بسم الله الرحمن الرحيم
منهجيتنا في التحقيق
كان عملي في هذا الكتاب الشريف متضمنا لعدة مراحل ، أوردها كالتالي :
1 ـ مقابلة النسخة المطبوعة مع ست نسخ خطية أخرى ـ سيأتي ذكرها قريبا ـ بشكل دقيق ، وتثبيت الاختلافات الواردة فيها .
2 ـ تخريج الآيات القرآنية الشريفة والأحاديث والروايات ، من كتب الشيخ الصدوق ـ رحمه الله ـ أو الإشارة إلى مكانها في بحار الأنوار للعلامة المجلسي ـ رحمه الله .
3 ـ تقويم متن الكتاب وضبط نصه ، مع ملاحظة جميع الاختلافات الواردة بين النسخ الخطية ، والإشارة إلى ما كان صالحا منها في الهامش .
وقد اعتمدت في هذه المرحلة : طريقة التلفيق بين النسخ الخطية المعتمدة وبين المطبوعة ، من أجل إثبات نص صحيح يكون ـ إن شاء الله تعالى ـ أقرب شئ لما تركه المصنف ـ قدس الله نفسه الزكية ـ قدر الامكان ، وذلك لعدم وجود نسخة ذات ميزة خاصة لدينا كي نعتمدها أصلا من بين هذه النسخ ، يمكن التعويل عليها بشكل
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 4 _
كامل ، بل كان جميعها مليئا بالأسقام والإسقاط والتصحيف .
4 ـ تنزيل هوامش الكتاب ، مستفيدا من كل ما أنجز في المراحل التحقيقية المتقدمة ، وصياغة الكتاب بهذا الشكل الجميل .
5 ـ تصحيح عبارات الكتاب وفق أحدث القواعد الاملائية ، مع ضبط تقطيع نصه وتقسيم جمله .
النسخ الخطية المعتمدة : لقد اعتمدت في تحقيقي لهذا الكتاب النفيس على ست نسخ خطية ، هي كالتالي :
1 ـ النسخة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي في طهران ، ضمن مجموعة برقم 2833 ( الرسالة الرابعة ) ، جاء في آخرها : فرغ من تحرير هذه الرسالة ... في اليوم التاسع من شهر محرم الحرام من شهور سنة ثمانين بعد الألف من الهجرة ... وكتبها ... أحمد بن عبد العالي الميسي العاملي ...
[ ثم قال الناسخ عن هذه النسخة ] : وأنا قد فرغت ... من تحريره في اليوم السادس من شهر محرم الحرام سنة أربع وخمسين وثلاثمائة بعد الألف ... وأنا العبد الأحقر الجاني الحسن بن محمد الخياباني التبريزي ، مكتوبة بخط النسخ ، تقع في 45 صفحة ، كل صفحة منها تحتوي على 19 سطرا ، بحجم 19 * 13 سم ، وقد رمزنا لها في الهامش بالحرف (أ) .
2 ـ النسخة الموقوفة في مكتبة الاستانة الرضوية المقدسة في مشهد ، برقم
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 5 _
12841 مع ضمائم أخرى فيها ، ناسخها مصطفى قلي الحسيني القزويني ، بتاريخ 1079 ه ، مكتوبة بخط النسخ ، تقع في 100 ورقة ، تحتوي كل صفحة منها على 15 سطرا ، بحجم 5 و 23 * 13 سم ، وقد رمزنا لها في الهامش بالحرف (ح) .
3 ـ النسخة الموقوفة في مكتبة الاستانة الرضوية المقدسة أيضا ، برقم 7721 ، ناسخها : ابن زين العابدين محمد حسين الأرموي النجفي ، بتاريخ 1352 ه ، بخط النسخ ، تقع في 24 ورقة ، تحتوي كل صفحة منها على 19 سطرا ، بحجم 21 * 16 سم .
وقد رمزنا لها في الهامش بالحرف ( ز ) .
4 ـ النسخة الموقوفة في مكتبة الاستانة الرضوية المقدسة أيضا ، برقم 6747 ، ناسخها : شاه محمد بن زين العابدين ، بتاريخ 1042 ه .
مكتوبة بخط فارسي ، تقع في 52 ورقة ، تحتوي كل صفحة منها على 20 سطرا ، بحجم 25 * 14 سم ، وقد رمزنا لها في الهامش بالحرف ( ش ) .
5 ـ النسخة الموقوفة في مكتبة الاستانة الرضوية المقدسة أيضا ، برقم 6816 ، مجهولة الناسخ والتاريخ ، مكتوبة بخط النسخ تقع في 35 ورقة ، تحتوي كل صفحة منها على 14 سطرا ، بحجم 17 * 11 سم ، وقد رمزنا لها في الهامش بالحرف ( ق ) .
6 ـ النسخة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الاسلام في طهران ، برقم 2904 ، مكتوبة بالخط الفارسي ( شكسته ) بتاريخ 1335 ه مجهولة الناسخ ، وهي كثيرة الأخطاء والاسقاط ، جاء في آخرها : لا يخفى أن النسخة التي كتبنا منها كانت مغلوطة في الغاية بالتأمل والحدس ، أصلحت منها ما تيسر لي ، وقد بقي منها مواضع تحتاج إلى التأمل والتصحيح والمراجعة ، والله الموفق للصواب ، تقع
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 6 _
في 23 ورقة ، تحتوي كل صفحة منها على 18 سطرا ، بحجم 20 ب 5 ، 14 سم ، وقد رمزنا لها في الهامش بالحرف ( م ) .
هذا ولم تفدنا كثيرا في التصحيح ، لذلك أهملنا ذكرها في كثير من مواضع الكتاب .
أخيرا ، نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا وجميع الإخوة العاملين لإحياء تراث الأئمة الأطهار ـ عليهم صلوات الله الملك الجبار ـ وأن يتقبل منا هذا المجهود العلمي الضئيل وينفع به ، ويجعله ذخرا لآخرتنا ، إنه سميع مجيب ، والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
تذكار : تعليقات هذه الرسالة بعضها بقلم العالم الفاضل المرحوم الحاج الشيخ عباس قلي الواعظ الچرندابي ورمزه ( چ ) .
وبعضها بقلم العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني رحمه الله ورمزه ( ش ) ، وبعضها بقلم العلامة الشيخ فضل الله الزنجاني رحمه الله ورمزه ( ز ) .
وباقي التذييلات من مصحح الرسالة ومحققها .
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 7 _
صفحة 7 / صورة الصفحة الأولى من النسخة " أ "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 8 _
صفحة 8 / صورة الصفحة الأخيرة من النسخة " أ "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 9 _
صفحة 9 / صورة أول ما في النسخة " ح "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 10 _
صفحة 10 / صورة الصفحة الأخيرة من النسخة " ح "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 11 _
صفحة 11 / صورة أول ما في النسخة " ز "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 12 _
صفحة 12 / صورة الصفحة الأخيرة من النسخة " ز "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 13 _
صفحة 13 / صورة الصفحة الأولى من النسخة " ش "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 14 _
صفحة 14 / صورة الصفحة الأخيرة من النسخة " ش "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 15 _
صفحة 15 / صورة الصفحة الأولى من النسخة " ق "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 16 _
صفحة 16 / صورة الصفحة الأخيرة من النسخة " ق "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 17 _
صفحة 17 / صورة الصفحة الأولى من النسخة " م "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 18 _
صفحة 18 / صورة الصفحة الأخيرة من النسخة " م "
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 19 _
الشيخ المفيد و ( تصحيح الاعتقاد ) بقلم : العلامة الشهرستاني
(1) ( قدس سره بسم الله الرحمن الرحيم أيها القارئ الكريم : قرأت بادئ بدء على الغلاف اسم الشيخ أبي عبد الله المفيد : محمد بن محمد بن النعمان ـ أنعمه الله بالرحمة والرضوان ـ كما قرأت اسم تأليفه القيم ( تصحيح الاعتقاد ) ، ولكن هل عرفت يا صاح ما هذا المؤلف ومن ذاك المؤلف ؟
أما التأليف فجملة جمل قيمة ، علقها كفرائد من نتاج يراعه ذلك الكاتب العبقري ، الشيخ المفيد العكبري ، حول عقائد شيخه الصدوق أبي جعفر ـ رضي
---------------------------
(1) اقرأ ترجمته الشريفة الضافية في كتاب ( نابغة العراق ـ أو ـ هبة الدين الشهرستاني ط بغداد 1348 ه ) لفقيد العلم والأدب السيد محمد مهدي العلوي السبزواري من أشهر كتاب العربية في إيران ( المتوفى سنة 1350 ه بسبزوار ) رحمه الله رحمة واسعة ، چ ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 20 _
الله عنه
(1) تلك العقائد التي دونها هذا الشيخ باسم الإمامية ، وأوهم الناس بأنها كذلك ، وجملة منها ليست بذلك
(2) .
