شعره الّذي لم يتعد كونه ـ لفظيا ـ بأسلوب اختلف فيه عن كثير من شعراء عصره ).
  وقال السيد محسن الأمين العاملي : ( له شعر عربي فائق ، لا يلوح عليه شيء من العجمة ، رغما عن أنه نشأ مدّة في بلاد العجم بعد ولادته في النجف ، وذلك لاختلاطه بأدباء النجف بعد عودة إليها مدّة طويلة وملازمته لهم وتخرجه بهم كما مرّت الإشارة ، ويكثر في شعره أنواع البديع والنكات الأدبية الدقيقة ، وقلّما يخلو بيت له من ذلك ، ويصح أن يقال فيه : إنه نظم المعاني الفارسية بالألفاظ العربية ، كما قيل في مهيار ).
  من شعره هذه الأبيات الرقيقة في شكوى الزمان :
ليل   الشباب   إذ  غدا  iiمفارقي      ii

لاح  صباح  الشيب  في iiمفارقي      ii

ليت  بياض  ذي  الصباح ما iiبدا      ii

ودام   لي   ذاك   السواد  iiالفائق      ii

قد  شاب  لهوي مثل ما شبت فلا      ii

أصبو   لذات  القرط  iiوالقراطق      ii

لا   أستعير   الغصن   للقدّ  iiولا      ii

أشبه       الخدود       بالشقائق      ii

أصبو   إلى  الدنيا  وأدري  iiانها      ii

معشوقة   تمطل   وعد   iiالعاشق      ii

فلست    بالذليل    لما    أدبرت      ii

ولا     على    إقبالها    iiبالواثق      ii

ما   شمت   برقا   قط  الا  خلّبا      ii

وما  رأيت  ضوء  برق  iiصادق      ii

فليقطعني      معشري     iiفإنني      ii

قطعت    منهم   قبلهم   iiعلائقي      ii

ما  القرب  في  الأنساب نافع iiإذا      ii

تباعد    الأرحام   في   iiالخلائق      ii

كم عارض [ منهم ] رجوت سيبه      ii

فلم  أصب  منه سوى iiالصواعق      ii

لا   غرو   ان   حرمته  فان  ذا      ii

جزاء   من   يأمل  غير  iiالخالق      ii

ليس  ابن  عمي مانع الرزق iiولا      ii

عمي   من   دون  الإله  iiرازقي      ii

أعضل   داء   قلة   الحظ   iiفكم      ii

أعيا   دواه   كل   طبّ   iiحاذق      ii

فكم   ترى   مقصرا   في  iiحلبه      ii

أوهمه    الحظ    بوهم   السابق      ii


وقاية الاذهان _ 35 _

يا  نفس  لي  من  الآباء  iiشيمة      ii

فصاحبيني    مرة   أو   iiفارقي      ii

لا   رجعت  كفى  إلي  بعد  iiما      ii

لحاجة    مدّت    إلى   الخلائق      ii

اني   امرؤ  لا  اليسر  iiيطغيني      ii

ولا العسر عن الجود تراه عائقي      ii

لي  سيف  عزم  ما  نبا قط iiولا      ii

نجاره    فارق    يوما   iiعاتقي      ii
  نثره الفنّي : تختلف طريقة نثر أبي المجد في تآليفه عن رسائله الخاصة إلى بعض الأدباء وما يسمى بـ ( النثر الفنّي ).
  فهو في كتبه ناثر سهل التعبير جيد الأداء لا تعقيد فيه ولا تقييد بالصنائع اللفظية ، إلاّ ما يأتي عفوا على جري القلم لأمثاله من الأدباء المتوغّلين في الأدب.
  وهو في مؤلفاته العلمية يجدّ في أن يعطي صورة واضحة عما يريد البحث عنه ، فيبتعد سعيا وراء المعنى عن المحسنات الظاهرية للجمل والتعابير ، تلك المحسنات التي توجب لا محالة تعقيدا يكلّف القارئ مزيدا من الجهد في فهم المقصود.
  أمّا نثره الفنّي في رسائله إلى إخوانه الأدباء فهو على طريقة القدماء ملتزم بالسجع ، ومقيد بالصنائع البديعية ، واختيار المواد اللغوية المحتاجة في استكشاف معنى بعض موادها إلى الرجوع إلى قواميس اللغة والمصادر الأدبية.
  وهذه الطريقة مع ما فيها من جمال فنّي لا تخلو عن التعقيد في تركيب الجمل ، وطنطنة في الألفاظ ، إلاّ أنّ أبا المجد لتمكنه من علم اللغة وطول دراسته لآدابها يظهر فيما يكتبه كاتبا قديرا ، كأن الألفاظ جاءت طبعه لقلمه موضوعة في مواضعها اللائقة بها.
  وإليك فيما يلي قطعة من رسالة كتبها أبو المجد إلى صديقه العلامة الشيخ

وقاية الاذهان _ 28 _
  محمد الحسين آل كاشف الغطاء : ( يا من ذكرني حين نسيني بقية الأصحاب ، وسلك معي طريق الوفاء مذ جفاني الأخدان والأتراب ، كيف أطيق أن أؤدّي شكر جميلك بلسان القلم وأنت المعجز للعرب الفصحاء فكيف بالأعجم الأبكم ، وقد وصلت القصيدة المزرية بعقود الجمان ، فقلت : سبحان من خلقت وعلّمك البيان ، امتثلت أمرك بردّ الجواب مع علمي بأني لست من فرسان هذا الميدان ولو أصبحت من نابغة بني ذبيان ولكني رأيت امتثال أمرك من الفرض الواجب ، فبعثت بأبيات أرجو من فضلك العفو عن جميعها ، فلو لا اشتمالها على مدحك لقلت : كلّها معايب ، وكيف يبلغ حضيض الأرض ذرى كيوان ، أم كيف يقابل بصغار الحصى غوالي الدر والمرجان ).
  مع معاصريه من الأدباء والشعراء : لقد سبق منا القول بان أبا المجد كان يحتل مكانة سامية بين أدباء العراق عامة وشعراء النجف الأشرف خاصة ، فان الصلات الودية كانت وثيقة بينه وبينهم ، يحضر محافلهم الأدبية ويشاركهم في أفراحهم وأحزانهم بما تجود به القرائح من النكات الطريفة وأبيات تثيرها المناسبات ، كما كان يساجلهم نظما ونثرا عند ما تبتعد الديار ويفصل بينهم الزمان.
  ولقد حفظت الدواوين الشعرية بعض القصائد والمقطوعات التي أنشدها الشعراء في مدح أبي المجد والثناء على فضله وعلمه وخلقه الرفيع ، يطول الكلام بذكرها كلها ولكن لا بأس بذكر نماذج منها فيما يلي : قال صديقه السيد جعفر الحلي في قصيدة يرثي بها والده الشيخ محمد حسين الأصبهاني :
لا   أسخطن   من   الزمان  iiلفعله      ii

