اتصل بنا مؤمنــــة البطاقات انتصار الدم مساجد البصرة واحة الصائم المرجعية الدينية الرئيسية

وقفة مع ألفاظ الإلزام في القرآن

رجوع

  ورد في القرآن الكريم عدد من الألفاظ، يجمعها قاسم لغوي مشترك ، يدل على الارتباط، والالتزام، والإحكام ، كألفاظ: ( العقد ) و( العهد ) و( البيع ) و( الميثاق ) و( الإصر ) .
  والحديث حول هذه الألفاظ الخمسة، يتناول دلالتها اللغوية، والمعاني التي أتت عليها في القرآن، وبعض الفروق الدلالية بينها .
  لفظ ( الإصر )
  أصل هذه المادة مأخوذ من الضيق والحبس، يقال: أصره يأصره ، إذا حبسه وضيق عليه ، فـ ( الإصر ) ما يؤصر به ، أي، ما تربط به الأشياء، واشتقاقه من ( الإصار ) وهو ما يُعقد ويُسد به ، ثم استعمل مجازًا في العهد والميثاق المؤكد .
  وهذا اللفظ ورد في القرآن ثلاث مرات فقط ، جاء في كل مرة بمعنى:
  الأول: العهد، وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: (وأخذتم على ذلكم إصري) (آل عمران:81)، أي: عهدي .
  الثاني: العقوبة على الذنب، وعليه جاء قوله تعالى: (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا) (البقرة:286)، أي: عقوبة ذنب يشق علينا .
  الثالث: الشدة والثقل في الأحكام، وعليه قوله تعالى: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ) (الأعراف:157)، أي: ما كلفوا به من تكاليف ثقيلة وشديدة ، يشق عليهم القيام بها .
  لفظ ( البيع )
  ( البيع ): إعطاء المثمَّن وأخذ الثمن، والشراء: عكسه ، ويقال للبيع: الشراء، وللشراء: البيع، وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمَّن ، وبايع الناس السلطان: إذا التزموا بذل الطاعة له ، ويقال لذلك: بيعة ومبايعة ، ومن هذا اللفظ اشتق مصطلح ( البيعة ) و( المبايعة ) وهما مصطلحان إسلاميان يدلان على العملية التي يتم من خلالها اختيار إمام المسلمين .
  ولفظ ( البيع ) كـ ( اسم )، ورد في القرآن ثلاث مرات ، منها قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) (البقرة:275) ، وورد كـ ( فعل ) خمس مرات ، منها قوله سبحانه: (وأشهدوا إذا تبايعتم ) (البقرة:282) .
  ولفظ ( البيع ) في القرآن، ورد على أربعة أوجه:
  أولها: معنى الفداء، ومنه قوله تعالى: ( مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ) (البقرة:254)، أي: لا فداء فيه ، ومثله في سورة إبراهيم .
  ثانيها: معنى البيعة، وهي أخذ المواثيق والعهود، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) (الفتح:10) ، إشارة إلى ما جرى في بيعة الرضوان، وأخبر عنه القرآن في قوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ )(الفتح:18) .
  ثالثها: عملية البيع نفسها ، ومنه قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) ، وهو البيع المعروف المقابل للشراء .
  رابعها: البِيعة، بكسر الباء، مكان عبادة النصارى، وقد جاء في قوله تعالى: (لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ )(الحج:40) .
  لفظ ( العقد )
  ( العقد ) لغة: الجمع بين أطراف الشيء، ويستعمل ذلك في الأجسام الصلبة، كعقد الحبل، تقول: عقدت الحبل أعقده عقدًا، إذا شددت بعضه إلى بعض ، وربطته ربطًا محكمًا، ومنه العقدة ، ثم استعير ذلك المعنى المادي للعقد لمعان معنوية ، كعقد البيع، وعقد النكاح، وعقد اليمين، بمعنى الحلف، فيقال: عاقدته، وعقدته ، وتعاقدنا، وعقدت يمينه. و( العقد ) يجمع على عقود، و( المعاقدة ): المعاهدة .
  ولفظ ( العقد ) جاء في القرآن في سبعة مواضع ، وجاء في جميع تلك المواضع بمعناه المعنوي، إلا موضعًا واحدًا ، جاء بمعناه المادي ، أما مواضعه المعنوية، فجاء في موضعين منها كـ ( فعل )، أحدهما: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ )(النساء:33) ، وجاء في أربعة منها كـ ( اسم )، منه قوله تعالى: (وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) (البقرة:235)، أما المعنى المادي الذي جاء عليه هذا اللفظ، فهو قوله تعالى: (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) (الفلق:4)، و( العُقَد ) جمع عقدة، وذلك أنهن كن ينفثن في عقد الخيوط حين يسحرن بها .
  والمواضع المعنوية التي جاء فيها لفظ ( العقد ) في القرآن، أفادت المعاني التالية:
