اتصل بنا مؤمنــــة البطاقات انتصار الدم مساجد البصرة واحة الصائم المرجعية الدينية الرئيسية

اصل الكون في القرآن الكريم

رجوع

  الكون كلمة تعبِّر عمّا هو موجود خارجاً عبر الظواهر الطبيعية بما في ذلك كافَّة الخلق والنجوم والكواكب وتوابعها وما إلى ذلك من ظواهر أُخرى. ويتألّف الكون، حسب ما هو مبيَّن في موسوعة ماكميلان ( Macmillan Encyclopedia )، من كل الأجسام التي يمكن التعرّف عليها كالأرض والشمس وأجسام المجموعة الشمسية والمجرّات وما بينها من أشياء.
  كما يضم الكون الصخور والمعادن والغازات والتراب والحيوانات والكائنات الإنسانية وما إلى ذلك من أجسام ثابتة ومتحرّكة. ويلجأ الفلكيّون إلى استعمال كلمة «الكون» للإشارة إلى الفضاء وكل ما يحويه من أجرام سماوية ، أمّا فيما يتعلّق باتّساع وفساحة الكون فإنّ الأرض والشمس والكواكب ما هي سوى نقاط بالغة الصغر، والشمس هي نجم منفرد ضمن مجرّات تضمّ ما يُقارب المائة ألف مليون نجم .
  أمّا الأرض والكواكب الاُخرى التي تدور حول الشمس فتشكّل أبعاداً دنيويّةً منتظمة تبدو في منظارنا البشري ضخمة هائلة .
  فالأرض تبعد عن الشمس بما يُقارب ثلاثة وتسعين مليون ميلا، وهذا الرقم في منظار البشر يشكّل مسافة هائلة; إلاّ أنّه صغير جدّاً إذا ما قورِنَ بالمسافة التي تفصل الشمس عن أبعد الكواكب ضمن المجموعة الشمسية. فعلى سبيل المثال تقدّر المسافة بين بلوتو والأرض بأربعة أمثال (1) المسافة بين الأرض والشمس أي ما يَقارب 720ر36 مليون ميل ، إنّ مسافة كهذه إذا ما ضوعفت فإنّها تمثّل الأبعاد الأكثر ضخامة لنظامنا الشمسي.
  هناك نظريات عديدة معلنة حول أصل الكون غير أنّ أحدثها هي التي تُعرف بنظريّة بغ بانغ ( Big Bang- Theory )، التي تقدّم بها جورج لاميتر عام 1920 م والتي تنصّ على أنّ كل المادّة والإشعاعات في الكون جاءت نتيجة إنفجار هائل تشكّل الكون بعده بصورته الفسيحة وما زالت تلك العملية في حالة إستمرار. وحسب هذه النظرية فإنّ الإنفجار حدث قبل حوالي 10 ـ 20 ألف مليون سنة، ونظراً إلى أنّ درجة الحرارة الأوّلية العالية للهيدروجين والهيليوم كانت كافية لتشكيل الوفرة الكونية الملحوظة من الهيليوم، فإنّ ذلك يتوافق بشكل حسن مع القيمة التنبُّئيِّة. وفي نهاية الأمر حدث تفاعل لهذه المادّة ممّا أدّى إلى تشكّل المجّرات. وقد كانت تلك الكتلة الضخمة موجودة في الكون في الماضي السحيق، ثمّ لسبب ما انفجرت تلك المادّة، قاذفةً المواد المتفجرّة نحو الخارج كما يحدث عند انفجار القنبلة، وكان ذلك الإنفجار أصل الخلق بالنسبة للكون .
  وهناك اكتشاف مدهش آخر لافت للنظر حول الكون يُدعى قانون هوبل حول توسيع الكون ( Hubble's- Law of Expanding Universe ). وحسب هذه النظرية فإنّ توسّع الكون عملية مستمرّة وأنّ هذا التوسّع موحّد الخواص أي أنّ خصائصه متساوية في كل الإتجاهات.