وأرى  (  الرضا ) بعلى أبيه iiقمينا      ii

مولى تحمل علم أهل البيت بالإلهام      ii

لا       كسبا       ولا      iiتلقينا      ii


وقاية الاذهان _ 29 _
يرنو  المغيب في فراسة iiمؤمن      ii

فبحدسه   تجد   الظنون   iiيقينا      ii

سبط   اليمين  فلو  رأتها  ديمة      ii

حلفت  وقالت  ما وصلت iiيمينا      ii

ولأنشدتها   إذ   يمزقها  iiالهوى      ii

( ما ذا لقيت من الهوى ولقينا )      ii

وإذا   نظرت   لحسنه  iiووقاره      ii

فلقد   رأيت   البدر  iiوالراهونا      ii

لو  تنظر  الحرباء  ليلا  وجهه      ii

لتلونت    فرحا    به    iiتلوينا      ii

وقاية الاذهان _ 30 _
  وكتب إليه الشيخ محمد علي اليعقوبي النجفي قصيدة أولها :
أبا  المجد حسب المجد فخرا iiبأنه      ii

يكنيك  فيه حاضر الناس iiوالبادي      ii

ورثت المزايا الغر عن خير أسرة      ii

وأنجب    آباء   وأطيب   iiأجداد      ii

وقاية الاذهان _ 31 _
  ومن قصيدة للسيد علي العلاق كتبها له مراسلا :
يا مهر لا تسأم فعند الصبح      ii

يحمد      منه      iiمسرى      ii

ولسوف   ترضى  iiبالرضا      ii

ملكا  أعار  العدل  iiكسرى      ii

ندب   يرى  حبس  iiالندى      ii

فقرا   وبذل   المال  iiوفرا      ii

بحر  يزجي السحب iiللنائي      ii

ويقري      الوفد      iiدرا      ii

وإذا       تكلم       iiخلته      ii

ليثا      بأجمته     iiهزبرا      ii

قد   شاد   بنيان   iiالمعالي      ii

فاطمأن      بها      iiوقرا      ii

نشرت    فضائله   iiفشعت      ii

في   سماء   المجد  iiزهرا      ii

وجرت    أنامله    فسحت      ii

في   ثرى   الغافقين  iiتبرا      ii

وشدت    محامده    iiفطبق      ii

نشرها    الملوين   iiعطرا      ii

من    خير   قوم   iiوطئوا      ii

من   جامع   الأيام  iiظهرا      ii

وقاية الاذهان _ 32 _
شيوخه في رواية الحديث :
  1 ـ شيخ الشريعة الأصبهاني.
  2 ـ السيد حسن الصدر الكاظمي ، أجازه ليلة السبت 14 ذي القعدة سنة ( 1333 ه‍ ).
  3 ـ ميرزا حسين النوري ، أجازه في الحائر الحسيني بكربلاء.
  4 ـ الشيخ محمد باقر البهاري الهمداني.
  5 ـ السيد محمد بن المهدي القزويني الحلي.
  6 ـ السيد حسين بن المهدي القزويني الحلي.
  المجازون منه وتلاميذه : كتب شيخنا ـ المترجم له ـ إجازات مبسوطة لبعض المستجيزين منه أحال إليها في بعض إجازاته المختصرة ، وبلغت إجازاته أكثر من مائة إجازة حديثية ، وقد أجاز بعض هؤلاء أيضا بإجازات اجتهادية وفيما يلي أسماء من اطلعنا عليه من المجازين منه وتلاميذه :
  1 ـ سماحة السيد أحمد الحسيني الزنجاني.
  2 ـ الشيخ أحمد الفياض الفروشاني.
  3 ـ سماحة السيد أحمد الموسوي الخوانساري.
  4 ـ السيد إسماعيل الهاشمي الأصفهاني.
  5 ـ الشيخ إسماعيل الكلباسي.
  6 ـ الشيخ محمد باقر النجفي الأصفهاني.
  7 ـ الشيخ محمد باقر الكمره إي.
  8 ـ الشيخ محمد تقي النجفي الأصفهاني.

وقاية الاذهان _ 33 _
  9 ـ الدكتور محمد حسن سه چهاري.
  10 ـ الشيخ محمد حسين الفاضل كوهاني.
  11 ـ السيد محمد حسين الموسوي بيدآبادي.
  12 ـ الدكتور محمد حسين الضيائي القمي.
  13 ـ الشيخ محمد حسين النجفي الأصفهاني.
  14 ـ الشيخ حيدر علي المحقق.
  15 ـ الميرزا خليل الكمره إي.
  16 ـ السيد محمد رضا الشفتي.
  17 ـ السيد محمد رضا الخراسانيّ.
  18 ـ سماحة السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني.
  19 ـ الشيخ محمد رضا الطبسي.
  20 ـ الحاج آقا رضا المدني الكاشاني.
  21 ـ سماحة الإمام الفقيد الحاج آقا روح الله الموسوي الخميني.
  22 ـ سماحة السيد شهاب الدين النجفي المرعشي.
  23 ـ السيد زين العابدين الطباطبائي الأبرقوئي.
  24 ـ الشيخ عباس علي الأديب الأصفهاني.
  25 ـ السيد عبد الحجة البلاغي النائيني.
  26 ـ ولده الشيخ عز الدين النجفي الأصفهاني.
  27 ـ الشيخ عبد الحسين ابن الدين.
  28 ـ الشيخ عبد الله المجتهدي التبريزي.
  29 ـ الشيخ علي المشكاتي.
  30 ـ الشيخ علي القديري.
  31 ـ سماحة السيد علي العلامة الفاني الأصفهاني.

وقاية الاذهان _ 34 _
  32 ـ الشيخ محمد علي المعلّم حبيب آبادي.
  33 ـ الميرزا محمد علي المدرس التبريزي.
  34 ـ السيد علي نقي النقوي الكهنوي.
  35 ـ الدكتور السيد كمال الدين النوربخش.
  36 ـ السيد مجتبى الصادقي.
  37 ـ نجله الشيخ مجد الدين النجفي الأصفهاني.
  38 ـ الشيخ مرتضى المظاهري النجفي.
  39 ـ الشيخ مرتضى الأردكاني.
  40 ـ الميرزا محمد الثقفي الطهراني.
  41 ـ السيد مصطفى الصفائي الخوانساري.
  42 ـ السيد مصطفى المهدوي الأصفهاني.
  43 ـ العلوية نصرت بيكم الأمين.
  44 ـ الشيخ يحيى الفاضل هرندي.
  ولتفصيل تراجمهم راجع المجلد الثاني من كتاب ( تاريخ علمي واجتماعي أصفهان در دو قرن أخير ) ( بيان سبل الهداية في ذكر أعقاب صاحب الهداية ).
  مؤلفاته : لشيخنا أبي المجد حواش كثيرة على الكتب التي كان يقرؤها في الفقه والأصول والحديث والتفسير والكلام والتراجم والأدب ، فكان يدوّن ما يرتئيه من النقد والرد والشواهد وغيرها ، وفيما يلي قائمة بتآليفه المدوّنة المطبوعة وغير المطبوعة.
  * الإجازة الشاملة للسيدة الفاضلة ، إجازة حديثية كتبها للحاجية أمينة الأصبهانية ، وقد طبعت في آخر كتاب ( جامع الشتات ) للمجازة.

