فلمّا أراد رسولُ اللّه الكلامَ غلَبتُه عبرتُه ، فلم يقدر على الكلام فبكَت فاطمةُ بكاءً شديداً وعليٌ والحسنُ والحسينُ ( عليهم السلام ) لبكاءِ رسولِ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  فقالت فاطمةُ ، يا رسولَ اللّه قد قَطَّعْتَ قلبي ، وأحرقْتَ كبدي لبكائِك يا سيّدَ النبيّينَ من الأوّلينَ والآخرين ، ويا أمينَ ربِّه ورسولَه ، ويا حبيبَه ونبيَّه ، مَن لولدي بعدَك ، ولذُلّ ينزلُ بي بعدَك (67) ؟ مَن لعليّ أخيك وناصرِ الدين ؟ مَن لوحيِ اللّهِ وأمرِه ؟ ثمّ بكت وأكبَّت على وجهِه فقبّلتْهُ ، وأكبَّ عليه عليٌ والحسنُ والحسينُ صلواتُ اللّه عليهم ، فرفع رأسه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إليهم ويدُها في يده فوضعها في يدِ علي وقال له :
  يا أبا الحسن هذه وديعةُ اللّه ، ووديعةُ رسولِه محمّد عندَك ، فاحفَظ اللَّهَ واحفظني فيها ، وإنّك لفاعلُه (68) .
  يا علي ، هذه واللّهِ سيّدةُ نساءِ أهلِ الجنّةِ من الأوّلينَ والآخرين ، هذه واللّهِ مريمُ الكُبرى (69) ، أما واللّهِ ما بَلَغَتْ نفسي هذا الموضع حتّى سألتُ اللّهَ لها ولكم فأعطاني ما سألتُه .
  يا علي ، أَنْفِذْ لما أَمرَتْك به فاطمةُ ، فقد أمرتُها بأشياء أَمَرَ بها جبرئيلُ ( عليه السلام ) .
  واعلم يا علي ، إنّي راض عمّن رَضِيَتْ عنه ابنتي فاطمة .
  (67) في المصدر ، ولذلّ أهل بيتك .
  (68) في المصدر ، وإنّك لفاعل هذا .
  (69) فانّ مريم سيّدة نساء عالمها فقط وفاطمة سيّدة نساء العالمين جميعاً .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 212 _

  وكذلك ربّي وملائكتُه (70) .
  يا علي ، ويلٌ لمَن ظلَمَها ، وويلٌ لمن ابتزَّها (71) حقَّها ، وويلٌ لمن هَتَكَ حُرمتَها ، وويلٌ لمن أحرقَ بابَها ، وويلٌ لمن آذى خليلَها (72) ، وويلٌ لمن شاقَّها (73) وبارَزَها ، اللّهمّ إنّي منهم بريء ، وهم منّي بُراء ثمّ سمّاهم رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وضَمَّ فاطمةَ إليه وعليّاً والحسنَ والحسينَ ( عليهم السلام ) وقال ، اللّهمّ إنّي لهم ولمن شايعهُم سِلْم ، وزعيمٌ (74) بأنَّهم يدخلون الجنَّة ، وعدوٌ وحربٌ لمن عاداهُم وظَلَمهم وتقدَّمهم أو تأخَّر عنهم وعن شيعتِهم ، زعيمٌ بأنّهم يُدخلون النار ثمّ واللّهِ يافاطمة لا أرضى حتّى تَرْضَي ، ثمّ لا واللّهِ لا أرضى حتّى ترضَى ، ثمّ واللّهِ لا أرضى حتّى ترضَى (75) .
  ( م ) ... أما واللّهِ لينتقمَنّ اللّهُ ربّي وليغضبَنَّ لغضبِكِ ، فالويلُ ثمّ الويلُ ثمّ الويلُ للظالمين ، ثمّ بكى رسولُ اللّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  (70) أي إنّ ربّي جلّ جلاله وملائكته راضون عمّن رضيت عنه فاطمة سلام الله عليها .
  (71) أي سلب حقّها بجفاء وقهر .
  (72) في المصدر ، حليلها ، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
  (73) أي خالفها وعاداها .
  (74) الزعيم ، الضمين والكفيل ، ومنه قوله ( عليه السلام ) ، أنا بنجاتكم زعيم أي ضامن بنجاتكم كما في المجمع ، ص 519 .
  (75) الطرف ، ص 29 ، وعنه البحار ، ج 22 ، ص 484 ، ب 1 ، ح 31 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _213 _

  قال عليٌ ( عليه السلام ) ، فواللّهِ لقد حَسِبتُ (76) بضعةٌ منّي قد ذَهَبت لبكائِه حتّى هَمَلت عيناه مثلَ المطر ، حتّى بَلَّتْ دموعُه لحيتَه ومُلاءةً (77) كانت عليه وهو يلتزم فاطمةَ لا يفارقُها ورأسُه على صدري وأنا مُسندُه ، والحسنُ والحسينُ يقبّلان قدميه ويبكيان بأعلا أصواتِهما (78) .
  ( ن ) وفي الحديث التاسع عشر من الباب المتقدّم من البحار في وصيّته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قرب وفاته :
  ... فدعى أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) فلمّا دَنا منه أومأ إليه ، فأكبَّ عليه فناجاهُ رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طويلا ... فقالَ له الناس ، ما الّذي أوعَزَ إليكَ يا أبا الحسن ؟ فقال ، عَلَّمَني ألفَ باب من العِلم ، فَتَحَ لي كلُّ باب ألفَ باب ، وأوصاني بما أنا قائمٌ به ان شاءَ اللّه تعالى .
  ثمّ ثَقُلَ وحضَرُه الموتُ ، وأميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) حاضرٌ عندَه ، فلمّا قَرُبَ خروجُ نفسِهِ قال له ، ضَعْ يا علي رأسي في حِجْرِك ، فقد جاء أمرُ اللّهِ تعالى ، فاذا فاضَت نَفْسي فتناوَلْها بيدِك ، وامسحْ بها وجَهك ، ثمّ وجِّهني إلى القبلةِ ، وَتَولّ أمري ، وصَلِّ عليَّ أوَّلَ الناس ، ولا تفارقْني حتّى تواريني في رَمْسي ، واستعِنْ باللّهِ تعالى ، فأخَذَ عليٌ ( عليه السلام ) رأسَهُ فَوضَعَه في حِجْرهِ ، فاُغمى عليه ، فأكبَّتْ فاطمةُ ( عليها السلام ) تنظُرُ في وجِهِه وتندبُهُ وتبكي ...
  (76) في المصدر ، لقد حسست .
  (77) الملاءة هو الثوب اللين الرقيق .
  (78) كما في الطرف ، ص 381 ، وعنه البحار ، ج 22 ، ص 491 ، ب 1 ، ح 36 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 214 _

  ثمّ قُبِضَ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويدُ أميرِ المؤمنين اليمنى تحتَ حَنَكِهِ ففاضَتْ نفسُه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيها ، فَرَفعها إلى وجِهِه فمَسَحهُ بها ...
  هذا مختار من الحديث وهو ذو شجون وحزن مكنون فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 215 _

