نهج البلاغة (1) ، وقام إليه رجل وقال ، أخبرنا عن الفتنة وهل سألت عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
في كلام لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) خاطب به أهل البصرة على جهة بيان الملاحم يستفاد منه وصيّة من رسول الله له صلوات الله عليهما وآلهما .
(2) هذا كلام السيّد الرضي أعلى الله مقامه في بيان وجه إيراد الخطاب بعد سؤال السائل ، والظاهر أنّ اللام في ( الفتنة ) للعهد وتكون إشارة إلى فتنة سبق ذكرها في كلامه وفي كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
والفتنة وردت لمعان عديدة إلاّ أنّ المستفاد منها هنا بقرينة الآية الشريفة هي فتنة الإختبار والإمتحان .
قال الشيخ الطريحي ، ( والفتنة في كلام العرب ، الإبتلاء والإمتحان والإختبار ، وأصله من فتنتُ الفضّة إذا أدخلتها النار لتتميّز ) (2) .
وقال الشيخ الطبرسي ، ( معنى يفتنون ، يبتلون في أنفسهم وأموالهم ... وهو
فقال ( عليه السلام ) ، لمّا أنزَلَ اللّهُ سبحانَه قوله ، ( الم * أَحَسِبَ الناسُ أن يُتركُوا أن يَقولُوا آمنّا وهُم لا يُفتَنُون )(3) علمتُ أنّ الفتنَةَ لا تَنزل بنا ورسولُ اللّهِ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بينَ أظهرِنا (4) .
فقلت ، يا رسولَ اللّه ، ما هذه الفتنةُ التي أَخبَرَك اللّهُ بها ؟
فقال ، يا علي ، إنّ اُمّتي سيُفتنون من (5) بَعدي .
المروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) )
(1) .
(3) سورة العنكبوت ، الآية 1 / 2 .
(4) وذلك باعلام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّ الفتنة تكون بعده فحصل بذلك العلم له ( عليه السلام ) كما أفاده في المنهاج
(2) إستناداً إلى حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لابدّ من فتنة تبتلى بها الاُمّة بعد نبيّها ليتعيّن الصادق من الكاذب ، لأنّ الوحي قد إنقطع وبقي السيف وإفتراق الكلمة إلى يوم القيامة
(3) .
(5) في طبعة صبحي الصالح ، ( بعدي ) بدون كلمة من .
وقوله ، سيفتنون بمعنى تصيبهم الفتنة ـ والفتنة المستظهرة هنا هي الفتنة والإختبار بولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للأحاديث الواردة في ذلك نظير ما روى عن علقمة وأبي أيّوب الوارد في غاية المرام
(4) ، ( أنّه لمّا نزلت ( الم أحَسِب الناسُ ) الآيات ، قال النبي لعمّار ، إنّه سيكون من بعدي هناة حتّى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتّى يقتل بعضهم بعضاً ، وحتّى يتبرّء بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك
-------------------------------
(1) مجمع البيان ، ج 8 ، ص 272 .
(2) منهاج البراعة ، ج 9 ، ص 293 .
(3) تفسير الصافي ، ج 4 ، ص 110 .
(4) غاية المرام ، ص 403 ، ب 25 ، ح 3 .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 269 _
فقلتُ ، يا رسولَ اللّه أَوَلَيس [ قد ] قلتَ لي يوم أُحُد حيث استُشهِدَ مَن استُشهِدَ من المسلمين وحِيزَتْ (6) عنّي الشهادةُ فشقَّ ذلكَ عَليَّ فقلتَ لي ، ( أبْشِرْ فإنّ الشهادةَ من ورائِك ) ؟ فقال لي ، ( إنّ ذلكَ لكذلك (7) فكيف صبرُك إذاً ؟ ) (8) .
فقلت ، يا رسولَ اللّه ليس هذا من مواطن الصبر ، ولكن من مواطِن البُشرى والشُكر (9) .
بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب ، فإنْ سلك الناس كلّهم وادياً فاسلك وادي علي وحُل عن الناس .
يا عمّار ، إنّ عليّاً لا يرُدّك عن هُدى ، ولا يردك إلى ردى .
يا عمّار ، طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله ) .
(6) حيزت ، أي مُنعت .
(7) أي أنّ الشهادة واقعة لا محالة وستكون شهيداً .
(8) أي كيف يكون صبرك إذا هُيّئت لك الشهادة ، وهذا السؤال من الرسول (ص) لأجل الإبانة عن علوّ همّته ( عليه السلام ) والإفصاح عن ثبات قدمه في جنب الله تعالى ، وإلاّ فهو صلوات الله عليه وآله عارف بصبره ( عليه السلام ) في مقابل الأسنّة والرماح ، وإلقاء نفسه في لهوات الموت عند الكفاح .
(9) وهذا شأن أهل الحقّ واليقين وأولياء الله المقرّبين ، يستبشرون بالموت في سبيل الله ، والنيل إلى رضوان الله ، وهو القائل ، ( والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه )
(1) لذلك تراه ( عليه السلام ) هنا يجعل الشهادة من مواطن
-------------------------------
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 5 ، ص 52 ، من طبعة صبحي الصالح .
وصايا الرسول (ص) لزوج البتول
_ 270 _
وقال ، يا علي (10) إنّ القومَ سيُفتنون بَعدي بأموالهم (11) ، ويَمُنُّون بدينِهِم على ربّهم (12) ، ويَتمنَّون رحمتَه ، ويأمنُون سطوتَه (13) ، ويستحلّونَ حرَامه بالشبهاتِ ...
البشرى لا من مواقع الصبر .
قال ابن أبي الحديد في الشرح بالنسبة إلى جوابه ( عليه السلام ) أنّه ، ( كلامٌ عال جدّاً يدلّ على يقين عظيم وعرفان تامّ ، ونحوه قوله ـ وقد ضربه ابن ملجم ـ ، فزتُ وربّ الكعبة )
(1) .
(10) بيَّن صلوات الله عليه وآله لأمير المؤمنين بعد الإشارة إجمالا إلى الفتنة تفصيل بيان الفتنة وشرح حال المفتونين وكيفيّة افتتانهم بما يلي بيانه :
(11) كما قال عزّ إسمه ، ( أنّما أموالُكُم وأولادُكم فِتْنَة )
(2) .
(12) كما قال عزّ شأنه ، ( يَمُنُّونَ عليكَ أنْ أسلَمُوا قُلْ لا تَمُنّوا عَلَيّ إسلامَكُم بل اللّهُ يَمُنُّ عليكُم أنْ هداكُم للإيمان )
(3) .
(13) كما قال عزّ وجهه ، ( أفأَمِنُوا مكَر اللّهِ فلا يأمَنُ مكَر اللّهِ إلاّ القومُ الخاسرُون )
(4) .
والسطوة هي العقوبة التي تأخذهم بغتةً ... فإنّ الأمن من سخط الله كاليأس من رحمته هما من الكبائر الموبقة ، وتمنّي الرحمة مع عدم المبالاة في الدين والأمن من سطوة ربّ العالمين من صفات الجاهلين والمفتونين .
-------------------------------
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 9 ، ص 207 .
(2) سورة الأنفال ، الآية 28 .
(3) سورة الحجرات ، الآية 17 .
(4) سورة الأعراف ، الآية 99 .