وقاية الاذهان _ 35 _
  * أداء المفروض في شرح أرجوزة العروض ، والأرجوزة لميرزا مصطفى التبريزي ، طبع.
  * استيضاح المراد من قول الفاضل الجواد ، وهو بحث فقهي في ملاقي المتنجس طبع.
  * إماطة الغين عن استعمال العين في معنيين فرغ منها سنة ( 1359 ه‍ ).
  * الأمجدية في آداب شهر رمضان المبارك ألّفه باسم ولده الشيخ مجد الدين طبع ثلاث مرّات.
  * الإيراد والإصدار ، في حلّ مسائل مشكلة من فنون متفرقة.
  * تصانيف الشيعة ، خرج منه قليل.
  * تعريب رسالة السير والسلوك ، للسيد بحر العلوم.
  * تنبيهات دليل الانسداد ، وهو فصل من كتابه الكبير ( وقاية الأذهان ) طبع بأصبهان سنة ( 1346 ه‍ ).
  * جلية الحال في مسألتي الوضع والاستعمال ، ويسمى : سمطا اللئال في مسألتي الوضع والاستعمال ، وهو كالمدخل لكتابه الكبير في الأصول ( وقاية الأذهان ) طبع.
  * حاشية أكرثا وذو ذوسيوس.
  * حاشية ديوان المتنبي ، كتبها بين سنتي ( 1354 ـ 1356 ه‍ ) وهي غير مدوّنة.
  * حاشية روضات الجنات ، طبعت.
  * حلي الزمن العاطل فيمن أدركته من الأفاضل.
  * ديوان شعره ، طبع باسم ( ديوان أبي المجد ) بتحقيق السيد أحمد الحسيني في عام 1408 بقم المقدسة.
  * ذخائر المجتهدين في شرح كتاب ( معالم الدين في فقه آل يس ) لم يتم ،

وقاية الاذهان _ 36 _
  وفرغ من كتاب النكاح منه سنة ( 1312 ه‍ ).
  * الرد على ( فصل القضاء في عدم حجية فقه الرضا ).
  * الروض الأريض فيما قال أو قيل فيه من القريض.
  * الروضة الغناء في تحقيق الغناء ، سمّى الشيخ ـ المترجم له ـ نفسه في هذه الرسالة ( عبد المنعم بن عبد ربه ) وقد طبعت في مجلّة ( نور علم ) السنة الثانية ع 4 ـ 123 ، وترجمت إلى الفارسية وطبعت في مجلّة ( كيهان انديشه ) ع 18 ـ 104.
  * سقط الدر في أحكام الكر.
  * السيف الصنيع على رقاب منكري علم البديع ، ألّفه سنة ( 1324 ه‍ ).
  * العقد الثمين في أجوبة مسائل الشيخ شجاع الدين.
  * غالية العطر في حكم الشعر.
  * القبلة ، رسالة.
  * القول الجميل إلى صدقي جميل ، ردّ على الزهاوي.
  * گوهر گرانبها در رد عبد البهاء.
  * نجعة المرتاد في شرح نجاة العباد ، ويسمّى أيضا ( كبوات الجياد في حواشي ميدان نجاة العباد ).
  * نقد فلسفة داروين ، ثلاثة اجزاء ، طبع الأول والثاني منها ببغداد سنة ( 1331 ه‍ ) * النوافج والروزنامج.
  * وقاية الأذهان والألباب ولباب أصول السنة والكتاب ـ وهي بين يديك ـ طبع قطع من هذا الكتاب بأصبهان باسم ( وقاية الأذهان ) و ( تنبيهات دليل الانسداد ) و ( سمطا اللئال في مسألتي الوضع والاستعمال ).

وقاية الاذهان _ 37 _
وفاته
  توفي ـ قدس الله سره ـ بأصبهان يوم الأحد رابع عشرين من شهر محرم الحرام سنة ( 1362 ه‍ ) وكان يوم وفاته يوما مشهودا ، عطلت له الأسواق ، وشيّع تشييعا حافلا حتى دفن بتخت فولاد في مقبرة جدّه الشيخ محمد تقي الأصبهانيّ.
  مراثيه :
  رثاه جمع من الشعراء والعلماء :
  1 ـ منهم المؤرخ الأنصاري بقوله :
لقد  أفل  الكواكب مذ iiتوفي      ii

رئيس العلم في ذاك iiالزمان      ii

محمد  رضا  الغروي iiشيخ      ii

سماء  العلم لأهل الأصبهان      ii

ولما  راح راح الروح iiعما      ii

به  شأن  البيان من المعاني      ii

تمنى  الجابري  بأن iiيؤرخ      ii

وكل   لسانه   عند   iiالبيان      ii

إذا  جاء  البشير وقال iiأرخ      ii

« لقد أوى الرضا بالجنان )      ii

وقاية الاذهان _ 38 _
  1321 الشمسي
  2 ـ ومنهم الحاج الميرزا حبيب الله النير بقوله :
يا   دهرا   ذهبت   بآية   iiالله      ii

غدرت   بنا  فوا  أسفا  iiولهفاه      ii

محمد الرضا الغروي أبو المجد      ii

مضى نحو الجنان بقرب iiمولاه      ii

أراد   النير   استيضاح  iiفوته      ii

ففي  شهر  المحرم طاب iiمثواه      ii

فارخ  بعد  نقص  الست  للعام      ii
  ( رضا النجفي لبى داعي الله )
  1362 القمري.

--------------------
(1) البقرة : 89 ، 90.

وقاية الاذهان _ 39 _
مصادر الترجمة
  ترجمته بقلمه.
  سحر بابل وسجع البلابل ـ 82.
  نقباء البشر ـ 747.
  الذريعة في مختلف الأجزاء.
  مصفى المقال ـ 179.
  تذكرة القبور ـ 328.
  ريحانة الأدب 7 ـ 252.
  آثار الحجة 1 ـ 77.
  گنجينه دانشمندان 1 ـ 242.
  شعراء الغري 4 ـ 42.
  أعيان الشيعة 7 ـ 16.
  معجم المؤلفين العراقيين 1 ـ 472.
  الأعلام للزركلي 3 ـ 26.
  معجم المؤلفين 4 ـ 163.
  مستدرك معجم المؤلفين ـ 251.
  ماضي النجف وحاضرها 3 ـ 214.
  معارف الرّجال 3 ـ 245.
  مجلة نور علم ، السنة الثانية ع 9 ـ 79.
  تاريخ علمي واجتماعي أصفهان در دو قرن أخير 2 ـ 219.

