ودَفعَ إليَّ كتبَهُ وسلاحَهُ وأمَرني أن آمَركَ إذا حَضَركَ الموتُ أن تدفَعها إلى أخيك الحُسين ( عليه السلام ) ، ثمّ أقْبَلَ على إبنه الحسين ( عليه السلام ) فقال ، وأمَركَ رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنْ تدفَعها إلى إبنِك علي بِن الحسين (6) هذا ، ثمّ أخذ بيدِ عليِّ بن الحسين ( عليه السلام ) ثمّ قال لعلي بن الحسين ، وأمركَ رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تدفَعَها إلى إبنِك محمّد ابن علي واقرأْهُ من رسولِ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومنّي السلام (7) .
إملاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من فلق فمه وخطّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بيده فيه جميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة حتّى أنّ فيه أرش الخدش والجَلدة ونصف الجَلدة كما في الحديث الصادقي
، وقد جمعنا ذكر مواريث الأنبياء الواصلة إلى سادتنا الأئمّة النجباء في كتابنا شرح زيارة الجامعة الشريفة .
(6) هكذا في الفقيه ، وفي الكافي ، وأمرك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تدفعه إلى إبنك هذا ثمّ أخذ بيد علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، وفي كتاب سليم إضافة ، ( وأخذ بيد ابن إبنه علي ابن الحسين ( عليه السلام ) وهو صغير فضمّه إليه ) .
(7) وجاء بعد هذا تمام الحديث في كتاب سليم وبيّن نصّ وصيّة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لإبنه بعد وصيّة الرسول (ص) له بقوله ، ثمّ أقبل على إبنه الحسن ( عليه السلام ) فقال ، يا بني أنت ولي الأمر ، وولي الدم بعدي ، فإنْ عفوت فلك ، وإنْ قتلت فضربة مكان ضربة ولا تمثّل ، ثمّ قال اكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب ، أوصى أنّه يشهد
أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليُظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون .
ثمّ إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين ، لا شريك له وبذلك اُمرتُ وأنا من المسلمين .
ثمّ إنّي اُوصيك ياحسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربّكم ، فلا تموتنّ إلاّ وأنت مسلمون .
وإعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا .
فإنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ، ( صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصوم ، وإنّ البِغضة حالقة الدين وفساد ذات البين ) ، ولا قوّة إلاّ بالله .
اُنظروا ذوي أرحامكم فصِلوهم يُهوّن الله عليكم الحساب .
والله الله في الأيتام فلا تغيّروا
(1) أفواههم ، ولا تضيّعوا من بحضرتكم ، فقد سمعتُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ، ( من عالَ يتيماً حتّى يستغني أوجب الله له بذلك الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار ) .
والله الله في القرآن ، لا يسبقكم إلى العمل به غيركم .
والله الله في جيرانكم ، فإنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى بهم .
والله الله في بيت ربّكم ، فلا يخلونّ منكم ما بقيتم ، فإنّه إن يُترك لم تناظروا .
وإنّ أدنى ما يرجع به من اَمّه أن يُغفر له ما قد سلف .
والله الله في الصلاة ، فإنّها خير العمل ، وإنّها عمود دينكم .
والله الله في الزكاة ، فإنّها تُطفىء غضب ربّكم .
والله الله في شهر رمضان ، فإنّ صيامه جُنّة من النار .
-------------------------------
(1) في البحار ( فلا تغبوا ) اى لا تجيعوهم بأن تطعموهم يوماً وتتركوهم يوماً ، وبمعناه لا تغيّروا بحار الانوار ج 42 ص 256 / 257 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 287 _
والله الله في الفقراء والمساكين ، فشارِكوهم في معيشتكم .
والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ، فإنّما يجاهد في سبيل الله رجلان ، إمام هدىً ، ومطيع له مقتد بهداه .
والله الله في ذرّية نبيّكم ، فلا يُظلمنَّ بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم .
والله الله في أصحاب نبيّكم الذين لم يُحدثوا حَدَثاً ولم يؤوا محدثاً ، فإنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى بهم ولعن الُمحدث منهم ومن غَيرهم والمؤوي للمُحدث .
