الكاذبة والأهواءِ الساهية (14) ، فيستحلَّونَ الخَمرَ بالنَّبيذ (15) ، (14) أي الأهواء الغافلة ، فبسبب متابعتهم أهوائهم وشبهاتهم يستحلّون المحرّمات .
  ثمّ بيّن صلوات الله عليه وآله كيفية إستحلالهم الحرام ومواردها .
  (15) أي زعموا أنّ النبيذ ليس بخمر فحكموا بحلّيته ، فكانوا مستحلّين للخمر وشاربين لها بواسطة شرب النبيذ والحال أنّ النبيذ خمرٌ موضوعاً وحكماً .
  إذ الخمر عبارة عمّا يخمّر العقل ـ أي يستره ويغطّيه ـ فيشمل النبيذ الذي هو منقوع التمر حتّى ينشّ ماؤه فيسكر في أثره .
  على أنّ الحرمة منصوصة في النبيذ عموماً وخصوصاً .
  ففي حديث الطبري بإسناده عن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) قالت ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( ياحبيبة أبيها ، كلّ مسكر حرام ، وكلّ مسكر خمر ) (1) .
  وفي حديثي عبد الرحمن بن الحجّاج وعلي بن جعفر بن إسحاق الهاشمي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( الخمر من خمسة ، العصير من الكَرْم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمزر من الشعير ، والنبيذ من التمر ) (2) .
  بل شأن نزول آية تحريم الخمر كان شرب النبيذ كما تلاحظه في حديث أبي الجارود أنّ مخالفاً من الصحابة شرب النبيذ فسكر وجعل يبكي على قتلى المشركين من أهل بدر فسمعه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال ، اللهمّ أمسك على لسانه ثمّ نزلت آية التحريم (3) .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 487 ، ب 1 ، ح 18 .
(2) فروع الكافي ، ج 6 ، ص 392 ، باب ما يتّخذ من الخمر ، ح 1 و 3 .
(3) بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 487 ، ب 1 ، ح 21 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 272 _

  والسُحتَ بالهديّة (16) ، والرِّبا بالبيع (17) .
  فقلت ، يا رسولَ اللّه بأيِّ (18) المنازلِ أُنزِلُهم عندَ ذلك ؟ أبمنزلةِ ردّة أم بمنزلةِ فتنة (19) ؟ فقال ...
  (16) أي يستحلّون السحت باسم الهدية .
  والسحت هنا هي الرشوة في الحكم كمّا فسّر في حديث يزيد بن فرقد عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) (1) وتقدّم أنّ السحت هو ، كلّ ما لا يحلّ كسبه ، وإشتقاقه من السَّحت وهو الإستيصال ، يقال ، سحته وأسحته أي استأصله ، ويسمّى الحرام به لأنّه يعقّب عذاب الإستيصال ، وقيل لأنّه لا بركة فيه لأنّه يُسحت مروّة الإنسان (2) .
  وقال في الفروق ، الفرق بين الحرام والسحت ، أنّ السحت مبالغة صفة الحرام (3) .
  (17) أي يستحلّون الربا باسم البيع ، ويجعلون البيع وسيلة إلى أخذ تلك الزيادة ويزعمون حلّيتها .
  والربا في اللغة هي الزيادة ، وفي الشرع هي الزيادة على رأس المال من أحد المتساويين جنساً ممّا يكال أو يوزن في المعاملة .
  وكذا الزيادة في القرض وهو أن يدفع أحد إلى آخر مالا على أن يردّ عليه أكثر منه .
  (18) في طبعة صبحي الصالح ، ( فبأيّ ) .
  (19) هل يُسار فيهم بالسيرة مع الكفّار والمرتدّين ، أو بما يعامل به المفتونين والمنحرفين ؟

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 62 ، ب 5 ، ح 4 .
(2) مجمع البحرين ، ص 145 .
(3) الفروق اللغوية ، ص 192 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 273 _

  بمنزلةِ فتنة (20) .
  (20) وذلك لإظهارهم الشهادتين ، وإنْ ارتكبوا أعظم المحرّمات. فيجري عليهم في الظاهر أحكام الإسلام ، وإنْ كانوا في الباطن من أخبث الكفّار اللئام ، بل الخارجون منهم على إمام زمانهم يتّصفون بالكفر الحقيقي بلا خصام. فالباغون على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والمحاربون معه كفّار بلا إشكال دليلا متواتراً ، وفتوىً إجماعاً كما تلاحظ الدليل في الأحاديث (1) .
  مثل الحديث المسند عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، يا معشر المسلمين ! قاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا إيمان لهم لعلّهم ينتهون ، ثمّ قال ، هؤلاء القوم هم وربّ الكعبة ، يعني أهل صفّين والبصرة والخوارج .
  وكما تلاحظ الإجماع فيما أفاده شيخ الطائفة الطوسي ( قدس سره ) (2) بما حاصله :
  ( عندنا أنّ من حارب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وضرب وجهه ووجه أصحابه بالسيف كافر ، والدليل المعتمد في ذلك ، إجماع الفرقة المحقّة من الإمامية على ذلك فإنّهم لا يختلفون في هذه المسألة على حال من الأحوال ، وقد دللنا على أنّ إجماعهم حجّة فيما تقدّم .
  وأيضاً فنحن نعلم أنّ من حاربه كان منكراً لإمامته ودافعاً لها ، ودفع الإمامة كفر ، كما أنّ دفع النبوّة كفر ، لأنّ الجهل بهما على حدّ واحد .
  وقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال ، ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) وميتة الجاهلية لا تكون إلاّ على كفر (3) .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 32 ، ص 319 ، ب 8 ، الأحاديث .
(2) تلخيص الشافي ، ج 3 ، ص 107 .
(3) لاحظ صحيح مسلم شرح النووي ، ج 12 ، ص 240 ، ومسند أحمد بن حنبل ، ج 2 ، ص 83 ، وحلية الأولياء لأبي نعيم ، ج 3 ، ص 224 ، وكنز العمّال للمتّقي الهندي ، ج 3 ، ص 200 ، وسنن البيهقي ، ج 8 ، ص 156 ، وتفسير ابن كثير ، ج 1 ، ص 517 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 274 _

  وأيضاً روى عنه أنّه قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( حربك يا علي حربي وسلمك يا علي سلمي ) (1) .
  ومعلوم أنّه أراد أنّ أحكام حربك تماثل أحكام حربي ...
  ويدلّ على ذلك أيضاً قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ) (2) .
  ونحن نعلم أنّه لا تجب عداوة أحد بالإطلاق إلاّ عداوة الكفّار ... ) .

