وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع![]() وعندنا أهل البيت أبواب الحكمة وضياء الأمر . ألا وانّ شرائع الدين واحدة ، وسيلة قاصدة ، من أخذ بها لحق وغنم ، ومن وقف عنها ضلّ وندم ... ) (1) . وفي رابع يقول (ع) عن أهل البيت : ( ... عيش العلم ، وموت الجهل ، ويخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم . لا يخالفون الحقّ ، ولا يختلفون فيه . هم دعائم الإسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحقّ في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته . عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل ) (2) . وفي خامس : ( ... لا يقاس بآل محمّد من هذه الأمّة أحد ، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً . هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حقّ الولاية ، وفيهم الوصيّة والوراثة ... ) (3) . إلى آخر كلماته (ع) في أهل البيت ، وذمّه للأمويّين وبيان دورهم التضليليّ للأمّة وإبعادهم عن نهج رسول الله ! تنكيلاً بالإسلام وبعضاً لعليّ .
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع![]() وإنّا على ثقة انّ الكشف عن الوجه الآخر لملابسات التشريع وكسر الحواجز النفسيّة عند المسلمين وبيان أدلّة الأخرين والدعوة إلى التصحيح ربّما تثير نقمة دعاة الجمود على السلف والآمرين بكمّ الأفواه والأسماع والأبصار عمّا جرى في تاريخ الإسلام واختلاف المسلمين . والمطالع لهذا الكتاب يؤيّد مدعانا ، حيث يقف بين الحين والآخر على أسلوبنا الحواريّ في البحث للقضايا بجديّة ، بعيداً عن جرح مشاعر الآخرين ، إذ يرانا نضع التساؤلات و التشكيكات دائماً حتّى على النتائج التي نتوصّل إليها بين الفينة والأخرى أثناء البحث ، ولا نقتصر في طرح التساؤلات على نتائج بحوث الآخرين الوضوئيّة فقط حتّى يصحّ ما قد يمكن أن يقال . إنّ الهدف الأوّل والأساس في هذا البحث هو الدعوة إلى اتّخاذ منهجيّة جديدة في البحث والوصول إلى حقيقة الفقه الإسلاميّ من أيسر طرقه وأسلمها لا غير . تمّ المدخل بفضل الله ومنّه وسيتلوه ثلاث أجزاء أخرى . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع![]() وقال في ( الاستبصار ) : (هذا الخبر موافق للعامّة ، وقد ورد مورد التقيّة ، لأنّ المعلوم الذي لا يتخالج فيه الشّك من مذهب أئمّتنا القول بالمسح على الرجلين ، وذلك أشهر من أن يدخل فيه شكّ أو ارتياب بيّن ذلك أنّ رواة هذا الخبر كلّهم عامّة ، ورجال الزيديّة وما يختصّون بروايته لا يعمل به على ما بُيّن في غير موضع) (1) . قال النجاشيّ ، عن أحد رجال سند هذا الحديث ، وهو الحسين بن علوان : (مولاهم ، كوفيّ عامّيّ) (2) . ونقل المزّيّ ـ من رجال العامّة ـ عن عمرو بن خالد الواسطيّ ـ وهو رجل آخر من رجال سند الحديث السابق ـ : (عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : انّ عمرو بن خالد الواسطيّ ، متروك الحديث ، ليس بشيء) . وقال أبو بكر الأثرم : (عن أحمد بن حنبل : كذّاب ، يروي عن زيد بن عليّ ، عن آبائه أحاديث موضوعة ، يكذب) . وقال عبّاس الدوريّ : (عن يحيى بن معين : كذّاب ، غير ثقة ولا مأمون) . وقال هاشم بن مرثد الطبرانيّ : (عن يحيى بن معين : كذّاب ، ليس بشيء) . وقال إسحاق بن راهويه ، وأبو زرعة : (كان يضع الحديث) . وقال أبو حاتم : (متروك الحديث ، ذاهب الحديث لا يشتغل به) . وقال أبو عبيد الآجريّ : (سألت أبا داود عن عمرو بن خالد الذي يروي عنه أبو حفص الآبار ، فقال هذا كذّاب) . وقال في موضع آخر : (سألت أبا داود عن عمرو بن خالد ، فقال : (ليس بشيء) . وقال وكيع : كان جارنا فظهرنا منه على كذب فانتقل . قلت : كان واسطيّاً ؟ قال ، نعم .
