة، مصر - 1952) : ج 1 ، ص 346.

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 32 ـ

  الذين شُغفوا بالعلم، وعُدُوا من العلماء أيضاً، أمثال الحسن بن مخلّد كاتب ضِياع المتوكل، ويظهر أنَ علاقته به قد ساءت إلا أنّ ابن شبَة كان وفيّاً شكوراً لما قدَمه إليه من أفضال ونعم، كما ورد ذلك في بيتين من الشعر قالها في الحسن بن مخلّد (1) :
ضاعت لديك حقوقٌ واستهنت بها      والـحُرُ  يـألم من هذا ويمتعضُ
إنـيّ  سـأشكر نُعمى منك سالفةً      وإن تـخوَها مِـن حادثٍ عرضُ
  وارتبط عمر بن شبَة بعلاقةٍ طيّبةٍ مع عبد الرحيم بن جعفر بن سليمان بن علي ابن عبد الله بن عبّاس، وهو من الرؤساء الأجلاّء، أديبٌ شاعرٌ، وُصف بأنّه (شريفُ الأخلاق نجيبٌ فصيحٌ) ، تولّى ولاية اليمن من قبل المعتصم، وأقرّه عليها الواثق، ثمّ عزله فأشخصه إلى العراق، وحبسه وطالبه بأموال حتى مات في الحبس عام (229 هـ - 843 م) (2) ، وقد جاء تأكيد الصّلة الحميمة التي تربطه بعمر بن شبَة في بيتٍ شعريٍ قاله ابن شبَة (3) :
وقـائلةٍ  لـم يـبقَ لـلنّاس iiسيّدٌ      فقلتُ : بلى، عبد الرحيم بن جعفر
  ويظهر من البيت الشعري أنّ ابن شبَة كان يقدر عبد الرحيم بن جعفر، ويبدو أنّ هذا الوصف يعبرّ عن دماثة خلق عبد الرحيم بن جعفر، فإلى جانب شرفه وأخلاقه فإنَه ربما كان يجتمع مع عمر بن شبَة في مجالس الشعر والأدب.
  وكان عمر بن شبَة ذا صلةٍ وثيقةٍ بأبي جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي التنوخيّ، قاضي مدينة المنصور لمدّة عشرين سنة، وهو أحد تلاميذ ابن شبَة كما أسلفنا، وجاء أنهمّا كانا يتبادلان الزيارات، كما أدلى بذلك القاضي التنوخيّ، قائلاً : (كنّا نمضي

*************************************************
(1) ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 465 ، الصفديّ : الوافي بالوفيات : ج 22 ، ص 302 .
(2) الصفديّ، الوافي : ج 18 ، ص 196 .
(3) ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 33 ـ

  إلى عمر بن شبَة ويجيء إلينا) ، إلا أنّ ابن شبَة توقّف عن زيارته في أواخر عمره لكبر سِنّه، فأصبح القاضي التنوخيُ يزوره في داره بنفسه، حتى أنّه عاتب ابن شبَة على الانقطاع عن زيارته فأنشد ابن شبَة قائلاً (1) :
أشُـدُ  مـن نفSي وما iiتشتدُ      وقد مضت ثمانون لي تعدُ (2)
أيّــام تـترى ولـيالٍ iiبـعدُ      كــأنَ أيّـام الـحياة iiتـعدُو
  فكان اعتذار عمر بن شبَة عن زيارة القاضي التنوخي كونه قد تجاوز الثمانين من العمر، وقد شاخ وضعفت قواه عن الخروج والحركة.
  وروي أنّ أبا الحسن عليّ بن عيسى بن داود بن الجرّاح الوزير كان هو الآخر أحد تلامذة عمر بن شبَة - كما مرَ بنا - بما يشير إلى أنّه ارتبط بعلاقةٍ طيّبةٍ مع رجال الدولة الذين وُصفوا بالعِلم، وممّن كان لديهم اهتمامٌ بالعلم، ورعاية لرجالِه بعيداً عن السُلطة، وما يلحق ذلك من مصالح أو منافع ماديّة.

*************************************************
(1) الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 11 ، ص 209 .
(2) هكذا في الأصل، وفي عجز البيت الأوّل اضطرابٌ في الوزن. ولعلَ الأصوب : ولي ثمانونَ مَضَتْ تُعَدُ .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 34 ـ

المبحثُ الخامس : وفاتُه وآثارُه العلميّة

  أولاً : وفاتُهُ

  توفيّ عمر بن شبَة النُميَرْيّ في مدينة سامراء يوم الاثنين لخمسٍ بقين من جمادى الآخرة عام (262 هـ - 875 م) ، عن عمرٍ ناهز التاسعة والثمانين سنة إلاّ أربعة أيّام (2) ، وقيل : إنّه جاوز التّسعين (1) . ويبدو أنَ سببَ وفاته كِبَرُ سِنه وضعفُ قواه، وربمّا عانى من أمراض الشيخوخة فمات على أثرها، فقد أكّد عمر بن شبَة ضعف قواه إثر تجاوزه الثمانين من العمر حينما قال (3) :
أشُـدُ  مـن نـفسي وما iiتشتدُ      وقد مضت ثمانونَ لي تعد (4)
  ثانياً : آثارُهُ العلميّة

  اشتهر عمر بن شبَة بكثرة وتنوّع مصنّفاته التي بلغت حوالي (21) كتاباً أو أكثر، وكان لكثرة مصنّفاته أن أشاد به العلماء، فقالوا عنه : (له تصانيفُ كثيرةٌ) (5) ، ونُعِتَ

