يا علي ، ليس على زان عُقر (259) ولا حدَّ في التّعريض (260) ولا شفاعةَ في حدّ (261) ، ولا يمينَ في قطيعةِ رَحِم (262) ، فعدم القطع يكون في صورة عدم الحرز ، ولذلك عنون هذه الوصيّة المحدّث الحرّ العاملي تحت عنوان أنّه لا قطع في سرقة الثمار قبل إحرازها ... ثمّ حمل حديث إسحاق المتقدّم على الحرزية (1) .
  (259) العقر ـ بالضمّ ـ ، هو المهر ...
  قال الشيخ الطريحي ، ( العقر بالضمّ وهو ديّة فرج المرأة إذا غصبت على نفسها ثمّ كثر ذلك حتّى إستعمل في المهر ، ومنه ليس على زان عقر أي مهر ... ) (2) .
  وقال التقي المجلسي ، أصله أنّ واطىء البكر يعقرها ويجرحها إذا إفتضّها ، فسمّي ما تعطى للعقر عُقراً ، ثمّ صار عاماً لها وللثيّب ، ويطلق غالباً على الإماء المغتصبة المستحقّة لأرش البكارة ... أو يحمل الحديث على أنّ الزاني إذا قرّر للزانية شيئاً لا يلزمه الأداء بل يُحدّ (3) .
  (260) أي التعريض بالقذف والكناية به من دون تصريح كأن يقذف امرأةً بالزنا كنايةً لا صراحةً ... ولا حدّ فيه ، وإنّما يستحقّ التعزير للإهانة والإيذاء (4) .
  (261) أي بعد ما يصل إلى الإمام أو الحاكم ... فليس لأحد أن يشفع في الإسقاط ، ذكر هذا المعنى عند بيان حديث ضريس ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، ( لا يعفى عن الحدود التي لله عزّوجلّ دون الإمام ) فلاحظ (5) .
  (262) أي لا يجوز ولا ينعقد اليمين في قطيعة الرحم ، بأن يحلف أن يقطع رحماً

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 18 ، ص 516 ، باب 23 ، الأحاديث .
(2) مجمع البحرين ، مادّة عقر ، ص 285 .
(3) و (4) روضة المتّقين ، ج 12 ، ص 225 .
(5) روضة المتّقين ، ج 10 ، ص 216 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 92 _

  ولا يمينَ لولد مع والدِه ولا لإمرأة مع زوجِها ولا للعبدِ مع مولاه (263) ، ولا صمتَ يوماً إلى الليل (264) ، ولا وِصالَ في صيام (265) ، ولا تَعرُّبَ بعد هِجرة (266) .
  يا علي ، لا يُقتلُ والدٌ بولدِه (267) ، أو لا يزوره .
  (263) أي لا ينعقد يمين الولد والمرأة والعبد بدون إذن الأب والزوج والمولى وتلاحظه أيضاً في أحاديث الوسائل (1) .
  (264) هذا بيان عدم صحّة صوم الصمت وسيأتي حرمته أيضاً وهو ، أن ينوي الصوم ساكتاً مع جعل السكوت وصفاً للصوم ، لا أن يصوم ثمّ لا يتكلّم بدون التقييد الوصفي .
  (265) وهذا بيان عدم صحّة صوم الوصال وسيأتي حرمته أيضاً وهو ، أن يصوم يوماً وليلة إلى السحر فيجعل عشائه سحوره أو يصوم يومين مع ليلة بينهما ، مع جعل الليل في نيّة الصوم لا إذا ترك الأكل في الليل إعتباطاً .
  (266) التعرّب بعد الهجرة فُسِّر بوجوه منها الإلتحاق ببلاد الكفر والإقامة بها بعد المهاجرة عنها إلى بلاد الإسلام ، لكن معناه المنصوص هو ما رواه حذيفة بن منصور قال ، سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول ، ( المتعرّب بعد الهجرة ، التارك لهذا الأمر بعد معرفته ) (2) ، أي التارك للولاية .   (267) كما ثبت في أدلّة القصاص ، نظير ما رواه الفضيل بن يسار ، عن أبي

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 15 ، ص 155 ، باب 10 ، الأحاديث .
(2) معاني الأخبار ، ص 265 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 93 _

  يا علي ، لا يقبل اللّهُ دعاءَ قلب ساه (268) .
  يا علي ، نومُ العالمِ أفضلُ من عبادةِ العابد (269) .
  يا علي ، ركعتين (270) يصلّيهما العالِم أفضلُ من ألفِ ركعة يصلّيها العابد (271) .
  يا علي ، لا تصومُ المرأةُ تطوّعاً إلاّ بإذنِ زوجِها ، ولا يصومُ العبدُ تطوّعاً إلاّ بإذنِ مولاه ، ولا يصومُ الضيفُ تطوّعاً إلاّ بإذنِ صاحبِه (272) .
  عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( لا يُقتل الرجل بولده إذا قتله ) (1) .
  نعم ، حكم على الوالد بأنّ عليه الكفّارة ، والديّة لمن يرث المقتول سوى القاتل ، والتعزير بما يراه الحاكم .
  (268) السهو عن الشيء هي الغفلة عنه ... والقلب الساهي هو القلب الغافل .
  (269) أي العابد الجاهل ، ولعلّ الأفضلية من جهة أنّ نوم العالم يكون بمقدار حاجته ، ومناسباً لمحلّه ، وتهيئةً لعلمه وعبادته بعد إستيفاء راحته ... بينما عبادة الجاهل قد تكون على غير وجهها للجهل بأحكامها ، وغير مقبولة عند ربّه .
  (270) في مكارم الأخلاق والبحار ( ركعتان ) وهو الأصحّ .
  (271) أي العابد الجاهل ... وذلك أنّ صلاة العالم تكون عن معرفة وتوجّه وخشوع ، لإلتفاته إلى أنّه مع من يتكلّم ، بينما صلاة الجاهل لا تكون كذلك من حيث الكيفية ، وإنْ زادت من حيث الكميّة .
  (272) ويسمّى هذا الصوم المندوب بصوم الإذن ... الذي ينبغي فيه الإستئذان

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 19 ، ص 56 ، باب 32 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 94 _

  يا علي ، صومُ يومِ الفطر حرام ، وصومُ يومِ الأضحى حرام ، وصومُ الوِصالِ حرام ، وصومُ الصَّمتِ حرام ، وصومُ نذرِ المعصيةِ حرام ، وصومُ الدهرِ حرام (273) .
  يا علي ، في الزنا ستُّ خصال (274) ، ثلاثٌ منها في الدنيا وثلاثٌ منها في الآخرة ، فأمّا التي في الدنيا ، فيذهبُ بالبَهاء (275) ، ممّن ذُكر ... والمعروف كراهته بدون إذن ... بل المشهور حرمة صوم المرأة مع نهي زوجها .
  (273) فهذه الأقسام الستّة ثبت كونها من الصوم المحظور ... أمّا الخمسة الاُوَل ، فهي محرّمة بالنصّ والإجماع (1) .
  وأمّا صوم الدهر أي جميع أيّام السنة في كلّ زمان ففي التذكرة (2) ، أنّ صوم الدهر حرام لدخول العيدين وأيّام التشريق فيه ، ولا خلاف في تحريمه مع دخول هذه الأيّام .
  بل أفاد بعض الأعاظم الحرمة حتّى إذا خرجت هذه الأيّام إذا صام بعنوان أنّ صوم الدهر سُنَّةٌ مؤكّدة ... والتصريح بالحرمة مع الإطلاق في هذه الوصيّة كاف في الإستدلال للمحظورية ... والله العالم .
  (274) ورد هذا المعنى في ثلاث أحاديث اُخرى بأسانيد ثلاثة تلاحظها في كتاب الخصال (3) .
  (275) أي بهاء الوجه وهو جماله ونوره .