-------------------------------
(1) مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي ، ص 50 ، ينابيع المودّة للقندوزي ، ص 81 ، المناقب للخوارزمي ، ص 76 ، ميزان الإعتدال ، ج 1 ، ص 35 ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي ، ج 4 ، ص 221 .
(2) في حديث الغدير الشريف الذي تلاحظ مصادره المتواترة في كتاب الغدير ، ج 1 ، ص 14 و 62 و 73 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 275 _

الوصيّة الثانية عشرة :
   نقلها الشريف الرضي في نهج البلاغة :
  نهج البلاغة قال عليه السلام :
  إذا قُمتَ في صلاتِك للناسِ فلا تكونَنَّ مُنفِّراً ولا مُضَيِّعاً (2) ، فإنّ في الناسِ من بِهِ العلّةُ ولهُ الحاجة (3) ، وقد سألتُ رسولَ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حينَ وجّهني إلى اليَمن كيفَ اُصلّي بهم ؟ فقال ، صلِّ بهم كصلاةِ أضعفِهم (4) .
  (1) هذا من جملة ما ورد في عهد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لمالك بن الحارث الأشتر النخعي حينما ولاّه مصر ، وهو أطول عهد محتوىً ، وأجمعه محاسناً ، وأتمّ دستور للراعي والرعيّة ، وقد ورد هذا العهد الشريف في نهج البلاغة .
  ذكر فيه وصيّة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) له ( عليه السلام ) في صلاته بالناس حينما وجّهه إلى اليمن .
  جاء فيها التوصية بمراعاة الناس إلى جانب الإعتناء بالعبادة .
  (2) أي لا تكوننّ منفِّراً بالتطويل في الصلاة بحيث يوجب نفرة الناس .
  ولا مضيِّعاً للصلاة بتأخيرها عن أوقات الفضيلة والتقصير في الآداب.
  (3) هذا تعليل قوله ( عليه السلام ) ، ( فلا تكوننّ ) .
  (4) مراعاة لحال أضعف المأمومين وهو إحسانٌ إلى المؤمنين ، وقد عقد المحدّث الحرّ العاملي باباً لإستحباب تخفيف الإمام صلاته إذا كان معه من يضعف عن

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 276 _

  وكنْ بالمؤمنينَ رحيماً ) (5) (6) .
  الإطالة فلاحظ (1) .
  (5) هذا من تتمّة الحديث النبوي الشريف ظاهراً ، لكن احتمل بل إستظهر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (2) أن يكون من كلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من الوصيّة للأشتر ، قال ، لأنّ اللفظة الاُولى عند أرباب الحديث هي المشهور في الخبر .
  هذا ومن الجدير بالإلفات مراجعة كلّ إنسان يهتدي بالبيان هذا العهد المبارك والاستضاءة بنوره ، وقد تجلّت فيه أسمى آيات العدالة الإسلامية ، والإدارة الدينية ، والتدابير الإنسانية .
  وتلاحظ المصادر والشروح والأسانيد المبيَّنة له في مصادر نهج البلاغة وأسانيده (3) .
  (6) نهج البلاغة ، ج 3 ، ص 114 ، رقم 53 ، من الطبعة المصرية .

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 469 ، ب 69 ، وذكر فيه هذه الوصيّة في الحديث الثامن من الباب .
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 17 ، ص 90 .
(3) مصادر نهج البلاغة وأسانيده ، ج 3 ، ص 224 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 277 _

الوصيّة الثالثة عشرة :
   نقلها الشريف الرضي في نهج البلاغة :
  نهج البلاغة ، قال ( عليه السلام ) :
  لو ضربتُ خيشومَ (1) المؤمن بسيفي هذا على أن يُبغضَني ما أبغضني ، ولو صببتُ الدنيا بجَمّاتها (2) على المنافقِ على أن يحبَّني ما أحبّني ، وذلك أنّه قُضي فانقضى على لسانِ النبيِ الاُمّي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : يا علي ، لا يُبغضُكَ مؤمنٌ ، ولا يحبُّكَ منافق (3) (4) .
  (1) الخيشوم وجمعه خياشيم هو أقصى الأنف ، ومنهم من يطلقه على الأنف أيضاً (1) .
  (2) الجمّات جمع جَمّة بفتح الجيم وهو مجتمع الماء من الأرض ، وهذه إستعارة عن أنّه لو صببت الدنيا بجمّاتها جليلها وحقيرها إحساناً إلى المنافق ما أحبّني .
  (3) وهذا خير معيار وأحسن محك لتمييز المؤمن الحقيقي عن المنافق الذي يُظهر الإسلام ويبطن الكفر ، لأنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو المرآة الصافية ، والآية الباقية لتشخيص المؤمن وكشف الإيمان .
  فهو الحقيقة المحضة والحجّة القاطعة ، الذي لا يجتمع بغضه مع الإيمان ، ولا حبّه مع النفاق ، فحبّ علي ( عليه السلام ) إيمان وبغضه كفر ونفاق ، فمحبّة علي ( عليه السلام ) علامة الإيمان وشعار المؤمن ، فالعهد المعهود من الله تعالى على لسان رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) انّه لا يبغضه مؤمن ،

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 514 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 278 _

  ولا يحبّه منافق .
  وقد جاء نقل هذا الحديث الشريف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصّاً ومضموناً ، متظافراً بل متواتراً عن طريق الخاصّة والعامّة ، كما تلاحظه في غاية المرام (1) ، ونقله في إحقاق الحقّ (2) ، عن جماعة كثيرة من أعلام العامّة منهم من يلي ذكرهم مع ثبت المصادر التي ذكرها منهم ، وهم :
  أحمد بن حنبل في مسنده (3) ، والبيهقي في المحاسن والمساويء (4) ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة (5) ، وابن أبي الحديد في شرح النهج (6) ، والطبري في الرياض (7) ، والذهبي في الميزان (8) ، وابن كثير في البداية (9) ، والخطيب التبريزي في المشكاة (10) ، وابن حجر في فتح الباري (11) ، والمنّاوي في كنوز الحقائق (12) ، والبدخشي في مفتاح النجا (13) ،

-------------------------------
(1) غاية المرام ، ص 610 ـ 612 ، ب 81 و 82 ، الأحاديث .
(2) إحقاق الحقّ ، ج 7 ، ص 189 / 212 .
(3) مسند أحمد بن حنبل ، ج 6 ، ص 292 ، ط الميمنية بمصر .
(4) المحاسن والمساويء ، ص 41 ، ط بيروت .
(5) تذكرة خواص الاُمّة ، ص 32 .
(6) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ، ج 4 ، ص 221 ، ط القاهرة .
(7) الرياض النضرة ، ج 2 ، ص 214 ، ط مصر .
(8) ميزان الإعتدال ، ج 2 ، ص 53 ، ط القاهرة .
(9) البداية والنهاية ، ج 7 ، ص 254 ، ط مصر .
(10) مشكاة المصابيح ، ص 564 ، ط دهلي .
(11) فتح الباري ، ج 7 ص 57 ، ط البهيّة بمصر .
(12) كنوز الحقائق ، ص 192 ، ط بولاق بمصر .
(13) مفتاح النجا ، ص 62 ، مخطوط .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 279 _

