العادات الخاطئة
   ولابد لنا من الإشارة هنا الى وجوب الحذر من تنامي العادات الخاطئة لدى الطفل في سنوات عمره الأولى ، وخاصة في السنوات الست الأولى.
   فلا يجب تعويد الطفل على تلبية احتياجاته ورغباته عن طريق العناد او الالحاح او الحصول على ما يشاء عن طريق البكاء وإحراج الوالدين أو التضييق عليهما.
   فقد تؤدي مثل هذه العادة القبيحة الى التطاول ، وإساءة الأدب في الكلام وإهانة الوالدين والاعتداء عليهما ، وعدم تناول الطعام بشكل صحيح ، وعدم النوم بالصورة الصحيحة ، وإطالة البقاء في المرافق الصحية ، ومداعبة أعضائه التناسلية والتلفظ بالكلمات القبيحة و ... الخ.
   وتنبع مثل هذه السلوكية عادة من التصورات الخاطئة التي يحملها الابوان والنظر اليه كطفل لايفهم ، فيتركان له الحبل ليتصرف كما يشاء ويفعل ما يحلوله غير مبالين لتصرفاته السيئة ، جهلاً منهما بأن هذه السلوكية المنحرفة ستحكم قبضتها عليه ولن يتيسر له التخلص منها في سنوات المراهقة او البلوغ.

ملكة الاخلاق
   إن الغرض من بذر العادات الأخلاقية الحميدة في النفوس ، والتي تتحقق على الغالب من خلال تقديم القدوات والنماذج الصالحة ، والطلب المتكرر بالإحتذاء بها ، هو أن تتحول الأخلاق الى ملكة في النفس ، والغاية المرجوة

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 202 ـ

   من كل ذلك هي تمهيد الأرضية الخصبة الصالحة لبذر الفضائل حتى تنمو وتضرب بأطنابها في أعماق الطفل.
   ليكون قياده في ذاته ، وليكون هو الآمر والقائد نحو مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال.
   فالسجايا الأخلاقية يجب أن تتحول لديه الى ملكة ، بمعنى ان يهيمن على نفسه ويمتلك زمام قيادها ، وان تكون هذه الصفة مثالا وهدفا يسعى اليه الطفل ، لكي تقوم حياته على ذلك الأساس.
   واذا تصرف يوماً بشكل يتعارض وذلك الهدف ، صعب عليه الأمر واستثقله ، ولا يتهاون به في أي موضع آخر.
   أما المنطلق الذين يجعلنا نتحدث عن إمكانية تحقيق مثل هذا الهدف ، فهو استنتاجات علماء النفس الذي يرون أن الأخلاق والقيم الأخلاقية تتحول الى باطن الإنسان في حوالى السنة الثامنة من عمره ، فيخضع حينئذ لهيمنة الوازع الداخلي.

الصفة الإختيارية في الأخلاق
   يبدو من الضروري أيضاً التنبيه الى نقطة أخرى وهي أن الطفل اذا اندفع الى تطبيق الأمر الأخلاقي أو كف تصرفاته السيئة تحت سطوة الخوف فلا أهمية لمثل هذا التطبيق ، ولايجدي في بنائه الأخلاقي شيئاً ، لأن الخوف والعقاب اذا نقل الى الغابة لأمكن بواسطته ترويض الوحوش الكاسرة.
   فالمطلوب من الأبوين كما هو الحال بالنسبة للمربين ان يجعلوا من السلوك الأخلاقي أمرا مستساغاً ومقبولاً بالنسبة للطفل ، كي يختار هو بنفسه النمط المناسب في حياته اليومية والذي يدخل في إطار التعاليم الأخلاقية

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 203 ـ

   ولايشذ عنها ، علماً بأن قابيلته على تمييز الشر من الخير تبدأ عند حوالى السنة السادسة من عمره.
   ويعتقد علماء التحليل النفسي أن فكرة « هل أنا أفضل أم الذات المثلى » تبدأ بالنمو لديه في هذه السن فتخلق لديه وبالتدريج نوعاً من الرقابة الذاتية.
   كثيراً ما نلاحظ في البيت أو في المدرسة اطفالاً في سن ( 6 ـ 12 ) عاماً يحاولون معرفة قدر انفسهم ، سعياً لتوفير شروط التطابق بينها وبين شخصيات الآخرين ، ولا تمثل هذه المساعي سوى جزء من نضوجهم وتكاملهم .
   وعلى كل حال فإن المهم بالنسبة لنا هو أن الطفل يصبح ، وأبتداء من منتصف السبعة الثانية من عمره ، في وضع يمكنه من إتخاذ قراراته بنفسه ، وتتحول حياته الأخلاقية عندئذ الى حياة اختيارية وذات قيمة عالية ، إلا أن ذلك لايحول دون إشراف الأبوين والمربين على سلوكه اليومي.