*************************************************
(1) الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 11 ، ص 209 ، المزّيّ، تهذيب الكمال : ج 21 ، ص 390 ، الذهبيّ، سير أعلام : ج 12 ، ص 371.
(2) السمعاني، الأنساب : ج 3، ص 401 ، المزّيّ، تهذيب الكمال : ج 21 ، ص 390 ، الذهبيّ، سير أعلام : ج 12 ، ص 371 ، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب : ج 7، ص 405.
(3) الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 11 ، ص 209 .
(4) مضى تصويب البيت في الهامش (2) من الصفحة السابقة .
(5) الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 11 ، ص 208 ، السمعاني، الأنساب : ج 3، ص 401 ، المزّيّ،

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 35 ـ

  بـ ( صاحب التصانيف ) (1) ، شملت مؤلَفاته مختلف صنوف ومجالات العلوم التي برع فيها، فلديه مصنّفات في الشعر والأدب، وفي السيرَ والتاريخ والنّسب، وربمّا كانت لديه مصنّفاتٌ في الفِقه والحديث والتفسير إلاّ أنّ جميع مصنّفاته تلك لم يصل إلينا منها سوى كتاب (تاريخ المدينة)، أو أجزاء منه، ويمكن تقسيم مؤلَفاته على النحو الآتي :

مؤلّفاته في النحو واللُغة والأدب

  صنّف عمر بن شبَة بمواضيع مختلفة في اللُغة والنحو والأدب، وهي :
  1 ـ كتابُ الاستعانة بالشّعر وما جاء في اللُغات (2) .
  2 ـ كتابُ الاستعظام للنحو ومَن كان يلحن من النحوييّن (3) ، وذكر باسم كتاب (النحو ومَن كانَ يلحن مِن النَحويّين) (4) ، وعدهّما ياقوت الحمويّ (5) كأنهما كتابان، الأوّل بعنوان (الاستعظام) ، والثاني كتاب (النحو ومَن كان يلحن من النحوييّن).
  3 ـ كتابُ أشعار الشراة (6) .
  4 ـ كتابُ الاغاني (7) .

*************************************************
تهذيب الكمال : ج 21 ، ص 390 ، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب : ج 7، ص 405 .
(1) الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 12 ، ص 369 ، تذكرة الحفاظ : ج 2، ص 517 .
(2) ابن النديم، الفهرست : ص 125 ، الصفديّ، الوافي : ج 22 ، ص 302 ، السيوطيّ، بغية الوعاة : ج 2، ص 219 ، كحّالة، رضا، معجم المؤلفين (مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي، بيروت - د . ت) : ج 7، ص 286 .
(3) ابن النديم، الفهرست : ص 125 ، الصفديّ، الوافي : ج 22 ، ص 302.
(4) السيوطيّ، بغية الوعاة : ج 2، ص 219 ، كحّالة، معجم المؤلفين : ج 7، ص 286 .
(5) معجم الأدباء : ج 4، ص 466.
(6) ابن النديم، الفهرست : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466 ، الصفديّ، الوافي : ج 22 ،ص 301 ، البغداديّ، هديّة العارفين : ج 1، ص 780 ، الزركيّ، الأعلام : ج 5 ، ص 48 .
(7) ابن النديم، الفهرست : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466 ، الصفديّ،

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 36 ـ

  5 ـ كتابُ الشعر والشعراء (1)
  6 ـ كتابُ طبقات الشعراء (2)
  7 ـ كتابُ الكتّاب (3)
  8 ـ كتابُ ما يُستعجَم فيه من القرآن (4)

مؤلّفاتُه في النّسب

  1 ـ كتابُ النّسب (5)
  2 ـ كتابُ أخبار بني نُمَيرْ (6)

*************************************************
الوافي : ج 22 ، ص 301 .
(1) ابن النديم الفهرست : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466 ، الصفديّ، الوافي : ج 22 ، ص 301 ، الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 12 ، ص 371 ، السيوطيّ، بغية الوعاة : ج 2، ص 219 ، البغداديّ، هديّة العارفين : ج 1، ص 870 ، الزركيّ، أعلام : ج 5، ص 48.
(2) ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466 ، الصفديّ، الوافي : ج 22 ، ص 301 ، السيوطيّ، بغية الوعاة : ج 2، ص 219.
(3) ابن النديم الفهرست : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466 ، الصفديّ، الوافي : ج 22 ، ص 301 ، البغداديّ، هديّة العارفين : ج 1، ص 870 ، الزركيّ، الأعلام، ج 5 ، ص 48 . وينظر : روايات هذا الكتاب عند الصالحي الشامي : سبل الهدى والرشاد (تحقيق وتعليق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمّد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت - 1993 ) : ج 5، ص 77 ، ج 11 ، ص 393.
(4) ابن النديم، الفهرست : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466 ، الوافي : ج 22 ، ص 302 ، البغداديّ، هديّة العارفين : ج 1، ص 870.
(5) ابن النديم، الفهرست : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466 ، الصفديّ، الوافي : ج 22 ، ص 301 ، الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 12 ، ص 317 ، البغداديّ، هديّة : ج 1 ، ص 870 ، الزركليّ، الاعلام : ج 5، ص 48.
(6) ابن النديم، المصدر نفسه : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 466 ، الصفديّ، المصدر نفسه : ج 22 ، ص 301 ، البغداديّ، المصدر نفسه : ج 1 ، ص 780 ، الزركليّ، المرجع نفسه :

