يا علي ، مَن تعلَّم علماً ليُماري به السفهاءَ (172) ، أو يجادلُ به العلماءَ ، أو ليدعو الناسَ إلى نفسِه فهو من أهلِ النار (173) .
  يا علي ، إذا ماتَ العبدُ قال الناسُ ، ما خلَّف ، وقالت الملائكةُ ، ما قَدَّم ؟ (174) .
  تؤدّي إلى الشياطين ما يحدث في البُعد من الحوادث ، من سارق سرق ومن قاتل قتل ، ومن غائب غاب ، وهم بمنزلة الناس أيضاً ، صدوق وكذوب ) (1) .
  (172) المراء والمماراة هي المجادلة فيما فيه مرية وشكّ ، والمجادلة هي المخاصمة ، وهي تؤدّي إلى العداوة والبغضاء .
  (173) فإنّه يلزم أن يكون تعلُّم العلم للتفقّه ، وعلى سبيل النجاة ، وطلباً لمرضاة الله تعالى .
  وأمّا إذا كان التعلُّم لإحدى هذه الغايات الثلاثة الشيطانية المماراة والمجادلة والرئاسة فانّه يكون موجباً للنار ، ووجه كونها شيطانيّة هو أنّ المماراة والمجادلة تُنبتان النفاق وتورثان الشحناء وتوجبان الضغائن في القلوب ، كما وأنّ الرئاسة لا تصلح لأهلها ، ولا تحقّ إلاّ لمستحقّها فلا يصحّ أن يصرف الإنسان وجوه الناس إلى نفسه .
  (174) ما أحسنها من موعظة تدعو إلى تقديم ما ينفع في ما بعد الموت من الأعمال الصالحة والمكارم النافعة وأداء الفرائض وإجتناب المحارم ... وهذا ما تسأل عنه الملائكة ... وهو الذي ينفع العبد ، دون الدور والقصور والمال والمنال من المخلّفات التي يسأل عنها الناس .

-------------------------------
(1) الإحتجاج ، ج 2 ، ص 81 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 62 _

  يا علي ، الدنيا سجنُ المؤمنِ وجنّةُ الكافر (175) .
  ( وَالبَاقِيَاتُ الصّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً ) (1) .
  (175) أي سجن المؤمن بالمقايسة إلى ما أعدّ الله تعالى له في الدار الآخرة من النعيم المقيم ... وإن كان المؤمن في الدنيا منّعماً مكرّماً ، وجنّة الكافر أي بالنسبة إلى ما أعدّ الله تعالى له في الدار الآخرة من العذاب الأليم ... وإن كان الكافر في دنياه فقيراً سقيماً .
  قال الشيخ المفيد ، قد جاء الحديث من آل محمّد ( عليهم السلام ) أنّهم قالوا ، الدنيا سجن المؤمن والقبر بيته والجنّة مأواه ، والدنيا جنّة الكافر والقبر سجنه والنار مأواه ... (2) .
  وبالوجه الذي بيّناه جاء حديث الإربلي أنّ الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) إغتسل يوماً وخرج من داره في حُلّة فاخرة ومحاسن سافرة ، راكباً بغلة فارهة مع كمال أوصاف السعادة ... فعرض له في طريقه رجل هِمّ من اليهود قد أنهكته العلّة وركبته الذلّة حاملا جرّة من الماء على ظهره ... فاستوقف الإمام الحسن ( عليه السلام ) وقال له ، يابن رسول الله أنصفني ، فقد قال جدّك ، الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، وأنت مؤمن وأنا كافر ، وما أرى الدنيا إلاّ جنّة تتنعّم بها ، وما أراها إلاّ سجناً لي قد أهلكني ؟
  فأجاب الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ( يا شيخ لو نظرت إلى ما أعدّ الله لي وللمؤمنين في الدار الآخرة ممّا لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، لعلمت أنّي قبل إنتقالي إليه في هذه الدنيا في سجن ضنك ، ولو نظرت إلى ما أعدّ الله لك ولكلّ كافر في الدار الآخرة من سعير نار الجحيم ، ونكال العذاب المقيم ، لرأيت أنّك قبل مصيرك إليه الآن في جنّة واسعة ، ونعمة جامعة ) (3) .

-------------------------------
(1) سورة مريم ، الآية 76 .
(2) سفينة البحار ، ج 1 ، ص 603 .
(3) بحار الأنوار ، ج 43 ، ص 346 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 63 _

  يا علي ، موتُ الفجأةِ راحةٌ للمؤمن ، وحسرةٌ للكافر (176) .
   يا علي ، أوحى اللّهُ تباركَ وتعالى إلى الدنيا اخدمي من خَدَمني ، وأتعبي من خدَمك (177) .
  يا عليُّ ، إنّ الدنيا لو عَدَلَت عندَ اللّهِ تباركَ وتعالى جناحَ بعوضة لما سقى الكافرَ منها شربةً من ماء (178) .
  يا عليُّ ، ما أحد من الأوّلينَ والآخرينَ إلاّ وهو يتمنّى يومَ القيامةِ لم يُعْطَ من الدنيا إلاّ قُوتاً (179) .
  (176) فإنّ المؤمن مستعدّ للموت قادم على ربّ كريم فيستريح من همّ الدنيا وغمّها ونَصَبها وتعبها وسكرات الموت فيها ، بينما الكافر لم يُعدّ زاده للآخرة ولم يُقدّم لنفسه التوبة فيتحسّر ويتأسّف لفوت نعيم دنياه والقدوم على عذاب اُخراه .
  (177) فإنّ من المجرّب المحسوس أنّ مَن كان توجّهه إلى عبادة الله تعالى أتته الدنيا راغمةً ، وأن كان همّه الدنيا فقط لم يكن نصيبه إلاّ تعباً .
  (178) وهذا يفيد هوان الدنيا وضعتها عند الله تعالى .
  وفي حديث جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( مرّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بجَدْي أسك (1) ملقىً على مزبلة ميّتاً فقال لأصحابه ، كم يساوي هذا ؟ فقالوا ، لعلّه لو كان حيّاً لم يساو درهماً ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والذي نفسي بيده الدنيا أهون على الله من هذا الجَدْي على أهله ) (2) .
  (179) وذلك لأجل أنّه بقدر ما يؤتون في الدنيا ينقص من حظّهم في الآخرة ،

-------------------------------
(1) الجدي هو ولد المعز في السنة الاُولى ، والأسك بمعنى مقطوع الاُذنين .
(2) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 129 ، ح 9 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 64 _

  يا عليُّ ، شرُّ الناسِ مَن اتَّهَمَ اللّهَ في قضائِه (180) .
  مضافاً إلى أنّه لا يؤخّرهم حساب أموالهم عن الجنّة .
  ففي حديث ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( إنّ فقراء المسلمين [ المؤمنين ] يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً (1) ، ثمّ قال ، سأضرب لك مثل ذلك ، إنّما مثل ذلك مثل سفينتين مرّ بهما عاشر فنظر في إحديهما فلم يرَ فيها شيئاً فقال ، اسربوها (2) ، ونظر في الاُخرى فإذا هي موقورة (3) فقال ، إحبسوها ) (4) .
  (180) فإنّ من الصفات الحسنة للمؤمن أن يرضى بقضاء الله تعالى ولا يتوهّم أنّه لو لم يُجر الله قضاءَه لكان خيراً له فإنّ الله الخبير هو الذي يعلم خير عبده وما يصلح لعبيده ، وليس العبد بأعلم من الله أبداً .
  وفي حديث ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( لم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لشيء قد مضى ، لو كان غيره ) (5) .
  وفي حديث ابن سنان ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، قلت له ، بأي شيء يعلم المؤمن بأنّه مؤمن ؟ قال ، بالتسليم لله والرضا فيما ورد عليه من سرور أو سخط (6) .