وقاية الاذهان _ 40 _
  ترجمة المحشي.
  العلاّمة الأديب الرياضي الهيوي المفسّر الفقيه آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد علي الملقّب بأمجد الدين ومجد الدين ، والشهير بمجد العلماء النجفي الأصفهاني قدس سره.
  نسبه :
  هو ابن العلاّمة الأكبر آية الله العظمى أبي المجد الشيخ محمد الرضا النجفي الأصفهاني ( ت 1362 ه‍ ) ـ صاحب تأليفات كثيرة ، منها : ( نقد فلسفة داروين ) و ( وقاية الأذهان ) و ( شرح نجاة العباد ) و ( ديوان شعر ) ـ ابن العلاّمة الربّاني ، والفقيه الصمداني ، والعارف الكامل الحاج الشيخ محمد حسين صاحب ( مجد البيان في تفسير القرآن ) ( ت 1308 ) ابن العلاّمة الأكبر ، والفقيه المرجع الرئيس ، الحاج الشيخ محمد باقر صاحب ( لبّ الفقه ) و ( لبّ الأصول ) وغيرهما ( ت 1301 ه‍ ) ابن العلاّمة المحقق ، والأصولي المدقّق ، الشيخ محمد تقي الأصفهانيّ صاحب حاشية معالم الدين المسماة بـ ( هداية المسترشدين ) ( ت 1248 ه‍ ) قدّس الله أسرارهم وطيّب الله ثراهم.

وقاية الاذهان _ 41 _
ولادته وأمّه

  أنجبته العلويّة زهرا بيگم ( ت 1356 ه‍ ) بنت سيد العلماء العلاّمة السيد محمد الإمامي الخاتون آبادي الأصفهاني النجفي ، في اليوم الثالث والعشرين من جمادى الأولى عام 1326 ه‍ في النجف الأشرف.
  ثم سافر إلى أصبهان مع أبيه العلاّمة في سنة 1333 ه‍.

  أساتذته :

  ابتدأ بالعلوم في النجف الأشرف وهو طفل ، ثم حضر في أصبهان في السطح الأولي ، على الحاج الشيخ علي اليزدي ( ت 1351 ه‍ ) والسيد ميرزا الأردستاني ( ت 1351 ه‍ ) واشتغل بالسطح العالي ـ ولم يبلغ الحلم ـ على الحاج آقا رحيم الأرباب ، والحاج آقا منير الدين البروجردي ( 1269 ـ 1342 ه‍ ) والحاج الميرزا محمد صادق الخاتون آبادي ( ت 1348 ه‍ ) والسيد محمد النجف آبادي ( 1294 ـ 1358 ).
  ثم اشتغل بالدراسات العليا في الفقه والأصول على الحاج الميرزا محمد صادق الخاتون آبادي والسيد محمد النجف آبادي المذكورين ، وعمّ والده آية الله على الإطلاق الشهيد الحاج آقا نور الله النجفي الأصفهاني ( ت 1346 ه‍ ) ، وحضر برهة من الزمان على العلاّمة المؤسّس الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ( ت 1355 ه‍ ) بقم ، ولكن أكثر استفاداته العلمية كانت من والده العلاّمة ، فقد تتلمذ عليه في الفقه والأصول والهيئة والرياضي و ....

وقاية الاذهان _ 42 _
  مشايخه في الرواية والراوون عنه :
  لم نعرف من مشايخه في الرواية إلاّ والده العلاّمة أبا المجد الشيخ محمد الرضا النجفي الأصفهاني رحمه الله والمرجع الفقيه السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني ( قدس سره ).
  ولم نعرف من الراويين عنه إلاّ نجله الشيخ مهدي مجد الإسلام النجفي.
  الأقوال فيه :
  1 ـ قال والده العلاّمة في ختام رسالته أمجدية : ( وچون سال تأليف رساله
  مصادف بود با سال أول وجوب روزه مر قرّة العين معظم ، نخبة أرباب الفهم والاستعداد ، والمرجوّ لإحياء مراسم أجداده الأمجاد ، آقا شيخ أمجد الدين أبقاه الله خلفا عن سلفه الماضين ، وجعله علما يهتدى به في الدنيا والدين ، أو را مخاطب در اين رساله داشتم ، ونام آن رساله را رساله امجديّه گذاشتم ... ).
  2 ـ وقال والده أيضا في تبحّره في الهيئة : ( إنّ مجدنا أستاذ في الهيئة ) (1).

--------------------
(1) نقله لنا آية الله الحاج السيد مصطفى المهدوي الأصفهاني المجاز من والد المصنف ( قدس سرهما ).

وقاية الاذهان _ 43 _
  3 ـ وأيضا قال والده العلاّمة في إجازته له : ( .... وبعد ، فان العالم الفاضل الخبير المهذّب النحرير قرة عيني الشيخ مجد الدين ممّن حضر دروسي الشرعية ، فقهية وأصولية ، فوجدته ذا قوة تسمّى الاجتهاد ، بصيرا بمباني الأحكام ، فله العمل بما استنبطه من الأحكام استنباطا مطابقا للقواعد المقرّرة ... ).
  4 ـ وقال العلاّمة الطهراني رحمه الله في خاتمة ترجمة أبيه : ( وولده الشيخ مجد الدين من العلماء وأئمّة الجماعة اليوم في أصفهان ).
  5 ـ وقال المؤرّخ العلاّمة الشيخ محمد علي المعلّم الحبيب آبادي صاحب مكارم الآثار في ختام مقالته عقيب رحلة والد المترجم : ( وآقاى مجد العلماء پسر بزرگ آن مرحوم در حدود سال هزار وسيصد وبيست وشش يا قدري پس وپيش در كربلاء متولّد شده ودر خدمت پدر نامور ، تحصيلات خود را در علوم فقه وأصول وهيئت ورياضي قديم به پايان آورده ، وبزيور اجتهاد زينت يافته ، وبتصديق اجتهاد وإجازات روايت از آن فقيد مرحوم سرافراز گشته ، واينك بجاى وى در مسجد نو امامت مينمايد ).
  6 ـ وقال صاحب ( دانشمندان وبزرگان أصفهان ) في عدّ مصنّفات أبيه : ( أمجديه در إعمال ماه رمضان بنام فرزندش عالم زاهد ورع مجد العلماء .... ).
  7 ـ وقال صاحب ( گنجينه دانشمندان ) في حقه : ( حضرت آية الله آقاى

