ولا زهادةَ أقربُ من التَقاعد (16) ، ذنوب الجوارح .
  ففي حديث الحسين بن زيد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( لولا أن الذنب خير للمؤمن من العُجب ما خلى الله بين عبده المؤمن وبين ذنب أبداً ) (1) .
   حيث إنّه يوجب ترك الذنب مطلقاً للمؤمن العُجب ، والعُجب سيّئة تسري إلى العمل الصالح فتُبطله وتحبطه ، وتفسد الطاعات ، ولا سيّئة أسرى إلى العمل الصالح لإفساده من العُجب .
  ففي الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( ثلاث مهلكات ، شحٌّ مطاع ، وهوىً متّبع ، وإعجاب المرىء بنفسه ... وهو محبطٌ للعمل ، وهو داعية المقت من الله سبحانه ) (2) .
  وتلاحظ أحاديث مذمومية العُجب والأمر بتركه في اُصول الكافي (3) ، والبحار (4) ، والوسائل (5) فراجعها ، ونحيل إليها رعاية للإختصار .
  (16) التقاعد هو عدم الطلب يقال ، تقعّد عن الأمر أي لم يطلبه ... والزهد هو الترك والإعراض ... يقال ، زهد عن الدنيا أي تركها ، وزهد عن الحرام أي أعرض عنه ... وأقرب الزهد هو أن لا يطلب الإنسان الحرام .
   لا أن يتركها فحسب ... فإذا لم يطلبه أساساً تركه قطعاً وأعرض عنه يقيناً ... فيكون التقاعد عن الحرام أقرب زهادة .

-------------------------------
(1) عدّة الداعي ، ص 173 .
(2) عدّة الداعي ، ص 172 .
(3) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 313 .
(4) بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 228 ، باب 67 ، وج 72 ، ص 306 ، باب 117 .
(5) وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 73 ، باب 23 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 152 _

  ولا غائبَ أقربُ من المَوت (17) ، ولا شفيعَ أنجحُ من التَّوبة (18) .
  (17) فإنّ الموت غائب يأتي لا محالة ، وأجَلٌ يعرض في كلّ حالة ...
  وقد يأخذ الإنسان بكلّ سرعة ، ويخطفه على حين غِرّة ...
  قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ( الموت طالب ومطلوب ، لا يعجزه المقيم ، ولا يفوته الهارب ... ) (1) .
  فينبغي الإستعداد لهذا الغائب بتوفيق الله تعالى بما أمر به مولى الموحّدين ( عليه السلام ) في حديث الإمام العسكري ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال ، قيل لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ( ما الإستعداد للموت ؟ قال ، أداء الفرائض ، وإجتناب المحارم ، والإشتمال على المكارم ... ثمّ لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه ... ) (2) .
  وتلاحظ مفصّل أحاديث الموت في البحار (3) .
  (18) وردت هذه الفقرة في وصيّة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أيضاً في تحف العقول (4) .
  فالتوبة من الذنب أنجح وسيلة شافعة إلى الله تعالى للمؤمن .
  حيث أمر بها الله تعالى في مثل قوله عزّ إسمه ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللّهِ تَوْبَةً نَّصُوحا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكفِّرَ عَنكُم سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ ) (5) .
  ففي النبوي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( ليس شيء أحبّ إلى الله تعالى من مؤمن تائب ، أو مؤمنة

-------------------------------
(1) أمالي الشيخ الطوسي ، ص 216 ، مسلسل 378 .
(2) أمالي الصدوق ، ص 67 .
(3) بحار الأنوار ، ج 6 ، ص 145 ، باب 6 ، و ج 71 ، ص 263 ، باب 79 ، الأحاديث .
(4) تحف العقول ، ص 93 .
(5) سورة التحريم ، الآية 8 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 153 _

  يا علي ، وللعاقلِ ستّةُ خصال ، الصبرُ على البَلاء ، والإحتمالُ للظُّلم (19) ، والعطاءُ من القليل (20) ، والرضا باليَسير (21) ، والإخلاصُ بالعَمَل (22) ، وطلبُ العلم (23) .
  يا علي ، وللمؤمن أربعُ خصال ، طولُ السُكوت (24) ، تائبة ) (1) .
  وتلاحظ تفصيل بيان أحاديث التوبة في البحار (2) فراجع ، وسيأتي معنى التوبة وحقيقتها في نفس هذه الوصيّة عند ذكر خصال التائب .
  (19) أي تحمّله والصبر عليه بواسطة إحتسابه عند الله تعالى .
  (20) بأن يكون له عطيّة الخير ، وإن كان قليل ذات اليد .
  (21) أي القناعة باليسير من الحلال ، ومن رضى باليسير من الحلال خفّت مؤونته ، وتنعّم في أهله ، وبصّره الله داء الدنيا ودواءها ، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام (3) .
  (22) إذ هو الذي يوجب قبول العمل وفوز العامل .
  (23) فبطلب العلم يكون عارفاً بالحلال والحرام ، وسالكاً طريق الله العلاّم ، وناجياً في الدنيا والآخرة ... وهو من كمال العقل ، والعقل الكامل .
  فتكون هذه الصفات الستّة الحسنة من مميّزات العقلاء ... ومن كان جامعاً لهذه الخصال كان عاقلا في نفسه ، ومسترشداً بعقله .
  (24) فإنّ السكوت في محلّه نجاة من الشرّ ، وإحتراز عن الذنب ، وتفكّر في

-------------------------------
(1) سفينة البحار ، ج 1 ، ص 476 .
(2) بحار الأنوار ، ج 6 ، ص 11 / 48 ، باب 20 .
(3) مجمع البحرين ، مادّة رضا ، ص 38 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 154 _

  ودَوامُ العَمل (25) ، وحسنُ الظنِّ باللّهِ عزَّ وجلّ (26) ، الآيات ، وحفظ للنفس ، وسلامة للإنسان .
  بل في الحديث أنّه لا يعرف عبدٌ حقيقة الإيمان حتّى يخزن من لسانه (1) .
  بل ورد أنّ شيعتنا الخرس ... (2) .
  أي لا يتكلّمون بالباطل واللغو وعدم العلم ، أو مع التقيّة ، فكلامهم قليل كأنّهم خرس .
  ولاحظ أحاديث فضل الصمت في بابه (3) .
  (25) أي المداومة على عمل الخير ، فإنّه المحبوب المطلوب للمؤمن .
  وفي حديث جابر الجعفي قال ، سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول ، ( إنّ أبا جعفر ( عليه السلام ) كان يقول ، إنّي اُحبّ أن اُداوم على العمل إذا عوّدته نفسي ، وإنْ فاتني من الليل قضيته بالنهار ، وإنْ فاتني بالنهار قضيته بالليل ، وإنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما ديم عليها ، فإنّ الأعمال تُعرض كلّ خميس وكلّ رأس شهر ، وأعمال السنة تعرض في النصف من شعبان ، فإذا عوّدت نفسك عملا فدُم عليه سنة ) (4) .
  (26) فيرجو المؤمن ربّه لقبول عمله بفضله وكرمه ، ويكون خوفه من ذنبه وقصور عمله ...
   وفي الحديث ، ( حسن الظنّ بالله أن لا ترجو إلاّ الله ولا تخاف إلاّ ذنبك ) (5) .