-------------------------------
(1) جواهر الكلام ، ج 17 ، ص 121 .
(2) التذكرة ، ج 1 ، ص 280 .
(3) الخصال ، ص 320 ، باب الستّة ، ح 2 ، 3 ، 4 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 95 _

  ويعجّل الفَناء (276) ، ويقطعُ الرزق (277) ، وأمّا التي في الآخرة ، فسوءُ الحساب (278) ، وسَخَطُ الرحمان (279) ، وخُلودٌ في النار (280) .
  (276) أي يقصِّر العمر ويوجب الفناء العاجل كما تلاحظه في قضيّة السميدع التي تبيّن أنّ الزنا أوجب وقوع الطاعون وهلاك تسعين الف من العسكر فلاحظها إن شئت التفصيل (1) .
  (277) فيكون مورثاً للفقر .
  (278) أي الإستقصاء والمداقّة في الحساب ، فيُحسب عليهم السيّئات بلا عفو .
  (279) أي يوجب غضب الله القاهر على الزاني .
  (280) في نسخة مكارم الأخلاق ، ( والخلود في النار ) .
  ولا يخفى أنّ هذه الخصال الستّة هي أسوء الآثار المترتّبة على هذا العمل الشنيع والذنب الفظيع ، وخصوصاً الخلود في النار الذي هو من عواقب الكافرين .
  ولا عجب في ذلك فإنّ الزنا من المعاصي التي توجب هتك العفّة بين المؤمنين ، وفساد الدين والدنيا في المتولّدين ، وسلب الإيمان من الزانيات والزانين ...
   ففي حديث محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، في قوله تعالى : ( الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إلاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُها إلاّ زَان أَوْ مُشْرِكٌ ) قال ( عليه السلام ) ، ( فلم يسمّ الله الزاني مؤمناً ولا الزانية مؤمنة ، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ليس يمتري فيه أهل العلم أنّه قال ، لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... فإنّه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص ) (2) .
  وفي حديث صباح بن سيّابة ، قال ، كنت عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) فقال له محمّد بن

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 13 ، ص 375 .
(2) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 32 ، ح 1 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 96 _

  عبده ، يزني الزاني وهو مؤمن ؟ قال ، ( لا إذا كان على بطنها سُلب الإيمان منه ، فإذا قام ردَّ عليه ... ) (1) .
  وفسّره العلاّمة المجلسي بذهاب الإيمان الكامل ... فإذا زنى فارقه روح الإيمان ، وإذا فرغ من العمل فإن تاب عاد إليه الروح كاملا (2) .
  وبهذا تعرف أنّ الزاني يستحقّ بعمله النار ، بل يستحقّ بخروجه عن الإيمان الخلود ، لكن بما أنّه يعود إليه الإيمان بعد التوبة ، جمعاً بين أدلّة خلود الزاني في النار ، وبين أدلّة لا يخلد في النار إلاّ أهل الكفر والجحود وأهل الضلال والشرك (3) ... لابدّ من حمل أدلّة خلود الزاني على صورة كونه مستحلا للزنا .
  والقرينة عليه حديث عبدالله بن سنان ، قال سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت ، هل يخرجه ذلك من الإسلام ، وإنْ عُذِّب كان عذابه كعذاب المشركين ، أم له مدَّة وإنقطاع ؟ فقال ، ( من إرتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال أخرجه ذلك من الإسلام وعُذِّبَ أشدَّ العذاب ، وإن كان معترفاً أنّه أذنب ومات عليه أخرجه من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام ، وكان عذابه أهون من عذاب الأوَّل ) (4) .
  فيكون الزاني المستحلّ لمعصيته كافراً مخلّداً في النار ... وهكذا الأمر في بعض المعاصي الاُخرى المحكوم عليها بالكفر وعدم الإسلام

-------------------------------
(1) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 281 ، ح 13 .
(2) مرآة العقول ، ج 10 ، ص 26 .
(3) بحار الأنوار ، ج 8 ، ص 351 ، باب 27 ، الأحاديث .
(4) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 285 ، ح 23 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 97 _

  يا علي ، الربا سبعونَ جزءاً فأيسرُها مثلُ أن ينكِحَ الرجلُ أُمَّه في بيتِ اللّهِ الحرام (281) .
  يا علي ، درهمُ رباً أعظمُ عندَ اللّهِ عزّوجَلَّ من سبعينَ زَنية كلُها بذاتِ مُحرم في بيت اللّهِ الحرام ، كمنع الزكاة مثلا فيما يأتي .
  (281) فمن حيث شدّة مبغضويته لكثرة فساده اشتدّ عقابه ... فكان أيسر عقابه عقاب ناكح اُمّه في بيت الله الحرام ، أو أعظم من سبعين زنية بالمحارم في بيت الله تعالى .
  فإنّ الربا في البيع والدَّيْن أخبث المكاسب ، وماحِقٌ للدين ، وسحت من الكبائر ، وفساد للأموال ، وعلّة لذهاب حسنات القرض ، وسدٌ لباب صنائع المعروف واقراض الملهوف ... لذلك حرّم على لسان كلّ نبي وفي كلّ كتاب ، كما يستفاد من الأخبار الشريفة (1) .
  قال صاحب الجواهر ، الربا محرّم كتاباً وسنّةً وإجماعاً من المؤمنين بل المسلمين ، بل لا يبعد كونه من ضروريات الدين ، فيدخل مستحلّه في سلك الكافرين ، كما يؤمي إليه ما رواه إبن بكير (2) قال ، إنّه بلغ أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل أنّه كان يأكل الربا ويسمّيه اللّبا (3) فقال ، لئن أمكنني الله منه لأضربنّ عنقه (4) .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 103 ، ص 114 ، باب 5 ، الأحاديث .
(2) وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 429 ، باب 2 ، ح 1 .
(3) تشبيهاً للربا بحليب اللباء الذي هو أوّل اللبن عند الولادة ، الذي يكثر نفعه للمولود .
(4) جواهر الكلام ، ج 23 ، ص 332 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 98 _

  يا علي ، من مَنَع قيراطاً (282) من زكاةِ مالِه فليس بمؤمن ولا بمسلم ولا كرامة (283) .
  (282) القيراط الشرعي هو ثلاث حبّات من حبّ الشعير المتوسط وثلاثة أسباع الحبّة ، والقيراط الصيرفي هو أربع حبّات من القمح ، وهو يساوي خُمس الغرام ، فالخمسة قراريط أعني عشرين قمحة تساوي غرام واحد (1) .
  (283) عرفت الوجه في عدم كونه مسلماً وانّه لاِستحلال منع الزكاة الذي هو موجب للكفر ...
  فإنّ منع الزكاة تضييع لحقّ الله ، وكفران لنِعَم الرازق ، ومنع لحقّ الناس ، وإهدار لقوت الفقراء ، وسدٌّ لباب المعروف ، وإفشاء للفقر بين الضعفاء كما تستفيده من الأحاديث (2) ، ومنها الحديث العلويّ الشريف أعني كلمة الحكمة الواردة في نهج البلاغة ، ( انّ الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء ، فما جاع فقير إلاّ بما مُتّع به غني (3) والله تعالى سائلهم عن ذلك ) (4) .
  ومن هنا تعرف أهميّة الزكاة في الإسلام ، وما في منعه من الآثام والخروج من الدين .
  قال المحقّق الهمداني ، ( الزكاة لغةً ، الطهارة والنمو ، وفي عرف أهل الشرع ، اسم للحقّ المعروف عندهم ، المعلوم ثبوته لديهم بنصّ الكتاب والسنّة المتواترة ، بل هي كالصلاة والصيام من الضروريات التي يخرج منكره عن ربقة المسلمين ) (5) .