وقاية الاذهان _ 44 _
  حاج شيخ مجد الدين نجفى فرزند ارشد مرحوم آية الله العظمى ابو المجد آقا شيخ محمد رضا نجفى بن عالم ربانى شيخ محمد حسين بن علاّمه محقق حاج شيخ محمد باقر طاب ثراه ، معروف به مجد العلماء .... ).
  وقال أيضا في ختام ترجمته : ( در ماه شوال 1394 ه‍ كه براى امرى به اصفهان رفتم در مسجد نو موفّق به زيارتشان شده ، واز سيماى ملكوتى آن جناب مستنير گرديدم ، آثار وعلائم ربّانيين را از چهره منيرش مشاهده كردم ، وبايد همينطور باشند ، زيرا فرزند ارجمند آية الله العظمى آقا رضا كه مجسّمه علم وكمال ، وحفيد عالم ربّانى وآية سبحانى حاج شيخ محمد حسين نجفى هستند كه داراى كرامات ومقامات معنوى بوده ، ومرحوم آية الله حاج آقا نور الله اصفهانى كتابى در شرح زندگانى آن بزرگوار وحالاتش نوشته است ).
  8 ـ وقال صاحب ( تاريخ علمى واجتماعى اصفهان در دو قرن اخير ) : ( عالم فاضل ، وفقيه كامل ومفسر اديب ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، استاد رياضى وهيئت ، جامع معقول ومنقول ، وحاوى فروع واصول ، از مدرسين خارج فقه واصول در مدرسه مرحوم ثقة الاسلام عموى والد بزرگوارشان ، وامام جماعت مورد وثوق قاطبه طبقات اجتماع در مسجد نو بازار آثار زهد وتقوى از سيماى او نمودار كه ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) متجاوز از چهل سال پس از فوت پدر در مسجد ايشان در ظهر وشب اقامه جماعت مى نمود ، وعدّه كثيرى از مؤمنين حضور به جماعتش را غنيمت مى شمردند ... ).

وقاية الاذهان _ 45 _
مجالس درسه

  كان يدرّس مختلف العلوم الإسلامية من الفقه والأصول والحكمة والهيئة والرياضي ، واشتهر بالأخيرين اشتهارا واسعا.
  كان يلقي دروسه في الرياضي في المسجد الجامع العباسي ( مسجد الإمام ) سابقا ودروس الهيئة كانت بمسجد ( نو بازار ) والفقه بمدرسة عمّه آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد علي النجفي الشهير بثقة الإسلام.
  وقد حضر أبحاثه جمع من الآيات والحجج والأعلام.

تأليفاته القيمة :

  له تأليفات قيّمة في غاية الحسن والفصاحة كما ينبغي له ، وإليك سرد أسمائها :
  1 ـ ايرادات وانتقادات على دائرة المعارف لفريد وجدي.
  2 ـ ترجمة ( نقد فلسفة داروين ) من العربية إلى الفارسية في مجلدين ضخمين.
  3 ـ حاشية الروضات ، طبع بعض منها مع حاشية والده على الروضات.
  4 ـ حاشية ( سمطا اللئال في مسألتي الوضع والاستعمال ) وهي بين يديك.
  5 ـ حاشية ( وقاية الأذهان ) في علم الأصول ، وهي بين يديك.
  6 ـ دروس في فقه الإمامية ( كتاب الصلاة وكتاب الصوم ) وهي دروسه التي كان يلقيها على تلامذته في البحث المعروف بالخارج.

وقاية الاذهان _ 46 _
  7 ـ رسالتان في ترجمة والده ونفسه. طبعا.
  8 ـ رسالة في ترجمة جده العلاّمة الحاج الشيخ محمد حسين النجفي الأصفهاني ( قدس سره ) كتبها بعنوان المقدّمة لتفسيره ( مجد البيان في تفسير القرآن ).
  9 ـ صرف افعال ألّفها في صغره.
  10 ـ الفوائد الرضوية في شرح الفصول الغروية ، أو حاشية على فصول عمّه العلاّمة الشيخ محمد حسين الأصفهاني في علم الأصول.
  11 ـ گل گلشن ، انتخبها من منظومة ( گلشن راز ) للعارف المشهور الشيخ محمود الشبستري.
  12 ـ المختار من القصائد والأشعار ، طبع.
  13 ـ مسائل العلوم.
  14 ـ اليواقيت الحسان في تفسير سورة الرحمن ، طبع.

إمامته للجماعة

  كان يقيم الجماعة في المسجدين الأعظمين المزدحمين : ( مسجد نو ) في سوق أصبهان ، و ( مسجد الإمام ) أكثر من أربعين عاما.
  واقتدى به جماعة كبيرة من مختلف الطبقات من وجوه الفضلاء والمتدينين والوجهاء.

  أخلاقه الفاضلة :

  كان رحمه الله مؤدّبا بالأخلاق الإسلامية والآداب القرآنية ، متّبعا للتعاليم النبوية ، متأدّبا بالأخلاق المحمدية ، كما وصف الله تعالى نبيّه الأكرم في كتابه الكريم بقوله عز من قائل : ( إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (1) وكما قال النبي صلّى الله عليه وآله : ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) .
  وهو ـ من غير ملق ومجاملة ـ اقتدى بالنبيّ الأكرم والأئمّة الهداة المهديين عليهم صلوات ربّ العالمين ، ولذا كان محبوب القلوب ووجيه الملّة عند جميع الطبقات من الخواصّ والعوام.

--------------------
(1) القلم : 4.

وقاية الاذهان _ 47 _
وفاته ومدفنه

  ارتحل إلى رحمة الله تعالى في صبيحة يوم الأربعاء عشرين من ( ذي الحجة ) عام 1403 ق المطابق لسادس شهر ( مهر ) 1362 ش في طهران ونقل جثمانه الشريف إلى أصبهان فوصل إليها يوم الخميس ، وغسل في بيته ، ثم شيّع تشييعا ضخما إلى مسجد الإمام ومنه إلى مسجد ( نو ) ـ الّذي بناه جدّه الأكبر العلاّمة الفقيه الرئيس آية الله العظمى الحاج الشيخ محمد باقر النجفي الأصفهاني من تلاميذ الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سرّهما ـ بعد ان تعطّلت الأسواق ، ودفن هناك في الأيوان الشمالي الشرقي ، رحمة الله عليه رحمة واسعة.
  ومن طريف البيان ، أن سمع منه أنه كان يقول : نعم اليوم يوم الأربعاء ، ولعلّه كان يشير إلى هذا البيت الفارسي :
خرّم آن روز كه زين منزل ويران بروم      ii