-------------------------------
(1) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 114 ، ح 7 .
(2) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 113 ، ح 2 .
(3) بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 274 / 308 ، باب 78 .
(4) بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 37 ، باب 1 ، ح 25 .
(5) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 72 ، ح 4 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 155 _

  والاحتمالُ للمكرُوه (27) .
  يا علي ، وللتائبِ ستّةُ خصال ، تركُ الحرام ، وطلبُ الحلال ، وطلبُ العلم ، وطولُ السكوت ، وكثرةُ الاستغفار ، وأنْ يذيقَ نفسَه مرارَةَ الطّاعةِ كما أذاقَها حلاوةَ المعصية (28) .
  والأحاديث كثيرة في حسن الظنّ بالله ، وتفضّل الله على عبده بحسن ظنّه .
   ففي حديث بريد بن معاوية ، عن الإمام أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال ، ( وجدنا في كتاب علي ( عليه السلام ) ، أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ، وهو على منبره ـ ، والذي لا إله إلاّ هو ما اُعطي مؤمن قطّ خير الدنيا والآخرة إلاّ بحسن ظنّه بالله ، ورجائه له ، وحسن خُلُقه والكفّ عن إغتياب المؤمنين .
  والذي لا إله إلاّ هو لا يُعذِّبُ اللهُ مؤمناً بعد التوبة والإستغفار إلاّ بسوء ظنّه بالله ، وتقصيره من رجائه ، وسوء خُلُقه ، وإغتيابه للمؤمنين .
  والذي لا إله إلاّ هو لا يحسن ظنّ عبد مؤمن بالله إلاّ كان الله عند ظنّ عبده المؤمن ، لأنّ الله كريم بيده الخيرات ، يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ ثمّ يخلف ظنّه ورجاءه ، فأحسنوا بالله الظنّ وارغبوا إليه ) (1) .
  وينبغي ملاحظة مفصّل أحاديث حسن الظنّ بالله تعالى في محلّه (2) .
  (27) أي تحمّل المكاره والاُمور التي لا يستسيغها الإنسان .
  (28) فالتوبة هو الرجوع عن الذنب ... والراجع عن الذنب حقيقةً يترك الحرام ، ويطلب الحلال ، ويطلب العلم حتّى يعرفهما ، ويطيل السكوت حذراً من الزلاّت ، ويكثر الإستغفار محواً للسيّئات ... ويزيل حلاوة المعصية بمرارة الطاعة ... حتّى

-------------------------------
(1) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 71 ، ح 2 .
(2) بحار الأنوار ، ج 70 ، ص 323 / 401 ، باب 59 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 156 _

  يا علي ، وللمسلمينَ [ وللمسلمِ ظ ] أربعُ خصال ، أن يَسلَمَ الناسُ من لسانِه ، وعينِه ، ويدِه ، وفَرْجِه (29) .
  تكمل توبته ...
  وفي حديث النهج الشريف (1) قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ( ... الإستغفار درجة العلّيين وهو اسم واقع على ستّة معان :
  أوّلها ، الندم على ما مضى .
  والثاني ، العزم على ترك العود إليه أبداً .
  والثالث ، أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة .
  والرابع ، أن تَعْمدَ إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها .
  والخامس ، أن تَعْمدَ إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم ، وينشأ بينهما لحم جديد .
  والسادس ، أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية .
  فعند ذلك تقول ، أستغفر الله ) (2) .
  (29) فإنّ الإسلام في أصله مأخوذ من التسليم والإنقياد ، والسلم وعدم الأذى ...
  فيلزم على المسلم أن يكفّ أذاه عن الناس بلسانه بمثل الكذب عليهم أو سبّهم ، وبعينه بمثل النظر إلى أعراضهم ، وبيده بمثل التطاول عليهم ، وبفرجه بمثل الخيانة بهم ، فيسلَم الناس من جميع هذه الزلل منه .

-------------------------------
(1) نهج البلاغة ، رقم الحكمة 417 ، الجزء3 ، ص 252 ، طبعة الإستقامة بمصر .
(2) نهج البلاغة ، رقم الحكمة 417 ، الجزء 3 ، ص 252 ، طبعة الإستقامة بمصر .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 157 _

  يا علي ، وللجاهِل خمسُ خصال ، أن يثقَ بكلِّ أَحد ، وأن يُفشي سرَّه إلى كلِّ أَحد ، وأن يغضَبَ بأدنى شيء ، ويَرضى بأدنى شَيء ، وأن يضحكَ من غيرِ عَجَب (30) .
  يا علي ، وللمتوكّلِ أربعُ خصال ، لا يخافُ المخلوقَ ، ولا يتّكلُ على مخلوق ، ويحسنُ الظنَّ بالناس .
  (30) فالجاهل بواسطة عدم علمه لا يكمل فيه التروّي والتفكير في عواقب الاُمور ، وتطبيق أعماله مع الحكمة والمناسبة ، فتراه يثق بكلّ أحد حتّى بالخائن ، ويُفشي سرّه إلى كلّ أحد حتّى المذيع ، ويغضب بأدنى شيء غير موجب للغضب ، ويرضى بشيء لا يوجب الرضا ، ويضحك ويمتلأ بالضحك بدون أن يكون الشيء موجباً للتعجّب والضحك .
  وفي جواب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لشمعون بن لاوي من حواريي عيسى ( عليه السلام ) ذكر علامات الجاهل ومميّزاته بقوله ، ( إنّ صَحِبْتَه عنّاك ـ أي أتعبك ـ ، وإن اعتزلته شتمك ، وإن أعطاك مَنَّ عليك ، وإن أعطيته كفَّرَك ، وإن أسررت إليه خانك ، وإن اُسرَّ إليك اتّهمك ـ أي بالإفشاء ـ ، وإنْ استغنى بَطَر ـ أي طغى ـ ، وكان فظّاً غليظاً ، وإن افتقر جحد نعمة الله ولم يتحرّج ، وإن فرح أسرف وطغى ، وإن حزن أيس ، وإن ضحك فهق ـ أي امتلأ من الضحك ـ وإنْ بكى خار ـ أي جزع وصاح ـ يقع الأبرار ـ أي يعيبهم ويذمّهم ـ ولا يحبّ الله ولا يراقبه ، ولا يستحيي من الله ولا يذكره ، إنْ أَرْضيتَه مدحك وقال فيك من الحسنة ما ليس فيك ، وإنْ سخط عليك ذهبت مدحته ووقع فيك من السوء ما ليس فيك ، فهذا مجرى الجاهل ) (1) .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 119 ، باب 4 ، ح 11 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 158 _

