|
الابواب التالية :
1 ـ في موضوع التعليم :
هنالك أساليب وفنون مستخدمة في التعليم لغرض تربية الطفل تربية صالحة ، وأهمها السير في عالم الطبيعة وفي الافاق والنفس ، ومنها ايضا التذكير في المواضع التي يكون فيها مجديا ، والتفكير في النفس وأبعادها الوجودية ، وكذلك الحث على التمعن والتدبر في الامور ، والتعقل والاستدلال والاستفادة من التجارب الشخصية ، والسياحة وزيارة الاماكن المقدسة ، ثم الاستفادة من كل ذلك للتوعية واستخلاص العبرة و ... الخ.
لاتقتصر الدروس الدينية على المواضيع الذهنية الصرفة ، لانها ستكون والحالة هذه جافة لا طائل من ورائها ، ولكن أحيانا يمكن توجيهه نحو مشاهدة العناصر الموجودة امام ناظريه من جمال الخلق والطبيعة ، الى الدين وما فيه من تعاليم قيمة ، وعظمة الخالق وقدرته المتجلية في أعماق روحه.
لايعني الاسلوب التربوي الهيمنة التامة على فكره وعقله ، واستعباده.
ولهذا السبب فهو لايتمثل في السعي لالقاء المواضيع الجافة التي لاتجدي شيئا ، بل يتلخص في الاستعراض العملي والمعاينة الواقعية لصورة الدين الحقيقية في الحياة العائلية ، وفي المواقف العملية الهامة.
ينبغي رفع مستوى ادراكاته عن طريق الاسئلة ، وتقوية قدرة التعميم لديه بأسئلة كهذه : من خلق الارض ؟ من خلق الشجر ؟ من أوجد الماء ؟ من أوجد السماء ؟ ... الخ ، ليستنتج من ذلك أن ادارة الكون وتدبيره تسير بمشيئة الله وبقدرته.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 77 ـ
وعلينا ان نجعل من الله شيئا مهيبا ومحبوبا في ذهن الطفل ، وأن نحاول تسريب روح الدين الى أعماق وجوده ، وازالة الشكوك من كوامن نفسه .
ولتكن اساليب التعليم مسموعة ومرئية ، لا بل خاضعة للادراك واللمس لكي تستهوي اليه الطفل وتدفعه الى الاعتقاد والايمان بدينه قلبيا .
2 ـ في موضوع التربية :
تقوم تربية الطفل دينيّا على جملة من المسائل والمواضيع أهمها :
* احياء الفطرة :
تكمن في ذات الطفل وفطرته نوازع تسوقه صوب التقوى ، والعدالة ، والاخلاص ، والطهارة .
فالصفاء والطهارة أمور يمكن ملاحظتها لدى الاطفال في مختلف ارجاء العالم ، فلا نعرف في كل العالم شخصا أكان ينبغي في طفولته سوى الخير والصلاح ، والنبل والاخلاص ، أو ان لا يستحسن اعانة المظلوم.
يعتبر احياء الفطرة بذاته خطوة نحو الامام ، وله دور هام في تربية وبناء الاطفال الى فطرته ، واستحصال الحكم من ضميره ، وجعل حظه ونصيبه على أساس ما يقره ضميره وفطرته.
تتطلب تربية الجيل السعي لمناصرة الحق لا غير ، وتجسيد هذا المنهاج امام الطفل بعيدا عن آية شائبة ، ومنزها عن أية مصلحة وان نسمح لفطرته ان تبقى سليمة لا يمسها اي سوء ، يبقى الطفل بريئا وصادقا وصالحا ، وميالا للفضائل .
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 78 ـ
تغذيته بمحبة الله :
يجب ان نفعل ما من شأنه أن يؤدي الى محبة الطفل لله ، وهذا ما يجعله ملتزما باحكام الله.
وان بلوغ هذه الغاية يطلب منا ان نظهر له ان الله محبوب ورؤوف ورحيم ، وأكثر عطفا من الوالدين.
ومن الضروري ايضا ان تستقر في ذهنه فكرة ان الله يحبه ويريد له ان يكبر ويكون فردا فاضلا وسعيدا ، ومرموقا .
ويجب ان نحدث الاطفال دوما ومنذ السنة السادسة من أعمارهم عن رحمة الله وعنايته ولطفه وكرمه ، لا عن غضبه وناره وعقابه.
يمكن الاستفادة من جميع الوسائل المشروعة لتغذية الطفل بمحبة الله ، ولو عن طريق أختلاق القصص في هذا الصدد وسردها عليه ، ولاننسى أيضا ان تصورات واحاديث الابوين بشأن الله تؤثر في صياغة أفكار الطفل.
