وماذا يعني كلام عمر ـ قبل الشورى ـ : لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح حيّاً استخلفته ، فإن سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : ( إنّه أمين هذه الاُمة ) .
ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفته ، فأن سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : ( إنّ سالماً شديد الحبّ لله )
(1)، وأقواله الاُخرى في عليّ وغيره ...
ألم تدل هذه النصوص على أن أبا عبيدة وسالماً و ... هم أفضل من عثمان ؟ ... فلو كان كذلك ، فما معنى ( كنا لا نعدل ) ؟ !
وماذا يعني قول ابن عوف في الشورى : ( أيّها الناس إنّي سألتكم سرّاً وجهراً بأمانيكم ، فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين : إمّا عليّ وإمّا عثمان )
(2)... ثمّ بدأ بعليّ للبيعة وقدّمه على عثمان .
وما يعني كلام عائشة عندما سُئلت عن رسول الله ( لو استخلف ) ؟ ! فذكرت أبا بكر وعمر ولم تذكر عثمان ، بل رجّحت أبا عبيدة عليه
(3).
ألم تكن هذه المواقف هي امتيازاً لعليّ وأبي عبيدة وسالم وأنّهم أفضل من عثمان ؟
وما معنى جملة لم ( نعدل ) ، أو ( نفاضل ) وفي القوم من عُدّ من العشرة المبشرة ومن جاء فيه نصّ صريح بعلوّ مكانته وجلالة قدره !
3 ـ وضع أحاديث في عدالة جميع الصحابة ، كقوله ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ( أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتهم اهتديتم ) و ... ، ليجعلوا أبا سفيان ، ومروان بن الحكم ، والحكم بن العاص ، ومعاوية ، وعبدالله بن أبي سرح ، والوليد بن عقبة و ... بمنزلة عليّ ، وفاطمة ، وابن عباس ، وأبي ذر و ... !
وذلك بعدما عجزوا عن طمس الإسلام والوقوف أمام أبنائه ومعتقدات
|
(1) تاريخ الطبري 4 : 227 .
(2) تاريخ الطبري 4 : 238 .
(3) صحيح مسلم 4 : 1856 | 9 ، مستدرك الحاكم 3 : 73 ، مسند أحمد 6 : 63 ، سنن الترمذي 5 : 317 | 3845 .
|
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 168 ـ
الناس ، فإنّهم بطرحهم هذه الفكرة وغيرها قد أرادوا نفي ما قيل في بني اُميّة وما جاء في شأنهم من اللعن على لسان الرسول والقرآن المجيد ، بل جعل أقوالهم من مصادر التشريع الإسلامي ليضاهي كلام المقرّبين من أصحاب الرسول وينافسهم في أخذ المسلمين معالم دينهم عنهم .
وقد ثبت عنه ( صلى الله عليه واله وسلم ) أنّه كان يلعن أقطاب بني اُميّة ويدعو عليهم في قنوته ، ويقول : ( اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن سهيل ابن عمرو ، اللهم العن صفوان بن اُميّة )
(1)...
وتواتر عنه ( صلى الله عليه واله وسلم ) أنّه قال ـ لما أقبل أبو سفيان ومعه معاوية ـ : ( اللهم العن التابع والمتبوع )
(2).
وفي آخر : ( اللهم العن القائد والسائق والراكب )
(3)...وكان يزيد بن أبي سفيان منهم .
وقد اشتهرت مقولة رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) في مروان بن الحكم وأبيه ـ طريد رسول الله ـ : ( اللهم العن الوزغ بن الوزغ )
(4).
فالأمويون سعوا لتغيير مفهوم بعض الأحاديث النبويّة الشريفة ـ ومنها أحاديث اللعن ـ ، ليجعلوا للملعونين منزلة لا ينالها إلاّ ذو حظّ عظيم ، ليشكّكوا فيما صدر عن رسول الله وأن لعنه قد صدر عن عصبيّة قبليّة كأنّه لم يكن يلتزم بأصل ثابت في الحياة ـ والعياذ بالله !