  أولاً: عقد اليمين، بمعنى الحَلِف ، ومنه قوله تعالى: (وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ) (المائدة:89)، أي: اليمين التي يؤاخذ بها الإنسان في حال عدم الالتزام بها .
  ثانيًا: عقد النكاح، بمعنى عقد الزواج الذي يكون بين الرجل والمرأة ، وعليه قوله سبحانه: (وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) (البقرة:235)، أي: لا تعقدوا عقد النكاح حتى تُنْهِيَ المرأة المعتدة من وفاةٍ عدتها المقررة شرعًا .
  ثالثًا: بمعنى حبس اللسان عن الكلام، وعليه قوله تعالى ، فيما قصه علينا من دعاء موسى عليه السلام: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي )(طه:27)، أي: أطلق عن لساني العقدة التي فيه .
  لفظ ( العهد )
  ( العهد ) لغة: حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال ، وسمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهدًا ، ومنه قولهم: عهد الرجل يعهد عهدًا ، والجمع: عهود ، ومنه اشتقاق العهد الذي يُكتب للولاة ، و( المعاهد ) في عرف الشرع، يختص بمن يدخل من الكفار في عهد المسلمين .
  و( أهل العهد ) هم المعاهدون، والمصدر المعاهدة، أي: إنهم يعاهدون على ما عليهم من جزية ، فإذا أسلموا ذهب عنهم اسم المعاهدة. و( العهدة ): الكتاب الذي يستوثق به في البيعات .
  ولفظ ( العهد ) ورد في القرآن في نحو أربعين موضعًا ، منها أربعة عشر موضعًا ورد كـ ( فعل )، كما في قوله تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً) (البقرة:100)، وورد في المواضع المتبقية كـ ( اسم )، منها قوله سبحانه: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ )(البقرة:40) .
  ولفظ ( العهد ) في القرآن ورد على ستة أوجه:
  أحدها: الإمامة ، وعليه فُسِّر قوله تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً )(البقرة:124)، قال مجاهد : لا يكون إمام ظالمًا ، وهذا على قول في تفسير ( العهد ) في الآية .
  ثانيها: الميثاق، ومنه قوله تعالى: ( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ) (البقرة:27)، يعني: ميثاقه الذي واثقهم به ، ومثله قوله سبحانه: ( أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا ) (البقرة:80)، أي: موثقًا .
  ثالثها: الأمر، ومنه قوله تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ) (البقرة:125)، أي: أمرنا إبراهيم و إسماعيل بتطهير البيت الحرام من الأوثان والأنجاس .
  رابعها: الحلف، ومنه قوله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ ) (النحل:15)، أي: أوفوا بالأيمان التي تحلفون بها، ولا تنكثوا بها ، ومنه أيضًا، قوله سبحانه: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ) (التوبة:75)، أي: حلف بالله .
  خامسها: التوحيد، وعليه قوله تعالى:( لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ) (مريم:87)، يعني: التوحيد والعمل الصالح ، قال ابن عباس رضي الله عنه: العهد شهادة أن لا إله إلا الله، ويبرأ إلى الله من الحول والقوة، ولا يرجو إلا الله سبحانه .
  سادسها: الوفاء بالأمانة ، ومنه قوله سبحانه: (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ) (الأعراف:102)، أي: وفاء وأمانة .
  لفظ ( الميثاق )
  أصل مادة ( وثق ) يدل على العقد والإحكام ، تقول: وثقت به أثق ثقة: إذا سكنت إليه، واعتمدت عليه ، وتقول: أوثقته: إذا شددته برباط ، والوَثاق والوِثاق: اسمان لما يوثق به الشيء ، والميثاق: العهد المحكم، ويجمع على مواثيق ، والوثقى: تأنيث الأوثق .
  وهذا اللفظ ورد في القرآن في تسع وعشرين موضعًا كـ ( اسم )، ( الميثاق ) في ثلاثة وعشرين موضعًا ، منها قوله تعالى: (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ) (البقرة:27)، و( الموثق ) ورد في موضعين ، أحدهما: قوله سبحانه: (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ) (يوسف:66) ، و( الوثاق ) ورد أيضًا في موضعين ، أحدهما: قوله تعالى: (فَشُدُّوا الْوَثَاقَ) (محمد:4) ، و( الوثقى ) في موضعين ، أحدهما: قوله سبحانه: (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ) (البقرة:256) ، ولم يرد هذا اللفظ كـ ( فعل ) إلا في موضعين، أحدهما: قوله سبحانه: (وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ ) (المائدة:8) ، وثانيهما: قوله تعالى: (وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) (الفجر:26) .

