السيرة المحمدية
تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني
سلسلة الكتب المؤلفة في أهل البيت ( عليهم السلام ) (23)
إعداد مركز الأبحاث العقائدية
مقدّمة المركز
  لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث ، وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن ، ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج ، ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً ، كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم ، وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها ، وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها ، سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله .

حديث الولاية _ 2 _

تمهيد
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين ، موضوع البحث : حديث الولاية ، وهذا الحديث أيضاً من الاحاديث المتفق عليها بين الفريقين ، حديث نقطع بصدوره عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا الحديث يدلّ على إمامة أمير المؤمنين من جهات عديدة :
  الجهة الاُولى : ثبوت الولاية والاولوية لامير المؤمنين (عليه السلام) .
  الجهة الثانية : دلالته على عصمة أمير المؤمنين (عليه السلام) .
  الجهة الثالثة : إنّ بغض عليّ يخرج المبغض عن الاسلام وعليه أنْ يجدّد إسلامه ويشهد الشهادتين من جديد ، وكلّ جهة من هذه الجهات الثلاث يمكن أنْ يستدلّ بها بالاستقلال على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) .

رواة حديث الولاية هذا الحديث يروونه ( أي أبناء السنّة ) :
1 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) .
2 ـ عن الامام الحسن السبط (عليه السلام) ، ويروونه أيضاً :
3 ـ عن ابن عباس .
4 ـ عن أبي ذر الغفاري .
5 ـ عن أبي سعيد الخدري .
6 ـ عن البراء بن عازب .
7 ـ عن عمران بن حصين .
8 ـ عن أبي ليلى الانصاري .
9 ـ عن بريدة بن الحصيب .
10 ـ عن عبد الله بن عمرو .
11 ـ عن عمرو بن العاص .
12 ـ عن وهب بن حمزة .

حديث الولاية _ 3 _

  وبعض هؤلاء الصحابة هم من مشاهير أعلامهم ، وعلى رأسهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ومن أشهر مشاهير الائمّة الحفّاظ وأعلام الحديث الرواة لهذا الحديث الشريف في كتبهم عبر القرون المختلفة :
1 ـ أبو داود الطيالسي ، صاحب المسند .
2 ـ أبو بكر بن أبي شيبة ، صاحب المصنّف .
3 ـ أحمد بن حنبل ، صاحب المسند ، إمام الحنابلة .
4 ـ أبو عيسى الترمذي ، صاحب الصحيح .
5 ـ النسائي ، صاحب الصحيح .
6 ـ أبو يعلى الموصلي ، صاحب المسند .
7 ـ أبو جعفر الطبري ، صاحب التاريخ والتفسير المعروفين .
8 ـ أبو حاتم بن حبّان ، صاحب الصحيح .
9 ـ أبو القاسم الطبراني ، صاحب المعاجم الثلاثة .
10 ـ الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك .
11 ـ أبو بكر بن مردويه ، صاحب التفسير .
12 ـ أبو نعيم الاصفهاني ، صاحب حلية الاولياء وغيره من الكتب .
13 ـ أبو بكر الخطيب البغدادي ، صاحب تاريخ بغداد .
14 ـ ابن عبد البر ، صاحب الاستيعاب .
15 ـ ابن عساكر الدمشقي ، صاحب تاريخ دمشق .
16 ـ ابن الاثير الجزري ، صاحب أُسد الغابة .
17 ـ الضياء المقدسي ، صاحب المختارة .
18 ـ البغوي ، صاحب مصابيح السنّة ، وصاحب التفسير المعروف معالم التنزيل ، ومن رواته أيضاً :
19 ـ الحافظ شمس الدين الذهبي ، صاحب الكتب المعروفة .
20 ـ ابن حجر العسقلاني ، صاحب فتح الباري والاصابة وغيرهما من الكتب .
21 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي ، صاحب المؤلفات الكثيرة المعروفة .
22 ـ شهاب الدين القسطلاني ، صاحب إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري .
23 ـ الشيخ علي المتقي الهندي ، صاحب كنز العمّال .

حديث الولاية _ 4 _

24 ـ الحافظ محمّد بن يوسف الصالحي الدمشقي ، صاحب السيرة الشامية .
25 ـ ابن حجر المكّي ، صاحب الصواعق المحرقة .
26 ـ الشيخ علي بن سلطان القاري الهروي ، صاحب المرقاة في شرح المشكاة .
27 ـ عبد الرؤوف المنّاوي ، صاحب فيض القدير في شرح الجامع الصغير .
28 ـ شاه ولي الله الدهلوي ، علاّمة الهند ، والمحدّث الكبير ، صاحب المؤلفات الكثيرة ، وصاحب المدرسة المعروفة في مدينة دهلي بالهند ، فهؤلاء وغيرهم يروون هذا الحديث الشريف عن الصحابة المذكورين .