-------------------------------
(1) الخريف سبعون سنة كما في معاني الأخبار ، ص 226 .
(2) أي خلّوها واتركوها تذهب .
(3) أي مملوءة .
(4) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 260 ، ح 1 .
(5) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 63 ، ح 13 .
(6) اُصول الكافي ، ج 2 ، ص 62 ، ح 12 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 65 _

  يا عليُّ ، أنينُ المؤمنِ تسبيح (181) ، وصياحُه تهليل ، ونومُه على الفراشِ عبادة ، وتقلّبهُ من جَنب إلى جَنب جهادٌ في سبيل اللّه ، فإن عُوفِيَ مشى في الناسِ وما عليهِ من ذنب (182) .
  يا عليُّ ، لو أُهدي إليَّ كُراعٌ (183) لقَبِلْتُه (184) ، ولو دُعِيتُ إلى كُراع (185) لأجبتُ .
  (181) أي أنينه في المرض ... بقرينة قوله بعده ، ( فإن عوفي ... ) والأنين هو الصوت المنبعث من الإنسان من ألم .
  (182) وقد عقد العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) في بحار الأنوار باباً في فضل العافية والمرض في كتاب الطهارة (1) ، ومن ذلك حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ( انّ العبد إذا مرض فأَنَّ في مرضه ، أوحى الله تعالى إلى كاتب الشمال ، لا تكتب على عبدي خطيئة ما دام في حبسي ووثاقي إلى أن أُطلقه ، وأوحى إلى كاتب اليمين ، أن اجعل أنين عبدي حسنات ) .
  (183) الكراع بضمّ الكاف والجمع أكرع هو مستدقّ الساق من البقر والغنم .
  (184) في مكارم الأخلاق ، ( لقبلت ) ولعلّه الأصل الأصحّ لأنّ الكراع مؤنث (2) فلا يقال لقبلته بل لقبلتها .
  (185) بالمعنى المذكور ... وإحتمل معنى كُراع الغميم وهو موضع بين مكّة والمدينة وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال (3) ، فيكون المعنى لو دعيت إلى كراع الغميم مع بُعده لأجبت .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 81 ، ص 170 ـ 201 ، الأحاديث .
(2) مجمع البحرين ، ص 390 ، .
(3) معجم البلدان ، ج 4 ، ص 443 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 66 _

  يا عليُّ ، ليس على النساءِ جمعةٌ (186) ، ولا جَماعةٌ (187) ، ولا أذانٌ ، ولا إقامةٌ (188) .
  (186) فصلاة الجمعة موضوعة عنهم ، وفي حديث زرارة ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال ، ( إنّما فرض الله عزّوجلّ على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها الله عزّوجلّ في جماعة وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة ، عن الصغير والكبير ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمريض ، والأعمى ، ومن كان على رأس فرسخين ) (1) .
  (187) لعلّه بمعنى أنّه لا يستحبّ لهنّ الجماعة إستحباباً مؤكّداً كالرجال ، أو لا يستحبّ لهنّ الجماعة في المساجد وإنْ استحبّ لهنّ الجماعة في بيوتهنّ (2) .
  وفي حديث هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار ... ) (3) .
  وفي حديث يونس بن ظبيان قال ، قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) ، ( خير مساجد نسائكم البيوت ) (4) .
  (188) بمعنى أنّه لا يستحبّ لهنّ مؤكَّداً .
   فعن العلاّمة المجلسي ، أنّ المشهور عدم تأكّد إستحباب الأذان والإقامة للمرأة ...
  أو بمعنى أنّه ليس عليهنّ أذان ولا إقامة إذا سمع الأجنبي صوتهنّ .
   ولذلك أفاد العلاّمة الحلّي في القواعد أنّه يستحبّ للمرأة الأذان والإقامة

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 5 ، ص 2 ، باب 1 ، ح 1 .
(2) روضة المتّقين ، ج 12 ، ص 190 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 510 ، باب 30 ، ح 1 .
(4) وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 510 ، باب 30 ، ح 4 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 67 _

  ولا عيادةُ مريض (189) ، ولا اتّباعُ جنازة (190) ، ولا هرولةٌ بين الصفا والمروة (191) ، ولا إستلامُ الحَجَر (192) ، بشرط أن تسر ، وأفاد عليه الإجماع في التذكرة والمنتهى ، كما في مفتاح الكرامة (1) .
  (189) فسّر بعدم تأكّد الإستحباب في حقّ النساء ، أو عدم العيادة بدون إذن أزواجهنّ .
  (190) ففي الجواهر ، يكره اتّباع النساء الجنائز لقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( ارجعن مأزورات غير مأجورات ) .
  ولقول اُمّ عطيّة ، ( نهانا عن اتّباع الجنائز ) ولأنّه تبرّج ومناف للستر والتخدير (2) .
  (191) الهرولة هي سير الإنسان بين المشي والعَدْو ، وتسمّى بالرمل أيضاً ... وهي مستحبّة على الرجال في السعي فيما بين المنارة وسوق العطّارين وهما معلّمتان اليوم باللون الأخضر على يمين المسعى ...
  وأفاد كاشف اللثام أنّها مستحبّة للرجال خاصّة دون النساء للأصل ، ولأنّه لا يناسب ضعفهنّ ولا ما عليهنّ من الإستتار ، ولخبر سماعة ، ( إنّما السعي على الرجال وليس على النساء سعي ) .
  وخبر أبي بصير ، ( ليس على النساء جهر بالتلبية ، وإستلام الحجر ، ولا دخول البيت ، ولا سعي بين الصفا والمروة يعني الهرولة ) (3) .
  (192) إستلام الحجر الأسود هو لمسه إمّا باليدين أو باليد أو بالتقبيل ،

-------------------------------
(1) مفتاح الكرامة ، ج 2 ، ص 258 .
(2) الجواهر ، ج 4 ، ص 272 .
(3) كشف اللثام ، ج 1 ، ص 347 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 68 _

  ولا حلقٌ (193) ، ولا تُولّى القضاء (194) ، ولا تُستَشار (195) ، والأخبار الدالّة على إستحباب إستلام الحجر كثيرة إلاّ أنّه قد إستثنى من هذا الحكم النساء فلا يستحبّ لهنّ كما أفاده المحدّث البحراني (1) .
  (193) فانّه يتعيّن على النساء في الحجّ التقصير ، وليس عليهنّ الحلق لاتعييناً ولا تخييراً بالإجماع كما عن التحرير والمنتهى ، بل يحرم عليهنّ الحلق بلا خلاف بل عن المختلف الإجماع عليه وهو الحجّة بعد المرتضوي ، ( نهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تحلق المرأة رأسها ) كما أفاده صاحب الجواهر (2) .
  (194) فإنّه يشترط في القضاء الذكورة ولا ينعقد القضاء للمرأة بلا خلاف فيه بل عليه الإجماع في عبارة جماعة كالعلاّمة في نهج الحقّ ، والشهيد الثاني في المسالك ، وغيرهما كما أفاده السيّد الطباطبائي (3) .
  (195) لضعف عقولهنّ نوعاً أو مراعاتهنّ العواطف غالباً إلاّ بعض الكاملات ، والمشورة ينبغي أن تكون مع الرجل العاقل المحنّك لأنّه هو الذي لا يشير إلاّ بخير ...
  وفي حديث الحلبي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( إنّ المشورة لا تكون إلاّ بحدودها ، فمن عرفها بحدودها وإلاّ كانت مضرّتها على المستشير أكثر من منفعتها له ... فأوّلها أن يكون الذي يشاوره عاقلا ، والثانية أن يكون حرّاً متديّناً ، والثالثة أن يكون صديقاً مؤاخياً ، والرابعة أن تطلعه على سرّك فيكون علمه به كعلمك بنفسك ثمّ يستر ذلك ويكتمه ... ) (4) .