والله الله في النساء وما ملكت أيمانكم ، لا تخافنّ في الله لومة لائم فيكفيكهم الله وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله .
ولا تتركنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي الله الأمر أشراركم وتدعون فلا يستجاب لكم .
عليكم يابنيَّ بالتواصل والتباذل والتبارّ ، وإيّاكم والنفاق والتقاطع والتدابر والتفرّق ، وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب .
حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيّكم .
أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام .
ثمّ لم يزل يقول ( لا إله إلاّ الله ) حتّى قُبض ( عليه السلام ) في أوّل ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان ليلة إحدى وعشرين ، ليلة الجمعة ، سنة أربعين من الهجرة .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 288 _
الوصيّة الخامسة عشرة :
نقلها الشيخ المفيد في الأمالي
ومن الوصايا النبوية الشريفة المستفادة من وصيّة أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن ( عليهما السلام ) ما رواه الشيخ السديد المفيد في أماليه (1) عن عمر بن محمّد بن علي الصيرفي ، عن محمّد بن همام الإسكافي ، عن جعفر بن محمّد بن مالك ، عن أحمد بن سلامة الغنوي ، عن محمّد بن الحسين العامري ، عن أبي معمّر ، عن أبي بكر بن عيّاش ، عن الفجيع العقيلي ، عن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) ، عن أبيه أنّه قال له فيما أوصاه لمّا حضرته الوفاة ...
ثمّ إنّي اُوصيكَ ياحسن ـ وكفى بكَ وصيّاً ـ بما أوصاني به رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإذا كانَ ذلك يا بُنيّ فالزَم بيتَك ، وابْكِ على خطيئتِك ،
(1) لا يخفى أنّ هذه الوصيّة غير الوصيّة المفصّلة المعروفة التي كتبها أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن ( عليه السلام ) عند مراجعته من صفّين والتي أوّلها ، ( من الوالد الفان ، المقرّ للزمان ... ) التي وردت في النهج ، وقال عنها السيّد ابن طاووس ، أنّه لو كان من الحكمة ما يجب أن يكتب بالذهب لكانت هذه .
والحقّ أنّ جميع كلامه وخطبه وكلماته يحقّ أن تكتب بالتّبر ، وتكون قدوة في كلّ عصر ، ومنها هذه الوصيّة الآتية التي أوصى بها رسول الله عليّاً ، وأوصى به الإمام علي ولده الإمام الحسن ( عليهما السلام ) ، وهما أبوا هذه الاُمّة ، وقد أوصيا كلّ الخير لهذه الاُمّة على لسان الوصيّة للإمام أمير المؤمنين أو الإمام الحسن سلام الله عليهما .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 289 _
ولا تكُن الدنيا أكبرَ همّك ، وأُوصيك يابنيّ بالصلاةِ عند وقتِها والزكاةَ في أهلِها عندَ محلّها (2) والصمتَ عند الشُبهة (3) والإقتصادَ (4) في العمل ، والعدلَ في الرضا والغَضَب ، وحُسنَ الجوار ، وإكرامَ الضَيف ، ورحمةَ المجهود (5) وأصحابِ البلاء ، وصلَة الرّحِم ، وحبَّ المساكين ومجالستَهم ، والتواضعَ فإنّه من أفضلِ العبادة ، وقصَر الأمل ، وذكرَ الموت ، والزُهدَ في الدنيا (6) فإنّك رهنُ الموت (7) وغرضُ بلاء ، وطريحُ سُقم (8) .
واُوصيك بخشيةِ اللّهِ في سرِّ أمركَ وعلانيتِه (9) .
(2) أي عندما يحلّ وقت وجوب الزكاة فيدفعها إلى أهلها المعيّن لها .
(3) فإنّ الصمت أسلم عند الشبهات ، ودليل على الخيرات .
(4) من القصد بمعنى الإعتدال والقصد في الاُمور هو السير الوسط بين الإفراط والتفريط .
(5) المجهود هو منْ أصابته المشقّة وجهد البلاء ، وجهد البلاء هي الحالة التي يختار الإنسان عليها الموت ، وقيل هي قلّة المال وكثرة العيال
(1) .