  ولا يستكثرُ عمَلَه (31) .
  يا علي ، وللقانعِ أربعُ خصال ، أن لا يفرَح بالغناء ، ولا يخافَ من الفقر (32) ، ولا يهتمَّ للرزق ، ولا يحرِصَ على الدنيا (33) .
  (31) إذ المتوكّل على الله تعالى يعتمد في جميع اُموره على الله تعالى وينقطع إليه ... فلا يخاف إلاّ الله ، ولا يتّكل على غيره ، ويكون أمله بالله لا بالمخلوقين فلا يسيء الظنّ إليهم بل يحسن الظنّ بهم ، وهو يعتمد على سعي نفسه فلا يستكثر عمله ... فتكون الاُمور المتقدّمة علاماته .
  قال العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) ، ( ثمّ إنّ التوكّل ليس معناه ترك السعي في الاُمور الضرورية ، وعدم الحذر عن الاُمور المحذورة بالكليّة .
  بل لابدّ من التوسّل بالوسائل والأسباب على ما ورد في الشريعة من غير حرص ومبالغة فيه ، ومع ذلك لا يعتمد على سعيه وما يحصّله من الأسباب ، بل يعتمد على مسبّب الأسباب ) .
  ثمّ حكى ( قدس سره ) عن المحقّق الطوسي في أوصاف الأشراف تفسيره التوكّل بقوله ، ( المراد بالتوكّل أن يَكِلَ العبد جميع ما يصدرُ عنه ويَرِدُ عليه إلى الله تعالى ، لعلمه بأنّه أقوى وأقدر ، ويضع ما قدر عليه على وجه أحسن وأكمل ، ثمّ يرضى بما فعل ، وهو مع ذلك يسعى ويجتهد فيما وكَّلَه إليه ... ) (1) .
  (32) فانّه حيث يكتفي القانع بما رزقه الله تعالى وقسمه له لا تكون الزيادة له موجبة للفرح ، ولا إحتمال الإعواز فيه موجباً للخوف .
  (33) القناعة ـ بالفتح ـ ، هو الرضا بالقِسَم ... والقانع هو الذي يقنع بما يصيبه

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 127 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 159 _

  يا علي ، وللأحمقِ أربعُ خصال ، أن ينازعَ مَنْ فَوقَه ، ويتكبَّر على من دونَه ، وأن يجمعَ من الحرامِ ، وأن يبْخلَ على عيالِه (34) .
  من الدنيا وإنْ كان قليلا ويشكر على اليسير (1) .
  وهذه القناعة إذا وُجدت في الإنسان كانت كنزاً باقياً ، وملكاً لا يزول ، واستغناءً في النفس .
  لذلك لا يكون صاحبها مع هذا الإستغناء النفسي فَرِحاً بالغنى ، أو خائفاً من الفقر ، أو مهتّماً بالرزق ، أو حريصاً على الدنيا ... بل تكون حياته طيّبة هنيئة .
  وقد حُثّ على هذه الخصلة الشريفة في الكتاب والسنّة ، ووردت فيها الأحاديث الحجّة ... من ذلك ما في الكافي قال أبو جعفر ( عليه السلام ) ، ( إيّاك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك ، فكفى بما قال الله عزّوجلّ لنبيّه ، ( وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ ) (2) وقال ، ( وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ... ) (3) فإن دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإنّما كان قوته الشعير ، وحلواه التمر ، ووقوده السَّعف إذا وجده ) (4) .
  ويحسن ملاحظة أحاديث فضل القناعة في المقام (5) .
  (34) الحمق هي قلّة العقل وفساده ... والأحمق هو من اتّصف بذلك. وهو محذور المجالسة ومذموم المصاحبة .

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، مادّة قنع ، ص 390 .
(2) سورة التوبة ، الآية 85 .
(3) سورة طه ، الآية 131 .
(4) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 137 ، باب القناعة ، الأحاديث أو غيره .
(5) بحار الأنوار ، ج 73 ، ص 168 ، باب 129 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 160 _

  وللشقيّ ثلاثُ خِصال ، التّواني في أوقاتِ الصّلاةِ ، وكثرةُ الكلامِ في غيرِ ذكرِ اللّهِ ، وقلَّما يرغبُ في طاعةِ اللّه (35) .
  وفسّر في حديث أبي الربيع الشامي بأنّه هو ، ( المعجب برأيه ونفسه ، والذي يرى الفضل كلّه له لا عليه ، ويوجب الحقّ كلّه لنفسه ولا يوجب عليها حقّاً ) (1) .
  وفي الحديث الصادقي ، ( إذا أردت أن تختبر عقل الرجل في مجلس واحد فحدّثه في خلال حديثك بما لا يكون ، فإن أنكره فهو عاقل ، وإنْ صدّقه فهو أحمق ) (2) .
  ومن كانت هذه صفته فطبيعي أنّه ينازع مَنْ فوقه ، ويتكبّر على من دونه ، ويجمع المال من غير الحلال ، وبالرغم من جمعه المال ... لا ينفقه على عياله حتّى يكون كرامةً له ، بل يمسكه حتّى يكون وبالا عليه .
  (35) مرّ في وصيّة الفقيه أنّ هناك أربع خصال تنشأ من الشقاوة ، جمود العين ، وقساوة القلب ، وبُعْد الأمل ، وحبّ البقاء ...
  وبيّن ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هنا أنّ ثلاث خصال يتّصف بها الشقيّ ... غير السعيد ، فتلك فروع الشقاء ، وهذه صفات الشقي :
  أحدها ، أنّه يتواني في إتيان الصلاة في أوقاتها ... والتواني هو التقصير في العمل وعدم الإهتمام به .
  ثانيها ، أنّه يكون كثير الكلام ... وكلامه في غير ذكر الله تعالى .
  ثالثها ، أنّه قليل الرغبة في إطاعة الله سبحانه .
  وتلاحظ أخبار السعادة والشقاوة في البحار (3) بالتفصيل ... ويحسن أن نشير

-------------------------------
(1) الإختصاص ، ص 221 .
(2) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 131 ، باب 4 ، ح 28 .
(3) بحار الأنوار ، ج 5 ، ص 152 ، باب 6 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 161 _

  إلى جانب توضيحي في هذه المسألة ، بياناً للشقاوة وآثارها السيّئة ، لما لها من الأهميّة .
  فاعلم أنّه ليست الشقاوة ذاتية للإنسان وغير قابلة للتغيير حتّى يكون البشر مجبوراً على التقصير كما توهمّته الفرقة الجبرية ... بل هي إختيارية من الإنسان وحاصلة له باختيارها لنفسه ...
  فيمكن للشقيّ أن يعدل إلى طريق السعداء ، ويختار لنفسه حُسن البقاء ... بعزم إرادته ، والتفكير في عاقبته ، وإرادة الخير لنفسه ... وهذا أمر ثابت دليلا ووجداناً ، نقلا وعقلا بوجوه عديدة نختار منها ما يلي :
  أوّلا : ما رواه الشيخ الصدوق بسنده إلى عمرو بن ثابت ، عن أبي جعفر قال ، ( من قرأ ( قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ ) و ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ ) في فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وما ولدا ، وإن كان شقيّاً مُحي من ديوان الأشقياء ، وأُثبت في ديوان السعداء ، وأحياه الله سعيداً ، وأماته شهيداً ، وبعثه شهيداً ) (1) .
  وروى أيضاً بسنده إلى زرارة بن أعين ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( إنّ الله يمجّد نفسه في كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات ، فمن مجّد الله بما مجّد به نفسه ثمّ كان في حال شقوة حُوِّل إلى سعادة ، فقلت له ، كيف هذا التمجيد ؟
  قال ، تقول ، ( أنت الله لا إله إلاّ أنت ربّ العالمين ، أنت الله لا إله إلاّ أنت الرحمن الرحيم ، أنت الله لا إله إلاّ أنت العلي الكبير ، أنت الله لا إله إلاّ أنت مالك يوم الدين ، أنت الله لا إله إلاّ أنت الغفور الرحيم ، أنت الله لا إله إلاّ أنت العزيز الحكيم ، أنت الله لا إله إلاّ أنت منك بدء كلّ شيء وإليك يعود ، أنت الله لا إله إلاّ أنت لم

-------------------------------
(1) ثواب الأعمال ، ص 155 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 162 _

