لعمر بن شبة النميري 875 م / 262 هـ ت الإهداء إى روحِ والدِي... امرحوم السيّد عبد احميد حُسن اهاشميّ... الَذِي كَنَفَنِي ظِلّهُ، وَغَذّانِ بِسِرتِهِ وَمّتِهِ عِرفَاناً باجَمِيلِ واامتِنَانِ ، وَسُقياً له مِن شآبيبِ رمةِ الدَيان أُهدِي عَمَِل امتواضِعَ هذا مقدمة الناشر بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحِيْمِ الحمدُ للهِ رب العَالمينَ، والصّلاةُ والسَلامُ عَلىَ خَاتَمِ النَبيّنَ محمّدٍ وآلِهِ الطيّبنَ الطَاهرينَ، وبه نستعينُ. وبعد... مِن القِيَم الواضحةِ في حياةِ العلم تدوينُه، وحفظُه، ونشرُه، وقد أكّدت الشريعة الإسلاميّة هذه القِيَم الفطريّة، بوصفها دين الفطرة، فقد رُوي عَن رسول الله (ص) : (اكتُبُوا العِلمَ قَبلَ ذَهابِ العُلماَءِ، وإنمّا ذَهابُ العِلْمِ بموتِ العُلماءِ) (1) . كما أكّد هذا المعنى بابُ مدينةِ علمِ رسولِ الله (ص) الإمام أميرِ المؤمنينَ علي بن أبي طالبٍ (ع) في أحاديثَ كثرةٍ منها، قولُهُ (ع) : (الكُتُبُ بساتينُ العلماءِ) (2) ، وقوله (ع) : (الكِتابُ أحدُ المحدِثين) (3) ، وقوله (ع) : (الكتابُ تُرجمانُ النِيّة) (4) ، و (نِعْمَ المحدِث) (5) ، إلى غير ذلك مِن أقوالِ الأئمّة (ع) ، في بيانِ شأنِ الكتابِ والكتابةِ وحفظِ العِلمِ . وقد عَمَدَ جملةٌ من أهلِ العلم إلى تدوين معارفِهم وإخراجِها كتباً كان لها الدورُ في تطويرِ حركة العلوم واتّساعها، لكنّ الكتابَ شأنُه شأنُ الآثار الثمينة، فهي قد تتعرّض إلى ظروفٍ استثنائيّةٍ قاهرةٍ تهدّدُ بقاءَها، وتعجّل فناءَها، وهذا ما عاناهُ الكتابُ الإسلاميُ ************************************************* (1) كنز العال : 28733 (2) غُرر احكم : 991 . (3) م . ن : 1615 . (4) م . ن : 298 . (5) م . ن : 9948
الحُرّ إذْ تعرّض إلى العديدِ مِنَ الإرهاصاتِ، فمِنَ الجهلِ بالكتابِ إلى التعصّبِ بأنواعِهِ واتجاهاتِهِ، إلى السَياسة والجَورِ، وإلى اضطهادِ العُلماءِ وترويعِهم وإفقارِهم، فضلاً عن الظروفِ الطبيعيّةِ مِنَ الأغبرةِ والأمطارِ والقوارضِ والأرَضَةِ، وغيرِها، عواملُ شتّى هدّدَت كثيراً مِنَ الكُتُبِ التي ألّفَهَا العلماءُ وتسببّت في ضَياعِ كثيرٍ مِنَ التراثِ الثَرِّ. مِن هنا حَرَصَ العديدُ من الباحثينَ على تبنّي إعادةِ ما فُقدَ مِنَ التراثِ الإسلامي المكتوبِ الذي كتبته أيادي العلماء وأضاعته الظروفُ المختلفةُ، فكانت وسيلتُهم إلى هذا الأمر الذي يكاد أن يكونَ مستحيلاً هو ما عثروا عليه من ظلالٍ لتلك الكُتب في المُؤلَفات المتداولة والموجودة، إذْ عمدُوا إلى جمع ما وقع بينَ أيدِيهم مِن رواياتٍ عن تلكَ الكتبِ وتقديمها ضمن منهجٍ علميٍ مدروس ، لتحقيق نسبتها إلى ذلك الكتاب أو المؤلَف. وقد كان من نماذج تلك المحاولات ما قام به العلاّمة محمّد هادي الأمينيّ في كتاب السّقيفة وفدك، لأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ البصريّ (ت 323 هـ) ، إذْ إنّ هذا الكِتاب قَدْ عَرَتْهُ يدُ الإتلاف، فما يزالُ عندَ القِلَة القليلةِ مِن