ولقد نوهت قبل عشرين عاما في بغداد بذكر ( تصحيح الاعتقاد ) ولزوم نشره بين أبناء الضاد ، فاستحسن ذلك أكثر من بلغهم التنويه ، لكنما الحوادث الكوارث حالت بيننا وبين ما نروم ، وحتى أن المرشد الشهري البغدادي قام بنشر
---------------------------
(1) قال شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460 ه في تأليفه القيم ( الفهرست ـ مر 156 ـ 157 ط النجف ) : محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، جليل القدر يكنى أبا جعفر ، كان جليلا حافظا
للأحاديث بصيرا بالرجال ناقدا للأخبار لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه ، له نحو من ثلاثمائة مصنف ، وفهرست كتبه معروف ، وقال العلامة السيد محمد صادق ( آل بحر العلوم ) في تعليقه عليه : نزيل الري ، شيخنا
وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد سنة 355 وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن ... مات ( رض ) بالري سنة 381 ه ، وقبره بالري قريب من قبر الشاه عبد العظيم الحسني ، ويلقب بالصدوق ، چ .
(2) قال العلامة الكبير الشيخ آغا بزرك الطهراني نزيل النجف الأشرف في تأليفه النفيس ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ـ ص 226 ج 2 ط النجف ) : الاعتقادات للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، المتوفى بالري سنة 381 طبع مرارا أوله : ( الحمد لله رب العالمين ، وحده لا شريك له ) أملاه في نيسابور في مجلس يوم الجمعة ثاني عشر شعبان سنة 368 لما سأله المشايخ الحاضرون أن يملي عليهم وصف دين الإمامة على وجه الايجاز ، ولذا سماه الشيخ في الفهرس بدين الإمامية * ، ذكر فيه جميع اعتقادات الفرقة الناجية ، الضرورية منها وغير الضرورية ، الوفاقية منها وغير الوفاقية .
وقال في آخره : ( وسأملي شرح ذلك وتفسيره إذا سهل الله عز اسمه علي العود من مقصدي إلى نيسابور ) ولم يذكر شرح له في فهرس تصانيفه الكثيرة ، ولعله لم يتيسر له ، ولذا عمد الشيخ المفيد إلى شرح الكتاب ، وله شروح وترجمة نذكرها في محالها ، چ .
* انظر ( الفهرست ـ ص 157 ط نجف ) فإنه ـ قدس سره ـ سماه فيه : ( كتاب دين الإمامية ) ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 21 _
الشطر الأوفر من ذلك ثم احتجب ، إلى أن قيض الرحمن لهذه المهمة رجل الهمة ، ومثال صدق العزيمة ، ترجمان حديث الأئمة ـ عليهم السلام ـ أعني به فضيلة الواعظ الچرندابي ، الحاج ميرزا عباس قلي التبريزي ، فشمر عن ساعد الجد والاجتهاد لنشر المكمل المشروح من تصحيح الاعتقاد ، وهو هذا المنشور بين يديك .
أما مؤلف هذا السفر القيم أعني أبا عبد الله المفيد ، فهو نابغة العراق ، ورئيس شيعته على الإطلاق ، ولد في الحادي عشر من ذي القعدة سنة ست وثلاثين أو ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وتوفي ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان سنة 413 ه ، وقد كان في الشيعة عرقها النابض ، وبطلها الناهض ، ودماغها المفكر ورئيسها المدبر ، معروفا بالصلاح ، بل غرة رجال الاصلاح ، والخطيب المصقع ، والمتكلم المفوه ، والمنافح اللسن ، والفصل المشترك بين الإمام والرعية ، ليس في ختام المائة الرابعة فحسب ، بل حتى اليوم
(1) .
كانت داره بالكرخ من بغداد دائرة للمعارف العالية ، ومدرسة للفنون العربية الراقية ، وحسبك أن قد تخرج منها أمثال الشريفين الرضي والمرتضى ، وأبي جعفر الطوسي والنجاشي وخلق لا يحصون ، ولذلك لقب بمعلم الأعاظم وابن المعلم ، لقيامه كأبيه بتربية الأعلام ، ولقبه بالمفيد علي بن عيسى الرماني النحوي عند تبرزه في الحجاج على خصومه أمثال أبي بكر الباقلاني ، قاضي قضاة بغداد ، وسائر أقطاب الهيئة العلمية
(2) .
لقد كان المفيد مفيدا حقا ، مفيدا في القول والعمل ، مفيدا في الافتكار والابتكار ، آية في الذكاء وسرعة الخاطر وبداهة الجواب ، حتى قال فيه أمثال الخطيب البغدادي : إنه لو أراد أن يبرهن للخصم أن الاسطوانة من الذهب وهي من الخشب لاستطاع .
---------------------------
(1) انظر كلمة الإمام آل كاشف الغطاء في صدر كتاب ( أوائل المقالات ـ ص يا ، طبع 1371 ق ) ، چ .
(2) انظر مقدمة كتاب ( أوائل المقالات ـ ص لط ـ م ) ، چ (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 22 _
اتصل الشيخ المفيد بالدولة البويهية في عاصمتها بغداد في مبدأ أمرها اتصالا وثيق العرى ، فقدروا مكانته حق قدرها ، وأجروا الرواتب له ولتلاميذه ، وخصصوا له جامع ( براثا ) في منطقة الكرخ لوعظه وإقامة الصلاة جمعة وجماعة ، وله معهم نوادر وقضايا منشورة ومشهورة .
توجهت إليه جماعة الإمامية ، وانقادوا لرئاسته الدينية يوم كانت بغداد تموج بالفتن ، وقد أكلت قواهم الإحن ، والشيعة يومئذ شيع وأحزاب تمزقت شر ممزق ، وتفرقت إلى ميمية وعينية وغلاة ومخمسة وزيدية وإسماعلية و و ، فجمع المفيد بحسن سياسته آراءهم إلى الوسط الذي يرجع إليه الغالي ، ويلحق به التالي ، فاستعمل الرأي السديد ، وقبض على أمر الجماعة بيد من حديد ، فلم شملهم بعد البداد ، وقرب قوما من قوم بعد طول ابتعاد ، وألغى الفوارق التافهة توطيدا للألفة ، كما أخمد نوائر الفتن ، ومحى مآثر المبدعين ، وقضى على أقطاب الضلالة ، وأخرس شقاشقهم ، فاتخذ لتخفيف وطأة انتشار الضلال طريقة اختصار بعض الكتب ، وتلخيص بعضها ، ورد جملة منها بالحجج الدامغة ، و اختصار بعض المسانيد المؤثرة ، وتقرأ في ترجمته المفصلة في كتب التراجم ككتاب ( الرجال ص 283 ـ 287 ط بمبئي ) لتلميذه أبي العباس النجاشي ، المتوفى سنة 451 ه ، و ( خاتمة مستدركات الوسائل ص 517 ـ 521 ) للشيخ النوري ، المتوفى سنة 1320 ه أعماله الغر وأسماء مؤلفاته البالغة فوق المائتين كتابا .