  تزل ولا تزال ، أنت الله لا إله إلاّ أنت خالق الخير والشرّ ، أنت الله لا إله إلاّ أنت خالق الجنّة والنار ، أنت الله لا إله إلاّ أنت الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، أنت الله لا إله إلاّ أنت الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان الله عمّا يشركون ، أنت الله الخالق البارىء المصوّر ، لك الأسماء الحسنى ، يسبّح لك ما في السماوات والأرض ، وأنت العزيز الحكيم ، أنت الله لا إله إلاّ أنت الكبير [ المتعال ] والكبرياء رداؤك ) (1) .
  ثانياً : إنّه لو كانت الشقاوة ذاتية لم يمكن تبديلها بالسعادة حتّى يؤمر بالدعاء لتبديلها في مثل دعاء ليلة القدر المباركة ، ( وإنْ كنتُ من الأشقياء فامحُني من الأشقياء واكتبني من السعداء ) (2) .
  ثالثاً : إنّه لو كانت الشقاوة ذاتية والمعاصي صادرة عن تلك الشقاوة اللا إختيارية لم يكن وجهٌ لتوقيف العباد في موقف الحساب يوم المعاد والسؤال منهم ، مع أنّ ذلك الموقف قطعي بصريح الكتاب الكريم في قوله عزّ إسمه ، ( وَقِفُوهُمْ إنَّهُم مَّسْؤُولُونَ ) (3).
  رابعاً : إنّ الشقاوة الذاتية لا يمكن أن تكون أبداً لا فيما يتعلّق باُصول الدين ولا فيما يتعلّق بفروع الدين .
  أمّا في الاُصول فلأنّ الإنسان مفطور على التوحيد ( فِطْرَةَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (4) .

-------------------------------
(1) ثواب الأعمال ، ص 28 .
(2) مفاتيح الجنان ، ص 235 .
(3) سورة الصافات ، الآية 24 .
(4) سورة الروم ، الآية 30 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 163 _

  وأمّا في الفروع فلأنّ الشقاوة فيها تعرض بكثرة الذنوب ، وإسوداد القلب ، ولا تكون من ذات الإنسان كما تلاحظه في الأحاديث الشريفة مثل حديث زرارة عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) إنّه قال ، ما من عبد إلاّ وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإذا أذنب ذنباً خرج من النكتة نكتة سوداء ، فإن تاب ذهب ذلك السواد ، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّي البياض ، فإذا تغطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً ، وهو قول الله عزّوجلّ ، ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (1) ) (2) .
  خامساً ، إنّ الذاتية في الشقاء خلاف الدليل العقلي في تعريف الذاتي ... وذلك لأنّ الذاتي إمّا أن يكون ذاتياً من باب الكليّات كالجنس والفصل والنوع مثل حيوانية الحيوان وإنسانية الإنسان وناطقيّته ...
  وإمّا أن يكون ذاتياً في باب البرهان وهو ما ينتزع من نفس الذات من دون حاجة إلى ضمّ ضميمة كزوجيّة الأربعة ...
  ومن المعلوم أنّ الشقاوه ليست منهما في شيء بالضرورة ، بل هي من الصفات العارضة على النفس كسائر الأوصاف النفسيّة ...
  فلا تكون من سنخ ماهيّة الإنسان حتّى تكون ذاتيةً له .
   بل يتوغّل العبد بإختياره في المعاصي فيصير شقيّاً ، كما يتواجد في الطاعات بإختياره فيكون سعيداً .
  وقد خلقه الله تعالى ليرحمه ، وهداه السبيل ليُسعده ، ومنحه القيوميّة والإختيار ... فكان هو الإنسان بنفسه يختار لنفسه الخير أو الشرّ ، بعد أنْ هداه الله تعالى إلى سبيل الخير والأخيار ، ونهاه عن طريق الشرّ والأشرار ( إنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إمَّا

-------------------------------
(1) سورة المطفّفين ، الآية 14 .
(2) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 273 ، باب الذنوب ، ح 20 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 164 _

  وللسّعيدِ خمسُ خصال ، [ أن ] يقولَ الحقَّ ولو عليه ، وأن يحبَّ للناسِ كما يُحبُّ لنفسِه ، وأن يُعطي الحقَّ من نفسِه ، وأن يُحبَّ ذِكَر اللّهِ ، وأن يَحرِصَ في طاعةِ اللّه (36) .
  شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) (1) .
  ومن المعلوم أنّه لا يرضى الله تعالى لعباده الكفر والعصيان ، ولم يخلقهم للشقاوة والطغيان حتّى يجبرهم عليها بل خلقهم للعبادة والسعادة .
  ( وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاّ لِيَعْبُدُونَ ) (2) .
  لكن العبد لسوء الإختيار ، قد يمتهن المعصية ويستلذّ بفعل الأشرار ، ويتّصف بالشقاوة ، من دون جبر أو إجبار فيصير شقيّاً .
  وفي حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) في تفسير قوله تعالى : ( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنَا ) (3) قال ( عليه السلام ) ، بأعمالهم شقوا (4) .
  وبهذا تعرف أنّ مقولة الجبريّة باطلة ، والشقاوة ليست ذاتية .
  (36) السعادة خلاف الشقاوة ... فيتّصف السعيد بخلاف ما يتّصف به الشقي ... فإذا التزم الإنسان بالطاعة وإجتمعت أسباب السعادة في شخص كان سعيداً .
  فيقول الحقّ ولو على نفسه ، ويحبّ الخير للناس كما يحبّه لنفسه ، ويعطي الحقّ لصاحبه ولو كان من نفسه ، ويحبّ ذكر الله ، ويحرص في طاعته ... وأمّا أسباب السعادة فهي ما في حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) حيث قال ، ( ما كلُّ من أراد شيئاً قدر عليه ، ولا كلُّ من قدر على شيء وُفّق له ، ولا كلُّ من وفّق

-------------------------------
(1) سورة الإنسان ، الآية 3 .
(2) سورة الذاريات ، الآية 56 .
(3) سورة المؤمنون ، الآية 106 .
(4) كتاب التوحيد للصدوق ، ص 356 ، الباب 58 ، الحديث 2 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 165 _

  يا علي ، وللمرائي ثلاثُ (37) خصال ، يطوّلُ الركوعَ والسجودَ مع الناسِ في الصلاةِ ويخفِّفُ إذا كانَ وحدَه ، ويتواضعُ للناسِ ويتكبرُ على عيالِه وحدَه ، و [ أن ] يكثَر عيبَ الناس (38) .
  أصاب له موضعاً ، فإذا اجتمع [ اجتمعت ] النيّة ، والقدرة ، والتوفيق ، والإصابة فهناك تجب السعادة ) (1) .
  (37) يستظهر من النسخة المخطوطة أن تكون كلمة العدد هنا ( ثلاث ) والمقروء ستّة ، فأثبتنا المستظهر .
  (38) يكثر تعييب الناس حتّى يحسّن سمت نفسه ...
  واعلم أنّ المرائي هو المتّصف بالرياء ، وأصل الرياء طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائتهم خصال الخير كما حكاه العلاّمة المجلسي (2) عن بعض المحقّقين ، ثمّ بيّن ( قدس سره ) أقسام المرائي على تفصيل فلاحظ .
  وحقيقة الرياء هو التقرّب إلى المخلوقين بإظهار الطاعة ، وطلب المنزلة في قلوبهم والميل إلى إعظامهم وتوقيرهم إيّاه ، وإستجلاب تسخيرهم لقضاء حوائجه والقيام بمهمّاته ، وهو الشرك الخفيّ كما أفاده المولى ابن فهد الحلّي (3) .
  ثمّ ذكر أنّ علاج الرياء يكون أوّلا بالتدبّر في أحاديث مذمومية الرياء ومحبوبيّة الإخلاص ، وثانياً بتعويد النفس إخفاء العبادات والقناعة بإطلاع الله تعالى وعلمه ، ولا ينازع نفسه إلى طلب علم غير الله ... ولا دواء أنجح من ذلك .
  راوياً عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه ، ( ما بلغَ عبدٌ حقيقة الإخلاص حتّى لا يحبّ أن