نصّ حديث الولاية وتصحيحه
  إلاّ أنّ المشهور برواية هذا الحديث من بين الصحابة :
1 ـ عبد الله بن عباس .
2 ـ بريدة بن الحصيب .
3 ـ عمران بن الحصين .
  هؤلاء الثلاثة أكثر الروايات تنتهي إليهم ، أمّا رواياتهم عن ابن عباس ، فلا يروون عنه إلاّ هذا المقدار من الحديث وهو محلّ الشاهد : « أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي » وهذا لفظ أبي داود الطيالسي في مسنده (1) ، أو « أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة» وهذا لفظ الحاكم في المستدرك (2) ، أو «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي» وهذا لفظ أحمد في المسند (3) .

---------------------------
(1) مسند أبي داود الطيالسي : 360 رقم 2752 ـ دار المعرفة ـ بيروت .
(2) مستدرك للحاكم 3/134 .
(3) مسند أحمد 1/545 ذيل حديث 3052 .

حديث الولاية _ 5 _

  فرسول الله يخاطب عليّاً بمثل هذا الخطاب : « أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة» ، أو «أنت وليّ كلّ مؤمن من بعدي» ، أو «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي» ، ولا يخفى عليكم وجود كلمة بعدي في جميع الالفاظ الثلاثة في هذه المصادر التي ذكرتها ، هذا هو اللفظ عن ابن عباس ، يرويه ابن عباس ضمن حديث يشتمل على مناقب عشر لامير المؤمنين (عليه السلام) ، ينصّ عبدالله بن عباس فيه على اختصاص هذه المناقب بعلي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولا يشاركه فيها أحد من الاصحاب ، وأمّا عن عمران وعن بريدة فيذكرون قضيةً وفيها قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي» ، ففي روايتهم عن عمران بن حصين وعن بريدة بن الحصيب توجد هذه الاضافة : «علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي» ، إذن ، عرفنا إلى الان : الصحابة الرواة لهذا الحديث وأعلام المحدّثين وأشهر الائمّة الحفّاظ من أهل السنّة في القرون المختلفة ، الذين يروون هذا الحديث ، وأيضاً عرفنا متن الحديث ولفظه الذي نريد أن نستدلّ به ، وأمّا سند الرواية عن ابن عباس ، هذا السند الموجود في مسند أحمد ، والموجود في مسند أبي داود الطيالسي ، وفي مستدرك الحاكم ، وغيرها من الكتب التي هي من أهمّ المصادر ، هذا السند صحيح قطعاً ، وقد نصّ على صحّته أيضاً كبار الائمّة : كابن عبد البرّ صاحب الاستيعاب (1) ، والمزّي صاحب تهذيب الكمال (2) ، والسيوطي (3) ، والمتقي (4) وغيرهم ، يقول الذهبي حيث يروي هذا الحديث في رسالته في حديث الغدير (5) في الرقم (81) عن بريدة : وهو حديث ثابت عن بريدة ، وهذا نصّ من الحافظ الذهبي على ثبوت هذا الحديث ، إذن ، سند الرواية عن ابن عباس صحيح ، وأنا راجعت أسانيده وحقّقت رجاله ، وقد اعترف بصحّته كبار الائمّة الذين ذكرتهم .

---------------------------
(1) الاستيعاب في معرفة الاصحاب 3 / 1092 .
(2) المزّي في تحفة الاشراف 5/191 رقم 6316 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ، تهذيب الكمال 20 / 481 .
(3) القول الجلي في مناقب عليّ : 60 ، جمع الجوامع كما في ترتيب كنز العمال 11 / 32941 .
(4) كنز العمال 11 / 608 .
(5) الرسالة مخطوطة ، عثر عليها المرحوم المحقق العلاّمة السيد عبد العزيز الطباطبائي رحمة الله عليه وحقّقها .

حديث الولاية _ 6 _

  أمّا اللفظ الذي يروونه عن عمران بن حصين ، فممّن أخرجه وصحّحه : ابن أبي شيبة في المصنّف ، وابن أبي شيبة كما تعلمون شيخ البخاري صاحب الصحيح ، روى الحديث في المصنّف وعنه في كنز العمّال ونصّ على صحّته (1) ، وأيضاً : رواه محمّد بن جرير الطبري ، وقد نصّ على صحّته أيضاً جلال الدين السيوطي (2) والمتقي الهندي صاحب كنز العمّال (3) ، اللفظ الذي يروونه عن عمران ، فيه شيء من التفصيل ، وهذا لفظ الحديث كما في كنز العمّال (4) :
  عن ابن أبي شيبة والطبري عن عمران بن حصين يقول : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سرية ـ السرية قطعة من الجيش ـ واستعمل عليها علياً ، فغنموا ، فصنع علي شيئاً فأنكروه ، وفي لفظ : فأخذ علي من الغنيمة جارية ، فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنْ يعلموه ، وكانوا إذا قدموا من سفر بدأوا برسول الله ، فسلّموا عليه ونظروا إليه ثمّ ينصرفون إلى رحالهم ، فلمّا قدمت السريّة سلّموا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقام أحد الاربعة فقال : يا رسول الله ألم تر أنّ عليّاً قد أخذ من الغنيمة جارية ، فأعرض عنه رسول الله ، ثمّ قام الثاني فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه رسول الله ، ثمّ قام الثالث فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه ، ثمّ قام الرابع فأقبل إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعرف الغضب في وجهه فقال : «ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟ علي منّي وأنا من علي ، وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي » .

---------------------------
(1) كنز العمال 11 / 608 .
(2) القول الجلي في مناقب عليّ : 60 .
(3) كنز العمال 11 / 608 .
(4) كنز العمال 13/142 رقم 36444 .

حديث الولاية _ 7 _

  هذا لفظ كتاب المصنف ولفظ الطبري على ما يرويه عنهما المتقي الهندي في كنز العمال ، وكذا الحديث في المسند لاحمد بن حنبل وفي آخره : «فأقبل رسول الله على الرابع وقد تغيّر وجهه فقال : دعوا عليّاً ، دعوا عليّاً ، إنّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي» (1) ، وفي صحيح الترمذي : فأقبل إليه ـ أي إلى الرابع ـ رسول الله ، والغضب يعرف في وجهه فقال : «ما تريدون من علي ، ما تريدون من علي ، ما تريدون من علي ، إنّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي» (2) ، وكذا تجدون الحديث في صحيح ابن حبّان (3) ، وفي صحيح النسائي (4) ، وفي المستدرك وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (5) ، وكذا تجدون الحديث في المصادر الاُخرى ، إذن ، قرأنا لفظ الحديث عن ابن عباس ، فكان حديثاً مختصراً لم يرووا منه إلاّ ذلك المقدار المستشهد به ، ثمّ قرأنا الحديث عن عمران بن حصين وفيه بعض التفصيل وذكر تلك القضية التي قال فيها رسول الله هذا الكلام ، لكن عند بريدة الخبر الصحيح «وعند جهينة الخبر الصحيح» فلننظر ماذا يروي بريدة بن الحصيب ، فإنّه صاحب القضية ، وهو الرجل الرابع الذي أقبل إليه رسول الله وقال له كذا وكذا ، إلاّ أنّهم لم يذكروا اسمه ، إنّه ينقل القصة كاملةً ، والراوي عنه ولده عبد الله ، يقول بريدة :

---------------------------
(1) مسند أحمد 5/606 رقم 19426 .
(2) سنن الترمذي 5/632 رقم 3712 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .
(3) صحيح ابن حبان 15/373 رقم 6929 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1418 هـ .
(4) خصائص علي : 75 ، فضائل الصحابة للنسائي : 14 رقم 43 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت .
(5) مستدرك الحاكم 3/110 ـ 111 .

حديث الولاية _ 8 _

  أرسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى اليمن جيشين ، على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الاخر خالد بن الوليد ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «إذا كان قتال فعلي على الناس كلّهم» ، فالتقى الجيشان ، وكان علي ( عليه السلام ) على الجيشين ، وكان خالد تحت إمرة علي بأمر من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فافتتح علي حصناً ، يقول بريدة : فغنمنا ، فخمّس علي الغنائم ، وكانت في الخمس جارية حسناء فأخذها عليّ لنفسه ، فخرج ورأسه يقطر ، يقول بريدة : كنت أبغض عليّاً بغضاً لم أُبغضه أحداً قط ، وأحببت خالداً حبّاً لم أُحبّه إلاّ على بغض علي ، لانّ خالداً كان يبغض عليّاً ، فلمّا أخذ علي الجارية من الخمس ، دعا خالد بن الوليد بريدة وقال له : إغتنمها ـ وكلاهما يبغضان عليّاً ـ اغتنمها فأخبر النبي بما صنع ، هذا لفظ الطبراني في المعجم الاوسط (1) ، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر : فقال خالد بن الوليد : دونك يا بريدة ، يقول بريدة : فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأمرني أن أنال منه، وهذا لفظ النسائي أيضاً .

---------------------------
(1) المعجم الاوسط 6/232 رقم 6085 ـ دار الحديث ـ القاهرة ـ 1417 هـ .