پى  جـانان طـلبم در پى آنـان iiبروم      ii
  مراثيه :
  رثاه جمع من العلماء والشعراء ، منهم :
  1 ـ العلاّمة الحجة الحاج السيد مجتبى الصادقي أدام الله أيامه رثاه بأبيات أرّخ فيها سنة الوفاة أيضا :
لـهـفي لـمـوت الـبطل iiالـعليم      ii

ذي الـمـجد ثـم الـحسب iiالـقديم      ii

أف لـدهر يـقتطف ثـمر iiالـهدى      ii

مـن دوحـة العلم ذي النسب الكريم      ii

فــأردت أن أؤرّخ عــام وفـاته      ii

لـيكون تـذكرة الأخـلاف iiوالحميم      ii

ألـحق إلـى الـمجموع سبعا ثم iiقل      ii

( نرجو لمجد العلم مثوى في النعيم )      ii
( 1362 ش )
.
  2 ـ ومنهم : الأديب الأستاذ علي المظاهري ، قال في أبيات بالفارسية :

وقاية الاذهان _ 48 _
مـجد الـعلماء ومـجد ديـن iiرفت      ii

آن عـالـم عـالـم يـقين iiرفـت      ii

آن  مـظـهر زهــد iiوپارسـائى      ii

آن  رهـبـر راه راسـتين iiرفـت      ii

از  مـجـمـع عـالـمان مـعـلم      ii

از  حـلقه زاهـدان نگيـن رفـت      ii

مـحـراب  نـشـين مـسجد iiنـو      ii

بـر مـنبر عـرش از زمين iiرفت      ii

آن  دم كـه از ايـن جهان به جنّت      ii

آن پاك نـهـاد پاك بـيـن iiرفـت      ii

تـاريـخ  وفــات او رقـم iiشـد      ii

( رونق ده علم وحصن دين رفت )      ii
( 1362 ش ).

  والشطر الأخير الّذي نظم فيه التاريخ هو للأستاذ الأديب السيد قدرة الله الهاتفي وفقه الله تعالى.

وقاية الاذهان _ 49 _
بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله منتهى الحمد والصلاة والسلام على عبده المجتبى ونبيه المصطفى ، وعلى أهل بيته المعصومين أحباء الله وأصفيائه الطيبين الطاهرين.
  جاءت الشريعة الإسلامية السمحاء المتلقاة من لدن عليم خبير كاملة متكاملة ، لتصوغ وتربي البشرية على هديها ومنهاجها القويم من أجل السير بها حثيثا نحو الكمال المنشود.
  فلم يواجه المسلم في زمن النص والتشريع مشاكل حادة من أجل تحديد تكليفه الشرعي ، إذ كان يعيش في أجواء الرسالة فيستلم الأحكام بشكل حي مباشر ، معتمدا في فهمها على الذوق اللغوي المتعارف عليه ، وعلى معرفته التامة بظروف وملابسات الحكم.
  بل حتى بعد عصر النص بقليل ، كانت لوفرة الروايات الموروثة ، وقلة المسائل الجديدة المثارة ، يساعدان على استخلاص الحكم الشرعي بسهولة ويسر بالاعتماد على التواتر والاستفاضة في الاخبار ، بالشكل الّذي يجعل الرّأي القائل بحجية الخبر الواحد في غير محله ، لأنه يبقى في مجال الظن الّذي يمكن أن يلغيه يقين الاستفاضة والتواتر.

وقاية الاذهان _ 50 _
  وعليه فقد كان النص الشرعي واضحا في معناه وفهمه ودلالته وقطعية صدوره ، وفي جملة الملابسات والظروف التي أحاطت به.
  وضمن هذه الظروف لم تواجه الشريعة فراغا أو فجوات تفرضها حوادث طارئة متكثرة ، ولم يكن المكلف يعاني من أزمة في النص أو في تحديد التكليف الشرعي ، ولم يكن الممارس للعمل الفقهي يعاني مشقة كبيرة في استحصال الحكم الشرعي لمحدودية أدوات الاستنباط المترسخة في الذهن.
  ولكن هذه الحالة لم تستمر طويلا ، إذ بانتهاء عصر النص والتشريع ـ أي سنة 329 ه‍ وهي ابتداء الغيبة الكبرى للإمام المهدي عليه السلام وكلما زاد البعد عنه ، بدأ وضوح النص يخفت تدريجيا ، ويواجه إشكالات عديدة تطال أكثر الاجزاء المكونة له ، أي معناه وقاطعية صدوره ... إلخ.
  وبدأ الفاصل الزمني يفعل فعله القاهر كحاجز كبير بين النص ومكوناته ، وبين الفقيه وممارسته الفقهية.
  فقد أصبحت الحاجة ملحة لأن تقعّد هذه النصوص ويوضع نظام عام لها مضبوط ومحكوم بأصول وقواعد مشتركة تستخلص من جملة هذه النصوص لتنضوي تحتها العديد من العناوين الفقهية القديمة أو المستجدة.
  وهذا ما بدأ يمارسه الفقهاء مستندين بذلك على البيان الشرعي ـ الكتاب الكريم والسنة ـ إذ كان الأئمة عليهم السلام باعتبارهم أمناء الرسالة يعون أبعاد الثغرة التي ستحدث ، لذا كانوا يغرسون بذرة التفكير الأصولي في أذهان أصحابهم ، ويوضحون لهم بعض القواعد الأساسية العامة لتكون هي المستند الكاشف عن الحكم الشرعي ( كل شيء طاهر حتى تعلم انه نجس ) وكجملة من الروايات الواردة في التوفيق بين النصوص المتعارضة وحجية خبر الثقة ... إلخ.
  ومستندين أيضا على الإدراك العقلي القائم على أساس الحس والتجربة

وقاية الاذهان _ 51 _
  أو البداهة أو التأمل النظريّ ، وله مستويات متباينة من حيث المنابع المنتجة له ، ومن حيث درجة اليقين التي يوفرها ، وفي البحوث المفصلة مناقشات واسعة في ذلك.
  وهكذا بدأ علم الأصول يكشف عن نفسه ويستقل بها عن العلوم التي نشأ بإحضانها أو رافقها تاريخيا لظروف معينة ، ويطرح نفسه باعتباره الإجابة الوحيدة الممكنة للمشكلات السابقة ، وباعتباره الإطار النظريّ للممارسة الفقهية. وكأي علم حي نام تستثيره المشكلات من الخارج كما يتابع هو الأسئلة من الداخل استطاع علم الأصول وعلى مر السنوات ان يتسع ويغتني تبعا لتوسع البحث الفقهي للعلاقة الطردية العميقة القائمة بينهما ، ومستفيدا كذلك من العلوم الأخرى حتى وصل في الوقت الحاضر إلى قمة اكتماله ونضوجه.
  وبرز في هذا العلم من خلال مدرسة الوحيد البهبهاني الأصولية الكبرى كل من الشيخ الأنصاري والآخوند الخراسانيّ والميرزا النائيني والشيخ الأصفهاني و ... وغيرهم.
  ولعل الكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم ، ومؤلفه العلاّمة آية الله الشيخ أبو المجد محمد رضا الأصبهاني المتوفى سنة 1362 ه‍ ، هو أحد تلك الشواهد البارزة في ذلك العلم الرحيب.
  وحرصا من مؤسسة آل البيت على إخراج هذا السفر الجليل بالشكل الّذي يليق بمكانته العلمية عملت على تحقيقه ونشره ، أسوة بما تقوم بنشره من المؤلفات المهمة والقيمة لعلماء هذه الطائفة الاعلام.

