وشيعته :
  ( أتعرفون يوماً شيّد الله به الإسلام ، وأظهر به منار الدين ، وجعله عيداً لنا ولموالينا وشيعتنا ؟
  فقالوا ، الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، أيوم الفطر هو سيّدنا ؟
  قال ، لا .
  قالوا ، أفيوم الأضحى هو ؟
  قال ، لا ، وهذان يومان جليلان شريفان ، ويوم منار الدين أشرف منهما وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ... ) (1) .
  وفي البحار ، عن العدد القويّة لأخ العلاّمة قدّس الله روحه ، قال مولانا جعفر ابن محمّد الصادق ( عليه السلام ) ، ( ... وهو عيد الله جلّ إسمه الأكبر وما بعث الله نبيّاً إلاّ وتعيّد في هذا اليوم ، وعرّفه حرمته ، وإسمه في السماء يوم العيد المعهود وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ ، والجمع المشهود ... ) (2) .
  وفي المناقب لابن شهر آشوب السروي :
  ( عن أمالي أبي عبدالله النيسابوري ، وأمالي أبي جعفر الطوسي ، في خبر عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا ( عليه السلام ) أنّه قال ( عليه السلام ) ، حدّثني أبي عن أبيه ، إنّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض إنّ لله تعالى في الفردوس قصراً ، لبنة من فضّة ، ولبنة من ذهب ، فيه مائة ألف قبّة حمراء ، ومائة ألف خيمة من ياقوتة خضراء ، ترابه المسك والعنبر ، فيه أربعة أنهار ، نهر من خمر ، ونهر من ماء ، ونهر من

-------------------------------
(1) إقبال الأعمال ، ص 444 ، عنه العوالم ، ج 15 /3 ، ص 214 .
(2) بحار الأنوار ، ج 98 ، ص 321 ، ب 85 ، ح 6 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 302 _

  لبن ، ونهر من عسل ، حواليه أشجار جميع الفواكه ، عليه الطيور وأبدانها من لؤلؤ ، وأجنحتها من ياقوت ، تصوّت بألوان الأصوات .
  إذا كان يوم الغدير ورد إلى ذلك القصر أهل السموات يسبّحون الله ويقدّسونه ويهلّلونه .
  فتطاير تلك الطيور فتقع في ذلك الماء وتتمرّغ (1) على ذلك المسك والعنبر ، فإذا اجتمع الملائكة طارت فتنفض ذلك عليهم .
  وإنّهم في ذلك اليوم ليتهادون نثار فاطمة ( عليها السلام ) (2) .
  فإذا كان آخر اليوم نودوا ، انصرفوا إلى مراتبكم فقد أمنتم من الخطر والزلل إلى قابل في هذا اليوم ، تكرمة لمحمّد وعلي ) (3) .
  في الإقبال للسيّد ابن طاووس نقلا عن كتاب النشر والطي في حديث عن

-------------------------------
(1) التمرّغ في الشيء هو التقلّب فيه .
(2) النثار إسم لما يُنثر ، ونثار فاطمة ( عليها السلام ) هو ما نثر من المجوهرات في السماء عند زواجها المبارك .
  ففي حديث موسى بن إبراهيم المروزي عن الإمام الكاظم عن أبيه عن جدّه ( عليهم السلام ) عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال :
  لمّا زوّج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاطمة من علي أتاه أُناس من قريش فقالوا ، إنّك زوّجت علياً بمهر خسيس .
  فقال ما أنا زوّجت علياً ، ولكنّ الله عزّوجلّ زوّجه ليلة اُسري بي عند سدرة المنتهى ، أوحى الله إلى السدرة أنْ انثري ما عليك ، فنثرت الدرّ والجوهر والمرجان ...
  فابتدرت الحور العين فالتقطن ، فهنّ يتهادونه ويتفاخرن ويقلن ، هذا من نثار فاطمة بنت محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ... كما في البحار ، ج 43 ، ص 104 .
(3) مناقب ابن شهر آشوب ، ج 3 ، ص 42 / 43 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 303 _

  الإمام الرضا ( عليه السلام ) في عيد الغدير وذكر الشيخ الطهراني في الذريعة ، أنّه رأى مثل هذا الحديث أيضاً عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في كتاب العروس .
  وقد جاء في هذا الحديث قوله ( عليه السلام ) :
   ( ... وهو اليوم الذي أكمل فيه الدين في إقامة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عَلَماً ، وأبان فضيلته ووصاته ، فصام ذلك اليوم .
  وإنّه ليوم الكمال ، ويوم مرغمة الشيطان ، ويوم تقبل أعمال الشيعة ، ومحبّي آل محمّد ، وهو اليوم الذي يعمد الله فيه إلى ما عمله المخالفون فيجعله هباءً منثوراً وذلك قوله تعالى : ( فجَعَلناهُ هَباءً مَنثُوراً ) (1) .
  وهو اليوم الذي يأمر جبرئيل أن يُنصب كرسي كرامة الله بإزاء البيت المعمور ، ويصعده جبرئيل ، وتجتمع إليه الملائكة من جميع السماوات ، ويثنون على محمّد ، وتستغفر لشيعة أمير المؤمنين والأئمّة ( عليهم السلام ) ، ومحبّيهم من ولد آدم ( عليه السلام ) .
  وهو اليوم الذي يأمر الله فيه الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن محبّي أهل البيت وشيعتهم ثلاثة أيّام من يوم الغدير ، ولا يكتبون عليهم شيئاً من خطاياهم كرامةً لمحمّد وعلي والأئمّة .
  وهو اليوم الذي جعله الله لمحمّد وآله وذوي رحمته .
  وهو اليوم الذي يزيد الله في مال مَن عَيَّد فيه ، ووسّع على عياله ونفسه وإخوانه ، ويعتقه الله من النار .
  وهو اليوم الذي يجعل الله فيه سعي الشيعة مشكوراً ، وذنبهم مغفوراً ، وعملهم