أجل ، وضع المفيد للمجموعة الشيعية مجموعة كتب نافعة مقنعة لو اقتصروا على دراستها لأغنتهم ، كالإرشاد إلى فضائل الأئمة الأمجاد
(1) ، والمسار
---------------------------
(1) قال العلامة السيد إعجاز حسين في تأليفه القيم ( كشف الحجب والأستار ص 38 ط الهند ) : الارشاد للشيخ المفيد ... في حال الأئمة ـ عليهم السلام ـ من مواليدهم ووفياتهم ومحاسن =>
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 23 _
لمواسم الأعياد
(1) ، والنكت الاعتقادية لدراسة أصول الدين
(2) ، والمقنعة لدراسة فروع الدين
(3) ، وأهمهن كتابه الموسوم ب ( تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد ) الذي انتقد فيه عقائد شيخه الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي ، المتوفى سنة 371 ه .
نعم ، بلغ شيخنا المفيد من الجهاد في الحق مبلغ من لا تأخذه في الله لومة لائم ، فأزاح عن الكتاب ما علقت عليه من ستائر الشبه ، وما علقت به من
---------------------------
=> ( آثارهم وما ورد من القرآن في حقهم وطرفا من كلامهم و قضاياهم ، وهو مرتب على جزئين :
الأول : في ذكر مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ .
والثاني في ذكر باقي الأئمة ـ عليهم السلام ـ وقد طبع بايران كرارا وأحسن طبعاته صحة وإتقانا طبعة تبريز سنة 1308 ه ق .
ونقله إلى الفارسية المولى محمد مسيح الكاشاني الشهير ب ( مولا مسيحا ) الذي توفي قبل وفاة العلامة آقا جمال الخونساري ـ الذي توفي سنة 1125 أو سنة 1121 ه ـ وسماه ب ( التحفة السليمانية ) باسم الشاه سليمان الصفوي . وطبع بايران سنة 1303 ق ، چ .
(1) طبع سنة 1313 ه بمصر تلو ( شرح القصيدة الذهبية ) للسيد المرتضى ـ رحمه الله ، چ .
(2) طبع للمرة الثانية ببغداد سنة 1343 ه مع تعاليق رشيقة لسماحة العلامة الأكبر السيد هبة الدين الشهرستاني مد ظله ، ونقله للفارسية العلامة الشهير الحاج الشيخ غلام حسين التبريزي ـ نزيل المشهد الرضوي ـ مد ظله ، وعلق عليه بعض التعاليق المفيدة وطبع بالمشهد المقدس الرضوي ، كما أنه ترجمه إلى اللغة الفارسية العذبة العلامة الشيخ محمد مهدي ( شرف الدين ) التستري ، وطبع بطهران سنة 1329 ش ه مع بعض حواش وتعاليق له ، چ .
(3) طبع سنة 1274 ه على الحجر بايران تلو كتاب فقه الرضا ـ عليه السلام ـ ، ولا يخفى أن تلميذه الطوسي قد شرحه في تأليفه الموسوم ب ( تهذيب الأحكام ) الذي هو أحد الكتب الأربعة المعول عليها عند الأصحاب من لدن تأليفها حتى اليوم ، وطبع سنة 1318 ه بايران في مجلدين كبيرين .
وقال في ( كشف الحجب ص 548 ) المقنعة في الفقه للشيخ المفيد ... ذكر فيه الأصول الخمسة والعبادات والمعاملات ، وقد ترك شيخ الطائفة قدس سره شرح الأصول الخمسة في التهذيب ، أوله : الحمد لله الذي نهج السبيل إلى معرفته ، ويسر ما دعا إليه من طاعته ، چ ، ( * )
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 24 _
جراثيم الشكوك ، وذلك بأجوبته السديدة التي لا أخت لها في نتائج أقلام الأعلام من الحقائق المعقولة ، والدقائق ا لمقبولة ، التي استخلصها هذا المصلح العظيم من صريح العقل ، وصحيح النقل ، فلولاه ولولاها لبقي أكثر الناس حيارى بلا هدى ولا كتاب منير .
طهران ـ إيران 1363 ق هبة الدين الحسيني الشهير بالشهرستاني
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 25 _
تصحيح الاعتقاد (*)
---------------------------
(*) قال صاحب مجلة ( المرشد ) المفضال في ضمن مقدمته لهذا الكتاب في مجلته الغراء ص 78 ج 1 ط بغداد ، ما لفظه : وكان سماحته ( يعني العلامة الشهرستاني ) قد أشار في هامش هذه النسخة النادرة إلى ما قاساه في سبيل
تحصيلها وتصحيحها في رحلته الهندية سنة 1331 ه علاوة على ما علق على متنها من ملاحظاته المهمة التي عز الوصول إلى أمثالها وندر .
وقال العلامة الهندي السيد إعجاز حسين في كتابه النفيس ( كشف الحجب والأستار ص 124 ط الهند ) : تصحيح اعتقاد الإمامية ـ شرح اعتقادات الشيخ أبي جعفر بن بابويه القمي للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان الحارثي ... أوله : الحمد لله على نواله ، والصلاة على محمد وآله ، هذا تصحيح اعتقاد الإمامية ... إلخ ، چ ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 10 _
ص 27
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نواله ، والصلاة على محمد وآله ، هذا تصحيح اعتقاد الإمامية
(1) للشيخ أبي جعفر بن بابويه ـ رضي الله عنه ـ تأليف الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ـ رحمه الله ـ
(2) .
---------------------------
(1) الاعتقاد هو المحرك الأول نحو الفعل ، والمهيئ الأول لقبول الأثر وللأخلاق والعواطف المنزلة الثانية من التأثير والاعداد مهما كانت قوية التأثير ، فالاعتقاد هو العامل الاول بكل معنى الكلمة ، وله أثر عظيم في تقدم الافراد والامم ،
والمدخلية العظمى في تسافل الانسان وفشل أعماله ، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بحسن العقائد ، وكم تدهورت امم عظمي في هوة الانقراض من سوء الاعتقاد .
فإذا كان الاعتقاد بهذا الشأن فالاهتمام بتصحيح الاعتقاد فريضة فوق الكل ، ولما كانت مقالات الصدوق أبي جعفر في عقائده مشوبة بآرائه الشخصية ـ كما سيأتي ـ وبصورة موهمة الحكاية عن كافة الشيعة ، نهض لنقدها شيخ الإمامية ،
وغرة رجال الاصلاح ، المفيد محمد بن محمد بن النعمان ـ قدس سره ـ لتنزيه المذهب عن الشانئات والشائبات ، ولتصحيح عقائد المسلمين من غرائب الآراء والأهواء ، إذ الاعتقاد ـ كما سلف ـ هو المحرك الأول ( أيما إلى جنة أيما إلى نار ) ، ش .
(2) ومفتتح النسخة التي هي بخط أحمد بن عبد العالي الميسي العاملي هكذا : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين .
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه في قوله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) والساق وجه الأمر وشدته ، قال الشيخ المفيد : ومعنى قوله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ) يريد به يوم القيامة ... الخ ، چ ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 28 _
معنى كشف الساق
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى سنة 381 ه في رسالة اعتقاداته
(1) في معنى قوله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ )
(2) الساق : وجه الأمر وشدته
(3) (4) .
قال الشيخ المفيد : معنى قوله تعالى : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ )
(5) يريد به
---------------------------
(1) الاعتقادات للشيخ الصدوق ص 23 .
(2) القلم : 42 .
(3) فالآية المذكورة تهدد المشركين الذين أنفوا من السجود لرب العالمين فتوعدهم بمجئ يوم عصيب ( ولو في هذه الدنيا ومن بعد فتح مكة ) تتجلى فيه عظمة دين التوحيد ، وقوة تعاليم القرآن ، فيرغمون فيه على عبادة الله ويدعون إلى السجود .
ولفظة ( كشف الساق ) على وجازتها تشير إلى لطيفتين ، إحداهما : شدة الحالة الداهية ، والثانية : تجليات الحقائق الاسلامية في المستقبل ، لان العرب تكني بكشف الساق عن هاتين الحالتين ، وقد جرت عاداتهم على كشف الساق عند استقبال أوحال الطريق والغمرات ، وعلى الكشف عن ساق الجارية قبل شرائها أو بعده لمعرفة عيوبها والمحاسن ، فأين الآية من الدلالة على ساق الرب تعالى عنه ، سيما مع تنكير الساق وعدم إضافته إلى أحد ؟ ! ش .
(4) راجع بحار الأنوار 3 : 309 ـ 339 و ج 4 : 1 ـ 25 .