(6) في أمالي الشيخ الطوسي ، ( واذْكُر الموت ، وازْهَد في الدنيا ) .
(7) في بعض النسخ ، رهين موت من الرهن بمعنى المرهون .
(8) أي من يطرحه السقم والمرض ، وفي أمالي الطوسي ، وصريع سقم وصرعه أي طرحه على الأرض .
(9) في أمالي الشيخ الطوسي ، ( وعلانيتك ) .
-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، ص 210 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 290 _
وأنهاكَ عن التَسرّعِ بالقولِ والفعل (10) ، وإذا عَرَض شيءٌ من أمرِ الآخرة فابدأ به (11) ، وإذا عَرَض شيءٌ من أمرِ الدنيا فتأنَّه (12) حتّى تصيب رشدَك فيه ، وإيّاكَ ومواطن التُّهمة (13) والمجلس المظنون بهِ السُوء ، فإنّ قرينَ السوءُ يغيُّر جليسه (14) ، وكُن للّه يا بُنيّ عاملا ، وعن الخَنا (15) زَجوراً ، وبالمعروفِ آمراً ، وعن المنكرِ ناهياً ، وواخِ الاُخوانَ في اللّه ، وأحبَّ الصالحَ لصلاحِه ، ودارِ (16) الفاسقَ عن دينك ، وابغَضْهُ بقلبِك ، وزايلْه بأعمالِك ، لئلاّ تكونَ مثلَه .
(10) أي أنهاك عن الإسراع والمبادرة إليهما بدون تأمّل وتدبّر ، فإنّه يورث الندامة .
(11) فإنّ أمر الآخرة الدائمة مقدَّمٌ على أمر الدنيا الزائلة .
(12) من التأنّي بمعنى الترفّق والتنظّر وعدم العجلة في الأمر ، وفي بعض النسخ المطبوعة فتأنَّ .
(13) أي المواضع التي يتَّهم الإنسان بالسوء إذا حضرها ، وإنْ لم يأت بسيّئة فيها لسوء سمعة تلك المواضع .
(14) وهذه من الحِكَم المجرّبة فإنّ صاحب الشرّ يُعدي ، وقرين السوء يغوي ، والمعاشرة مؤثّرة ، مع أنّ المرء يعرف بقرينه ، فينبغي إجتناب قرين السوء ، وإنتخاب القرين الصالح .
لذلك جاء في وصيّته ( عليه السلام ) الاُخرى ، ( قارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشرّ تَبين عنهم ) .
(15) الخَنا مقصوراً هو الفحش من القول .
(16) من الدّرء بمعنى الدفع ، أي ادفعه عن دينك ، لا بمعنى المداراة ظاهراً .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 291 _
وإيّاكَ والجلوس في الطُرُقات ، ودع المُماراةَ (17) ومجاراةَ من لا عقل له ولا علم (18) .
واقتصِد يا بني في معيشتِك ، واقتصدْ في عبادِتك (19) ، وعليك فيها بالأمرِ الدائمِ الذي تطيقه. والزَم الصّمتَ تَسْلم وقَدِّم لنفسِكَ تَغْنم ، وتَعلَّم الخيَر تَعْلَم ، وكنْ للّهِ ذاكراً على كلِّ حال ، وارحمْ من أهلِك الصَّغير ، ووقِّر منهُم الكبير ، ولا تأكلَنَّ طعاماً حتّى تصدَّق منه قبلَ أكله (20) .
(17) المماراة هي المجادلة ، وقد أُمرنا بترك المجادلة فيما فيه مريةٌ وشكّ لأنّها تؤول إلى العداوة والبغضاء .
(18) المجارات هي المجرى في المناظرة والجدال ومجارات من لا عقل له ولا علم أي الخوض معه في الكلام شيءٌ عبث فيُترك ، نعم يحسن تعليم الجاهل لا مناظرته والجدال معه .
(19) مرّ أنّ القَصْد بمعنى الإعتدال ، وحكمة الإعتدال هنا هو أنّه يطيقه الإنسان ويدوم عليه ولا يوجب له العسر والحرج. لذلك قال ( عليه السلام ) ، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه .
(20) فإنّه يُستحبّ التصدّق ممّا يؤكل ، وفي حديث معمّر بن خلاّد الوارد في البحار ، كان أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) إذا أكل أُتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى أطيب الطعام ممّا يؤتى به ، فيأخذ من كلّ شيء شيئاً فيوضع في تلك الصحفة ثمّ يأمر بها للمساكين .
ثمّ يتلو هذه الآية ( فلا اقتَحَمَ العَقَبةَ ) ثمّ يقول ، علم الله عزّوجلّ أنْ ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة ، فجعل لهم السبيل إلى الجنّة
(1) .
-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 66 ، ص 348 ، ب 8 ، ح 3 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 292 _
وعليك بالصَّومِ فإنّه زكاةُ البَدَن وجُنّةٌ لأهلِه ، وجاهِدْ نفسَك ، واحذرْ جليسَك ، واجتنبْ عدوَّك ، وعليكَ بمجالِس الذِّكْر ، وأكْثِر من الدُعاء فإنّي لم آلِكَ يا بُنيّ نُصحاً (21) ، وهذا فراقُ بيني وبينَك .
واُوصيك بأخيك محمد خيراً فإنّه شقيقُك وابنُ أبيك ، وقد تَعْلمُ حبّي له .
وأمّا أخوك الحسينُ فهو ابن اُمِّك ، ولا أزيد الوصاةَ بذلك ، واللّهُ الخليفةُ عليكم ، وإيّاه أسألُ أنْ يصلحَكُم ، وأن يكُفَّ الطغاةَ البغاةَ عنكم ، والصّبر الصّبر حتّى يتولّى (22) اللّهُ الأمر ، ولا قوّةَ إلاّ باللّهِ العليّ العظيم (23) .
ثمّ بيّن العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) جعل السبيل إلى الجنّة أنّ الله تعالى خيّرهم بين العتق والإطعام بقوله ، ( فَكُّ رقَبة أو إطعامٌ ) الآية.
(21) ألّى تأليةً ، قصّر وابطأ ، ولم يألُ جهداً أي لم يقصّر في جهده ولم يألُ في النصيحة أي لم يقصّر فيها .
(22) في البحار ، حتّى ينزل الله الأمر .
(23) أمالي الشيخ المفيد ، ص 220 ، المجلس السادس والعشرون ، ح 1 ، ورواه الشيخ الطوسي في أماليه ، ص 7 ، المجلس الأوّل ، ح 8 ، ونقله عنهما في البحار ، ج 42 ، ص 202 ، ب 127 ، ح 7 ، وفي مستدرك الوسائل ، ج 11 ، ص 383 ، ب 51 ، ح 2 ، المسلسل 13319 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 293 _
الوصيّة السادسة عشرة :
نقلها ثقة الإسلام الكليني في الكافي :
الكافي (1) ، [ عدّة من أصحابنا ] ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن أبيه قال ، سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) هل للمسلمينَ عيدٌ غير يومِ الجمعة والأضحى والفِطر ؟ قال :
نعم أعظمُها حرمةً. قلتُ ، وأيّ عيد هو جُعِلْتُ فداك ؟ قال ، اليوم الذي نَصَبَ فيه رسولُ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) وقال ، مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه (2) ، قلتُ ، وأيُّ يوم هو (3) ؟
(1) ورد هذا الحديث الشريف المشتمل على الإيصاء المبارك من الرسول (ص) للأمير عليهما وآلهما السلام في الكافي
(1) ، وعنه في البحار
(2) ، والوسائل
(3) ، وورد بمضمونه أحاديث كثيرة اُخرى تؤيّد صحّته .
(2) يمكنك ملاحظاً تفصيل بيان هذا الحديث الشريف المتواتر بين الفريقين المجمع عليه عند الطرفين في مبحث الإمامة من كتابنا العقائد الحقّة .
(3) لعلّ السؤال عن أنّه أي يوم من أيّام الاسبوع التي هي تختلف بدوران
-------------------------------
(1) فروع الكافي ، ج 4 ، ص 149 ، باب صيام الرغيب ، ح 3 .