حديث الولاية _ 9 _

  وفي تاريخ دمشق : فكتب معي خالد يقع في علي وأمرني أنْ أنال منه ، فأعطى الكتاب بيد بريدة وعبّأ معه ثلاثة (1) ، كأنّه يريد بذلك إقامة البيّنة اللازمة على ما صنع علي عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يقول بريدة ـ كما في المعجم الاوسط (2) للطبراني وغيره من المصادر ـ: فقدمت المدينة ، ودخلت المسجد ، ورسول الله في منزله ، وناس من أصحابه على بابه ، فقالوا : ما أقدمك ؟ قال : جارية أخذها علي من الخمس ، فجئت لاُخبر النبي ، قالوا : فأخبِره فإنّه يسقطه من عين رسول الله ، ورسول الله في البيت يسمع الكلام ، هذا لفظ الطبراني ، فخرج رسول الله من بيته ، فقام أحد الاربعة فقال : يا رسول الله ، ألم تر أنّ عليّاً صنع كذا وكذا ، فأعرض عنه النبي ، ثمّ قال الثاني ما قال الاوّل ، فأعرض عنه رسول الله ، ثمّ قام الثالث فقال ما قال ، فأعرض عنه رسول الله ، يقول بريدة : أعطيته الكتاب ، فأخذه بشماله ، فطأطأت رأسي ، فتكلّمت في علي حتّى فرغت فرفعت رأسي ، ويقول كما في لفظ آخر : وكنت من أشدّ الناس بغضاً لعلي ، فوقعت في علي حتّى فرغت فرفعت رأسي ، يقول: فرأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غضب غضباً لم أره غضب مثله إلاّ يوم قريظة وبني النضير ، فقال : «ماذا تريدون من علي ؟ ماذا تريدون من علي ؟ ماذا تريدون من علي ؟ إنّ عليّاً منّي وأنا من علي ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي» .

---------------------------
(1) تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) 1/400 رقم 466 ـ مؤسسة المحمودي ـ بيروت .
(2) المعجم الاوسط 5/217 رقم 4842 .

حديث الولاية _ 10 _

  ثمّ قال رسول الله ـ كما في سنن البيهقي (1) ، وايضاً في معجم الصحابة لابي نعيم الاصفهاني ، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر ، وفي سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ، وفي غيرها من المصادر ، فراجعوها إن شئتم ـ: قال لهم رسول الله : «إنّ له في الخمس أكثر من ذلك» ، ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ كما في المستدرك للحاكم ، وفي المختارة للضياء المقدسي ، وفي المعجم الاوسط (2) وفي غيرها من المصادر : « إنّه [أي علي] لا يفعل إلاّ ما يؤمر» ، أو : «إنّما يفعل علي بما يؤمر به» ، ثمّ التفت إلى بريدة قائلاً : «أنافقت من بعدي يا بريدة ؟» فقال بريدة : يا رسول الله ، أما بسطت يدك حتّى أُبايعك على الاسلام جديداً ! قال : فما فارقته حتّى بايعته ، أي بايعت رسول الله على الاسلام ، يقول بريدة : فقمت وما من الناس أحد أحبّ إليّ من علي ، لاحظوا الفوارق بين روايتهم للقصة عن عمران بن حصين وعن بريدة ابن الحصيب ، ولاحظوا ، كيف تلاعبوا بالقضية فزاد أحدهم ونقص الاخر ، ذكر بعضهم بعض القصة ولم يذكر البعض الاخر ، وأحدهم أو آحاد منهم يذكرون القصة مبتورة ، فهذه هي القصة كما يرويها بريدة بن الحصيب وهو صاحب القصة .

دلالة حديث الولاية على العصمة
  وهذه ألفاظ رسول الله في حق علي ( عليه السلام ) ، تارة يقول رسول الله : «إنّ عليّاً لا يفعل إلاّ ما يؤمر به» ، أو «إنّما يفعل ما أُمر به» ، هذه العبارة تدلّ دلالة واضحة على العصمة .

---------------------------
(1) سنن البيهقي 6/342 ـ دارالفكر .
(2) المعجم الاوسط 5 / 425 .

حديث الولاية _ 11 _

  العبارة هذه في الحقيقة صغرى لكبرى ، أو مصداق لاية مباركة وهي قوله عزّ من قائل : ( بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُوْنَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (1) ، وفي خطبة لامير المؤمنين ( عليه السلام ) يرويها شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي رحمة الله عليه في مصباح المتهجّد ، رأيت من المناسب أنْ أقرأ لكم هذه القطعة من تلك الخطبة يقول الشيخ : إنّ أمير المؤمنين خطب هذه الخطبة في يوم الغدير : «وإنّ الله اختصّ لنفسه بعد نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من بريّته خاصةً ، اختصّ منهم ـ أي من الخلائق بعد النبي ـ خاصة علاهم بتعليته ، وسما بهم إلى رتبته ، وجعلهم الدعاة بالحق إليه والادلاء بالرشاد عليه ، لقرن قرن وزمن زمن ، أنشأهم في القدم قبل كلّ مدر ومبر ، وأنواراً أنطقها لتحمده ، وألهمها شكره وتمجيده ، وجعلهم الحجج على كلّ معترف له بملكة الربوبية وسلطان العبودية ، واستنطق بها الخراسات بأنواع اللغات ، بخوعاً له بأنّه فاطر الارضين والسماوات ، وأشهدهم على خلقه ، وولاّهم ما شاء من أمره ، جعلهم تراجمة مشيّته [ هذه هي العصمة ] وألسنة إرادته ، عبيداً [ مع ذلك هم عبيد ] لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون» (2) ، فهذه مراتب من كان لا يفعل إلاّ بما يؤمر به ، عبادٌ مكرمون ، أي مقرّبون ، لا يسبقونه بالقول ، أي لا يقولون قبل أنْ يقول الله سبحانه وتعالى ، هذا بالقول ، وأمّا في الفعل والعمل : لا يفعلون إلاّ ما يؤمرون ، فحديثنا يدلّ على العصمة ، وهذه في الجهة الاُولى من جهات البحث .