-------------------------------
(1) الأوزان والمقادير ، ص 89 ـ 92 .
(2) بحار الأنوار ، ج 96 ، ص (1) 29 ، باب 1 ، الأحاديث .
(3) في البحار ، ج 96 ، ص 22 ، ح 53 ، ( إلاّ بما منع غني ) .
(4) نهج البلاغة ، الحكمة 328 ، جزء 3 ، ص 231 ، طبعة الاستقامة بمصر .
(5) مصباح الفقيه ، ج 3 ، ص 2 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 99 _

  يا علي ، تاركُ الزكاةِ يسأل اللّهَ الرجعَةَ إلى الدنيا وذلكَ قولُ اللّهِ عزّوجلَّ ، ( حَتَّى إذَا جاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ) الآية (284) .
  يا علي ، تاركُ الحجِّ وهو مستطيعٌ كافر (285) ، (284) سورة المؤمنون ، الآية 99 .
  (285) أي كافر بالكفر الحقيقي إذا كان جاحداً لفرض الحجّ ومستحلا لتركه ومستخفّاً به ... أو كافرٌ بالكفر العملي وبمعنى الخروج عن الطاعة إذا كان تاركاً بلا عذر .
  فإنّ ترك الحجّ الواجب معصية موبقة ، وردّ لدعوة الله ، وترك الوفادة إليه ، وإهمال للإستكانة والخضوع للربّ ، واتّصاف بقساوة القلب وخساسة النفس ... كما يستفاد من حديث الإمام الرضا ( عليه السلام ) (1) ، وتلاحظ بيان فضل الحجّ وعقاب تركه بالتفصيل في كتب الحديث (2) .
  جاء في الفقه ، أنّ الحجّ فرض على كلّ من اجتمعت فيه الشرائط كتاباً وسنّةً وإجماعاً من المسلمين ، بل ضرورة من الدين ، ويدخل من أنكره في سبيل الكافرين ، بل لعلّ تأكّد وجوبه ضروري أيضاً فضلا عن أصل الوجوب ... ولذا سمّى الله تعالى تركه كفراً في كتابه العزيز ... وهو أحد الأركان التي بُني عليها الإسلام ... وبهذا الإعتبار اُطلق عليه حجّة الإسلام ... وهي تجب على الفور بالنصّ وبالاتّفاق المحكي عن الناصريات ، والخلاف ، وشرح الجمل للقاضي ، والتذكرة ، والمنتهى (3) .

-------------------------------
(1) علل الشرايع ، ص 402 ، باب 142 ، ح 5 .
(2) بحار الأنوار ، ج 99 ، ص (2) 26 ، باب 2 ، الأحاديث .
(3) جواهر الكلام ، ج 17 ، ص 220 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 100 _

  يقولُ اللّهُ تباركَ وتعالى ، ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلا وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ ) (286) .
  يا علي ، من سَوَّفَ (287) الحجَّ حتّى يموت بعثهُ اللّهُ يومَ القيامةِ يهوديّاً أو نصرانيّاً (288) ، يا علي ، الصَّدقةُ تردُّ القضَاءَ الذي قد أُبرمَ إبراماً (289) .
  (286) سورة آل عمران ، الآية 97 .
  (287) التسويف في الأمر هي المماطلة والتأخير والقول بأنّي سوف أعمل وسوف أفعل .
  (288) وتدلّ عليه أيضاً أخبار عديدة وفي بعضها ، أنّ تارك الحجّ هو ممّن قال الله تعالى ، ( وَنَحْشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أعْمَى ) (1) ... وفي بعضها ، أنّه ترك شريعةً من شرائع الإسلام (2) ، وفي بعض الأخبار ، ( أعماه الله عن طريق الجنّة ) وفي بعضها ، ( أمَا إنّ الناس لو تركوا حجّ هذا البيت لنزل بهم العذاب وما نوظروا ) (3) .
  (289) أي أُحكم إحكاماً فالصدقة تدفع البلايا المقدّرة ، وميتة السوء ، والقضاء المحكم ...
  واعلم أنّ الصدقة لا تنحصر بالتصدّق بالمال فقط ، بل هي خمسة أقسام ، كما أفادها الشيخ الجليل ابن فهد الحلّي ( قدس سره ) ، وهي :
  أ ـ صدقة المال كما هي المعروفة في الصدقات .
  ب ـ صدقة الجاه وهي الشفاعة ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( أفضل الصدقة

-------------------------------
(1) سورة طه ، الآية 124 .
(2) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 16 / 21 ، باب 6 ، 7 ، الأحاديث .
(3) بحار الأنوار ، ج 99 ، ص 6 / 19 ، باب 2 ، الأحاديث 6 / 69 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 101 _

  يا علي ، صِلةُ الرَّحِمِ تَزيدُ في العُمر (290) .
  صدقة اللسان ، قيل يا رسول الله وما صدقة اللسان ؟ قال ، الشفاعة تفكّ بها الأسير ، وتحقن بها الدم ، وتَجرُّبها المعروف إلى أخيك ، وتدفع بها الكريهة ... ) .
  ج ـ صدقة الرأي ... وهي المشورة ... وعن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( تصدّقوا على أخيكم بعلم يُرشده ، ورأي يُسدّده ) .
  د ـ صدقة الوساطة بين الناس والسعي فيما يكون سبباً لإطفاء النائرة وإصلاح ذات البين .
  هـ ـ صدقة العلم ، وهي بذله لأهله ونشره على مستحقّه ... وعن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( من الصدقة أن يتعلّم العلم ويعلّمه الناس ) ، وعن الصادق ( عليه السلام ) ، ( لكلّ شيء زكاة وزكاة العلم أن يعلّمه أهله ) (1) .
  (290) ففي الحديث ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( إنّ الرجل ليصل رحمه وقد بقى من عمره ثلاث سنين فيصيّرها الله عزّوجلّ ثلاثين سنة ، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّرها الله ثلاث سنين ) (2) .
  وقد ورد لها من محاسن الآثار الاُخرى الكثيرة ما تلاحظها في الأحاديث الشريفة (3) .
  ومن محاسن آثار صلة الرحم المستفادة منها ، أنّها توجب وفرة المال وزيادة الرزق ، ومحبّة الأهل ، وعمران الديار ، وتيسير الحساب ، والوقاية من ميتة السوء ، وتزكية الأعمال ، ودفع البلاء ، وتحسين الخُلُق ، وسماحة الكفّ ، وتطييب النفس ،