-------------------------------
(1) الحدائق الناضرة ، ج 16 ، ص 118 ـ 119 .
(2) الجواهر ، ج 19 ، ص 236 .
(3) الرياض ، ج 2 ، كتاب القضاء ، فصل شروط القاضي .
(4) المحاسن للبرقي ، ص 603 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 69 _

  ولا تَذبحُ إلاّ عندَ الضرورة (196) ، ولا تجهَر بالتلبية (197) ، (196) لعلّه لضعف قلوبهنّ أو لعدم إجادتهنّ الذبح غالباً ... وإلاّ فأصل ذبحها مرخَّص فيه شرعاً مع إستكمال الشرائط .
  ففي حديث سليمان بن خالد سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن ذبيحة الغلام والمرأة هل تؤكل ؟ فقال ، ( إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم الله على ذبيحتها حلّت ذبيحتها ، وكذلك الغلام إذا قوى على الذبيحة فذكر اسم الله ، وذلك إذا خيف فوت الذبيحة ولم يوجد من يذبح غيرهما ) (1) .
  وفي حديث عمر بن أذينة ، عن غير واحد رواه عنهما ( عليهما السلام ) ( أنّ ذبيحة المرأة إذا أجادت الذبح وسَمَّت فلا بأس بأكله ) (2) .
  وفي حديث محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنّه سأله عن ذبيحة المرأة ؟ فقال ، ( إذا كان نساء ليس معهنّ رجل فلتذبح أعقلهنّ ولتذكر اسم الله عليه ) (3) .
  وفي حديث أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابه قال ، سأل المرزبان الرضا ( عليه السلام ) عن ذبيحة الصبي قبل أن يبلغ والمرأة ؟ قال ، ( لا بأس بذبيحة الصبي والخصي والمرأة إذا اضطرّوا إليه ) (4) .
   وذكر المحدّث الحرّ العاملي بعد هذا الحديث أنّ إشتراط الإضطرار هو لزوال المرجوحية .
  (197) فإنّما يستحبّ الجهر ورفع الصوت بالتلبية للرجال كما هو المشهور بل عليه الإجماع في الظاهر (5) .

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 338 ، باب 23 ، ح 7 .
(2) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 339 ، ب 23 ، ح 8 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 338 ، ب 23 ، ح 5 .
(4) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 339 ، ب 23 ، ح 10 .
(5) كشف اللثام ، ج 1 ، ص 316 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 70 _

  ولا تُقيمُ عندَ قبر (198) ، ولا تسمعُ الخطبة (199) ، ولا تَتولّى التزويج بنفسِها (200) ، ولا تخرجُ من بيتِ زوجها إلاّ بإذنِه ، ففي حديث حريز (1) أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمّا أحرم أتاه جبرئيل ( عليه السلام ) فقال له ، مُرْ أصحابك بالعجّ والثجّ ، والعجّ ، رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ ، نحر البدن ، قال وقال جابر بن عبدالله ما بلغنا الرَوحا (2) حتّى لجّت أصواتنا ، وعقد في الوسائل باباً في عدم إستحباب جهر النساء بالتلبية ذكر فيها أحاديث خمسة ، منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( ليس على النساء جهر بالتلبية ) (3) .
  (198) أفاد العلاّمة التقي المجلسي ، انّ ذلك لمنافاته الرضا بالقضاء ، مع منافاته الستر ، وقد كان ذلك في الجاهلية (4) فلا يحسن إلاّ إذا استُثنى مورد خاص بدليل .
  (199) أي في صلاة الجمعة والعيدين ... فإنّ أصل هذه الصلاة ساقطة عنهنّ فكذا خطبتها .
  (200) أي لا تتولّى تزويج نفسها بنفسها من دون إذن وليّها ... بل يكون عقدها مع إذن وليّها إذا كانت بكراً كما اُفيد ، بل حتّى إذا كانت ثيّباً وكانت الثيبوبة بغير التزويج كما احتُمل (5) .
  إلاّ أنّ في المسالك ، أنّ الأصحّ سقوط ولاية الأب والجدّ عن الثيّب للأصل

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 50 ، ب 37 ، ح 1 .
(2) الروحاء ، مأخوذ من الرَوح والراحة موضع بين المدينة ومكّة كما في معجم البلدان ، ج 3 ، ص 76 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 51 ، ب 38 ، ح 5 .
(4) روضة المتّقين ، ج 12 ، ص 191 .
(5) مرآة العقول ، ج 20 ، ص 125 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 71 _

  فإن خَرجَت بغير إذنِه لعنها اللّهُ وجبرئيلُ وميكائيل (201) ، ولا تُعطي من بيتِ زوجِها شيئاً إلاّ بإذنه ، ولا تبيتُ وزوجها عليها ساخط ، وإن كانَ ظالماً لها (202) .
  والأخبار الصحيحة (1) ...
  بل في جامع المقاصد ، اتّفاق أصحابنا عليه (2) وتشهد له النصوص مثل صحيح الحلبي ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنّه قال ، ( في المرأة الثيّب تخطب إلى نفسها ؟ قال ، هي أملك بنفسها تولّي أمرها من شاءت إذا كان كفواً بعد أن كانت قد نكحت رجلا قبله ) (3) .
  نعم في البكر الرشيدة إشترط في زواجها إذن وليّها على أقوال خمسة في المسألة خامسها هو ، إعتبار إذنهما معاً الولي والبكر كما حكي عن الشيخ المفيد والحلبيين وظاهر الحرّ العاملي جمعاً بين الأخبار ، وإختار أفضلية هذا القول في المستمسك (4) ، وجعله السيّد الفقيه اليزدي هو الأحوط وجوباً (5) .
  (201) هذا وما بعده من آداب عشرة النساء مع أزواجهنّ وتلاحظ أحاديثها ، إلى جنب أحاديث إستحباب الإحسان إلى الزوجة والمداراة معها في الوسائل (6) .
  (202) هذه جملة من خصائص النساء ، وقد ورد في حديث جابر بن يزيد

-------------------------------
(1) مسالك الأفهام ، ج 1 ، ص 452 .
(2) جامع المقاصد ، ج 2 ، ص 302 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 202 ، ب 3 ، ح 4 .
(4) مستمسك العروة الوثقى ، ج 14 ، ص 440 .
(5) العروة الوثقى ـ فصل أولياء العقد ـ المسألة 1 .
(6) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 121 ، ب 88 ، و ص 152 ، ب 117 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 72 _