---------------------------
(1) سورة الانبياء : 26 ، 27 .
(2) مصباح المتهجد : 753 ـ مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت ـ 1411 هـ .

حديث الولاية _ 12 _

دلالة حديث الولاية على ولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام )
الجهة الثانية : يدلّ هذا الحديث على ولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : «علي منّي وأنا من علي ، وهو وليّكم من بعدي» ، ووجه الاستدلال بهذا الحديث الشريف : إنّ هذا الحديث يدلّ على ثبوت الاولويّة بالتصرف لعلي ( عليه السلام ) ، وهذه الاولوية مستلزمة للامامة ، وذلك :
  أوّلاً : لانّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حصرها في علي عندما قال : «وهو وليّكم من بعدي» ، ومن المعلوم أنّ المعاني الاُخرى من الولاية ، كالنصرة والمحبّة وغيرهما ، ليست بأمور مختصّة بعلي (عليه السلام) .
  ثانياً : لوجود كلمة « بعدي » في ألفاظ الحديث كلّها أو أكثرها ، فكلمة «بعدي» صريحة في هذا المعنى ، لانّ البعديّة هذه إمّا بعديّة زمانية أو بعديّة رتبيّة : ربّما يستظهر بالدرجة الاُولى أن تكون البعديّة رتبيّة ، «علي وليّكم بعدي» أي غيري ، أي ما عداي في الرتبة علي وليّكم ، أمّا إذا كانت كلمة «بعدي» بمعنى الزمان والظرف ، علي وليّكم من بعدي، يدلّ وجود هذه الكلمة على أنّ أمير المؤمنين وليّ المؤمنين بعد رسول الله بلا فصل ، وإلاّ لما أسقط بعضهم كلمة «بعدي» في الحديث ، لما حرّفوا هذا الحديث بإسقاط كلمة «بعدي» كما سنعلم !
  ثالثاً : هذه الرواية واردة بألفاظ أُخرى أيضاً ، وتلك الالفاظ هي الاُخرى تدلّ على إمامة أمير المؤمنين وأولويته .

حديث الولاية _ 13 _

  فمثلاً : لاحظوا المسند لابن حنبل ، والمستدرك ، وتاريخ دمشق ، وغيرها من الكتب ، كلّهم يروون عن بريدة في نفس هذه القصة يقول : فلمّا قدمت على رسول الله ذكرت عليّاً فتنقّصته ، فرأيت وجه رسول الله يتغيّر ، فقال : «يا بريدة ، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟» قلت : بلى يا رسول الله ، قال : «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» (1) ، نفس الحديث الذي سيقوله رسول الله يوم الغدير في أُخريات حياته، نفس هذا اللّفظ وارد في ألفاظ هذه القصة ، ولاحظوا المسند وغيره من المصادر التي ذكرتها وفي تاريخ دمشق بطرق عديدة يقول رسول الله بعد تلك العبارات : «يا بريدة ، من كنت وليّه فعليّ وليّه» (2) .
  رابعاً : هناك في ألفاظ هذا الحديث وهذه القصة مناقب أُخرى لامير المؤمنين ، تلك المناقب تختصّ بعلي ولا يشاركه فيها غيره من الصحابة فمثلاً ، لاحظوا المعجم الاوسط للطبراني (3) يقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هذه القضيّة : «ما بال أقوام ينتقصون عليّاً ؟ [ لاحظوا بدقّة ] من ينتقص عليّاً فقد تنقّصني ، ومن فارق عليّاً فقد فارقني ، إنّ عليّاً منّي وأنا منه ، خلق من طينتي ، وخلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم ، ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم» ، فهذه المناقب جاءت في نفس هذه القصة ، مضافاً إلى قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «إنّه لا يفعل إلاّ ما يؤمر به» ، وغير ذلك من ألفاظ هذا الحديث ، كما قرأنا .
  خامساً : ابن عباس يذكر هذه المنقبة ، وهذه الفضيلة ، ضمن فضائل لامير المؤمنين يصرّح بأنّها خاصة بعلي ، وحديث عبد الله ابن عباس موجود في مسند الطيالسي ، في مسند أحمد ، في المستدرك للحاكم ، وفي غيرها من الكتب بسند ينصّون بصحّة ذلك السند . . . كما ذكرنا سابقاً .