-------------------------------
(1) سورة الفرقان ، الآية 23 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 304 _

  مقبولا .
  وهو يوم تنفيس الكرب ، ويوم تحطية الوزر ، ويوم الحباء والعطيّة ، ويوم نشر العلم ، ويوم البشارة والعيد الأكبر ، ويوم يُستجاب فيه الدعاء ، ويوم الموقف العظيم ، ويوم لبس الثياب ونزع السواد ، ويوم الشرط المشروط ، ويوم نفي الهموم ، ويوم الصفح عن مذنبي شيعة أمير المؤمنين ...
  وهو يوم السبقة ، ويوم إكثار الصلاة على محمّد وآل محمّد ، ويوم الرضا ، ويوم عيد أهل بيت محمّد ، ويوم قبول الأعمال ويوم طلب الزيادة ، ويوم إستراحة المؤمنين ، ويوم المتاجرة ، ويوم التودّد ، ويوم الوصول إلى رحمة الله ، ويوم التزكية ، ويوم ترك الكبائر والذنوب ، ويوم العبادة ، ويوم تفطير الصائمين ، فمن فطّر فيه صائماً مؤمناً كان كمن أطعم فئاماً وفئاماً إلى أنّ عدّ عشراً .
  ثمّ قال ، أو تدري ما الفئام ؟
  قال ، لا .
  قال ، مائة ألف [ فيكون الحاصل أنّ إطعام صائم واحد يُعدّ بمليون صائم ] .
  وهو يوم التهنئة ... يهنّىء بعضكم بعضاً ، فإذا لقى المؤمن أخاه يقول ، ( الحمد لله الذي جَعَلَنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين ) ...
  وهو يوم التبسّم في وجوه الناس من أهل الإيمان ، فمن تبسّم في وجه أخيه يوم الغدير نظر الله إليه يوم القيامة بالرحمة ، وقضى له ألف حاجة ، وبنى له قصراً في الجنّة من درّة بيضاء ، ونضّر وجهه .
وهو يوم الزينة فمن تزيّن ليوم الغدير غفر الله له كلّ خطيئة عملها ، صغيرةً أو كبيرة ، وبعث الله إليه ملائكةً يكتبون له الحسنات ، ويرفعون له الدرجات إلى

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 305 _

  قابل في مثل ذلك اليوم فإن مات مات شهيداً ، وإن عاش عاش سعيداً .
  ومن أطعم مؤمناً كان كمن أطعم جميع الأنبياء والصدّيقين .
  ومن زار فيه مؤمناً أدخل الله قبره سبعين نوراً ، ووسّع في قبره ، ويزور قبره كلّ يوم سبعين ألف ملك ، ويبشّرونه بالجنّة .
  في يوم الغدير عَرَض الله الولاية على أهل السماوات السبع فسبق إليها أهل السماء السابعة فزيّنها بالعرش ، ثمّ سبق إليها أهل السماء الرابعة فزيّنها بالبيت المعمور ، ثمّ سبق إليها أهل السماء الدنيا فزيّنها بالكواكب ... ثمّ عرضها على الأرضين فسبقت مكّة فزيّنها بالكعبة ، ثمّ سبقت إليها المدينة فزيّنها بالمصطفى محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثمّ سبقت إليها الكوفة فزيّنها بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
  وعرضها على الجبال فأوّل جبل أقرّ بها ثلاثة جبال ، العقيق ، وجبل الفيروزج ، وجبل الياقوت ، فصارت هذه الجبال جبالهنّ وأفضل الجواهر ، ثمّ سبقت إليها جبال اُخر فصارت معادن الذهب والفضّة ، وما لم يقرّ بذلك ولم يقبل صارت لا تنبت شيئاً .
  وعرضت في ذلك اليوم على المياه فما قبل منها صار عَذْباً ، وما أنكر صار ملحاً اُجاجاً .
  وعرضها في ذلك اليوم على النبات فما قبل صار حُلواً طيّباً ، وما لم يقبل صار مُرّاً .
  ثمّ عرضها في ذلك اليوم على الطير فما قبلها صار فصيحاً مصوّتاً ، وما أنكرها صار أخرس مثل اللكن .
  ومَثَلُ المؤمنين في قبولهم ولاء أمير المؤمنين في يوم غدير خُمّ كمثل الملائكة

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 306 _

  في سجودهم لآدم .
  ومَثلُ من أبى ولاية أمير المؤمنين في يوم الغدير مثل إبليس. وفي هذا اليوم اُنزلت هذه الآية ، ( اليومَ أكملتُ لكُم دينَكم وأتممتُ عليكُم نعمتي ) (1) .
  وما بعث الله نبيّاً إلاّ وكان يوم بعثه مثل يوم الغدير عنده ، وعرف حرمته ، إذ نصب لأُمّته وصيّاً وخليفة من بعده في ذلك اليوم ) (2) .
  هذا شيء من الكلام بالنسبة إلى ثبوت عيد الغدير في الإسلام على لسان النبي والعترة الكرام .
  وحتّى قد ثبت أيضاً عيد الغدير في دور الشعر من أوّل يوم في غديريّة حسّان بن ثابت الشعرية ، إلى آخر القصائد الغديريّة .
  والتاريخ أيضاً حدّث بهذا العيد السعيد وأثبت هذا اليوم الرغيد ، لا للشيعة فحسب بل لجميع فرق المسلمين بل يظهر تسالم المسلمين على تسمية هذا اليوم المبارك عيداً كما حكاه شيخنا العلاّمة الأميني (3) ، نقلا عن مثل البيروني في الآثار الباقية (4) ، وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول (5) ، وابن خلّكان في وفيات الأعيان عند ترجمة المستعلي بن المستنصر (6) ، وعند ترجمة المستنصر

-------------------------------
(1) سورة المائدة ، الآية 3 .
(2) إقبال الأعمال ، ص 464 ، عنه العوالم ، ج 15 / 3 ، ص 222 .
(3) الغدير ، ج 1 ، ص 267 .
(4) الآثار الباقية في القرون الخالية ، ص 334 .
(5) مطالب السؤول ، ص 53 .
(6) وفيّات الأعيان ، ج 1 ، ص 60 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 307 _

  العبيدي (1) ، والمسعودي في التنبيه والأشراف (2) ، والثعالبي في ثمار القلوب (3) .