-------------------------------
(1) عدّة الداعي ، ص 62 .
(2) أمالي الشيخ الطوسي ، ص 324 ، ح 1049 .
(3) بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 87 ـ 139 ، باب 3 ، المشتمل على 110 حديثاً .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 102 _

  يا علي ، إفتتحْ بالملِح واختتم بالملِح ، فإنّ فيهِ شفاءٌ من إثنينَ وسبعينَ داء (291) .
  والنور في القيامة ، وأجر مائة شهيد ، ويكون لواصل الرحم بكلّ خطوة يخطوها أربعون ألف حسنة ، ويُمحى عنه أربعون ألف سيّئة ، ويُرفع له أربعون ألف درجة ... ويكون كمن عَبَد الله مائة سنة صابراً محتسباً .
  هذا وللشهيد الأوّل ( قدس سره ) (1) بيان لطيف ، يحسن الإلفات إليه في معنى الرحم ، ومعنى صلته ، ومحقّقات الصلة ، والصلة الواجبة والمستحبّة ، خلاصتها :
  أ ـ أنّ رحم الإنسان هو من عرف بنسبته له وإن كانت النسبة بعيدة .
  ب ـ أنّ المرجع في صلة الرحم المخرجة عن القطيعة هو بحسب العرف ، وهو يختلف باختلاف العادات ، وبُعد المنازل وقربها .
  ج ـ أنّ الصلة لفقراء الأرحام تتحقّق باعطاء المال ، وللأغيناء بالهديّة ، وأعظم الصلة هو ما كان بالنفس ، ثمّ بدفع الضرر عنهم ، ثمّ بجلب النفع لهم ... وأدنى الصلة السلام بنفسه ثمّ برسوله ، والدعاء بظهر الغيب ، والثناء في المحضر .
  د ـ أنّ الصلة قد تكون واجبة وهو ما يخرج عن قطيعة الرحم ، وقد تكون مستحبّة وهو ما زاد على ذلك .
  (291) وتلاحظ بيان فضيلته وفائدته ومصالحه ودفعه للأضرار في الأخبار (2) .
  من ذلك قولهم سلام الله عليهم مضافاً إلى هذه الوصيّة : ( لو يعلم الناس ما في الملح ما احتاجوا معه إلى ترياق ) .

-------------------------------
(1) القواعد والفوائد ، ص 213 .
(2) بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 394 ، باب 13 ، الأحاديث السبعة والعشرون .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 103 _

  يا علي ، لو قد قُمتُ (292) على المقامِ المحمود (293) لشَفَعْتُ في أَبي وأُمّي وعَمّي وأخٌ كانَ لي في الجاهليّة (294) .
  و ( عليك بالملح ، فإنّه شفاء من سبعين داء أدناها الجذام والبرص والجنون ) .
  و ( من ذرَّ على أوّل لقمة من طعامه الملح ذهب عنه نمش الوجه ) .
  و ( انّ في الملح دواء وجع الحلق والأضراس ووجع البطن ) .
  و ( أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران ( عليه السلام ) مُرْ قومك يفتتحوا بالملح ويختتموا به ، وإلاّ فلا يلوموا إلاّ أنفسهم ) .
  (292) في مكارم الأخلاق والبحار ، ( لو قدمت المقام المحمود ) .
  (293) المقام المحمود فُسّر بالشفاعة (1) .
  وفُسّر أيضاً بالمنبر الذي ينصب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم القيامة ، ويوضع لواء الحمد في يده ، ويأتيه رضوان بمفاتيح الجنّة ، ومالك بمفاتيح النار ، فيضعها في يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (2) .
   وتلاحظ تفصيل بيانه في باب المعاد من كتابنا العقائد الحقّة .
  (294) فإنّه ما من أحد من الأوّلين والآخرين حتّى أولياء الله المقرّبين إلاّ وهو محتاج إلى شفاعة محمّد وآله الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ، كما تلاحظه في الأحاديث المتظافرة (3) .
  كما وأنّ الشفاعة تكون لمن إرتضى الله تعالى دينه ، وهو المؤمن دون الكافر كما تلاحظه في أحاديث الشفاعة (4) .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 8 ، ص 48 ، باب 21 ، ح 52 .
(2) بحار الأنوار ، ج 7 ، ص 335 ، باب 17 ، ح 21 .
(3) بحار الأنوار ، ج 8 ، ص 38 ، باب 21 ، ح 16 / 31 .
(4) بحار الأنوار ، ج 8 ، ص 34 ، باب 21 ، ح 4 / 18 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 104 _

  يا علي ، أنا ابنُ الذَّبيحَين (295) .
  وهذا الحديث بنفسه دليل على إيمان هؤلاء الذين يشفع لهم الرسول (ص) الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهم أبوه عبدالله ، وأُمّه آمنة ، وعمّه أبو طالب ، وأخوه قبل البعثة الجلاّس بن علقمة إذ الشفاعة لا تنال الكافرين .
  بل أفاد التقي المجلسي أنّ الشفاعة في مثل أبيه واُمّه وعمّه تكون في علوّ درجاتهم (1) .
  وذكر الشيخ الصدوق حديث شفاعة النبيّ لخمسة وهو ما رواه هارون بن خارجة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ( قال ، هبط جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال ، يا محمّد إنّ الله عزّوجلّ قد شَفّعك في خمسة ، في بطن حَمَلك وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف ، وفي صُلب أنزلك وهو عبدالله بن عبدالمطلّب ، وفي حِجر كَفَلك وهو عبدالمطلّب بن هاشم ، وفي بيت آواك وهو عبد مناف بن عبدالمطلّب ( أبو طالب ) ، وفي أخ كان لك في الجاهلية ... قيل ، يا رسول الله مَن هذا الأخ ؟ فقال ، كان أُنسي وكنتُ أُنسه وكان سخيّاً يُطعم الطعام ) (2) .
  (295) ورد في الحديث الرضويّ الشريف تفسير الذبيحين بجدّه إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، وأبيه عبدالله بن عبدالمطلّب حيث تقرّر ذبحهما ففُدي إسماعيل بذبح عظيم ، وفُدي عبدالله بمائة من الإبل ، والعلّة في رفع الذبح عنهما كون النبي والأئمّة في ذرّيتهما فلاحظ مفصّل الحديث عن ذلك في الخصال (3) .

