لعل من الخصائص التي تميزت بها النفس البشرية هو تطلعها وتشوقها الى معرفة ما هو مخبأ في طي القدر ، ولاسيما فيما يتعلق بالاعمار او الدول ومصائرها وما الى ذلك ، ولكن الشيء الذي يجب ان يكون موضع اهتمامنا والذي يجب ان نفكر فيه هو كيف يجب ان تكون حياتنا حافلة بالخصب والعطاء الحضاري ، اقول هذا ، وانا اضع هذه الدراسة الميدانية للخلفية التاريخية للواقع الاجتماعي لسكان المناطق الجنوبية في ميسان واماكن استيطانها في تلك الحقبة الزمنية المنصرمة للفترة التي سبقت عام 2068 مع ابراز التغيرات الهامة التي شملت بقاعا واسعة من الريف العراقي وعلى راس تلك التغيرات هي الهجرة من الريف الى المدينة . ان مرحلة الاقتراب من دراسة احوال الفلاحين في مراكز استيطانهم تتيح لنا الوصول الى مجمل الظواهر الخلفية التي تكشف الواقع المنظور وغير المنظور في وسطهم وخارج وسطهم ، لان الخيال التاريخي لدراسة مراحل حياتهم هو خلاصة مكثفة لذلك الواقع بعد ان تكشف في الوضوح والتفكير . اننا نشاهد احيانا وفي زوايا كثيرة وبفترات متقطعة لتاريخنا الحالي اننا بحاجة الى معرفة وتحليل هذه الظواهر عن سكان الريف ، لكي نقارن بين المؤثرات الاساسية لعوامل البيئة ، وسلوك الافراد ، في حالة وجودهم وعند انتقالهم نحو المدن ، كما تناولنا ايضا بعض الامور المتعلقة بتصريف الحياة اليومية لهذه الاسر الفلاحية ضمن المناطق الواقعة في كل من ( المشرح ) و ( الكحلاء ) و ( آل إزيرج )، ( وقلعة صالح )لان الوصول الى هذه النقطة يدفعنا ولإول مرة الى ايضاح اهمية تلك الظواهر ، حيث جرى على امتداد السنوات اهل الريف في جنوب العراق ـ 6 ـ
الطويلة الماضية تدفق اعداد كبيرة من هذه العائلات ومن مواطنها الاصلية نحو المدن ، نظرا لتراكم العديد من التاثيرات العامة التي ساهمت في تخلخل وانشطار المواقع ، وتعطيل النشاط الانساني والعلاقات الانتاجية بين السكان ، ان تحليل الظواهر الاجتماعية والنفسية لعموم السكان قد لايمكن اكتشافها ودراستها وتحديدها دون معرفة الاطر الكاملة لتلك الدوافع ، وفي كثير من الحالات نجد المواقف الغريبة والتطورات والتفسيرات لتعابير نفسية تقليدية متوازنة كانت قد صيغت في قوالب مكيفة تمكننا من معرفة اوجه النشاط للحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وهي تمثل جانبا مركبا ذا عناصر مختلفة في زمن محدد ، حيث لابد لكل ناحية من وجود مصطلحاتها الخاصة متمثلة بمعادلات قديمة ( بدائية ) باتجاه التكوين ، وبهذا فاننا حتى وان ذهبنا بعيدا في الزمن الماضي لتاريخ الريف يجب ان لا نفترض بانه قد وصل الى مرحلة حضارية بحيث يبرز من وراء ذلك تميز كلمة الريف ( الحضاري )لكنه يتمثل بخصوصية المعرفة وتكيفه في الحياة الريفية ، وفي الادوار الفعالة التي يلعبها الوعي في عملية التفاعل في العلاقات الانتاجية الطبيعية وبين البيئة وفي ميادين الصراع بين القوى الانتاجية والاقطاعيين والذي تجلى بوضوح في موضوع ( الادارة الذاتية ) والتي تمكنت من احتواء الاسر الفلاحية لعدة سنين ، لذلك فاننا بحاجة لدراسة قرانا والتي لم تكن قد تمرست بعد بمعرفة النظم الزراعية وغيرها ، وحلات الزواج ، والغناء والتي مر بها الانسان الريفي صغيرا ثم كبيرا وهو متارجح بين نوع من الزهو والمرح والفقر والالم.كما اننا بحاجة الى معرفة بعض العلاقات الانسانية فيما بين الفلاحين . وحالات التفاعل داخل العمليات الزراعية للسنوات الماضية حتى قيام ثورة 14 تموز 2058 والتي كان فيها الواقع السياسي يفرض نفسه على مسيرة الفلاحين الزراعية خلال تلك العهود بين رواسب التخلف والسيطرة على مجمل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وبقدر ما اسعفتني تجاربي عملت على تحليل ما اراه واجبا في ابراز هذه الدراسة الميدانية المهمة لكونها تتحدث عن موقع هام يقع على بقاع نهرية
واراضي خصبة جديدة تضم العديد من السكان المحليين ، انهم سكان ريف العمارة التي كان يقطن فيها الغعديد من الاسر الفلاحية والتي تعود في تسميمتها الى اصول عشائرية مختلفة . |