(2) بحار الأنوار ، ج 37 ، ص 172 ، ب 54 ، ح 46 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 323 ، ب 14 ، ح 1 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 294 _
قال ، وما تصنعُ باليوم إنّ السنةَ تدور ، ولكنّه يومُ ثمانيةِ عَشَر من ذي الحجّة ! ؟
فقلت ، وما ينبغي لنا أن نفعلَ في ذلكَ اليوم ؟
قال ، تذكرونَ اللّهَ ( عزَّ ذكره ) فيه بالصيامِ والعبادةِ والذِّكر لمحمّد وآلِ محمّد فإنّ رسولَ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصى أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) أن يتّخذَ ذلك اليوم عيداً (4) وكذلك كانت الأنبياءُ ( عليهما السلام ) تفعل كانوا يوصُون أوصيائَهم بذلك فيتّخذونَه عيداً
السنين .
(4) هذا مورد الوصيّة وهذا اليوم هو اليوم الذي يقضي الدليل بكونه عيداً ، وذلك :
أوّلا : أشاد به الله تعالى في كتابه الكريم ، ( اليَوْمَ أكمَلْتُ لكُم دينَكُم وأتمَمْتُ عليكُم نِعمَتي ورَضِيْتُ لكُمُ الإسْلامَ ديناً )
(1) .
ثانياً : جاء في السنّة الشريفة حيث اتّخذه عيداً رسوله العظيم الذي لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وحيٌ يوحى ، ففي حديث عبدالله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن آبائه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال :
( يوم غدير خم أفضل أعياد اُمّتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب عَلَماً لاُمّتي ، يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتمّ على اُمّتي فيه النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً ) .
-------------------------------
(1) سورة المائدة ، الآية 3 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 295 _
كما في أمالي الصدوق
(1) ، وبشارة المصطفى
(2) ، وروضة الواعظين
(3) ، والإقبال
(4) ، وإثبات الهداة
(5) .
بل أمر صلوات الله عليه وآله أن يهنّئوه ويهنّئوا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بهذه المناسبة السعيدة كما في حديث التهنئة الذي رواه من العامّة فقط ستّون عالماً في ستّين كتاباً أحصاها العلاّمة الأميني ( قدس سره )
(6) .
ولم نجد في تاريخ رسول الله وأفراحه أن يقول يوماً هنّئوني إلاّ في هذا اليوم ، ممّا يكشف إنبثاق التعيّد في هذا اليوم من مصدر النبوّة ، وإنطلاق عيد الغدير من وحي الرسالة .
وثالثاً : جاء في بيان العترة الطاهرة فقد طبّق أمر النبي وأجرى سنّة الرسول (ص) أوصياؤه وأُمناء وحيه ، أهل البيت وأئمّة العترة سلام الله عليهم أجمعين فسمّوا هذا اليوم عيداً ، وبيّنوا فضله ، وذكروا شأنه ، وأشادوا بعظمته .
فأمير المؤمنين ( عليه السلام ) اقتفى أثر النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واتّخذه عيداً وخطب فيه سنة اتّفق فيها الغدير والجمعة وقال في خطبته التي رواها شيخ الطائفة بسنده عن الإمام الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال ،
-------------------------------
(1) أمالي الصدوق ، ص 111 .
(2) بشارة المصطفى ، ص 23 .
(3) روضة الواعظين ، ص 124 .
(4) الإقبال ، ص 466 .
(5) إثبات الهداة ، ج 2 ، ص 423 .
(6) الغدير ، ج 1 ، ص 270 ـ 283 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 296 _
( إنّ الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين لا يقوم أحدهما إلاّ بصاحبه ، ليكمل عندكم جميل صنيعته ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويشملكم منهاج قصده ، ويوفّر عليكم هنىء رفده ، فجعل الجمعة مجمعاً ندب إليه لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما كان أوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله ، وذكرى للمؤمنين ، وتبيان خشية المتّقين ، ووهب من ثواب الأعمال فيه أضعاف ما وهب لأهل طاعته في الأيّام قبله ، وجعله لا يتمّ إلاّ بالإيتمار لما أمر به والإنتهاء عمّا نهى عنه ، والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب إليه فلا يقبل توحيده إلاّ بالإعتراف لنبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنبوّته ، ولا يقبل ديناً إلاّ بولاية من أمر بولايته ولا تنظيم أسباب طاعته إلاّ بالتمسّك بعصمه وعصم أهل ولايته فأنزل على نبيّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في يوم الدّوح
(1) ما بيّن به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق فتأمّلوا رحمكم الله ما ندبكم الله إليه وحثّكم عليه ، واقصدوا شرعه
(2) واسلكوا نهجه ، ولا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله .
إنّ هذا يوم عظيم الشأن ، فيه وقع الفرج ، ورفعت الدرج ، ووضحت الحجج ، وهو يوم الإيضاح والإفصاح عن المقام الصراح
(3) ، ويوم كمال الدين ، ويوم العهد المعهود ، ويوم الشاهد والمشهود ، ويوم تبيان العقود عن النفاق والجحود ، ويوم
-------------------------------
(1) الدُّوح ، جمع دوحة وهي الشجرة العظيمة ، إشارة إلى دوحات غدير خمّ .
(2) القصد ، إتيان الشيء ، يقال ، قصدته وقصدت له وقصدت إليه ، طلبته بعينه كما في مجمع البحرين ، ص 223 .
(3) الصُراح هو الخالص من كلّ شيء وجميع التعلّقات .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 297 _
البيان عن حقائق الإيمان ، ويوم دحر الشيطان ، ويوم البرهان هذا يوم الفصل الذي كنتم توعدون ، هذا يوم الملأ الأعلى الذي أنتم عنه معرضون. هذا يوم الإرشاد ويوم محنة العباد ويوم الدليل على الروّاد ، هذا يوم أبدى خفايا الصدور ومضمرات الاُمور ، هذا يوم النصوص على أهل الخصوص ... عودوا رحمكم الله بعد إنقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، والبرّ بإخوانكم ، والشكر لله عزّوجلّ على ما منحكم ، واجمعوا يجمع الله شملكم ، وتبارّوا يصل الله اُلفتكم ، وتهادوا نعم الله كما منّاكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله وبعده إلاّ في مثله ، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر ، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه ، وهيّؤا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البُشر فيما بينكم ، والسرور في ملاقاتكم ، والحمد لله على ما منحكم ، وعودوا بالمزيد من الخير على أهل التأميل لكم
(1) ، وساووا بكم ضعفاءكم في مآكلكم وما تناله القدرة من استطاعتكم وعلى حسب إمكانكم فالدرهم فيه بمائة الف درهم والمزيد من الله عزّوجلّ )
(2) .
ومن بعد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أئمّة العترة الطاهرة من ولده ( عليهم السلام ) خلّدوا ذكر الغدير واتّخذوه عيداً وأبانوا فضله وفضيلته .
ففي الكافي عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن ابن راشد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، قلت ، جعلت فداك للمسلمين عيدٌ غير
-------------------------------
(1) أي الذين يأملون فيكم الخير .
(2) مصباح المتهجّد ، ص 755 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 298 _
العيدين ؟
قال ، نعم ياحسن أعظمهما وأشرفهما .
قلت ، وأي يوم هو ؟ قال ، هو يوم نصب أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فيه عَلَماً للناس .
قلت ، جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟
قال ، تصومه ياحسن ، وتُكثر الصلاة على محمّد وآله ، وتبرَّء إلى الله ممّن ظلمهم ، فإنّ الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصيّ أن يتّخذ عيداً .
قال ، قلت ، فما لمن صامه ؟
قال ، صيام ستّين شهراً ، ولا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنّه هو اليوم الذي نزلت فيه النبوّة على محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وثوابه مثل ستّين شهراً لكم )
(1) .
وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي ، قال ، حدّثني جعفر بن محمّد الأزدي قال ، حدّثنا محمّد ـ يعني محمّد بن الحسين الصائغ ـ قال ، حدّثنا الحسن بن علي الصيرفي عن محمّد البزّاز عن فرات بن أحنف :
( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، قلت ، جعلت فداك ! للمسلمين عيدٌ أفضل من الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة ؟ قال ، فقال لي ، نعم أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيّه ( اليَومَ أكمَلتُ لكُم دينَكُم وأتمَمتُ عليكُم نعمَتي ورَضيتُ لكُمُ الإسلامَ ديناً )
(2) قال ، قلت ،
-------------------------------
(1) فروع الكافي ، ج 4 ، ص 148 ، باب صيام الترغيب ، ح 1 .