العُلماء حتّى وصل إلى يدِ ابن أبي الحديد المعتزليّ (ت 656 هـ)، إذْ أكثَرَ من النقل عنه حتّى غدت صورةُ الكِتابِ واضحةً في شرح نهج البلاغة، ما دَفَعَ قلم العلاّمة محمّد هادي الأميني إلى تتبّعه وجمعه في كتابٍ ليَخْرُجَ إلى النُور صورةً شِبه الأصل عماّ كتبه المؤلف . ويأتي الكتاب الذي نرجو نشره (أخبارُ البصرة لعُمَر بن شبّة النُميَري (ليثبت محاولةً أُخرى في هذه السّبيل، والكتابُ من الأهميّة بمكان مِن عدّة جهاتٍ : الأولى : مِن خلالِ ملاحظةِ كثرةِ النُقولِ عنه في المجالات المختلفة، على الرُغم مِن عدمِ كونِهِ أوّلَ ما صُنف في مجاله، ما يَظهرُ أنّ الكتابَ عُمدةٌ في بابه، ومرجعٌ مُهِمٌ
للكثير من العلماء والكتّاب ، نظراً إلى كثرةِ معلوماتِهِ وتنوعها وأهميتها ، وهو شيءٌ لا يُمكنُ إغفالُهُ. الثانية : قلّة المصادر عن أخبار البصرة وعدم وفرتها، بل تكادُ تكونُ معدومةً، إذْ إنَ جميعَ المؤلَفات التي صُنيفت في تاريخ البصرةِ وأخبارِ أهلِهَا قد فُقِدَ، ولم يصل منها إلا إشاراتٌ بسيطةٌ . الثالثة : إنَ المؤلف كانَ مِنَ المؤرخين المشهورينَ والمعروفنَ بنقل الأخبار والآثار، ما أعطى آراءَه وكتاباتِه أهميةً عند العلماء. من هنا جاءت الدراسةُ في بابين، البابُ الأّوّلُ : في حياتِهِ ودراسةِ كتابِه أخبار البصرة، وقد ضمَ فصولاً ومباحثَ تناولت حياتَه العلميّة، وآثارَه، وكتابَه، وأسبابَ ضياعِه (العامّة والخاصّة والطبيعيّة) ، ثمَ نُقُولُ المؤرخينَ وكتّابِ الترّاجمِ والأدباءِ والجغرافييّن عنه الذي انتظم فصلاً ثانياً ضمن البابِ الأوّل، فكانت نُقُولُ العلماءِ منه تنتهي إلى القَرن التاسعِ الهجري، وكان عُمدة مَن نَقَلَ منه في هذا القرن ابن حَجَر العسقلانيّ (ت 852 هـ)، ما يُعطي سقفاً زمنيّاً لتداول الكتاب في تلك الفترة .. ويخُتَمُ البابُ الأوّلُ بفصلٍ ثالثٍ تناول الباحث فيه منهجَ المؤلف ومواردَه وقيمةَ معلوماتِهِ وتنوّعها. ثمَ يستقلُ البابُ الثاني - وهو محور الكتاب- باستعراض ما جمعه الباحث مِن رواياتِ كتابِ أخبار البصرة الضَائع لعُمر بن شبّة النميريّ ، لتعطي صورةً عن الكتابِ المفقودِ لعلّها تكونُ قريبةً من الأصل. مِن جميعِ ذلكَ وضمن منهجية عملِهِ في تقصي كل ما هو بصريٌ أصيلٌ، تبنّى مركز تراث البصرة التابع لقسم شؤون المعارف الإسلاميّة والإنسانيّة في العتبةِ العبَاسيّةِ
المقدَسةِ نشَرَْ هذا الكتاب، لما فيه من الأهمّيةِ في تقديمِ كتابٍ يتضمّن أخبارَ البصرة بصورةٍ مستقّلةٍ، وحسب ما أسعفت به المصادرُ التاريخيّة، فمِن هُنا نشدُ على أيدِي الباحثينَ مواصلةِ الجهودِ الحثيثةِ في هذه السّبيلِ وغيرها ممّا يتعلّق بالبصرة، فكما لا يخفى