الوصيّة الرابعة :
  نقلها الشيخ الصدوق في علل الشرائع :
  وممّا أوصى به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حينما حضرته الشهادة أنّه أوصى له بجميع مختصّاته ، وأوصاه بلبس خاتمه ، وقبض مختصّاته ، حتّى لا ينازعه فيها أحد من بعده .
  ففي علل الشرائع قال ، حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه ( رضي الله عنه ) قال ، حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال ، حدّثنا سهل بن زياد الآدمي ، قال ، حدّثنا محمّد بن الوليد الصيرفي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، عن أبيه ، عن جدّه ( عليهم السلام ) قال ، لمّا حضَرَت رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الوفاةُ دعا العبّاسَ بن عبدِالمطّلب وأميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فقال للعبّاسِ ، يا عمَّ محمَّد ، تأخذُ تُراثَ محمّد وتقضي دينَه وتُنجزُ عداتِه (1) ؟
  فردَّ عليه وقال ، يا رسولَ اللّهِ أنا شيخٌ كبير كثيرُ العيال ، قليلُ المال ، من يطيقُك وأنت تباري الريح (2) .
   (1) في هامش الكافي عن الفيض الكاشاني أنّه قال ، لعلّ إلقاء هذا القول على عمّه أوّلا ثمّ تكريره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك إنّما هو لإتمام الحجّة عليه ، وليظهر للناس أنّه ليس أحد مثل ابن عمّه في أهليّة الوصيّة .
   (2) المباراة هي المسابقة ، وتباري الريح بمعنى تسابق الريح ، كناية عن علوّ الهمّة والسخاء ، يقال ، فلان يباري الريح سماحةً أي يسابقه فيها ، والريح مشهورة

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 216 _

  قال ، فأطرق (3) ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هنيئةً (4) قال (5) ، يا عبّاس أتأخذُ تراثَ رسولِ اللّهِ وتنجزُ عداتِه (6) وتؤدّي دينَه ؟ فقال ، بأبي أنت واُمّي أنا شيخٌ كبير كثيرُ العيال ، قليلُ المال ، من يطيقُك وأنت تباري الريح. فقال رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أما إنّي سأُعطيها من يأخذُ بحقِّها (7) ، ثمّ قال :
  يا علي ، يا أخا محمّد ، أَتُنْجِز عداةَ محمّد ، وتقضي دينَه ، وتأخذُ تراثَه (8) ؟
  قال ، نعم بأبي أنتَ واُمّي .
  قال ، فنظرتُ إليه حتّى نَزَع خاتَمه من إصبعِه فقال ، تختَّمْ بهذا في حياتي بالسخاء .
   (3) يقال ، أطرق الرجل ، إذا سكت ولم يتكلّم ، وأطرق رأسه ، أي أَمالَهُ وأسكَنه ، وأَطرق الرجل ، أي أرخى عينيه ينظر إلى الأرض (1) .
  ولعلّ الأنسب هنا هو المعنى الأوّل .
   (4) هنيئة أي وقتاً .
   (5) في الكافي ، ( ثمّ قال ) .
   (6) التراث هو الميراث ، والعدات جمع عدة هي الوعد في الخير .
  (7) في الكافي ، ( مَنْ يأخذها بحقّها ) أي مَنْ يأخذ هذه المواريث بالإستحقاق ويقوم بلوازمها .
  (8) في التعبير بأخ محمّد ، ثمّ تقديم إنجاز العداة وقضاء الدين ، دون أخذ التراث ، لطف لا يخفى .

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 439 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 217 _

  قال ، فنظرتُ إلى الخاتَم حينَ وَضعَهُ عليٌ ( عليه السلام ) في إصبعِه اليُمنى (9) .
  فصاح رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يا بلال ، عَلَيَّ بالمغفِر (10) ، والدّرعِ (11) ، والرايةِ (12) ، وسيفي ذي الفقار (13) ، وعمامتي السَّحاب (14) .
  (9) في الكافي ، ( فتمنّيتُ من جميع ما ترك الخاتم ) وهذا كلام العبّاس وتمنّيه .
  (10) المِغفر ـ بكسر الميم ـ ، زردٌ ينسج من الدروع على قدر الرأس يُلبس تحت القلنسوة .
  (11) الدِرع ـ بكسر الدال ـ ، وجمعه دروع وأدرع ودراع ، قميص من زرد الحديد يُلبس وقاية من سلاح العدو .
  (12) الراية هو العَلَم الكبير يتولاّها صاحب الحرب ، ويقاتل عليها ، وإليها تميل المقاتلة .
  (13) وهو سيف رسول الله الذي نزل به جبرئيل من السماء ، وأعطاه رسول الله علياً سلام الله عليهما وآلهما الكرام يوم اُحد فما زال يقاتل به حتّى سُمع دويّ من السماء ، لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي (1) وفي حديث أحمد بن عبدالله قال ، سألت الرضا ( عليه السلام ) عن ذي الفقار سيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أين هو ؟ فقال ، هبط به جبرئيل ( عليه السلام ) من السماء ، وكان حليته من فضّة ، وهو عندي (2) .
  (14) كان اسم عمامة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) السحاب ، وكان لأغلب مختصّاته أسماء لشرافتها .
  ورد أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ألبس علياً في غزوة الخندق درعه ذات الفضول ، وأعطاه

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 20 ، ص 71 ، ب 11 ، ح 7 .
(2) بحار الأنوار ، ج 42 ، ص 65 ، ب 118 ، ح 8 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 218 _

  والبُرد (15) ، والأبرقَة (16) ، والقضيب (17) ( يقالُ له ، الممشُوق ) فواللّهِ ما رأيتُها قبلَ ساعتي تَيك ـ يعني الأبرقة ـ (18) ، كادَتْ تخطَفُ الأبصار ، فإذا هي من أبرُقِ الجنَّة .
  فقال ، يا علي ، إنّ جبرئيل أتاني بها فقالَ ، يا محمَّد ! إجعلْها في حلقةِ الدِّرع واستوفِر بها (19) مكانَ المنِطَقة .
  ثمّ دعا بزَوجَي نعال عربيَّيْن أحدُهما ، مخصوفة والاُخرى غيرُ مخصوفة (20) ، والقميصَ الذي اُسرِىَ به فيه .
  سيفه ذا الفقار ، وعمّمه عمامة السحاب على رأسه تسعة أكوار ـ أي أدوار ـ ثمّ قال له ، تقدّم ، فقال لما ذهب ، ( اللّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه ) كما يستفاد من حديث البحار (1) .
  (15) البُرد ـ بضمّ الباء وسكون الراء ـ ، نوع من الثياب والأكسية المعروفة .
  (16) الأبرقة ، شُقةٌ يشدّ بها الوسط مكان المنطقة ، سمّيت بها لبريقها ، أو لكونها ذات لونين ، لأنّه يطلق على كلّ ما فيه سواد وبياض أبرق. (17) القضيب هو الغصن المقطوع من الشجر مأخوذ من القضب بمعنى القطع ، والقضيب يراد به العصا .
  (18) في الكافي قبل قوله كادت ، ( فجيء بشقّة ) .
  (19) في الكافي ، ( واستذفر بها ) من الإستذفار بمعنى شدّ الوسط .
  (20) في الكافي ، ( والآخر غير مخصوف ) والمخصوف هو المرقوع وخصف النعل ترقيعه .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 20 ، ص 203 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 219 _