  يا علي ، الإسلامُ عريان (203) ، فلباسُه الحَياء (204) ، وزينتُه الوَفاء (205) ، ومروءتُه العملُ الصالح (206) ، الجعفي ، عن الإمام أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) مفصّل آداب النساء والفرق بين أحكامهنّ وأحكام الرجال بثلاث وسبعين خصلة في كتاب الخصال (1) ، فلاحظ .
  (203) شبَّهَ صلوات الله عليه وآله الإسلام برجل ذي شؤون ، الحياء لباسه ، والوفاء زينته الخ ...
  ولم يستبعد العلاّمة المجلسي ( قدس سره ) أن يكون المراد بالإسلام المسلم من حيث إنّه مسلم ، أو تكون نسبة العرى واللباس إليه على سبيل المجاز بمعنى لباس صاحبه ... وكذا الفقرات التالية (2) .
  (204) أي الحياء من الله تعالى ، أو من الله ومن الناس ... والحياء ملكة للنفس توجب إنقباضها عن القبيح وإنزجارها عن خلاف الآداب خوفاً من اللوم (3) .
  (205) أي الوفاء بعهود الله ورسوله وحججه وعهود الخلق ووعودهم ، فإنّ الوفاء بالعهد من علامات أهل الدين .
  (206) أي أنّ العمل الصالح ملازم لمروءته فلا يكون ذا مروءة إلاّ بالعمل الصالح ...
  والمروءة بالهمزة ، وقد تحذف الهمزة فتشدّد الواو هي ، الإنسانية ...
   وفسّرت أيضاً بالآداب النفسية التي تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات ، وقد تتحقّق بمجانبة ما يؤذن بخسّة النفس من

-------------------------------
(1) الخصال ، ص 585 .
(2) مرآة العقول ، ج 7 ، ص 288 .
(3) سفينة البحار ، ج 2 ، ص 506 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 73 _

  وعمادُه الوَرَع (207) ، ولكلِّ شيء أساس (208) ، وأساسُ الإسلامِ حُبُّنا أهلَ البيت (209) ، المباحات كالأكل في الأسواق حيث يمتهن فاعله (1) .
  وقال الشهيد الأوّل ، المروءة تنزيه النفس عن الدناءة التي لا تليق بأمثاله كالسخرية ، وكشف العورة التي يتأكّد إستحباب سترها في الصلاة ، والأكل في الأسواق ، ولبس الفقيه لباس الجنديّ بحيث يُسخر فيه وبالعكس (2) .
  (207) عماد الشيء هو ما يتقوّم به الشيء ويثبت ولولاه لسقط وزال ، نظير عماد الخيمة والسقف ... وعماد الإسلام يعني بقاؤه وثباته يكون بالورع ، أي الورع عن المحرّمات وتركها بل ترك الشبهات .
  (208) الأساس بالفتح جمع اُس بالضمّ مثل خَفاف وخُف هو ، أصل البناء الذي لا يستقرّ ولا يستقيم بدونه ، وقاعدة البناء التي يزول البناء بزوالها .
  (209) أي حبّي وحبّ أهل بيتي ، وهم آل محمّد صلوات الله عليهم وتجري في جميع أولاده الأوصياء كما في حديث المعاني (3) .
  فالإسلام لا يتحقّق ولا يستقرّ إلاّ بحبّهم الملازم للقول بإمامتهم وولايتهم صلوات الله عليهم وقد كثرت وتظافرت وتواترت أحاديث الفريقين في فضل حبّ أهل البيت ( عليهم السلام ) وولايتهم كما تلاحظ جملة منها في غاية المرام (4) للسيّد البحراني ( قدس سره ) من طريق العامّة خمسة وتسعون حديثاً ومن طريق الخاصّة ثمانية وأربعون

-------------------------------
(1) مجمع البحرين ، مادّة مرا ، ص 83 .
(2) الدروس ، ج 2 ، ص 125 .
(3) معاني الأخبار ، ص 92 ، ح 3 .
(4) غاية المرام ، ص 578 ، باب 71 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 74 _

  حديثاً ، وفي إحقاق الحقّ (1) للسيّد الشهيد التستري طابت تربته .
  وعليك بالدرر الباهرة من أحاديث العترة الطاهرة المجموعة في بحار الأنوار (2) المشتملة على 208 حديثاً .
  ويشرّفني للتيمّن والتبرّك أن أذكر حديثاً واحداً في فضل حبّهم وهو ما رواه ثقة الإسلام الكليني ، عن الحكم بن عتيبة قال ، ( بينا أنا مع أبي جعفر ( عليه السلام ) والبيت غاصّ بأهله إذ أقبل شيخٌ يتوكّؤ على عَنَزَة له (3) ، حتّى وقف على باب البيت فقال ، السلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثمّ سكت فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) ، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، ثمّ أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت ، وقال ، السلام عليكم ، ثمّ سكت ، حتّى أجابه القوم جميعاً وردّوا عليه السلام ، ثمّ أقبل بوجهه على أبي جعفر ( عليه السلام ) ثمّ قال ، يابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك ، فوالله إنّي لاُحبّكم واُحبّ من يحبّكم ، ووالله ما اُحبّكم واُحبّ من يحبّكم لطمع في دنيا ، و [ الله ] إنّي لاُبغض عدوّكم وأبرأ منه ، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لِوَتْر كان بيني وبينه ، والله إنّي لاُحِلُّ حلالكم واُحرّمُ حرامَكم وأنتطّر أمركم ، فهل ترجو لي جعلني الله فداك ؟
  فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) ، إليّ إليّ ، حتّى أقعده إلى جنبه ، ثمّ قال ، أيّها الشيخ إنّ أبي علي بن الحسين ( عليهما السلام ) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي ( عليه السلام ) ، إن تَمُتْ تَرِد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين

-------------------------------
(1) إحقاق الحقّ ، ج 21 ، الفهرس ، ص 146 ، مادّة حبب .
(2) بحار الأنوار ، ج 27 ، الأبواب 4 و 5 و 6 ، ص 73 / 165 .
(3) العنزة على وزن قصبة هي العصا الطويلة .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 75 _

  ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقرُّ عينك وتُستقبل بالرَّوْح والرَّيحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغَت نفْسُك ههنا ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وإن تَعِشْ ترى ما يقرُّ الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى ، [ ف‍ ] ‍قال الشيخ ، كيف ؟ قلت ، يا أبا جعفر ؟ فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ ، الله أكبر يا أبا جعفر إنْ أنا مِتُّ أرِدْ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ( عليهم السلام ) وتقرُّ عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي واُستقَبل بالرَّوح والرَّيحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغَت نفْسي إلى ههنا وإن أعِشْ أرى ما يقرُّ الله به عيني فأكون معكم في السّنام الأعلى ؟ ! !
  ثمّ أقبل الشيخ ينتحب ، ينشج (1) هاهاها حتّى لصق بالأرض وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يروْن من حال الشيخ ، وأقبل أبو جعفر ( عليه السلام ) يمسح بإصبعه الدُّموع من حماليق (2) عينيه وينفضها ، ثمّ رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر ( عليه السلام ) ، يابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك ، فناوله يده فقبّلها ووضعها على عينيه وخدّه ، ثمّ حسر عن بطنه وصدره فوضع يده على بطنه وصدره ، ثمّ قام فقال ، السلام عليكم .
  وأقبل أبو جعفر ( عليه السلام ) ينظر في قفاه وهو مدبرٌ ، ثمّ أقبل بوجهه على القوم ، فقال ، من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا .
  فقال الحكم ابن عتيبة ، لم أرَ مأتماً قطّ يشبه ذلك المجلس ) (3) .