فقد روت عائشة عنه ( صلى الله عليه واله وسلم ) أنّه قال : ( اللهم أنا بشر ، فأيّ المسلمين لعنته أو سببته ... فاجعله زكاة وأجراً )
(5).
 |
(1) الفردوس 1 : 503 | 2060 ، الإصابة 2 : 93 .
(2) وقعة صفين : 217 .
(3) وقعة صفين : 220 .
(4) مستدرك الحاكم 4 : 479 .
(5) صحيح مسلم 4 : 2007 | 88 ، مسند أحمد 3 : 400 .
|
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 169 ـ
وروى أبو هريرة أيضاً : ( إنّما أنا بشر ، فأيّ المؤمنين آذيته ، شتمته ، لعنته ، جلدته ... فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة )
(1).
ونحن لا نريد أن نناقش هذين الحديثين وأمثالهما ـ وهي كثير ـ بل نريد أن يقف القارئ على دور الأمويين وكيف كانوا يريدون مسخ شخصيّة الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) بترسيمهم شخصيّة له ( صلى الله عليه واله وسلم ) لا تراعي القيم والأعراف ، بل تتعدى على حقوق المسلمين ، ثم يطلب الرحمة من الله لأُولئك ! !
كيف يلعن رسول الله من لا يستحق اللعنة ! أو نراه يلعن المؤمنين ، كما جاء في حديث أبي هريرة !
أم كيف يمكن أن نوفّق بين هذا الحديث وما رواه عنه ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ( إنّي لم اُبعث لعّاناً وإنّما بعثت رحمة )
(2).
وهل حقاً أنّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) يطلب الرحمة لمن لعنه ؟ !
وكيف يؤكدون إذاً على عدالة جميع الصحابة ، وما يعني ذلك ؟
أليس بين الصحابة مؤمنون ومنافقون ، وأليس بينهم من يحبّه الله ورسوله وهناك من يلعنه الله ورسوله ؟ ! ، وكيف يصحّ لنا أن نساوي بينهم ، وما الهدف من ذلك ، ومن هو المستفيد ، ولِمَ قالوا بهذا ؟
قالوا بذلك ليساووا المجاهد بالقاعد ، والطليق بالمهاجر ، والمحاصر بالمحاصر ، والمشرك بالمؤمن ... وليجعلوا قول ابن أبي سرح والوليد ومروان يضاهي كلام عليّ وفاطمة وغيرهما ممن يمكن الاطمئنان إليهم والأخذ بقولهم ، وقد تنبّه الإمام عليّ لمخططهم ، فجاء في رسالته إلى معاوية :
( ... ولكن ليس اٌمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق ، ولا المحق كالمبطل ،
 |
(1) صحيح مسلم 4 : 2008 | 90 ، مسند أحمد 2 : 316 ـ 317 ، 449 .
(2) صحيح مسلم 4 : 2006 | 87 .
|
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 170 ـ
ولا المؤمن كالمدغل ... )
(1).
وفي قوله لمعاوية :
( فسبحان الله ! ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة والحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق وآطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى عباده حجّة ... ) إلى آخره .
وقد قال الجاحظ وهو في معرض إشارته للذين يعتقدون برأي الأمويين : وقد أربت عليهم نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا فقالت : لا تسبّوه [ أي معاوية ] فإنّ له صحبة ، وسبُّ معاوية بدعة
(2)، ومن يبغضه فقد خالف السنّة ، فزعمت أنّ من السنة ترك البراءة ممن جحد السُنة .
ولا نريد التفصيل في هذا البحث ، بل نكتفي بالإشارة إلى أنّ هذه الفكرة كغيرها إنما هي دسيسة حكومية تُخفي وراءها أهدافاً سياسيّة !
4 ـ إثارة مسألة عدم اجتماع الخلافة والنبوة في بني هاشم ، والتي اُثيرت من قبل في اجتماع السقيفة
(3)، مع العلم بأنّهم مسلمون وجميع الناس سواسية أمام حكم الله ، وصريح قوله ( صلى الله عليه واله وسلم ) : ( خلفائي اثنا عشر كلهم من قريش )
(4)، ودلالة القرآن باجتماع ذلك بقوله تعالى : ( وورث سليمان داود)
(5).
