من بعدهم اي ان تكون الارض التي يفتحها العرب ملكا للعرب كأمة لا كافراد ، لذا لم توزع بعد فتحها بل تركت بيد اصحابها الشرعيين المالكين يستغلونها ويدفعون عنها الضرائب المحددة .
 وبعد التطورات الحضارية التي تكونت عبر السنين حيث انتشر العرب في ارجاء الارض مما ادى الى خلق مجتمع يختلف اختلافا جوهريا عن المجتمع العربي الاول الذي كان يتميز بطبيعته الصحراوية وبنوعين من الناس ( بدو ) غير مستقرين ( واهل المدن ) اهل التجارة والزراعة ، وبنوعين من الملكية للاراضي الخصبة حول ( الآبار ) ( والعيون العذبة ) وخلال المراحل الزمنية الطويلة وفي عهد السيطرة العثمانية على العراق كانت معظم الاراضي الواقعة جنوب العراق تقع تحت سيطرة رؤساء القبائل وفق ذلك التقسيم الاجتماعي وهم قبائل ( البو محمد ) وقبائل آل ازيرج ، والسواعد ، وبني لام ، وقبائل آل عيسى وغيرهم ، وان معظم هؤلاء الرؤساء يدفعون نظام ( الكودة ) للحكومة العثمانية وكان ذلك في عهد ( وادي ) جد عريبي وما قبله ( خليفة ) لذلك فنحن نعلم ان محمد بن عريبي بن وادي ومجيد بن خليفة ومشتت بن خليفة ووالد الشيخ مجبل جميعهم ( من قبيلة البو محمد ) هم مستوطنون في مناطق الجنوب في عهد السيطرة العثمانية وكذلك ( رؤساء السواعد ) وقبيلتهم الواسعة الانتشار ( في نهر المشرح ) فانها كانت تعيش ايضا ضمن الواقع المحلي ولها نظام مماثل في حيازة الارض وتدفع ايضا ( نظام الكودة ) مع بقية القبائل مثل ( آل ازيرج ) وبني لام ( في عهد غضبان البنية ) والشيخ ( مطلق السلمان ) اي مابين 1700 ـ 2014 على وجه التحديد .
 وبالرغم من عدم عثورنا على تاريخ محدد سوى ذلك التاريخ التقريبي الذي وردنا من بعض الاشخاص الاّ ان التاريخ الحقيقي ربما يكون اقرب من ذلك .
 وعلى هذا الاساس فان التسلسل التاريخ لزعامة ( مشايخ البو محمد ) ( والسواعد وآل ازيرج ) ( وبني لام ) وغيرهم هي زعامة قبلية متوازنة اكثرمن كونها اقطاعية بالمعنى الكامل لان ظروف البيئة وحالة التجمع السكاني الذي تركز في منطقتهم والاضطهاد الحاصل في فترة الحكم العثماني اكبر من ذلك

اهل الريف في جنوب العراق  ـ 33 ـ

 الحجم في منطقتهم وحسب التوزيع الجغرافي هناك كما يؤكد ابعاد ( عريبي ) ومستشاره ( ملا علي ) من قبله البو دراح الذي اتهم في ابتلاع ( المهر الخاص ) بعريبي الموجه لرؤساء القبائل ضد الاحتلال العثماني وحجزهم في اسطنبول سنوات طويلة وهو دليل قاطع على مقاومة الاحتلال العثماني وكذلك معارضة ( غضبان البنية )لهم حتى مجيء الاحتلال البريطاني لهم ابان العالمية الاولى دليل كافٍ على الغضب السكاني ،وكنتيجة لحاجة الحكومات المتعاقبة من العثمانية والانكليزية الى جباية الضرائب غير المحددة دفعتهم الى وضع الضرائب الواسعة على الارض وفرض نظام التسوية او كما يدعونه بنظام ( الميري ) ، وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الاولى ثم الحصول على كسب حماية دستورية للسكان فقد شرعت الحكومة العراقية ( الشيوخ ) ونظموا لانفسهم حراسا عديدين مسلحين يحرسونهم ( يدعونهم ) ( الحوشية ) واصبح التقرب الى السلطة المركزية ظاهرة معروفة من اجل ضم بعض الاراضي وضم اراضي جديدة ، وخير مثال على ذلك مقاطعات ( نهر العديل ) المتفرع من الكحلاء والتي كانت بحوزة ( فالح الصيهود ) اثناء التقسيم وتم تسليمها الى ولده ( مجبل بن فالح ) وبقيت تحت عهدته سنوات طويلة وبعد وفاة ( فالح الصيهود سنة 2040 ) ذهب الشيخ ( محمد عريبي ) الى بغداد واتصل بالحكومة المركزية من اجل ضم هذه المقاطعات اليه وفعلا افلح في ذلك ، واعطاها لاشقائه غضبان ، وحمود ، وضمد ، وفعل عريبي ، وعزت ، ومشتت بن عريبي ، وجهود بن عريبي ، بعد ان تم ترحيلهم من اراضيهم في منطقة حمور ، ومربيت ، وام عظمات وغيرها ،والتي اصبحت فيما بعد غير صالحة للزراعة بسبب ملوحة الارض وعدم زراعتها ، اما مقاطعات العدل والمعيل ومقاطعات ( ابو زمور ونهر الاعويج ) وغيرها فقد عهد بها الى الشيخ ( افلح الصيهود ) ومن بعده الى اولاده ، اما مقاطعات المشرح كافة فقد عهد بها الى شيوخ السواعد الذين سوف نتحدث عنهم باسهاب ، كما ضمت اراضي آل ازيرج الى الشيخ ( مطلق السلمان ) واولاده اما اراضي المحير فكانت بعهدة ( مجيد الخليفة ) وعلى هذا الاساس فقد بحثنا عن اهم المقاطعات الواقعة على الانهر الرئيسية
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 34 ـ
والفرعية من اجل ابراز الصورة الحقيقية لواقع الزراعة في تلك المناطق التي كانت حافلة بالزراعة وتربية الماشية والثروة الحيوانية الاخرى للسنوات المنصرمة التي سبقت عام 2058 .