-------------------------------
(1) النّحب هو رفع الصوت بالبكاء ، والنشج هو الصوت مع توجّع وبكاء كما يردّد الصبي بكاءه في صدره .
(2) جمع حملاق ، باطن الجفن ، الموضع الذي يسوّده الكحل .
(3) روضة الكافي ، ج 8 ، ص 76 ، ح 30 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 76 _

  يا علي ، سوءُ الخُلُقِ شؤم (210) ، وطاعةُ المرأةِ نَدامة (211) .
  يا علي ، إن كان الشؤمُ في شيء ففي لسانِ المرأة (212) .
  يا علي ، نَجى المُخفّون (213) .
  يا علي ، من كَذِبَ عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعدَه من النار (214) .
  (210) الشؤم هو الشرّ ... وسوء الخُلُق شرّ لدنيا الإنسان وآخرته ، أمّا في الدنيا فإنّ سيّيء الخُلُق يعذّب نفسه ، وأمّا للآخرة فإنّ من ساء خُلُقه أفسد عمله .
  (211) أي تورث الندامة من حيث عدم كمالهنّ نوعاً ، وعدم استقصائهنّ فكراً ، فقد يأمرن بما لا يصلح ، وتدفعهنّ عواطفهنّ إلى ما لا يرجُح .
  (212) لعلّه من جهة كونهنّ نوعاً أقلّ امتلاكاً لألسنتهنّ من الرجال ... واللسان سَبُعٌ إن خُلّي عنه عقر كما في نهج البلاغة (1) ، ويناسب ملاحظة روايات حفظ اللسان (2) .
  (213) جمع الُمخفّ وهو من يخفّف في المطعم والمشرب والملبس ، ويقنع باليسير في سائر اُمور الدنيا حتّى في الحلال لأنّ في حلالها حساب ... فهذا يكون ناجياً في يوم الجزاء ، بل ينجو في الدنيا أيضاً في مواطن البلاء .
  (214) من التبوّء بمعنى الإتّخاذ أي ليتّخذ ويختار منزله من النار فإنّه من أهل النار ... وذلك لأنّ الكذب بنفسه من كبائر المعاصي فكيف بالكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ...
  قال تعالى ، ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الكَذِبَ الذِّينَ لاَ يُؤمِنُونَ ) (3) .

-------------------------------
(1) نهج البلاغة ، قصار الحكم ، رقم الحكمة 60 .
(2) بحار الأنوار ، ج 71 ، باب 78 ، ص 274 / 308 .
(3) سورة النحل ، الآية 105 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 77 _

  يا علي ، ثلاثةٌ يَزْدِنَ في الحفظ (215) ويُذهِبْن البلغم (216) ، اللُبانُ (217) ، والسواكُ ، وقراءةُ القرآن (218) .
  وفي حديث عمر بن عطيّة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنّه قال لرجل من أهل الشام ، ( يا أخا أهل الشام إسمع حديثنا ولا تكذب علينا ، فإنّه من كذب علينا في شيء فقد كذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومَنْ كذب على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد كذب على الله ، ومن كذب على الله عذّبه الله عزّوجلّ ) (1) .
  (215) الحافظة قوّة تحفظ ما تدركه القوّة الوهميّة من المعاني وتذكرها ، وتسمّى الذاكرة أيضاً (2) ، ومحلّ هذه القوّة أوّل التجويف الآخر من الدماغ (3) .
  (216) فإنّ زوال البلغم والرطوبة إحدى أسباب الحفظ ، فما يوجب زيادة الحفظ يوجب زوال البلغم .
  (217) اللُبان ـ بضمّ اللام ـ ، هو الكندر هو صمغ شجرة ذات شوك لا ترتفع أكثر من ذراعين ، يعقر منها مواضع بالفاس فيسيل منها الكندر (4) .
  (218) وقد عَدّ هذه الثلاثة من أسباب الحفظ الأحد عشر المحقّق الطوسي بقوله ، ( وأقوى أسباب الحفظ ، الجدّ ، والمواظبة ، وتقليل الغذاء ، وصلاة الليل بالخضوع والخشوع ، وقراءة القرآن من أسباب الحفظ ... قيل لا شيء أزيد للحفظ من قراءة القرآن لا سيّما آية الكرسي ، وقراءة القرآن نظراً أفضل لقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( أفضل أعمال اُمّتي قراءة القرآن نظراً ) وتكثير الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والسواك ، وشرب

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 575 ، باب 139 ، ح 4 .
(2) المعجم الزوولوجي ، ج 1 ، ص 185 .
(3) بحار الأنوار ، ج 61 ، ص 277 .
(4) المعتمد ، ص 434 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 78 _

  يا عليُّ ، السّواكُ (219) من السُنّة ومطهّرة للفَمّ ، ويجلو البصَر ، ويُرضي الرحمان ، ويُبيّض الأسنان ، ويذهبُ بالحُفَر (220) ، ويشدُّ اللثّة ، ويُشهّي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيدُ في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، وتفرحُ به الملائكة .
  يا عليُّ ، النومُ أربعة ، نومُ الأنبياء ( عليهم السلام ) على أقفيتِهم (221) ، العسل ، وأكل الكندر مع السُكَّر ، وأكل إحدى وعشرين زبيبة حمراء كلّ يوم على الريق يورث الحفظ ويشفي من الأمراض والأسقام ، وكلّ ما يقلّل البلغم والرطوبات يزيد في الحفظ وكلّ ما يزيد في البلغم يورث النسيان ) (1) .
  (219) السواك ، هو دَلْك الأسنان بعود أو خرقة أو إصبع ونحوها وأفضله الغصن الأخضر وأكمله الأراك ، والأراك شجر يُستاك بقضبانه له حمل كعناقيد العنب (2) .
  والسواك من سنن المرسلين وممّا هو مسنون في الدين في عدّة مواضع عند الوضوء ، وللصلاة ، وفي السَحَر ، وعند قراءة القرآن ، وتلاحظ أحاديث تأكّد إستحبابه في الوسائل (3) .
  واعلم أنّه قد ورد هذا المضمون من الوصيّة في حديث القطب الراوندي أيضاً (4) .
  (220) الحُفَر صُفرة تعلو الأسنان ، أو فساد يعرض في اُصول الأسنان ...
  وفي نسخة مكارم الأخلاق البَخَر ... وهي الرائحة المنتنة في الفمّ .
  (221) القفا وجمعه قفّى وأقفاء وأقفية ، مؤخّر العنق ... والنوم على القفا هو النوم

-------------------------------
(1) آداب المتعلّمين ، ص 130 .
(2) مجمع البحرين ، ص 448 و 452 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 1 ، ص 346 ، باب 1 ، الأحاديث .
(4) دعوات الراوندي ، ص 161 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 79 _

  ونومُ المؤمنينَ على أَيمانهم ، ونومُ الكفّارِ والمنافقينَ على أيسارهم ، ونومُ الشياطين على وجوهِهم (222) .
  يا علي ، ما بَعَث اللّهُ عزّوجلّ نبيّاً إلاّ وجَعَل ذريَّته من صُلبه وجَعلَ ذرّيتي من صُلبِك ولولاكَ ما كانت لي ذرّية (223) ، على الظهر .
  (222) هذه كيفيات النوم ... وقد وردت في حديث عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي ، عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، عن آبائه الطاهرين ( عليهم السلام ) ، ( كان علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فسأله عن مسائل فكان فيما سأله أن قال له ، أخبرني عن النوم على كم وجه هو ؟ فقال ، النوم على أربعة وجوه :
  الأنبياء ( عليهم السلام ) تنام على أقفيتهم مستلقين وأعينهم لا تنام متوقّعة لوحي الله عز ّو جلّ .
  والمؤمن ينام على يمينه مستقبل القبلة .
  والملوك وأبناؤها تنام على شمائلها ليستمرئوا ما يأكلون .
  وإبليس وإخوانه وكلّ مجنون وذو عاهة ينام على وجهه منبطحاً ) (1) .
  (223) ذرّية الإنسان ، نسله سواء أكان ذكراً أم اُنثى ، وأولاداً أم أولاد أولاد .
  وهذا يدلّ على أنّ أولاد البنت ذرّية ... مضافاً إلى دلالة الكتاب على ذلك في مثل قوله تعالى : ( ... وَمِن ذُرّيَّتِهِ دَاودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ

-------------------------------
(1) الخصال ، باب الأربعة ، ص 262 ، ح 140 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 80 _

  يا عليُّ ، أربعةٌ من قواصِم الظَهر (224) ، إمامٌ يَعصي اللّهَ عزّوجلّ ويُطاع أمرُه ، وزوجةٌ يحفظُها زوجُها وهي تخونُه ، وفقرٌ لا يجد صاحبُه مداوياً ، وجارُ سوء في دارِ مقام (225) .
  يا عليُّ ، إنّ عبدَالمطّلب (226) ( عليه السلام ) سَنَّ في الجاهليّةِ خمسَ سُنَن ...
   الصَّالِحِينَ ) (1) حيث دلّ على أنّ النبي عيسى ( عليه السلام ) من ذريّة سيّدنا إبراهيم ( عليه السلام ) مع أنّه منتسب إليه بالاُمّ فقط .
   وذريّة رسول الله الأمين من وصيّه ونفسه أمير المؤمنين مضافاً إلى الانتساب إليه بواسطة سيّدة نساء العالمين سلام الله عليهم أجمعين .
  (224) أي تكسر الظهر من جهة مشقّة تحمّلها والصبر عليها .
  (225) أي في الدار الذي يقيم فيه الإنسان ويسكن فيه ولا يرحل عنه فيدوم له سوء الجوار .
  (226) عبدالمطلّب بن هاشم جدّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واسمه شيبة الحمد ، لشيبة كانت في رأسه حين ولد ، وكان يُعرف بسيّد البطحاء ، وساقي الحجيج ، وساقي الغيث ، وغيث الورى في العام الجدب ، وأبي السادة العشرة. ويستفاد من الأحاديث الكثيرة الواردة في شأنه سمو جلالته وعظمته وكمال إيمانه وعقله ، وعلوّ مقامه ورئاسته (2) .
  كفل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورعاه أحسن رعاية مدّة ثمان سنين إلى أن التحق بالرفيق الأعلى عن عمر يبلغ مائة وأربعين سنة ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خلف جنازته يبكي حتّى دُفن بالحجون في الموضع المعروف بالمعلّى ...

-------------------------------
(1) سورة الأنعام ، الآية 84 / 85 .
(2) اُصول الكافي ، ج 1 ، ص 446 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 81 _

  أجراها اللّهُ عزّوجلّ في الإسلام (227) ، حرَّم نساءَ الآباء على الأبناء فأنزلَ اللّهُ عزّوجَلّ ، ( وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ ) (228) ، ووجد كنزاً فأخرجَ منه الخُمس وتصدّقَ بهِ فأنزلَ اللّهُ عزّوجلّ ، ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) (229) الآية ، ولمّا حفر بئرَ زَمزم سمّاها سقايةَ الحاج فأنزل اللّهُ تباركَ وتعالى ، ( أَجَعلْتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) (230) الآية ، يستفاد من بعض الأحاديث أنّه كان من الأوصياء مضافاً إلى مكارمه وكراماته ... (1) .
  وفي الدرّ النظيم للشامي نقلا عن كتاب مدينة العلم للشيخ الصدوق أنّه قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ( يحشر عبدالمطلّب يوم القيامة اُمّة واحدة عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك ، وقال ، إنّ عبدالمطلّب حجّة وأبو طالب وصيّه ) (2) .
  (227) أفاد العلاّمة المجلسي بعد هذا الحديث الشريف ، لعلّه ( عليه السلام ) فَعَل هذه الاُمور بإلهام من الله تعالى ، أو كانت في ملّة إبراهيم ( عليه السلام ) فتركتها قريش فأجراها فيهم فلمّا جاء الإسلام لم ينسخ هذه الاُمور لما سنّه عبدالمطلّب (3) .
  (228) سورة النساء ، الآية 22 .
  (229) سورة الأنفال ، الآية 41 .
  (230) سورة التوبة ، الآية 19 .

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 15 ، ص 117 .
(2) سفينة البحار ، ج 6 ، ص 87 .
(3) بحار الأنوار ، ج 15 ، ص 127 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 82 _

  وسَنَّ في القتلِ مائةً من الإبل فأجرى اللّهُ عزّوجلّ ذلكَ في الإسلام (231) ، ولم يكن للطواف عَدَدٌ عندَ قريش فَسَنَّ لهُم عبدُالمطلّب سبعةَ أشواط فأجرى اللّهُ عزّوجلَّ ذلكَ في الإسلام (232) .
  يا علي ، إنّ عبدَ المطلّب كان لا يَستقسمُ بالأَزلامِ (233) ، (231) كما ثبت ذلك في أحاديث معادن الوحي الإلهي أهل البيت ( عليهم السلام ) في الروايات المتظافرة (1) واُفيد عليه الإجماع في الغنية وظاهر المبسوط والسرائرومفاتيح الشرائع وكشف اللثام والتهذيب كما في مفتاح الكرامة (2) .
  (232) كما ثبت ذلك أيضاً في أحاديث أهل بيت الرسول (ص) الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المستفيضة بل المتواترة فيما تلاحظه في أحاديث البحار (3) والوسائل (4) .
  واُفيد عليه الإجماع المحصّل والمنقول كما تلاحظه في الجواهر (5) .
  (233) الإستقسام بالأزلام معناه طلب قِسَم الأرزاق بواسطة القداح يعني السهام التي كان أهل الجاهليّة يتفألون بها في أسفارهم وإبتداء اُمورهم ... مكتوب على بعضها ( أمرني ربّي ) وعلى بعضها ( نهاني ربّي ) وبعضها لم يكتب عليه شيء ... فإذا أرادوا سفراً أو أمراً يهتمّون به ضربوا على تلك القداح ... فإن خرج السهم الذي عليه أمرني ربّي مضى الرجل في حاجته ، وإن خرج السهم الذي عليه نهاني ربّي لم يمض ، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوه .

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 19 ، ص 141 ، ب 1 .
(2) مفتاح الكرامة ، ج 10 ، ص 353 .
(3) بحار الأنوار ، ج 99 ، ص 199 ، باب 36 .
(4) وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 413 ، باب 19 ، وص 432 ، ب 32 .
(5) جواهر الكلام ، ج 19 ، ص 295 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 83 _

  ولا يعبدُ الأصنامَ (234) ، ولا يأكلُ ما ذُبحَ على النُّصُبِ (235) ويقولُ أنا على دينِ أبي إبراهيم ( عليه السلام ) .
  يا علي ، أعجبُ الناسِ إيماناً (236) وأعظمُهم يقيناً قومٌ يكونون في آخرِ الزمان لم يلحقوا النبيَ (237) وحُجبَ عنهم الحجّةُ (238) ...
  وقد بيّن الله حرمته وحرمة الذبح على النصب في قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمِيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ... ) (1) فلاحظ التفسير (2) .
  (234) وقد كانت تلك الأصنام آنذاك منصوبة حول الكعبة 360 صنماً ، ثمّ كسرها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عند فتح مكّة .
  (235) النُّصُب ، هي الأحجار والأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدونها ، ومعنى ما ذبح عليها أي ذبح لها نظير ( فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ ) (3) أي سلام عليك ، وهي الذبائح التي كانوا يذبحونها لتلك الأصنام تقرّباً إليها (4) .
  (236) العجيب هو الشيء البديع الذي يُتعجّب منه ، والأعجب هو الذي يكون إعجابه أكثر ـ وهذا تحسين لإيمانهم ، وفسّره في الروضة بالأفضل والأكثر ثواباً .
  (237) أي لم يدركوا النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  (238) أي لم يروا المعصوم ( عليه السلام ) ، وكان المعصوم غائباً عن أبصارهم .

-------------------------------
(1) سورة المائدة ، الآية 3 .
(2) مجمع البيان ، ج 3 ، ص 156 .
(3) في قوله تعالى في سورة الواقعة ، الآية 91 .
(4) تفسير القمّي ، ج 1 ، ص 161 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 84 _

  فآمنوا بسواد على بياض (239) .
  يا علي ، ثلاثةٌ يَقسينَ القلبَ (240) ، إستماعُ اللَهو (241) ...
  (239) أي علموا صحّة نبوّة خاتم الأنبياء وآمنوا بها بواسطة القرآن الذي رأوه والأخبار القطعية التي قرءوها ... وهؤلاء هم أصحاب الإمام المنتظر ( عليه السلام ) وشيعته في زمان غيبته إلى زمان ظهوره ... وقد جاء مدحهم في أحاديث كثيرة جمعها شيخ الإسلام المجلسي أعلى الله مقامه ، منها حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال ، ( يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته ، والمطيعين له في ظهوره ، اُولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (1) .
  (240) وقاسي القلب بعيد من الله تعالى ، كما في حديث علي بن عيسى (2) .
  وقسوة القلب ، غلظ في القلب وقلّة الرحمة فيه وصلابته ، قال تعالى ، ( ثُمَّ قَسَتْ قلوبُكم ) أي يبست وصلبت عن قبول ذكر الله والخوف والرجاء وغيرها من الخصال الحميدة (3) .
  (241) وهو شامل لجميع الملاهي سواء أكانت بالآلات كالمزامير والدفوف أم لم تكن بآلات اللهو كالغناء كما أفاده المولى التقي والد المجلسي (4) ، فإنّ من المعلوم حرمة الملاهي بنحو مطلق فتوىً ودليلا .
  أمّا من حيث الفتوى فقد نصّ الشيخ المفيد في المقنعة على حرمة آلات اللهو ، وأفاد ابن إدريس حرمتها على كلّ حال ، وجاء في المراسم والشرائع والنافع

-------------------------------
(1) بحار الأنوار ، ج 52 ، باب 22 ، ص 122 / 150 .
(2) بحار الأنوار ، ج 73 ، ص 398 ، باب 145 ، ح 3 .
(3) مجمع البحرين ، مادّة قسا ، ص 71 .
(4) روضة المتّقين ، ج 12 ، ص 223 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 85 _

  وطلبُ الصيد (242) ، والتذكرة والتحرير والإرشاد والدروس واللمعة وكفاية الطالبين حرمة الإكتساب بها ممّا يستفاد حرمة نفسها ، بل في المنتهى والحدائق أنّه لا خلاف في ذلك ، بل ذكر المحقّق الأردبيلي في المجمع والسيّد الطباطبائي في الرياض الإجماع عليه (1) .
  وأمّا من حيث الدليل فيدلّ على حرمتها أدلّة تحريم اللهو التي وصفها الشيخ الأعظم الأنصاري ( قدس سره ) في المكاسب (2) ، بأنّها أدلّة كثيرة جدّاً ومنها :
  ( أ ) حديث معائش العباد الذي ورد فيه ، ( وكلّ ملهو به ... فحرام تعليمه والعمل به وأخذ الاُجرة عليه وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات ) (3) .
  ( ب ) حديث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ( كلّ ما ألهى عن ذكر الله فهو من الميسر ) (4) .
  ( ج ) حديث الأعمش ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) الذي ورد فيه في تعداد الكبائر المحرّمة ، ( والملاهي التي تصدّ عن ذكر الله تبارك وتعالى ... ) (5) .
  ( د ) حديث الفضل بن شاذان ، عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) في رسالة شرائع الدين التي جاء فيها ، ( وإجتناب الكبائر وهي قتل النفس ... والإشتغال بالملاهي ) (6) .
  (242) أي الصيد اللهوي الذي هو محرّم ... وإحتمل التعميم حتّى للصيد الذي يكون للنفقة أو التجارة .

-------------------------------
(1) مفتاح الكرامة ، ج 4 ، ص 31 .
(2) المكاسب المحرّمة ، ج 4 ، ص 239 .
(3) تحف العقول ، ص 335 .
(4) وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 235 ، باب 100 ، ح 15 .
(5) بحار الأنوار ، ج 10 ، ص 229 ، باب 14 ، ح 1 .
(6) عيون الأخبار ، ج 2 ، ص 120 ، باب 35 ، ح 1 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 86 _

  وإتيانُ بابِ السلطان (243) .
  يا علي ، لا تُصَلِّ في جلدِ ما لا تشربُ لبنَه ولا تأكلُ لحَمه (244) ، ولا تُصلِّ في ذاتِ الجَيش (245) ، ولا في ذاتِ الصلاصل (246) ، ولا في ضَجَنان (247) .
  (243) كما تلاحظ ذمّه في أحاديث كثيرة (1) منها الحديث الثاني عشر من الباب عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ، ( إيّاكم وأبواب السلطان وحواشيها ، فإنّ أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها أبعدكم من الله عزّوجلّ ، ومن آثر السلطان على الله أذهب الله عنه الورع وجعله حيراناً ) .
  (244) هذا إرشاد إلى مانعيّة جلد غير مأكول اللحم في الصلاة ، كما ورد به أحاديث عديدة في أبواب لباس المصلّي (2) .
  (245) ذات الجيش ، واد بين ذي الحليفة وبرثان (3) .
  (246) ذات الصلاصل ، ناحية على سبعة أميال من المدينة في جهة مكّة (4) .
  (247) ضَجَنان ، بفتحتين موضع بينه وبين مكّة خمسة وعشرون ميلا (5) .
  وهذه المواضع الثلاثة بين مكّة والمدينة ، قد إستفاضت النصوص بكراهة الصلاة فيها ، مضافاً إلى البيداء الذي حُدَّ بما بين ذات الجيش والمعرَّس (6) .