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 37 ـ

مؤلَفاتُه في التاريخ

  ذُكر لعمر بن شبَة النُميَرْيّ العديد من المصنّفات في مجال التاريخ، ظهر الاتفاق بشأن عناوين عددٍ منها، وهي :
  1 ـ كتابُ أخبار محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن (1) .
  2 ـ كتابُ أخبار المنصور (2) .
  3 ـ كتابُ السّلطان (3) .
  4 ـ كتابُ مقتل عثمان (4) .
  إلا أنّ الاختلاف كان بشأن بعض مؤلَفاته التاريخية الأُخَر، فقد ذكر ابن النديم أنّ لعمر بن شبَة كتاب (أمراء البصرة، أمراء الكوفة، أمراء المدينة، وأمراء مكّة) (5) ، بينما أكّد ياقوت الحمويّ أنّ لابن شبَة كتابَ أمراء المدينة وأمراء مكّة فقط (6) ، وورد الاتفاق

*************************************************
ج 4،ص 48 .
(1) ابن النديم، الفهرست : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466 ، الصفديّ، الوافي : ج 22 ، ص 301 .
(2) ابن النديم، المصدر نفسه : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 466 ، الصفديّ، المصدر نفسه : ج 22 ، ص 301 ، الذهبيّ، سير الأعلام النبلاء : ج 12 ، ص 371 ، البغداديّ، هديّة : ج 1، ص 780 ، الزركلي، ألاعلام : ج 5، ص 48 .
(3) ابن النديم، المصدر نفسه : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 466 ، الصفديّ، المصدر نفسه : ج 22 ، ص 301.
(4) ابن النديم، المصدر نفسه : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، المصدر نفسه : ج 4، ص 466 ، الصفديّ، (5) الفهرست : ص 125 .
(6) معجم الأدباء : ج 4، ص 466 .


اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 38 ـ

  أنّ لعمر بن شبَة (كتاب البصرة، وكتاب الكوفة) (1) ، وانفرد ابن النديم بذكر (كتاب مكّة) لعمر بن شبَة إضافة إلى (كتاب أمراء مكّة) المذكور آنفاً (2) ، وذكر أنّه ألّف أخبار البصرة وأخبار الكوفة، وأخبار مكّة، وأخبار المدينة (3)
  وأغلب الظنّ أنّ عمر بن شبَة كان قد ألّف عن مدينة البصرة كتاباً واحداً، وربمّا تضمّن أخباراً عن أمرائها وقضاها، فضلاً عن أخبارها العامّة، وهذا ما يتّضح مِن خلال استقراء نصوص الروايات التي تمَ جمعُها عن البصرة (4)   ومن خلال الإشارات المختلفة لاسم الكتاب الخاصّ بأخبار البصَرة وضمن نقولاتِ المؤرّخين والأدباء وكُتّاب التراجم والبلدانييّن لم نجد أيّة إشارة عن اسم كتاب أمراء البصرة، على الرغم من إيراد أخبارهم المفصّلة نقلاً عن عمر بن شبَة، وكذا الحال عن الكوفة.
  ويمكن القول : إنّ عمر بن شبَة ألَف كتاباً واحداً عن البصرة وليس كتابين اثنين، وبالنسبة لكتاب مكّة وأمراء مكّة وكتاب أمراء المدينة فإنهّا من المؤلَفات الضائعة، أمّا كتاب أخبار المدينة، أو تاريخ المدينة، فقد وصل ولكن فيه بعض النقص (5) ، وكتاب الكوفة، أو أخبار الكوفة، هو أيضاً من المصنّفات الضائعة، ولم يبقَ سوى بعض النصوص من رواياتِه المتناثرة في بطون الكتب (6) .

*************************************************
(1) ابن النديم، الفهرست : ص 125 ، ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466.
(2) الفهرست : ص 125 .
(3) الذهبيّ، سير أعلام النبلاء : ج 12 ، ص 371 .
(4) ينظر الباب الثاني (نصوص روايات كتاب أخبار البصرة الضائع لعمر بن شبَة النُميَرْيّ) .
(5) عمر بن شبَة النُميَرْيّ، تاريخ المدينة المنورة، مقدّمة المحقّق : ص 14 .
(6) ينظر على سبيل المثال : الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد : ج 7، ص 173 ، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق : ج 9، ص 142 ، ج 12 ،174، ج 59 ، ص 309 ، الخطيب التبريزيّ، الإكمال في أسماء


اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 39 ـ

  1 ـ كتابَا أخبار النهروان وأخبار صفين، أو إنهمّا كتابٌ واحدٌ، وقيل : إنَ لعمر بن شبَة في أخبار النهروان وصفين ديوانٌ كبيرٌ مِن تأمُلِهِ استقاهُ مِن تلكَ الأخبار (1)
  2 ـ كتابُ السّقيفة، ذُكِر أنّ ابن شبَة صنّف كتاباً عن السَقيفة (2) ، ويبدو هناك خلطٌ بينه وبن تلميذه الجوهريّ صاحب كتاب السَقيفة، الذي ذُكِر أنّه صنّفَهُ، بالرواية عن شيخه عمر بن شبَة (3) ، وعلى الرغم من ذلك فلا يُمكن استبعاد تصنيفه كتاباً عن السَقيفة، فقد نُقِلت عنه رواياتٌ بشأن غضب الإمام علي (ع) والزبير بن العوام من مبايعة أبي بكر، وحادثة الهجوم على دار السيّدة فاطمة الزهراء (ع) ، وغير ذلك من الأخبار ذات الصلة بالسَقيفة (4)
  3 ـ كتابُ الصّحابة، وقد صرّح باسمه، ونقل عنه الصالحيُ الشاميُ بقولِه : (وروى عمر بن شبَة في كتاب الصّحابة) (5) ، وأدلى الزبيديّ، قائلاً : (ذكره عمر بن شبَة في الصّحابة) (6) .