  والقميصَ الذي خَرَج فيه يومَ أُحُد ، والقلانِسَ الثلاث ، قلنسوةَ السَّفَر ، وقلنسوةَ العيدَين ، وقلنسوةً كان يلبسُها ويقعدُ مع أصحابه. ثمّ قال رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يا بلال ، عَليَّ بالبغلتَين ، الشّهباء والدُلدُل (21) :
  والناقتَين ، العضباء والصهباء (22) ، والفرسَين ، الجَناح (23) ، الذي كان يُوقفُ ببابِ مسجدِ رسولِ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لحوائجِ الناس (24) .
  (21) يقال ، دَلْدَلَ في الأرض أي ذهب ومرّ ، ويسمّى به البغل لهذه المناسبة .
  (22) في الكافي ، ( والقصوى ) .
  (23) ويُسمّى ذو الجناح أيضاً وكان من جياد خيل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانتقل إلى سيّد الشهداء الحسين ( عليه السلام ) وكان معه في يوم عاشوراء .
  ولمّا صُرِعَ الإمام الحسين ( عليه السلام ) جعل الفرس يحامي عنه ويَثِبُ على الفارس من العدوّ فيخبطه عن سرجه ويدوسه ، حتّى قتل الفرس أربعين رجلا ولم يقدروا عليه ، فصاح ابن سعد عليه اللعنة ، ويلكم تباعدوا عنه ودعوه لننظر ما يصنع ، فتباعدوا عنه ، فلمّا أمن الطلب جعل يتخطّى القتلى ويطلب الحسين ( عليه السلام ) ، حتّى إذا وصل إليه جعل يشمّ رائحته ، ويقبّله بفمّه ، ويمرغ ناصيته عليه ، وهو مع ذلك يصهل ويبكي بكاء الثكلى حتّى أعجب كلّ من حضر ، ثمّ انفتل يطلب خيمة النساء إلى آخر قضيّته التي تراها منقولة عن أمالي الصدوق ، والمناقب لابن شهر آشوب ، ومدينة المعاجز للسيّد البحراني ، والمنتخب للطريحي في المعالي (1) .
  (24) في الكافي ، ( لحوائج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ) .

-------------------------------
(1) معالي السبطين ، ج 2 ، ص 19 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 220 _

  يَبعثُ رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الرجلَ في حاجتِه فيركبُه ، وحيزُوم وهو الذي يقولُ أَقْدِمْ حيزُوم (25) ، والحمار اليَعفور .
  ثمّ قال ، يا علي ، اقبِضْها في حياتي لا ينازُعك فيها أحدٌ بَعدي .
  ثمّ قال أبو عبدِاللّه (26) ( عليه السلام ) ، إنّ أوّلَ شيء مات من الدواب حمارَه اليعفُور ، تُوفّي ساعةَ قُبِض رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  قَطَع خِطامَه (27) ، ثمّ مرَّ يركض حتّى وافى بئرَ بني حطَمة (28) بُقبا (29) ، فرمى بنفسِه فيها فكانَت قبرَه .
  ثمّ قال أبو عبدِاللّه ( عليه السلام ) ، إنّ يَعفُور كَلَّمَ رسولُ اللّه (30) ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال ، بأبي أنتَ وأُمّي إنَّ أبي حدّثَني عن أبيه عن جدِّهِ ، ...
  (25) أي يقول له حينما يريده ، أَقْدِمْ حيزوم فيجيب ويقبل .
  (26) في الكافي ، ( فذكر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ) إنّ أوّل شيء مات الخ .
  (27) الخِطام ـ بكسر الخاء ـ ، هو الزمام أو ما يقاد به الدابّة .
  (28) في الكافي ، بني خطمة ، وخطمة ـ بفتح الخاء وسكون الطاء ـ ، حيٌ من الأنصار .
  (29) قُبا ـ بضمّ القاف والقصر ـ ، إسم قرية في جنوب غربي المدينة المنورة ، تبعد عنها أربع كيلومترات ، وبها مسجد التقوى المعروف بمسجد قُبا ، وهو المسجد الذي أُسّس على التقوى من أوّل يوم .
  (30) لا عجب في تكلّم الحيوان أو معرفته نسبه بإقدار الله تعالى وقدرته ، خصوصاً مع سيّد الرسل وأفضل الأنبياء صلوات الله عليه وآله .
  كما يقرّب هذا الأمر نظيره القرآني وهو تكلّم الهدهد والنملة لسليمان النبي ( عليه السلام ) بكلام الحكمة ومنطق العبرة .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 221 _

  أنّه كانَ مع نوح في السفينةِ ، فنظَر إليه يَوماً نوحٌ ( عليه السلام ) ومسَحَ يدَه على وجهِه ، ثمّ قال ، يُخرجُ من صِلب هذا الحمار حمارٌ يركبه سيّدُ النبيّين وخاتُمهم .
  والحمدُ للّهِ الذي جَعَلني (31) ذلكَ الحمار (32) .
  (31) هذا الكلام ليعفور رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  (32) علل الشرائع ، ص 166 ، ب 131 ، ح 1 ، وجاء في اُصول الكافي ، ج 1 ، ص 236 ، ح 9 ، مع إختلاف يسير ، وبحار الأنوار ، ج 22 ، ص 456 ، ب 1 ، ح 3 ، والمستدرك ، ج 8 ، ص 269 ، ب 13 ، ح 4 ، المسلسل 9418 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 222 _

الوصيّة الخامسة :
نقلها المحدّث الحرّاني في : تحف العقول    التُحَف ، روى الشيخ المحدّث الفقيه أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني الحلبي (1) في تحف العقول (2) عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في وصيّته لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) (3) :
   (1) وهو من أعاظم علماء الشيعة ومن معاصري الشيخ الصدوق ، ومن رواة الثقة الجليل محمّد بن همام الكاتب البغدادي ، كما تلاحظ جلالة قدره في الروضات (1) .
   (2) وهو كتاب شريف قلّما سمح الدهر بمثله ، حتّى أنّ شيخنا المفيد ينقل عن هذا الكتاب (2) .
   (3) سيأتي ذكر المصادر في آخرها ، واعلم انّ هذه الوصيّة وان جاءت مرسلة في التحف ، لكن نقلت مسندة عن الإمام أبي عبدالله الصادق ( عليه السلام ) فيما جاء منها في المحاسن .
  فقد رواها أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن حمّاد بن عمرو النصيبي ، عن السري ابن خالد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، عن آبائه ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (3) بل أفاد المحقّق

-------------------------------
(1) روضات الجنّات ، ج 2 ، ص 289 ، ط اسماعيليان قم .
(2) الكنى والألقاب ، ج 1 ، ص 318 ، والذريعة ، ج 3 ، ص 400 .
(3) المحاسن ، ص 13 ، باب 10 ، ح 47 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 223 _