ما لتوريخ الأحداثِ الجاريةِ -سواء لبلدةٍ أم أمَةٍ- مِن الأهمّية الكبيرة ، لما في ذلك من إبقائها حيّةً بتسجيلِ حوادثها وحفظِ حقائقِها وتقديمها مادّةً وتجربةً واقعيّةً للأجيالِ الاّحقةِ مِن أجلِ تعرّفهم على عُمْقِ ماضِيهم، واستفادةِ العبِرةِ منه، ومِن هنا نرى المرجعيّةَ الدينيّةَ تؤكدُ ضرورةَ تدوينِ الحوادثِ الجاريةِ في أيَامنا وحفظها، خصوصاً ونحنُ نمرُ بفترةٍ حَرِجَةٍ فيها الكثر ممّا قد يُتناوَلُ بأقلامٍ غيرِ سليمةٍ، ومِن أهم ما يمكنُ أن نرفِدَهُ لمدينتِنَا الفيحاء في أيّامنا هذه هو تدوينُ حركةِ الجهادِ، بدءاً بدراسةِ فتوى المرجعيَةِ ومدى أثرِها على المجتمع البصري، واستجابة أبنائِها لها – التي كانت استجابةً مظفَرةً ومشهوداً لها – إلى مواكبتِهم في ساحاتِ المواجهةِ وتدوين معجمٍ يحفَظ السيرةَ الذاتيّةَ والقتاليَةَ لشهدائهم، فإنَ ما نشهدُهُ اليومَ سيكونُ حتماً تأريخاً لغدٍ نأمَلُ أن يكونَ مشُرِقاً. وأخيراً وليس آخِراً نثمن الجهود التي بذها المؤلف في إبراز هذا الكِتاب خدمةً للبصرة الفيحاء، داعينَ له بدوامِ التوفيقِ، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ رب العالمينَ.
المقدَمة زَخَر تراثُنا الإسلاميُ بأعدادٍ كيبرةٍ من الكُتُب المصنّفة التي قيل إنهّا : (أكثر من أن تحصى وأجَلُ من أن تحصرَ) (1) ، ولا نبالغُ إذا قلنا : إنّ مدينة البصرة كانت الرائدة في مضمار التصنيف، إذْ عُدّ العالم سعيد بن أبي عروبة (2) أوّل مَن صنَف (3) ، كما أنّ علماءها فاقُوا غيرهم من علماء العالم الإسلاميّ في كثرة التصنيف، وفي مجالات العِلم والمعرفة كافّة، ولا سيمَا التصنيف في تاريخ مدينتهم وذكر فضائلها وأخبار أهلها، إلا أنَ ما يؤسَف عليه أنّ جميع تلك المصنّفات الخاصّة بتاريخِ البصرةِ وأخبارِها لم تسلَم من نوائب الزمن، وأصبحت في عداد المفقودات، إذْ لم يبقَ لبعضها سوى ذكر أسمائها فقط، والبعض الآخر وصلت منها نصوصٌ لبعض الروايات المتناثرة هنا وهناك في بطون عددٍ من كتب التاريخ والأدب والتراجم والبلدانيّات. وقد دأبَ العلاّمة الدكتور عبد الجبّار ناجي الياسريّ في الكشف عن تلك المصنّفات والوقوف على محتواها ومنهجيّة مؤلّفيها وأميّتها (4) ، وهذا أمرٌ دفعنا إلى استكمال ما بدأ به من خلال التركيز على واحدٍ من أهم الكتب التي صُنفت في تاريخ البصرة، ألا وهو ************************************************* (1) القلقشنديّ : صبح الأعشى في كتابة الإنشا (حقيق : عبد القادر زكّار، وزارة الثقافة – دمشق - 1981 ) : ج 1 ص 538 . (2) سعيد بن أي عروبة الإمام أبو النضّر العدويّ، شيخ البصرة وعاملها، وأوّل مَن دوَن العِلم بها، توفيّ سنة ( 156 هـ ). ينظر : الذهبيّ، العبِر في خبر مَن غبر (تحقيق : د. صلاح الدين المنجد، ط 2 ، مطبعة حكومة الكويت - 1984 ) : ج 1، ص 225 . (3) ينظر : الذهبيّ، العبِر : ج 1، ص 225 ، وتاريخ الإسلام : ج 9، ص 405 ، السيوطي، تاريخ الخلفاء : ص 2 . (4) ينظر : إسهامات مؤرخي البصرة في الكتابة التاريخيّة حتى القرن الرابع الهجريّ، ط 1، دار الشؤون الثقافيّة العامّة – بغداد- 1990 |
يـا بأي شيخاً كبيراً خبّا | وشبَا وعاش حتّى دبَا
لـمّا رأيـتُ الـعِلم ولـىّ لـزِمتُ بـيتي مُـعلناً ومُـستتر مـخاطباً خـير الورى لمن غَبر أعني النبيَ المصطفى على البَشر والـثاني الـصدِّيق والتالي عمر | ودثر وقـام بـالجهل خـطيبٌ فـهمر