(5) هذا ابتداء الرد على المجسمة ، وهي فرقة عرفت بعد القرن الأول الهجري ، وتفشت في المسلمين ، ودعواها جواز وصف الله تعالى أوصاف الإنسان الجسمانية والنفسانية ، وأن له =>
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 29 _
يوم القيامة [ يكشف فيه ]
(1) عن أمر شديد صعب عظيم ، وهو الحساب والمداقة
(2) على الأعمال ، والجزاء على الأفعال ، وظهور السرائر وانكشاف البواطن ، والمداقة
(3) على الحسنات والسيئات ، فعبر بالساق عن الشدة ، ولذلك قالت العرب فيما عبرت به عن شدة الحرب وصعوبتها : ( قامت الحرب على ساق ) و ( قامت الحرب بنا على ساق ) وقال شاعرهم أيضا وهو سعد بن خالد :
كـشفت لـهم عن iiساقها وبـدا من الشر iiالصراح وبـدت عـقاب iiالموت يخفق تحتها الأجل المتاح |
ومن ذلك قولهم : قد قامت السوق ، إذا ازدحم أهلها واشتد أمرها با لمبايعة والمشاراة ، ووقع الجد في ذلك والاجتهاد .
---------------------------
=> تعالى يدا وجنبا وعينا وأذنا وقدما وساقا ... إلخ ، حتى كشف زعيمهم عن ساقه وقال ( لله ساق كهذه ) ولهجت عامتها بخرافات يأنف اليراع من إيرادها .
وسبب انتشار دعواهم قصور كثير من الناس عن تفسير متشابهات القرآن وتمييز وجوه أمثالها و مجازاتها الرائعة عند العرب ، فصاروا يفسرون الظواهر من مثل ( قدم صدق ) ( يونس : 2 ) و ( يكشف عن ساق ) و ( مطويات بيمينه )
( الزمر : 67 ) ومئات آيات أخرى بنحو ما يفهم من الكلمة في أصل اللغة، وقد أوضحنا تفاسيرها جميعا في ( المحيط ) وفي ( الدلائل ) وغيرهما ، ش .
(1) ( ز ) ( ش ) : ينكشف به .
(2 و 3) ( ق ) ( ش ) : والموافقة ، ( ز ) ( م ) : والمدافعة ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 30 _
تأويل اليد
فصل : ومضى في كلام أبي جعفر ـ رحمه الله ـ شاهد اليد عن القدرة قوله تعالى : ( واذكر عبدنا داود ذا الأيد )
(1) فقال : ذو القوة
(2) .
قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ : وفيه وجه آخر وهو أن اليد عبارة عن النعمة ، قال الشاعر :
له علي أياد لست iiأكفرها وإنما الكفر ألا تشكر النعم |
فيحتمل أن قوله تعالى : ( دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ) يريد به ذا النعم ، ومنه قوله تعالى : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ )
(3) يعني نعمتيه العامتين في الدنيا والآخرة .
---------------------------
(1) ص : 17 .
(2) الاعتقادات ص 23 ، مجمع البيان 4 : 469 ، التوحيد : 153 / 1 .
(3) قوله تعالى : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) هي الآية الرابعة والستون في سورة المائدة ، وتمامها : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء ) ... إلخ ،
استعارة أسماء الجوارح للمعاني والمجردات سائغة وشائعة كقوله تعالى : ( أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) البقرة : 238 .
وليس للنكاح عقدة محسوسة ولا أنشوطتها في كف ولي الزوج الحسية ، فمن الجهل الفاضح توقف المجسم من تأويل اليد في الكتاب والسنة .
وفي الحديث النبوي : الحجر الأسود يمين الله في أرضه ، وقد حكي اتفاق الظاهرية ، حتى الإمام أحمد بن حنبل على وجوب تأويل هذا الحديث ، فليست الاستعارة عار الكلمة لو =>
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 31 _
نفخ الأرواح (1)
أبو جعفر ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي )
(2) فقال : هي روح مخلوقة أضافها إلى نفسه كما أضاف البيت إلى نفسه وإن كان خلقا له .
---------------------------
=> لم تكن زينتها ، ولا هي بدعا في العربية ، بل هي سنة البلغاء من كل الأمم ، فللجميع تعابير شكوى من يد الزمان حيث لا يد للزمان ولا جسد ، و لهم الشكوى من يد المنون وليس بذي يد .
وقال الشاعر الجاهلي : ( وإذا المنية أنشبت أظفارها ) ... إلخ ، وأنى للمنايا من أكف أو أظافير ، فهل يحمل المجسم كل هذه الكلم على حقائقها اللغوية المحسوسة ، أم يختار فيها وفي أمثالها ما نرجحه في آية : ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ( ص : 75 ) ؟ وإذا جاز المجاز في القرآن ولو مبدئيا فلنا على تأويل اليد في خصوص هذه الآية شاهدان منها عليها .
أحدهما : جملة ( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ) فإن أيدي اليهود المحسوسة لم تغل بأغلال محسوسة ، وإنما ذلك منه كناية عن خزي وعار لحقا بهم .
وثانيهما : جملة ( ينفق ( برحمته ) كيف يشاء ) فإنه دليل إرادة النعمة من كلمة اليد ـ كما اختاره الشيخ المفيد وغيره ، وفي القرآن شاهد ثالث في ( سورة الإسرى : 29 ) : ( وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) ... إلخ ، فإن مغلة اليد فيها كناية عن الشح والتقتير ، وبسطها كناية عن التبذير والسرف في الصرف أو العطاء ، والقرآن يفسر بعضه بعضا ، ش .
(1) الاعتقادات ص 23 .
(2) قوله تعالى : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) ( الحجر : 29 ) لا يسع الناس حتى المجسمة المشبهة والظاهرية أن يجمدوا على ألفاظ ( نفخت فيه من روحي ) دون أن يتأولوا المجاز فيها ، لأن النفخ الشائع بالهواء إن جوزوه على الآلات أو من الآلات فلن يجوزه على الروح أو من الروح أحد حتى الحشوي الجهول ، وإذا تعذرت الحقيقة فأنسب المجازات اتخاذ النفخ استعارة عن الحركة =>
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 32 _
قال الشيخ المفيد ـرحمه اللهـ: ليس وجه إضافة الروح [ والبيت ] إلى نفسه
(1) والنسبة إليه من حيث الخلق فحسب
(2) ، بل الوجه في ذلك التمييز لهما بالإعظام والاجلال والاختصاص بالإكرام والتبجيل من جهة التحقق بهما ، ودل بذلك على
أنهما يختصان منه بكرامة وإجلال لم يجعله لغيرهما من الأرواح و البيوت
(3) ، فكان الغرض من ذلك دعاء الخلق إلى اعتقاد ذلك فيهما والإعظام لهما به .
---------------------------
=> التدريجية المحسوسة في نمو الإنسان تشبيها لها بحركة الجراب المنفوخ أو نحوه فيه ، فالتشابه بين نمو الإنسان وبين الحركة التدريجية المحسوسة في الجراب المنفوخ يسوغ استعارة لفظ النفخ لمعنى نمو الجسد المحسوس من ولوج
الروح فيه ، فترى القرآن يصور نمو الإنسان من محرك خفي في داخله أعني الروح الشبيهة بحركة الجراب من محرك خفي في داخله أعني الريح ، ولكن بتصوير بليغ في لفظ وجيز .
أما الروح فهي بمعناها الشائع وغنية عن كل تأويل ، والغرض منها الإشارة إلى نمو الإنسان في بدء أمره بواسطة الروح غير أن المهم هو كشف السر عن سر إضافتها إلى الله تعالى ، فإن الاضافات تختلف وجوه الاعتبارات فيها حسب اختلاف المضافات ، فالخلق عبيد الله باعتبار رقيتهم له ، والرقية من أظهر صفات العبيد ، والأنبياء سفراء الله باعتبار إبلاغهم أحكام الخالق إلى الخلائق ، وهذا التبليغ من أظهر صفات السفراء ، والكعبة بيت الله باعتبار اجتماع المسلمين فيها كإخوة ، ومن أظهر مزايا البيت جمع شمل الإخوة والعائلة ، والمسيح روح الله باعتبار ظهور الكمالات الملكوتية فيه ، ومن أظهر صفات الروح أنها مرآة كمالات الملكوت .