  يا علي ، إنَّ من اليقينِ (4) أن لا تُرضي أحداً بسَخَطِ اللّه ، الغفاري في الهامش ، أنّ جميع ما روى عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هذا الكتاب كانت موجودة في كتب الفريقين ، رووها بأسانيدهم المعنعنة عن مشيخة العلم والحديث ، ولذلك لم نتعرّض لتخريجها من كتب الأصحاب .
  هذا مع ما أفاده شيخ الإسلام المجلسي في مقدّمة البحار من أنّ أكثر هذا الكتاب في المواعظ والاُصول المعلومة التي لا نحتاج فيها إلى سند (1) .
   (4) اليقين في اللغة هو العلم وزوال الشكّ (2) .
  وفي بيان العلماء كالمحقّق الطوسي في أوصاف الأشراف ، اليقين هو الإعتقاد الجازم المطابق الثابت الذي لا يمكن زواله .
  وله مراتب ثلاثة ، علم اليقين ، وعين اليقين ، وحقّ اليقين .
  والفرق بينها ينكشف بمثال اليقين بالنار .
  فانّ علم اليقين بالنار هو مشاهدة نورها أو دخانها ، وعين اليقين بها هو مشاهدة جرمها ، وحقّ اليقين بها هو الإحتراق فيها (3) .
  وقد جاء في الأحاديث الشريفة بيان فضله وحدّه وعلامته ، وأنّ حدّ اليقين هو أن لا يخاف مع الله أحداً ، بل يعرف أنّ الله هو مدبّر أمره وأنّه هو الضارّ النافع كما تلاحظ ذلك في بابه (4) .
  وفي الحديث الثاني من هذا الباب ورد مضمون هذه الوصيّة الشريفة .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 29 .
(2) مجمع البحرين ، ص 574 .
(3) بحار الأنوار ، ج 7 ، ص 142 / 143 .
(4) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 57 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 224 _

  ولا تَحمِد أحداً بما آتاكَ اللّه ، ولا تَذُمَّ أحداً على ما لم يُؤتِكَ اللّه (5) ، فإنّ الرزقَ لا يجرُّه حِرصُ حريص ولا تصرفُه كراهةُ كارِه (6) ، انّ اللّهَ بحكُمه وَفضله جعل الرَّوْحَ (7) والفَرَحَ في اليقينِ والرضا (8) ، وجعلَ الهَمَّ والحُزنَ في الشكِّ والسَخَط (9) .
   (5) فعلامة وجود اليقين بالله هو العلم بأنّ الله تعالى مالك ضرّه ونفعه ، ومقسّم رزقه على طبق مصلحته ، وأنّه يوصله إليه ويرزقه كيف يشاء .
  ولازم هذا الإعتقاد أن لا يُرضي الناس بسخط الله ولا يوافقهم في معصية الله طلباً للرزق ، ولا يحمدهم تزلّفاً لرزق ساقه الله إليه ، ولا يذُمَّهم على ترك صلتهم ما دام كون الرزق من الله تعالى .
   (6) أي الرزق المقدّر المقسوم فإنّه لا يحتاج في وصوله للإنسان إلى حرص ، كما لا يمنع عن وصوله كراهة كاره أو حاسد .
  فانّ العبد لو كان في جُحر مخبّأ لأتاه رزقه ، ولم تخطئه قسمته .
  نعم لله تعالى الفضل والجود والكرم ، فيسأل الله تعالى الزيادة من فضله والمزيد من رزقه .
  (7) الرَّوح ـ بفتح الراء ـ ، هي الراحة والإستراحة والرحمة ، وسكون القلب .
  (8) فإذا حصل في قلبه اليقين كانت ثمرته الرضا والراحة .
  (9) فإذا لم يُحرز اليقين بل كان في شكّ وعدم إطمئنان النفس ، وفي سخط وعدم رضا القلب كانت ثمرتهما الهمّ والإهتمام وإضطراب النفس في تحصيل الرزق ، والحزن والجزع عند فواته .
وفي الحديث العلوي الشريف ، ( لا يجد أحد طعم الإيمان حتّى يعلم أنّ ما

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 225 _

  يا علي ، إنّه لا فَقر أشدُّ من الجَهل (10) ، ولا مالَ أعودُ من العَقل ، ولا وحدةَ أوحشُ من العُجب (11) ، ولا مُظاهرةَ أحسنُ من المُشاوَرة (12) ، ولا عقلَ كالتدبير ، ولا حَسَب كحُسنِ الخُلُق (13) ، ولا عبادةَ كالتفكّر (14) .
  أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ) (1) .
  (10) وردت هذه الفقرة في وصيّة الفقيه المتقدّمة الكبيرة فلاحظها مع بيانها .
  (11) أي إعجاب المرء بنفسه ، فانّه يدعو إلى أن يرى الإنسان نفسه فوق الآخرين ومتفرّداً عن الباقين ، فيحسّ بالوحدة والوحشة .
  قال المحدّث القمّي ، ( العُجب إستعظام العمل الصالح وإستكثاره والإبتهاج له والإدلال به ، وأن يرى الإنسان نفسه خارجاً عن حدّ التقصير .
   وامّا السرور به مع التواضع له تعالى والشكر له على التوفيق لذلك فهو حسن ممدوح ) (2) .
  (12) في المحاسن ، ( ولا مظاهرة أوثق من المشاورة ) .
  (13) في المحاسن جاء قبله ، ( ولا ورع كالكفّ ) .
  (14) أي التفكّر في آيات الله ونعمه وآلاءه ، وقد جعل الله تعالى التفكّر من أوصاف اُولي الألباب من قوله عزّ اسمه ، ( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا ما خَلَقْتَ هَذا بَاطِلا ) (3) وقد جاء مدحه في أحاديثنا الكريمة التي عقد لها باب مستقل .
  منها حديث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ( التفكّر يدعو إلى البرّ والعمل به ) .

-------------------------------
(1) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 57 ، ح 4 .
(2) سفينة البحار ، ج 6 ، ص 152 .
(3) سورة آل عمران ، الآية 191 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 226 _

  يا علي ، آفةُ الحديثِ الكذب (15) ، وآفةُ العلِم النسيان ، وآفةُ العبادِة الفَتْرَة ، وآفةُ السّماحةِ المَنّ (16) ، وآفةُ الشّجاعةِ البَغي (17) ، وآفةُ الجمالِ الخُيَلاء ،
  ومنها حديثه فيما أوصى به الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ( لا عبادة كالتفكّر في صنعة الله عزّوجلّ ) .
  ومنها ما رواه الصيقل قال ، قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) ، تفكّر ساعة خير من قيام ليلة ؟
  قال ، نعم ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، تفكّر ساعة خير من قيام ليلة .
  قلت ، كيف يتفكّر ؟
  قال ، يمرّ بالدور الخربة فيقول ، أين بانوكِ ؟ أين ساكنوكِ ؟ ما لكِ لا تتكلّمين (1) ؟
  (15) أغلب هذه الفقرة أيضاً ورد في وصيّة الفقيه المتقدّمة فراجع .
  (16) السماحة هو الجود والبذل في العسر واليسر (2) .
  وآفته المنّ بأن يمنّ على من جاد عليه. ويقول له مثلا ، ألم أعطك ؟ ألم اُحسن إليك ؟ وزاد بعده في المحاسن ، ( وآفة الظرف الصلف ) أي أنّ آفة الظرافة في الكلام هي الصلافة والعنف .
  (17) الشجاعة هي شدّة القلب عند البأس ، وآفتها البغي أي الفساد والظلم فإنّ مكرمة الشجاعة ينبغي أن تكون مع العدل والإنصاف ، كما كانت في الأولياء المتّقين الهداة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 314 ، ب 8 ، الأحاديث 5 و 11 و 16 .
(2) سفينة البحار ، ج 4 ، ص 268 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 227 _