الأولويات في التربية الأخلاقية
   هنالك نوعان من الأولويات التي تستحق الإهتمام في التربية الأخلاقية للأطفال وهما :
  1 ـ الأولويات المتعلقة بحياته الفردية والإجتماعية : وهذا ما يفرض على المربين الإهتمام أولاً بانماط حياته الشخصية وبالتالى حياته الاجتماعية.
   فعلى الطفل بين سن 3 ـ 5 سنوات أن يفهم ، مثلاً ـ عدم إمكانية الحصول على شيء بواسطة البكاء ، وحتى اذا كان جائعاً فلابد له من تحمل الجوع لمدة ساعة على أقل تقدير .
   يجب أن يكون لأمر الوالدين ونهيهما

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 204 ـ

   أثر في نفسه ، وعليه أن لا يسبب أي احراج أو ازعاج أمام الآخرين ، وأن يعرف الحد الفاصل بين ألعابه وألعاب غيره من الأطفال ، وأن لايخطف ألعاب الآخرين من ايديهم.
  2 ـ الأولويات المتعلقة بالفضائل الأخلاقية : يجب على الطفل ـ على سبيل المثال ـ أن يجعل الصدق والإخلاص والأمانة والشرف محوراً لأخلاقه.
   وينبغي له أن يكون عادلاً أيضاً، فإذا قدمت له أمه الطعام ليقتسمه مع أخيه ، فعليه مراعاة جانب العدالة في قسمته .
   ولاتفوتنا الإشارة هنا الى القابلية العالية التي يتمتع بها الأطفال في ملاحظة وتقليد أفعال الآخرين ولا سيما القدوات الإجتماعية والزعامات السياسية ، ولهذا فهم يقتفون نفس السبيل الذي يسلكه الأبوان والمربون.

الاخلاق لكلا الجنسين
   تهتم جميع المواضيع والبحوث المتعلقة بالمحتوى التربوي ، في النظام التربوي الإسلامى ، لكلا الجنسين.
   فنحن في الوقت الذي نسعى فيه لتربية أبنائنا وبناتنا تربية إنسانية واسلامية ، لا نتغاضى عن عالميهما المتباينين سواء في سنوات النضوج ام في السنوات الاحقة.
   وهاتان الرؤيتان منبثقتان من نمط الفكر الإسلامي بخصوص الحياة المختلفة لكل من الرجل والمرأة ، والواجبات والآداب المتعلقة بها .
   والغرض من كل ذلك هو أن يبقى الرجل رجلاً ، وتبقى المرأة من غير ايجاد أي تمييز في المقومات الأساسية لنضوج وتكامل أي منهما .
   ومعنى ذلك أن بعض الصفات الأخلاقية يعد وجودها لدى الذكور ضرورياً ، بل ومصدراً للكمال أيضاً ، بينما لو اتصفت

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 205 ـ

   بها المرأة لكانت نقصاً ، ويمكننا الاستشهاد على ذلك بمثال بسيط وهو سماحة الرجل وكرمه في الشؤون الاقتصادية العائلية ، ورقة المرأة وعاطفتها وحنان الأمومة لديها ، فلو أستبدلت هاتان الخصلتان واتصف الرجل برقة المرأة ، والمرأة بسماحة الرجل ، لكانت الأضرار المترتبة عن ذلك وخيمة.

في التربية الأخلاقية لكل من الذكر والأنثى
   يجب علينا الإهتمام في هذا الصدد بالأبعاد الفطرية والغريزية لكل من هذين الجنسين ، والتركيز بالخصوص على الجوانب المتعلقة بالكمال الأخلاقي لكل منهما ، ومن جملة ذلك .
   تأخذ التربية الأخلاقية للذكور بعين الإعتبار مدى الحرية التي يتمتع بها الذكر مقارنة بالأنثى ، وقدرته على تجاهل الضوابط والحدود وعن تمرده بكل بساطه ، بينما القضية معكوسة بالنسبة للاناث بسبب المحدودية التي يشعرن بها على مستوى الحياة العائلية من جهة ، وبسبب كثرة الحجب التي تلازمهن من جهة أخرى.
   ومن الفوارق الأخرى الموجودة بين الجنسين ، كثرة تعرض الذكور للتغيير السلوكي والفكري الناجم عن احتكاكهم وتأثرهم بالظروف والوقائع المحيطة ، وحتى من المحتمل ان يكتسبوا بعض المعتقدات الخاطئة فتحصل لديهم تغييرات شديدة قد تمسخ شخصيتهم ، بينما يندر حصول مثل هذه بالنسبة للاناث ، بل و يبدو أنهن اكثر قدرة على الثبات والمقاومة ، الا اذا وقعن فريسة للتحايل ، أو أصبحت عواطفهن عرضة للتلاعب والإستغلال.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 206 ـ

   اما في مجال الأخلاق الإجتماعية ، والآداب ، ونمط ارتداء الثياب ، وتزيين الشعر والوجه والحاجب ، فالمتعارف أن الاناث يقلدن الممثلات ، وغالباً ما يحاولن التشبه بالدمى ، بينما يستمد الذكور أنماطهم السلوكية وصيغهم الأخلاقية من الأبطال ونجوم الرياضة والسياسة والدين .
   وهذا ما يحتم على التربية أخذ هذه التأثيرات الذهنية بنظر الإعتبار.
   ولابد من الإشارة أخيراً الى نقطة أخرى تطيب لها نفس المربي وهي تفوق البنات على الأولاد في مجال النضوج الأخلاقي وقبول القيم والقواعد الأخلاقية ، والرغبة في الالتزام بها والتطابق معها ، وان استعدادهن للانقياد لأراء الأبوين والمربي أكثر وأسرع من استعداد الذكور ، وكذلك هو الحال في حقل التطبيق العملي.
   وهذه من نقاط القوة التي يركن إليها المجتمع لتربية البنت التي تتولى فيما بعد دور الأمومة.