وقاية الاذهان _ 52 _

سمطا اللّئال في مسألتي الوضع والاستعمال

  تصدير (1)

  لا يخفى أنّ هذه الرسالة جزء من كتابنا المسمّى ( وقاية الأذهان والألباب ولباب أصول السنّة والكتاب ) الموضوع في فنّ أصول الفقه ، وقد أفرزتها عنه ، لدواع ، أهمّها : أنّ إيضاح عدّة من مسائلها كان متوقّفا على استطراد بعض المباحث الأدبيّة ، وسرد الشواهد الشعرية ، وفي ذلك ما تنبو عنه طبائع كثير ممّن يتعاطى فنّ أصول الفقه في هذا الزمان ، ولا أقول جميعهم ، وربّما أخذ بعضهم ذلك طعنا عليّ ، ونقصا في ذلك الكتاب ، فليقل من شاء ما شاء ، ولكنّ الفاضل البصير يعلم أنّ أوضاع العلوم يدور بعضها على بعض ، والاستعانة على فنّ بفنّ آخر إن كان يعدّه ذنبا فإنّي وايم الحقّ يسرّني أن أكون في صفّ يعدّهم من المذنبين ، فيه شيوخ العلم وأئمّة الدين.
  هذا ، على أنّها ـ كما ذكرت في أوّلها ـ نمط جديد من العلم فيحقّ لها الاستقلال ، وأن تعدّ مدخلا لسائر العلوم ، والحمد لله أوّلا وآخرا.

--------------------
(1) صدّر المصنّف رحمه الله مباحث الألفاظ بهذه الجمل التي لا تخلو من فائدة تاريخية.

وقاية الاذهان _ 53 _
بسم الله الرحمن الرحيم


  وبه ثقتي الحمد لله الّذي رزقنا بصائر تنفذ المجازات (1) ، فلا تراها (2) إلاّ الحقائق ، ووفّقنا لاستعمال أفهامنا فيما وضعت له من معرفة الدقائق.
  والصلاة على محمد وآله ما دلّت الألفاظ على معانيها ، وبدا خافيها لمعاينها.
  وبعد : فهذا نمط جديد من العلم ، ونظام فريد لجيد الفضل ، وأساس تبنى عليه علالي (3) مسائل مهمّة ، ونبراس (4) تنجاب (5) بنوره حنادس (6) معضلات

--------------------
(1) يناسب ما يأتي من أنّ المجازات حقائق في الحقيقة ، ( منه ره ).
(2) في نسخة : فلا نرى بها.
(3) جمع عليّة : وهي : الغرفة ( منه ره ) وانظر القاموس المحيط 4 : 368 ( علو ) والصحاح 6 : 2437 ، ومجمع البحرين 1 : 303 ( علا ).
(4) النبراس : المصباح ، الصحاح 3 : 981 ( نبرس ).
(5) انجابت السحابة : انكشفت ، الصحاح 1 : 104 ، انجاب عنه الظلام ، انشقّ ، لسان العرب 1 : 285 ( وجوب ).
(6) جمع حندس : الليل الشديد الظلمة ، الصحاح 3 : 916 ( حدس ) ، القاموس المحيط 2 : 209 ( الحندس ).

وقاية الاذهان _ 54 _
  جمة ، وأصول محكمة الدلائل تحلّ بها مصمئلات (1) المسائل ، وما هي إلاّ بيان الحال في المهمّين : الوضع والاستعمال.
  ولا بدّ لمن يزاول العلوم الباحثة عن الألفاظ ـ على تكثّر فنونها ، وتشعّب أفنانها (2) ـ من معرفة هذين الأصلين ، لأنّ جميع مباحثها يرجع إليهما ، ولا تدور أوضاعها إلاّ عليهما.
  فمن بحث عنهما بعد إتقان عرفانهما ، فقد متّ (3) إليها بأسبابها ، ودخل خمائلها (4) من أبوابها ، والمعرض عنهما كالساري في الظلام بلا مصباح ، ولا غرو إذا ذهب تعبه إدراج الرياح.
  وقد وضعت لبيانهما هذه الرسالة ، وسمّيتها : ( جليّة الحال ـ أو ـ سمطا اللئال في معرفة الوضع والاستعمال ).
  ورتّبتها على فصلين ، ذكرت في أولهما المباحث المتعلّقة بهذين الأصلين ، وفي ثانيهما عدّة من الحقائق الراهنة   التي تعرف بمعرفتها.
  وها أنا أجلّيها على ذوي الأفهام ، وأعرضها ـ عرض السابري (5) ـ على فضلاء الأنام ، وظنّي ـ وظنّ الألمعيّ (6) يقين ـ أن سوف ينفق في سوق العلم هذا

--------------------
(1) جمع مصمئلّة : الداهية ، الصحاح 5 : 1746 ، القاموس المحيط 4 : 4 ( صمل ).
(2) جمع فنن ، بمعنى : الغصن ، الصحاح 6 : 1278 ، القاموس المحيط 4 : 258 ( فنن )
(3) متّ ، أي ، توسّل ، الصحاح 1 : 266 ، ( متت ) ، القاموس المحيط 1 : 157 ( المتّ ).
(4) جمع خميلة ، والمراد منها : البستان ( منه ره ) ، وانظر الصحاح 4 : 1689 ، والقاموس المحيط 3 : 371 ( خمل ).
(5) السابري : ثوب رقيق جيّد يرغب فيه بأدنى عرض ( منه ره ) وانظر : الصحاح 2 : 675 ـ 676 ، والقاموس المحيط 2 : 44 ( سبر ).
(6) الألمعيّ : الذكيّ المتوقّد ، الصحاح 3 : 1281 ، القاموس المحيط 3 : 82 ، مجمع البحرين 4 : 388 ( لمع ).