---------------------------
(1) مسند أحمد 4/502 رقم 18841 هـ ، مستدرك الحاكم 3/110 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1398 هـ .
(2) تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) 1/404 رقم 473 ـ 478 .
(3) المعجم الاوسط 6/232 رقم 6085 .

حديث الولاية _ 14 _

   سادساً : حديث الولاية بهذا اللفظ من جملة ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بدء الدعوة المحمّدية ، في حديث الانذار الذي قرأناه ، حيث قال لهم ـ أي للحاضرين ـ: «من يبايعني على أنْ يكون أخي وصاحبي ووليّكم بعدي » إذن ، الحديث ظاهر أو نصّ في الاولويّة ، مضافاً إلى القرائن الموجودة في داخل الحديث ، والقرائن الموجودة في خارج الحديث ، وحتّى الان فهمنا كيف يكون الحديث دالاًّ على العصمة ؟ وكيف يكون دالاًّ على الاولويّة ؟ وفي هذا الحديث والقصة التي قرأناها فوائد كثيرة ، ينبغي للباحث أنْ يدقّق النظر فيها ، وجود حركة النفاق في زمن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يدلّ هذا الحديث وتلك القصة على وجود حركة النفاق في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وبين المقرّبين من أصحابه ، حتّى بين بعض قوّاد جيوشه ، فلا يقال : بأنّ النفاق كان يختصّ بعبد الله بن أُبي وأمثاله من المنافقين المعروفين المشهورين الذين كان يشار إليهم بالبنان ، وقد عرفوا بالنفاق بين جميع الناس ، يظهر من هذه القصة أنّ النفاق كان في داخل المقرّبين من رسول الله ، حتّى في خواصّ أصحابه ، إنّ هذه القصة تكشف لنا خفايا حالات المقرّبين من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكم كنت أُحبّ أنْ أعرف الثلاثة الاخرين الذين جاءوا من اليمن مع بريدة إلى المدينة قبل أن يرجع الجيش ، أرسلهم خالد بن الوليد بلا علم من أمير المؤمنين ، وإنْ كنت قد وجدت اسم واحد أو اثنين منهم ! وأيضاً ، كم كنت أُحبّ أنْ أعرف أُولئك الذين كانوا جالسين على باب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، واستقبلوا بريدة ومن معه ، وكأنّ هناك تنسيقاً بين خالد وأصحابه ، وبين أُولئك الذين كانوا عند النبي وعلى بابه ! خالد بن الوليد ـ كما في صريح القصّة ـ كان يبغض عليّاً ، ويعترف عليه بهذا المعنى بريدة بن الحصيب في هذه القصّة ، ويقرّ على نفسه أيضاً ، فيظهر أنّ خالد بن الوليد كان عدوّاً لعلي منذ حياة رسول الله .

حديث الولاية _ 15 _

  وخالد هذا هو الذي أرسله أبو بكر إلى القبائل العربية التي أبت أن تبايع لابي بكر ، وامتنعت من دفع الزكاة إلى أبي بكر ، وأعلنت عن اعتقادها بإمامة علي ( عليه السلام ) ، وخالد هذا هو الذي أمره أبو بكر بأن يقتل عليّاً في أثناء الصلاة ، ثمّ لمّا ندم على ذلك قبل أن يسلّم قال : يا خالد لا تفعل ما أمرتك به ، وخالد هذا من جملة المهاجمين على دار علي والزهراء في قضية السقيفة ، فقد كان أبو بكر يعرف من يرسل لقتل أنصار أمير المؤمنين ، ويعرف من يكلّف بقتل الامام في أثناء الصلاة ، ولولا هذا الخبر الذي وجدناه في كتاب الانساب (1) للسمعاني ، يذكر لنا حضور علي في صلاة أبي بكر ، وأنّ أبا بكر قد أمر خالداً بأنْ يقتل عليّاً في أثناء الصلاة ، لولا هذا الخبر المشتمل على هذه الفائدة الكبيرة ـ لا أتذكّر الان حديثاً في كتاب معتبر ، خبراً في كتاب يعتمد عليه ، يدلّ على أنّ عليّاً كان ملتزماً بالحضور للصلاة مع أبي بكر أو غيره من الصحابة ، ولو وجدتم فأخبروني ، أكون لكم من الشاكرين ـ الذي وجدناه إلى الان هذا الخبر ، وهو يفيدنا هذه الفائدة : إنّ أبا بكر أمر خالداً أنْ يقتل عليّاً وهو يصلّي خلفه في أثناء الصلاة ! وهو في مسجد رسول الله ! أمره بأنْ يقتل عليّاً ! ثمّ إنّه ندم على ذلك ، وقبل أنْ يسلّم قال : يا خالد لا تفعل ما أمرتك ، وهذا قد لا يجده أحد ، لانّ كتاب الانساب للسمعاني ليس بكتاب حديث ، وليس بكتاب رواية ، قد تقول : لا يوجد مثل هذا الحديث في شيء من الصحاح ، في شيء من المسانيد ، في شيء من السنن ، في شيء من معاجم الحديث ، ولكنّ الله شاء أنْ يصلنا هذا الخبر ولو في كتاب في الرجال ، ولو من ناحية من يتّهمونه بالتشيّع ـ وهو عبّاد بن يعقوب الرواجني ـ يتّهمونه بالتشيّع لروايته مثل هذه الاخبار ، ممّا يدلّ على فضائل أمير المؤمنين ، وبعض ما يسيء الاخرين .