-------------------------------
(1) روضة المتّقين ، ج 12 ، ص 229 .
(2) الخصال ، ص 293 ، باب الخمسة ، ح 59 .
(3) الخصال ، ص 55 ، باب الإثنين ، ح 78 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 105 _

  يا علي ، أنا دَعوةُ أبي إبراهيم (296) .
  يا علي ، العقلُ ما اكتُسِبَ به الجنّةُ ، وطُلبَ به رِضى الرحمان (297) .
  يا علي ، إنّ أوّلَ خلق خَلَقَه اللّهُ عزّوجلَّ العقل (298) ، (296) إشارة إلى قوله عزّ إسمه حكاية عن سيّدنا إبراهيم سلام الله عليه ، ( رَبَّنَا وَابعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزكِّيهِمْ إنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) (1) وقوله تعالى أيضاً ، ( فاجْعَلْ أفئِدَةً منَ النّاسِ تَهْوي إليهِم وارْزُقْهُم مِنَ الثَمَراتِ لَعلَّهُم يَشْكُرون ) (2) .
  (297) فالعقل هي القوّة الدرّاكة للخير والشرّ والتمييز بينهما ... التي تدعو إلى إختيار الخير والنفع ، وإجتناب الشرّ والضرر ... ويكون العقل داعياً لإختيار خير الخير وهو رضى الله والجنّة .
   فيكون العقل الكامل هو الذي يُكتسب به الجنّة ، ويُطلب به رضى الرحمان ...
  وهذا تعريف بالخواص والآثار التي هي من أوضح التعاريف عند العرف ...
  وجاء في حديث محمّد بن عبدالجبّار ، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، قلت له ، ما العقل ؟ قال ، ( ما عُبِد به الرحمان واكتُسب به الجنان ... قال ، فالذي [ فما الذي ] كان في معاوية ؟ قال ، تلك النكراء ... تلك الشيطنة ، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل ) (3) .
  (298) وهو أوّل خلق من الروحانيين ... أي من الأجسام اللطيفة كما يستفاد من حديث سماعة بن مهران (4) ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) .

-------------------------------
(1) سورة البقرة ، الآية 129 .
(2) سورة إبراهيم ( عليه السلام ) ، الآية 37 .
(3) اُصول الكافي ، ج 1 ، ص 11 ، ح 3 .
(4) اُصول الكافي ، ج 1 ، ص 21 ، ح 14 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 106 _

  فقال له ، أَقبِلْ فأقبَلَ ، ثمّ قالَ لهُ ، أَدبِرْ فأدبَرَ (299) فقال ، وعزّتي وجلالي ما خلقتُ خلقاً هو أحبُ إليّ منكَ بِكَ ، آخذ وبِكَ أُعطي وبكَ أُثيبُ وبكَ أُعاقب (300) .
  يا علي ، لا صدقةَ وذو رَحِم محتاج (301) .
  يا علي ، درهمٌ في الخضاب (302) خيرٌ من ألفِ درهم ينفق في سبيلِ اللّه ، (299) الأمر بالإقبال والإدبار يمكن أن يُراد به ظاهره فيكون مفاد الحديث إطاعة العقل وإنتهائه ، وإنقياده لأمر الله تعالى ونهيه ...
  ويمكن أن يراد بالإقبال ترقّيه إلى مراتب الكمال ، وبالإدبار التنزّل إلى البدن ...
  ويمكن أن يراد بالإقبال ، الإقبال إلى الخَلق ، وبالإدبار الرجوع إلى عالم القدس (1) .
  (300) فيكون العقل هو الملاك والمدار في الأخذ والعطاء والثواب والعقاب .
   وفسّر الأخذ بالعقوبة والحبس والمنع ، كما فُسّر العطاء بإعطاء الجنّة والمراتب العالية .
  (301) أي لا صدقة كاملةً ، إذ الأقربون أولى بالمعروف ... فلا تكمل الصدقة لغير الرحم مع وجود رحم محتاج .
  (302) خضب يخضب خضباً ... الشيء تلوّن ... وخَضَّبَ ، لَوَّن ... والخضاب هو ما يخضب به الشعر وغيره كالحناء والوسمة ونحو ذلك ... والخضاب من سنن المرسلين كما تلاحظ ذلك في أحاديثه (2) .

-------------------------------
(1) مرآة العقول ، ج 1 ، ص 30 .
(2) بحار الأنوار ، ج 76 ، ص 97 ، باب 9 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 107 _

  وفيه أربعُ عشر خصلة (303) ، يطرد الريح من الاُذنين ، ويجلُو البصَر ، ويلين الخياشيم (304) ، ويطيب النكهة (305) ، ويشدّ اللثّة ، ويذهب بالضّنا (306) ، ويقلّ وسوسةَ الشيطان ، وتفرح بهِ الملائكة ، ويستبشر بهِ المؤمن ، ويغيظُ به الكافر وهو زينةٌ ، وطِيب ، ويستحيي منه منكرٌ ونكير ، وهو براءةٌ لهُ في قبره .
  يا علي ، لا خيرَ في القول إلاّ مع الفعل (307) ، ولا في المنظرِ إلاّ مع المَخبرَ (308) ، (303) جاءت الخصال الأربعة عشرة في كتاب الخصال (1) أيضاً وهي آثار مباركة توجبها هذه السنّة الشريفة .
  (304) الخياشيم ـ جمع خيشوم ـ ، وهو أقصى الأنف ، ومنهم من يُطلقه على الأنف ، وعن الصدوق ( رحمه الله ) أنّ الخيشوم هو الحاجز بين المنخرين (2) .
  (305) النكهة هي رائحة الفمّ .
  (306) الضّناء ـ بالفتح والمدّ ـ ، هو المرض والهزال والضعف ، وفي الكافي (3) ، ( الغشيان ) بدل الضنا .
  (307) أي لا ينفع القول بدون الفعل ، والعلم بدون العمل .
  (308) أي لا عبرة بما يظهر من شخص للإنسان في بادىء النظر إلاّ بعد الإختبار والإمتحان .
  وفي المكارم ( منظر ) بدون الألف واللام ، وفي حاشية البحار نقل عن نسخة

-------------------------------
(1) الخصال ، ص 497 ، أبواب الأربعة عشر ، ح 1 و 2 .
(2) مجمع البحرين ، مادّة خشم ، ص 514 .
(3) فروع الكافي ، ج 6 ، ص 482 ، ح 12 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 108 _

  ولا في المال إلاّ مع الجُود (309) ، ولا في الصِدقِ إلاّ مع الوفاء (310) ، ولا في الفقهِ إلاّ مع الوَرع (311) ، ولا في الصدقةِ إلاّ مع النيّة (312) ، ولا في الحياة إلاّ مع الصحّة (313) ، ولا في الوطنِ إلاّ مع الأمنِ والسرور (314) .
  يا علي ، حُرّمَ من الشاةِ سبعةُ أشياء (315) ، الدمُ والمذاكيرُ ، ( ولا في نظر إلاّ مع الخبرة ) .
  (309) أي لا خير في المال إلاّ مع الجود به وإنفاقه في المورد المطلوب المشروع .
  (310) فإنّه حتّى لو كان الوعد مقروناً بنيّة الوفاء ليكون وعد صدق ... لا خير فيه إلاّ مع الوفاء فيه والعمل به .
  (311) أي الورع والكفّ عن محارم الله تعالى ، ليكون فقهاً مع العمل ، وفقيهاً بلا زلل ... وفي المكارم ، ( ولا في العفّة إلاّ مع الورع ) .
  (312) أي نيّة القربة ، والتقرّب بالصدقة إلى الله تعالى ... لتكون ممّا قال الله تعالى فيها ، ( وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّهِ فأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ ) (1) .
  (313) أي صحّة الدين حتّى تكون حياة دينية صحيحة ، أو صحّة البدن حتّى تكون حياة طيّبة مع الصحة ... وإن كان مرض المؤمن كفّارة لذنبه .
  (314) الأمن ضدّ الخوف ، والسرور ضدّ الحزن ... فالتواجد في الوطن لا ينفع مع إقترانه بالخوف والحزن ... بل كماله يكون في صورة وجود الأمن والسرور. (315) رواه في الخصال (2) أيضاً .