1 ـ محافظة ميسان
 ضمن ملتقى مدينة العمارة او ميسان الواقعة على ضفاف نهر دجلة نتحدث عن بعض الانهر المهمة المحيطة بها والمرتبطة معها اداريا من الجهة الشرقية ( نهر الكحلاء ونهر المشرح ) ( ونهر آل ازيرج من شمالها ) اما بخصوص هويتها كمدينة ، فقد شاع اسمها عبر السنين ، مدينة التجار والمثقفين والفلاحين والكسبة ، فلقد كان يرد اليها كل يوم ومن دون انقطاع الكثير من الفلاحين من جميع النواحي والاقضية المرتبطة بها حتى اصبحت فيما بعد مستودعا كبيرا للسكان في المقاطعات الزراعية التابعة لها ، ومن اجل الوقوف على حجم السكان والتوزيع الجغرافي ( للنهر والمبازل ) والمقاطعات المحيطة بها يمكننا ان نتعرف على واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية لعموم السكان الذين استوطنوا هنالك ردحا من الزمن قبل حلول سنوات الهجرة نحو المدن والتي تفاقمت بصورة متزايدة خلال الاعوام التي سبقت عام 2065 اي في عام 2058 وخصوصا في مناطق نهر آل ازيرج ، ونهر المشرح ، ونهر الكحلاء ، ومقاطعات المجر ، والعسيكي ، ومقاطعات نهر ام الطوسي ، ونهر العديل ، ومقاطعات الاعويج ، ابو زمور ، ومقاطعات قلعة صالح بيت فيصل وغيرهم ويعد نهر آل ازيرج واحدا من أهم الانهر الكبيرة وكذلك في حجم السكان .

2 ـ قلعة صالح في عهد الريف
 تقع مدينة قلعة صالح على ضفاف نهر دجلة وعلى مسافة لاتتجاوز ( 30 ) كيلو مترا شرق مدينة العمارة حيث نصل الى هذه المدينة وهي تطل علينا باشجارها ونخيلها ومياها بحيث يصبح جريان نهر دجلة محاذيا الى الاهوار تماما وكان وما يزال موقعها الجغرافي الجميل يحظى باهمية بارزة لكونها ذات ماض عريق نظرا لقربها من مرقد الامام ( عبد الله بن علي ) والذي كان يؤمه
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 35 ـ
 الكثير من الرجال والنساء من جميع المقاطعات الريفية هناك ويعدونه مزارا مقدسا ، ففي السنوات السابقة اي ماقبل عام 2058 كان نهر دجلة مليئا بالسفن الشراعية الراسية والمحملة بانواع الحبوب مثل الرز والقمح ، وهذا بالطبع يزيد من اهميته الاقتصادية على مر السنين حيث يدخل القسم الاكبر من هذه الحاصلات الى المدينة من بعض المناطق الريفية المجاورة ، مثل مقاطعة ( مريبي ) و ( المجرية ) و ( والشلفة ) و ( المحدر ) ومقاطعات ( الحفيرة ) العائدة الى بعض قبائل بني مالك وغيرهم ، وبذلك فانها اصبحت مركزا تجاريا في تلك الفترة ، كما كان يؤم المدينة يوميا اعداد كبيرة من باعة الاسماك والطيور والبرية الوافدة من اقطار اخرى والتي تباع باسعار زهيدة جدا ،وربما يعود ذلك للنشاط الاقتصادي الكبير الذي كان يدخل الى المدينة من قبل جميع الاسر الفلاحية وهي تحمل البضائع من تلك الطيور والاسماك وغيرها ، وبمرور الايام انتعش الوضع الاقتصادي لتلك المدينة بسبب ذلك الفائض من من هذه الثروة الحيوانية والزراعية جراء تزايد عدد الاشخاص من الفلاحين الذين يقومون بتربية المواشي المتنوعة مما حمل معظم التجار في المدينة على ارسال تلك المنتجات الى مدن العمارة والبصرة وبغداد .
 وفي مدخل سوقها نشاهد باعة الاقمشة وغيرهم من الصاغة والبقالين الذين كانوا يملأون السوق بالبضائع المتنوعة التي كانت تباع الى الفلاحين الوافدين الى قلعة صالح ، الأمر الذي حمل معظم الملاكين وابناء الاقطاعيين على التردد الى المدينة يوميا وكانها اصبحت ملتقى لجميع الاصدقاء وكانت المقاهي الموجودة في المدينة منتشرة هنا وهناك وهي تغص يوميا بزوار المدينة الذين يدخلون اليها كل يوم لشراء ما يحتاجونه من البضائع وايصال المواد الغذائية من الرز والقمح الى مكائن الطحن لاستخراج الدقيق الذي يعد بالنسبة للفلاحين المصدر الوحيد لغذائهم اليومي ، حيث ان معظم سكان الريف كانوا يستعملون ( الصاج )ليحولوا بعد ذلك الطحين الى مادة ( الخبز ) وهي المادة الغذئية لهم ، وفي عهود تاريخية متعددة استوطن فيها الكثير من اليهود بسبب قربها من مرقد ( العزير ) الذي يعد بالنسبة لهم المركز الديني
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 36 ـ
 المقدس كما كانت لهم مشاركة مع الصابئة المندائيين والمسوطنين من اهل المدينة في عملية تفاعل مشترك فيما بينهم ، وكان هذا التفاعل المشترك وليد سلسلة لتأريخ طويل لا يعرفون زمن بداياته ولكن الذي يقرأ التاريخ يعرف ان اليهود كانوا مستوطنين في تلك المدينة منذ زمن طويل واصبحوا مشاركين في بعض الاعمال التجارية مع باقي التجار من اهل المدينة ، ونذكر منهم ( نعيم ) و ( فرام ساسوني اليهودي ) الذي كان مسيطرا على الكثير من الاعمال التجارية هناك ولشدة الاعجاب الحاصل بهذه المدينة جعل معظم ابناء الملاكين والإقطاعيين في حالة شغف واعجاب باسواقها في ذلك التاريخ ، فكان الشيخ ( جاسم بن محمد ) الابن الاكبر للشيخ ( محمد العريبي ) يزور المدينة باستمرار وحاول ان يتزوج من احدى بنات ( عزيز ) صاحب المقهى الشهير في المدينة وتدعى ( فضيلة ) وتزوج منها ثم تزوج ابنة ( الحاج حميدي ) والتي تدعى ( حُسن ) واشترى لها بيوتا في قلعة صالح وكان يتردد الى المدينة بين حين وآخر ومعه احدث الموديلات من سيارات ( الشفروليه ) ونوع ( بيوك ) التي ادخلت الى المدينة عام 2040 من شركة ( بيت لاوي ) في بغداد ، فكانت هذه السيارة موضع اعجاب السكان المحليين هناك لمتانتها وجمالها لكونها كانت بمثابة دخول اول حضارة الى الريف الذي كان يخلو من من الكهرباء والسيارات حيث ادهش بها جميع السكان في المنطقة ولم يمض عام واحد حتى تبعه في شراء واحدة مشابهة لها الشيخ ( حاتم بن طاهر ) من شركة ( بيت لاوي ) ايضا و وقد كلف احد السواقين الموجودين في المدينة لجلبها والمدعو ( شواي ) ، فادخلت الى قلعة صالح وبعدها تم تعبيد الطرق الخاصة بهذه السيارات الى مكان ( جاسم بن محمد بن عريبي ) والشيخ ( حاتم بن طاهر ) .