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع![]() ونحن نورد هنا الخبر بتمامه ليقف القارئ الكريم على ملابسات التشريع الذي أكّدنا عليه سابقاً . جاء في ( الإرشاد ) للمفيد بعد النصّ السابق : (وقد سُعِيَ بعليّ بن يقطين الى الرشيد ، وقيل له : إنّه رافضيّ مخالف لك ، فقال الرشيد لبعض خاصته : قد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين ، والقرف له بخلافنا ، وميله الى الرفض ، ولست أرى في خدمته لي تقصيراً ، وقد امتحنته مراراً فما ظهرت منه على ما يقرف به ، وأحبّ أن استبري أمره من حيث لا يشعر بذلك ، فيتحرّز منّي . فقيل له : إنّ الرافضة يا أمير المؤمنين ، تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه ، ولا ترى غسل الرجلين ، فامتحنته من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه . فقال : أجل ، انّ هذا الوجه يظهر به أمره . ثمّ تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان عليّ بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة ، وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين ولا يراه هو . فدعا بالماء للوضوء فتمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه وخلّل شعر لحيته وغسل يديه الى المرفقين ثلاثاً ، ومسح برأسه وأُذنيه وغسل رجليه ، والرشيد ينظر إليه ، فلمّا رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب ـ يا عليّ بن يقطين ـ من زعم أنّك من الرافضة . وصلحت حاله عنده . وورد عليه بعدُ كتاب من أبي الحسن الكاظم : ابتدئ من الآن يا عليّ بن يقطين ، فتوضّأ كما أمر الله : اغسل وجهك مرّة فريضة ، وأخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كان يخاف عليك ، والسلام) (1) . تبيّن بعد نقلنا هذا الخبر ظروف التقيّة التي كانت تواجه الشيعة وعرفنا
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع![]() فالمبشّرون أخذوا أسئلة ذلك الكتاب وصاغوها بأسلوب جديد ، وطبعوه طباعة أنيقة وبإخراج جميل ، دون الإشارة الى أنّها شبهات نبعت من واقع المسلمين ، ليضلّوا به الناس ويبعدوهم عن الوقوف على الحقيقة ، لكنّ الله متمّ نوره وله كره الكافرون . وما أشبه الليلة بالبارحة ! والتاريخ يعيد نفسه ، وطرق التمويه والتضليل لا تختلف في أصولها كثيراً ، ونسبة الكذاب والتضليل تأتي من المحقّ والمبطل ، وقد ضاع الحق بين هذا وذاك . أمّا رجال العلم وأتباع المنطق ، فلا تخفى عليهم الخفايا والمطامع ، ويعرفون الأساليب التي يتّخدها المغرضون امثال الزرعي ، فتراهم يخضعون المشكوك والمختلف فيه للأُصول الثابتة في الشريعة وعند العقلاء ، ويضعونها على محكّ العلم والمنطق ، فالخلافيّات عندهم تطرح أوّلاً على الكتاب والسنّة ثمّ يدرسون واقع المسلمين وملابسات التشريع ليكشفوا عن الحقيقة الضائعة . بعد هذا بات واضحاً أنّ الزرعي يسعي للتمويه والتضليل لا الإمام شرف الدين . وقديماً قيل : ( رَمَتني بدائها وانسَلّت ) ! وينكشف مدعانا أكثر لو تصفّح المطالع وراجع مصادر الزرعي المشار إليها في هامش كتابه ، فمثلاً تراه ينقل الأحاديث الذامّة لزرارة دون نقل الأحاديث المادحة له ! ولو كان باحثاً موضوعيّاً حقّاً لنقل النصوص كلّها