*محبة أولياء الله :
يجب بناء شخصية الطفل على محبة أولياء الدين كالرسول والائمة عليهم السلام وحماة الدين الاخرين ، ليكون أمرهم ونهيهم وسيرتهم مثالا يحتذي به الطفل ، ويمكن تحقيق هذا الهدف بسبل شتى منها على سبيل المثال ذكر قصص حياتهم وتضحياتهم وما قدموه لنا من خدمات .
فالاطفال يميلون عاطفيا الى حب الشخصيات التي تستثير أعجابهم والتي تمتاز بالنزعة البطولية والاسطورية ، فلو اننا استطعنا ان نصور للطفل مدى عظمتهم ـ كما كانوا حقا ـ وشرحنا لهم مآثرهم وتضحياتهم بلغة سلسة يهضمها ، فسيتفاعل معهم قلبيا ، ويتشرب قلبه بحبهم ، وتدفعه رغبته في
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 79 ـ
مسايرة الاخرين الى اتباع اسلوبهم واقتفاء أثرهم في الحياة.
* بث روح الجماعة والتعاون :
وعلى التربية ايضا ان تهتم بتقوية جانب التولي والتبري عند الطفل بحيث يتقبل ولاية أولياء الحق ومحبي العقيدة ، ويتبرأ من أعداء الدين.
فكما ان الضرورة تستوجب حبه للاخرين فعليه أيضا معرفة الاولويات في حب الخير وايصاله للاخرين .
فالخير والمعروف والمحبة لها درجات تبدأ من الوالدين والاقارب والجيران والاخوة في الدين الذين يؤدون واجباتهم ومن مواقع مختلفة ، ثم يأتي من بعدهم اتباع الاديان الاخرى ـ حتى وان كانت معتقداتهم غير سليمة ـ الذين لا تصدر منهم أساة ضد الاخرين.
ويجب أن تكون الروحية الجماعية قوية عند الاطفال ، وتنتشر فيما بينهم روحية التعاضد والمؤازرة التي تحقق في ظلها الوحدة والالفة التي تتيح لهم فرصة مؤازرة بعضهم الاخر وتوحد قواهم من أجل تحقيق بعض الانجازات الكبرى على الصعيد المحلي والدولي ، أو كما عبر عنه رسول الله (ص) : ان يكونوا يداً واحدة على سواهم .
د ـ الفنون والوسائل اللازمة :
يتناول الحديث هنا الوسائل والفنون والسبل التي يجب استخدامها لانجاح العملية التربوية ، ونشير في ما يلي الى بعضها :
1 ـ الوسائل :
هنالك وسائل جمة يمكن توظيفها في الحقل التربوي ، ويمكن تلخيص بعضها كما يلي :
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 80 ـ
* القصص :
لا شك أن القصص المتعلقة بحياة ومواقف أئمة الدين تزيد من معارف الطفل ، وتؤثر فيه تأثيرا عجيبا وتغرس في نفسه محبتهم وتحفزه على محاكاتهم والاقتداء بسيرتهم .
ونحن نستطيع من خلال هذا الاسلوب ايصال المعلومات والافكار المفيدة الى الطفل.
* التجمعات والمجالس :
فالطفل الذي يشهد الانشطة الدينية في المساجد والمجالس والتجمعات الموجهة توجيها دينيا سليما تؤثر في تربيته الدينية ونضوجه الفكري ، ويتوفر هذا الاستعداد لدى الاطفال ابتداء من سن الثالثة ، اذ يقومون من بعد هذه السن بتعلم وحفظ الايات والادعية والبرامج الدينية الاخرى ، فالطفل يتملكه الفرح حينما يذهب برفقة ابيه الى المسجد ويصغي الى المواضيع الدينية بكل جوارحه .
ويرغب من بعد الثامنة في الانضمام الى الجمعيات والتجمعات الدينية ويعتبر ذلك مصدر فخر له .
* السلوك الديني الجماعي :
يرغب الطفل عادة بالمشاركة في صلاة الجماعة وقراءة الاناشيد الدينية بشكل جماعي.
ويبدو أن التمثيليات والمسرحيات ، والعبادات الجماعية ، والتواشيح الدينية الجماعية تسهم في أشباع العاطفة الدينية عند الطفل ، وتنمي ميوله الدينية ، وتزرع في نفسه الصفاء والاخلاص حتى وان كانت تلك النشاطات تجريها طبقات اجتماعية أخرى.
* المنطق والاستدلال :
غالبا ما يتأثر الطفل بأستخدام المنطق الذي يميل اليه وكذلك بأستخدام اللغة التي يفهمها ، وعلى هذا يجب ان تكون البرامج منسجمة ومتسقة مع بعضها بحيث تسوق الطفل نحو الانسجام الفكري ،
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 81 ـ
وان تكون مفهومة بالنسبة له ومقنعة وربما يتناسب ومقدرته الفكرية.