  وتبيّن هذه النظرية أنّ الضوء القادم من المجرّات البعيدة خاضع لما يُعرف بالنقلة الحمراء ( Red Shift )، أي الإنزياح الشامل نحو أطوال موجات أكثر سعة لخطوط الطّيف المتعلّقة بالأجسام السماوية. وينجم ذلك عن ارتداد المجرّات عنّا.
  وقد ظهر مؤخّراً أنّ العلماء كشفوا النِّقاب عن مجرّات عملاقة تبدو أكبر حجماً بكثير من المجرّة التي تُعرف باسم درب اللَّبَّانة (Milky Way).
  وتبعد تلك المجرّات عن أرضنا عشرة بلايين من السنين الضوئية. وقد تمّ التعرّف على هذه المجرّات للمرّة الاُولى، وربّما ساعدت العلماء على تحديد ما إذا كان الكون في حالة من التوسّع اللاّنهائي أو أنّه محتوم عليه أن يتداعى نحو الداخل.
  أمّا القرآن الكريم ـ وهو خاتمة الرِّسالات من جانب الخالق ـ فإنّه يكشف بوضوح كامل عن حقائق أساسية حول خلق الكون، وهو يشرح أنّ كل ما في الكون ناجم عن عملية الخلق التي قام بها الخالق عز وجلّ. وقد خلق الله الشمس والقمر والسموات والأرض وما بين ذلك بتقدير وتناسب. وحول ذلك يبيّن القرآن الكريم بقوله:
  (بَديعُ السَّمواتِ والأرْضِ وإذا قَضَى أمْرَاً فإنّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون). (البقرة / 117).
  وتشير هذه الآية الكريمة إلى أنّ الله هو خالق السموات والأرض.
  وكلمة بديع تدلّ على وجود شيء من العدم. وفي كتابه «المفردات» يبيّن العلاّمة راغب بأنّ كلمة بدع تعني تكوين شيء ما دون الحاجة إلى مادّة أو نموذج .
  وعندما تستخدم كلمة بديع كصفة من صفات الله الحُسنى فإنّها تعني أنّ الله عزّ وجلّ هو الذي خلق الأشياء من العدم. والقرآن الكريم يقول في موضع آخر:
  (وَهَُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ والأرْضَ بالحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُون). (الأنعام / 73).
  ويقول العلاّمة راغب إنَّ كلمة الحق تستعمل للإشارة إلى شيء جديد لا مثال له. لكنّها عندما ترتبط بوصف الخالق فإنّها تعني خلق شيء جديد من العدم: (هُوَ الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ والأرْضَ) كذلك يشير القرآن الكريم إلى خلق الظواهر الكونيَّة والفيزيائية بقوله: (وَهُوَ الَّذي خَلَقَ اللَّيلَ والنَّهارَ والشَّمس والقَمَر) وفي موضع آخر: (هُوَ الَّذي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورَاً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَاب ما خَلَقَ ذلكَ إلاّ بَالحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْم يَعْلَمُون) (يونس / 5).
  كما يبيّن الله عظمة خلقه بقوله:
  (أَوَلَم يَرَوا أنّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ ولَم يَعْيَ بخلقهنَّ بقادِر على أن يُحيي الموتَى) .
  (الأحقاف / 33)
  إنّ الآيات الكريمة التي تمّ ذكرها توضّح أنّ الله عزّ وجلّ خلق هذا العالم المحسوس بتقدير وميزان وهو قادر على أن يعيد خلقه، وأنّ أمره هو الأصل في خلق المادّة والطّاقة وكل القوانين الفيزيائية والقوى التي تتحكّم بحركتها .

  طريقة الخلق:
  شرح القرآن الكريم طريقة خلق الكون في مواضع مختلفة.
  غير أنّ الآيات الآتية يمكن أن تقدّم تلخيصاً موجزاً للظواهر التي تشمل الطريقة الأساسية لخلق الكون.
  (أَوَلَم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمواتِ والارضَ كانَتا رتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيء حيّ) .
  (الأنبياء / 30)
  وتتحدّث الآية الثانية عن تشكّل السّموات بعد خلق الأرض وتعكس عملية التتالي في عملية الخلق:
  (ثُمَّ استوى إلى السَّماءِ وهي دُخان فقالَ لَها وللأرضِ ائتيا طوعاً أو كرهاً قالَتا أتينا طائعين) .