-------------------------------
(1) سورة الروم ، الآية 39 .
(2) الخصال ، ص 341 ، باب السبعة ، ج 3 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 109 _

  والمثانةُ ، والنخاعُ ، والغُدَدُ ، والطِحالُ ، والمَرارة (316) .
  يا علي ، لا تماكِسْ (317) في أربعةِ أشياء (318) ، في شراءِ الأُضحية ، والكَفَن .
  (316) الدم معروف ، والمذاكير جمع ذَكَر على خلاف القياس وهو القضيب .
  والمثانة هي مجتمع البول تقع تحت الكلى والحالبين ، والنخاع هو الحبل الأبيض داخل عظم الرقبة الممتدّ في الإنسان إلى الصلب وأصل الظهر وفي الحيوان إلى أصل الذَنَب ، ويكون في جوف الفقرات يضمّ سلسلتها ولا قوام للإنسان والحيوان بدونه ويسمّى بالوتين .
  والغدد جمع غدّة وهي النتوءات المستديرة التي تكون في اللحم وتكثر في الشحم .
  والطحال بكسر الطاء معروف ويقال له بالفارسية ، اسپُرز .
  والمرارة هي كيس الصفراء الملتصق بالكبد .
  وتلاحظ في أخبار الباب (1) اُمور اُخرى لا تؤكل من الذبيحة كالاُنثيين وهما الخصيتان ، والحياء وهو الفرج ، والمشيمة وهي موضع الولد ، والفرث وهو الروث في جوفها ... تلاحظها بتفصيلها في الأحاديث تحت عنوان ما يحرم من الذبيحة وما يكره (2) .
  (317) المماكسة في البيع إنتقاص الثمن وإستحطاطه .
  (318) وردت في الخصال (3) أيضاً .

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 437 ، باب 31 ، الأحاديث .
(2) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 437 ، ب 31 ، الأحاديث العشرون .
(3) الخصال ، ص 245 ، باب الأربعة ، ح 10(2) 103 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 110 _

  والنَسَمة (319) ، والكرى إلى مكّة (320) .
  يا علي ، ألا أُخبركم بأشبهكم بي خُلقاً (321) قال ، بلى يا رسول اللّه قال ، أحسنكُم خُلقاً ، وأعظمُكم حلماً ، وأبرُّكم بقرابتِه ، وأشدُّكم من نفسِه إنصافاً .
  يا علي (322) ، أمانٌ لأُمّتي مِن الغرق إذا هم ركبوا السفن فقرأوا ، ...
  ( بسم اللّهِ الرحمن الرحيم وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ والسَّماوَاتُ مَطْوّيَاتٌ بِيَمِينِهِ ...
  (319) أي ثمن النسمة أي العبد أو الأمة .
  (320) أي أُجرة الإكراء والسفر ... فهذه الاُمور الأربعة لا يماكس فيها لأنّه كلّما كان الثمن فيها أكثر كان الثواب أوفر ... فلا يكون دافع الثمن الأكثر مغبوناً .
  (321) الخلق ـ بالضمّ ـ ، الطبيعة والسجيّة ... وأشبه الناس سجيّةً برسول الله هو من كان أكثر الناس تخلّقاً بأخلاقه من حيث الأخلاق الحسنة ، والحلم العظيم ، والبرّ الوافي ، والإنصاف الكثير ...
   وغير خفي أنّ أشبه الناس به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هم أهل بيته الطاهرون سلام الله عليهم أجمعين .
  (322) شروع في توصيته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بخواص ثُلَّة من الآيات الشريفة لجملة من الأغراض والمهام ، وقد رُوي عنهم سلام الله عليهم الكثير من ذلك في كتاب القرآن من البحار (1) ...
  وقد أُحصيت بالفارسية في كتاب ( خواص آيات ) للمولى محمّد تقي الاصفهاني فلاحظ .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 92 ، ص 262 / 385 ، باب 30 ـ 127 .

الى هنا

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 111 _

  سُبْحَانَهُ وَتَعالَى عَمّا يُشْرِكُونَ ) (323) ( بسمِ اللّهِ مَجْريها وَمُرْسَيها إنّ رَبّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (324) .
  يا علي ، أمان لاُمّتي من السَرَق ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُو الرَّحْمنَ أَيّاً ما تَدعُو فلهُ الأسماءُ الحُسنى ) (325) إلى آخر السورة (326) .
  يا علي ، أمان لاُمّتي من الهَدم ، ( إنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَد مِّن بَعْدِهِ إنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) (327) .
  يا علي ، أمان لاُمّتي من الهَمِّ ، ( لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللّهِ العليّ العظيم لا ملجأَ ولا منجا من اللّهِ إلاّ إليه ) (328) .
  (323) سورة الزمر ، الآية 67 .
  (324) سورة هود ، الآية 41 .
  (325) سورة الإسراء ، الآية 110 .
  (326) تمامه قوله عزّ اسمه ، ( وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخاَفِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلا * وَقُلِ الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرا ) .
  (327) سورة فاطر ، الآية 41 .
  (328) فإنّه التجاء إلى حول الله تعالى وقوّته الغالبتين على كلّ شيء ... وقد أُفيد أنّ هذا الدعاء جُرِّب نفعه لكلّ أمر مهم ...
  وفي حديث جابر الجعفي ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال ، سألته عن معنى لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ؟ فقال ، ( معناه ، لا حول لنا عن معصية الله إلاّ بعون الله ، ولا قوّة

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 112 _

  يا علي ، أمان لأُمّتي من الحرق ، ( إنَّ وَلييَّ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (329) ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (330) الآية .
  يا علي ، من خاف من السّباع (331) فليقرأ ، ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) (332) ...
  لنا على طاعة الله إلاّ بتوفيق الله عزّوجلّ ) (1) .
  وأضاف الشيخ الطريحي أنّه ورد في الحديث ( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله كنز من كنوز الجنّة ) قيل ، الحول الحركة ، فكأنّ القائل يقول ، لا حركة ولا إستطاعة لنا على التصرّف إلاّ بمشيّة الله تعالى ، وقيل ، الحول القدرة ، أي لا قدرة لنا على شيء ولا قوّة إلاّ بإعانة الله سبحانه ، وقد يُفَسَّر الحول بالحيلة أي لا يُوصَل إلى تدبير أمر وتغيير إلاّ بمشيّتك ومعرفتك (2) .
  (329) سورة الأعراف ، الآية 196 .
  (330) سورة الأنعام ، الآية 91 ، وتمامها قوله عزّ اسمه ، ( إذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَر مِّن شَيْء قُلْ مَنْ أنزَلَ الكِتابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُم قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُم فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) .
  (331) تطلق السباع في اللغة على كلّ حيوان مفترس له ناب يعدُو خلف فريسته كالأسد والنمر والذئب ونحوها .
  (332) سورة التوبة ، الآية 128 .