*************************************************
الرجال (تحقيق : أبو أسد الله بن الحافظ محمّد عبد الله الأنصاري، مؤسّسة أهل البيت (ع) ، قم المقدسة - د. ت) : ص 6.
(1) ابن عبد البرَ النُميَرْيّ، التمهيد : ج 23 ، ص 335 .
(2) ابن ناصر الدين : توضيح المشتبه : ج 5، ص 289 ، الزركلي، الأعلام : ج 5، ص 47 .
(3) الأحمديّ الميانجيّ، مواقف الشيعة (ط 1، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم - 1416 هـ) : ج 1 ، ص 470 .
(4) الشرازيّ، كتاب الأربعين : ص 150 - 151 .
(5) سبل الهدى والرشاد : ج 6، ص 64 .
(6) تاج العروس (تحقيق : علي شيري، دار الفكر ، بيروت - 1994 ) : ج 4، ص 335 .


اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 40 ـ

المبحث السادس : كتاب اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري

  إنَ دراسةَ كتابِ أخبار البصرة لعمر بن شبَة يستوجب الوقوف على محورين مهمّين، وهما :

  أوّلاً : عُنوانُ الكتاب :

  أُطلق على كتاب البصرة لعمر بن شبَة تسميات عديدة ومختلفة، فتارة أُطلق عليه اسم (كتاب البصرة) (1) ، وأخرى أُطلق عليه اسم (كتاب قضاة البصرة) (2) ، ولا سيمّا ضمن النقولات الخاصّة بأخبار قضاة البصرة، التي وردت في مصادر أُخَر بالإشارة إلى نقلها من كتاب (أخبار البصرة) (3) ، وليس قضاة البصرة، بما يؤكد استبعاد تسميته بـ (قضاة البصرة)، وإنمّا كان النقل منه ضمن الجزء الخاص بأخبار قضاتها، وهذا الأمر ينطبقُ على الاشارة الواردة عن (كتاب الجَمَل) لعمر بن شبَة، كما ذكر ذلك ابن حَجَر العسقلاني، بقوله : (وروى هذه القِصَة عمر بن شبَة في كتاب الجَمَل) (4) ، فعمر بن

*************************************************
(1) ابن النديم، الفهرست : ص 125 ، ابن حوقل : صورة الأرض (ط . ليدن، بريل - 1928) : ص 238 ، ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 4، ص 466 .
(2) عبد الله بن قدامة، المغني (دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت - د. ت) : ج 8، ص 140 ، ج 11 ، ص 168 ، 441 ، 480 ، عبد الرحمن بن قدامة : الشرح الكبير (دار الكتاب العربي، بيروت - د. ت) : ج 8، ص 136.
(3) ينظر على سبيل المثال : ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب : ج 9، ص 245 ، ج 13 ، ص 124 .
(4) فتح الباري : ج 8، ص 425.

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 41 ـ

  شبَة ليس لديه كتابٌ عن الجَمَل، هذا من جِهةٍ، ومن جهةٍ أخرى، فقد أكَد ابن حَجَر العسقلاني في موضعٍ آخر أنّه نقلَ أخباراً عن واقعة الجَمَل من كتاب (أخبار البصرة) لعمر بن شبَة، بقوله : (وأخرج عمر بن شبَة في أخبار البصرة في ذكر وقعة الجَمَل) (1) ، وصرّح بذلك، قائلاً : (وقد جمع عمر بن شبَة في كتاب أخبار البصرة قصّة الجَمَل مطولة ... ) (2) ، كما أطلق على الكتاب اسم (فضائل البصرة) (3) ، ويبدو أنَ هذه التسمية جاءت وفقاً لقول ياقوت الحمويّ صنّف عمر بن شبَة ... في فضائلها كتاباً) (4) ، ويقصد في ذلك فضائل البصرة .
  وورد ذكره في بعض المصادر باسم (تاريخ البصرة) (5) ، وربّما كان القصد الإشارة إلى أنّه كان كتاباً عاماً في تاريخ مدينة البصرة، من دون تحديد عنوانه الدقيق، وانفرد الطبريّ بتسميته بكتاب (أخبار أهل البصرة) (6) ، أنّه فعلاً يحوي أخباراً تتعلّق بأهل البصرة، سواء كانوا ولاةً، أم عمالاً، أم قضاةً، أم موظّفين آخرين، أم علماءَ وفقهاءَ وشعراءَ، والأرجح أنّ اسم الكتاب كما ورد في أغلب المصادر وضمن الإشارات إلى