  (فصّلت / 11)
  تكشف الآية الاُولى الحقائق التالية:
  1 ـ أنّ المادّة التي دخلت في خلق الكون كانت ذات كينونة واحدة.
  2 ـ أنّ الكون بأكمله كان مترابطاً كقطعة واحدة.
  3 ـ أنّ الإنفصال حدث بشكل منتظم كي ينتج عنه القوانين الفيزيائية وترتيب المادّة. وليس الأمر مرتبطاً بالنظام الذي يميِّز مجموعتنا الشمسية والكواكب الداخلة في مجرّتنا فحسب، بل إنّ المجرّات هي جزء في نظام أعلى. وبدلا من تناثر المجرّات بصورة عشوائية في أرجاء الكون، فإنّها مرتّبة على شكل مجموعات، وضمن تلك المجموعات تدور المجرّات حول كتلها المركزية المشتركة.
  وقد نقل ابن كثير بعض التفسيرات المبكِّرة للآية، حيث ورد أنّ السَّماء كانت قطعة واحدة متكاملة، وقام الله عزّ وجلّ بتقسيمها إلى سبع سموات، وأنّ الأرض كانت كذلك قطعة واحدة وأنّ الله عزّ وجلّ قسمها إلى سبعة أراض. بينما أوضح بعضهم أنّ الأرض والسَّماء كانتا كلاًّ واحداً وأنّهما انفصلا عن بعضهما بواسطة الغلاف الجوّي.
  وقد تبنّى الدكتور موريس بوكيل في الآونة الأخيرة موقفاً قريباً جدّاً من موقف العلماء المسلمين حول تفسير تشكّل الكون على ضوء الآيات القرآنية الكريمة. فهو يشير إلى «فكرة تفكّك الكل إلى أجزاء عديدة بمعنى أنّ عملية الإنفصال من كتلة أحادية رئيسية التحمت عناصرها في بداية الأمر (كانتا رتقاً).وكلمة فتق تعني الإنفصال أو التفكّك والإنتشار، بينما تعني كلمة (رتق) الإرتباط والإلتحام من أجل تكوين كل متجانس» .
  وطبقاً للنظرية العلمية المعاصرة فإنّ ما يعرف بالإنفجار الكوني ( Big Bang ) كان قد وقع نتيجة حدث تحفيزي واحد في وقت واحد وفي درجة حرارة عالية بشكل استثنائي. ويفترض بأنّه في تلك الأثناء من الإنفجار كان الكون بأكمله عبارة عن جزء واحد في نقطة واحدة حدث فيها الإنقسام. غير أنّ القوانين الفيزيائية لم تحدث نتيجة ذلك الإنفجار، وهنا نجد أنّ هذه النظرية مشابهة من حيث معلوماتها للمعلومات الواردة في القرآن الكريم.
  وممّا يدعو إلى الدهشة والغرابة أن نجد بأنّ القرآن الكريم كشف عن هذه الحقائق قبل 1400 سنة، في الوقت الذي لم يكن فيه أي أثر لأيّة بحوث علمية.
  كما يكشف القرآن الكريم أيضاً عن الحقائق المذكورة في نظرية هوبل حول توسّع الكون، في الآية الكريمة التي تقول: (والسَّماءَ بنيناها بأيد وإِنّا لَمُوسِعُون) (الذاريات / 47).
  وعندما نحاول فهم التوسّع الكوني على ضوء المعرفة الحديثة، نعرف أنّ الهيدروجين الموجود في الشَمس في حالة تحوّل مستمر إلى عنصر الهيليوم بفعل الإنصهار النّووي، وأنّ الغبار النجمي ( Stardust ) والذي هو عبارة عن كتل من النجوم تبدو بالغة الصِّغر وكأنّها ذرّات غبار، ما هو إلا وقودٌ نوويٌّ عالي الدرجة.