الظروف الإيجابية والأخلاق
   إن العين والأذن وغيرها من الأعضاء الأخرى هي المنافذ التي تربط البدن بالعالم الخارجي.
   ومن الصحيح جداً أن كل ما تراه العين يراه القلب.
   وانطلاقاً من هذه الحقيقة فلابد من تطهير الاجواء التربوية من المفاسد والإنعكاسات التربوية السيئة، ومرادنا من كلمة الأجواء هو مجموعة الضروف والعوامل التي يعيشها الفرد ومن ضمنها الأخلاق والتربية الأخلاقية ، كالأشياء التي يراها أو يسمعها أو يقرأها أو يتعامل معها مباشرة فيتأثر بها ، وكل ما يمكن أن يكون له دور في بناء أو هدم الشخصية.
   يستمد الطفل أسسه الأخلاقية من الأجواء المحيطة به وخاصة من أولئك

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 207 ـ

   الذين يحبهم من صميم قلبه ، أو أولئك الذين يشعر نحوهم بنوع من الانشداد ، أو بنوع من المنفعة منهم وعلى هذا الأساس يجب تحديد العوامل الهدامة ، واخضاع القول والفعل للمعايير المنطقية ، وإعادة النظر في معرفة مقومات الصلاح والفساد .
   فكثير من المشاهد التي يراها الطفل تعتبر دروساً أخلاقية سيئة بالنسبة له ، من أمثال القصص الجنائية ، واللقطات الجنسية المثيرة للشهوة ، والمشاهد الفكاهية السمجة ، والتصرفات السقيمة للوالدين ، وألوان الصراع والمشاحنات .
   وتقف على النقيض من ذلك اجواء الإيمان والتقوى ، والصلاح والوقار ، فهي أرض خصبة كنمو الفضائل الخلقية.

الموانع الحائلة دون النمو والتكامل
   وعلى هذا الأساس ، فهناك الكثير من الموانع التي تعترض طريقنا ولا تسمح لنا بالتقدم كما ينبغي لنا ، وما أتعس اولئك الأطفال الذين ينشأون في تلك الأجواء الموبوءة.
   فهم مضطرون وبعد عمر طويل يقضونه في اكتساب الرذائل لإعادة النظر في ما اكتسبوه ، وتناسي أو ترك المعلومات السيئة والتصرفات القبيحة التي كانوا عليها.
   فالطفل الذي ينشأ في بيئة يحكمها النزاع بين الوالدين او يكثر فيها التحلل والفساد والقمار والخمور ، يواجه مصاعب جمة تحول دون تكامل ونمو شخصيته .
   وما أكثر المصاعب التي ستواجه الطفل في مستقبله لو أنه ترعرع في ظروف يسودها النفاق والازدواجية والفسق وغيرها من مظاهر الانانية

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 208 ـ

   والجهل والفساد ! فهل بالإمكان أن نتوقع منه الصلاح والسلامة الفكرية ؟ لا شك أن هذه الظروف وما شاكلها تمثل قتلاً لكل ما لدى الطفل من شرف واخلاق وفضيلة.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 209 ـ

عوامل التربية الاخلاقية
   تدخل في تربية الأطفال عوامل إنسانية عديدة ، وأهمها : العائلة ، والمدرسة ، والأصدقاء ، والأتراب ، والمجتمع ، والشخص ذاته .
   نشير في ما يلي الى بعض تأثيراتها مع التزام جانب الإختصار.

   أ ـ الأسرة :
   نبدأ حديثنا في هذا الموضوع بالعائلة ، وذلك لعظم دورها في بناء وإنضاج الشخصية الأخلاقية ، وتكمن أهمية العائلة في هذا المجال في كونها تؤدي دورين مهمين :
   الأول : هو دور الأسوة والقدوة.
   الثاني : هو الدور العاطفي.
   ولهذين الدورين أثرهما في ترك ملامحهما البارزة على سلوك الشخص.
   لقد اعتبر علماء النفس الأسرة من أهم المؤشرات في تكوين طبيعة وشخصية الإنسان ، ويعود لها الفضل الكبير في نضوجه وتنمية القيم في شخصيته .
   ان دراسة وضع الإنسان ونمط شخصيته تقتضي إخضاع السوابق الأخلاقية لعائلته للتحقيق والدراسة ، فإنها مصدر الكثير من المقومات الأصلية أو الزائفة.
   ومرد هذا هو أن الطفل يقضي في أحضان العائلة الوقت الأكثر من طفولته وهو الوقت الذي يكون فيه مستعداً لتقبل ما يلقى إليه والتأثر بما يسمع وبما يرى ، كالنبات الذي يستمد الضوء من نور الشمس

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 210 ـ

   ويعكس طبيعة الارض التي ينبت فيها .
   ويعد الوالدان من الوجهة التربوية من أعظم المؤثرات التي تجتذب الطفل في مطلع حياته حتى أن التشبه بهما يعد من أكبر أمانيه في تلك الحقبة الزمنية ، وإن سلوك الطفل يخضع لتوجيههما او رهبة الى أن يكتسب الطفل الوعي اللازم حيث يبدأ حينها باستقطاب العادات التي يراها شخصياً .