التركيب الاجتماعي للمدينة
 اما فيما يتعلق بالتركيب الاجتماعي فقد كانت الصفة الاساسية المميزة للتركيب الاجتماعي لقضاء قلعة صالح يتمثل بانعدام اية طبقة ذات منزلة اقتصادية مهمة اذا ما نظرنا الى الموظفين والتجار والمعلمين بصورة عامة وبقية الملاكين الآخرين الذين ابتاعوا منازل بسيطة في وسط المدينة لغرض
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 37 ـ
 السكن ، ولم تكن هناك منزلة خاصة سوى تلك المنزلة التي كان يتمتع بها بعض البقالين والصاغة ورجال الدين من طوائف الصابئة واليهود والمسلمين ، كما لم تكن هناك اية تعقيدات تقع بينهم وبين عامة الناس بسبب العرف او الدين او العقيدة ، وطبيعي ان استمرار الصابئة واليهود كان بسبب ان السكان محتاجون اليهم لمهاراتهم وما يتطلبه سكان الريف من اعمالهم الفنية والتجارية وان هذا النوع من الانتاج الفني كان مفتقدا من قبل الآخرين .
 وتبين لنا من خلال التاريخ المعروف في المدينة ان نظرة الفرد بالنسبة للطوائف الاخرى الموجودة على انه ( اب وابن واخ وزوج ) كما كانت هناك صفات محلية لبقية الممارسات الادبية وحتى في معرفة العلاقات الاجتماعية المعينة ، كما لم تنكشف تعاليم الديانة ( اليهودية ) لأبناء المدينة حيث كانت مقصورة على اليهود وابنائهم فقط وذلك بسبب التعقيدات الموجودة في ( اللغة العبرية ) وفي كتابهم ( التوراة ) وحتى في كتاب ( الكنزة ) للصابئة وفي تراتيلها وطقوسها اليومية حيث بقيت مقصورة على الكبار دون نقلها الى الصغار كما لم تكن هناك مقارنة بين التاثيرات الدينية العقائدية لتلك الطوائف في المدينة ، الا انه كان يعرف ان معظم الاسر الاسلامية هناك كان لا يهمها امر هذه الطوائف وما يتعلق بامور التعبد والديانة ، فكانت متوحدة يجمعها هدف مشترك هو الوجود الاجتماعي الطويل وحب العمل والعيش سوية في تلك المدينة ، ومن بين هذه الابعاد ان هذا الاتحاد او الاندماج كان بسبب عوامل اقتصادية مشتركة لكون المدينة كانت سوقا محليا لجميع الاسر الفلاحية المحيطة بها ، ويبدو انه كان في ذلك التاريخ طبيعة خاصة للموقع الاقتصادي الذي يمثل مرحلة هامة للأعمال التجارية للتجار الذين كانوا يملأون السوق بالبضائع التجارية مثل صياغة الذهب وغيرها وتوزيعها على الصاغة الموجودين هناك مثل ( بيت زهرون ) و ( بيت مهتم ) و ( بيت فرحان ) و ( بيت ياسر الصكر ) والتجار الآخرين اصحاب علاوي الحبوب مثل ( بيت الحاج حميد )وغيرهم ، ويشير تاريخ المدينة الى وجود اصحاب لهذه الحرف وكانها اتحادات مهنية او دينية ومن الممكن العثور على وجود معابد اثرية لتلك الطوائف في المدينة مثل ( التوراة ) التي كانت تقع شرق المدينة والتي يتعبد فيها اليهود حسب طقوسهم
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 38 ـ
 الخاصة ، وكذلك معبد ( المندي ) الذي يقع شمال المدينة والمخصص لطائفة الصابئة بإدارة ( الشيخ عبد الله ) ، يفيد تاريخ المدينة ان العوامل التي ساعدت على ظهور الصابئة واليهود ربما جاءت بسبب الحروب التي حصلت في تاريخ المنطقة مثل ( السبي البابلي ) في عهد ملوك بابل ( منذ سنة 604 الى 704 ق.م ) حيث جرى فيه جلب اعداد كبيرة من اليهود من أورشليم الى بابل وتوزيعهم على مناطق الجنوب واستقرارهم هناك في منطقة ( القرنة ) و ( قلعة صالح ) و ( البصرة ) ومناطق الجنوب الاخرى وقرب مرقدهم ( العزير )ويعتقد ان حكام بابل كانوا يدركون ان اليهود جاءوا لغزوا بلاد كنعان من مصر وبمرور الزمن توصلت هذه المجموعات البشرية التي جلبت معها خبرات فنية من مناطق استيطانهم السابقة الى نوع من الاندماج والانصهار مع السكان المحليين في جنوب العراق وحتى شماله ، وطيلة فترة تمدن جنوب العراق ظهر منهم الكهنة واهل الحرف وتمسكوا ايضا بأديانهم بصورة غير علنية ولم يفصحوا عن هذه المعقدات ، وفي بداية ظهور الدين الاسلامي ( وما جاء به القرآن الكريم ) والنبي العظيم محمد ( ص ) مارست هذه الطوائف طقوسها بحرية وامان وكان شعار ذلك ( وما انت عليهم بمسيطر ) ، ولهذا فقد كان ( عيد العرازيل ) وهو عيد اليهود يمارس بحرية في داخل المدينة وكانوا يضعون اوراق اشجار الرمان والنخيل امام بيوتهم ، وكذلك بقية الطوائف مثل الصابئة المندائيين فقد كانوا يمارسون طقوسهم ايضا اما اليهود فيذهبون الى ( معبد العزير ) بحرية تامة ، وصفوة القول فان لهذه الطوائف شعائر دينية وطقوسا خاصة واكبت حياتهم طيلة قرون عديدة وبقوا في الجنوب بالرغم من ان الملك كورش الذي هدم اسوار بابل اعاد معظم اليهود الى اورشليم الا ان اليهود في الجنوب فضلوا البقاء هناك حتى عهود تاريخية متاخرة فلقد كانت طقوسهم تعرف في صلواتهم السرية ويتم تقديم القرابين لها في الاعراس وغيرها .
 لذلك فان الفعاليات الدينية لتلك الطوائف كانت تنظم المنهج الاجتماعي لهم وعلى اثر ذلك فان المدينة اصبح لها تاريخ معين ميزها عن غيرها من مدن الريف بحيث كان يشير الى المناخ الديني والوضع الاقتصادي والاجتماعي في تلك المرحلة .
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 39 ـ
الأنهر والمقاطعات
 حاولنا جاهدين من خلال معايشتنا الميدانية في تلك المناطق ومن خلال بعض الاشخاص الذين استطعنا ان نلتقي بهم في الاماكن المحيطة بمدينة بغداد والذين افادونا بهذه المسميات من الانهر والمقاطعات في كل من آل ازيرج ـ ونهر المشرح ـ والكحلاء ـ والمجر الكبير ـ والمجر الصغير ـ والمناطق الاخرى ـ مع بعض الاحصائيات التقريبية لبعض الاماكن والاستيطان الذي يمتاز بتربية المواشي ونوعية الزراعة والاراضي الصالحة فيها وغير الصالحة ومن بين الذين وفروا لنا بعض المعلومات ( الشيخ كاظم عن مقاطعات بني لام ـ صبري موسى مختاض عن آل ازيرج ـ والسيد خلف السيد عكلة عن نهر العسيكي ومقاطعاته ـ والسيد جابر بن علي عن مقاطعات المشرح ـ اما مقاطعات نهر ام الطوس والفروع التابعة له فقد افادنا عنها المرحوم ملا جاسم الحلفي ( الساكن في مدينة الثورة سابقا ) وفيما ياتي نتحدث عن الانهر :