  وآفةُ الحَسَبِ الفَخر (18) .
  يا علي ، عليك بالصِّدقِ (19) ولا تَخْرج من فيكَ كِذبةٌ أَبداً ، ولا تجترأَنَّ على خيانة أبَداً (20) .
  (18) الحسب هي الشرافة بالآباء ، وآفته هي المفاخرة والمباهاة بها .   وزاد هنا في المحاسن قوله :
  ( يا علي ، إنّك لا تزال بخير ما حفظت وصيّتي ، أنت مع الحقّ والحق معك ) .
  (19) الصدق في الكلام هو مطابقته للواقع ، والصدق في الوعد هو الوفاء به .
  والصادق حقّاً هو من يصدق في دين الله نيّةً وقولا وعملا (1) .
  وقد عقد ثقة الإسلام الكليني باباً في الحثّ على الصدق وأداء الأمانة ، وذكر أحاديث أنّ الله عزّوجلّ لم يبعث نبيّاً إلاّ بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البَرِّ والفاجر ، وأنّ من صَدَقَ لسانه زكى عمله ، وأنّ علياً ( عليه السلام ) إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بصدق الحديث وأداء الأمانة فلاحظ (2) .
 (20) الخيانة هي مخالفة الحقّ بنقض العهد في السرّ ، وهي نقيض الأمانة (3) .
  فكلّ ما كان نقضاً للعهد سرّاً فهي خيانة سواء أكان في الدين أم في المال أم في الأهل أم في غيرها .
  وقد عقد العلاّمة المجلسي في ذمّها باباً من الأحاديث منها قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( من خان أمانةً في الدنيا ، ولم يردّها إلى أهلها ثمّ أدركه الموت مات على غير ملّتي ، ويلقى الله وهو عليه غضبان ) و ( الأمانة تجلب الغنا ، والخيانة تجلب الفقر )

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 437 .
(2) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 104 .
(3) مجمع البحرين ، ص 556 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 228 _

  والخوفِ من اللّهِ كأنّكَ تراه (21) ، وابذِلْ مالَكَ ونفسَك دونَ دينِك (22) ، وعليكَ بمحاسنِ الأخلاقِ فاركبْها (23) ، وعليكَ بمساوىءِ الأخلاقِ فاجتنْبها .
  يا علي ، أحبُّ العملِ إلى اللّهِ ثلاثُ خصال ، من أتى اللّهَ بما افتَرضَ عليه فهو من أعبدِ الناس ، ومن وَرِعَ عن محارِم اللّهِ فهو من أورعِ الناس ، و ( ليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله ) (1) .
  (21) ومبدأ الخوف من الله تعالى هو معرفة عظمة الخالق ووعيده ، وتصوّر أهوال البرزخ والقيامة ، وإدراك قهره وعقابه .
  فيلزم الخوف من الله تعالى خوف من يشاهده بعينه ، وإن كانت هذه الرؤية مستحيلة ، إلاّ أنّ رؤية الله تكون بالقلوب ولم تره العيون بمشاهدة الأبصار بل رأته القلوب بحقائق الإيمان وفي حديث إسحاق بن عمّار قال ، قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) ، ( يا إسحاق خف الله كأنّك تراه ، وإن كنت لا تراه فإنّه يراك ، وإنْ كنتَ ترى أنّه لا يراك فقد كفرت ، وإنْ كنتَ تعلم أنّه يراك ثمّ برزت له بالمعصية فقد جَعلْتَهُ من أهون الناظرين عليك ) (2) .
  (22) فإنّ بقاء الدين يُفدّى بالنفس والنفيس والمال والمنال ، فيُبذل المال والنفس في سبيل الدين .
  (23) يقال ، رَكبَ الأمر أي فعله ـ وهذا أمر بإتيان المحاسن الأخلاقية ـ وما بعده أمرٌ باجتناب المساويء الأخلاقية .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 170 ، باب 58 ، الأحاديث .
(2) بحار الأنوار ، ج 70 ، ص 355 ، باب 59 ، ح 2 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 229 _

  ومن قَنَع بما رزقُه اللّهُ فهو من أغنى الناس (24) .
  يا علي ، ثلاثٌ من مكارمِ الأخلاقِ ، تصلُ من قطَعَك ، وتُعطي مَن حَرَمك ، وتعفو عمّن ظَلَمك (25) .
  يا علي ، ثلاثٌ منجيات (26) ، تكفُّ لسانَك ، وتبكي على خطيئتِك ، ويَسَعُك بيتُك (27) .
  يا علي ، سيُّد الأعمالِ ثلاثُ خصال ، إنصافُك الناسَ من نفسِك ، ومساواةُ الأخِ في اللّه ، وذكُر اللّهِ على كلِّ حال (28) .
  يا علي ، ثلاثةٌ من حُلَلِ اللّه (29) .
  (24) جاءت هذه الفقرة في وصيّة الفقيه المتقدّمة ، فلاحظها مع بيانها في الهامش .
  (25) مرّ مضمون هذه الفقرة في وصيّة الفقيه .
  (26) أي توجب النجاة ، وتقتضي الخلاص من المعاصي والعقوبات .
  (27) أي كفّ اللسان عمّا حرّم الله النطق به ، والبكاء على الخطيئة والإستغفار منها ، والإستقرار في البيت .
  (28) مرّت هذه الخصال في وصيّة الفقيه أيضاً تحت عنوان ، ثلاث خصال لا تطيقها هذه الاُمّة فراجع .
  (29) الحُلَل جمع حُلّة كقُلل وقُلَّة هو الثوب الساتر للجميع كالإزار والرداء ، وجاء في المجمع ، أنّه لا يكون حلّة إلاّ من ثوبين أو ثوب له بطانة (1) ، ووسامات الشرف الآتية يعني ، زَور الله ، وضيف الله ، ووفد الله حلل إلهية تُمنح للطوائف الآتية .