الأسرة وانتقال الصفات الأخلاقية
   ولكن ما هي الخصائص والصفات التي تنقلها العائلة الى أبنائها ؟ والجواب هوأن الطفل كجهاز التسجيل الصوتي ، يقوم بتسجيل كل الكلام والسلوك وطريقة التعامل التي تصدر من الوالدين وسائر الأشخاص المحيطين به ، ثم يعيد بثها حين تقضي الضرورة ، ويتعلم الطفل من والديه وبقية المحيطين ، كل أنواع الكذب ، أو الرحمة والصبر وعزة النفس والقسوة والتعامل المرن أو الحدي والخشونة والحقد أو المحبة والغضب وتقلب المزاج أو ثباته ، والتكامل أو المثابرة ، والإستبداد أو التفاهم ، والكرم أو سوء الخلق وغير ذلك.
   فإذا كان الوالدان يتصفان بالإتزان والنظام والترتيب ، فأطفالهما ايضاً يحملان نفس تلك المواصفات ، فالأبوان اللذان يبذلان ما لديهما من ذكاء لخدمة المجتمع غالباً ما يتصف أبناؤهم بنفس تلك الصفة ، لأنهم يعتبرون أبويهم نموذجاً يقتدي به ويستمدون منهما كل أنماطهم السلوكية.
   لا شك ان لاسلوب التعامل العاطفي أو الخشن دوره في ذلك التأثير ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 211 ـ

   ولهذا فمن الضروري قيام أسس التربية على المحبة لأنها تجعل من تأثير الأسرة على الأطفال أعظم وأشد .
   ويجب أن يقترن طيب الوالدين وحسن تعاملهما مع الطفل بالذكاء والنباهة اللازمة حتى لايستغل الطفل تلك الطيبة لأغراض منحرفة ، وهذا ما يتطلب اتصاف الأبوين باليقظة في هذا الصدد.
   تنفيذ الأدوار : لو أمعناً النظر في التصرف الأخلاقي لكل من الأب والأم وقارنّا بينهما لكان لزاماً علينا الإعتراف بأن دور الأم أكثر تأثيراً من دور الأب بأضعاف مضاعفة .
   فالأم ـ وخاصة في السنوات الأولى من سن الطفل ، هي النموذج المثالي بالنسبة له .
   وقد أظهرت الدراسات العلمية بأن القسم الأعظم من نفسية الطفل مستمد منها.
   ومن الطبيعي جداً ان تكون الإناث أشد تأثراً من الذكور الى درجة يمكن القول معها أن فساد أو صلاح البنت متعلق بأمها .
   فالبنت أكثر تعلقاً بأمها لأسباب جنسية وعاطفية ، فهي تقبل سلوكها الخلقي بلا أدنى معارضة ، ونادراً ما تضفي عليه بعض التغيرات.
   فالبنات أكثر تأثراً من الأولاد في التعبير عن أوضاعها وطباعها ، وفي احترام الآداب والتقاليد ، وفي اسلوب الإستدلال وفهم الحياة ، وفي نمط التعامل ، وكيفية التعبير عن التقدير والإحترام.
   واستناداً الى جميع الأسباب السالفة الذكر ، نرى بأننا بحاجة الى أمهات صالحات لغرض إصلاح المجتمع.
   والمجتمع اليتيم في رأينا هو ذلك المجتمع الخالى من الأم الصالحة ، لذا يترتب تنفيذ المساعي الإصلاحية بشأن الأمهات.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 212 ـ

العلاقات العائلية والأخلاق
   للعلاقات القائمة على الأخلاق والآداب دور فاعل في توجيه الطفل أو حرفه عن المسار السليم ، فطريقة التعامل المتداولة بين الأبوين تعكس مدىحرمة وقدسية هذا الأمر او ذاك لديهما ، وكيفية التعامل والعيش مع بعضهما .
   ومن المعروف أن المحيط العائلي له تأثير في مدى انسجام الطفل مع المحيط الاجتماعي.
   فمن الامور العائلية التي تؤثر في تكوين ذهنية الطفل ونظرته الى الآخرين هو أسلوب تعامل أفراد العائلة الواحدة ، والعلاقة بين الزوج والزوجة ، وعلاقتهما ببقية أفراد العائلة ، ومواقف كل واحد منهما تجاه الاخر ، ومدى تفاؤلهم أو تشأؤمهم ، وهل يمارسون أي نوع من التفرقة في محبة بعضهم ؟ وهل هناك التزام في مجال مخاطبة بعضهم لبعض ، وطريقة تصفية الحسابات بين أعضاء العائلة الواحدة ، وخلاصة القول إن جميع صور الأمر والنهي ، وأساليب استعراض القوة ، والجوانب الإنسانية والأخلاقية ، والنشاط والمرح ، وغير ذلك من الأمور الدقيقة التي لاتيسر الإحاطة بها ، تؤثر في بلورة الأخلاق عند الطفل ، ولهذا فعلى المربين الإلتفات إليها وأخذها بنظر الإعتبار.