  والقندوزي في ينابيع المودّة (1) ، والدهلوي الهندي في تجهيز الجيش (2) ، والخيراني في سعد الشموس (3) ، والتيهاني في الفتح الكبير (4) ، والأمرتسري في أرجح المطالب (5) ، والشعراني في الطبقات الكبرى (6) ، ومسلم بن الحجّاج في صحيحه (7) ، وابن ماجة في سنن المصطفى (8) ، والترمذي في صحيحه (9) ، والنسائي في الخصائص (10) ، وابن أبي حاتم في علل الحديث (11) ، والحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث (12) ، وأبو نعيم الإصبهاني في حلية الأولياء (13) ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (14) ، وابن عبدالبرّ في

-------------------------------
(1) ينابيع المودّة ، ص 47 ، ط استانبول .
(2) تجهيز الجيش ، ص 91 ، مخطوط .
(3) سعد الشموس ، ص 210 ، ط القاهرة .
(4) الفتح الكبير ، ج 3 ، ص 355 .
(5) أرجح المطالب ، ص 512 ، ط لاهور .
(6) الطبقات الكبرى ، ج 1 ، ص 17 ، ط القاهرة .
(7) صحيح مسلم ، ج 1 ، ص 60 ، ط صبيح بمصر .
(8) سنن المصطفى ، ج 1 ، ص 55 ، ط التازية بمصر .
(9) صحيح الترمذي ، ج 13 ، ص 177 ، ط الصادي بمصر .
(10) الخصائص ، ص 27 ، ط التقدّم بمصر .
(11) علل الحديث ، ج 2 ، ص 400 ، ط السلفية بمصر .
(12) معرفة علوم الحديث ، ص 180 ، ط القاهرة .
(13) حلية الأولياء ، ج 4 ، ص 185 ، ط السعادة بمصر .
(14) تاريخ بغداد ، ج 2 ، ص 255 ، ط السعادة بمصر .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 280 _

  الإستيعاب (1) ، وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (2) ، والبغوي في مصابيح السنّة (3) ، والزمخشري في ربيع الأبرار (4) مع نقل الكلام بكامله ، والخوارزمي في المناقب (5) ، وابن الأثير في جامع الاُصول (6) ، والدمشقي في الأذكار (7) ، وابن تيمية في منهاج السنّة (8) ، والخازن في التفسير (9) ، والذهبي في موضع آخر من ميزان الإعتدال (10) ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (11) ، وابن الربيع في التيسير (12) ، والهندي في منتخب كنز العمّال بهامش المسند (13) ، والقرماني في أخبار الدول (14) ، والهروي في الأربعين (15) ،

-------------------------------
(1) الإستيعاب ، ج 2 ، ص 461 ، ط حيدر آباد الدكن .
(2) طبقات الحنابلة ، ج 1 ، ص 320 ، ط القاهرة .
(3) مصابيح السنّة ، ج 1 ، ص 201 ، ط الخيرية بمصر .
(4) ربيع الأبرار ، ج 1 ، ص 401 ، ط بيروت .
(5) مناقب الخوارزمي ، ص 228 ، ط تبريز .
(6) جامع الاُصول ، ج 9 ، ص 473 ، ط السنّة المحمّدية بمصر .
(7) الأذكار ، ص 355 ، ط القاهرة .
(8) منهاج السنّة ، ج 3 ، ص 17 ، ط القاهرة .
(9) تفسير الخازن ، ج 2 ، ص 180 ، ط مصر .
(10) ميزان الإعتدال ، ج 1 ، ص 334 ، ط القاهرة .
(11) تاريخ الخلفاء ، ص 66 ، ط الميمنية بمصر .
(12) التيسير ، ج 2 ، ص 147 ، ط نول كشور في كانفور .
(13) منتخب كنز العمّال ، ج 5 ، ص 3 .
(14) أخبار الدول ، ص 102 ، ط بغداد .
(15) الأربعين ، ص 54 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 281 _

  والنابلسي في ذخائر المواريث (1) ، والصبّان في إسعاف الراغبين (2) ، والحضرمي في القول الفصل (3) ، والنبهاني في الشرف المؤبّد لآل محمّد (4) ، والساعاتي في بدائع المنن (5) ، والمغربي في إتحاف ذوي النجابة (6) ، والخمراوي في مشارق الأنوار (7) ، والطحاوي في مشكل الآثار (8) ، واليحصبي في الشفاء (9) ، والدمشقي في نقد عين الميزان (10) ، والتونسي في السيف اليماني المسلول (11) .
   4 ورد هذا الكلام الشريف في كلماته القصار الحكيمة في نهج البلاغة ، ج 3 ، ص 163 ، باب القصار من الحكم ، الرقم 45 .

-------------------------------
(1) ذخائر المواريث ، ج 3 ، ص 15 .
(2) إسعاف الراغبين ، ص 173 ، من المطبوع بهامش نور الأبصار .
(3) القول الفصل ، ص 63 ، ط الحدّاد .
(4) الشرف المؤبّد لآل محمّد ، ص 113 ، ط مصر .
(5) بدائع المنن ، ج 2 ، ص 503 .
(6) إتحاف ذوي النجابة ، ص 154 ، ط مصطفى الحلبي بمصر .
(7) مشارق الأنوار ، ص 122 ، ط مصر .
(8) مشكل الآثار ، ج 1 ، ص 48 ، ط حيدر آباد الدكن .
(9) الشفاء ، ج 2 ، ص 41 .
(10) نقد عين الميزان ، ص 14 ، ط مطبعة المجلّة القيموية .
(11) السيف اليماني المسلول ، ص 49 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 282 _

الوصيّة الرابعة عشرة :
نقلها سليم بن قيس الهلالي في : كتابه   من الوصايا النبوبة الوصيّة المستفادة ضمناً ممّا أوصى به أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن ( عليهما السلام ) فيما روى ثقة الإسلام الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ابن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أُذينة ، عن أبان ، عن سليم ابن قيس [ الهلالي ] (1) قال :
  (1) تشتمل هذه الوصيّة العلوية الشريفة على وصيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالنسبة إلى كتبه وسلاحه ودفع ودائع النبوّة والإمامة ، ثمّ ما أوصى به هو ( عليه السلام ) بوصيّته الجامعة عند إستشهاده .
  وقد جاءت هذه الوصيّة في كتاب سليم بن قيس الهلالي الكوفي (1) ، وروى عنه في الكافي (2) ، والفقيه (3) ، والتهذيب (4) ، وإعلام الورى (5) ، وبحار الأنوار (6) ، وإثبات الهداة (7) .