بما فيها من المدح والذم ، ودخل لمناقشتها ، وأن لا يكتفي بالاستناد على نصوص الذمّ وحدها ممّا أتى بها الرجاليّون لدارسة ظروف الخبر وبيان ملابساته . ولو صدق في مدّعاه أنّ زرارة كذّاب لا يؤخذ بكلامه ، فليأتنا بكلام رجاليّ واحد من رجاليّي الشيعة يخدش زرارة ويطرحه من الاعتبار . هذا وقد ضعّف السيّد الخوئيّ ـ الذي استند المؤلّف على نقل الأقوال من معجمه ـ جميع الأحاديث الذامّة ، بعد نقله لها ، إمّا سنداّ أو دلالة . إنّ النصوص الذامّة لزرارة في كتب الرجال قد صدرت تحت ظروف خاصّة ، وأنّ الرجاليين جاءوا ليبيّنوا ملابساتها لا للتشكيك في زرارة وأمثاله وجرحه . وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع![]() الأسئلة والإشكالات حتّى على نفسه ، فيدرس الشبهات المطروحة بروح علميّة وأناة وموضوعيّة . والواقع أنّ الزرعيّ ـ حسب استنتاجنا ـ كان من القسم الثاني ، إذ تراه يلجأ الى الفحش والسباب أسلوباً في تعامله ، وينقل وجهاً من القضيّة مغفلاً الآخر ، كالذين يومنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض . وهو يعبّر ـ بهذا ـ عن ضعفه وعن هزيمته الداخليّة . وإنّي أستبعد أن يكون شخص كالزرعيّ قد ادّعى أنّه راجع عدة كتب في فقه الشيعة ورجالها وأشار الى صفحاتها أن لا تكون قد مرّت به ـ أثناء مطالعته ـ الأدلّة المادحة لزرارة وهي أكثر من أن تحصى ، منها قول الكشيّ ـ الذي انحصرت روايات ذمّ زرارة عنه ـ : (أجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله ، وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة : زرارة ...) (1) . وقول الصادق لجميل بن درّاج : ( بشّر المخبتين بالجنّة : بريد بن معاوية العجليّ ، وأبا بصير ليث بن البختريّ المراديّ ، ومحمّد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست ) (2) . أو قوله عنهم : ( هؤلاء القوّامون بالقسط ، القوّالون بالصدق ) . أو قوله : ( رحم الله زرارة بن أعين ، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي ) (3) . وفي آخر : ( هؤلاء حفّاظ الدين وأُمناء أبي على حلال الله وحرامه ، وهم السابقون إلينا في الدنيا ، والسابقون إلينا في الآخرة ) .
وضُوء النّبيّ صلى الله عليه واله وسلّم من خلال ملابسات التّشريع![]() أنّه عمل بها تقيّة !! ألم يوضّح هذا النصّ سرّ ذمّ الإمام الصادق لزرارة ؟! وإذا عقل الزرعي وفهم هذا المعنى ، فلماذا يلجأ الى تشويه الحقائق وتلفيق الأباطيل ؟! وإن لم يعقل ، فعلى الإسلام السلام . نعم ، كان الأُسلوب التضليليّ وكتمان الحقائق من أهم المكائد التي واجهت الرسالة الإسلامية منذ ظهورها ، وليست هي وليدة اليوم وكان رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) يستاء من عمل اليهود والنصارى وإيمانهم ببعض وكفرهم بالآخر . بيد أنّ الحقّ لابدّ أن يظهر من وراء السحاب الداكن لا محالة وفي الختام أودّ التنويه بأنّنا سندرس الأحاديث الغسليّة المنسوبة الى عليّ ابن أبي طالب ، سواء رواها أبي حيّة أو أبي الأحوص أو ابي إسحاق أو غيرهم في الفصل الأوّل من كتابنا هذا ، بإذن الله تعالى . ![]() | ||||||||||||||||||||||
(1) نهج البلاغة 1 : 152 ـ 153 . (2) نهج البلاغة 2 : 57| ط 150 . |