-------------------------------
(1) وفيّات الأعيان ، ج 2 ، ص 223 .
(2) التنبيه والأشراف ، ص 221 .
(3) ثمار القلوب ، ص 511 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 308 _

الوصيّة السابعة عشرة :
   نقلها ثقة الإسلام الكليني في الكافي :
  الكافي ، علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، عن علي الأزرق قال ، سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول ، وصّى رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليّاً ( عليه السلام ) عندَ موتِه فقال :
  يا علي ، لا يُظلم الفلاّحُونَ (1) بحضرتِك ، ولا يُزداد (2) على أرض وُضعت عليها ، ولا سُخْرَةَ على مسلم (3) يعني الأجير (4) (5) .
  (1) الفلاح بالتشديد وجمعه فلاّحون وفلاّحة هو من يحرث الأرض ويزرعه من الفلاحة ، بمعنى الحراثة والزراعة .
  (2) في التهذيب ، ولا تزاد وفي الوسائل ، ولا يزاد .
  (3) السخرة والسخرية والتسخير هو تكليف الغير وحمله على إتيان فعل من دون جعل اُجرة له .
  أي لا يكلّف المسلم عملا بغير اُجرة ، أمّا مع عدم الإشتراط أوّلا فظاهر ، وأمّا مع إشتراط ذلك العمل بدون أُجرة عند إستيجارهم للزراعة فلعلّه محمول على الكراهة لإستلزامه مذلّتهم (1) .
  (4) أي لا يكلّف بالعمل مجّاناً أجير مسلم ، وليست كلمة ، ( يعني

-------------------------------
(1) مرآة العقول ، ج 19 ، ص 379 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 309 _

  الأجير ) في نسخة التهذيب .
  (5) الكافي ، ج 5 ، ص 284 ، باب سخرة العلوج والنزول عليهم ، كتاب المعيشة ، ح 2. وورد أيضاً في التهذيب ، ج 7 ، ص 154 ، باب 11 ، أحكام الأرضين ، ح 29 ، المسلسل 680 ، بسند الشيخ ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير وجاء في الوسائل ، ج 13 ، ص 216 ، ب 20 ، ح 2 ، من كتاب المزارعة والمساقاة .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 310 _

الوصيّة الثامنة عشرة :
   نقلها ثقة الإسلام الكليني في الكافي :
  الكافي ، عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) قال ، كان فيما أوصى به رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً ( عليه السلام ) أنّه قال له :
  يا علي ، عليكَ بالدُبّاء (1) فكُلْهُ فإنّه يزيدُ في الدّماغِ والعقل (2) (3) .
  (1) الدُباء بضمّ الدال والألف الممدودة هو القرع واليقطين ، وضُبط بتشديد الباء يعني الدُبّاء (1) .
  وقد ورد في فوائدها أحاديث كثيرة منها ، كونها تسرّ قلب الحزين ، وتحسّن الوجه ، وتنفع لوجع القولنج كما يستفاد من الأحاديث الشريفة (2) .
  (2) وهذا من فوائد الدباء ، وقد ورد في أحاديث متعدّدة .
  قال العلاّمة المجلسي في بيانه ، كأنّ زيادة العقل لأنّه مولّد للخلط الصحيح وبه تقوى القوى الدماغية التي هي آلات النفس في الإدراكات .
  والمراد بزيادة الدماغ إمّا زيادة قوّته لأنّه يرطّب الأدمغة اليابسة ويبرّد الأدمغة الحارّة ، أو زيادة جِرمه لأنّه غذاء موافق لجوهره ، والأوّل أظهر (3) .

-------------------------------
(1) القرابادين ، ص 204 .
(2) طب الأئمّة ، ص 267 .
(3) بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 227 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 311 _

  هذا ويمكن أن يكون المراد به تقوية جهاز المُخ في الإنسان .
  (3) الكافي ، ج 6 ، ص 371 ، باب القرع ، ح 7 ، وعنه الوسائل ، ج 17 ، ص 161 ، ب 120 ، ح 5 ، ورواه البرقي في المحاسن ، ص 431 ، كتاب المآكل ، ح 732 ، وعنه البحار ، ج 66 ، ص 227 ، ب 9 ، ح 10 ، وذكر في ذلك ثمانية عشر حديثاً .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 312 _

الوصيّة التاسعة عشرة :
   نقلها ثقة الإسلام الكليني في الكافي :
  الكافي ، محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن معاوية بن عمّار قال ، سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول ، كان في وصيّة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) أنّ قال :
  يا علي ، اُوصيكَ في نفسِك (1) بخصال فاحفظْها عنّي ، ثمّ قال ، اللّهمَّ أعِنْهُ (2) :
  أمّا الاُولى ، فالصِّدق (3) ولا تَخرجَنَّ من فيكَ كِذَبةٌ أبداً .
  والثانية ، الوَرَع ولا تجترىء (4) على خيانة أبداً .
  والثالثة ، الخوف ُ من اللّهِ عزَّ ذكرُه كأنّك تراه .
  والرابعة ، كثرةُ البكاءِ من خشيةِ اللّه يُبنى لكَ بكلِّ دمعة ألفُ بيت في الجنَّة .
  والخامسة ، بَذْلُك مالَك ودمَك ...
  (1) أي أنّ هذه الوصيّة اُمور تتعلّق بنفسك لا بمعاشرة الناس .
  (2) أي أعنه على حفظها ، وهو دعاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المستجاب بحفظ هذه الاُمور ، كما دعا له بحفظ غيرها وعدم نسيان شيء منها .
  (3) أي أُوصيك بالصدق .
  (4) في الفقيه ، [ حتّى ] لا تجترينّ .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 313 _