إذن فالروح تستحق الاضافة إلى الله بهذا الاعتبار ، إذ هي مرآة كمالات الملكوت والمظهر الأتم لكمالات الرب وأسراره الغيبية ، وهذه الوجوه أرضى من أوجه الشيخين الجليلين ، ش .
(1) أي في الآيات الكريمة : ( مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ ) ( سورة البقرة : 126 ) ـ ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ) ( سورة الحج : 26 ) ، ج .
(2) ( أ ) ( ح ) ( ز ) ( ش ) ( ق ) ( م ) : حسب .
(3) ( ق ) : والبيوتات ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 33 _
حكمة الكناية والاستعارة
فصل : والذي قاله أبو جعفر ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله تعالى : ( مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )
(1) أن المراد : بقدرتي وقوتي
(2) .
قال أبو عبد الله : ليس هذا هو الوجه في التفسير ، لأنه يفيد تكرار المعنى ، فكأنه قال : بقدرتي وقدرتي أو بقوتي وقوتي ، إذ القدرة هي القوة والقوة هي القدرة
(3) ، وليس لذلك معنى في وجه الكلام ، والوجه ما قدمناه من ذكر النعمة ،
---------------------------
(1) قوله تعالى : ( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) ( سورة ص : 75 ) لا يفوتك أن القرآن ( حسبما أوضحناه ) يستعمل أفانين البلاغة كأبلغ خطيب ، وقد جرت سنة البلغاء في كافة الأمم على الاهتمام بصب الكلام مصبا محسوسا لتمثل عند المخاطب معانيهم كأنه يراها محسوسة لديه ومركوزة نصب عينيه ، ولأجل البلغة إلى هذا الغرض المهم سلكوا سبل الكناية والاستعارة ، إذ فيهما إقامة المحسوس مقام المعقول بعد ثبوت الملازمة أو المحاكاة بينهما نظير حكاية الأسد عن الشجاعة أو العقرب عن إيذاء الصديق ، فعند التعبير بهما عن هذين المعنيين يتمثل المعقول محسوسا ونافذا في الخواطر ، هذه حكمة الكنايات والاستعارات ومن ذلك استعارة اليد عن القوة والاحسان ، إذ ليس في أعضائك عضو يقوم بخدمتك أو يظهر عملك وقولك مثل يديك ، لذلك استحقت اليد أن يؤتى بها حاكية وممثلة عن القوة والبطش تارة ، وعن الإنعام والإحسان أخرى ، كما ذهب إليه الشيخان الجليلان ، وقد أوضحنا الأمر في تأويل آية : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) ، ش .
(2) الاعتقادات ص 23 ، مجمع البيان 4 : 485 ، التوحيد : 153 / 1 ، 2 .
(3) فيه نظر ، ش ظ .
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 34 _
وأن المراد بقوله : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) إنما أراد به نعمتي اللتين هما في الدنيا والآخرة ، والباء في قوله تعالى : ( بيدي ) تقوم مقام اللام ، فكأنه قال : خلقت ليدي ، يريد به لنعمتي ، كما قال
(1) : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )
(2) والعبادة من الله تعالى نعمته عليهم ، لأنها تعقبهم ثوابه تعالى في النعيم الذي لا يزول ، وفي تأويل الآية وجه آخر ، وهو : أن المراد باليدين فيها هما
(3) القوة والنعمة ، فكأنه قال خلقت بقوتي ونعمتي ، وفيه وجه آخر وهو ، أن
إضافة اليدين إليه إنما أريد به تحقق الفعل له وتأكيد إضافته إليه وتخصيصه به دون ما سوى ذلك من قدرة أو نعمة أو غيرهما ، وشاهد ذلك قوله تعالى : ( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاك )
(4) وإنما أراد : ذلك بما قدمت من فعلك ، وقوله تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ )
(5) والمراد به : فبما كسبتم ، والعرب تقول في أمثالها : ( يداك أوكتا وفوك نفخ )
(6) يريدون به أنك فعلت ذلك وتوليته وصنعته واخترعته وإن لم يكن الإنسان استعمل به جارحتيه اللتين هما يداه في ذلك الفعل .
---------------------------
(1) فيه نظر ش ظ .
(2) الذاريات : 56 .
(3) ( ش ) ( ح ) ( ق ) : هو .
(4) الحج : 10 .
(5) الشورى : 30 .
(6) قال العلامة أبو الفضل الشيخ أحمد الميداني المتوفى سنة 518 ه في تأليفه النفيس ( مجمع الأمثال ـ ص 335 ج 2 ط مصر 1342 ه
* : قال المفضل أصله أن رجلا كان في جزيرة من جزائر البحر فأراد أن يعبر على زق قد نفخ فيه فلم يحسن أحكامه حتى إذا توسط البحر خرجت منه الريح فغرق فلما غشيه الموت استغاث برجل فقال له : ( يداك أوكتا وفوك نفخ ، يضرب لمن يجني على نفسه الحين ) ) وكى القربة : سدها بالوكاء : رباط القربة .
انظر ( فرائد اللآل في مجمع الأمثال ـ ص 363 ج 2 ط بيروت 1312 ه ) لوحيد عصره العلامة الشيخ إبراهيم الأحدب ( المتوفى سنة 1308 ه ) ، چ .
* قال قاضي القضاة أحمد بن خلكان ( المتوفى بدمشق سنة 681 ه عن 73 سنة ) في كتابه النفيس ( وفيات الأعيان ـ ص 6 ج 2 ط مصر 1355 ه ) : وأتقن ( يعني الميداني ) فن العربية خصوصا اللغة وأمثال العرب ، وله فيها التصانيف المفيدة ، منها كتاب ( الأمثال ) المنسوب إليه ، ولم يعمل مثله في بابه ، چ ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 35 _
المكر والخدعة من الله ، معنى الله يستهزئ بهم
فصل : وذكر أبو جعفر ـ رحمه الله ـ
(1) في قوله تعالى : ( يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ )
(2)
---------------------------
(1) الاعتقادات ص 25 ، التوحيد : 163 / 1 و 159 ـ 160 / 1 .
(2) قوله تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) إلخ ( النساء : 142 ) سيأتي الأصل في آية : ( اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ) ونوضح أن العرف من عرب وغيرهم يتمثلون في أغلب محاوراتهم استعارة بالعمل عن أشباهه وما على شاكلته فيقولون ( نام فلان عن حقه وتحزم لحق غيره ) فلا يخطر ببالهم الحزم والمنام المحسوسان ، وإنما يريدون أنه يعمل عملا يشبه بالنائم عن حق نفسه أو المتحزم لخدمة غيره ، كما يقال لمن قعد عن طلب نصيبه أو ضيع فرصة متاحة : لقد كنت نائما أو غائبا ، وإن كان حاضرا واعيا ، لأن عمله يشبه عمل النائم والغائب دون عمل الواعي الحاضر ، كذلك الذين يثشبثون لأهوائهم وشهواتهم بدسائس التمويه والتطلية والحيل الشرعية والتزوير في التسمية كأنهم يمكرون ويخدعون الله ، ثم إن الله تعالى في إسقاطهم على غرة يشبه من يقابلهم بالمكر والخديعة في حين أنه ليس مكرا في الحقيقة ، وإنما هو تأديب بعد استدراج ، وبعد إنذار واحتجاج ، وبهذه المناسبة وصف الله بأنه خير الماكرين وخادع المنافقين .
إن الماكرين أو الخادعين لا يعملون لغاية مقدسة ولا يسبق منهم إنذار لمن في وجههم أو إعلامه لكنما الله سبحانه يعمل لغاية قدسية كالتأديب ، ويعمل بعد الانذار والمواعيد لعلهم يحذرون ويتقون ، فهي وأشباهها بحسب الاصطلاح استعارة ، لكن الشيخين الجليلين حسباها من المجاز المرسل ، ش ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 36 _
و : ( نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ )
(1)
و : ( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ
(2)
و : ( اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ )
(3) :
---------------------------
(1) التوبة : 67 .
(2) آل عمران : 55 .