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 469 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 230 _

  رجلٌ زار أخاه المؤمن في اللّهِ فهو زَوْرُ اللّه (30) وحقٌّ على اللّهِ أن يُكرَم زَوْرَه ويعطيهِ ما سأَل ، ورجلٌ صلّى ثمّ عقَّبَ إلى الصلاةِ الأُخرى (31) فهو ضَيْفُ اللّهِ وحقٌّ على اللّهِ أن يُكرَم ضيفَه ، والحاجُّ والمعتمرُ فهما وَفْدُ اللّهِ (32) وحقٌّ على اللّهِ أن يُكرمَ وَفْدَه .
  يا علي ، ثلاثٌ ثوابُهنَّ في الدنيا والآخرة (33) ، الحجُّ ينفي الفقر (34) ، والصّدقةُ تدفع ...
  (30) فاعل من الزيارة يقال ، زائر وزَوْر وزَوّار ، أي الزائر والقاصد .
  (31) التعقيب في الصلاة هو الجلوس بعدها لدعاء أو مسألة فيُعقّب إلى صلاة اُخرى ما بين الصلاتين مثل ما بين الظهر والعصر ، وما بين المغرب والعشاء .
  وقد ورد للتعقيب فضائل كثيرة في أحاديث وفيرة فلاحظ فضله (1) وما يستحبّ من التعقيبات (2) .
  (32) الوفد هم القوم يجتمعون ويَرِدون البلاد ، واحدهم الوافد وفي الدعاء ، أنا عبدك الوافد عليك ، أي الوارد القادم إليك (3) .
  (33) فيستفيد العامل بهنّ فوائد الدنيا قبل مثوبات الآخرة .
  (34) كما تلاحظه في أحاديث عديدة بأنّ الحجّ والعمرة ينفيان الفقر والذنوب (4) .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 85 ، ص 313 ، باب 36 .
(2) بحار الأنوار ، ج 86 ، ص 1 /193 ، باب 38 ـ 65 ، الأحاديث .
(3) مجمع البحرين ، ص 231 .
(4) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 74 ، باب 38 ، ح 43 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 231 _

  البليّة (35) ، وصلةُ الرَّحِمِ تزيدُ في العُمر (36) .
  (35) كما تلاحظ مفصّل ذلك في أحاديث باب فضل الصدقة وأنواعها وآدابها (1) .
  جاء فيها أنّ الصدقة تطفىء غضب الربّ ، وأنّها تدفع ميتة السوء ، وأنّها يداوى بها المرضى ، وأنّها يُستنزل بها الرزق ، وأنّها تدفع الهدم والسبُع ، وأنّها تزيد في العمر ، وتعمّر الديار ، وتنفي الفقر ، وتدفع القضاء المبرم ، وأنّها تسدّ سبعين باباً من الشرّ ، وأنّها تُخلِّف البركة ، وأنّها تدفع الخوف ، وتوجب أمان الله تعالى ، وتُنجي من اليوم العَسير ، وأنّ من تصدّق بصدقة فله بوزن كلّ درهم مثل جبل اُحد من نعيم الجنّة ، وأنّ من تصدّق إذا أصبح دفع الله عنه نحس ذلك اليوم ، وأنّ صدقة الليل تطفىء غضب الربّ وتمحو الذنب العظيم وتهوّن الحساب ، وأنّ مَلَك الموت يُدفَع إليه الصّك بقبضِ روح العبد فيتصدّق ، فيُقال له ، رُدّ عليه الصّك .
  (36) كما تلاحظ ذلك في أحاديث باب صلة الرحم وإعانتهم والإحسان إليهم والمنع من القطع (2) .
  جاء في بعضها أنّ الرجل ليصل رحمه وقد بقى من عمره ثلاث سنين فيصيّرها الله عزّوجلّ ثلاثين سنة ، وإنّ الرجل ليقطع رحمه وقد بقى من عمره ثلاثون سنة فيصيّرها الله ثلاث سنين ، وصلة الرحم تهوّن الحساب ، وتُنْمي العدد ، وتُنمي المال ، وتُزكّي الأعمال ، وتدفع البلوى ، وتسمّح الكفّ ، وتحسّن الخلق ، وتطيّب النفس ، وتحبّب المرء في الأهل ، وتقي من مصارع السوء ، وأنّ من مشى إلى ذي قرابة بنفسه وما له ليصل رحمه أعطاه الله عزّوجلّ أجر مائة شهيد ، وله بكلّ خطوة

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 96 ، ص 111 ، باب 14 ، الأحاديث .
(2) بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 87 ، باب 3 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 232 _

  يا علي ، ثلاثٌ من لم يكنَّ فيه لم يَقُمْ له عمل (37) ، وَرَعٌ يحجزهُ عن معاصي اللّهِ عزّوجلّ ، وعلمٌ يَرُدّ به جهلَ السفيه ، وعقلٌ يداري به الناس .
  يا علي ، ثلاثةٌ تحت ظلِّ العرش يومَ القيامة (38) ، رجلٌ أحبَّ لأخيه ما أحبَّ لنفسه ، ورجلٌ بلغهُ أمرٌ فلم يقدمْ فيه ولم يتأخّرْ حتّى يعلَم أنّ ذلك الأمرُ للّهِ رضىً أو سَخَط (39) ، ورجلٌ لم يَعَبْ أخاهُ بعيب حتّى يُصلَح ذلكَ العيبَ من نفسِه ، فإنّه كلّما أصلَحَ من نفسِه عيباً بَدا لهُ منها آخر ، وكفى بالمرءِ في نفسِه شُغلا (40) .
  أربعون ألف حسنة ، ويُمحى عنه أربعون ألف سيّئة ، ويُرفع له من الدرجات مثل ذلك ، وكان كإنّما عَبَد الله مائة سنة صابراً محتسباً .
  (37) أي لا يستقيم عمله ، ووردت هذه الفقرة في وصيّة الفقيه أيضاً ، إلاّ أنّ فيها لم يتم عمله ، أي كانت أعماله غير كاملة أو غير مقبولة لتأثير الورع في الطاعات ، وتأثير الحلم والعلم في المعاشرات .
  (38) وهو أشرف موضع من حيث السمو والكرامة والراحة في ذلك المشهد العظيم ، واليوم الرهيب .
   وتلاحظ معنى العرش في كتاب التصحيح (1) ، وتفصيل بيانه في الحديث الشريف (2) .
  (39) فيقدم على ما فيه رضا الله ، ويتأخّر عمّا فيه سخط الله تعالى .
  (40) وبهذا يعلم أنّه لا يعيب أخاه أبداً ودائماً بواسطة إشتغاله بعيوب نفسه وإصلاحها .

-------------------------------
(1) تصحيح الإعتقادات ، ص 75 .
(2) بحار الأنوار ، ج 58 ، ص 1 ، باب 1 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 233 _

  يا علي ، ثلاثٌ من أبوابِ البرِّ (41) ، سخاءُ النّفسِ ، وطيبُ الكلام ، والصبرُ على الأذى .
  يا علي ، في التوراةِ أربعٌ في جنبهِنّ أربع (42) ، من أصبحَ على الدنيا حريصاً أصبحَ وهو على اللّهِ ساخِط (43) ، ومن أصبحَ يشكُو مصيبةً نزَلتْ بهِ فإنّما يشكُو ربّه (44) ، ومن أتى غنيّاً فتضَعْضَعَ لهُ (45) ذهَب ثُلثا دينِه ، ومَن دخَل النارَ من هذه الأُمّةِ فهو مَنْ اتّخذَ آياتِ اللّهِ هُزُواً ولَعْباً (46) .
  أربعٌ إلى جنبهِنّ أربع ، من مَلِكَ استأثَر (47) .
  (41) البرّ ـ بالكسر ـ ، إسم جامع للخير كلّه ، وهذه الثلاثة المذكورة أبواب وطرق للخيرات الكثيرة .
  (42) أي متقارنات ، فبوجود كلّ منها يوجد قرينه .
  (43) فإنّه إذا كان حريصاً وهمّه وجهده الدنيا غضب إذا حُرِم من شيء منها فيكون ساخطاً غير راض من الله تعالى الذي هو القاسم .
  (44) فانّ الشكوى والشكاية هي الإخبار بسوء الفعل ويلزم أن تكون الشكوى إلى الخالق لا الخلق ، ثمّ المفروض هو الإسترجاع والصبر عند المصيبة لا الشكاية حتّى يكون شاكياً ربّه .
  (45) أي خضع له وذلّ لغناه .
  (46) أي أنّه إذا اتّخذ آيات الله هزواً ولعباً قارنه دخول النار .
  (47) الإستيثار هو الإنفراد والإستبداد ، يُقال استأثر بالشيء أي استبدّ به ، وطبيعة الملوكية وعزّتها توجب الإستبداد بالرأي إلاّ من عصمه الله تعالى وأعانه ووفّقه .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 234 _