نهر آل ازيرج
 يعتبر نهر آل ازيرج والمقاطعات التابعة له واحدا من ابرز المقاطعات الزراعية في جنوب العراق من حيث الكثافة السكانية والانتاج الزراعي الذي بلغ اعلى ذروته الاقتصادية في العهود المنصرمة اي ما قبل العام 2058 ونظرا لعدم وجود احصائيات دقيقة عن عدد السكان المحليين والكميات الزراعية التي كانت تنتج سنويا من محصول الرز والقمح ، الا ان بعض المعلومات التي استقيناها من هؤلاء الاشخاص الموجودين في تلك المناطق السكنية من بغداد تؤيد صحة وجود تلك الانهر والاسر الفلاحية التي كانت تقطن هناك خلال الاعوام المنصرمة والذين هاجر الكثير منهم فيما بعد للأسباب التي سنتحدث عنها في الفصول اللاحقة .
 ولمواصلة الحديث فان معظم الانهر الفرعية من آل ازيرج كانت مغروسة بالبساتين ، وسوف نستعرض بعض مسميات الروافد الواقعة في الجانبين الايمن والايسر منها .
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 40 ـ
الجانب الايمن من نهر آل ازيرج :
 يتفرع من نهر آل ازيرج من الجانب الايمن نهر ابو الفحل ثم نهر عصمة ثم ( نهر دوارة علي ) ثم ( نهر الدويمة ) ثم ( نهر البركة ) ثم ( نهر ابو جصانة ) وبعد انحداره يصل الى ( نهر ام جومة ) ذي المقاطعات العديدة والشهيرة بالثروة الحيوانية ثم يصل الى منطقة نهر الشطانية وهي المركز الرئيسي لقبائل الفردوس .
 وتصب جميع هذه الروافد في مقاطعات نهر الهدام ذات الشهرة الواسعة بتربية المواشي والاغنام وهي مركز استيطان الاسر الفلاحية من قبل ( السواعد الحريشيين ) و ( آل ربيع ) و ( البو عطوان ) وبقية الفروع الهامة مثل ( بيت مهنا ) و ( بيت حيدر ) و ( الكروجة )و ( عشيرة الزهيوات ) المرتبطة بالفرع الرئيسي الى بيت شواي كما تقع قبائل آل عيسى شمال نهر ( ام جومة والشيطانية ) وفي هذه المنطقة نشاهد جزيرة ( آل بزون ) ذات القبائل العديدة التي يقطن فيها السكان في بيوت من الشعر شمال ( مقاطعات الهدام ) والتي تمتد حتى بداية منطقة ( سيد احمد الرفاعي ) .
 اما الرئاسة السابقة لجميع تلك القبائل فيذكر انها كانت تحت عهدة ( بيت فهد ابن مذكور ) و ( مذكور ) هو الابن الاكبر للشيخ ( مذخور ) والذي كانت تتوافد عليه كبار القبائل لغرض ( الفراضة ) التي توارثها ابناؤه من بعده على مر السنين حتى الوقت الحاضر وكانت هي الصفة القانونية الشرعية التي يتعارف عليها ابناء الريف في حسم الامور وتعقيداتها .

الجانب الايسر من نهر آل ازيرج
 اما الروافد والانهر الفرعية التي تنبع من نهر آل ازيرج الى الجانب الايسر هي نهر ( ابو سبع ـ ثم نهر الميمونة ـ ثم نهر ابو الجنايز ـ ويؤكد بعض المحدثين الذين لهم خبرات وذكريات عن تلك المقاطعات التابعة الى الانهر سابقة الذكر بانها تضم العديد من السكان المحليين والمختصين بشؤون الزراعة وتربية الماشية وصيد الاسماك والطيور بصورة واسعة وهم من قبائل
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 41 ـ
 ( آل ربيع ) و ( الفريجات ) وبعد انحسار النهر الرئيسي نحو الشرق نصل الى بعض الانهر الفرعية مثل نهر ( باب الهوه ) ونهر ( شحمه ) القريب من الاهوار ومعظم السكان هم من ( البو عطوان ) وتكون الرئاسة على جميع العائلات الفلاحية في تلك المناطق من قبل ( بيت منشد ابن مذخور ) وطبيعي ان تلك المناطق كانت غنية بانتاج الرز الجيد الشهير وفي هذه المنطقة يقع قضاء الميمونة التي تميزت مع بقية الاقضية بتصدير الكميات الكبيرة من رز العنبر نحو مدينة العمارة ، اما الثروة السمكية وغيرها فكانت هي الاخرى من اهم الموارد الاقتصادية التي يستفيد منها السكان المحليون ، اما المحاصيل الزراعية الاخرى مثل زراعة الرقي والبطيخ فكان الفلاحون في تلك المناطق قد اسهموا ايضا في زراعتها .