-------------------------------
(1) كتاب سليم بن قيس ، ج 2 ، ص 924 ، ح 69 .
(2) اُصول الكافي ، ج 1 ، ص 297 ، ح 1 .
(3) من لا يحضره الفقيه ، ج 4 ، ص 189 ، ح 5433 .
(4) التهذيب ، ج 9 ، ص 176 ، ب 6 ، ح 14 ، المسلسل 714 .
(5) إعلام الورى ، ص 207 .
(6) بحار الأنوار ، ج 42 ، ص 212 ، ب 127 ، ح 12 .
(7) إثبات الهداة ، ج 1 ، ص 445 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 283 _

  شهدت وصيّة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حين أوصى إلى إبنه الحسن ( عليه السلام ) وأَشهد على وصيّته الحسين ومحمّداً ( عليهما السلام ) وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته (2) .
  والحديث من حيث السند حسن بل صحيح كما وصفه به العلاّمة المجلسي (1) واعتبره والده (2) .
  وكتاب سليم بن قيس لا شكّ في إعتباره ومقبوليته وإعتماد أكابر المحدّثين المتقدّمين كالكليني والصدوق وغيرهما وإسناد شيخ الطائفة والنجاشي إلى كتابه وعدّه المحدّث الحرّ العاملي في الفائدة الرابعة من خاتمة الوسائل من الكتب المعتمدة التي قامت القرائن على ثبوتها وتواترت عن مؤلّفيها أو علمت صحّة نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيه شكّ. بل ذكر النعماني في كتاب الغيبة في باب ما روي أنّ الأئمّة إثنا عشر ، ( إنّ كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الاُصول التي رواها أهل العلم حملة حديث أهل البيت ( عليهم السلام ) ... وهو من الاُصول التي ترجع الشيعة إليها وتعوّل عليها ) ، بل في حديث أبان أنّه عُرض على مولانا الإمام السجّاد ( عليه السلام ) وقرأ عليه ثلاثة أيّام فقال ( عليه السلام ) ، ( صدق سليم ( رحمه الله ) ، هذا حديثنا كلّه نعرفه ) كما تلاحظه في مفتتح الكتاب (3) .
  (2) في كتاب سليم ، وأهل بيته ورؤساء شيعته .

-------------------------------
(1) مرآة العقول ، ج 3 ، ص 291 .
(2) روضة المتّقين ، ج 11 ، ص 36 .
(3) مفتتح الكتاب ، ج 1 ، ص 87 ، و ج 2 ، ص 559 ، نقله عن مصادر عديدة منها رجال الكشّي ، ص 104 ، ح 167 ، وجاء في وسائل الشيعة ، ج 18 ، ص 72 ، ب 8 ، ح 78 ، وإثبات الهداة ، ج 1 ، ص 663 ، والبحار ، ج 1 ، ص 76 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 284 _

  ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح (3) وقال لإبنه الحسن ( عليه السلام ) :
  يا بُنيّ (4) أمَرَني رسولُ اللّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنْ أُوصيَ إليكَ وأنْ أدفعَ إليكَ كُتُبي وسلاحي (5) كما أوصى إليَّ رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم )
  (3) قال العلاّمة المجلسي ، والمراد بالكتاب الجنس أي جميع ما في الجفر الأبيض من الكتب ، وكذا المراد بالسلاح جميع ما في الجفر الأحمر من الأسلحة (1) .
  وقد بيّن ما عندهم من الكتب ، فجاء في حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ( ... وأمّا الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولن يخرج حتّى يقوم قائمنا أهل البيت ...
  وأمّا الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الاُولى ... ) (2) .
  (4) في كتاب سليم ، ثمّ قال ، يابني .
  (5) وهي ظاهراً مواريث الأنبياء وكتبهم السماوية التي وصلت إليه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وسلاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، السيف والدرع والمغفر التي هي من مختّصات الأئمّة وتدور حيث دارت الإمامة ، مع سيفه المخذِم ، وسيف أمير المؤمنين ذي الفقار الذي هبط به جبرائيل ( عليه السلام ) من الجنّة يوم أُحد ، وراية رسول الله العقاب ، ورايته المغلِّبة التي لا تنشر إلاّ ويكون معها النصر والغلبة .
   بالإضافة إلى الكتب الاُخرى مثل كتاب مصحف فاطمة ( عليها السلام ) الذي فيه ما يكون من حادث وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة ، والجامعة التي هي كتاب طوله سبعون ذراعاً فيها من

-------------------------------
(1) مرآة العقول ، ج 3 ، ص 291 .
(2) بحار الأنوار ، ج 26 ، ص 18 ، ب 1 ، ح 1 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 285 _

  ودَفعَ إليَّ كتبَهُ وسلاحَهُ وأمَرني أن آمَركَ إذا حَضَركَ الموتُ أن تدفَعها إلى أخيك الحُسين ( عليه السلام ) ، ثمّ أقْبَلَ على إبنه الحسين ( عليه السلام ) فقال ، وأمَركَ رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنْ تدفَعها إلى إبنِك علي بِن الحسين (6) هذا ، ثمّ أخذ بيدِ عليِّ بن الحسين ( عليه السلام ) ثمّ قال لعلي بن الحسين ، وأمركَ رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تدفَعَها إلى إبنِك محمّد ابن علي واقرأْهُ من رسولِ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومنّي السلام (7) .
  إملاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من فلق فمه وخطّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بيده فيه جميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة حتّى أنّ فيه أرش الخدش والجَلدة ونصف الجَلدة كما في الحديث الصادقي (1) ، وقد جمعنا ذكر مواريث الأنبياء الواصلة إلى سادتنا الأئمّة النجباء في كتابنا شرح زيارة الجامعة الشريفة .
  (6) هكذا في الفقيه ، وفي الكافي ، وأمرك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تدفعه إلى إبنك هذا ثمّ أخذ بيد علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، وفي كتاب سليم إضافة ، ( وأخذ بيد ابن إبنه علي ابن الحسين ( عليه السلام ) وهو صغير فضمّه إليه ) .
  (7) وجاء بعد هذا تمام الحديث في كتاب سليم وبيّن نصّ وصيّة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لإبنه بعد وصيّة الرسول (ص) له بقوله ، ثمّ أقبل على إبنه الحسن ( عليه السلام ) فقال ، يا بني أنت ولي الأمر ، وولي الدم بعدي ، فإنْ عفوت فلك ، وإنْ قتلت فضربة مكان ضربة ولا تمثّل ، ثمّ قال اكتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب ، أوصى أنّه يشهد