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 78 ، ص 210 ، باب 23 ، ح 87 .
(2) مرآة العقول ، ج 10 ، ص 87 .
(3) عدّة الداعي ، ص 202 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 166 _

  يا علي ، وللمحسنِ (39) أربعُ (40) خصال ، أن تكونَ سريرتُه أصلحَ من العَلانية (41) ، يُحمد على شيء من عمل الله ) .
  وينبغي أن تلاحظ أحاديث ذمّ الرياء في الكافي (1) ، والبحار (2) .
  منها الحديث السابع من باب الرياء من الكافي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به ، فإذا صعد بحسناته يقول الله عزّوجلّ ، إجعلوها في سجّين (3) إنّه ليس إيّاي أراد ) .
  وعلى الجملة تعرف أنّ طلب المنزلة وإظهار الطاعة في المرائي تسوّل له هذه الخصال التي وردت في الحديث الإيصائي ، تطويل الركوع والسجود إذا كان مع الناس ، وتخفيفهما إذا كان وحده ، ثمّ إظهار التواضع إذا كان مع الناس ... والتكبّر إذا كان وحده ، ثمّ إكثار تعييب الناس ليسيء سمعتهم لأجل تحسين حال نفسه ... وجاء في الحديث العلوي أيضاً ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ( ثلاث علامات للمرائي ، ينشط إذا رأى الناس ، ويكسل إذا كان وحده ، ويحبّ أن يُحمد في جميع اُموره ) (4) .
  (39) أي من يكون فعاله محاسن الأعمال ـ خلاف المسيء .
  (40) في النسخة هكذا ولعلّ في الأصل ثلاثة ، وهي المقدار المذكور .
  (41) وبهذه الصفة يكون خالياً عن النفاق والتدليس ، ومبطّناً للخير

-------------------------------
(1) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 293 .
(2) بحار الأنوار ، ج 72 ، ص 265 ، باب 116 ، الأحاديث .
(3) وهو ديوان الفجّار والكتاب الجامع الذي دُوّن فيه أعمال الكفرة والفسقة من الجنّ والإنس .
(4) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 295 ، ح 8 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 167 _

  وأن يُحسن إلى من عصى اللّه (42) ، وأن يستَر عيبَ الناس (43) .
  يا علي ، وللمنافقِ (44) أربعُ خصال ، يُكثرُ عيوبَ جيرانِه ، وإذا غضبَ لم يَملْك نفسَه ، ولم يَعْفُ ، وأنْ يُسيءَ إلى من أحسَنَ إليه .
  والإخلاص فلابدّ وأن تصدر منه المحاسن دون المساوىء .
  (42) بإرشاده إلى طاعة الله وإنقاذه من معصية الله .
  (43) وستر العيوب من شيم الكرام ، ومعالي الاُمور العظام ، في سبيل اللطف والإحسان إلى نوع الإنسان .
  (44) المنافق يطلق على معان :
  منها ، من يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر وهو المعنى المشهور .
  ومنها ، صاحب الرياء ... فيكون المرائي منافقاً .
  ومنها ، من يظهر الحبّ ويكون في الباطن عدوّاً ، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقاً .
  ومنها ، من يدّعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ، ولم يتّصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها فيكون باطنه مخالفاً لظاهره .
  ذكر هذا العلاّمة المجلسي بعد حديث ( ثلاث مَنْ كنّ فيه كان منافقاً وإنْ صام وصلّى وزعم أنّه مسلم ، من إذا ائتمن خان ، وإذا حدّثَ كذب ، وإذا وعد أخلف ) .
  ثمّ أفاد ( قدس سره ) ، كأنّ المراد بالمنافق فيه هو المعنى الأخير (1) .
  فالمنافق حين لم يعمل بمقتضى اُصول الإيمان يتّصف بتكثير عيوب الجيران ، وعدم إمتلاك الغضب ، وعدم العفو ، والإساءة إلى المحسن .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 72 ، ص 108 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 168 _

  يا علي ، وللصادقِ (45) أربعُ خصال ، أنَ يَصْدُقَ عند الرهبةِ ، وعند الرَغبةِ ، وعند الشَهوةِ ، وعندَ الرضا ، وعندَ الغضب ، وأن لا يُظهَر مصيبتَه للناس ، وأن لا يدعوَ على من ظَلَمه ، ولا يُظهرَ عبادتَه ولا يشكوَ مصيبَته .
  يا علي ، أحسِنْ طَهورَكَ يُباركُ اللّهُ لكَ في رزقِك (46) .
  وقد عقد في الكافي (1) باباً في صفة النفاق والمنافق ، وفي غيره (2) أيضاً فلاحظ .
  (45) الصدق في اللغة هو خلاف الكذب ، وفسّر بمطابقة الخبر للواقع ونفس الأمر .
  إلاّ أنّ الصادق واقعاً هو من صدق في دين الله نيّةً وقولا وعملا ـ كما أفاده الشيخ الطريحي (3) في تفسير قوله تعالى : ( وَكُونُوا مَعَ الصادِقِينَ ) (4) .
  والصادق بهذا المعنى الجامع والصدق الإيماني الواقع يكون صادقاً في جميع حالاته في الرهبة والرغبة والرضا والغضب ، وبواسطة نيّة الصدق لا يظهر المصيبة ولا يشكوها ، ويتستّر في العبادة ، بل ينوي الخير ولا يدعو على من ظلمه ، إن كان قابلا للهداية ، أو إن لم يفعل ما يوجب الدعاء عليه .
  فلاحظ أخبار فضيلة الصدق في البحار (5) ، إذا أردت إستقصاء الآثار .
  (46) الطهور ـ بفتح الطاء ـ ، في أصل اللغة هو الطاهر المطهِّر ، وفسّر بالطاهر

-------------------------------
(1) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 393 .
(2) بحار الأنوار ، ج 72 ، ص 172 ، باب 103 ، الأحاديث .
(3) مجمع البحرين ، ص 437 .
(4) سورة التوبة ، الآية 119 .
(5) بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 1 / 17 ، باب 60 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 169 _

  يا علي ، الطَهورُ نصفُ الإيمان (47) فإنّ الملائكةَ يستغفرونَ ويدعُون لمن يُحسِنُ طَهورَه .
  يا علي ، الصلاةُ عَمودُ الإسلام (48) ...
  في نفسه المطهّر لغيره أي الماء والأرض (1) ، ويطلق على ما يطهّر النفس من الحدث أي الغسل والوضوء والتيمّم ، وتحسينها هو ، إتيانها صحيحة كاملة حسنة ...
  والوضوء والغسل والتيمّم الحسن تقرّب إلى الله ، وطهارة للنفس ، ونقاء من الأدران ، فتوجب البركة في الرزق ... مضافاً إلى أنّها توجب إستغفار الملائكة لمن يحسّنها كما في الفقرة الآتية ... ومعلوم أنّ المغفرة توجب رزق السماء ... كما قال عزّ إسمه ، ( وَيَا قَوْم اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْراراً ) (2) .
  وقال عزّ إسمه ، ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْراراً * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَّكُمْ جَنّات وَيَجْعَلْ لَّكُمْ أَنْهاراً ) (3) .
  (47) فإنّه لا يتمّ الإيمان إلاّ بالطهور ، ولا صلاة إلاّ بطهور ... فيكون الطهور شطراً وجزءاً من الإيمان ... ولعلّ التعبير بالنصف بلحاظ جزئه ونصفه الآخر وهي الصلاة ...
  وجاء في حديث الجعفريات أيضاً ، ( الوضوء نصف الإيمان ) (4) .
  (48) فمثلها كعمود الفسطاط ... إذا ثبت العمود ثبت الفسطاط ، وإذا زال العمود زال الفسطاط .