(3) قوله تعالى : ( اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ( البقرة : 16 ) إن بلاء الظاهرية وأعني بهم الغلاة المتمسكين بالظواهر المأثورة ليس على الدين والمسلمين بأقل من بلاء الباطنية وأعني بهم الغلاة في التمسك ببواطن الآثار واعتبارهم ظواهر النقل العرفية قشورا ، وما هؤلاء وأولئك سوى طرفي إفراط وتفريط في الحقيقة ، وأحرى بهم أن يعدلوا عن تطرفهم ويسلكوا مذهب التوسط والاعتدال ، فإن للقرآن والحديث ظواهر مقصودة عند التخاطب مثل :
( وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ) ( البقرة : 44 ) و ( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) إلى آخره ( البقرة : 276 ) مجمعا عليها بالضرورة .
كما أن في القرآن والحديث ألفاظا لا يراد منها معانيها اللغوية الأصلية المبذولة ، وإنما قصد منها معان عرفية يتقبلها عرف التخاطب على سبيل التجوز والتشبيه كآية : ( يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم ) ( البقرة : 20 )
أو حديث : ( الحجر الأسود يمين الله في أرضه ) فلا ترى العقلاء إلا مجتمعين على صرف هذه الألفاظ عن مفاهيمها اللغوية الأصلية إلى معان ثمثيلية رائجة الاستعمال في محاورات العرف من كل أمة ، فتجد العرف يقولون ( فلان نام عن ميراث أبيه وتحزم لمنازعة السلطان ) أي عمل شبيه عمل النائم أو شبيه المتحزم دون أن يقصد النوم الأصلي أو الحزام الحقيقي ، قال الشاعر :
لا تعجبي يا سلم من iiرجل ضحك المشيب برأسه فبكى |
وليس المشيب في الحقيقة إنسانا يضحك ، لكنه يعمل بالرجل شبه عمل الضاحك المستهزئ ، وكذلك الله سبحانه يعمل بالظالمين عملا يخيل للناظر البسيط غير المتعمق أنه عمل المستهزئ بهم ، لأنه سبحانه يوسع عليهم ابتداء ويملي لهم ويمدهم في طغيانهم حتى إذا استمر طغيانهم وضاق الذرع بهم وبظلمهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر على حين غفلة وبدون مهلة ، فيخال البسطاء أنه سبحانه يستهزئ بهم أو يمكر في إذلالهم بعد الإعزاز وإسقاطهم بعد الإسعاد والإمداد ، لكن الخواص من ذوي الألباب يعلمون أن إمهالهم بادئ بدء استدراج وإتمام حجة ، ثم التنكيل بهم تأديب لهم وللبقية ، ويشهد على هذا قوله بعدئذ : ( ويمدهم في طغيانهم ... إلخ ، ش ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 37 _
أن العبارة بذلك كله [ عن جزاء الأفعال ]
(1) .
[ قال أبو عبد الله ]
(2) : وهو كما قال إلا أنه لم يذكر الوجه في ذلك ، والوجه : أن العرب تسمي الشئ باسم المجازى عليه للتعلق فيما بينهما والمقارنة ، فلما كانت الأفعال المجازى عليها مستحقة لهذه الأسماء كان الجزاء ، مسمى بأسمائها ،
قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا )
(3) فسمى ما يأكلونه
(4) من الطيبات تسمية النار وجعله نارا ، لأن الجزاء عليه النار .
---------------------------
(1) في بقية النسخ : الجزاء على الأفعال .
(2) ليست في بقية النسخ .
(3) النساء : 10 .
(4) في المطبوعة : يأكلون ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 38 _
نسبة النسيان إلى الله
فصل : ذكر أبو جعفر ـ رحمه الله ـ
(1) : أن النسيان
(2) من الله تعالى يجري مجرى المخادعة منه للعصاة
(3) ، وأنه سمي بذلك باسم المجازى عليه .
[ قال أبو عبد الله ]
(4) : والوجه فيه غير ذلك : وهو أن النسيان في اللغة هو الترك والتأخير ، قال الله تعالى : [ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ
---------------------------
(1) الاعتقادات ص 2 6 ، التوحيد : 163 / 1 و 159 ـ 160 / 1 .
(2) قوله تعالى : ( نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ( التوبة : 67 ) قد سبق الأصل في تفسير أمثال هذه في آية : ( اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ ... ) إلخ ، وآيات أخرى أن ذلك وارد مورد تمثيل العمل وتشبيه الفاعل في ظاهر فعله كقولهم ( فلان نام عن حقه وتحزم لحق غيره ) وقولهم لمن أساء على من أحسنوا إليه ( نسيت الجميل ) في حين أنه غير ناس ، لكنه يعمل عمل الناسي أي الاساءة على المحسن نظير اتخاذ البلغاء غير الجاحد جاحدا إذا وجدوه عاملا عمل المنكرين ، كقول الشاعر :
جاء شقيق عارضا رمحه إن بني عمك فيهم رماح |
وبالجملة : فالوجه الذي استقبلناه في تأويل الآيات هو الاستعارة ، والوجه الذي استقبله الصدوق أبو جعفر ( رض ) أشبه بالمجاز المرسل ، وأما تأويل النسيان إلى معنى الترك كما أفاده الشيخ المفيد ( رض ) فماله إلى الاشتراك اللفظي ، ش.
(3) في بقية النسخ : العصاة .
(4) ليست في بقية النسخ ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 39 _
مِثْلِهَا )
(1) يريد ما ننسخ من آية نتركها على حالها أو نؤخرها
(2) ، فالمراد بقوله تعالى : ( نَسُواْ اللّهَ ) تركوا [ إطاعة الله تعالى ]
(3) ، وقوله : ( فنسيهم ) يريد به تركهم من ثوابه ، وقوله تعالى : ( فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ )
(4) أي : ألجأهم إلى ترك تعاهدها ومراعاتها بالمصالح بما شغلهم به من العقاب .
فهذا وجهه وإن كان ذلك أيضا وجها غير منكر ، والله ولي التوفيق .
---------------------------
(1) البقرة : 107 .
(2) انظر ( مجمع البيان * ـ ص 180 ـ 181 ج 1 ط صيدا ) لإمام المفسرين الشيخ أبي علي الطبرسي قدس ، چ .
(3) (أ) (ح) (ز) (ق) : طاعته .
(4) الحشر : 19 .
* انظر المقال القيم الذي دبجه يراع العلامة المحقق فضيلة الدكتور محمد يوسف موسى الأستاذ بكلية أصول الدين بمصر حول تفسير مجمع البيان لإمام المفسرين الشيخ الطبرسي ـ ره ـ ، في العدد الأول من مجلة ( رسالة الاسلام ـ ص 63 ـ 69 ط قاهرة ربيع الأول 1370 ه ) لسنتها الثالثة ، تلك المجلة الزاهرة الوحيدة التي تصدر عن ( دار التقريب بين المذاهب الإسلامية ) بمصر المحمية ، قال الأستاذ في ص 66 من العدد المذكور : ( هذا الكتاب الجليل الذي تعني هذه الأيام ( جماعة الأزهر للنشر والتأليف ) التي أشرف برئاستها ، بالعمل على نشره نشرا علميا محققا بكل معنى الكلمة ـ إلى أن قال ـ وإنه لا يمنع هذه الجماعة من المضي سريعا فيما اعتزمت وقررت إلا بعض الصعاب التي نرجو أن تتغلب عليها إن شاء الله بمعونة من يرجى منهم العون من كبار العلماء المعنيين بإحياء التراث الاسلامي المجيد ، والله هو الموفق لكل خير ، الهادي إلى سواء السبيل ) ، چ ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 40 _
صفات الله (1)
فصل : في صفات الذات وصفات الأفعال
قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ : كل ما وصفنا الله تبارك وتعالى به من
---------------------------
(1) إذا توسعنا في تدقيق صحائف الكتاب والسنة حق التوسع لم نجد هذا التقسيم الاصطلاحي : أي تقسيم صفات الله إلى صفات الذات ، وصفات الفعل ، وصفات النقص ، وبعبارة أخرى : الكمالية والجلالية والتنزيهية ، أو بحسب المشهور الصفات الثبوتية والزائدة والسلبية .