  دونَ دينِك (5) .
  والسادسة ، الأخذُ بسنّتي في صلاتي وصَومي وصَدَقتي ، أمّا الصلاةُ فالخمسون ركعة (6) وأمّا الصيامُ فثلاثةُ أيّام في الشهر ، الخميسُ في أوّلِه ، والأربعاءُ في وسطِه ، والخميسُ في آخره ، وأمّا الصدقةُ فجُهدك (7) حتّى يقول (8) قد أسرفْتَ ولم تُسرف ، وعليك بصلاةِ الليل ، وعليكَ بصلاةِ الزوال ، وعليكَ بصلاةِ الزوال ، وعليكَ بصلاةِ الزوال (9) .
  (5) أي إبذل مالك ودمك لحفظ دينك .
  (6) أي الصلوات الفرائض والنوافل اليومية ، والمشهور روايةً وفتوىً كون النوافل أربعاً وثلاثين فيكون مجموع الصلوات إحدى وخمسين ، لكن الخمسين يوافق ما روى بكون النوافل ثلاث وثلاثين بإسقاط الوتيرة ، وهو حديث زرارة (1) ، وجمع بينه وبين ما دلّ على الأكثر بكون الأكثر محمول على المؤكّد منها لا على إنحصار السنّة فيها كما أفاده الشهيد الثاني (2) .
  (7) أي فليكن بمقدار جهدك كلّما تطيقه وتقدر عليه ، والجُهد هو الوسع والطاقة أي اجهد جهدك في الصدقة .
  (8) في المحاسن ، والتهذيب ، والفقيه ، ( حتّى تقول ) .
  (9) أي نافلة الزوال ففي الحديث عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه إذا زالت الشمس عن كبد السماء فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوّابين ، وفي الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء ، وأبواب

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 42 ، ب 14 ، ح 1 .
(2) الروضة البهيّة ، ج 1 ، ص 171 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 314 _

  وعليكَ بتلاوةِ القرآنِ على كلِّ حال (10) ، وعليك برفعِ يَدَيك في صلاتِك وتقليبِهما (11) ، وعليكَ بالسّواكِ عندَ كلِّ وضوء (12) ، وعليكَ بمحاسنِ الأخلاقِ فاركبْها ...
  الجنان واستجيب الدعاء ، فطوبى لمن رُفع له عمل صالح .
  وتلاحظ نوافل الزوال وأدعيتها في بابها (1) ، ومنها ما تقدّم الحديثان الأوّل والثامن من الباب وأمّا صلاة الليل فسيأتي بيانها في الوصية رقم 117 .
  (10) الظاهر أنّ التلاوة هي قراءة القرآن الكريم مع تدبّر المعنى وفهمه (2) .
  (11) جاء في شرح هذا الحديث الشريف أنّ قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( وعليك برفع يديك ) أي في التكبيرات ، والمراد بتقليبهما إمّا ردّهما بعد الرفع ، أو تقليبهما في أحوال الصلاة بأن يضعهما في كلّ حال على ما ينبغي أن تكونا عليه .
  ويحتمل أن يكون المراد رفعهما في القنوت وتقليبهما بالتضرّع والتبتّل والإبتهال (3) ، ففي الحديث عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( الرغبة أن تستقبل ببطن كفّيك إلى السماء ، والرهبة أن تجعل ظهر كفّيك إلى السماء ... ) (4) .
  وقد شرح ، بأنّ الرغبة هي الدعاء مع الرجاء أو طلب منفعة ، كما وأنّ الرهبة هي الدعاء مع الخوف أو دفع ضرر وبلاء يخاف نزوله (5) .
  (12) يستفاد منه كون السواك من مستحبّات الوضوء أيضاً .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 52 ، ب 2 ، الأحاديث .
(2) مرآة الأنوار ، ص 75 ، والمفردات ، ص 75 .
(3) مرآة العقول ، ج 25 ، ص 180 .
(4) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 479 ، كتاب الدعاء ، ح 1 .
(5) مرآة العقول ، ج 12 ، ص 42 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 315 _

  ومساويء الأخلاق فاجتنْبها فإنْ لمْ تفعَل فلا تلومَنَّ إلاّ نفسَك (13) .
  (13) الكافي ، ج 8 ، ص 79 ، ح 33 ، ومثله في التهذيب ، ج 9 ، ص 175 ، ب 6 ، ح 13 ، ومثله تقريباً في الفقيه ، ج 4 ، ص 188 ، ب 3 ، ح 5432 ، وجاء في المحاسن للبرقي ، ص 13 ، كتاب الأشكال والقرائن ، ح 48 ، رواه عن أبيه ، وعن محمّد بن إسماعيل مرفوعاً إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وذكر نحوه ، إلاّ أنّه في الكافي والفقيه والتهذيب مسند وصحيح السند .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 316 _

الوصيّة العشرون :
   نقلها ثقة الإسلام الكليني في الكافي :
  الكافي ، عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عمّن ذكره ، عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، عن أبيه ، عن جدّه ( عليهما السلام ) في وصيّةِ رسولِ اللّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) :
  لا تخرجْ في سَفر وحَدك فإنّ الشيطانَ مع الواحد وهو من الأثنين أبَعد (1) .
   يا علي ، إنّ الرجلَ إذا سافَر وحدَه ...
  (1) وقد عقد الشيخ الصدوق باباً في كراهة الوحدة في السفر ذكر فيها أربع روايات منها هذا الحديث الشريف ، ويليه حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في لعن ثلاثة ، الآكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده ، والراكب في فلاة وحده .
  قال السيّد ابن طاووس ، ولا تخرج وحدك في سفر فإن فعلت قلت ، ( ما شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ، اللّهمّ آنس وحشتي ، وأعنّي على وحدتي ، وأدّ غيبتي ) (1) .
  والدعاء هذا هو حديث الفقيه (2) .