كانت هذه بعض خيوط المخطط الأموي ضدّ عليّ وبني هاشم ، وهناك الكثير لا يمكننا حصره ، وقد ثبت أنّهم كانوا يأمرون الناس بلعن عليّ في صلواتهم وعلى المنابر
(6)حتى قيل : بأنّ مجالس الوعّاظ بالشام كانت تختم بشتم عليّ
(7)، وأنهم كانوا لا يقبلون لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة ،
 |
(1) نهج البلاغة 3 : 18 | 17 .
(2) أما سبُ عليّ بن أبي طالب فلا ! يُنظر كلام الجاحظ في رسالته المطبوعة في آخر النزاع والتخاصم للمقريزي : 94 .
(3) في هذا حوار لابن عباس مع عمر ..راجع الطبري 4 : 223 ـ 224 وغيره من كتب التاريخ .
(4) صحيح مسلم 3 : 1453 | 10 ، سنن الترمذي 3 : 340 | 2323 .
(5) النمل : 16 .
(6) النصائح الكافية : 86 ـ 88 .
(7) النصائح الكافية : 87 ، وابن عساكر في تاريخه .
|
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 171 ـ
وقد أمر معاوية بمحو أسمائهم من الديوان
(1)..
وقيل : إنّ حجر بن عدي صاح بالمغيرة في المسجد قائلاً : مر لنا أيّها الانسان بأرزاقنا ، فقد حبستها عنّا وليس ذلك لك ، وقد أصبحت مولعاً بذم أمير المؤمنين ، فقام أكثر من ثلثي الناس يقولون : صدق حجر وبرّ
(2).
وقد نقلت كتب السير أنّ عمر كان قد قال للمغيرة بن شعبة ـ وكان أعور ـ : أما والله ليعورنّ بنو أميّة هذا الدين ، كما أعورت عينك ، ثمّ لتعمينه حتى لا يدري أين يذهب ولا أين يجيء
(3)! !
قال الدهلويّ في رسالة الإنصاف :
( ولمّا انقرض عهد الخلفاء الراشدين أفضت الخلافة إلى قوم تولّوها بغير استحقاق ، ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام ، فاضطرّوا إلى الاستعانة بالفقهاء ، وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم ، وكان بقي من العلماء من الطراز الأول ، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا ، فرأى أهل تلك الأعصارـ غير العلماء ـ إقبال الاُمّة عليهم مع إعراضهم ، فاشتروا طلب العلم توصّلاً إلى نيل العزّ ، فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين ، وبعد أن كانوا أعزّة بالإعراض عن السلاطين أذلة بالإقبال عليهم ، إلاّ من وفقه الله ... ) .
فإذا كانت هذه هي السياسة الحكومية تجاه عليّ وشيعته ، فهل يعقل أن تطبّق السنة النبوية كما هي واقعاً في مثل هذا العهد
(4)؟ !
وكيف باُولئك الناس الذين كانوا يحدثون عن رسول الله ، وهل بقي من الصحابة من له جرأة الإقدام والاعتراض ؟ ! !
وماذا سيكون اتجاه الحكومة وموقفها في الوضوء ؟
 |
(1) النصائح الكافية : 88 .
(2) تاريخ الطبري 5 : 254 .
(3) شرح النهج عن الموفقيّات للزبير بن بكار .
(4) سنوضح للقاري في الجانب الروائي من هذه الدارسة أن نهج عليّ هو السنة الشريفة .
|
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 172 ـ
هل ستسمح للناس بممارسة وضوئهم المنقول عن رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) أم ستواجههم بالعنف وطرق التضليل الأخرى ؟ !