نعم ، نجد المنشأ الحقيقي لهذا التقسيم الثلاثي موجودا في القرآن والحديث ، وهو أن الصفات بعضها ثابتة لله سبحانه بوجه عام ، من دون استثناء وقت أو فرد كالعلم ، فإنه ـ عز شأنه ـ بكل شئ عليم ، عليم في كل أين وآن ، وفي كل مكان وزمان ، لم يزل عالما بكل شئ ولا يزال .
والقسم الثاني من المعاني منفية عن الله كذلك منفية بوجه عام وبدون استثناء وقت أو مقام كالظلم ، فلا يظلم ربك أحدا ، فكما أن العلم ثابت له ولا يزال ، كذلك الظلم منفي عنه على الإطلاق في كل حال .
والقسم الثالث من صفات الله وسط بين القسمين ، فلا هو كلي الثبوت ، ولا هو كلي السلب ، مثل الإرادة ، فإنها قد تثبت لربنا ـ عز وجل ـ بالنظر إلى شئ ، وقد تنتفي عنه بالنظر إلى شئ آخر ، كما في آية : ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) ( البقرة : 186 ) ومتى كان المعنى يستحق الثبوت تارة ويستحق النفي أخرى فهو غير ضروري الايجاب ، كما هو غير ضروري السلب .
هذه ثلاثة أقسام في صفات الله يمتاز كل منها عن البقية بحسب ظواهر الكتاب والسنة ، بل وبحسب ضرورة العقل أيضا ، إذ كل وصف قيس إلى ذات ، فإما أن يكون ضروري الثبوت لها ، أو يكون ضروري السلب عنها ، أو يكون غير ضروري الثبوت للذات كما هو غير ضروري السلب عنها ، الأمر الذي دعا شيوخ أسلافنا إلى القسمة الثلاثية في صفات الله وتسميتهم القسم الأول بصفات الذات أو الثبوتية .
والقسم الثاني بصفات التنزيهية أو السلبية .
والقسم الثالث بصفات الفعل أو الزائدة ، ويريدون بالفعل ضد الشأن ، وإن كان الأنسب عندنا تسمية الأقسام بالذاتية والنسبية والسلبية ، ش ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 41 _
صفات ذاته (1) .
قال الشيخ المفيد ـ رحمه الله ـ : صفات الله تعالى على ضربين :
أحدهما : منسوب إلى الذات ، فيقال : صفات الذات .
وثانيهما
(2) : منسوب إلى الأفعال ، فيقال : صفات الأفعال ، والمعنى في قولنا صفات الذات : أن الذات مستحقة لمعناها استحقاقا لازما لا لمعنى سواها ،
و معنى صفات الأفعال : هو أنها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده ، فصفات الذات لله تعالى هي الوصف له بأنه حي ، قادر ، عالم ألا ترى أنه لم يزل مستحقا لهذه الصفات ولا يزال .
ووصفنا له تعالى بصفات الأفعال كقولنا خالق ، رازق ، محيي ، مميت ، مبدئ ، معيد ، ألا ترى أنه قبل خلقه الخلق لا يصح وصفه بأنه خالق وقبل إحيائه
(3) الأموات لا يقال إنه محيي .
وكذلك القول فيما عددناه ، والفرق بين صفات الأفعال وصفات الذات : أن صفات الذات لا يصح لصاحبها الوصف بأضدادها ولا خلوه منها ، وأوصاف الأفعال يصح الوصف لمستحقها بأضدادها وخروجه عنها ، ألا ترى أنه لا يصح [ وصف الله ]
(4) تعالى بأنه يموت ، ولا [ بأنه يعجز ، ولا بأنه يجهل ]
(5) ولا يصح الوصف له بالخروج عن كونه حيا عالما قادرا ، ويصح الوصف بأنه غير خالق اليوم، ولا رازق لزيد ، ولا محيي لميت بعينه ، ولا مبدئ لشئ في هذه الحال ، ولا معيد له .
ويصح الوصف له ـ جل وعز ـ بأنه يرزق ويمنع ويحيي ويميت ويبدئ ويعيد ويوجد ويعدم ، فثبتت العبرة في أوصاف الذات وأوصاف الأفعال
(6) ، والفرق بينهما ما ذكرناه .
---------------------------
(1) الاعتقادات ص 27 .
(2) (أ) (ح) (ش) (ق) : والضرب الآخر ، (ز) : والآخر .
(3) (أ) (ز) (ش) : إحياء .
(4) (ز) : وصفه ، (ق) : الوصف لله .
(5) (ح) (ز) : يعجز ولا يجهل ، (أ) (ق) : يعجز ويجهل .
(6) (أ) (ح) (ز) (ش) : الفعل ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 42 _
خلق أفعال العباد
فصل : في أفعال العباد
قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين ، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يزل عالما بمقاديرها
(1 و 2) .
قال الشيخ أبو عبد الله ـ رحمه الله ـ :
(3) الصحيح عن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم : أن أفعال العباد
(4) غير مخلوقة لله تعالى ، والذي ذكره أبو جعفر ـ رحمه الله ـ قد جاء به حديث غير معمول به ولا مرضي الاسناد ، والأخبار الصحيحة بخلافه ، وليس يعرف في لغة العرب أن العلم بالشئ هو خلق له ، ولو كان ذلك كما قال
---------------------------
(1) الاعتقادات ص 29 .
(2) عنه في البحار 5 : 19 / 29 ، وراجع معاني الأخبار 396 ، بحار الأنوار 5 : 30 الحديث 37 و 38 .
(3) تبع الشيخان الجليلان جمهور المتكلمين في إفراد بحث الجبر عن بحث خلق الأفعال ، وعن مبحث الهدى والضلال ، مع أن الجميع فروع من نظرية الجبر ومن فاز بحل مشاكل هذه الأخيرة فاز بالنجاة من صعوبات البقية ، ش .
(4) إن لهذا البحث وبيان المقصود منه تقريرا من وجهين : كلامي ، ونفسي ، أما النفسي ـ وهو المقصود لدى الفلاسفة وعلماء التربية ـ فهو أن الإنسان في أفعاله ـ وفي مقدمتها الطلب والإرادة ـ هل هو حر مختار ومستقل في إيجاد أفعاله ؟ أو هو مجبور باقتضاء العوامل الأخرى المتصرفة فيه من الداخل والخارج ؟
فإن اختلاف التربية والتهذيب يؤثران بالحس والتجربة على الإنسان في اختلاف إرادته ومطالبه وتكييف أحواله وإصدار أعماله ، وهذا البحث يختلف عن =>
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 43 _
المخالفون للحق
(1) لوجب أن يكون من علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد خلقه ، ومن علم السماء والأرض فهو خالق لهما ، ومن عرف بنفسه شيئا من صنع الله تعالى وقرره في نفسه لوجب أن يكون خالقا له ، وهذا محال لا يذهب وجه الخطأ فيه على بعض رعية الأئمة ـ عليهم السلام ـ فضلا عنهم .
فأما التقدير فهو الخلق في اللغة ، لأن التقدير لا يكون إلا بالفعل ، فأما بالعلم فلا يكون تقديرا ولا يكون أيضا بالفكر ، والله تعالى متعال عن خلق الفواحش والقبائح على كل حال
(2) .
وقد روي عن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا ـ صلوات
---------------------------
=> المبحث الكلامي الآتي ذكره اختلافا واضحا وإن خفي على الجمهور .