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 26 ، ص 18 ، ب 1 ، ح 1 ، و ص 155 ، ب 10 ، الأحاديث ، وص 201 ، ب 16 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 286 _

  أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليُظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون .
  ثمّ إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين ، لا شريك له وبذلك اُمرتُ وأنا من المسلمين .
  ثمّ إنّي اُوصيك ياحسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربّكم ، فلا تموتنّ إلاّ وأنت مسلمون .
  وإعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا .
  فإنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ، ( صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصوم ، وإنّ البِغضة حالقة الدين وفساد ذات البين ) ، ولا قوّة إلاّ بالله .
  اُنظروا ذوي أرحامكم فصِلوهم يُهوّن الله عليكم الحساب .
  والله الله في الأيتام فلا تغيّروا (1) أفواههم ، ولا تضيّعوا من بحضرتكم ، فقد سمعتُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ، ( من عالَ يتيماً حتّى يستغني أوجب الله له بذلك الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار ) .
  والله الله في القرآن ، لا يسبقكم إلى العمل به غيركم .
  والله الله في جيرانكم ، فإنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى بهم .
  والله الله في بيت ربّكم ، فلا يخلونّ منكم ما بقيتم ، فإنّه إن يُترك لم تناظروا .
   وإنّ أدنى ما يرجع به من اَمّه أن يُغفر له ما قد سلف .
  والله الله في الصلاة ، فإنّها خير العمل ، وإنّها عمود دينكم .
  والله الله في الزكاة ، فإنّها تُطفىء غضب ربّكم .
  والله الله في شهر رمضان ، فإنّ صيامه جُنّة من النار .

-------------------------------
(1) في البحار ( فلا تغبوا ) اى لا تجيعوهم بأن تطعموهم يوماً وتتركوهم يوماً ، وبمعناه لا تغيّروا بحار الانوار ج 42 ص 256 / 257 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 287 _

  والله الله في الفقراء والمساكين ، فشارِكوهم في معيشتكم .
  والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ، فإنّما يجاهد في سبيل الله رجلان ، إمام هدىً ، ومطيع له مقتد بهداه .
  والله الله في ذرّية نبيّكم ، فلا يُظلمنَّ بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم .
  والله الله في أصحاب نبيّكم الذين لم يُحدثوا حَدَثاً ولم يؤوا محدثاً ، فإنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى بهم ولعن الُمحدث منهم ومن غَيرهم والمؤوي للمُحدث .
  والله الله في النساء وما ملكت أيمانكم ، لا تخافنّ في الله لومة لائم فيكفيكهم الله وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله .
  ولا تتركنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي الله الأمر أشراركم وتدعون فلا يستجاب لكم .
  عليكم يابنيَّ بالتواصل والتباذل والتبارّ ، وإيّاكم والنفاق والتقاطع والتدابر والتفرّق ، وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب .
  حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيّكم .
   أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام .
  ثمّ لم يزل يقول ( لا إله إلاّ الله ) حتّى قُبض ( عليه السلام ) في أوّل ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان ليلة إحدى وعشرين ، ليلة الجمعة ، سنة أربعين من الهجرة .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 288 _

الوصيّة الخامسة عشرة :
   نقلها الشيخ المفيد في الأمالي
  ومن الوصايا النبوية الشريفة المستفادة من وصيّة أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن ( عليهما السلام ) ما رواه الشيخ السديد المفيد في أماليه (1) عن عمر بن محمّد بن علي الصيرفي ، عن محمّد بن همام الإسكافي ، عن جعفر بن محمّد بن مالك ، عن أحمد بن سلامة الغنوي ، عن محمّد بن الحسين العامري ، عن أبي معمّر ، عن أبي بكر بن عيّاش ، عن الفجيع العقيلي ، عن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) ، عن أبيه أنّه قال له فيما أوصاه لمّا حضرته الوفاة ...
  ثمّ إنّي اُوصيكَ ياحسن ـ وكفى بكَ وصيّاً ـ بما أوصاني به رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإذا كانَ ذلك يا بُنيّ فالزَم بيتَك ، وابْكِ على خطيئتِك ،
  (1) لا يخفى أنّ هذه الوصيّة غير الوصيّة المفصّلة المعروفة التي كتبها أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن ( عليه السلام ) عند مراجعته من صفّين والتي أوّلها ، ( من الوالد الفان ، المقرّ للزمان ... ) التي وردت في النهج ، وقال عنها السيّد ابن طاووس ، أنّه لو كان من الحكمة ما يجب أن يكتب بالذهب لكانت هذه .
  والحقّ أنّ جميع كلامه وخطبه وكلماته يحقّ أن تكتب بالتّبر ، وتكون قدوة في كلّ عصر ، ومنها هذه الوصيّة الآتية التي أوصى بها رسول الله عليّاً ، وأوصى به الإمام علي ولده الإمام الحسن ( عليهما السلام ) ، وهما أبوا هذه الاُمّة ، وقد أوصيا كلّ الخير لهذه الاُمّة على لسان الوصيّة للإمام أمير المؤمنين أو الإمام الحسن سلام الله عليهما .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 289 _

  ولا تكُن الدنيا أكبرَ همّك ، وأُوصيك يابنيّ بالصلاةِ عند وقتِها والزكاةَ في أهلِها عندَ محلّها (2) والصمتَ عند الشُبهة (3) والإقتصادَ (4) في العمل ، والعدلَ في الرضا والغَضَب ، وحُسنَ الجوار ، وإكرامَ الضَيف ، ورحمةَ المجهود (5) وأصحابِ البلاء ، وصلَة الرّحِم ، وحبَّ المساكين ومجالستَهم ، والتواضعَ فإنّه من أفضلِ العبادة ، وقصَر الأمل ، وذكرَ الموت ، والزُهدَ في الدنيا (6) فإنّك رهنُ الموت (7) وغرضُ بلاء ، وطريحُ سُقم (8) .
  واُوصيك بخشيةِ اللّهِ في سرِّ أمركَ وعلانيتِه (9) .
  (2) أي عندما يحلّ وقت وجوب الزكاة فيدفعها إلى أهلها المعيّن لها .
  (3) فإنّ الصمت أسلم عند الشبهات ، ودليل على الخيرات .
  (4) من القصد بمعنى الإعتدال والقصد في الاُمور هو السير الوسط بين الإفراط والتفريط .
  (5) المجهود هو منْ أصابته المشقّة وجهد البلاء ، وجهد البلاء هي الحالة التي يختار الإنسان عليها الموت ، وقيل هي قلّة المال وكثرة العيال (1) .
  (6) في أمالي الشيخ الطوسي ، ( واذْكُر الموت ، وازْهَد في الدنيا ) .
  (7) في بعض النسخ ، رهين موت من الرهن بمعنى المرهون .
  (8) أي من يطرحه السقم والمرض ، وفي أمالي الطوسي ، وصريع سقم وصرعه أي طرحه على الأرض .
  (9) في أمالي الشيخ الطوسي ، ( وعلانيتك ) .