-------------------------------
(1) مجمع البيان ، ج 7 ، ص 173 .
(2) سورة هود ، الآية 52 .
(3) سورة نوح ، الآيات 10 ـ 12 .
(4) مستدرك الوسائل ، ج 1 ، ص 288 ، باب 1 ، ح 9 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 170 _

  إنّ اللّهَ وملائكتَه يُصلُّونَ على مَن يُصلّي الصَّلَواتِ في أوقاتِها بتمامِ رُكوعِها وسُجودِها (49) .
  ووجوب الصلاة من ضروريات الدين مع دليل الكتاب المبين ، ومتواتر سنّة سيّد المرسلين والأئمّة الهداة المهديين ، وإجماع المسلمين .
  وقد بُني عليها الإسلام ، وصارت من دعائم الدين كما تلاحظه في الأحاديث الواردة في فضل الصلاة (1) .
  (49) أي مع تمامية ركوعها وسجودها وإتيانهما كاملين ، فإنّ الصلاة قد أُمر بالمحافظة عليها بأدائها في أوقاتها ، والمواظبة عليها بجميع شروطها وحدودها ، وإتمام أركانها .
  وذُمّ إضاعتها والإستخفاف والإستهانة بها ، كما تلاحظه في مفصّل الأحاديث (2) .
  من ذلك قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( إذا كان يوم القيامة يأتي الله بالعبد فأوّل شيء يسأله عنه الصلاة ... فإن جاء بها تامّة وإلاّ زُخّ ـ أي دفع ورمي ـ في النار ) .
  وإنّ مَنْ ضَيّعَ صلاته حشره الله تعالى مع قارون وفرعون وهامان .
  وإنَّ من ترك صلاةً لا يرجو ثوابها ولا يخاف عقابها ، فلا أُبالي أيموت يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً .
  ومن ترك صلاته حتّى تفوته من غير عذر فقد حبط عمله .
  ولا يزال الشيطان يرعب من بني آدم ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه وأوقعه في العظائم (3) .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 82 ، ص 188 ـ 236 ، باب 1 ، الأحاديث .
(2) بحار الأنوار ، ج 73 ، ص 1 / 25 ، باب 6 ، الأحاديث .
(3) بحار الأنوار ، ج 82 ، ص 202 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 171 _

  يا علي ، ركعتانِ باللَّيلِ أفضلُ من ألفِ ركعة في النهار ، صلاةُ الليلِ نورٌ لصاحبِها في الدنيا والآخرةِ .
  يا علي ، المصلّي بالليل يُحشرُ يومَ القيامةِ على ناقة من نُوقِ الجنّةِ ... وفي يمينِه براءةٌ لهُ من النارِ ، وأمانٌ من العقاب ... إنّ اللّهَ عزّوجلَّ وَعَدَ المصلّين باللّيلِ لكلّ ركعة قصرٌ في الجَنّةِ ، ولكلِّ سجود حوراء ، من كرامةِ المصلّي بالليل ، وانّ اللّه عزّوجلّ يُحبّهُ ويُحبْبهُ إلى جميعِ خَلقه ، ويَرزقُهُ دوامَ العافيةِ وسعةَ الرّزق (50) .
  وليس منّي مَنْ استخفّ بصلاته ، لا يرد عليّ الحوض لا والله .
  وقوله صلوات الله عليه وآله في الحديث الذي روته مولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، ( من تهاون بصلاته من الرجال والنساء إبتلاه الله بخمس عشرة خصلة ... ) (1) ثمّ ذكر خصال السوء التي تصيب المتهاون ، في الدنيا ، وعند موته ، وفي قبره ، وعند القيامة فراجع .
  (50) فصلاة الليل هي النافلة العظيمة التي دعا إليها الله تعالى في آيات عديدة من كتابه الكريم كقوله تعالى : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ) (2) .
  ورغّب فيها النبي وآله الطاهرون في أحاديث كثيرة منها ما تلاحظها في هذه الوصيّة الشريفة ، ومنها ما ورد من كونها تحسّن الوجه ، وتحسّن الخُلُق ، وتطيّب الريح ، وتدرّ الرزق ، وتقضي الدَين ، وتجلو البصر ، وتذهب بالهمّ ، وتصحّ البدن

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 83 ، ص 21 .
(2) سورة الإسراء ، الآية 79 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 172 _

  يا علي ، مَن مشى إلى صلاةِ الجَماعة كتبَ اللّهُ له حجّة (51) ومن مشى إلى نافلة كَتَبَ اللّهُ لهُ عُمرة (52) .
  وغير ذلك ، كما تلاحظ ذلك في أحاديث فضلها (1) الآتية في وصيّة اُخرى رقم 117 .
  ولاحظ في بيان العترة الطاهرة آداب القيام إلى صلاة الليل ، والدعاء عند ذلك بالأدعية المأثورة (2) ، وكيفيّة صلاة الليل والشفع الوتر وسننها وآدابها وأحكامها (3) ، والله وليّ التوفيق .
  (51) وقد وردت أحاديث وافرة متظافرة في فضل صلاة الجماعة من البحار (4) .
  منها الحديث الثامن من باب فضل الجماعة عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال ، ( وأمّا الجماعة فإنّ صفوف اُمّتي في الأرض كصفوف الملائكة في السماء ، والركعة في جماعة أربع وعشرون ركعة ، كلّ ركعة أحبّ إلى الله عزّوجلّ من عبادة أربعين سنة .
  وأمّا يوم القيامة يجمع الله فيه الأوّلين والآخرين للحساب ، فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلاّ خفّف الله عليه عزّوجلّ أهوال يوم القيامة ثمّ يأمر به إلى الجنّة ) .
  واُفيد فقهاً أنّ الجماعة مستحبّة في الفرائض الحواضر اليوميّة كلّها بالدليل كتاباً ، وسنّة ، وإجماعاً ، بل ضرورة من الدين بحيث يدخل منكرها في سبيل الكافرين (5) .
  (52) فإنّ النوافل قربان المؤمن إلى الله ، وطلب الخير من مظانّه ، فتوجب فضل الله تعالى بمثل هذا الثواب الكريم لمن مشى إلى إتيانها ، وهو ثواب العمرة التي

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 116 ، باب 6 .
(2) بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 186 ، باب 11 .
(3) بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 194 ، باب 12 .
(4) بحار الأنوار ، ج 88 ، ص 2001 ، باب 1 .
(5) جواهر الكلام ، ج 13 ، ص 134 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 173 _

