وجعفر بن محمّد وابن عبّاس وغيرهم من أولاد عليّ هو غير المنقول هنا .
ولا أدري ما معنى قوله : (فعجبت ، فلمّا رآني قال : لا تعجب ، فإنّي ...) !
وهل إنّ الحسين بن عليّ كان يعتقد أنّ شارب فضل ماء الوضوء واقفاً مبدع
، كما ترى تعجّبه ؟ ! !
أم إنّه كان من أولئك المحدثين في الدّين ، والذين ستقف على حالهم في عهد عليّ بن أبي طالب ؟
أم إنّه تعجّب من وضوء أبيه والذي كان غير معهود له ولا هو بالمتعارف في ذلك البيت ؟ ! !
نعم ، إنّ ظاهرة الافتعال والتزوير قد تفشّت ولقيت رواجاً في العهد الأمويّ ، وستقف على ذلك بمزيد من التفصيل لاحقاً .
والأنكى من هذا ، ذلك الخبر المفتعل الذي ينصّ على ذهاب عليّ إلى ابن عبّاس من أجل أن يعلّم ابن عبّاس وضوء رسول الله ! !
فقد أخرج أبو داود ، وصاحب كنز العمّال ، وغيرهما ... عن ابن عبّاس ، إنّه قال : دخل عليّ عليُّ ـ يعني ابن أبي طالب ـ وقد أهراق الماء ، فدعا بوضوء ... فأتيناه بتور فيه ماء ، حتّى وضعناه بين يديه ، فقال : يا ابن عبّاس ! ألا أريك كيف كان يتوضّأ رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) ؟
قلت : بلى ... فأصغى الإناء على يده فغسلها ... ـ الخبر ـ
(1) ، فأتى بوضوء عثمان عن النبيّ ( صلى الله عليه واله وسلم ) !
والآن ، نتساءل : هل يصحّ هذا الخبر مع ما عرفنا من موقف عليّ باعتباره الرائد والمعيد لمدرسة الوضوء الثنائيّ المسحيّ كيانها ؟
وهل كان ابن عبّاس ـ حقّاً ـ بحاجة إلى معرفة الوضوء ... وهو حبر الأمّة ؟ !
 |
(1) سنن أبي داود 1 : 29 | 117 ، كنز العمّال 9 : 459 | 26967 وفيه بتفاوت .
|
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 123 ـ
بل ، كيف نوفّق بين هذا الخبر مع ما نقل عن ابن عبّاس في اعتراضه على الرّبيّع بنت معوّذ ، بقوله : أبى الناس إلاّ الغسل ، ولا أجد في كتاب الله إلاّ المسح ، وقوله : الوضوء غسلتان ومسحتان ، و ... ؟ !
(1)
وعليه ... فإنّنا نرجّح أن يكون ( الناس ) الذين يتحدّثون عن رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) في حديث الوضوء ، هم من المخالفين المطرّدين ...
ونستند في ترجيحنا على ما يلي :
1 ـ مخالفتهم لعثمان في أغلب اجتهاداته ـ كما مرّ عليك ـ .
2 ـ عدم ورود أسمائهم في قائمة الراوين للوضوء الثلاثيّ الغسليّ الذي وضع عثمان لبنة تأسيسه .
3 ـ ورود أسماء بعضهم في قائمة الراوين للوضوء الثنائيّ المسحيّ
(2) .
فالقرائن المدرجة أعلاه توصلنا إلى أنّ ( الناس ) هم المعارضون المطرّدون لعثمان .
تلخّص ممّا سبق :
وحدة الوضوء في زمن النبيّ ( صلى الله عليه واله وسلم ) والشيخين .
ظهور الخلاف في زمن عثمان بن عفّان .
اختلاف عثمان مع ( ناس ) هم من أعاظم الصحابة .
البادئ بالخلاف : عثمان .
عدم ارتضاء الصحابة لرأي عثمان .
مخالفة عثمان بن عفّان لسنّة رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وسيرة الشيخين .
 |
(1) سنبحث دور الحكومتين الاموية والعباسية في اشاعة التحريف والوضع في الحديث .
(2) وستقف على أسمائهم لا حقاً هنا وفي الجانب الروائي من هذه الدراسة إن شاء الله تعالى .
|
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 124 ـ
عهد عليّ بن أبي طالب ( 35 ـ 40 هـ )
بعد أن توصلنا في البحوث السابقة إلى تعيين زمن الخلاف ، ومنزلة المختلفين ، نتساءل ، بما يلي :
لو صحّ ما ذهبنا إليه ، فلماذا لا نرى لعليّ موقفاً في مواجهة هذه البدعة الظاهرة ، من خطبة أو رسالة أورأي ؟
وإذا كان الأمر كذلك ...فما هوتفسيرنا لها ؟
أضف إلى ذلك ، أنّ الشيخ الأميني ـ وهو من علماء الامامية ـ وكذا المجلسي لم يتطرقا لهذه المسألة ، ولم يعدّاها من مبتدعات الخليفة الثالث !
نلخص الجواب عن هذا التساؤل في اربع نقاط :
أوقفتنا البحوث السابقة على وجود معارضة دينيّة قويّة كانت تواجه الخليفة ، وقفت له بالمرصاد وعارضت اجتهاداته ، وبمناسبات عدّة ، لكنّ
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع
ـ 125 ـ
الخليفة ظلّ غير عابئ بتلك المعارضة ، وواصل مسيره في تطبيق ما يراه من آراء ، غير مكترث بما قيل ويقال ضدّه ، وما قضيّة الوضوء إلاّ إحدى تلك الموارد ، فأنّه ـ وكما مرّ سابقاً ـ كان يجلس بالمقاعد وباب الدرب ، وبحضور الصحابة ، فيشهدهم على وضوئه الغسليّ ، ثمّ يحمد الله لموافقتهم إيّاه ، وقد عرفت بأنّه كان يتوضّأ ويمسح على رجليه شطراً من خلافته
(1) ! ويضحك عند حكايته الوضوء ! ! !
لكن جهوده ذهبت هباءً ، بعد أن غلبت كفّة المعارضة عليه ، وأودت بحياته في آخر المطاف .
والمعارضة ـ كما عرفت ـ هم من :
أصحاب محمّد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ..
قرّاء الأمّة ...
فقهاء الإسلام ...
العشرة المبشّرة بالجنّة ...
أزواج النبيّ ( صلى الله عليه واله وسلم ) ...
فهم ليسوا بفئة سياسيّة أو حزب علويّ ، كما أدّعاه بعض الكتّاب والمؤرّخين .
وما الذي يعنيه تصدّر الأصحاب ، والقرّاء ، والفقهاء ، والأزواج وغيرهم للوقوف بوجه إحداثات عثمان ؟ ! !
فاذا تصدّر المعارضة أمثال هولاء ، فهل يلزم عليّاً لأن يخطب ، أو يكتب رسالة ، وما شابه ... في الرّد على إحداث عثمان ؟
إنّ المعارضة قد كفت عليّاً مواجهة عثمان في هذه المسألة ، وقد عرف عن
 |
(1) كما في خبر كنز العمال 9 : 436 | 26863 .
|