*************************************************
(1) فتح الباري : ج 8، ص 71 .
(2) المصدر نفسه : ج 13 ، ص 45 .
(3) البغداديّ، هديّة العارفين : ج 1، ص 780 .
(4) معجم البلدان : ج 2، ص 347 .
(5) الذهبيّ سير أعلام النبلاء : ج 12 ، ص 371 ، تذكرة الحفّاظ : ج 2، ص 517 ، ابن حَجَر العسقلاني : تلخيص الحيبر في تخريج الرافعي الكبير (دار الفكر، بيروت- د. ت) : ج 3، ص 223 ، لسان اميزان (ط 2، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، بيروت - 1390) : ج 3، ص 127 ، فتح الباري : ج 3، ص 133 ، تهذيب التهذيب : ج 6، ص 381 ، ج 7، ص 8 ، العيني : عمدة القاري (دار ، إحياء التراث العربي، بيروت- د. ت) : ج 8، ص 93 ، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب : ج 2 ، ص 355 ، الشوكاني : نيل الأوطار (دار الجيل، بيروت - 1973 ) : ج 4، ص 156 .
(6) تاريخ الأمم والملوك : ج 4، ص 221.

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 42 ـ

  النصوص المنقولة عنه هو (أخبار البصرة) (1) ، بما يتائم مع مواضيع الكتاب الخاصّة بأخبار البصرة، وجاء أنّ كتاب المدينة لعمر بن شبَة هو الآخر بعنوان (أخبار المدينة) (2) ووفقاً ما هو سائد عند المؤرّخين في التصنيف ضمن إطار عنوان (الأخبار)، سواء أولئك الذين سبقوا عمر بن شبَة، أم المعاصرين له، أم الذين جاءوا بعده (3)

  ثانياً : تاريخُ ضياعه واسبابُه

  لم تُدْلِ المصادر بأي معلومةٍ حول تاريخ تأليف عمر بن شبَة كتابَه (أخبار البصرة)، سوى إشارةٍ واحدةٍ ورد فيها أنّه ألَف كتابه هذا قبل كتابيَ الكوفة ومكّة (4) ، من دون تحديد تاريخ تأليفه، أو تاريخ تأليف الكتابينِ الآخرَينِ بعده، لذا أصبح من الصعوبة الجزم في تحديد وقت تأليفه، وأسباب ضياعِه أيضاً.

*************************************************
(1) ينظر : ابن شاذان : اإيضاح (تحقيق : السيّد جلال الدين الحسيني، ط 1، انتشارات، طهران - 1363) : ص 554 ، المقدسي : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم (تحقيق : غازي طليمات، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق - 1980) : ج 1، ص 122 ، الطبريّ الشيعيّ : المسترشد في إمامة أمير المؤمنين (ع) (تحقيق : الشيخ أحمد المحمودي ، ط 2 مؤسسة الثقافة الاسلامية ، قم / د. ت) : ص 162 ، 163 ، ابن خلّكان : وفيات الأعيان : ج 2، ص 322 ، ج 6، ص 149 ، 366 ، 367 ، ج 7، ص 107 ، اليافعي، مرآة الجنان : ج 1، ص 342 ، ابن حَجَر العسقلاني، تهذيب : ج 7 ، ص 387 ، ج 9، ص 245 ، فتح الباري : ج 2، ص 362 ، ج 3، ص 124 ، 206 ، ج 5، ص 187 ، 239 ، ج 8، ص 71 ، ج 13 ، ص 23 ، 45 ، 124 ، الإصابة : ج 2، ص 28 ، ج 5، ص 14 ، ج 6 ، ص 220 ، ج 7، ص 186 ، ج 8، ص 210 ، الشوكانيّ، نيل الأوطار : ج 4، ص 163 .
(2) السخاويّ : التحفة اللَطيفة : ج 1، ص 191 ، 335 ، 336 ، 341 ، 351 ، 378 ، ج 2 ، ص 340 .
(3) لقد صنّف العديد من المؤرّخين كتباً حملت عنوان أو لفظة (الأخبار)، أمثال الهيثم بن عدي، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، والمدائنيّ، وأبو حنيفة الدينَوَريّ، والمسعوديّ، وآخرين غيرهم . ينظر : ابن النديم الفهرست : ص 59 ، 68 ، 86 ، 93 ، 95 ، 106 ، 108 ، ـ 109 ، 111 ، 112 ، 114 ، 127 وغيرها من الصفحات.
(4) ابن حوقل، صورة الأرض : ص 238 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 43 ـ

  وما يجدر ذكره أنّ جميع المؤلَفات التي صُنفت في تاريخ البصرة وفي أخبار أهلها فُقِدَت، ولم تصل منها سوى إشاراتٍ بسيطة، وهي :
  1 ـ كتابُ قضاة الكوفة والبصرة، للهيثم بن عديٍ الكوفي (ت 207 هـ - 822 م) ، وقد وصلت منه نصوصٌ مبعثرةٌ، وتمَ جمعُ بعضِها ودراستها (1) .
  2 ـ كتابُ فخر أهل الكوفة على أهل البصرة، للهيثم بن عديٍ أيضاً (2) ، ويبدو أنّه يتعلّق بإظهار فضائل أهل الكوفة التي افتخروا بها على أهل البصرة، في إطار التنافس بين المدينتين.
  3 ـ كتابُ اختلاف أهل الكوفة والبصرة، لأبي زكريّا الفرّاء يحيى بن زياد بن منظورٍ الأسلميّ (ت 207 هـ - 822 م) ، كان فقيهاً عالماً بالخلاف وأيّام العرب وأخبارها وأشعارها، وذُكر أنّه كان يتفلسفُ في تصانيفه (3) .
  4 ـ كتابُ البصرة، أبي عبيدة مَعمر بن المثّنى البصريّ (ت 209 أو 210 هـ - 824 او 825 م) (4) ، وأغلب الظّن أنّه يتضمّنُ أخباراً عن فتوحِ البصرة وخِططِها وإدارتها وبعض أخبارِها (5) .
  5 ـ كتابُ قضاة البصرة، أبي عبيدة مَعمر بن المثّنى أيضاً، وقد تمَ استخراج نصوص بعض رواياته من بطون الكتب، ودراستها، والوقوف على طبيعة معلومات