نهر الكحلاء والفروافد التابعة له
 كثيرا ما كنا نسمع عن نهر الكحلاء والروافد الروافد المقاطعات التابعة له لاهميته الاقتصادية وكثافته السكانية في عهوده السالفة ، والذي ينبع من نهر دجلة قرب مدينة العمارة لقد كان مليئا بالكميات الكبيرة من الانتناج الزراعي والعدد الهائل من السكان الذين يقطنون المقاطعات التابعة له والواقعة ضمن الروافد الفرعية والرئيسية الواقعة هناك مثل نهر العسيكي ـ وام الطوس ـ ونهر الطلعة ـ ونهر العديل ـ ومقاطعات المعيل ـ ونهر ابو زمور ونهر الاعيوج .
 وتمتد مقاطعات الكحلاء في منطقة واسعة ذات تربة خصبة تحدها من الشرق الاهوار ومن الشمال اراضي ( السواعد ) ومن الجنوب المقاطعات التابعة الى ( نهر الاكرع وام الطوس ) ومقاطعات ( نهر العديل والصلبة ) وغيرها وهي مندمجة من الجهة الشرقية مع ( اهوار الحويزة ) ومنحدرة باتجاه مقاطعات المعيل والطلعة ومقاطعات ( بلوة والزريبات ) ومن الطبيعي انها كانت لذلك تمثّل اهمية اقتصادية كبيرة ، كما انشئت خطوط مواصلات في الانهر فيما بين تلك الجماعات بواسطة الزوارق سابقا لانها لم تكن تعرف اي وسائط نقل ولانها تتصل بممرات الانهر نحو المقاطعات الاخرى
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 42 ـ

  والى النواحي والاقضية المجاورة شأنها في ذلك شأن بقية المقاطعات الموجودة في الريف حبث مكنهم استيطانهم هذا من الحفاظ على مواقعهم السياسية والاقتصادية وكذلك فان نهر الكحلاء ينحدر نحو الاهوار وهو مزود بعدد كبير من الروافد على الجابين الايمن الايسر ومن الممكن ان تتم الملاحة في قسميه الاعلى والاسفل لكونه واسعا ويختلف عن بقية الانهر الفرعية ، فكانت السفن الشراعية تمر فيه وهي محملة بكميات كبيرة من الرز نحو مدينتي ( الكحلاء ) و ( العمارة ) ومن الطبيعي ان الفيضانات كانت تغمر ذلك النهر سنويا وكذلك الروافد التابعة له لكن السيطرة كانت مهمة بالنسبة للفلاحين حبث ينخفض مستوى المياه في شهر حزيران من كل سنة ويصل الى ادنى مستوى في شهري ايلول وتشرين الاول ، ويعتبر الفيضان غير ايجابي لان الفلاحين كانوا يستفيدون من المياه لارواء مزارعهم في الصيف والشتاء ، وكانت لهذا النهر وما زالت مسميات حسب المناطق التي يمر بها فعند منحدره وفي ملتقى ( العمارة ) حتى وصوله ملتقى ناحية ( الكحلاء ) يسميه السكان بـ ( شط العمارة ) وعند ملتقى الناحية ( الكحلاء ) حتى بداية
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 43 ـ

 ( الطلعة ) وهي دار الشيخ ( فالح الصيهود ) سابقا يدعونه ( نهر الزبير ) وما بين الطلعة وحتى دار ( جيجان ابن فالح ) يطلق عليه اسم ( شط العدل ) اما الاسم الشائع له فهو ( نهر الكحلاء الرئيسي ) حتى اننا نجد من بينها المبازل الموجودة هناك والتي تصلح هي الاخرى اماكن لسكن الفلاحين الذين لا توجد لديهم اراض زراعية ، وذلك من جراء الاعداد المتزايدة هناك الذين يعتمدون على الزراعة فلا يجدون اماكن خالية يسكنون فيها لانهم اسر فلاحية مهاجرة من اماكن اخرى ومن اراضي عرب ستان والمناطق المجاورة ، وقد كنا نشاهد باعيننا بانه لا توجد هناك اراضي بور وخالية من السكان حيث ان معظم الاراضي في تلك المناطق اصبحت مستغلة على مدار السنة فتجد ان معظم السكان كانوا يرغبون او يقبلون الحصول
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 44 ـ
 حتى على نسبة قليلة من الاراضي بحيث لا تتعدى حصة الفرد الواحد منهم ( 6 كبالة ) وهي بالتقدير الحاضر ( 6 دونم ) وطبيعي ان جميع هذه الاراضي والروافد تابعة الى ( البو محمد ) اي تحت عهدة الشيخ ( محمد عريبي ) واولاده مثل الشيخ جاسم وحطاب وغيرهم ، اما الجانب الايسر من نهر الكحلاء فكان بعهدة الشيخ ( فالح الصيهود ) وابنائه ( خريبط الفالح ) و ( جيجان ) و ( الشيخ بنية ) و ( الشيخ عجمي ) و ( الشيخ مجبل ) ونستطيع القول انه بحوزة الشيخ ( محمد عريبي ) وابنائه واشقائه تنحصر ايضا عائدية الاراضي الواقعة ضمن مقاطعات ( نهر العسيكي ) ونهر ( ام الطوس ) و ( نهر العكيل ) و ( نهر الصلبة ) وجميع المقاطعات التابعة لتلك الانهر الكبيرة والصغيرة ، اما بعض الاراضي والبساتين فقد اعطيت الى بعض السادة مثل اراضي الصلبة التي اعطيت الى ( السيد يوسف البطاط ) وبعض البساتين التي تقع في ( نهر ام طوس ) فقد اعطيت الى السيد ( سيد ابراهيم ) وكذلك مقاطعات النخيل في ( نهر الاعيوج ) فقد عهد بها الى ( السيد محمد العابد )وابنائه واشقائه .