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 210 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 290 _

  وأنهاكَ عن التَسرّعِ بالقولِ والفعل (10) ، وإذا عَرَض شيءٌ من أمرِ الآخرة فابدأ به (11) ، وإذا عَرَض شيءٌ من أمرِ الدنيا فتأنَّه (12) حتّى تصيب رشدَك فيه ، وإيّاكَ ومواطن التُّهمة (13) والمجلس المظنون بهِ السُوء ، فإنّ قرينَ السوءُ يغيُّر جليسه (14) ، وكُن للّه يا بُنيّ عاملا ، وعن الخَنا (15) زَجوراً ، وبالمعروفِ آمراً ، وعن المنكرِ ناهياً ، وواخِ الاُخوانَ في اللّه ، وأحبَّ الصالحَ لصلاحِه ، ودارِ (16) الفاسقَ عن دينك ، وابغَضْهُ بقلبِك ، وزايلْه بأعمالِك ، لئلاّ تكونَ مثلَه .
  (10) أي أنهاك عن الإسراع والمبادرة إليهما بدون تأمّل وتدبّر ، فإنّه يورث الندامة .
  (11) فإنّ أمر الآخرة الدائمة مقدَّمٌ على أمر الدنيا الزائلة .
  (12) من التأنّي بمعنى الترفّق والتنظّر وعدم العجلة في الأمر ، وفي بعض النسخ المطبوعة فتأنَّ .
  (13) أي المواضع التي يتَّهم الإنسان بالسوء إذا حضرها ، وإنْ لم يأت بسيّئة فيها لسوء سمعة تلك المواضع .
  (14) وهذه من الحِكَم المجرّبة فإنّ صاحب الشرّ يُعدي ، وقرين السوء يغوي ، والمعاشرة مؤثّرة ، مع أنّ المرء يعرف بقرينه ، فينبغي إجتناب قرين السوء ، وإنتخاب القرين الصالح .
  لذلك جاء في وصيّته ( عليه السلام ) الاُخرى ، ( قارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشرّ تَبين عنهم ) .
  (15) الخَنا مقصوراً هو الفحش من القول .
  (16) من الدّرء بمعنى الدفع ، أي ادفعه عن دينك ، لا بمعنى المداراة ظاهراً .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 291 _

  وإيّاكَ والجلوس في الطُرُقات ، ودع المُماراةَ (17) ومجاراةَ من لا عقل له ولا علم (18) .
   واقتصِد يا بني في معيشتِك ، واقتصدْ في عبادِتك (19) ، وعليك فيها بالأمرِ الدائمِ الذي تطيقه. والزَم الصّمتَ تَسْلم وقَدِّم لنفسِكَ تَغْنم ، وتَعلَّم الخيَر تَعْلَم ، وكنْ للّهِ ذاكراً على كلِّ حال ، وارحمْ من أهلِك الصَّغير ، ووقِّر منهُم الكبير ، ولا تأكلَنَّ طعاماً حتّى تصدَّق منه قبلَ أكله (20) .
  (17) المماراة هي المجادلة ، وقد أُمرنا بترك المجادلة فيما فيه مريةٌ وشكّ لأنّها تؤول إلى العداوة والبغضاء .
  (18) المجارات هي المجرى في المناظرة والجدال ومجارات من لا عقل له ولا علم أي الخوض معه في الكلام شيءٌ عبث فيُترك ، نعم يحسن تعليم الجاهل لا مناظرته والجدال معه .
  (19) مرّ أنّ القَصْد بمعنى الإعتدال ، وحكمة الإعتدال هنا هو أنّه يطيقه الإنسان ويدوم عليه ولا يوجب له العسر والحرج. لذلك قال ( عليه السلام ) ، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه .
  (20) فإنّه يُستحبّ التصدّق ممّا يؤكل ، وفي حديث معمّر بن خلاّد الوارد في البحار ، كان أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) إذا أكل أُتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به ، فيأخذ من كلّ شيء شيئاً فيوضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها للمساكين .
   ثمّ يتلو هذه الآية ( فلا اقتَحَمَ العَقَبةَ ) ثمّ يقول ، علم الله عزّوجلّ أنْ ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة ، فجعل لهم السبيل إلى الجنّة (1) .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 348 ، ب 8 ، ح 3 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 292 _

  وعليك بالصَّومِ فإنّه زكاةُ البَدَن وجُنّةٌ لأهلِه ، وجاهِدْ نفسَك ، واحذرْ جليسَك ، واجتنبْ عدوَّك ، وعليكَ بمجالِس الذِّكْر ، وأكْثِر من الدُعاء فإنّي لم آلِكَ يا بُنيّ نُصحاً (21) ، وهذا فراقُ بيني وبينَك .
  واُوصيك بأخيك محمد خيراً فإنّه شقيقُك وابنُ أبيك ، وقد تَعْلمُ حبّي له .
  وأمّا أخوك الحسينُ فهو ابن اُمِّك ، ولا أزيد الوصاةَ بذلك ، واللّهُ الخليفةُ عليكم ، وإيّاه أسألُ أنْ يصلحَكُم ، وأن يكُفَّ الطغاةَ البغاةَ عنكم ، والصّبر الصّبر حتّى يتولّى (22) اللّهُ الأمر ، ولا قوّةَ إلاّ باللّهِ العليّ العظيم (23) .
  ثمّ بيّن العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) جعل السبيل إلى الجنّة أنّ الله تعالى خيّرهم بين العتق والإطعام بقوله ، ( فَكُّ رقَبة أو إطعامٌ ) الآية. (21) ألّى تأليةً ، قصّر وابطأ ، ولم يألُ جهداً أي لم يقصّر في جهده ولم يألُ في النصيحة أي لم يقصّر فيها .
  (22) في البحار ، حتّى ينزل الله الأمر .
  (23) أمالي الشيخ المفيد ، ص 220 ، المجلس السادس والعشرون ، ح 1 ، ورواه الشيخ الطوسي في أماليه ، ص 7 ، المجلس الأوّل ، ح 8 ، ونقله عنهما في البحار ، ج 42 ، ص 202 ، ب 127 ، ح 7 ، وفي مستدرك الوسائل ، ج 11 ، ص 383 ، ب 51 ، ح 2 ، المسلسل 13319 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 293 _