*************************************************
(1) ينظر : الهاشمي، سلمى عبد الحميد، أخبار القضاة لوكيع مصدراً لدراسة أحوال البصرة الحضاريّة، (رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة البصرة – 1990 ) : ص 119 - 128 .
(2) ابن النديم، الفهرست : ص 112.
(3) ياقوت الحمويّ، معجم الأدباء : ج 5، ص 619 - 621 .
(4) ابن النديم، الفهرست : ص 59 .
(5) ناجي، د . عبد الجبّار : إسهامات مؤرّخي البصرة في الكتابة التاريخيّة : ص 260 - 262 ، 266 - 267 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 44 ـ

  الكتاب، ومنهجيّة المؤلّف، وأهمّ مصادره، وتحديد قيمته العلميّة (1) .
  6 ـ مثالبُ أهل البصرة، أبي عبيدة مَعمر بن المثّنى (2) ، إذْ اشتهر أبو عبيدة في إظهار مثالب، ومن الغريب أنْ يؤلفَ في مثالب أهل البصرة، وليس في فضائلها التي لا تعدُ ولا تحصُى، وقيل : إنّه صنّف في مثالبِ باهلة (3) ، وليس في مثالبِ البصرة.
  7 ـ تاريخُ البصرة، للوليد بن هشام القَحذميّ (ت 222 هـ - 836 م) ، وهذا الكتاب على الرغم من عدم وجود إشارةٍ صريحة بشأنه إلا أنّ الدكتور عبد الجبّار ناجي رأى من المحتملِ أن يكونَ القَحذميُ قد صنّف كتاباً عن تاريخ البصرة بالاعتماد على بعض الدلائل والقرائن، وأهمّها طريقة النقل عنه، كما أنّ رواياته تضمّنت معلومات واسعة عن البصرة منذ تأسيسها وحتى نهاية القرن الثاني الهجريّ، وهي معلوماتٌ تتعلّق بتمصير البصرة وخِططها وفتوحِها، وعن الأحداث السياسيّة التي وقعت بالبصرة، والجوانب الإداريّة أيضاً (4) .
  8 ـ كتابُ خبر البصرة وفتوحها، لأبي الحسن علي بن محمّد المدائنيّ (ت 225 هـ - 839 م) ، وأكّد ابن النديم أنّه يحتوي (خبر دستميسان، ولاية المغيرة، أبي موسى الأشعري، خبر الأهواز، خبر مناذر، خبر نهر تيري، السّوس، تستر، القلْعة، الهرمزان، خبر ضُبّة بن محصن، خبر جنديسابور،...) (5) ، وقيل : إنَ كتاب خبر البصرة

*************************************************
(1) سلمى عبد الحميد الهاشمي، أخبار القضاة لوكيع : ص 112 - 119 .
(2) الزبيديّ، طبقات النحوين واللغوين : ص 55 ، ابن خلّكان، وفيات الأعيان : ج 5، ص 397 ، القمّي، الكنى والألقاب : ج 2، ص 467.
(3) ابن النديم الفهرست : ص 59 ، حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (دار إحياء التراث العربي - د. ت) : ج 2، ص 1586 ، البغداديّ، هديّة العارفين : ج 2، ص 467.
(4) إسهامات مؤرّخي البصرة : ص 235 - 237 ، 239 - 240 .
(5) ابن النديم الفهرست : ص 113 - 115 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 45 ـ

  وفتوحها للمدائنيّ يتضمّنُ أخباراً عن أحوال البصرة منذ تأسيسها، وطوبوغرافيتها، وخصائصها الجغرافيّة، وأحوالها الإداريّة (1)
  وما يجدر ذكرُه أنّ للمدائنيّ مؤلَفاتٍ أُخَر تختصُ بالبصرة، إلاّ أنهّا محدودة بجانبٍ معينّ، مثل كتاب فتح الأُبُلّة، كتاب أبي الأسود الدؤلي، كتاب أخبار الفرزدق، كتاب أخبار زياد بن أبيه، كتاب أخبار ابن سيرين، وكتاب أخبار إياس بن معاوية (2) ، أو ما يسمّى بكتاب زَكَن إياس بن معاوية (3) .
  9 ـ كتابُ قضاة أهل البصرة، أبي الحسن المدائنيّ، وقد تناثرت رواياته في بطون الكتب، وهي تكشف عن مضمون الكتاب، ومحتوياته، وأهمّيّته، ومنهجيّة المؤلّف، ومصادره (4) .
  10 ـ كتابُ أخبار البصرة، لعمر بن شبَة النُمَيرْيّ (ت 262 هـ - 875 م) ، وهو الكتاب قيد الدراسة .
  11 ـ كتابُ رسائله في فتح البصرة، لابن أبي البغل محمّد بن أحمد بن يحيى (ت 313 هـ - 925 م) (5) ، وابن أبي البغل من أعيان كتّاب الدواوين، ولي الجبل وأصبهان