  يا علي ، مَن لم يُجالِس العلماءَ أربعينَ يوماً ماتَ قلبُه (53) .
  يا علي ، كنْ عالِماً أو مُتعلِّماً ولا تكُن الثالثَ فتَهلَك. قال ( عليه السلام ) ، فمَن الثالِث يا رسولَ اللّه ؟
  قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، اللاّهي الذي لا يَعْلَم ولا يَتعلّم ...
  هي سعيٌ إلى بيت الله الحرام .
  وتلاحظ فضل النوافل في أحاديث البحار (1) .
  منها الحديث الخامس عشر من باب جوامع أحكام النوافل عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال :
  قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال الله تعالى ، ( ما تحبّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ ممّا افترضته عليه ، وإنّه ليتحبّب إليَّ بالنافلة حتّى اُحبّه ، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته ... ) .
  (53) بواسطة حرمانه من العلم ، وعدم إستفادة قلبه من طرائف الحكمة ، والجهل موت القلب كما أنّ العلم حياته ، وجاء في حديث الإمام السجّاد ( عليه السلام ) فيما أوحى الله تعالى إلى دانيال ، ( ... وانّ أحب عبادي عندي التقي ، الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء ) (2) .
  فيلزم مجالسة العالم الربّاني الذي يكون علمه محيياً للقلب ، ليستفاد من علمه حياة القلوب .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 21 ، باب 1 وما بعده .
(2) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 185 ، باب 1 ، ح 109 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 174 _

  فان قَتَل أو زَنى أو شَرِب فلا يؤمَن ، فإنّه قاسي القلب (54) .
  يا علي ، ركعتانِ من العالِم أفضلُ من سبعينَ ركعة من الجاهل (55) .
  يا علي ، العابدُ بلا علم مَثَلُه كمَثَلِ رجل يكيل المَاءَ في البَحرِ لا يَدري زيادتَه من نُقصانِه ، أم كمَثَل رجل يزرعُ السَبْخ (56) .
  يا علي ، عليكَ بالعلم ولو بالصين ، فإنّه ليسَ شيءٌ أحبُّ إلى اللّهِ تعالى من العالم أو المتعلِّم أو المستمِع (57) .
  (54) فإنّ الجاهل الذي لا يتعلّم يقسو قلبه ، وقسوة القلب هي غلظته وقلّة رحمته وصلابته عن قبول الحقّ وذكر الله والخوف والرجاء وغيرها من الصفات الحميدة ... لذلك يتأتّى منه فعال القسوة ، ولا يكون مأموناً من الشرّ كقتل الأنفس ، والزنا بالأعراض ، وشرب الخمور .
  (55) فصلاة العالم تكون مقرونة بمعرفته بالمعبود وتوجّهه إليه وخشوعه له ... ولا تكون صلاة الجاهل كذلك فتنقص من حيث الكيفيّة وإن زادت من حيث الكميّة ... كما تقدّم في وصيّة الفقيه .
  (56) السبخ هي الأرض المالحة التي يعلوها الملح ولا يكاد يثبت فيها إلاّ بعض الأشجار ، وعبادة العابد بلا علم لا تحصل منها النتيجة المطلوبة ، والأثر النافع مثل زراعة الأرض السبخة .
  (57) إذ لا خير في الدنيا إلاّ لمن علّم أو تعلّم ، فيلزم تعلّم العلم وعدم البقاء على الجهل فإنّ مَنْ لم يصبر على ذلّ السؤال ساعة يلزمه الصبر على ذلّ الجهل أبداً ...
  لذلك حثّت الروايات المتواترة على العلم ... وطلبه ولو كان في أقاصي البلاد ، وجعلت الأجر على تعليمه ، وتعلّمه ، وإستماعه ... بل حتّى على محبّة ذلك سَوْقاً للناس إلى نور العلم وإنقاذاً لهم من ظلمة الجهل .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 175 _

  يا علي ، مَن أكرمَ الضيفَ أكرمهُ اللّهُ ، ومَن أبغضَ الضيفَ أبغضُه اللّه (58) .
  يا علي ، ما أسرعَ الرحمَةَ والبركةَ ...
  ففي حديث السكوني ، عن الإمام الصادق ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال ، ( العلم خزائن ، والمفاتيح السؤال ، فاسألوا يرحمكم الله ، فإنّه يؤجر في العلم أربعة ، السائل ، والمتكلّم ، والمستمع ، والمحبّ ) (1) .
  بل في حديث الغوالي ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( أُغْدُ عالماً أو متعلّماً أو مستمعاً أو محبّاً لهم ، ولا تكن الخامس فتهلك ) (2) .
  وفي حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ، ألا إنّ الله يحبّ بُغاة العلم ) (3) ـ أي طُلاّبه ـ .
  (58) فإنّه قد ورد في الأمر بإكرام الضيف عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال ، ( مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) (4) .
  فيكون إكرام الضيف من شؤون الإيمان ـ لذلك يوجب إكرامه إكرام الله ، وبغضه بغض الله ، والضيف هديّة الله كما سيجيىء في الحديث العلوي الشريف .
  وتلاحظ أحاديث فضل إكرام الضيف وآداب الضيافة في أبوابها (5) الروائية .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 196 ، باب 3 ، ح 1 .
(2) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 195 ، باب 2 ، ح 13 .
(3) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 172 ، باب 1 ، ح 26 .
(4) بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 460 ، باب 93 ، ح 14 .
(5) بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 450 ـ 463 ، باب 9 (1) 94 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 176 _

  إلى بيت يدخُلهُ الضيفُ والبَعير (59) .
  يا علي ، أطعِم الطعامَ ، وأفشِ السَّلام (60) ، وصَلِّ باللّيلِ والناسُ نِيام (61) ...
  (59) قيل الإبل إسم جنس يشمل الذكر والاُنثى ... إلاّ أنّ لفظ الإبل ملازم التأنيث ، والبعير مذكّر اللفظ ، ويقال للذكر جمل وللاُنثى ناقة .
  ولعلّ الرحمة والبركة في البعير من جهة كثرة منافعه الحاصلة منه وفوائده المترتّبة عليه ، فيؤكل لحمه ، ويشرب لبنه ، ويلبس صوفه ، ويُركب ظهره ، وتنقل الأمتعة عليه ، ويسافر إلى البلدان به ، وتقطع الصحارى به ، ويستفاد عند شدّة العطش من راويته ، ولا يحتاج إلى الإنفاق في علوفته لأنّه يرعى كلّ شيء نابت في البراري .
  (60) إفشاء السلام هو ، إظهاره ونشره بين الناس .
  (61) وجُعلت هذه الثلاثة من المنجيات في حديث المكارم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ( المنجيات إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام ) (1) .
  وفي كلّ واحد من هذه الخصال فضل كثير مذكور في بابه فكيف إذا إجتمعت وجلبت نظر رحمة الله تعالى التي توجب البُعد عن العذاب ، بل الدخول في الجنّة .
  ففي الحديث عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال ، ( ما من مؤمن يحبّ الضيف إلاّ ويقوم من قبره ووجهه كالقمر ليلة البدر ، فينظر أهل الجمع فيقولون ، ما هذا إلاّ نبي مرسل ، فيقول مَلَك ، هذا مؤمن يحبّ الضيف ويكرم الضيف ، ولا سبيل له إلاّ أن

-------------------------------
(1) مكارم الأخلاق ، ج 1 ، ص 292 ، ح 5 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 177 _