---------------------------
(1) الانساب للسمعاني 6/170 ـ نشر محمّد أمين دمج ـ بيروت ـ 1400 هـ .

حديث الولاية _ 16 _

  وعلى كلّ حال ، فخالد هذا وضعه ، وهذا شأنه ، ترون أنّه أراد أن ينتهز تلك الفرصة ، قضيّة أخذ أمير المؤمنين تلك الجارية ، يقول الحديث : وكانت جارية حسناء ـ عندما قرأت هذه الكلمة ، تذكّرت قضية زوجة مالك ، فإنّ مالك بن نويرة عندما قبض عليه خالد وأمر بقتله ، إلتفت إلى زوجته وقال : أنت التي قتلتيني ، وذلك لانّها كانت من أجمل نساء العرب ، وكان خالد يهواها ، ولذا زنا بها في نفس الليلة التي قتل فيها مالكاً ، وهذا ما أدّى إلى ضجّة شديدة بالمدينة المنوّرة بين عامّة المسلمين ـ ففعل علي هذا ، أي أخذ الجارية هذه من الخمس ، وقال رسول الله : «إنّ له أكثر من ذلك» ، وكان خالد يتصوّر بأنّه لو ينتهز هذه الفرصة ، ويرسل هؤلاء الجماعة ، ويكتب هذا الكتاب ، وينسّق مع الموجودين في المدينة المنوّرة ، الذين يفكّرون تفكيره ويخطّطون معه ، يمكنهم أن يستفيدوا من هذه القضية ، لانْ يحطّوا من منزلة علي عند رسول الله وعند المسلمين ، وكأنّ في القضيّة مؤامرةً مدبّرة من هؤلاء المنافقين ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ملتفت إلى جميع القضايا ، رسول الله يعلم ، رسول الله عالم بنوايا هؤلاء القوم ، وهم لا يعلمون أنّه يسمع أصواتهم من وراء الباب ، من وراء الجدار ، وهم جالسون على بابه ، فخرج ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والغضب يعرف في وجهه فقال : «ما تريدون من علي ، ما تريدون من علي ، دعوا عليّاً . . .» ، وما زالت المؤامرات ضدّ علي وإلى يومنا هذا ، وما زال علي مظلوماً تحاك له المؤامرات وتدبّر له المخطّطات ، وإلى متى ؟ حتّى بعض من ينسب نفسه إليه ، حتّى بعض من يدّعي الانتساب إليه ، وإلى متى يبقى علي مظلوماً ، لكن الله شاء هذا ، وشاءت المصلحة العامة أن يكون حال علي كحال هارون ، وأن تكون منزلته من رسول الله منزلة هارون من موسى ، كما سنقرأ في حديث المنزلة ، والخلاصة : إنّي أرى في هذه القضيّة خطّة مدبّرة ومؤامرة منسّقة مرتّبة بين الغائبين عن المدينة المنوّرة والحاضرين هناك ضدّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام .

حديث الولاية _ 17 _

  وقد انقلبت المؤامرة عليهم ، وأصبحت القضية من جملة موارد إعلان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من قبل الله سبحانه وتعالى ، إعلانه عن إمامة أمير المؤمنين ، عن ولاية أمير المؤمنين ، وعن عصمة أمير المؤمنين ، وعن أنّ كلّ من يبغض عليّاً عليه أن يستغفر ، وعليه أن يجدّد إسلامه بعد استغفاره ، أرادوا أنْ ينتهزوا هذه الفرصة ضدّ علي ، فانتهزها رسول الله في صالح علي والاسلام ، فكان حديث الولاية دالاًّ على إمامة أمير المؤمنين من جهات عديدة .