من الواضح ـ كما قلنا ـ أنّ الحكومة الأموية قد اتبعت فقه الخليفة عثمان وجعلته دستور الدولة ، وأمرت الولاة والقضاة باتّباعه ، ودعت إلى نشره ، فلا يعقل أن تحيد عن سياستها الكليّة في الوضوء بالذات ، بالرغم من وجود عليّ ابن أبي طالب ـ وهو من الذين لهم معه حساب خاصّ ـ في الجناح المقابل .
وعلى رأس المحافظين على سنة النبي في الوضوء ...هذا أولاً .
وثانياً : المعروف أن الأمويين ـ وبعد قتل الحسين ـ قد ازدادوا تنكيلاً بشيعة عليّ ، حتى وصل الحال بفقهاء الشيعة أن توقّفوا عن الإفتاء في مستجدات المسائل ، لصعوبة الاتصال بأئمتهم ، وتفشي سياسة العنف في البلاد ، وقد حدّ ذلك من ارتباط القيادة مع القاعدة ، وعليه ، نرى عمل الناس في الوضوء ـ بعد مقتل الحسين الشهيد ـ أخذ يتدرج بالضعف أمام دعاة نهج الخليفة ، حتى انحصر ببعض التابعين وأهل بيت رسول الله ، وإنك ستقف على أسمائهم عن قريب .
وإنا قد رجونا بطرحنا لما سبق اعطاء صورة للمطالع عن تلك الفترة من تأريخ وتجسيم واقع الامة بل الشريعة فيه ، إذ إن الفقه الاصيل والتاريخ الصحيح قد ضاع بين ثنايا الدس والتحريف الاموي ، فكان علينا ان نستخدم طريق ( الم ) ـ كما يقول علماء المعقول للوصول الى الحقيقة ، وذلك بالاستعانة من القرائن والمؤشرات لا الاكتفاء بالادلة الظاهرة ، أي علينا استخدام المعلول للوقوف على العلة ، وذلك لضياع كثير من النصوص أو تحريفهم لمفاهيمها .
حال ( الناس ) في العهد الأموي
أشار الإمام علي بن الحسين إلى حال المؤمنين في مثل هذا العهد وكيف يرون كتاب الله منبوذاً وسنة نبيّه متروكة وحكمه مبدلاً ، فقال في دعائه :
( اللهم إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ... ) .
إلى أن يقول :
( ... حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين ، يرون حكمك مبدلاً ، وكتابك منبوذاً ، وفرائضك محرفة عن جهات أشراعك ، وسنن نبيك
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 173 ـ
متروكة و ... )
(1).
وقال أيضاً وهو يشرح اختلاف الاُمة :
( وكيف بهم ؟ وقد خالفوا الآمرين ، وسبقهم زمان الهادين ، ووكلوا إلى أنفسهم ، يتنسكون في الضلالات في دياجير الظلمات .
وقد انتحلت طوائف من هذه الاُمة مفارقة أئمة الدين والشجرة النبوية أخلاص الديانة ، وأخذوا أنفسهم في مخاتل الرهبانية ، وتغالوا في العلوم ، ووصفوا الإسلام بأحسن صفاته ، وتحلوا بأحسن السنة ، حتى اذا طال عليهم الأمد ، وبعدت عليهم الشقة ، وامتحنوا بمحن الصادقين : رجعوا على أعقابهم ناكصين سبيل الهدى ، وعلم النجاة .
وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، واحتجوا بمتشابه القرآن ، فتأولوه بآرائهم ، واتهموا مأثور الخبر مما استحسنوا ، يقتحمون في أغمار الشبهات ، ودياجير الظلمات ، بغير قبس نور من الكتاب ، ولا أثرة علم من مظان العلم ، زعموا أنهم على الرشد من غيّهم .
وإلى من يفزع خلف هذه الاُمة ؟ !
وقد درست أعلام الملة والدين بالفرقة والاختلاف ، يكفر بعضهم بعضاً ، الله تعالى يقول :
( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ )
(2) .
فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة ؟ وتأويل الحكمة ؟ إلاّ إلى أهل الكتاب ، وأبناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، ولم يدع
 |
(1) الصحيفة السجادية : 293 ـ الدعاء 48 .