ب ـ المدرسة والمعلم :
   يدخل الطفل في بداية السنوات السبع الثانية من عمره الى المدرسة فيتعرف في هذا العالم الجديد على قدوات جديدة ، ويفتح بصره على

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 213 ـ

   آداب وطبائع وتقاليد متباينة ، وتؤدي هذه الظروف المستجدة الى وقوع بعض الأطفال تحت تأثير شخصية المعلم حتى أنهم يتشبهون به ويتمنون أن يصبحوا مثله ، وأظهرت إحدى الدراسات العلمية في هذا الصدد أن ما يقارب 35 % من الأطفال في السنوات السبع الثانية من أعمارهم ـ يرغبون أن يكونوا كمعلميهم.
   وعلى هذا يجب القول : ما أسعد هذا الطفل الذي يسعى في تلك المرحلة المبكرة من نموه الى مسايرة المعلم والمربي حتى يوصله الى درجة رفيعة من النضوج والتسامي.
   تتطلب التربية الأخلاقية للأطفال وعياً متزايداً من قبل المعلم ، وهذا يعد في الحقيقة فناً ينبغي أني يتقنه المربي بحيث يماشي درجة نضوج وتطور الطفل خطوة فخطوة من أجل توفير مستلزمات تكامله .
   و لا شك هنا في ضرورة تعاون المدير والمعاون والمسؤولين الآخرين القائمين على أمر الطفل.
   ويجب عدم إغفال العوامل الأخرى كالمنهج الدراسي وما يحمله من مضامين وأساليب ، والتعليمات الإنضباطية السائدة في المدرسة ، لأنها تترك آثاراً بناءة أو سلبية في أحيان كثيرة .

   ج ـ الأصدقاء :
   والمراد بهم أتراب الطفل وأقرانه الذين يلعب معهم ويستأنس بهم ، ويبادلهم الأسرار ، ولايقل دور هؤلاء عن دور الآخرين حتى أن دورهم أحياناً يفوق دور الأب والأم ، وخاصة في سنوات البلوغ وأثناء

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 214 ـ

   وقوع الاختلافات والشجار بين الوالدين.
   ومن المعروف أن الأطفال يقلدون أقرانهم ، وتدفعهم مشاعر التعلق بهم إلى محاولة مشاكلتهم والتشبه بهم ، وقد تقود هذه الرغبة في المحاكاة الى بعض الإنزلاقات.
   إن عملية الحفاظ على سلامة الطفل تستدعي مراقبة علاقاته مع الآخرين كي لاتكون الغفلة عنه سبباً لوقوعه فريسة لأطماع الآخرين غير المشروعة ، وتؤدي بالنتيجة الى تشويه شخصيته وسمعة عائلته.
   وعلى الوالدين بذل الرقابة الكافية على أمثال هذه العلاقات.

   د ـ المجتمع :
   تتكون الكثير من جوانب الحياة الإجتماعية في السوق والشارع والأماكن العامة ، فيتلقاها الطفل ويجعلها منطلقاً لسلوكه ، فتكون سبباً لدفعه نحو الفساد والشقاء .
   وتوجد الى جانبها أيضاً عوامل تثير خيال الفرد وتؤجج فيه روح حب المغامرة ، وإذا لم يواجه بالردع الكافي فسيجد نفسه عرضة للكثير من المخاطر.
   يؤثر السلوك الإجتماعي على الطفل بشكل مباشر أو غير مباشر ، عن وعي أو بدون وعي.
   فمظاهر الإنسجام والمحبة أو ما يناقضها من الحقد والتنافر تعد بالنسبة له درساً يطبقه في حاضره ومستقبله.
   ولهذا يلزم خلو البيئة الإجتماعية التي يترعرع فيها الصغار من الأوبئة والمفاسد.
   فمشاهد العنف والسطو والنزاع والتحلل التي تشاهد في دور السينما والأفلام لا تعلم الناس سوى الفساد ، ثم تفتح أمامهم الطريق لممارسة ما تعلموه منها .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 215 ـ

   هـ ـ الشخص ذاته :
   لايمكن تجاهل دور إرادة الإنسان وعزمه في تشييد أو هدم البناء الأخلاقي ، فالإنسان ، وابتداء من مرحلة التمييز ، ومنذ أن يبدأ بتأمين احتياجاته عن طريق الضحكة والبكاء ، يدأب على إقامة صرح أخلاقه وطبائعه ، وذلك ما يستلزم متابعة سلوكه منذ البداية.
   فالطفل الذي يكره والديه على تلبية رغباته بالعناد والبكاء ، يكون بذلك قد رسم طريقه وسيبني عليه كل سلوكه في الحياة ، وبذلك يكون الوالدان قد فشلا في أمر تربيته ؛ بينما كان الحال يستلزم مواجهته بالصبر والتحمل وتعليمه أن لا فائدة من البكاء والدموع ، وأن امثال هذه المحاولات لن تجديه نفعاً .
   والغاية المرجوة من وراء ذلك هو أن يكون للمنطق والإستدلال أثرهما في صياغة طباعه وسلوكه ابتداء من سنوات الإدراك أي منذ المرحلة التي ينمو فيها عقله ويصبح قادراً على التمييز ، فالطفل اذا سرق لا يقام عليه الحد ، ولكنه إذا عرف ان السرقة تصرف خاطئ وأقدم عليها يجب تعزيره شرعاً ، لأنه مسؤول عن إدراكه وتمييزه.