نهر العسيكي
 يقع هذا النهر الشهير الذي ينبع من نهر الكحلاء شمال ناحية الكحلاء ويصبح واحدا من الروافد الهامة لنهر الكحلاء ويمتد باتجاه الطريق المؤدي الى مصب الاهوار مخترقا العديد من الاراضي الخصبة وتقع على ضفافه بعض بساتين النخيل والكروم والتين وغيرها ، وكما ان معظم الاراضي التي تقع على جانبيه قد خصصت لزراعة القمح والشعير والرز ويتفرع نم جانبه الايمن ( نهر المحدر )و ( نهر المنيعية ) و ( نهر التمرة ) و ( نهر الطمامة ) و ( نهر البطاط ) ثم يصبح ذلك النهر ذا فروع عديدة مثل ( نهر الشلفة ) و ( نهر المفيشيج ) وهذان النهران لهما شهرة واسعة بزراعة رز العنبر والشتال الذي يصدر منه بكميات هائلة الى كل من البصرة وبغداد ومدينة العمارة بواسطة السفن الشراعية كما تشتهر تلك المناطق في صيد الاسماك وتربية الجاموس بكثرة وخصوصا في المناطق الشرقية منها لقربها من الاهوار .
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 45 ـ
الانهر على الجانب الايسر لنهر العسيكي
 ان الروافد الفرعية التي تقع على الجانب الايسر لنهر العسيكي هي اولا ( نهر حميدة ) الذي تسكن فيه عائلات فلاحية تنتمي الى قبيلة ( البهادل ) ثم ياتي بعد ذلك نهر ام عظيمات ثم ( نهر حمور ) ولها مبازل ايضا يدعونها في الريف ( المصافي ) لسحب الملوحة من تلك الاراضي الزراعية للمناطق المحاذية لمقاطعة ( ام الطوس )الى نهرين هما الايمن والايسر ومن الطبيعي ان مقاطعات ( ام عظيمات ) ( ومقاطعة نهر حمور ) كانت شهيرة بزراعة القمح والشعير والذرة وتربية الابقار والاغنام وخصوصا في ( مقاطعة حميدة ) حيث نصبت مضخات مياه في تلك المناطق من قبل ( الشيخ محمد بن عريبي ) لارواء تلك الاراضي الذي ذكرنا ان زراعتها كانت تتم من قبل عشيرة ( البهادل ) و ( الجيازنة ) و ( البوفرادي ) ، اما الاشراف الفعلي على تلك المقاطعات فكانت من قبل ( السراكيل ) الذين كان يعينهم ( الشيخ محمد بن عريبي ) لجمع المحاصيل الزراعية وتقسيمها وايصال حصة ( الشيخ محمد بن عريبي ) في نهاية كل سنة وبطريقة المناصفة ، ومع مرور الايام حصل بعض الجفاف والملوحة في تلك الاراضي ورحل عنها اشقاء ( محمد بن عريبي ) وهم ( محمود عريبي ) و ( ضمد عريبي ) و ( منشد عريبي ) و ( والشيخ مشتت عريبي ) وغيرهم حيث عهدت اليهم اراضي خصبة في ( نهر العديل ) تلك التي كانت بحوزة ( الشيخ فالح الصيهود ) الذي توفي سنة ( 2040 ) تقريبا وبعد وفاته اخذ ( الشيخ احمد بن عريبي ) بالمطالبة لدى الحكومة العراقية بمحافظة العمارة بعد مفاوضات عديدة لكونها كانت بعهدة الشيخ ( مجبل بن فالح الصيهود ) لذلك فقد رحل اليها معظم اشقائه الذين ذكرناهم ووزعت عليهم تلك الاراضي ، ومانواصل متابعة ( نهر العسيكي )حتى نصل الى ( نهر الجراية ) وهو ايضا من الروافد المهمة ( لنهر العسيكي ) ثم يتفرع من ( نهر الجراية ) عدة روافد من بينها ( نهر العدل ) و ( نهر المصفاة ) و ( نهر ابو غرب ) وهذه المقاطعات كانت مقرا لسكن ( الشيخ جاسم بن محمد بن عريبي ) الذي سكنها مؤخرا ، حيث احبه الفلاحين الذين ذهبوا معه وبعد وفاته عهد الى ابنائه ( وهم الشيخ باني وعزيز وفيصل والشيخ فالح بن جاسم ) .
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 46 ـ
نهر ام طوس
 يقع نهر ام طوس شرق ناحية الكحلاء اي قرب ملتقى دار الشيخ محمد عريبي وحاشيته الكبيرة وهو احد الروافد المتفرعة من نهر الكحلاء ، ولطبيعة هذا النهر الكبير اهمية اقتصادية واسعة نظرا لكونه يجمع العديد من الاسر الفلاحية المتواجدة هناك ، ويصبح نهرا خاصا متميزا وذلك بما لشهرته وجمال اراضيه وكذلك للابداعات الفنية التي كان يملكها بعض الافراد والعديد من الاشخاص المعنييين واصحاب المواهب الاخرى ، لذلك فقد احبه الفلاحون وفضلوا البقاء عنده كما انه محل ذكريات خالدة لدى الاشخاص الذين عاشوا بقربه لان بعض المقاطعات قد عرفت الكهرباء لاول مرة في الريف ومنذ عام 2036 تقريبا ، فيما شيد الشيخ ( جاسم بن محمد ) دارا له هناك وهو اول نهر ادخلت الى اهله السيارة وتم تعبيد الطريق لها من ناحية الكحلاء ـ حتى دار جاسم ـ ثم دار عباس بن محمد .
 كما ادخل الراديو الى هناك ـ وكان الناس يجتمعون عند الشيخ ( جاسم ) لكي يستمعوا الى مقال الراديو هناك .
 وصفوة القول ان متابعة نهر العسيكي يثير بعض الاهتمامات لما يمتاز به من تطور في بادىء الامر ، ولعدم وجود احصائيات دقيقة عن حجم السكان وكذلك حجم الحاصلات الزراعية ، لكننا تمكنا من الحصول على الكثير منها من خلال معايشتنا الميدانية له ، وكذلك استفدنا من بعض المعلومات التي وفرها لنا ( ملا جاسم ) الذي توفي في شهر آذار 2088 في مدينة الثورة ببغداد والذي كان كاتبا لدى ابناء الشيخ محمد عريبي بصورة مستمرة منذ عام 2036 حتى مجيئه الى بغداد سنة 2060 تقريبا .
 ولغرض توضيح ذلك نبدأ بالفروع الواقعة في الجانب الايمن لنهر ام الطوس وهي كما يلي :

اولا ـ نهر ابو صخير
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 47 ـ
 يتفرع نهر ابو صخير من نهر ام الطوس حيث يسكن على ضفتيه العديد من الفلاحين الذين اعتمدوا الزراعة لجمع المحاصيل كذلك اهتمامهم بتربية المواشي والاغنام

ثانيا ـ نهر طريف
 يتفرع هذا النهر ايضا من نهر ام الطوس ويتواجد عنده العديد من الفلاحين من بني مالك وقبيلة البهادل ، ويقوم الفلاحون هناك بزراعة القمح والشعير بالاضافة الى تربية المواشي ، ومن المعروف ان قبيلة بني مالك متخصصة دون غيرها بزراعة البطيخ والرقي .
  