المناقشات في حديث الولاية
  والان ، فلننظر ماذا يقول المخالفون في مقام الرد على هذا الحديث ، ليست لهم مناقشة تسمع وتستحق الذكر ، إلاّ مناقشتهم في معنى «وليّكم» ، لاحتمال أنْ يكون المراد : علي ناصركم ، علي محبّكم من بعدي ، لكن الحديث بقرائنه الداخليّة وقرائنه الخارجيّة والقصة بأجمعها تأبى كلّ هذه التشكيكات وهم أيضاً يعلمون بهذا ، هم المستشكلون يعلمون ، ولذا يضطرّون إلى اللجوء إلى طريقة أُخرى ، تلك الطريقة هي تحريف الحديث ، وقد ذكرت هنا بعض مواضع تحريفاتهم ، مثلاً: إذا راجعتم صحيح البخاري (1) ، ترونه يروي بسنده عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ـ نفس السند ـ ، يقول : بعث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس ، يقول بريدة : وكنت أُبغض عليّاً وقد اغتسل ـ التقطيع في الحديث واضح ، فمن يدقّق النظر في لفظ هذا الحديث المبتور يرى أنّ فيه تقطيعاً ! يرى أنّ فيه تحريفاً ! ـ لاحظوا: بعث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أُبغض عليّاً وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا ، فلمّا قدمنا على النبي ذكرت ذلك له .

---------------------------
(1) صحيح البخاري 5/207 ـ دار إحياء التراث ـ بيروت .

حديث الولاية _ 18 _

  لا يقول : تنقّصت عليّاً عند النبي ، لا يقول : أمرني خالد ، ولا ، يقول : ذكرت ذلك له ـ وكأنّه يذكر قضيةً طبيعية ـ ذكرت ذلك له فقال: « يا بريدة ، أتبغض عليّاً ؟ » فقلت : نعم ، فقال : «لا تبغضه فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك» ، فأين حديث «علي منّي وأنا من علي ، وهو وليّكم من بعدي» ؟ هذا لفظ البخاري ، وإذا راجعتم البيهقي في سننه (1) ، البيهقي تلميذ الحاكم النيشابوري ، قرأت لكم لفظ الحاكم النيشابوري في مستدركه ، وهو أيضاً يروي الحديث عن الحاكم ، البيهقي يروي الحديث عن شيخه الحاكم بإسناده ويسقط من آخره : «إنّ عليّاً منّي وأنا من عليّ وهو وليّكم من بعدي» ، لا يوجد هذا في سنن البيهقي ، وإذا راجعتم مصابيح السنّة (2) للبغوي ، الذي هو من أهم كتب الحديث عندهم ، ترون أنّه لا توجد فيه كلمة «بعدي» ، ففيه : «علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم» ، فعندما تسقط كلمة «بعدي» يصبح علي لائقاً للولاية أو منصوباً للولاية من قبل النبي ، لكنْ متى ؟ لِيكنْ بعد عثمان !! وإذا راجعتم المشكاة (3) ، يروي هذا الحديث عن الترمذي بلا لفظة «بعدي» ، أي ينسب هذا الحديث المحرّف إلى الترمذي ، مع أنّ الحديث موجود في الترمذي مع كلمة «بعدي» !! وكأنّهم لا يشعرون أنّ هناك ناظراً في الكتاب ، أنّ هناك من يقرأ كتابه ، أنّ هناك من يرجع إلى صحيح الترمذي ويطابق بين النقلين وبين اللفظين ، لكنّهم لا يستحون ، إذن ، هذه طريقة ثانية وهي طريقة التحريف ، لكنْ لا مناص لمن يريد أنْ يخالف الله ورسوله ، لمن يريد أن يعرض عمّا أراد الله ورسوله ، من أن يتّبع طريقة ابن تيميّة ، إنّه يقول : هذا الحديث كذب ، وهذه أحسن طريقة لمن يريد أن يخالف الله ورسوله فيما قالا ، وفيما أرادا ، أنْ ينفي أصل القضية ، وينكر أصل الخبر ، ويكذّب الحديث من أصله ، نصّ عبارة ابن تيميّة :

---------------------------
(1) سنن البيهقي 6 / 342 .
(2) مصابيح السنّة 4/172 رقم 4766 وفيه باختلاف : «وهو وليّ كلّ مؤمن» .
(3) المشكاة 3 / 1720 .

حديث الولاية _ 19 _

  قوله: «وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي» كذب على رسول الله ، وكلام يمتنع نسبته إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (1) ، هذه الطريقة التي لهم أن يتّخذوها ، والافضل لهم أن يسلكوا هذا الطريق ، فلماذا التحريف ؟ ولماذا التكذيب لبعض الالفاظ ؟ ولبعض الخصوصيات الموجودة في الحديث ؟ لننكر أصل الحديث ونرتاح ، (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (2) ، ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (3) ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين .

---------------------------
(1) منهاج السنة 7 / 391 .
(2) سورة البقرة : 79 .
(3) سورة النساء : 65 .