  وإذا فعلتَ ذلك نظَر اللّهُ إليك في كلِّ يوم سبعينَ مرّة (62) ، ومن نَظَر اللّهُ إليهِ لم يعذبْه .
  يا علي ، أكرِمْ جارَك وكُنْ مُحبّاً لخيرِه ، فإن من يحسد خَيرَ جارِه محى اللّهُ عمرَه في الباطل (63) وأنَفقَ مالَه في غيرِ الحقّ (64) .
  يدخل الجنّة ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إذا أراد الله بقوم خيراً أهدى إليهم هدية ، قالوا ، وما تلك الهدية ؟ قال ، الضيف ينزل برزقه ، ويرتحل بذنوب أهل البيت ) (1) .
  (62) ومن المعلوم أنّ نظره تعالى هو نظر رحمة ، ورحمته خير مطلق .
  (63) أي انقضى عمره في الباطل .
  (64) هذا من آثار حسد الجار وترك إكرامه فقد أمر الكتاب الكريم ، وحثّت أحاديث المعصومين ( عليهم السلام ) على إكرام الجار ، والإحسان إليه ، وحسن الجوار معه ...
  وقد بلغ الإهتمام بالجار إلى حدّ الإيصاء والتوصية به على لسان الرسول (ص) الأمين وأمير المؤمنين ... وجعلوه من الدين المبين ... كما تلاحظها مجموعة في البحار (2) .
  حتّى أنّه جاء في الحديث السابع من الباب مسنداً إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) أنّه قال ، ( ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه ) أي غوائله وشروره .
   وفي المجمع ما نصّه :
  ( في الخبر ، كلّ أربعين داراً جيران من بين اليدين والخلف واليمين والشمال ... وفي الحديث ، عليكم بحسن الجوار وحُسن الجوار يعمّر الديار .
  ومن جملة حسن الجوار إبتداؤه بالسلام ، وعيادته في المرض ، وتعزيته في

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 461 ، باب 93 ، ح 14 .
(2) بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 154 ، باب 10 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 178 _

  يا علي ، إيّاكَ والحَسد ، فإنّ الحسدَ في الحسناتِ أسرعُ من النارِ في الحَطَب (65) .
  يا علي ، إيّاكَ والغِيبَة (66) ...
  المصيبة ، وتهنيته في الفرح ، والصفح عن زلاّته ، وعدم التطلّع إلى عوراته ، وترك مضايقته فيما يحتاج إليه ) (1) .
  وأضاف في السفينة ، انّه ليس حسن الجوار كفّ الأذى عن الجار فقط ، بل تحمّل الأذى منه أيضاً (2) .
  (65) في أنّه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ... وقد مضى بيان آفة الحسد في وصيّة الفقيه فراجع .
  (66) الغيبة بكسر الغين وسكون الياء وفتح الباء كما ضبط (3) .
  وهي كما عرفها المشهور ، ( ذكر الإنسان حال غَيبته بما يكره نسبته إليه ، ممّا يُعد نقصاناً في العرف ، بقصد الإنتقاص والذمّ ) .
  وقد تطابقت على حرمتها الأدلّة الأربعة ، الكتاب والسنّة والإجماع والعقل.
  أمّا الكتاب ، فلصريح مثل قوله تعالى : ( وَلاَ يَغْتَبْ بَّعْضُكُم بَعْضاً ) (4) .
  وأمّا السنّة فلمتواتر الأحاديث الواردة في حرمتها (5) وذمّها (6) .

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 248 .
(2) سفينة البحار ، ج 1 ، ص 693 .
(3) مجمع البحرين ، مادّة غيب ، ص 130 .
(4) سورة الحجرات ، الآية 12 .
(5) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 566 ، باب 152 ، الأحاديث .
(6) بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 220 ، باب 66 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 179 _

  فإن الجَمْرةَ (67) في فَمِ المُسلم خيرٌ له مِن أنْ يغتابَ مسلماً بما فيه (68) .
  يا علي ، إذا كنتَ صائماً فلا تُبالِ اغتبتَ أو شَربتَ شربةً ماءاً بارداً بالنّهار (69) .
  وأمّا الإجماع ، فلإجماع المسلمين ، بل ضروري الدين بحرمتها (1) .
  وأمّا العقل ، فلأنّ غيبة المؤمن إيذاء وإذلال له وهو ظلم ، والظلم قبيح بحكم العقل بل بإستقلاله .
  (67) أي جمرة النار ، وهي معروفة في احراقها ، وتأذّي المحترق بها .
  (68) إذْ الجمرة من نار الدنيا وهي أهون من نار الآخرة .
  (69) من حيث فساد الصوم الحقيقي ، وعدم قبوله ، فإنّ من أدب الصائم الإمساك الكامل عن جميع المحرّمات .
  وجاء في حديث محمّد بن مسلم ، قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) ، ( إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك ـ وعدّد أشياء غير هذا ـ وقال ، لا يكون يوم صومك كيوم فطرك ) (2) .
  وفي الحديث أيضاً قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لجابر بن عبدالله ، ( يا جابر هذا شهر رمضان ، من صام نهاره ، وقام وِرداً من ليله ، وعفّ بطنه وفرجه ، وكفَّ لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر.
   فقال جابر ، يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يا جابر وما أشدّ هذه الشروط ) (3) .

-------------------------------
(1) جواهر الكلام ، ج 22 ، ص 65 .
(2) الكافي ، ج 4 ، ص 87 ، ح 1 .
(3) الكافي ، ج 4 ، ص 87 ، ح 2 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 180 _

  يا علي ، إيّاك والنظر إلى حُرَمِ المؤمنين (70) فإنّ مَن نَظر في حُرَمِ المؤمنين أخرجَ اللّهُ خوفَ الآخرةِ مِن قلبهِ ، واليقينَ من صدرِه ، ومَلأَ قلبَه من خوفِ الفقرِ والهمِّ والحُزن (71) .
  يا علي ، إيّاك والكِذب فإنّه من أخلاقِ المنافقين ، وإيّاك والنميمةَ فإنّ اللّهَ قد حرَّم الجنّةَ على كلّ بخيل ومُراء ونمّام وعاقِّ الوالدين ومانعِ الزكاة وآكلِ الربا وآكلِ الحرام وشاربِ الخمر ، والواشمةِ والمستوشمة (72) ، والواصلةِ الشعر والمستوصلة (73) .
  (70) حُرَم ومفردها حُرمة مثل غُرَف وغرفة ـ هي المرأة ـ وحرم الرجل أهله .
  (71) فإنّ النظر إلى حرم المؤمنين خيانة بهم ، والخيانة لها آثارها هذه .
  (72) فسّرهما الشيخ الصدوق نقلا عن علي بن غراب بقوله ، والواشمة التي تَشِمُ وشماً في يد المرأة أو في شيء من بدنها ، وهو أن تغرز بدنها أو ظهر كفّها بابرة حتّى تؤثّر فيه ، ثمّ تحشوها بالكحل أو شيءٌ من النورة فتخضرّ ، والمستوشمة التي يفعل بها ذلك ، ذكر هذا التفسير بعد حديث لعنها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (1) .
  (73) أي التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها ...
   وحُملت حرمة هذا العمل على صورة التدليس بأن تفعله الماشطة بامرأة تدليساً وإخفاءً للعيب ـ لا من باب الزينة والتزيّن لزوجها .
  لحديث سعد الاسكاف عن الإمام أبي جعفر ( عليه السلام ) ، ( لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها ) (2) .

-------------------------------
(1) معاني الأخبار ، ص 249 .
(2) وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 94 ، باب 19 ، ح 3 .