أساليب صياغة الأخلاق
   هنالك نقطة جديرة بالإشارة في مسألة البناء الأخلاقي وهي عدم امكانية تحققه ذاتياً ، بل إنه يقام ، وإذا اقيم فلابد أن يهضم لكي لا يفقد .
   وهنالك عوامل مهمة تؤثر في إقامته كما تؤثر في الحفاظ عليه وصيانته من الإنهيار ،

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 216 ـ

   ويمكن تلخيصها في ما يلي :
  1 ـ الترغيب : بحيث يرغب الطفل في أن يكون صالحاً ومهذباً. ومن حُسْن الحظ أن مثل هذه الأرضية موجودة لدى كل انسان منذ ولادته ، وأن الله تعالى قد أودعها في فطرة كل انسان فذات الإنسان وفطرته تدعوه الى الصلاح والإخلاص.
   وعلينا الإنتباه الى ضرورة أن تتجلى فيه مصاديق الإخلاص والصلاح على أفضل وجه ممكن .
  2 ـ القدوة الصالحة : تتحقق لدى الطفل مثل هذه الرغبة فيما لو شاهد القدوة الصالحة التي تجذب اهتمامه.
   وعلى الأبوين والمربين تجسيد الأخلاق الصالحة التي يرتضونها في انفسهم لإثارة حافز التقليد عند الطفل ليسير على خطاهم ، ومن البديهي أنه كلما كانت درجة إعجابه واستحسانه أشد ازداد حرصه على اقتفاء آثارهم.
   فصغار السن لايمتلكون مفاهيم مجردة عن الأخلاق ، بل إنه يكرر ما يسمع وما يرى .
   وهذا التكرار هو الذي يطبع فطرته بلونه .
  3 ـ التكرار : حينما يكون الطفل متعطشاً للسلوك الصالح سوف يسعى الى تكراره ، وسيظل يبحث عن الأرضية التي يمارس فيها رغباته عملياً.
   وفي مثل هذا الظرف يبدو من المناسب ان يأمره الابوان بالقيام ببعض الأعمال الجيدة التي ترتاح لها نفسه وخاصة اذا كان أمرهما مقروناً بالتشجيع

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 217 ـ

   والاستحسان ومن البديهي أن مثل هذا التصرف يحمل بين طياته فوائد متعددة من جملتها أن الطفل يشعر فيه بالمتعة ، وتتولد لديه رغبة خاصة في القيام بمثل ذلك العمل.

أساليب الإيحاء الأخلاقي
   لابد من تعليم الطفل بعض الضوابط والاخلاق والأصول عن طريق الإيحاء الأخلاقي ليصبح قادراً على تمييز الجميل من القبيح ثم يتمكن بعد ذلك من تطبيقها على نفسه .
   ولايتيسر القيام بهذه الإيحاءات بشكل رسمي ومبرمج سوى في المدرسة.
   أما في البيت فيتطلب ذلك انتهاز الفرص المناسبة للإيحاء الى الطفل بمسألة واحدة.
   أما الموارد التي تتحقق فيها فرص الإيحاء فهي كثيرة ، ومن جملتها :
  1 ـ اللعب : من الطبائع المعروفة لدى الطفل أنه كثير اللعب والحركة ويقضي الكثير من اوقاته في اللعب والتسلية ليلاً ونهاراً.
   ويمكن اثناء اللعب الإيحاء اليه بكثير من الأصول والضوابط الأخلاقية التي تؤدي به الى الكمال.
   كأن يقال له مثلاً إن هذه الطريقة في اللعب غير صحيحة ، وإنه لم يراع الدور ، أو لم يلتزم بالقواعد المتعارفة لهذه اللعبة ، وأنه قد غش فيها ، والغش فعل غير محبذ و ... الخ.
   أما اذا كان اللعب جماعياً ، فيصبح تعليم الأصول أيسر لأن الطفل يجد نفسه ملزماً عملياً بالتقييد ببعض الحدود لكي لايحرم من اللعب.
   ويسعى الطفل في أثناء اللعب ايضاً الى مقارنة سلوكه مع سلوك الآخرين ويندفع

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 218 ـ

   تلقائياً الى مطابقة سلوكه مع الجماعة، واذا تكرر الفعل اصبحت الحالة أكثر ثباتاً في نفسه .
  2 ـ سرد القصص : يرغب الأطفال كثيراً ـ بل وحتى الكبار ـ في سماع القصص.
   وكثيراً ما يكون سرد القصة مدعاة للنعاس والنوم ، وتلعب القصص دوراً فاعلاً في تكوين القواعد السلوكية عند الأطفال عن غير وعي منهم ، بشرط أن يجري إعدادها بشكل مدروس وهادف.
   وقد تؤدي القصة اذا كانت سيئة المضامين الى بروز انحرافات خلقية لدى الطفل ، أما اذا كانت مضامينها نبيلة فتغرس في نفس الإنسان الطباع الإيجابية والسجايا الحميدة.
   يمتاز الطفل بالرغبة في مشاكلة الآخرين والتشبه بهم .
   فإذا ما أثار أيطال القصة او مضامينها إعجابه ، يجد في نفسه رغبة تدفعه للانسياق وراءها والتطابق مع ما فيها.
   وعلى هذا فإن كان لدى الأبوين أو المربي أية نقاط وملاحظات يريدون الإيحاء بها الى الطفل ، فمن الأفضل بالنسبة لهم صياغتها في قالب القصة وسردها عليه.
   ومن المؤكد أن تأثيرها أشد بكثير من الإيحاء المباشر ، بالإضافة الى ما فيها من ميزة أخرى وهي عدم إيذاء الطفل فيما اذا اشتملت القصة على تقبيح عيب موجود عنده ايضاً.
  3 ـ التعامل العاطفي : قد يصدر من الطفل خلال الحياة اليومية فعل جدير بالتقدير والثناء وقد يبادر الأب أو الأم الى تقبيله من باب التشجيع