  ومَن لم يَستشِرْ ينَدم (48) ، كما تدين تُدان (49) ، والفقرُ الموتُ الأكبرُ (50) فقيل له ، الفقرُ من الدينارِ والدِّرهم ؟ فقال ، الفقرُ من الدّين .
  يا علي ، كلُّ عين باكيةٌ يومَ القيامة (51) إلاّ ثلاثة أعين ، عين سَهَرتْ في سبيلِ اللّه (52) ، وعينٌ غَضَّتْ عن محارمِ اللّه (53) .
  (48) فإنّ الإستشارة من العاقل بحدودها كما مرّ توجب البصيرة في الأمر والرشد في العمل ، فإذا لم يستشر لم يكن فعله على بصيرة فيوجب تعقّب الندامة .
  (49) فمن دان الناس بالمعروف أُحسن إليه ، ومن دان الناس بالسيّئة أُسيء إليه ، والدنيا مزرعة يحصد فيها كلٌّ ما يزرعه إنْ كان خيراً فخير وإنْ كان شرّاً فشرّ ، فكما تدين تُدان .
 (50) أي أنّ الفقر يقارنه الموت الأكبر .
  لا الفقر بمعنى الإحتياج إلى المال الذي هو شعار الصالحين ، بل الفقر بمعنى إعواز الدين الذي هو أشدّ من القتل ، وأسوء من الموت لأنّه المؤدّي إلى الهلاك الاُخروي فهو الموت الأكبر للإنسان .
  فلاحظ لهذا المعنى أحاديث الباب وقد تقدّمت الإشارة إليها ، وتدبّر في نفس رواية الوصيّة وصراحتها .
  (51) فإنّ هول المطّلع وخوف الحساب يوجبان الحزن والبكاء .
  (52) السَّهَر ـ بفتحتين ـ ، هو عدم النوم في الليل كلّه أو بعضه ، فلا تبكي عين باتت ولم تنم في طريق طاعة الله تعالى كالعلم ، والعبادة ، وتلاوة القرآن ، وسلوك الحجّ والزيارة ونحوها .
  (53) الغضْ هو عدم النظر ، يقال غضّ بصره أي خفضها ولم ينظر ، فلاتبكي عين لم تنظر إلى ما حرّم الله النظر إليه وأمر بغضّ البصر عنه .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 235 _

  وعينٌ فاضَتْ من خشيةِ اللّه (54) .
  (54) فاض الماء أي سال وجرى ، وفاضت عينه بالدموع أي سالت ، فلا تبكي عين سال دمعها من خوف الله تعالى .
  ولا يخفى في المقام ورود الأحاديث الاُخرى المتظافرة في فضل البكاء لمصيبة الأئمّة النجباء أيضاً ، خصوصاً خامس أصحاب الكساء صلوات الله عليهم في جميع الآناء .
  ففي حديث الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، ( من تذكّر مصابنا وبكى لما اُرتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذُكِّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ... ) (1) .
  وفي حديث الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، ( كان علي بن الحسين ( عليه السلام ) يقول ، أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) دمعةً حتّى تسيل على خدّه بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً ، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه فينا لأذىً مسَّنا من عدوِّنا في الدنيا بوّأه الله بها في الجنّة مبوّأ صدق ، وأيّما مؤمن مسَّه أذىً فينا فدمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة ما اُوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار ) (2) .
  وفي حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) في فضل البكاء على الإمام الحسين ( عليه السلام ) جاء قوله :
   ( ... وما عينٌ أحبّ إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه ، وما من

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 44 ، ص 278 ، باب 34 ، ح 1 .
(2) كامل الزيارات ، ص 100 ، باب 32 ، ح 1 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 236 _

  يا علي ، طُوبى (55) لصورة (56) نَظَر اللّهُ إليها وهي تبكي على ذنب لم يَطّلع على ذلك الذّنب أحدٌ غيرُ اللّه .
  يا علي ، ثلاثٌ موبقات (57) وثلاثٌ منجيات ، فأمّا الموبِقات ، فهوىً متّبع ، وشُحٌّ مُطاع ، وإعجابُ المرء بنفسه ، وأمّا المنجيات ، فالعدلُ في الرِّضا والغَضب ، والقصدُ في الغنى والفَقر ، وخوفُ اللّهِ في السرِّ باك يبكيه إلاّ وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ، ووصل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأدّى حقّنا ، وما من عبد يحشر إلاّ وعيناه باكية إلاّ الباكين على جدّي فانّه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه ، والسرور في وجهه ، والخلق في الفزع وهم آمنون ، والخلق يُعرَضون وهم حُدّاث الحسين ( عليه السلام ) تحت العرش وفي ظلّ العرش ، لا يخافون سوء الحساب ، يقال لهم ، اُدخلوا الجنّة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه. وانّ الحور لترسل إليهم انّا قد إشتقناكم مع الولدان المخلّدين ، فما يرفعون رؤوسهم إليهم ، لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة .
  وإنّ أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار ، ومن قائل ، ( ما لَنا مِنْ شافِعين ولا صَديق حَميم ) ... ) (1) .
  (55) طوبى في الأصل إسم شجرة الخير المعروفة في الجنّة ويُدعى بها لطيب العيش ولبلوغ الخير ، وللوصول إلى أقصى الاُمنيّة والأمل ، وقد تقدّم ذكرها في وصيّة الفقيه فلاحظ .
  (56) الصورة وجمعها صُوَر كغرفة وغُرَف هي وجه الشيء ، أي طوبى لوجه نظر الله إليه وهو يبكي على ذنبه الذي لم يطلع عليه إلاّ الله تعالى .
  (57) أي مهلكات وقد مضت هذه الخصال في وصيّة الفقيه فراجع .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 45 ، ص 207 ، ب 4 ، ح 13 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 237 _