-------------------------------
(1) مصباح الزائر ، ص 34 .
(2) من لا يحضره الفقيه ، ج 2 ، ص 276 ، ح 2431 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 317 _

  فهو غاو (2) والإثنان غاويان ، والثلاثةُ نَفَر (3) ؛ قال ، وروى بعضهم سَفْر (4) (5) .
  (2) الغواية في اللغة بمعنى الضلالة والخيبة ، وفسّر الغاوي هنا بالضالّ عن طريق الحقّ أو الضالّ في سفره .
  (3) النفر بفتحتين ، بمعنى العدّة والجماعة ، أي جماعة يصحّ أن يكتفي بهم في السفر .
  (4) السَفْر بفتح السين وسكون الفاء ، جمع سافر نظير صحب وصاحب ، بمعنى المسافرين ، أي مسافرون يكتفي بهم .
  (5) روضة الكافي ، ج 8 ، ص 303 ، ح 465. والمحاسن ، ص 295 ، كتاب السفر ، ح 56 ، وورد مثله في الفقيه ، ج 2 ، ص 277 ، ب 3 ، ح 2433 ، والبحار ، ج 76 ، ص 228 ، ب 47 ، ح 5 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 318 _

الوصيّة الحادية والعشرون :
   نقلها ثقة الإسلام الكليني في الكافي :
  الكافي ، عن حميد بن زياد ، عن الخشّاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذ بن ثابت ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال :
  قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يا علي ، انّ هذا الدين متين ، فأوغِل فيه برفِق (1) ، ولا تُبغّضْ إلى نفسِك عبادةَ ربِّك ، إنّ المُنْبَتّ (2) ـ يعني المفرط ـ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قَطَع (3) فاعملْ عَمَلَ من يرجُو أن يموتَ هَرَماً ، واحذر حَذَرَ من يتخوّفُ أن يموتَ غداً (4) .
  (1) أي سيروا في الدين برفق لا بتهافت .
  (2) المنبتّ بصيغة اسم المفعول ، من البتّ بمعنى القطع ، يطلق على الرجل الذي إنقطع به سفره وعطبت راحلته .
  (3) الظهر هو المركب ، أي بقى في طريقه عاجزاً عن مقصده ، ولم يصل إلى مقصوده .
  (4) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 87 ، باب الإقتصاد في العبادة ، ح 6 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 319 _

الوصيّة الثانية والعشرون :
   نقلها ثقة الإسلام الكليني في الكافي :
  الكافي ، ذكر في حديث صفات أهل الإيمان التي عهد بها النبي إلى الوصي سلام الله عليهما وآلهما أنّه جاء فيه :
  فأخْبِرني يا رسولَ اللّهِ بصفةِ المؤمن ، فَنَكّسَ رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رأسَه ثمّ رفَعَه فقال ، عشرون خصلة في المؤمنِ فإن لم تكنْ فيه لم يكملْ إيمانُه :
  إنّ من أخلاقِ المؤمنين يا علي :
  الحاضُرونَ الصّلاة ، المسارعُون إلى الزَكاة ، والمُطعمونَ المساكين ، والماسحونَ رأسَ اليتيم ، والمطهّرونَ أطمارَهم (1) والمتّزرُون على أوساطِهم (2) الذين إن حَدّثوا لم يكذبُوا ، وإن وَعَدوا لم يُخلفوا ، وإنْ ائِتُمنُوا لم يخونوا ، وإنْ تكلّموا صَدَقوا ، رهبانٌ بالليل (3) .
  (1) الأطمار جمع طمر هو الثوب البالي ، وفي الأمالي وغيره أظفارهم .
  (2) الإزار لباس معروف ، والإتزار على الوسط لعلّه بمعنى شدّ الوسط في الإزار لستر العورة كاملا وعدم إبداء شيء منها أبداً (1) .
  (3) من حيث كثرة العبادة والتهجّد لا الرهبانية المبتدعة ، بقرينة إختصاصها بالليل .

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 238 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 320 _

  أُسْدٌ بالنهار (4) صائمون النَّهار ، قائمونَ الليلِ ، لا يؤذونَ جاراً ، ولا يتأذّى بهم جارٌ (5) والذين مشيُهم على الأرضِ هونٌ (6) وخُطاهُم إلى المساجد ، وإلى بيوتِ الأرامل ، وعلى أثر الجنائز ، جَعَلنا اللّهُ وإيّاكُم من المتّقين (7) .
  (4) من حيث الشجاعة وقوّة الإيمان .
  (5) فمضافاً إلى أنّ المؤمن لا يؤذي جاره قصداً ، لا يفعل فعلا يتأذّى به جاره ، ولو كان من غير قصد إيذائه .
  (6) أي برفق ، والهون هو الرفق واللين ، والمشي بتواضع وسكينة .
  (7) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 232 ، باب المؤمن وعلاماته وصفاته ، ح 5 ، مع إختلاف يسير ، وعنه في بحار الأنوار ، ج 67 ، ص 276 ، ب 14 ، ح 4 ، وجاء في أمالي الصدوق ، ص 439 ، المجلس الحادي والثمانون ، ح 16 ، وأعلام الدين للديلمي ، ص 117 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 321 _