  وهكذا فإنّ الكون بأكمله مؤلّف أو مبنيّ من قدرة أو طاقة محمّلة وهي في حالة توسّع مستمر ، وترتكز هذه النتائج على الإفتراض الذي يقول بأنّ الإنتقال أو التحوّل الأحمر ( Red Shift ) ناتج عن تأثير دوبلر على الضوء من الأجسام المتراجعة مع إمكانية قياس سرعة التراجع.
  وحول رحابة وتوسّع الكون نجد في القرآن الكريم كلمة على جانب كبير من الأهمية في هذا المجال وهي كلمة «العالمين» التي تظهر عشرات المرّات في القرآن الكريم كما في الآيات التالية:
  (ولكنَّ اللهَ ذو فضل على العَالَمين) . (البقرة / 251)
  (قُلْ إنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمين) (الأنعام / 163)
  (أَلا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمين) (الأعراف / 54).
  (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين) (الأنبياء / 107)
  (إِنِّي أنا اللهُ رَبُّ العَالَمين) (القصص / 28).
  إنّ الآيات الآنفة الذكر تشير إلى أنّ الله هو السيِّد والخالق والحافظ والمنظِّم للعالم بمعناه الواسع. فكلمة العالمين تضيف مفهوم التعدّد للكون .
  وهناك بلايين من المجموعات الكواكبيّة وأنّ كل مجموعة من تلك المجرّات تضّم بلايين النجوم والكواكب. ولو أنّ نجماً واحداً من بين 000ر100 من المائة ألف ميليون نجم الموجودة في ما يعرف بدرب اللَّبَّانة كان يضمّ كوكباً مثل كوكبنا الأرضي، فسيعني ذلك وجود مليون كوكب يمكنه الإتّصال مع الأرض. وعلى ضوء علم الكون الحديث يمكن التوقّع بحدوث اتّصالات ناشطة مع الكواكب الاُخر في المستقبل المنظور.
  لقد قدّم الدكتور موريس بوكيل معلومات علمية تتعلّق بضخامة الكون وسعته. فعلى سبيل المثال تحتاج أشعة الشمس كي تصل إلى بلوتو ما يُقارب الست ساعات رغم أنّ السرعة في تلك الرحلة تزيد على 000ر186 ميل في الثانية. وبناءً على ذلك فإنّ الضوء القادم من النجوم التي تقع في نطاق عالمنا السماوي قد يستغرق بلايين السنين كي يصل إلينا .
  إنّ هذا التحليل الموجز لعالم الطبيعة ربّما يساعدنا على فهم معنى الآية الكريمة: (والسَّماء بَنَيْناها بأيْد وإِنّا لَموسِعُون) (الذاريات / 47).
  وفي الحديث عن الرَّماد والدُّخان في بداية تاريخ الكون، يكشف القرآن الكريم عن ذلك بقوله : (ثُمَّ استوى إلى السّماء وهي دُخان).
  إنّ وجود «الدُّخان» في بداية الكون يشير إلى الحالة الغازيّة للمادّة المكونّة له. وفي العلم الحديث يطرح الباحثون فكرة الغيمة السديميّة ( Nebula ) التي كان عليها الكون في مراحله الاُولى.
  وعندما نقرأ الآيتين الكريمتين: (وَجَعَلْنا في الأرضِ رَوَاسِيَ أن تَمِيدَ بِهِم وَجَعَلْنا فِيها فِجاجَاً سُبُلا لَعَلَّهُم يَهْتَدُون)و (ثُمَّ استوى إلى السَّماءِ وهِيَ دُخان)، ندرك بأنّ عملية تشكّل الكون جاءت نتيجة تكاثف الغيوم السديميّة الأوّلية ثمّ انفصالها. وهذا ما يكشف عنه القرآن بوضوح عندما يشير إلى العمليات التي أحدثت الإلتحام ثمّ الإنفصال الذي كان في الأساس «دُخاناً» سماويّاً. وهذا ما يحاول العلم الحديث شرحه حول أصل الكون.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤

1 ـ في الاصل: أضعاف، والصحيح ما أثبتناه.

Copyright © 2018 bascity Network, All rights reserved
                   BASRAHCITY.NET