-------------------------------
(1) معاني الأخبار ، ص 21 ، ح 1 .
(2) مجمع البحرين ، ص 470 ، مادّة حَوَلَ .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 113 _

  إلى آخر السورة (333) .
  يا علي ، من استصعَبَتْ عليه دابّتُه (334) فليقرءْ في أُذنِها اليمنى ، ( وَلهُ أسلَمَ مَن في السّماواتِ والأرضِ طَوْعاً وكَرْهاً وإليهِ يُرجَعُون ) (335) .
  يا علي ، مَنْ كان في بطنِه ماءٌ أصفر (336) فليكتُب على بطنِه آيةَ الكرسي وليشربْه (337) فإنّه يَبرأُ بإذنِ اللّهِ عزّ و جلّ .
  يا علي ، من خاف ساحراً أو شيطاناً فليقرء ، ( إنّ ربَّكُمُ اللّهُ الذي خَلَقَ السماواتِ والأرضَ ) (338) الآية .
  (333) وتمام الآية إلى آخر السورة قوله عزّ اسمه ، ( حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لاَ إلَهَ إلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ) .
  (334) الدابّة الصعبة ، خلاف الذلول ـ وفي بعض النسخ ( استعصت ) .
  (335) سورة آل عمران ، الآية 83 .
  (336) فسّر بالصفراء التي تتكوّن في البطن وتندفع مع البول ... كما فُسّر أيضاً بماء الاستسقاء الذي يحصل في البطن ثمّ يدخل إلى سائر الأعضاء .
  (337) أي يشرب غسيل كتابة آية الكرسي المباركة ، بأن يكتبها أيضاً في إناء نظيف بزعفران مثلا ثمّ يغسل الكتابة بماء طاهر ويشربه .
  (338) سورة الأعراف ، الآية 54 ، وهي آية السخرة قوله عزّ شأنه ، ( إنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ العَالَمِينَ ) .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 114 _

  يا علي ، حقُ الولدِ على والدِه أن يُحسنَ اسمَه وأدبَه ويضعه موضعاً صالحاً (339) ، وحقُ الوالدِ على ولدِه أن لا يسمّيه بإسمِه (340) ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس أمامَه (341) ، ولا يدخل معهُ في الحَمّام (342) .
  يا علي ، ثلاثةٌ من الوَسواس (343) ، أكلُ الطّين ، وتقليمُ الأظفارِ بالأسنان ، وأكلُ اللحية .
  يا علي لَعن اللّهُ والديْن حَملا ولَدهما على عُقوقهما (344) .
  (339) فيسمّيه بالأسماء الحسنة المستحبّة كأسماء المعصومين ( عليهم السلام ) ، ويحسّن أدبه بالآداب الإسلامية الكريمة ، ويحلّه المحلّ المناسب له ، الموافق لشأنه ، الصالح في حدّ ذاته من حيث فعاله وأعماله .
  (340) وذلك لما فيه من التحقير ، وترك التعظيم والتوقير عرفاً ، وإنّما يسمّيه بالكنية ، أو الألقاب المشتملة على التكريم كقوله ، يا أبة أو يا أبتاه .
  (341) ففيهما إهانة الأب وهي مبغوضة .
  (342) فإنّ فيه شيء من المهانة والخفّة للأب في حالات العرى .
  (343) أي من وسوسة الشيطان ، أو من تسويل الشيطان المسمّى بالوسواس .
  (344) بأن يكلّفاه تكليفاً يشقّ إتيانه على الولد حتّى يبرّهما ، أو يفعلا فعلا أو يقولا قولا يسبّب عقوقه لهما .
  والعقوق هو العصيان وترك الإحسان وأصله العقّ وهو الشقّ والقطع يقال ، عقّ الولد أباه ، إذا آذاه وعصاه وترك الإحسان إليه(1) .

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، مادّة عقق ، ص 441 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 115 _

  يا علي ، يلزم الوالدين من عُقوق وِلدهِما ما يلزمُ الوَلدُ لهما من عُقوقِهما (345) .
  يا علي ، رحَم اللّهُ والديْن حَملا ولَدَهما على بِرّهِما (346) .
  يا علي ، من أحزَنَ والديْه فقد عَقَّهما (347) .
  (345) فإنّ للولد على الوالدين أيضاً حقوقاً إذا لم يأت بها الأبوان كانا عاقّيْن للولد ...
  وفي رسالة الحقوق الجامعة التي رواها أبو حمزة الثمالي عن مولانا الإمام السجّاد ( عليه السلام ) جاء ما نصّه ، ( وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّوجلّ ، والمعونة له على طاعته ، فأعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مُثاب على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه ) (1) .
  وفي الحديث النبوي الشريف ، ( من حقّ الولد على والده ثلاثة ، يحسن إسمه ، ويعلّمه الكتابة ، ويزوّجه إذا بلغ ) (2) .
  (346) بحسن التأديب ، ويُسر التكليف ، وإعانتهما على برّ الوالدين .
  (347) فإنّ قول ، ( اُف ) فقط عقوق للوالدين فكيف بأن يقول أو يفعل ما يحزنهما ... وقد ورد هذا البيان في حديث الأربعمائة الشريف أيضاً جاء فيه ، ( من أحزن والديه فقد عقّهما ) (3) .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 6 ، باب 1 ، ح 1 .
(2) بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 80 ، باب 1 ، ح 82 .
(3) الخصال ، ص 621 ، باب الأربعمائة ، ح 10 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 116 _

  يا علي ، مَن اغتيبَ عندَه أخُوهُ المسلمُ فاستطَاع نصرَه فلم ينصْره خَذَلهُ اللّهُ في الدنيا والآخرةِ (348) .
  (348) فإنّه قد استفاضت الأخبار الشريفة بردّ الغيبة ، وتحريم سماعها بدون الردّ كما تلاحظها في الوسائل (1) في باب مستقل يشتمل على أحاديث ثمانية .
  وكذا في باب حرمة الغيبة نظير حديث الحسين بن زيد ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، عن آبائه ( عليهم السلام ) ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال فيه ، ( ألا من تطوَّل على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردّها عنه ردّ الله عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة ، فإنْ هو لم يردّها وهو قادر على ردّها كان عليه كوزر من إغتابه سبعين مرّة ) (2) .
  قال الشيخ الأعظم الأنصاري ، ( ولعلّ وجه زيادة عقابه أنّه إذا لم يردّه تجرّأ المغتاب على الغيبة فيصرّ على هذه الغيبة وغيرها ) ...
  ثمّ أضاف واستظهر أنّ الردّ الواجب للغيبة أمر زائد على النهي عن الغيبة ... وأنّ الردَّ هو الإنتصار للمغتاب ... فإن كان عيباً دنيوياً انتصر له بأنّ العيب ليس إلاّ ما عاب الله به من المعاصي التي أكبرها ذكرك أخاك بما يكرهه ممّا لم يعبأ الله به .
  وإن كان عيباً دينياً وجّهه بمحامل تخرجه عن المعصية .
  وإن لم يكن ذلك العيب الديني قابلا للتوجيه انتصر له بأنّ المؤمن قد يبتلى بالمعصية ، فينبغي أن تستغفر له لا أن تعيّره (3) .
  وسيأتي ان شاء الله تعالى بيان حرمة أصل الغيبة بالأدلّة الأربعة عند بيان وصيّة تحف العقول عند قوله ، يا علي ، إحذر الغيبة والنميمة ... فإنّ الغيبة تفطر ، والنميمة

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 606 ، باب 156 ، الأحاديث .
(2) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 600 ، باب 152 ، ح 13 .
(3) المكاسب المحرّمة ، ج 4 ، ص 69 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 117 _