الوصيّة السادسة عشرة :
  نقلها ثقة الإسلام الكليني في الكافي :
   الكافي (1) ، [ عدّة من أصحابنا ] ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن أبيه قال ، سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) هل للمسلمينَ عيدٌ غير يومِ الجمعة والأضحى والفِطر ؟ قال :
  نعم أعظمُها حرمةً. قلتُ ، وأيّ عيد هو جُعِلْتُ فداك ؟ قال ، اليوم الذي نَصَبَ فيه رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) وقال ، مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه (2) ، قلتُ ، وأيُّ يوم هو (3) ؟
  (1) ورد هذا الحديث الشريف المشتمل على الإيصاء المبارك من الرسول (ص) للأمير عليهما وآلهما السلام في الكافي (1) ، وعنه في البحار (2) ، والوسائل (3) ، وورد بمضمونه أحاديث كثيرة اُخرى تؤيّد صحّته .
  (2) يمكنك ملاحظاً تفصيل بيان هذا الحديث الشريف المتواتر بين الفريقين المجمع عليه عند الطرفين في مبحث الإمامة من كتابنا العقائد الحقّة .
  (3) لعلّ السؤال عن أنّه أي يوم من أيّام الاسبوع التي هي تختلف بدوران

-------------------------------
(1) فروع الكافي ، ج 4 ، ص 149 ، باب صيام الرغيب ، ح 3 .
(2) بحار الأنوار ، ج 37 ، ص 172 ، ب 54 ، ح 46 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 323 ، ب 14 ، ح 1 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 294 _

   قال ، وما تصنعُ باليوم إنّ السنةَ تدور ، ولكنّه يومُ ثمانيةِ عَشَر من ذي الحجّة ! ؟
  فقلت ، وما ينبغي لنا أن نفعلَ في ذلكَ اليوم ؟
  قال ، تذكرونَ اللّهَ ( عزَّ ذكره ) فيه بالصيامِ والعبادةِ والذِّكر لمحمّد وآلِ محمّد فإنّ رسولَ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) أن يتّخذَ ذلك اليوم عيداً (4) وكذلك كانت الأنبياءُ ( عليهما السلام ) تفعل كانوا يوصُون أوصيائَهم بذلك فيتّخذونَه عيداً السنين .
  (4) هذا مورد الوصيّة وهذا اليوم هو اليوم الذي يقضي الدليل بكونه عيداً ، وذلك :
  أوّلا : أشاد به الله تعالى في كتابه الكريم ، ( اليَوْمَ أكمَلْتُ لكُم دينَكُم وأتمَمْتُ عليكُم نِعمَتي ورَضِيْتُ لكُمُ الإسْلامَ ديناً ) (1) .
  ثانياً : جاء في السنّة الشريفة حيث اتّخذه عيداً رسوله العظيم الذي لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وحيٌ يوحى ، ففي حديث عبدالله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن آبائه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال :
  ( يوم غدير خم أفضل أعياد اُمّتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب عَلَماً لاُمّتي ، يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتمّ على اُمّتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً ) .

-------------------------------
(1) سورة المائدة ، الآية 3 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 295 _

  كما في أمالي الصدوق (1) ، وبشارة المصطفى (2) ، وروضة الواعظين (3) ، والإقبال (4) ، وإثبات الهداة (5) .
  بل أمر صلوات الله عليه وآله أن يهنّئوه ويهنّئوا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بهذه المناسبة السعيدة كما في حديث التهنئة الذي رواه من العامّة فقط ستّون عالماً في ستّين كتاباً أحصاها العلاّمة الأميني ( قدس سره ) (6) .
  ولم نجد في تاريخ رسول الله وأفراحه أن يقول يوماً هنّئوني إلاّ في هذا اليوم ، ممّا يكشف إنبثاق التعيّد في هذا اليوم من مصدر النبوّة ، وإنطلاق عيد الغدير من وحي الرسالة .
  وثالثاً : جاء في بيان العترة الطاهرة فقد طبّق أمر النبي وأجرى سنّة الرسول (ص) أوصياؤه وأُمناء وحيه ، أهل البيت وأئمّة العترة سلام الله عليهم أجمعين فسمّوا هذا اليوم عيداً ، وبيّنوا فضله ، وذكروا شأنه ، وأشادوا بعظمته .
  فأمير المؤمنين ( عليه السلام ) اقتفى أثر النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واتّخذه عيداً وخطب فيه سنة اتّفق فيها الغدير والجمعة وقال في خطبته التي رواها شيخ الطائفة بسنده عن الإمام الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال ،

-------------------------------
(1) أمالي الصدوق ، ص 111 .
(2) بشارة المصطفى ، ص 23 .
(3) روضة الواعظين ، ص 124 .
(4) الإقبال ، ص 466 .
(5) إثبات الهداة ، ج 2 ، ص 423 .
(6) الغدير ، ج 1 ، ص 270 ـ 283 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 296 _

  ( إنّ الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين لا يقوم أحدهما إلاّ بصاحبه ، ليكمل عندكم جميل صنيعته ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويشملكم منهاج قصده ، ويوفّر عليكم هنىء رفده ، فجعل الجمعة مجمعاً ندب إليه لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما كان أوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله ، وذكرى للمؤمنين ، وتبيان خشية المتّقين ، ووهب من ثواب الأعمال فيه أضعاف ما وهب لأهل طاعته في الأيّام قبله ، وجعله لا يتمّ إلاّ بالإيتمار لما أمر به والإنتهاء عمّا نهى عنه ، والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب إليه فلا يقبل توحيده إلاّ بالإعتراف لنبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنبوّته ، ولا يقبل ديناً إلاّ بولاية من أمر بولايته ولا تنظيم أسباب طاعته إلاّ بالتمسّك بعصمه وعصم أهل ولايته فأنزل على نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في يوم الدّوح (1) ما بيّن به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق فتأمّلوا رحمكم الله ما ندبكم الله إليه وحثّكم عليه ، واقصدوا شرعه (2) واسلكوا نهجه ، ولا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله .
  إنّ هذا يوم عظيم الشأن ، فيه وقع الفرج ، ورفعت الدرج ، ووضحت الحجج ، وهو يوم الإيضاح والإفصاح عن المقام الصراح (3) ، ويوم كمال الدين ، ويوم العهد المعهود ، ويوم الشاهد والمشهود ، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود ، ويوم

-------------------------------
(1) الدُّوح ، جمع دوحة وهي الشجرة العظيمة ، إشارة إلى دوحات غدير خمّ .
(2) القصد ، إتيان الشيء ، يقال ، قصدته وقصدت له وقصدت إليه ، طلبته بعينه كما في مجمع البحرين ، ص 223 .
(3) الصُراح هو الخالص من كلّ شيء وجميع التعلّقات .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 297 _