الوصيّة الثالثة والعشرون :
  نقلها محمّد بن همام الكاتب في التمحيص :
  التمحيص ، روى أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ، لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى يحتوي على مائة وثلاث خصال ، فعلٌ وعملٌ ونيّةٌ وظاهرٌ وباطن (1) فقال أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) ، يا رسولَ اللّهِ ما يكونُ المائةُ وثلاث خصال ؟
   فقال : يا علي من صفاتِ المؤمن أن يكونَ جوّالَ الفِكر (2) جوهريَ الذِّكْر (3) كثيراً علمُه ، عظيماً حلمُه ، جميلَ المنازعة ، كريمَ المراجعة ، أوسعَ الناسِ صدراً ، وأذلَّهم نفساً (4) .
  (1) أي أنّ تلك الخصال يكون بعضها من الأفعال والأعمال ، وبعضها من النيّات وهي مع ذلك قد تكون ظاهرةً وقد تكون باطنة .
  والفرق بين الفعل والعمل على ما في المفردات ، هو أنّ العمل ما كان صادراً بقصد ، بخلاف الفعل فالعمل أخصّ من الفعل (1) .
  (2) أي يطوف بفكره في الاُمور ، فيكون واسع الفكر .
  (3) الجوهر هو كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به ، فيكون ذكر المؤمن وما يذكره نافعاً كالجوهر .
  (4) أي يكون أذلّ الناس في نفسه وعند نفسه من جهة التواضع ، وان كان

-------------------------------
(1) المفردات ، ص 348 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 322 _

  ضحكُه تبسّماً ، وإفهامُه تعلّماً (5) مذكّر الغافل ، معلَّمَ الجاهل ، لا يؤذي من يؤذيه (6) ولا يخوضُ فيما لا يعنيه ، ولا يَشمَتُ بمصيبة ، ولا يذكُرُ أحداً بغيبة ، بريئاً من المحرّمات ، واقفاً عند الشبهات (7) ، كثيرَ العطاء ، قليلَ الأذى ، عوناً للغريب ، وأباً لليتيم ، بُشرهُ في وجهه وحُزنُه في قلبه (8) مستبشراً بفقره (9) أحلى من الشهد ، وأصلدَ من الصّلد (10) لا يكشفُ سرّاً ، ولا يهتكُ ستراً ، لطيفَ الحركات ، حُلوَ المشاهدة ، كثيرَ العبادة ، حَسَنَ الوقار ، ليَّنَ الجانب (11) طويلَ الصمت ، حليماً إذا جُهل عليه ، صبوراً على مَن أساء إليه ، يُجلّ الكبير ، ويرحمُ الصغير ، أميناً على الأمانات ، بعيداً من الخيانات ، إلفُه التُقى ، عزيزاً عند الناس .
  (5) أي يكون تفهيمه للناس بوجه التعلّم ، لا التعنّت والإلقاء في المشقّة .
  (6) بل يصفح عنه ، ويتجاوز عن مقابلته بالأذيّة .
  (7) فلا يرتكب حتّى الشبهات ، بل يقف دونها لأنّ في الشبهات عتاب ، وقد توقع الشخص في المحرّمات .
  (8) فهو وإن كان حزين القلب في الباطن لكنّه متبسّم الوجه في الظاهر .
  (9) أي فقر المال الذي هو شعار الصالحين لا فقر الدين ، فيستبشر ويفرح بهذا الفقر ، لأنّ مرارة الدنيا حلاوة الآخرة .
  (10) الحجرُ الصَّلد بسكون اللام هو الحجر الصلب الأملس ، والمؤمن أصلب من الحجر الصلب في إيمانه ، لا يداخل قلبه ريب ولا شكّ ولا جزع ، بل يكون صبوراً عند الهزاهز وواثقاً بدينه عند الشدائد .
  (11) فالمؤمن يكون لَيِّنَ العريكة غير فظّ ولا غليظ .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 323 _

  وخُلقه الحياء (12) ، كثيرُ الحذر ، قليلُ الزلَلَ ، حركاتُه أدب ، وكلامُه عجيب (13) ، مقيلُ العثرة (14) ، ولا يتّبع العورة ، وَقوراً ، صبوراً ، رضيّاً ، شكوراً ، قليل الكلام ، صدوق اللسان ، بَرّاً ، مصوناً ، حليماً ، رفيقاً ، عفيفاً ، شريفاً ، لا لَعَّانٌ ، ولا نَمَّام ، ولا كذّاب ، ولا مغتاب ، ولا سبّاب ، ولا حسود ، ولا بخيل هشّاشاً بشّاشاً (15) ، لا حسّاس ، ولا جسّاس (16) ، يَطلبُ من الاُمور أعلاها ومن الأخلاقِ أسناها ، مشمولا بحفظِ اللّه ، مؤيّداً بتوفيقِ اللّه ، ذا قوّة في لين ، وعزمة في يقين ، لا يَحيف (17) على من يبغض .
  (12) أي من أخلاقه الحياء ، وفي المستدرك ، حلفه الحياء ، أي أنّه محالف وملازم للحياء .
  (13) أي يعجب المستمعين بحُسنه .
  (14) العثرة هي الزلّة والخطيئة ، وإقالتها هي المسامحة والتجاوز عنها من الإقالة ، وهي المسامحة والموافقة على النقض .
  (15) من الهشاشة والبشاشة ، وهي طلاقة الوجه وحسن اللقاء .
  (16) من التحسّس والتجسّس. قيل معناهما واحد ، وهو التفتيش والبحث عن بواطن الاُمور وتتبّع الأخبار ، وقد يفرّق بينهما بأنّ التجسّس أكثر ما يقال في الشرّ بخلاف التحسّس ، فالجاسوس هو صاحب الشرّ كما أنّ الناموس هو صاحب سرّ الخير ، وقيل التجسّس بالجيم أن يطلبه لغيره ، والتحسّس بالحاء أن يطلبه لنفسه ، وقيل أيضاً بالجيم هو البحث عن العورات ، وبالحاء هو الإستماع لحديث القوم (1) .
 (17) من الحيف بمعنى الظلم والجور ، يقال حاف في حكمه أي جارَ فيه .