  يا علي ، من كفى يتيماً في نفقتِه بمالِه حتّى يَستغني وجَبَت لهُ الجَنّةُ الَبتّة (349) .
  يا علي ، من مسَحَ يدَه على رأسِ يتيم ترحّماً له أعطاهُ اللّهُ عزّوجَلّ بكلِّ شَعْرة نُوراً يومَ القيامة .
  يا علي ، لا فقَر أشدُّ من الجَهل (350) ، ولا مالَ أعودُ من العقل (351) ، ولا وحشَة أَوْحَشُ من العُجْب (352) ، ولا عقلَ كالتدبير (353) ، توجب عذاب القبر .
  (349) وقد عقد في البحار (1) ، باباً في العِشرة مع اليتامى ، يشتمل على خمسة وأربعين حديثاً منها الحديث الرابع من الباب عن الإمام الصادق عن أبيه ( عليهما السلام ) قال ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( من كفل يتيماً ، وكفل نفقته كنت أنا وهو في الجنّة كهاتين ، وقرن بين إصبعيه المسبّحة والوسطى ). (350) فإنّ فقر عدم العلم أشدّ من فقر عدم المال لأشرفية العلم من المال ، فيكون فقده أعظم من فقد المال .
  (351) العائدة هي المنفعة ... والأعود هو الأنفع ... ومنافع العقل أكثر من منافع المال ... بل إنّ إستيفاء المنافع من المال يكون بالعقل ... فالعقل أعود .
  (352) فإنّ إعجاب المرىء بنفسه يستلزم ترفّعه على الناس وذلك يسبّب إنفراده عنهم وإستيحاشه منهم .
  (353) أي تدبير الاُمور للدنيا والآخرة ... أو تدبير المعاش بالاقتصاد وعدم الإسراف .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 1 ، باب 31 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 118 _

  ولا ورعَ كالكفِّ عن محارمِ اللّهِ تعالى (354) ، ولا حَسَبَ كحُسنِ الخُلُق (355) .
  (354) فإنّه أحسن الورع ... بل في حديث أبي سارة الغزّال (1) ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال ، ( قال الله عزّوجلّ : ابن آدم اجتنب ما حرّمت عليك تكن من أورع الناس ) .
  وأفاد في شرحه العلاّمة المجلسي ، وكأنّ الأورع يكون بالنسبة إلى من يجتنب المكروهات ، ويأتي بالسنن ، لكن يجترىء على المحرّمات وترك الطاعات كما هو الشائع بين الناس ...
  أو هو تعريض بأرباب البدع الذين يحرّمون ما أحلّ الله على أنفسهم ويسمّونه ورعاً ...
  أو هو تنبيه على أنّ الورع إنّما هو بترك المعاصي لا بالمبالغة في الطاعات والإكثار منها (2) .
  (355) الحَسَب هي الشرافة بالآباء وبما يُعدّ من مفاخرهم ... وشرافة حسن الخُلُق جامعة بين خير الدنيا والآخرة ... إذ أنّها جمعت بين هنائة العيش وسيادة الناس ، وبين رضوان الله والجنّة في الآخرة ، فلا تصل إليها المفاخر الدنيوية والمكارم الآبائية ، ولا يكون حَسَب أشرف من حسن الخُلُق .
  وفي حديث جبلّة الإفريقي أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ، أنا زعيم ببيت في رَبض الجنّة ـ الربض ، النواحي ـ وبيت في وسط الجنّة ، وبيت في أعلى الجنّة لمن ترك

-------------------------------
(1) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 77 ، ح 7 .
(2) مرآة العقول ، ج 8 ، ص 60 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 119 _

  ولا عبادةَ مثلُ التفكّر (356) .
  المراء محقّاً ، ولمن ترك الكذب وإن كان هازلا ، ولمن حسن خُلُقه (1) .
  وأمّا معنى حسن الخُلُق ففي الحديث ، قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) ، ما حدّ حسن الخُلُق ؟ قال ، ( تلين جانبك ، وتطيّب كلامك وتلقى أخاك ببُشر حسن ) (2) .
  ويطلق حسن الخُلُق غالباً على ما يوجب حسن المعاشرة ، ومخالطة الناس بالجميل (3) .
  (356) فالتفكّر في آيات الله وعظمته وقدرته يقرّب الإنسان إلى الله تعالى بأحسن القرب الحاصل بالعبادة ... وقد دلّ ودعى الكتاب والسنّة إلى هذا التفكّر .
  أمّا الكتاب ، ففي آيات كثيرة مثل قوله تعالى في صفة اُولي الألباب ، ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا ما خَلَقْتَ هذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنا عَذَابَ النّارِ ) (4) .
  وأمّا السنّة ، ففي أحاديث عديدة تلاحظها في اُصول الكافي (5) ، والبحار (6) ، دلّت على أنّ أفضل العبادة إدمان التفكّر في قدرة الله وصنعه ومواعظه ، فإنّه يدعو إلى البرّ والعمل .

-------------------------------
(1) الخصال ، ص 144 ، ح 170 .
(2) بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 389 ، باب 92 ، ح 42 .
(3) بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 373 .
(4) سورة آل عمران ، الآية 191 .
(5) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 54 ، باب التفكّر ، الأحاديث .
(6) بحار الأنوار ، ج 71 ، ص 314 ، باب 80 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 120 _

  يا علي ، آفةُ الحديثِ الكذب (357) ...
  واعلم أنّ التفكّرات الصحيحة تدعو إلى البرّ والعمل كما جاء في الحديث فمثلا ، التفكّر في عظمة الله يدعو إلى خشيته وطاعته ، والتفكّر في فناء الدنيا ولذّاتها يدعو إلى تركها ، والتفكّر في عواقب من مضى من الصالحين يدعو إلى إقتفاء آثارهم ، والتفكّر فيما انتهى إليه أمر المجرمين يدعو إلى إجتناب أطوارهم ، والتفكّر في عيوب النفس يدعو إلى إصلاحها ، والتفكّر في أسرار العبادة يدعو إلى السعي في تكميلها ، والتفكّر في درجات الآخرة يدعو إلى تحصيلها ، والتفكّر في مسائل الشريعة يدعو إلى العمل بها ، والتفكّر في حسن الأخلاق الحسنة وحسن آثارها يدعو إلى تحصيلها ، والتكفّر في قبح الأخلاق السيّئة وسوء آثارها يدعو إلى تجنّبها ، والتفكّر في نقص أعماله يدعو إلى السعي في إصلاحها ، والتفكّر في عقوبات سيّئاته يدعو إلى تداركها بالتوبة والندم ... وهكذا (1) .
  وأفاد المحدّث القمّي ( قدس سره ) ، ينبغي أن يتعلّم الإنسان التفكّر الممدوح من ( تمليخا ) أحد أصحاب الكهف قي قصّة اهتدائه ببركة التفكّر ثمّ ذكر القصّة فلاحظ (2) .
  (357) الآفة هي العاهة والنقص والبليّة الشديدة ... والآفة التي يُبتلى بها الحديث يعني الكلام هو الكذب ... وهو أشدّ بليّة تعرض الكلام خصوصاً إذا كان كذباً على الله أو رسوله أو أوليائه .
  فالكذب يخرّب الإيمان وقد قال عزّ اسمه ، ( إنَّما يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (3) .

-------------------------------
(1) مرآة العقول ، ج 7 ، ص 342 .
(2) سفينة البحار ، ج 7 ، ص 145 . (3) سورة النحل ، الآية 105 .