(2) آل عمران : 105 .
|
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 174 ـ
الخلق سدى من غير حجة .
هل تعرفونهم ؟
أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا صفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً ، وبرّأهم من الآفات ، وافترض مودتهم في الكتاب )
(1)؟ !
وقال عليه السلام لرجل شاجره في مسألة شرعية فقهية :
( يا هذا ! لو صرت إلى منازلنا ، لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا ، أفيكون أحد أعلم بالسنة منا )
(2).
وقال أيضاً :
( إن دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة ، والآراء الباطلة ، والمقاييس الفاسدة ، لا يصاب إلاّ بالتسليم .
فمن سلم لنا سلم ، ومن أقتدى بنا هدي ، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هلك ، ومن وجد في نفسه ـ مما نقوله ، أو نقضي به ـ حرجاً ، كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهو لا يعلم )
(3).
وبين الإمام الباقرسبب تأكيدهم وسر إرجاع المسلمين إليهم ، بأنهم مكلفون ببيان الأحكام للناس ، لكن السياسة الظالمة والأهواء الباطلة تمنع الأخذ منهم ، أو تمنعهم من بيانها ، فقد قال : ( بليّة الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا
(4)) .
وبهذا فقد عرفت أن الطابع السياسي أخذ يتفشى في الشريعة شيئاً فشيئاً ،
 |
(1) كشف الغمة للأربلي 2 : 98 ـ 99 .
(2) نزهة الناظر للحلواني : 45 .
(3) اكمال الدين : 324 ب 31 ح 9 .
(4) الإرشاد 2 : 167 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 206 ، وعنه في البحار 46 : 288 ح 11 .
|
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 175 ـ
وأن الأحكام صارت تخضع لأهواء الحكام ، وأن الفرائض الشرعية صارت محرفة عما شرعت ، وأن الحكام صاروا يفتون الناس بالدين الذي يريدونه أو يستخدمون من له نفوذ وعلم لأن يفتي لهم بما يريدون ، وقد مر عليك سابقاً كلام ابن عباس ، وأنه كان يلعن معاوية وأتباعه لتركهم سنة رسول الله بغضاً لعليّ ( اللهم العنهم فقد تركوا السنة من بغض عليّ )
(1).
أو أنه قال : ( لعن الله فلاناً ، إنه كان ينهى عن التلبية في هذا اليوم ـ يعني يوم عرفة ـ لأن عليّاً كان يلبي فيه )
(2).
ونقل الشيخ أبو زهرة ما جاء عن الحكم الأموي ، منها :
لابدّ أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار عليّ في القضاء والإفتاء ، لأنه ليس من المعقول أن يلعنوا عليّاً فوق المنابر ، وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه ، وينقلوا فتاواه وأقواله ، وخصوصاً ما يتصل بأساس الحكم الإسلامي
(3).
ونحن نقول هنا بما مر ، كيف بالحكومة تترك الناس يمارسون دورهم ، وهم من مخالفي عثمان ، في حين يتصدر عليّ ـ الذي يلعنونه ـ مدرستهم ؟ !
وبهذا فقد عرفنا بأن لكلا الاتجاهين ـ الناس والخليفة ـ أنصاراً وأتباعاً في الوضوء ، يذودون عما يرتؤونه ، وبما أن السلطة قد تبنت فقه عثمان ودعت إلى فضائله ونشرت آراءه ، فمن الطبيعي أن ينساق السواد الأعظم ـ تبعاً للدولة ـ إلى وضوء الخليفة عن طيب نيّة وحسن سريرة .
وهناك مؤشرات تدلل على أن الخلاف في الوضوء كان قائماً ـ في هذا العهد ـ على قدم وساق ، وبذكرنا بعض النصوص لخلاف الناس مع الدولة
 |
(1) سنن النسائي 5 : 253 ، سنن البيهقي 5 : 113 .
(2) انظر : النصائح الكافية : 11 عنهما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس .
(3) انظر : تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة : 285 ـ 286 .
|