  وتفسير لفظ ( الميثاق ) في القرآن جاء على وجوه:
  أحدها: بمعنى العهد المؤكد باليمين ، من ذلك قوله تعالى: (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ) ، أي: لا يوفون بما عاهدوا الله عليه من الالتزام بأحكام ما شرعه لهم . وعلى هذا المعنى جاء أغلب استعمال هذا اللفظ في القرآن .
  ثانيها: بمعنى الحَلِف، وعليه قوله تعالى: (حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللّهِ) ، أي: حتى تحلفوا بالله لتأتني بيوسف عليه السلام .
  ثالثها: بمعنى العقد، وعليه قوله تعالى: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء:21)، أي: عقد الزواج الذي يجرى بين الزوجين ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس رضي الله عنه و مجاهد وغيرهما .
  رابعها: بمعنى الهدنة والمعاهدة، ومنه قوله سبحانه: (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) (الأنفال:72)، أي: بينكم وبينهم هدنة ومعاهدة ، ومثله قوله سبحانه في كفارة القتل: (وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ) (النساء:92) .
  خامسها: بمعنى اسم الشيء الذي يُشدُّ به ، ومنه قوله تعالى: (فَشُدُّوا الْوَثَاقَ) ، أي: أحيطوهم ربطًا بالوثاق .
  سادسها: بمعنى الربط والشد بإحكام ، وهو قوله سبحانه: (وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) ، أي: لا يتولى ربط الكافر بالوثاق أحدٌ غيره سبحانه .
  سابعها: بمعنى الإيمان والإسلام ، وعليه قوله سبحانه: (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ) ، أي: استمسك بالإيمان والإسلام، فلا يضل بعدُ . وهذا على وجه في تفسير ( الوثقى ) .
  ثم ها هنا بعض الفروق التي تذكر بين هذه الألفاظ ، فالفرق بين ( العقد ) و( العهد ) يظهر من وجوه ثلاثة ، أحدها: أن العقد أبلغ من العهد ، فأنت تقول: عهدت إلى فلان بكذا ، أي: ألزمته إياه ، وعقدت عليه وعاقدته ألزمته باستيثاق ، وثانيها: أن العقد يكون بين اثنين أو أكثر، ولا يكون من واحد ، والعهد قد ينفرد به الواحد، وقد يكون بين اثنين أو أكثر ، وثالثها: أن العقد إنما يكون بين الناس، والعهد قد يكون بين المخلوق والخالق، وقد يكون بين الناس ، قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ ) (يس:60) ، وقال سبحانه: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ) (التوبة:75) .
  وتذكر كتب الفروق فرقاً بين ( الميثاق ) و( العهد )، وهو أن الميثاق توكيد العهد، فهو أبلغ من العهد، يرشد لذلك قوله سبحانه (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) ، أي: من بعد توكيده .

Copyright © 2018 bascity Network, All rights reserved
                   BASRAHCITY.NET