*************************************************
(1) د. عبد الجبار ناجي، إسهامات مؤرّخي البصرة : ص 114 ، 274 .
(2) ابن النديم الفهرست : 114 - 117 .
(3) وهو كتابٌ يسلّط الضوء على القاضي البصريّ إياس بن معاوية، الذي تميز بالزّكَن واشتهر به، وكانت له أخبار مشهورة في هذا الجانب. ينظر : سلمى عبد الحميد الهاشمي، أخبار القضاة لوكيع : ص 79 - 96 .
(4) سلمى عبد الحميد الهاشمي، المصدر نفسه : ص 96 - 111 .
(5) الصفديّ، الوافي : ج 2، ص 36 ، وذكر إسماعيل باشا البغداديّ أنّ ابن أبي البغل توفي مسجوناً في حدود عام 299 هـ ، هديّة العارفين : ج 2، ص 23 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 46 ـ

  مدّة، وله نظمٌ وشعرٌ (1) ، وذُكِر أنّه وَزَر للمقتدر بالله العبّاسي (2) .
  12 ـ كتابُ البصرة، للسّاجيّ أبو يحيى زكريّا (ت 313 هـ - 925 م) ، وصفه ياقوت الحمويّ مشيراً إلى سعته، وأشار إلى أنّه يتعلّق بإبراز فضائل البصرة، ويقع في مجلّدات (3) ، وقد تطرّق الدكتور عبد الجبّار ناجي إلى أهميّة هذا الكتاب، وحدّد بعض جوانبه (4) .
  13 ـ كتابُ البصرة، لابن الأعرابيّ أبي سعيد أحمد بن محمّد بن زياد بن بشر البصريّ (ت 340 هـ - 952 م) ، أحد محدثي البصرة وزهّادها، وُصف بأنّه كان ثقةً نبيلاً عابداً (5) ، وقد اشار المقِّري لهذا الكتاب ، وحدد مضمونه بأنه في خطط البصرة وقطائعها (6) .
  14 ـ كتابُ ما أغرب البصريّون عن الكوفييّن، وكتابُ ما أغرب الكوفيّون عن البصرييّن، لأبي حاتم محمّد بن حِبّان البستيّ، (ت 354 هـ - 965 م) ، من أوعية العلم في الفِقه واللُغة والحديث، ومِن عقلاء الرّجال، صاحب التصانيف (7) .
  15 ـ كتابُ تاريخ البصرة، لابن أبي خيصمة (8) ، لم نجد أيَ معلومةٍ تخصُ المؤلّف، أو أيَ إشارةٍ عن كتابه.

*************************************************
(1) الصفدي، الوافي : ج 2، ص 36 .
(2) البغداديّ، هديّة العارفين : ج 2، ص 23 .
(3) معجم البلدان : ج 2، ص 347 .
(4) إسهامات مؤرّخي البصرة : ص 282 - 283 .
(5) الزركلي، الأعلام : ج 1، ص 208 ، كحّالة، معجم المؤلّفين : ج 2، ص 103 .
(6) المقَرّي : نفحُ الطيب من غصن الأندلس الرطيب (تحقيق : د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت - 1388) : ج 3 ، ص 165 .
(7) الذهبيّ، تذكرة الحفّاظ : ج 3، ص 92 - 93 ، البغداديّ، هديّة العارفين : ج 2، ص 45 .
(8) مغلطاي، إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال (تحقيق : أبو عبد الرحمن عادل بن محمد ، ط 1 ، الفاروق الحديثة، للطباعة والنشر - 2001) : ج 2، ص 283 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 47 ـ

  16 ـ كتابُ البصرة، لعبد القاهر كريزي، ذكره المقَري، وأكّد أنّه من أهل البصرة، والكتاب يتعلّق بصفاتِ البصرة، وذكر أسواقِها ومحالها وشوراعِها (1)
  17 ـ كتابُ تاريخ البصرة، لابن دهجان (2) ، وهو أبو حفص عمر بن علي بن دهجان البصريّ، نقل منه ابنُ العَدِيم (3) .
  قد لا تكفي إطلاق كلمات الأسف على ضياع تلك المؤلَفات، التي ضاع معها الكيثر من أخبار أهل البصرة وتاريخها، وأمرٌ غريبٌ للغاية أن تتعرّض ميعُ تلك المصنّفات وغيرها للضّيَاع، إلا أنّ الاستغرابَ والعَجَب يزولانِ حينما نخوضُ بمجمَلِ الأوضاعِ والأسبابِ التي أدّت الدورَ الكيبر في ضياع عددٍ لا يحُصى من المصنّفات، ولا سيمَا المصنّفات الخاصّة بتاريخ البصَرة، ومِن بينها كتابُ أخبار البَصرة لعمر بن شبَة النُميَرْيّ، فهناك أسبابٌ عامّة، وأخرى خاصّة، وكالآتي :

1 ـ الاسبابُ العامّة :

  وهي تتعلّق بمجمل الظروف التي مرّ بها العراق بشكلٍ عام، سواء كانت ظروف سياسيّة أم طبيعيّة، فضلاً عن الدوافع الذاتيّة، إذْ أتلفت السلطات الحاكمة بشكلٍ متعمّدٍ العديدَ مِن الكُتب، أو خزائن بأكملها، كما ألحقت الحروب والعمليّات العسكريّة الحرقَ والدمارَ بالعديد من المكتبات العامّة منها والخاصّة، فضلاً عن أثر الاختلافات المذهبيّة