  والعَلانية كأَنّك تراهُ فإنْ لم تكن تراهُ فإنّه يَراك .
  يا علي ، ثلاثٌ يَحسُنُ فيهنّ الكِذب (58) ، المكيدةُ في الحرب ، وعِدَتُك زوجتَك ، والإصلاحُ بين الناس .
  يا علي ، ثلاثٌ يقُبح فيهِنّ الصدق (59) ، النّميمةُ ، وإخبارُك الرّجلَ عن أهلِه بما يكره ، وتكذيبُك الرجلَ عن الخير .
  يا علي ، أربعٌ يذهبن ضَلالا (60) ، الأكلُ بعد الشبع ، والسِراجُ في القَمر ، والزرعُ في الأرضِ السَّبْخة ، والصَّنيعةُ عند [ غير ] أهلِها (61) .
  يا علي ، أربعٌ أسرعُ شيء عقوبةً (62) ، رجلٌ أحسنتَ إليه فكافأكَ بالإحسانِ إساءة ، ورجلٌ لا تبغي عليهِ وهو يبغي عليك ، ورجلٌ عاقدتَه على أمر فمن أمْرِكَ الوفاءُ له ومن أمرِه الغدُر بك ، ورجلٌ تَصلُ رحمَه ويقطعُها .
  (58) تقدّمت أيضاً في وصيّة الفقيه ونبّهنا على أنّ حسن الكذب فيهنّ لدوران الأمر بين الأهمّ والمهمّ ، وإرتكاب أقلّ القبيحين في باب التزاحم الذي هو المجوّز والمحسّن للكذب عَرَضاً ، وإن كان أصل الكذب قبيحاً لولا هذا المحسِّن ذاتاً .
  (59) فإنّ هذه الاُمور الثلاثة وإن كانت متضمّنة للإخبارات الصادقة إلاّ أنّها يترتّب عليها المفسدة .
  (60) تقدّمت في وصيّة الفقيه أيضاً وجاء فيها يذهبن ضياعاً أي تلفاً وبلا فائدة فتكون من الإسراف .
  (61) أي الصنع والإحسان إلى غير أهله .
  (62) تقدّمت أيضاً في وصيّة الفقيه مع إختلاف يسير .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 238 _

  يا علي ، أربعٌ مَنْ يكُنَّ فيه كُمَل إسلامُه ، الصدقُ ، والشكُر ، والحياءُ ، وحسنُ الخلق (63) .
  يا علي ، قلّةُ طلبِ الحوائج من الناسِ هو الغِنى الحاضِر ، وكثرةُ الحوائجِ إلى الناسِ مَذلّةٌ وهو الفقرُ الحاضر (64) (65) .
  (63) فإنّها من جوامع صفات الخير في الدين الحنيف ، بحيث ورد فيها الحديث عن مولانا الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( أربع من كُنّ فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوباً بدّلها الله حسنات ، الصدق ، والحياء ، وحسن الخُلُق ، والشكر ) (1) .
   إشارة إلى قوله تعالى : ( إلاّ مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلا صالحاً فاُولئكَ يُبَدّلُ اللّهُ سيّئاتِهمْ حَسَنات وكانَ اللّهُ غَفُوراً رَحيماً ) (2) .
  (64) فإنّ خير الغنا غنى النفس ، ونفس عدم السؤال من الناس استغناء عنهم ، فيكون قليل الطلب غنيّاً بالفعل ، وكثير الطلب محتاجاً بالفعل ... ولذلك كانت قلّة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الموجود ، وكثرة طلب الحوائج من الناس هو الفقر الموجود وإن كان صاحب الطلب كثير ذات اليد .
  ونفس قلّة السؤال توجب العزّة عند الناس ، وقطع الطمع يوجب العون من الله وتيسير الحوائج .
   وفي حديث عبدالأعلى بن أعين قال ، سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول ، ( طلب الحوائج إلى الناس إستلاب للعزّ ، ومذهبة للحياء ، واليأس ممّا في أيدي الناس عزّ

-------------------------------
(1) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 107 ، ح 7 .
(2) سورة الفرقان ، الآية 70 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 239 _

  للمؤمن في دينه ، والطمع هو الفقر الحاضر ) (1) .
  نعم السعي في طلب حوائج المؤمنين الآخرين مطلوب مرغوب بل هو باب مندوب فلاحظ أحاديثه الكثيرة (2) .
  وأمّا بالنسبة إلى حوائج شخصه ونفسه فالمطلوب فيه الإستغناء عن الناس ، وقلّة الطلب منهم ... بل اليأس عمّا في أيديهم كما تلاحظه في الأحاديث (3) ، خصوصاً ما رواه شيخ الطائفة بسنده عن حفص قال ، قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) ، ( إذا أراد أحدكم أن لا يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه فلييأس من الناس كلّهم ، ولا يكون له رجاء إلاّ من عند الله ( عزّوجلّ ) ، فإذا علم الله ( تعالى ) ذلك من قلبه لم يسأل الله شيئاً إلاّ أعطاه ... ) (4) .
  (65) جاءت هذه الوصيّة المباركة في تحف العقول ، ص 6 ، ورواها عنه العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ، ج 77 ، ص 61 ، ب 3 ، ح 4 ، وقد وردت الفقرة الاُولى منها في نزهة الناظر للشيخ أبي يعلي الجعفري تلميذ الشيخ المفيد ، ص 8 ، والمحاسن للشيخ البرقي ، ص 16 ، ح 47 .
  وفيها وصيّتان اُخريان تأتيان تباعاً إن شاء الله تعالى .

-------------------------------
(1) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 148 ، ح 4 .
(2) بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 283 ، باب 20 ، الأحاديث .
(3) بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 105 ، باب 49 ، الأحاديث .
(4) أمالي الطوسي ، ص 36 و 110 ، ح 38 و 169 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 240 _

الوصيّة السادسة :
نقلها المحدّث الحرّاني في : تحف العقول   التحف ، روى الشيخ المحدّث الفقيه الحرّاني أيضاً في تحف العقول وصيّة اُخرى مختصرة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) جاء فيها :
  يا علي ، إنّ للمؤمنِ ثلاثَ علامات ، الصيامَ والصلاةَ والزكاةَ (1) ، وإنّ للمتكلِّف (2) من الرجالِ ثلاثَ علامات ، يتملّق (3) إذا شَهِد ، ويغتابُ إذا غاب ، ويَشْمِتُ (4) بالمصيبة .
  وللظالم ثلاثُ علامات ، يقهرُ مَن دونَه بالغَلَبة (5) ، ومَن فوقَه بالمعصية ، ويُظاهرُ الظَّلَمة (6) .
  (1) فإنّها من دعائم الإسلام ، وأركان الدين ، ولا تجد مؤمناً واقعياً يترك ما وجب من الصلاة والصوم والزكاة ، وكذلك الحجّ والولاية التي هي الدعائم الخمسة .
  (2) المتكلِّف هو المتصنِّع والذي يتعرّض لما لا يعنيه كمن يدّعي العلم وليس بعالم ، ويتصنّع الزهد وليس بزاهد .
  (3) التملُّق هو التودّد والتلطّف باللسان بما ليس في القلب ، والتزلّف لإنسان بوجه لا يتّصف به في الواقع .
  (4) الشماتة هو السرور بمكاره الأعداء والفرج بمصائبهم .
  (5) أي يتغلّب على من هو أضعف منه ، ويتفوّق عليه بتخسيره وإستخدامه .
  (6) المظاهرة هي المعاونة ، والظهير هو العون .