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 323 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 324 _

  ولا يأثم في مَنْ يُحبّ ، صبورٌ في الشدائد ، لا يجور ، ولا يعتدي ، ولا يأتي بما يشتهي ، الفقرُ شعارُه (18) ، والصبرُ دثارُه (19) ، قليلُ المؤونة ، كثيرُ المعونة ، كثيرُ الصيام ، طويلُ القيام ، قليل المنام ، قلبه تقيّ ، وعلمهُ زكيّ ، إذا قَدَر عفا ، وإذا وَعَد وفى ، يصومُ رغباً ، ويُصلّي رهباً ، ويُحسِنُ في عمله كأنّه ناظر إليه ، غضّ الطَّرْف (20) ، سخيُّ الكفّ ، لا يردُّ سائلا ولا يبخلُ بنائل (21) ، متواصلا إلى الإخوان ، مترادفاً إلى الإحسان ، يَزِنُ كلامَه ، ويُخرسُ لسانَه (22) ، لا يغرقُ في بغضه ، ولا يهلكُ في حُبّه ، لا يقبل الباطلَ من صديقه ، ولا يردّ الحقَّ من عدوّه ، ولا يتعلّم إلاّ ليعلم ، ولا يعلم إلاّ ليعمل ، قليلا حقدُه ، كثيراً شكرُه ، يطلب النهار معيشته ، ويبكي الليل على خطيئتِه ، إنْ سَلَكَ مع أهل الدنيا كان ...
  (18) الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد يُسمّى بالشعار لأنّه يلي الشعر ، وفي حديث مناجاة موسى بن عمران ( عليه السلام ) ( يا موسى ، إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحباً بشعار الصالحين ) كما تلاحظه مع ما يخصّه من معنى الفقر في الحديث (1) .
  (19) الدثار هو الثوب الذي يُلبس فوق الشعار ، يقال تدثّر بثيابه أي لبسها .
  (20) أي يغضّ ويخفض عينه عمّا حرّم الله النظر إليه .
  (21) نائل وجمعه نوائل هي العطيّة .
  (22) فيكفّ عمّا لا يحلّ التكلّم به .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 72 ، ص 1 ، ب 94 ، في فضل الفقر والفقراء وحبّهم ومجالستهم والرضا بالفقر .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 325 _

  أكيسَهم (23) وإنْ سلكَ مع أهل الآخرةِ كان أورعَهم ، لا يرضى في كسبِه بشُبهة ، ولا يعملُ في دينِه برخصة (24) ، يَعطِفُ على أخيه بزلّتِه ويَرعى (25) ما مضى من قديمِ صحبته (26) .
  (23) الكيّس هو العاقل ، قيل هو مأخوذ من الكَيْس بفتح الكاف وسكون الياء المخفّفة ، بمعنى العقل والفطانة وجودة القريحة (1) .
  (24) أي لا يتساهل فيه ، من الرخصة بمعنى التسهيل في الأمر ورفع التشديد فيه .
  (25) في المستدرك ، ( ويرضى ) .
  (26) كتاب التمحيص لأبي علي محمّد بن همام الكاتب المتوفّى سنة 336هجـ ، ص 74 ، ح 171 ، ورواه في المستدرك ، ج 11 ، ص 178 ، ح 22 ، المسلسل 12686 ، في أبواب جهاد النفس ، الباب الرابع في إستحباب ملازمة الصفات الحميدة .

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 332 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 326 _

الوصيّة الرابعة والعشرون :
   نقلها عبدالكريم بن طاووس الحلّي في فرحة الغري :
  فرحة الغري (1) عن يحيى بن سعيد ، عن محمّد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني ، عن الحسين بن رطبة ، عن أبي علي بن شيخ الطائفة ، عن أبيه ، عن المفيد ، عن محمّد بن أحمد بن داود ، عن محمّد بن علي بن الفضل ، عن الحسين بن محمّد بن الفرزدق ، عن علي بن موسى [ بن ] الأحول ، عن محمّد بن أبي السري ، عن عبدالله بن محمّد البلوي ، عن عمارة بن يزيد ، عن أبي عامر التباني واعظ أهل الحجاز قال ، أتيت أبا عبدالله جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) وقلت له ، يابن رسول الله ما لمن زار قبرَه يعني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وعمَّرَ تربته ؟
  قال ، يا أبا عامر حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه الحسين بن علي ، عن علي ( عليهم السلام ) أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال له : واللّهِ لتُقتَلَنَّ بأرضِ ...
  (1) رواه السيّد ابن طاووس بطريق آخر عن نصير الدين الطوسي ، عن والده ، عن القطب الراوندي ، عن ذي الفقار بن معبد ، عن شيخ الطائفة ، عن المفيد ، عن محمّد بن أحمد بن داود ، عن إسحاق بن محمّد ، عن زكريا بن طهمان ، عن الحسن بن عبدالله بن المغيرة ، عن علي بن حسّان ، عن عمّه عبد الرحمن ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ...
  وكذا رواه بسند ثالث بالإسناد المتقدّم عن محمّد بن أحمد بن داود ، عن محمّد بن علي بن الفضل ، عن أبي أحمد إسحاق بن محمّد المقريء المنصوري مولى المنصور ، عن أحمد بن زكريا بن طهمان مثله .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 327 _

  العراق (2) وتُدفنُ بها (3) قلتُ ، يا رسولَ اللّه .
  (2) فقد استشهد صلوات الله عليه في العراق ، في محراب مسجد الكوفة ، كما صرّحت بذلك مصادر الخاصّة والعامّة مثل أمالي الشيخ الطوسي .
   (1) ، مصباح الزائر (2) ، بحار الأنوار (3) ، تحفة الزائر (4) ، مطلوب الزائرين (5) ، تنقيح المقال (6) ، منتخب التواريخ (7) ، دائرة المعارف (8) ، كتاب الفضائل (9) لأحمد بن حنبل ، كنز العمّال (10) للمتّقي الهندي ، مقتل (11) ابن أبي الدنيا .
  (12) فقد دفن جثمانه الطاهر في ظهر الكوفة بالغريّ ، عند الذكوات البيض ، في النجف الأشرف ، حيث روضته المقدّسة الآن محفوفة بالنور ، وقد اتّفقت الشيعة نقلا عن أئمّتهم ( عليهم السلام ) انّه لم يدفن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلاّ في الغري في الموضع المعروف الآن والأخبار بذلك متواترة كما أفاده المحدّث القمي .