*************************************************
(1) نفح الطيب : ج 3، ص 165 .
(2) السخاويّ : الإعلان بالتوبيخ من ذمَ التاريخ (تحقيق : فرانز روزنثال، ترجمة : د . صالح أحمد العلي، دار الكتب العلمية، بيروت - د. ت) : ص 253 ، حاجي خليفة : كشف الظنون : ج 1، ص 287 .
(3) ابن العَديم، بغية الطلَب في تاريخ حلب (تحقيق : د. سهيل زكار، دار الفكر - د. ت) : ج 6، ص 2737 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 48 ـ

  في إتلاف الكتب الدينيّة والفلسفيّة التي تحمل أفكاراً مخالفة للأنظمة الحاكمة (1)
  ومن جانبٍ آخر ساهمت الظواهر الطبيعيّة بشكلٍ كبيرٍ في إتلاف بعض المكتبات حرقاً أو غرقاً، كالفيضانات، أو الحرائق التي التهمت بعض المكتبات الخاصّة تارةً والمكتبات العامّة تارةً أخرى (2) ، هذا إلى جانب تعرّض بعض الكُتُب إلى التّلَف بفعلِ التآكُلِ والتّمزيقِ والقوارضِ، أو الإتلاف الذاتيّ مِن مؤلفيها أنفُسِهم، أو مِن ورثتِهِم أو أهلِهِم (3) .

2 ـ الاسباب الخاصة بمدينة البصرة :

  وهي مجموعةُ الأسباب التي تتعلّق بما واجهته مدينةُ البصرة من ظروفٍ سيّئةٍ أدّت إلى إلحاق الضرّر البليغ في مختلف مجالات الحياة، ولا سيمَا الحياة الفكريّة، فقد دمرت مؤسّساتها الفكريّة، ولحق الضرّر بعلمائها ومصنّفاتهم المحفوظة في مكتباتهم الخاصّة، فضلاً عن المكتبات العامّة الموجودة داخل البصرة، ولا سيمَا ضياع المؤلَفات الخاصّة بتاريخ وأخبار البصرة، ومن أهمّ تلك الأسباب :

  أ ـ الاسباب السياسية والعسكرية

  واجهت مدينة البصرة العديد من المِحن السياسيّة والهجمات العسكريّة الوحشيّة التي أوقعت فيها الدّمار والخراب، إذْ لم يقتصر ذلك الدّمار على قتل عددٍ مِن أهلها، وهروب عددٍ آخرَ منها، وما لحق بممتلكاتهم من سلبٍ ونهبٍ للأموال، بل شمل ذلك

*************************************************
(1) ينظر ضاحي، د. فاضل جابر : أغرب الأخبار في ضياع الحقائق والكتب والآثار (مطبعة العصامي، بغداد - 2006) : ص 72 - 75 ، 77 - 78 ، 101 ، 104 .
(2) د . فاضل جابر ضاحي، المرجع نفسه : ص 78 - 85 .
(3) المرجع نفسه : ص 86 ، 87 ، 105 ، 106 ، 121 - 122 .

اخبار البصرة لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت   ـ 49 ـ

  الدّمار والخراب مؤسّساتها الفكريّة وعلماءها، إذْ هُدم المسجدُ الجامع في البصرة أحدُ أهم مراكز الحركة الفكريّة لأكثر من مرّة، كما تعرّضت مكتبات البصرة العامّة والخاصّة إلى الحرق والنهب والتدمير.
  ويمكن القول : إنّ مدينة البصرة فاقت غيرها من مدن العراق والعالم الإسلاميّ في حجم وشدّة ما تعرّضت إليه من محنٍ ونوائب وظروف سياسيّة سيّئة، وهجمات عسكريّة وحشيّة، دمّرت كما يقال (الأخر واليابس) ، وكان الضرّر الذي لحق بالجانب الفكري بالبصرة أشدّ وطأة، وأكثر وقْعاً من الجوانب الأُخَر.
  فمن المعروف أنّ الأموال إذا ما نهُبت، والأبنية من محلاّت ودور وغير ذلك إذا ما دُمّرت، والأراضي الزراعيّة إذا خُرّبت، جميع هذه الأمور يُمكن تعويضها أو إصلاحها، إلا أنّ الكتب إذا ما حرقت ومزقت فكيف يمكن إعادتها أو تعويضها ؟ فتأليف الكتب يتطلّب جهداً كبيراً، ووقتاً ليس بالقصير، هذا في حالة بقاء مؤلفيها على قيد الحياة، ومع توفُر القدرةِ على إعادةِ تأليفها.
  ونظراً إلى بساطة وسائل الكتابة والنسخ وعدم وجود إمكانات نشر المؤلَفات بأماكن أُخَر وبأعداد يمكن أن تعوض عن فقدانها، فقد زاد حجم الضرّر الذي لحق بالكتب، ولا سيمَا النادرة منها، أو الفريدة.
  ولا شكّ أنّ قتل العلماء خلال هجمات القتل والتدمير الوحشيّة - شأنهم في ذلك شأن غيرهم من أهالي البصرة - يشكلُ ضرراً وخسارة كبيرة لا يمكن تعويضها، ولاسيمَا بالنسبة لكبار العلماء، ولعلَ أشدَ الهجات تدمراً وخراباً وضرراً على البصرة وأهلها هي هجات الزنج في العصر العبّاسيّ، فعلى الرّغم من تعرّض البصرة للعديد