ثالثا ـ نهر المالجية ونهر المصفاة
  
 يمتاز هذان النهران بالمحاصيل الزراعية بكافة انواعها نظرا لخصوبة الارض في تلك المناطق ، ويوجد في هذه المقاطعات بعض المضخات التي تم نصبها من قبل ( الشيخ محمد بن عريبي ) ، وتشتهر في هذه المقاطعات زراعة البطيخ والرقي وتربية الاغنام والابقار وتقطن هنا قبائل بيت ( اشميل ) وبني ( مالك ).

رابعا ـ نهر الهيجة والمسراح
 حظي نهر الهيجة ، ونهر المسراح ، بشهرة واسعة
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 48 ـ
   
 في السنوات التي كانا فيها تحت عهدة كل من ( سيد مهدي ) حينما كان وكيلا عاما على جميع المقاطعات التابعة لنهر الهيجة وكذلك ( سيد بن فالح بن سيد يوسف ) الذي اصبح وكيلا عاما على مقاطعات نهر المسراح والهيجة وازدهرت المحاصيل الزراعية وغيرها في هذه المنطقة ، كما ان عدد المواشي والابقار اخذ يتزايد والمحاصيل تفوق جميع المحاصيل في المناطق الاخرى اي في الفترة التي تولى فيها ( الشيخ جاسم بن محمد ) امر تلك المقاطعات ، ويروي لنا ملا جاسم الذي كان يقوم بضبط الاحصائيات في هذه الاراضي ان معدل الانتاج الزراعي من رز العنبر بلغ ما يقارب عشرين الف تفار تقريبا وان الاغنام والابقار بيعت باسعار زهيدة جدا كما
 ان معظم الفلاحين استوطنوا على ضفاف المبازل ، حيث ان وجود الشيخ جاسم كان السبب في دفع عجلة التقدم الزراعي هناك .
خامسا ـ نهر المطلاع والنعناعة
 يعتبر نهر المطلاع ونهر النعناعة من بين الروافد الاخرى التي تنبع من نهر ام الطوس وتمتد الى مسافات بعيدة مخترقة بعض الاراضي الخصبة حتى تلتقي بالمبازل الرئيسية لنهر العسيكي ويعود هذا التنظيم الهندسي في مجال البزل لان الاراضي الواقعة في الجانب الايسر من نهر ام الطوس لم تجد لها مبازل في الااضي نهر العسيكي وكان هذا يعود الى تنظيم هندسي رائع للخبرات الفنية التي رسمتها عقول الفلاحين القدامى والذين كانوا يمتازون بخبرات فنية رائعة منذ اقدم الازمنة في تاريخ المنطقة ، ومما يذكر ان جميع المقاطعات المارة الذكر كانت تشتهر بزراعة الرز وتربية المواشي والاغنام .


 
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 49 ـ
 ( الاسر الفلاحية )التي كرانت تقطن هناك فهي من قبائل ( بيت سليم ) و ( الغرة ) .

سادسا ـ نهر معيل الصليل ونهر الجاسمي
 لابد لنا من الاشارة هنا الى الاهمية البالغة للوجه الاقتصادي ومن ثم للناحية السكانية والزراعية .
 من المعروف لدى اهل الريف ان القرب والبعد من ( الاهوار ) يعطي صفة مميزة للاراضي القريبة من الاهوار نظرا لكونها تمتاز بتربة رغوية وخصبة ، لذلك فانهم قد استغلوا هذه الخاصية مما جعل الفلاحين يهتمون بزراعة رز ( النعيمة ) ( والعنبر ) الشتال ، ولا يقتصر الامر على الزراعة فقط بل ان معظم الفلاحين اهتموا بتربية المواشي والجاموس وصيد الاسماك والطيور البرية في تلك الاماكن .
 اما المناطق والانهر التي تنبع من الجانب الايسر لنهر ( ام الطوس ) فسوف نتحدث عنها بصورة موجزة وهي كالآتي .

سابعا ـ نهر الختلكية ونهر الجري
 ينبع نهرا الختلكية ونهر الجري ( من نهر ام الطوس ) القريب من دار الشيخ محمد عريبي السابقة كما ان نهر ام الطوس يعد واحدا من الروافد المهمة ( لنهر الكحلاء ) ، وتقطن على جانبي نهر الختلكية ونهر الجري العديد منالاسر الفلاحية التي كانت تقوم بزراعة الاراضي الواقعة هناك وخصوصا
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 50 ـ
 زراعة القمح والشعير ، ويفيد بعض الفلاحين القدامى الذين يقطنون المناطق السكنية في بغداد بان لهذين النهيرين اهمية بالغة في انتاج المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية كما تفيد بعض الاحصائيات ان عدد السراكيل البالغ سبعين سركالا في تلك المقاطعات يدل على ان حجم السكان كان واسعا جدا ، اما القبائل الفلاحية الموجودة هناك فمانت تنتمي الى قبيلة السواعد والسراج وقبائل ( البو فرادي ) ( وقبيلة السودان ) وان معظم المقاطعات المارة الذكر كانت تحت سيطرة الشيخ ( محمد عريبي ) حيث ان المتبقي من الانتاج الزراعي كان يرسل اليه بواسطة السراكيل بعد حسم حصص الفلاحين وهي حصة ( النصف ) من الانتاج الزراعي فقط اما تربية المواشي وصيد الاسماك فهي تعود الى الفلاحين انفسهم .
 ومن الجدير بالذكر ان مثل هذه المقاطعات لابد وانها تحتاج الى مبازل لتصريف المياه ، يلذلك فان ( نهر الطلعة ) الذي ينبع من ( نهر الكحلاء ) قرب ملتقى دار الشيخ فالح الصيهود يصبح مبزلا رئيسيا لجميع المقاطعات التابعة ( لنهر الختلكية ) و ( نهر الجري ) والتي كانت بعهدة عبعوب واخيه ايوب اولاد ( خنوية ) زوج شيالة سابقا .