-------------------------------
(1) أمالي الطوسي ، ج 3 ، ص 18 .
(2) مصباح الزائر ، ص 464 .
(3) بحار الأنوار ، ج 40 ، ص 281 .
(4) تحفة الزائر ، ص 120 .
(5) مطلوب الزائرين ، ص 10 .
(6) تنقيح المقال ، ج 1 ، ص 186 .
(7) منتخب التواريخ ، ص 140 .
(8) دائرة المعارف ، ص 19 .
(9) الفضائل ، ص 38 ، ح 63 .
(10) كنز العمّال ، ج 15 ، ص 170 ، ح 497 .
(11) مقتل ابن أبي الدنيا ، ص 30 ، ح 5 .
(12) سفينة البحار ، ج 7 ، ص 205 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 328 _

  ما لمن زار قبورَنا وعمّرَها وتعاهدَها (4) ؟
  فقال لي : يا أبا الحسن إنّ اللّه تعالى جعلَ قبرَك وقبرَ ولدِك بقاعاً من بقاعِ الجنّة ، وعرصةً من عَرَصاتها ، وإنّ اللّهَ جعلَ قلوبَ نجباء من خلقه وصفوة من عبادِه تحنُّ إليكم ، وتحتمل المذلّةَ والأَذى ، فيعمّرونَ قبورَكم ، ويُكثِرُون زيارتَها تقرّباً منهم إلى اللّه ، ومودّةً منهم لرسولِه (5) اُولئك ، يا علي المخصوصُون بشفاعتي ، الواردون حوضي ، هم زوّاري غداً في الجنّة.
  يا علي ، مَنْ عَمَّر قبورَكم وتعاهدَها فكإنّما أعانَ سليمانَ بن داود على بناء بيتِ المقدّس ، ومن زار قبورَكم عَدَلَ ذلك ثوابَ سبعين حجّة بعد حجّةِ الإسلام ، وخرجَ من ذنوبِه حتّى يرجع من زيارتِكم كيوم ولدتْهُ أُمُّه ، أَبْشِرْ ، وبشِّرْ أولياءَك ومحبّيكَ من النعيم وقرّةَ العين (6) بما لا عينَ رَأَت ولا أُذُنَ سَمِعَت ولا خَطَر على قلبِ بَشَر .
  (4) التعاهد هو التحفّظ بالشيء وتجديد العهد به .
  (5) في حديث الوشا قال ، سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول ، ( إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم ، وتصديقاً بما رغبوا فيه ، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة ) (1) .
  (6) أي ما يسرّ العين ، ببلوغ الاُمنية ، ورؤية ما يشتاق إليه مع رضا النفس وسكون العين .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 100 ، ص 116 ، ب 2 ، ح 1 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 329 _

  ولكن حُثالةٌ (7) من الناس يعيِّرون زوّارَكم (8) كما تُعيَّر الزانيةُ بزناها (9) ، اُولئك شرارُ أُمّتي ، لا أنالهُم اللّهُ شفاعتي ، ولا يَرِدون حوضي (10) (11) .
  (7) الحثالة بضمّ الحاء ، الرديء من كلّ شيء ، ويقال ، هو من حثالتهم أي ممّن لا خير فيه منهم ، والأصل في الحثالة ما يسقط من قشر الشعير والأرز والتمر ونحو ذلك (1) .
  (8) في البحار والمستدرك ، زوّار قبوركم .
  (9) بيان شدّة تعيير الأعداء الحُثالة لهذه السُنّة والزيارة .
  (10) وهذا من أسوء الجزاء لتلك الحثالة ، فانّ من لا يرد حوض الكوثر ، يكون مصيره إلى العقاب الأكبر .
   ومن المستحسن جدّاً ملاحظة فضل زيارة الهداة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين بأحاديثها الكثيرة الواردة في مصادرنا الحديثية (2) .
  من ذلك ، حديث واحد نتبرّك به وهو حديث الكافي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال :
  يا علي ، من زارني في حياتي أو بعد موتي ، أو زارك في حياتك أو بعد موتك ، أو زار إبنيك في حياتهما أو بعد موتهما ، ضمنت له يوم القيامة أن اُخلّصه من أهوالها وشدائدها حتّى اُصيّره معي في درجتي (3) .
  هذا مضافاً إلى أبلغ المثوبات في زيارة الأئمّة الهداة عليهم أفضل الصلوات

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 468 .
(2) فروع الكافي ، ج 4 ، ص 548 ـ 589 ، في أبواب الزيارات .
(3) الكافي ، ج 4 ، ص 579 ، ح 2 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 330 _

  التي تلاحظها مجموعة مفصّلة في كتاب كامل الزيارات ، في أبوابها الكثيرة المشتملة على فضل زيارة أمير المؤمنين ، وسيّد الشهداء الحسين وأولاده الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين في أحاديث تزيد على حدّ التواتر عند الخاصّة ، بل وحتّى عند العامّة تواتر الحديث في الحثّ على زيارة الرسول (ص) الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورجحانه وإستحبابه ومندوبيته ، بل حصول الجفاء بتركه ، كما تلاحظه في ما أحصاه من كتبهم شيخنا العلاّمة الأميني في كتاب الغدير ، ج 5 ، ص 93 / 143 .
  (11) فرحة الغري للسيّد أبي المظفّر غياث الدين عبدالكريم بن طاووس الحلّي المتوفّى سنة 692 هجرية ، ص 76 ، وورد الحديث في التهذيب ، ج 6 ، ص 22 ، ب 7 ، ح 7 ، المسلسل 50 ، وعنه بحار الأنوار ، ج 100 ، ص 120 ، ب 2 ، ح 22 ، وعنه المستدرك ، ج 10 ، ص 214 ، ب 17 ، ح 1 ، المسلسل 11887 .