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 12 ، ص 127 ، باب 42 .
(2) وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 250 ، باب 2 ، الأحاديث .
(3) معجم البلدان ، ج 2 ، ص 200 .
(4) معجم البلدان ، ج 3 ، ص 421 .
(5) معجم البلدان ، ج 3 ، ص 453 .
(6) وسائل الشيعة ، ج 3 ، ص 450 ، باب 23 ، الأحاديث .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 87 _

  يا علي ، كُلْ من البيض ما اختَلَف طَرَفاه (248) ، ومن السَّمَك ما كانَ له قِشر (249) ...
  ويستفاد من بعض الكلمات في المقام أنّ هذه المواضع من الأماكن المغضوب عليها ، وأنّها مواضع الخسف (1) .
  (248) هذه الضابطة وما بعدها من الضوابط الشرعية الشريفة في باب الأطعمة ومن الأبواب العلمية المنيفة في الفقه الإسلامي ...
  وحكم البيض تابع لحكم أصل الحيوان ... فبيض ما يؤكل لحمه حلال ، كما أنّ بيض ما لا يؤكل لحمه حرام بدليل حديث ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، ( أنّ البيض إذا كان ممّا يؤكل لحمه فلا بأس بأكله وهو حلال ) (2) .
  فإذا اشتبه أو لم يعلم حكم الأصل فالضابط ( أنّ كلّ ما اختلف طرفاه فحلال أكله ، وكلّ ما اتّفق واستوى طرفاه فحرام أكله ) كما يستفاد من هذه الوصيّة الشريفة ، ومن الأخبار المتظافرة الاُخرى أيضاً (3) .
  ولا خلاف فيه ، بل الإجماع قائم عليه ، كما هو ظاهر كشف اللثام ، بل صريح الغنية ، بل هو المحقّق كما في الجواهر (4) .
  (249) إذ المعيار في السمك هو أنّ كلّ ما كان له قشر أي فلس فيحلّ أكله ، وما لم يكن له قشر فيحرم أكله ، وقد دلّت عليه النصوص المتظافرة (5) ، منها حديث محمّد

-------------------------------
(1) جواهر الكلام ، ج 8 ، ص 349 .
(2) وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 59 ، باب 40 ، ح 1 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 422 ، باب 20 ، الأحاديث .
(4) جواهر الكلام ، ج 36 ، ص 335 .
(5) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 397 ، باب 8 ـ 9 .

وصايا الرسول (ص) لزوج البتول _ 88 _

  ومن الطير ما دَفَّ (250) واترُكْ منه ما صَفَّ (251) وكُلْ ...
  ابن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، ( كُلْ ما له قشر من السمك وما ليس له قشر فلا تأكله ) (1) ، وعليه الإجماع في الخلاف ، والغنية ، والسرائر ، كما أفاده في الجواهر (2) .
  (250) أي كُلْ من الطير ما كان دفيفه أكثر من صفيفه ...
  والدفيف هو ضرب جناحيه على دفّتيه حال الطيران كما يشاهد في الحمام .
  مقابل الصَّفيف وهو بسط جناحيه حال الطيران كما يشاهد في جوارح الطير مثل النسر والشاهين .
  (251) أي اترك ما كان صفيفه أكثر من دفيفه .
  فكلّ طير كان دفيفه أكثر حَلَّ أكله ، وكلُّ طير كان صفيفه أكثر حرم أكله .
  وقد قام على ذلك النصوص العديدة الواردة في بابه من الوسائل (3) ، منها الحديث الثاني من الباب الذي رواه سماعة بن مهران ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، ( كلّما صفّ وهو ذو مخلب فهو حرام ... وكلّما دفّ فهو حلال ) .
  وقد استقرّ عليه الإجماع المحصَّل والمنقول (4) .
  هذا بالنسبة إلى الطيور التي تطير في الهواء ... وأمّا بالنسبة إلى الطيور التي تكون في الماء أو تكون في البرّ فلها القاعدة التالية التي بيّنها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله ، ( وكُلْ من طير الماء ... ) .

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 397 ، باب 8 ، ح 1 .
(2) جواهر الكلام ، ج 36 ، ص 244 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 420 ، باب 19 .
(4) جواهر الكلام ، ج 36 ، ص 304 .

تنزيه الأنبياء (عليهم السلام) _ 89 _

  من طيرِ الماءِ (252) ما كانت له قانِصَة (253) أو صِيصيَّة (254). يا علي ، كُلُّ ذي ...
  (252) ذكر في الجواهر ، أنّ الظاهر نصّاً وفتوىً عدم الفرق بين طير الماء وطير البرّ في العلامات الآتية ، أي حلّية ما كان له قانصة أو صيصيّة كما يستفاد من موثّقة مسعدة بن صدقة (1) ، نعم ربّما كان الغالب القانصة في طير الماء ، والحوصلة في طير البرّ (2) .
  (253) القانصة للطير بمنزلة المعدة والأمعاء للإنسان ... هي لحمة غليظة يجتمع فيها كلّ ما ينقر الطير من الحَب والحصى بعد أن ينحدر من الحوصلة فتهضمه القانصة ... وتسمّى القانصة بالفارسية ( سنگدان ) .
  (254) الصيصيّة هي الشوكة خلف رِجل الطائر ، بمنزلة الإبهام للإنسان .
   فكلُّ طير كان له قانصة أو صيصيّة فهو محلّل ، وكلّ ما لم يكن له قانصة ولا صيصيّة فهو محرّم كما دلّت عليه النصوص المستفيضة الواردة في الوسائل (3) ، منها الحديث الخامس من الباب الذي رواه ابن بكير ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( كُلْ من الطير ما كانت له قانصة أو صيصيّة أو حوصلة ) والحوصلة هي مجمع الحبّ وغيره من المأكول في الحيوان عند الحلق ، وتسمّى الحوصلة بالفارسية ، ( چينه دان ) .
  وهذه العلامات الثلاثة عليها الإجماع في صريح كلام المقدّس الأردبيلي ، وظاهر الكفاية ، كما أفاده في الرياض (4) .

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 419 ، باب 18 ، ح 4 .
(2) جواهر الكلام ، ج 36 ، ص 308 .
(3) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 418 ، باب 18 ، الأحاديث .
(4) رياض المسائل ، ج 2 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، قسم 3 .

تنزيه الأنبياء (عليهم السلام) _ 90 _

  ناب من السِباع (255) ومخلب من الطير (256) فحرامٌ أكلُه لا تأكلْه (257) .
  يا علي ، لا قَطْعَ في ثَمَر ولا كَثَر (258) .
  (255) الناب وجمعها أنياب ، الضرس الذي يكون خلف الرباعية ... والسباع ... واحدها السبع ... هي الحيوانات الوحشية التي لها أنياب تعدو وتفترس بها ، سواء أكانت قويّة كالنمر أم ضعيفة كالثعلب وابن آوي .
  (256) الِمخلب بكسر الميم وفتح اللام هو الظفر الذي يفترس به الطائر .
  (257) وقد ثبت التحريم بالأدلّة المستفيضة التي تلاحظها في الوسائل (1) ، منها الحديث الأوّل من الباب الذي رواه داود بن فرقد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال ، ( كلّ ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام ) .
  وقامت عليه السيرة المستمرّة والإجماع بقسميه (2) .
  (258) الَثمَر ـ بفتح الثاء والميم ـ ، هو الرطب ما دام في رأس النخل ، فإذا قطع فهو الرطب ...
  والكَثَر بفتحتين هو جُمّار النخل ، وهو شحمه الذي يكون في وسط رأس النخلة ...
  ومعنى الحديث أنّه لا يقطع يد السارق في سرقة الثمر والكثر ، وهو مفسّر بما إذا لم يكونا في حرز كبستان أو دار ... بقرينة حديث إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل سرق من بستان عِذقاً قيمته درهمان ؟ قال ، ( يقطع به ) ... بناءً على أنّ الدرهمين ربع دينار ...

-------------------------------
(1) وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 387 ، باب 3 ، الأحاديث .
(2) جواهر الكلام ، ج 36 ، ص 294 .