ثامنا ـ ( نهر ام شعيفه ونهر الصلبة )
  لايعرف بالضبط ما معنى التسميات التي سمي بها هذان النهران ، فهذه التسميات وغيرها كانت متداولة منذ زمن بعيد في تلك الاماكن حتى ان الكثير من الفلاحين الذين كانوا يقطنون تلك الاماكن يجهلون معنى هذه التسميات ، وعلى كل حال فهما مصدر ارواء مهم بالنسبة للمنطقة وينبعان من نهر ام الطوس ايضا ، ولكثرة هذه الروافد الواقعة على جانبي نهر ام الطوس فانه يعتقد ان حاجة السكان المحليين والطلب المتزايد على الزراعة في العهود المنصرمة هو الذي ادى الى زيادة هذه الشبكة الواسعة من ( الانهر والمبازل ) والتي كنا نشاهدها على امتداد المناطق وان معظم السكان كانوا يقطنون على ضفاف المبازل لعدم حصولهم على الاماكن الجيدة كما كان الحال على جانبي بعض الانهر ، الخالية من السكان حاليا .
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 51 ـ
 وطبيعي ان هذه المقاطعات كانت تظم العديد من الاسر الفلاحية الذين اهتموا بزراعة القمح والشعير وزراعة البطيخ والرقي وتربية المواشي .
 ويفيد البعض ان الاقبال على الزراعة هناك بسبب حسن التعامل الذي يلقاه الفلاحون من رئيسة تلك المقاطعات وهي ( سعدة ) ام شياع احدى زوجات محمد عريبي والمحبوبة لديه بعد زوجته ( فتنة ) فكان الشيخ محمد عريبي يكن لها الاحترام الكبير بسبب ادراكها الواسع لجميع الامور وحسن التصرف ، كما كانت تتصرف بشكل رائع مع الفلاحين وهذه الامور وغيرها اكسبتها الخبرات كونها عاشت في بيوت اعظم رجال قبيلة السواعد ولكونها شقيقة ( محمد الموسى ) الملقب بابو ( تريكات ) ، وكلمة تريكات هي كلمة محلية تطلق على الاضوية ، لذلك فان حجم الحاصلات الزراعية وتربية المواشي كان هائلا جدا في هذه المقاطعات ، وجميع الاراضي الزراعية هناك كانت تدفع مياها المالحة صوب ( نهر الجري ) ونهر الصلبة اللذين يعدان من المبازل الرئيسية ، كما لم يقتصر الامر على كون الجري مبزلا او نهر الصلبة مبزلا ، فهما يقومان بادوار مختلفة ، فنهر الجري الذي كان بعهدة ( عبعوب بن اخنوبة ) ونهر الصلبة الذي اعطي الى ( السيد يوسف البطاط ) كانا ايضا يؤديان مهمتين مختلفتين فهما اولا نهران للزراعة وكذلك يقومان ببزل المياه من نهر ام شعيفة ، اما الاسباب التي ادت الى امر الاشراف على نهر الجري فهو ان محمد عريبي كان متزوجا ( شيالة ) والدة عبعوب وايوب والتي كانت تقوم بادارة القصر من خلال وجودها مع الشيخ محمد عريبي بعد وفاة زوجها السابق ( اخنوبة ) كما ان مكوثها الطويل في خدمة الشيخ محمد عريبي وذكاءها ودهاءها كانت سببا رئيسيا في تقريبها الى قلب محمد عريبي فاحبها وتزوج منها فيما بعد ، ولم يكن ذلك الزواج بالشكل الرسمي فكان بطريقة متعارف عليها لدى الاقطاعيين كالنساء ( المعتوقات ) اما اولادهما الذين كانوا يعرفون باسم ( عبعوب وايوب ) فهما من زوجها السابق ( اخنوبة ) وبقيت شيالة هي المراة الوحيدة التي كانت مقربة لدى الشيخ محمد عريبي حتى وفاته ، وقد استغلت شيالة الخلاف الذي حصل ( بين محمد عريبي وفتنة ) على اثر الحادث الذي دبر الى محمد عريبي في بيروت حينما كان مريضا والتآمر على حياته على يد
اهل الريف في جنوب العراق  ـ 52 ـ
 زوجته ( فتنة ) وولدها عباس من اجل الزعامة والرئاسة حسبما يدعي البعض بعد ان امر بطردهما باتجاه شقيقها ( مجيد الخليفة ) مع ابنها وتجريدهما كليا من جميع المقاطعات ، وبهذا فقد ازداد نفوذ ( شيالة ) ، كما انه تقرب ايضا الى زوجاته ( سعدة ام شياع ) وغيرها من نسائه وقد اعطت هذه الحادثة التي دبرتها فتنة تجربة فريدة بسبب المال بعد ان منحها وابنها عباس جميع السلطات والتصرف في مقاطعاته العديدة ، وفي السنوات الاخيرة من حياة الشيخ محمد عريبي تم الصلح معها ومع الشيخ عباس بواسطة السيد يوسف ، اما نهر الصلبة الذي تحدثنا عنه فكان يعود ارضا وريعا الى ( السيد يوسف البطاط ) الذي يعد بالنسبة للفلاحين مرجعا دينيا مرموقا في تلك المناطق ، ففي كثير من الاحيان يذهب المتخاصمون لأِداء اليمين ( امام السيد يوسف ) لأزالة الشكوك التي تحوم نحوهم في القضاء المحلي وغيره ، كما ان الشيخ ( عباس ) و ( فتنة ) استنجدا ( بالسيد يوسف والسيد سروط ) لإنهاء النزاع بين فتنة ومحمد عريبي لكن الاخير لم يرضخ لذلك ، الاّ في الايام الاخيرة من حياته .

تاسعا ـ نهر ام الحنة ونهر الشنيشلي
 يعتبر نهر ام الحنة ونهر الشنشيلي من ضمن الروافد التي تنبع من نهر ام الطوسي كما ان معظم المقاطعات لهما بلغت من الشهرة حدا كبيرا وذلك لما تمتاز به في تلك المناطق من انتاجية عالية للرز بنوعيه العنبر والنعيمة ، وفي هذه المقاطعات اهتم الفلاحون بصيد الاسماك وفي جميع المواسم .
 ولغرض مواصلة الحديث عن حجم السكان والمقاطعات نتابع سير ( نهر الكحلاء ) الشهير وخصوصا من الجانب الايمن بعد ان ودعنا بعض الانهر المهمة مثل ( نهر العسيكي ) ( ونهر ام الطوس ) بما يحويانه من المقاطعات الشهيرة وبعد مواصلة سيرنا نصل الى دار ( محمد عريبي ) التي شيدت من الطابوق على ضفاف ( نهر الكحلاء ) وقرب ملتقى نهر ام الطوس وبالقرب منها دار ( ملا كريم ) صاحب النفوذ الكبير في ادارة جميع المقاطعات وقد ادخل اليها جميع الاشجار من الفواكه وازهار الزينة والبحيرات الصغيرة وهي تضاهي ( دار الشيخ محمد عريبي ) ، وكانت تلك الدور محاطة برجال ( الحوشية )