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 219 ـ

   والاستحسان.
   ويمكن استثمار فرصة التعبير عن مشاعر المحبة لطرح نقطة أخلاقية أخرى ، والحصول على وعد منه بتقويم سلوكه أو ترك المشاكسة والعناد.
   وقد أظهرت الدراسات أن الطفل أكثر استعداداً في مثل هذه الحالة لتقبل ما يطرح عليه ، والالتزام بما وعد به حينما كان يستشعر لذة القبلة من والديه ، أو أنه سيبقى متمسكاً بذلك الى فترة ما على أقل تقدير .
   ويمكن ايضاً طرح بعض النقاط الأخرى عليه أثناء الغضب والزجر أو العقوبة ، كأن يقال له مثلاً إن تصرفك الفلاني لايعجبني ، واذا فعلت كذا وكذا فإني احبك اكثر.
   وحين يشار الى أحد الجوانب يفترض أيضاً عدم نسيان الجوانب الأخرى.
  4 ـ تلبية احتياجاته : يتكل الطفل على أبويه في كل شؤونه ، ولا يمكنه الإكتفاء ذاتياً ، والوقوف على قدميه .
   فهو كائن محتاج دوماً ومضطر الإستعانة بالوالدين لتلبية احتياجاته ، ونحن لا نقول بأن تلبية احتياجاته يكون مقروناً دوماً بالمنة وفرض الشروط ، لكننا نرى أن بعض الموارد تتيح لنا فرصة الإرشاد والتوجيه أثناء تلبية حاجاته.
   فعندما نذهب الى السوق لشراء الثياب ، أو عند تقديم أية هدية له أو حين اعطائه مصرفه اليومي أو الأسبوعي ، يمكن استتثمار مثل هذه الفرصة ، وتأكيد بعض المسائل الأخلاقية عليه ـ فنطلب منه الطاعة والإنقياد في أمر معين .
   وتوجد لدى الطفل خصلة طيبة وهي رغبته في إرضاء والديه ومربية بشكل أو آخر ، حتى وإن كان في ذلك عمل شاق او عسير .

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 220 ـ

  5 ـ الأحاديث العائلية : من الطبيعي أن تدور الأحاديث دوماً بين الزوج والزوجة والطفل الى جانبهما منصت لما يقولان ، أو مشغول باللعب في احد زوايا الغرفة ، الا أنه منتبه لما يدور بينهما من غير التدخل المباشر في ذلك.
   ومثل هذه الفرصة تتيح لهما طرح بعض المسائل الأخلاقية المستهدفة بشكل غير مباشر وتطبيقاً للمثل القائل « إياك أعني واسمعي يا جارة ».
   فيقول الأب مثلاً أني استاء كثيراً من التصرف الفلاني ، أو أن الشخص الفلاني قام بعمل أزعجني كثيراً او إنني شعرت بكثير من الارتياح للعمل الفلاني الذي قام به أحد الأشخاص و ... الخ.
   وانطلاقاً من مشاعر التعلق بالوالدين والمربين ، يحاول الطفل الإصغاء الى حديثهما وايجاد صيغة من التطابق بينه وبين الصورة المثالية التي يطرحونها في احاديثهم ، وترتيب حركاته وسكناته بالشكل الذي يرضيهم.
   وهذا من السبل الناجحة في الإيحاء الأخلاقي.
  6 ـ تعليم المسائل الدينية : تتمثل بعض مهام الأبوين في تعليم المسائل الدينية للطفل الذي تنضج لديه قوة الإدراك الديني في تعليم المسائل الدينية للطفل الذي تنضج لديه قوة الإدراك الديني في السنة التاسعة من عمره ، اذ يقوم وابتداء من تلك السن بأداء بعض العبادات ، وحيث تكون الفرصة سانحة للتربية الأخلاقية بسبب قوة التأثير الديني الذي يمكن الإستعانة به لبلوغ هذه الغاية إن التصور السائد عند الطفل بوجود قوة تشرف على كل اعماله يدفعه الى الوقوف امام هواجسه.
   وغالباً ما تتسم مثل

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 221 ـ

   هذه المشاعر بالضعف قبل سن العاشرة ، ولكنها تأخذ طابعاً اكثر جدية من بعد السنة الثانية عشرة من عمره حتى أن علاقاته الإنسانية والأخلاقية تتكون بما ينسجم وهذا الإطار ، وحينها يصبح إلقاء الافكار الأخلاقية وتقبله لها سهلاً .
  7 ـ استخدام المنطق والاستدلال : وأخيراً إذا نشب أي نقاش أو جدال او بحث في موضوع ما ، فلا مفر لنا من استخدام منطق يفهمه الطفل لبيان حسن العمل وقبحه ، والسبب الداعي لأن يكون الطفل على هذه الشاكلة أو تلك .
   وواضح أن من الخصائص الواضحة للطفل أنه شخصية بسيطة وسريعة التأثر ، فهو ليس بحاجة الا استدلال أو منطق معقد ، بل يكفي أن يقال له انك اذا فعلت كذا فأنت طفل جيد وسيكون أبوك راضياً عنك ، وسيرضى عنك ربك أيضاً.