وقاية الاذهان _ 55 _
  العلق (1) الثمين ، وأنّ الفاضل المنصف لا بدّ أن يعرف قدرها ، ويجعل حسن القبول مهرها ، ولا أكثرت (2) ـ إن صحّ الظنّ ـ بجحود أولي الأحقاد والإحن (3) ممّن قلّت في سوق العلم بضاعته ، فما ربحت فيها تجارته. من الخفيف :
فكذا الورود فيه للناس طيب      ii

ثـم فـيه لآخـرين iiزكـام      ii
  ولا أقابل المعاند المكابر إلاّ بقول الشاعر : من الطويل :
إذا رضيت عني كرام عشيرتي      ii

فـلا  زال غضبانا على iiلئامها      ii
حقيقة الوضع

  لا شك في أنّ دلالة الألفاظ على معانيها ليست بذاتية كدلالة الدخان على النار.
  فما يحكى عن الصيمري من أنّ دلالتها بالطبع (4) فهو بظاهره وعلى إطلاقه ظاهر الفساد ـ كما يمر عليك بيانه في خلال المباحث الآتية إن شاء الله تعالى ـ بل هي بالجعل المعبّر عنه بالوضع ، ولولاه لكانت نسبة جميع الألفاظ إلى كل واحد من المعاني متساوية أو متقاربة (5) ، لا يترجح بعضها على بعض عند استماع لفظ من الألفاظ.

--------------------
(1) علق : النفيس من كل شيء ، الصحاح 4 : 1530 ، القاموس المحيط 3 : 267 ، مجمع البحرين 5 : 217 ( علق ).
(2) أي لا أبالي ، الصحاح 1 : 290 ، مجمع البحرين 2 : 262 ( كرث ).
(3) جمع إحنة ، بمعنى : الحقد ، الصحاح 5 : 2068 ( أحن ) القاموس المحيط 4 : 195 ( الإحنة ).
(4) الفصول الغرويّة : 23.
(5) قوله : أو متقاربة ، أقول : إشارة إلى بعض الألفاظ التي لم تكن نسبتها إلى بعض المعاني بالتساوي كلفظ الغزال ، والغضنفر بالنسبة إلى الأسد ( مجد الدين ).

وقاية الاذهان _ 56 _
  وقد عرّف الوضع تارة بأنه ( تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه ) (1).
  وتارة بأنه ( نوع تخصيص ينشئه الواضع ) (2) ومرجعه إلى قصر اللفظ على المعنى.
  وتارة بأنه ( نحو اختصاص اللفظ بالمعنى ) (3) أو ( تعيين شيء لشيء ) (4) إلى غير ذلك من التعاريف ، المتقاربة في المراد ، المتشابهة في الإجمال ، مما يقف عليه من تصفّح كتب القوم ، وتفحّص عنها ، بعضها تعريف له بالمعنى المصدري ، وبعض له بالمعنى الحاصل منه.
  ولا أرى لك صرف نقد الوقت في انتقاد هذه التعاريف ، وفيما يرد عليها طردا وعكسا ، بل أرى أن تسالم هؤلاء جميعا ، وتصرف عنان الهمّ نحو معرفة ما يحصل به ذلك الاختصاص ، أو التخصيص ، أو التعيين ، أو الارتباط ، ويتوصل بذريعته إلى هذه الأمور ، ويترتب عليه المقصود من جعل الدلالة.
  ولا يمكن جميع ذلك إلاّ بالتعهد أعني تعهّد المتكلّم للمخاطب ، والتزامه له بأنه لا ينطق بلفظ خاص إلاّ عند إرادته معنى خاصا ، أو أنه إذا أراد إفهامه معنى معيّنا لا يتكلّم إلاّ بلفظ معيّن ، فمتى تعهّد له بذلك وأعلمه به حصلت الدلالة وحصل الإفهام ، ولا يكاد يحصل بغير ذلك.
  فلنا في المقام دعويان : حصول الوضع بالتعهد المذكور ، وعدم إمكان حصوله بغيره.
  أما الأول فظاهر ، إذ من الواضح أنّ السامع إذا عرف التزام المتكلّم بأنه لا يطلق لفظ الأسد ـ مثلا ـ إلاّ على ذلك الحيوان المفترس ، وأنه عند إرادته
--------------------
(1) [ راجع ] الفصول [ الغرويّة ] في مبحث الوضع [ : 14 ] ( منه ره ).
(2) [ راجع ] الفصول [ الغرويّة : 54 ] في مبحث استعمال المشترك ، ( منه ره ).
(3) [ راجع ] كفاية الأصول [ : 9 ] ( منه ره ).
(4) نقله في الفصول [ : 54 ] عن بعضهم ، ( منه ره ).

وقاية الاذهان _ 57 _
  إفهامه هذا المعنى لا ينطق بغيره عرف المراد ، وتمّت الدلالة عنده من غير احتياج إلى تكلّف جعل ارتباط أو إنشاء اختصاص ، كما أنّ من الواضح عدم حصول فهم المعنى المراد إذا لم يعلم منه التعهّد المذكور ولو صرح ألف مرة بإنشائه الاختصاص أو جعله للعلاقة.
  وكيف يفهم مراد اللافظ به إذا علم عدم تعهّده بما عرفت ، بل عرف من حاله أنه في كل استعمال يريد به غير ما قصده في استعمال آخر.
  وأما البرهان على ذلك ، فتقريره : أنّ دلالة الألفاظ ـ كما عرفت ـ ليست بذاتيّة ، وتغيير الذاتيات رفعا ووضعا مستحيل ، باتفاق العقول ، فكما لا يمكن سلب دلالة الدخان على النار ، كذلك لا يمكن جعله ـ مثلا ـ دليلا على الماء.
  وإن شئت قلت : إنّ الدلالة من المعقولات الثانية أعني أنها كالمحاذاة والفوقية ، لا يكاد تنالها يد التصرف ابتداء ، فكما أنّ جعل المحاذاة بين الجسمين لا يمكن إلاّ بالتصرف في أحدهما أو فيهما معا ، كذلك لا يمكن جعل الدلالة بين اللفظ والمعنى إلاّ بالتصرف فيما يقع تحت القدرة والاختيار من قصر أحد الألفاظ على أحد المعاني.
  فالقائل بأنه جعل ارتباط ، أو نحو اختصاص ، إن أراد به نحو اعتبار يلحق الألفاظ بعد التعهّد المذكور فلا ننازعه في ذلك ، وإن أراد به كون الارتباط ونحوه مجعولا ابتدائيّا للواضع فهو مردود عند قاضي الإنصاف بشهادة العدلين : الوجدان والبرهان.
  وبمثل ذلك نقول في جميع الإنشاءات من العقود والإيقاعات ، وليس المقام مقام تفصيل القول فيه ، ولكن نقول بالإجمال : إنّ جعل العلاقة بين الزوجين ابتداء بإجراء صيغة النكاح غير معقول ، إذ الألفاظ قوالب المعاني ، فلا تكلّف إلا بما في وسعها من الكشف عن المرادات لا تغيير الذاتيات وإيجاد المعدومات ، إذ ليس ألفاظ المعاملات من باب عزائم