وأما البحث الكلامي ـ وهو المبحوث عنه لدى علماء الكلام وزعماء الطوائف الإسلامية ، ولا يزالون مختلفين فيه ـ فهو أن الإنسان ـ وإن بلغ رشده وأشده وخوطب بالتكاليف الإلهية ـ هل هو مختار في أفعاله ، حر في إرادته ، مستقل في الطلب ؟ أو أن الله تعالى هو الخالق في الحقيقة لجميع ما يصدر من الإنسان في الظاهر ، وهو كآلة صماء في أداء ما يجري على يديه من أفعال خالقه ، فعلى هذا يكون الإنسان فاعلا بالمجاز في كل ما ينسب إليه من أفعاله مباشرة ، وإنما يكون المنسوب إليه حقيقة هو الله تعالى وحده ، وهذا الوجه يشترك مع الوجه السابق عليه في سلب اختيار العبد واضطراره في أفعاله طرا ، وهما بناء عليه يستلزمان الجبر معا ، ويسمى البحث الكلامي بحث الجبر الديني ، كما يسمى البحث النفسي بحث الجبر التكويني ، والفرق بينهما يبدو من وجوه أهما أن المنسوب إليه في الجبر الديني إنما هو الله وحده ، وهو الذي أمر بالحسنات ويثيب بحسبها ، وهو الذي نهى عن السيئات ويعاقب عليها ، وفي صورة كهذه يصعب جدا تصور الإيمان بعدالة من أجرى على يديك السيئات وهو في نفس الوقت مؤاخذك بها ومعاقبك عليها ، نعم إن الجبر التكويني يقضي أيضا باضطرار العبد فيما يأتيه ، غير أنه يجعل مصادر الحسنات والسيئات غير مصدر الثواب والعقاب ، ش .
(1) بحار الأنوار 5 : 20 .
(2) بحار الأنوار 5 : 20 ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 44 _
الله عليهم ـ : أنه سئل عن أفعال العباد ، فقيل له : [ هل هي ]
(1) مخلوقة لله تعالى ؟ فقال ـ عليه السلام ـ : لو كان خالقا لها لما تبرأ منها . وقد قال سبحانه : ( أن الله برئ من المشركين ورسوله )
(2) ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم ، وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم
(3) .
وسأل أبو حنيفة أبا الحسن موسى بن جعفر ـ عليهما السلام ـ عن أفعال العباد ممن هي ؟ فقال له أبو الحسن ـ عليه السلام ـ : إن [ أفعال العباد ]
(4) لا تخلو من ثلاثة منازل : إما أن تكون من الله تعالى خاصة ، أو من الله ومن العبد على وجه الاشتراك فيها ، أو من العبد خاصة ، فلو كانت من الله تعالى خاصة لكان أول بالحمد على حسنها والذم على قبحها ، ولم يتعلق بغيره حمد ولا لوم فيها ، ولو كانت من الله ومن العبد لكان الحمد لهما معا فيها والذم عليهما جميعا فيها ، وإذا بطل هذان الوجهان ثبت أنها من الخلق ، فإن عاقبهم الله تعالى على جنايتهم بها فله ذلك ، وإن عفا عنهم فهو أهل التقوى وأهل المغفرة . وفي أمثال ما ذكرناه من الأخبار ومعانيها ما يطول به الكلام .
فصل : وكتاب الله تعالى مقدم على الأحاديث
(5) والروايات ، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها ، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه .
---------------------------
(1) (أ) (ح) (ق) (ش) : أهي .
(2) التوبة : 3 .
(3) بحار الأنوار 5 : 20 .
(4) (ق) : الأفعال .
(5) (ز) : الأخبار ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 45 _
قال الله تعالى : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ )
(1) فخبر بأن كل شئ خلقه فهو حسن غير قبيح ، فلو كانت القبائح من خلقه لنافى ذلك حكمه بحسنها ، وفي حكم الله تعالى بحسن جميع ما خلق شاهد ببطلان قول من زعم أنه خلق قبيحا
(2) .
وقال تعالى : ( مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ )
(3) فنفى التفاوت عن خلقه
(4) ، وقد ثبت أن الكفر والكذب متفاوت في نفسه ، والمتضاد
(5) من الكلام متفاوت ! فكيف يجوز أن يطلقوا على الله تعالى أنه خالق لأفعال العباد وفي أفعالهم من التفاوت والتضاد
(6) ما ذكرناه مع قوله تعالى : ( مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ ) فنفى ذلك ورد على مضيفه
(7) إليه وأكذبه فيه .
---------------------------
(1) السجدة : 7 .
(2) ليس هذا الكلام وحده ولا هذه الآية وحدها شاهد الفئة العدلية وشيخها الشارح ـ طاب ثراه ـ عند إبطاله لنظرية الجبر وتصحيحه لإسناد أفعال العباد إلى أنفسهم ، إذ كل آية نزهت ربنا سبحانه عن الشرور وخلق الآثام تؤيده ، وكذلك الدلائل التي قضت بأن الشرور أمور سلبية غير ثابتة في متن الأعيان ولا مبدأ لها ولا علة تقوي أيضا كلام الشيخ ـ طاب ثراه ـ وكذلك القياسات التي أقامها علماء اللاهوت بغرض إثبات أن المبدأ الأول ( واجب الوجود ) مصدر كل خير وجود ، ولا ولن يرى شر ما من ناحيته القدسية ، ش .
(3) الملك : 3 .
(4) يجوز أن يكون الخلق هنا مصدرا مرادفا للإيجاد لا اسم مصدر مرادفا للموجود ، كما ذكر في المتن ، فيكون المراد ـ والله أعلم ـ أنه سبحانه لا يتفاوت عليه خلق الأشياء صغيرها من كبيرها ، أو حقيرها من خطيرها ، أو قليلها من كثيرها ، ولا يلزم من العدول عن تفسير الشيخ ـ قدس سره ـ وهن ما في أصل رأيه ، ش .
(5) (ق) (ش) : والتضاد .
(6) ليست في بقية النسخ .
(7) (ق) : من يضيفه ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 46 _
فصل : في الفرق بين الجبر والتفويض
قال الشيخ أبو جعفر ـ رحمه الله ـ
(1) : لا جبر ولا تفويض
(2) ، بل
(3) أمر بين أمرين
(4) .
وروى في ذلك حديثا مرسلا قال : فقيل : وما أمر بين أمرين ؟ قال : مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية ، فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية .
قال الشيخ المفيد ـ عليه الرحمة ـ : الجبر هو الحمل على الفعل والاضطرار إليه بالقهر
(5) والغلبة ، وحقيقة ذلك إيجاد الفعل في الخلق
(6) من غير أن يكون لهم
(7) قدرة على دفعه والامتناع من وجوده فيه ، وقد يعبر عما يفعله الإنسان بالقدرة التي معه على وجه الاكراه له على التخويف والالجاء أنه جبر والأصل فيه ما فعل من غير قدرة على امتناعه منه حسب ما قدمناه ، وإذا تحقق القول في الجبر على ما وصفناه كان مذهب أصحاب المخلوق هو بعينه ، لأنهم يزعمون [ كان
---------------------------
(1) الاعتقادات ص 29 .
(2) الكافي 1 : 160 / 13 ، التوحيد : 362 / 8 ، وعنه في البحار 5 : 17 / 28 .
(3) (ح) : ولكن .
(4) (ا) (ش) : الأمرين .
(5) في بعض النسخ : بالقسر .
(6) (ش) (ق) : الحي .
(7) (ش) (ق) : له ، (*)
تصحيح اعتقاد الإمامية
_ 47 _
مذهب الجبر هو قول من يزعم ]
(1) أن الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير أن يكون للعبد قدرة على ضدها والامتناع منها ، وخلق فيه المعصية كذلك ، فهم المجبرة حقا [ والجبر مذهبهم على ]
(2) التحقيق
(3) .
والتفويض هو القول برفع الحظر عن الخلق في الأفعال والاباحة لهم مع ما شاءوا من الأعمال ، وهذا قول الزنادقة وأصحاب الإباحات ، والواسطة بين هذين القولين أن الله تعالى أقدر الخلق على أفعالهم ومكنهم من أعمالهم ، وحد لهم الحدود في ذلك ، ورسم لهم الرسوم [ ونهاهم عن ]
(4) القبائح بالزجر والتخويف ، والوعد والوعيد ، فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبرا لهم عليها ، ولم يفوض إليهم الأعمال لمنعهم من أكثرها ، ووضع الحدود لهم فيها وأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها .
فهذا هو الفصل بين الجبر والتفويض على ما بيناه .
---------------------------
(1) ليست موجودة في بقية النسخ ، وإنما هي من المطبوعة .
(2) في بعض النسخ : والجبرية مذهبهم في .
(3) انظر ( الدلائل والمسائل ـ ص 62 ـ 63 ج 1 ط بغداد ) العلامة الشهرستاني ، چ .
(4) في بعض النسخ : ومنعهم من ، (*)