(2) سورة المائدة ، الآية 3 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 299 _
وأي يوم هو ؟ قال ، فقال لي ، إنّ أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصيّة والإمامة للوصي من بعده ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيداً ، وإنّه اليوم الذي نصب فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً للناس عَلَماً وأنزل فيه ما أنزل ، وكمل فيه الدين وتمّت فيه النعمة على المؤمنين ، قال ، قلت ، وأي يوم هو في السنة ؟ قال ، فقال لي ، إنّ الأيّام تتقدّم وتتأخّر فربّما كان يوم السبت والأحد والإثنين إلى آخر الأيّام السبعة ، قال ، قلت ، فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم ؟ قال ، هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله تعالى ، وحمد له وسرور لما مَنَّ الله به عليكم من ولايتنا وإنّي أحبّ لكم أن تصوموه )
(1) .
وفي الوسائل بإسناد شيخ الطائفة عن الحسين بن الحسن الحسيني ، عن محمّد بن موسى الهمداني ، عن علي بن حسّان الواسطي ، عن علي بن الحسين العبديّ قال ، سمعت أبا عبدالله الصادق ( عليه السلام ) يقول ، ( صيام يوم غدير خمّ يعدل صيام عمر الدنيا ، لو عاش إنسان ثمّ صام ما عمّرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله عزّوجلّ في كلّ عام مائة حجّة ومائة عمرة مبرورات متقبّلات ، وهو عيد الله الأكبر )
(2) الحديث .
وفي العوالم بالإسناد إلى المفضّل بن عمر قال ، قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) :
( إذا كان يوم القيامة زُفّت أربعة أيّام إلى الله عزّوجلّ كما تزفّ العروس إلى خدرها ، يوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم الجمعة ، ويوم الغدير .
-------------------------------
(1) تفسير فرات الكوفي ، ص 117 ، ح 123 .
(2) وسائل الشيعة ، ج 7 ، ص 324 ، ب 14 ، ح 4 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 300 _
ويوم غدير خمّ بين الفطر والأضحى كالقمر بين الكواكب ، وإنّ الله تعالى ليوكّل بغدير خمّ ملائكته المقرّبين وسيّدهم يومئذ جبرئيل ( عليه السلام ) ، وأنبياءه المرسلين وسيّدهم يومئذ محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأوصياء الله المنتجبين وسيّدهم يومئذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأولياء الله وساداتهم يومئذ سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار ، حتّى يورده الجنان كما يورد الراعي بغنمه الماء والكلأ .
قال المفضّل ، سيّدي تأمرني بصيامه ؟ قال لي ، إي والله ، إي والله ، ... وإنّه اليوم الذي أقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علياً ( عليه السلام ) للناس عَلَماً وأبان فيه فضله ، فصام شكراً لله تعالى ذلك اليوم .
وإنّه ليوم صيام وقيام وإطعام وصلة الإخوان ، وفيه مرضاة الرحمن ومرغمة الشيطان )
(1) .
وفي المصباح عن داود الرقي ، عن أبي هارون عمّارة بن جوين العبدي قال ، دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) في يوم الثامن عشر من ذي الحجّة فوجدته صائماً ، فقال لي :
( هذا يوم عظيم ، عظّم الله حرمته على المؤمنين وأكمل لهم فيه الدين وتمّم عليهم النعمة وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق ... )
(2) .
وفي الإقبال ، الحديث الذي ذكره محمّد بن علي الطرازي في كتابه رويناه بإسنادنا إلى عبدالله بن جعفر الحميري ، عن هارون بن مسلم ، عن أبي الحسن الليثي ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد ( عليهما السلام ) أنّه قال لمن حضره من مواليه
-------------------------------
(1) عوالم العلوم ، ج 3 / 15 ، ص 212 ، ح 296 .
(2) مصباح المتهجّد ، ص 680 .