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 223 ـ

مراحل التربية الأخلاقية
   يجب أن تتناسب التربية مع مستوى سن الإنسان وفهمه ونضوجه.
   وسيتضح من خلال ذلك مدى الامال المروجة منه ، يجب النظر في نوعية التعليم الواجب تقديمه للطفل في كل مرحلة فليست جميع الأصول والقواعد ممكنة التطبيق في جميع المراحل.
   ومن المفيد لنا حتى في مرحلة الطفولة معرفة ان المسائل التي يمكن طرحها في السنوات الثلاث الأولى تختلف عن المسائل التي يجب تعليمها في السنوات الأربعة الثانية من العمر.
   ونشير في ما يلي الى بعض النقاط المهمة في هذا الصدد مع مراعاة الإختصار.
  1 ـ بداية الأخلاق : ما هي المرحلة التي تبدأ فيها الأخلاق والتربية الآخلاقية ؟ والجواب هو أنها تبدأ في الأشهر الأولى حين يبدأ الطفل بإيجاد نوع من الصلة مع أبويه بالابتسامة التي ترتسم على محياه .
   وقد يتصور البعض ان الحديث عن شيء اسمه الأخلاق في مثل هذه المرحلة يبدو امراً غريباً ، بينما أثبتت الدراسات حقائق تنافي هذا التصور.
   فهنالك أصول أخلاقية يجب تعليمها للطفل ابتداء من تلك الفترة ، وحتى ان الواجب يحتم علينا السعي لتعليمه بعض العادات المتناسبة مع ذلك السن.
   يرى علماء نفس الطفل أن خصال الطفل وطباعه تتبلور منذ أيام رضاعته وطفولته ، وعلى هذا الأساس فلابد من بدء التربية الأخلاقية منذ

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 224 ـ

   ذلك الوقت المبكر، لان تأخيرها سيؤدي الى مصاعب مستقبلية عويصة.
   تتجلى في الطفل مفاهيم الصلاح ، ومعرفة الواجبات ، واحترام الآخرين عند حوالى السنة الثالثة من عمره ، وفي هذه المرحلة الأساسية يتبلور وجدانه الأخلاقي ، أي القدرة على تشخيص الأمر القبيح من الجميل.
   وفي ميسورنا تعليمه المفاهيم النبيلة من أمثال الرأفة ، وعلو الهمة والنشاط والتحمل ، لتتكون منها قاعدة صلبة لتقوية شخصيته .
  2 ـ الاسس الأولية : من الضروري الاشارة هنا الى وجوب كون التعليم ـ وفي أية مرحلة كان ـ مكملاً للدورة السابقة وممهداً للدورة اللاحقة.
   أن قلة الوقت ، وقصر فترة العمر لايسمح لنا بتعليم الطفل اشياء نضطر في ما بعد الى محوها من ذهنه لاسيما وأنه بعد رسوخ المواضيع في ذهنه وغرس العادات الأخلاقية في النفس يكون اقتلاعها من الأمور الصعبة جداً .
   كما لابد من الانتباه الى أن الأسس الأولية في الأخلاق لها أهمية بالغة .
   فشخصية الانسان تنمو في ما بين 4 ـ 7 سنوات ويبرز فيها الطابع الفردي ويصبح الطفل عندها بحاجة الى المزيد من المثابرة والاهتمام.
   وتبقى هذه الحاجة قائمة الى ان يثبت السلوك الأخلاقي في الشخصية وليعلم المربون والوالدان أن السنوات الخمس الأولى من العمر أهم سنوات الحياة ، ويصطلح عليها المربون باسم السنوات الحية لأن اسس الخصال وأصولها تبنى فيها .
   عليكم أن تعلموه حسن الأدب منذ نعومة اظفاره ، واحترام الآخرين ، والاتصاف بالشجاعة والسخاء والشفقة ، وان لايمتنع عن اعارة

تربية الطفل دينيا وأخلاقيا   ـ 225 ـ

   اشيائه الخاصة للآخرين ... الخ.
  3 ـ السنوات السبع الثانية : يقع قسم من مرحلة الطفولة في نطاق السنوات السبع الثانية من العمر ، وفي هذه المرحلة تأخذ التربية طابعاً جدياً ورسمياً ويكون فيها الطفل مسؤولاً عما يصدر منه من تصرفات منافية للآداب والأصول.
   ولاتفوتنا الإشارة الى أن الطفل في المرحلة الإبتدائية ليس ملاكاً طاهراً وزاهداً في الدنيا لتتوقعوا إن أمره طوع إرادتكم ؛ بل انه يعيش في الأجواء المدرسية المشحونة بالضوضاء والصخب وتسودها أجواء قلقة من التنافس المحتدم ، اذن فهي ـ والحال هذه ـ تتطلب فرض شيء من الرقابة على بعضها.
   تحضى مسألة القدوة في هذه المرحلة بشيء من الأهمية ، لأن اخلاق الطفل تنساق وراء مايسمع وما يرى ، أو كما يقال إن لآرائه التي يصدرها بهذا الصدد صورة واقعية.
   ولابد من السعي طبعاً لكي تكون لهذا الأمر صورة منطقية استدلالية قائمة على أسس دينية.
   وعند اجراء الضوابط لابد لنا من ملاحظة عوامل السن والفهم والإدراك والنضوج الجنسي.
   تظهر على الطفل في حدود السنوات (9 ـ 12 ) مواصفات أخلاقية خاصة تبقى ملازمة له عادة حتى فترة البلوغ ، ويصبح للاصدقاء دور في حياته اثناء هذه المرحلة ، وتؤثر فيه ايضاً توجيهات الوالدين ، والتشجيع والتثبيط الذي يلقاه من الكبار ، وعلى المربي ان يسعى لتكوين رقابة داخلية عند الطفل حتى تكون الأرضية معدة بين سن 6 ـ 10 سنوات .