  البيان عن حقائق الإيمان ، ويوم دحر الشيطان ، ويوم البرهان هذا يوم الفصل الذي كنتم توعدون ، هذا يوم الملأ الأعلى الذي أنتم عنه معرضون. هذا يوم الإرشاد ويوم محنة العباد ويوم الدليل على الروّاد ، هذا يوم أبدى خفايا الصدور ومضمرات الاُمور ، هذا يوم النصوص على أهل الخصوص ... عودوا رحمكم الله بعد إنقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، والبرّ بإخوانكم ، والشكر لله عزّوجلّ على ما منحكم ، واجمعوا يجمع الله شملكم ، وتبارّوا يصل الله اُلفتكم ، وتهادوا نعم الله كما منّاكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله وبعده إلاّ في مثله ، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر ، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه ، وهيّؤا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البُشر فيما بينكم ، والسرور في ملاقاتكم ، والحمد لله على ما منحكم ، وعودوا بالمزيد من الخير على أهل التأميل لكم (1) ، وساووا بكم ضعفاءكم في مآكلكم وما تناله القدرة من استطاعتكم وعلى حسب إمكانكم فالدرهم فيه بمائة الف درهم والمزيد من الله عزّوجلّ ) (2) .
  ومن بعد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أئمّة العترة الطاهرة من ولده ( عليهم السلام ) خلّدوا ذكر الغدير واتّخذوه عيداً وأبانوا فضله وفضيلته .
   ففي الكافي عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن ابن راشد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، قلت ، جعلت فداك للمسلمين عيدٌ غير

-------------------------------
(1) أي الذين يأملون فيكم الخير .
(2) مصباح المتهجّد ، ص 755 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 298 _

  العيدين ؟
  قال ، نعم ياحسن أعظمهما وأشرفهما .
  قلت ، وأي يوم هو ؟ قال ، هو يوم نصب أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فيه عَلَماً للناس .
  قلت ، جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟
  قال ، تصومه ياحسن ، وتُكثر الصلاة على محمّد وآله ، وتبرَّء إلى الله ممّن ظلمهم ، فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصيّ أن يتّخذ عيداً .
  قال ، قلت ، فما لمن صامه ؟
  قال ، صيام ستّين شهراً ، ولا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنّه هو اليوم الذي نزلت فيه النبوّة على محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وثوابه مثل ستّين شهراً لكم ) (1) .
  وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي ، قال ، حدّثني جعفر بن محمّد الأزدي قال ، حدّثنا محمّد ـ يعني محمّد بن الحسين الصائغ ـ قال ، حدّثنا الحسن بن علي الصيرفي عن محمّد البزّاز عن فرات بن أحنف :
  ( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، قلت ، جعلت فداك ! للمسلمين عيدٌ أفضل من الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة ؟ قال ، فقال لي ، نعم أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيّه ( اليَومَ أكمَلتُ لكُم دينَكُم وأتمَمتُ عليكُم نعمَتي ورَضيتُ لكُمُ الإسلامَ ديناً ) (2) قال ، قلت ،

-------------------------------
(1) فروع الكافي ، ج 4 ، ص 148 ، باب صيام الترغيب ، ح 1 .
(2) سورة المائدة ، الآية 3 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 299 _

  وأي يوم هو ؟ قال ، فقال لي ، إنّ أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصيّة والإمامة للوصي من بعده ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيداً ، وإنّه اليوم الذي نصب فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً للناس عَلَماً وأنزل فيه ما أنزل ، وكمل فيه الدين وتمّت فيه النعمة على المؤمنين ، قال ، قلت ، وأي يوم هو في السنة ؟ قال ، فقال لي ، إنّ الأيّام تتقدّم وتتأخّر فربّما كان يوم السبت والأحد والإثنين إلى آخر الأيّام السبعة ، قال ، قلت ، فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم ؟ قال ، هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله تعالى ، وحمد له وسرور لما مَنَّ الله به عليكم من ولايتنا وإنّي أحبّ لكم أن تصوموه ) (1) .
  وفي الوسائل بإسناد شيخ الطائفة عن الحسين بن الحسن الحسيني ، عن محمّد بن موسى الهمداني ، عن علي بن حسّان الواسطي ، عن علي بن الحسين العبديّ قال ، سمعت أبا عبدالله الصادق ( عليه السلام ) يقول ، ( صيام يوم غدير خمّ يعدل صيام عمر الدنيا ، لو عاش إنسان ثمّ صام ما عمّرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله عزّوجلّ في كلّ عام مائة حجّة ومائة عمرة مبرورات متقبّلات ، وهو عيد الله الأكبر ) (2) الحديث .
  وفي العوالم بالإسناد إلى المفضّل بن عمر قال ، قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) :
  ( إذا كان يوم القيامة زُفّت أربعة أيّام إلى الله عزّوجلّ كما تزفّ العروس إلى خدرها ، يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم الجمعة ، ويوم الغدير .

-------------------------------
(1) تفسير فرات الكوفي ، ص 117 ، ح 123 .
(2) وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 324 ، ب 14 ، ح 4 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 300 _

  ويوم غدير خمّ بين الفطر والأضحى كالقمر بين الكواكب ، وإنّ الله تعالى ليوكّل بغدير خمّ ملائكته المقرّبين وسيّدهم يومئذ جبرئيل ( عليه السلام ) ، وأنبياءه المرسلين وسيّدهم يومئذ محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأوصياء الله المنتجبين وسيّدهم يومئذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأولياء الله وساداتهم يومئذ سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار ، حتّى يورده الجنان كما يورد الراعي بغنمه الماء والكلأ .
  قال المفضّل ، سيّدي تأمرني بصيامه ؟ قال لي ، إي والله ، إي والله ، ... وإنّه اليوم الذي أقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً ( عليه السلام ) للناس عَلَماً وأبان فيه فضله ، فصام شكراً لله تعالى ذلك اليوم .
  وإنّه ليوم صيام وقيام وإطعام وصلة الإخوان ، وفيه مرضاة الرحمن ومرغمة الشيطان ) (1) .
  وفي المصباح عن داود الرقي ، عن أبي هارون عمّارة بن جوين العبدي قال ، دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) في يوم الثامن عشر من ذي الحجّة فوجدته صائماً ، فقال لي :
   ( هذا يوم عظيم ، عظّم الله حرمته على المؤمنين وأكمل لهم فيه الدين وتمّم عليهم النعمة وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق ... ) (2) .
  وفي الإقبال ، الحديث الذي ذكره محمّد بن علي الطرازي في كتابه رويناه بإسنادنا إلى عبدالله بن جعفر الحميري ، عن هارون بن مسلم ، عن أبي الحسن الليثي ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) أنّه قال لمن حضره من مواليه

-------------------------------
(1) عوالم العلوم ، ج 3 / 15 ، ص 212 ، ح 296 .
(2) مصباح المتهجّد ، ص 680 .