ولايفوتنا أن نذكر ان التفكير يبدأ عند الاطفال منذ سن السابعة ويتطور لديهم بالتدريج .
* المناسبات والفرص :
تمر أحيانا فرص خلال مسار الحياة العامة ، ويجب على المربي اغتنامها بأعتبارها وسيلة واداة تعينه على تحقيق هدفه .
فنحن المسلمين تمر علينا الكثير من المناسبات الدينية ، كالاعياد ، والمواليد ، والوفيات التي يمكن استغلالها كفرص لطرح البحوث والكلمات التي تتضمن مسائل اسلامية ، وتتحدث عن آداب ومقتضيات الحياة الاسلامية ، وعن الاخلاق والعادات الدينية ، لاجل زرع بذور العاطفة الدينية في روح الطفل.
2 ـ الفنون :
يمكن التحدث عن نقاط عديدة في هذا الحقل لايتيسر شرحها جميعا في هذا البحث المختصر ، الا هنالك نقاطا مهمة يمكن الاشارة اليها ـ مع مراعاة الاختصار ـ بالشكل التالي ـ
ـ طرح القدوة : نرى ان الضرورة تستدعي هنا الحديث بشكل مفصل بسبب أهمية الدور المصيري الذي تؤديه القدوة في بلورة شخصية الطفل ، فالتربية وخاصة الدينية منها تقوم على التعليمات والاطر التي يضع أسسها الوالدان والمربون .
فنلاحظ الطفل يقضي أثر السلوك الذي يراه يصدر من والديه ، سواء كان ذلك السلوك سليما أم سقيما .
يعتبر اقتفاء القدوة مسألة هامة في جميع الاعمار ، الا انه يصبح أكثر رسوخا في النفس بين سن 6 و 12 عاما ، وهنا تجدر الاشارة الى ان الطفل
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 82 ـ
في سن الرابعة من عمره يتصور أباه قدوة مطلقة يعرف كل شيء وأن كل ما ( يبدر ) منه صحيح ، ولهذا السبب نؤكد لهم دوما على ضرورة الانتباه الى كل حديث او تصرف يصدر منهم .
ونحن نعتقد ان القدوات التي تطرح لتربية الاطفال في مجال الاخلاق والصبر والامانة والاخلاص والصلاح ، واجتناب الشبهات ، ينبغي ان تكون صالحة وعالمة وربانية ، تقول القول الحسن ، وتلتزم بما تقول ، وأن يأخذوا بنظر الاعتبار ان ذهن الصبي اشبه ما يكون بالارض الخصبة فهو يصدق بكل ما يسمع ، حتى الاوهام والخرافات.
اننا لانعتقد بفاعلية الكلام في التربية ، ونرى ان السلوك العلمي للوالدين اكثر فاعلية وتأثير.
فالسلوك الديني للطفل يتوقف على مستوى ادراك وفهم ونوعية سلوكهم ومواقفهم في مختلف الحوادث والظروف ، فهم يعتمدون على الابوين ، على العكس من الشباب الذين ينزعون للاستقلال والوقوف على أقدامهم.
ـ العبر والدروس : وهذه ايضا نقطة مهمة وبناءة في التربية وهي ان نجعل من كل حادث او موقف ، درسا يستفيد منه الطفل ، كأن نعلمه مثلا ان شخصا كذب ثم افتضح أمره ، أو أن آخر سرق فأهينت كرامته ، وان كل من يتهاون او يتكاسل يتعرض للشقاء ، وان شخصا قد زرع شرا فلم يجن الا ثمره ، وآخر قد ذهب من الدنيا وخلف وراءه ذكرا حسنا او سيئا، فكل هذه تعتبر دروسا يعتبر بها الطفل.
فان كان المربي واعيا ومتفهما الامور أمكنه استثمار مثل هذه الحوادث وتقديمها للطفل بشكل مثمر وبناء.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 83 ـ
ـ الانتباه الى رغبات الطفل : ليس الطفل على استعداد في كل الاوقات لانجاز اي عمل يطلب منه .
فلا تحدوه الرغبة احيانا في الصلاة معكم ، فلا تضغطوا عليه وتلزموه بالصلاة كرها ، لان مضار هذا العمل اكبر من نفعه ، دعوه يتجه للصلاة طوعا .
كي يؤدي صلاته بشوق واندفاع وحضور للقلب ، فالاكراه باسم الدين لا يجدي نفعا .
ومن الضروري ان يجد الطفل ارتياحا مع شخص آخر ملتزم دينيا .
لان مثل هذا الارتياح والالفة ، يكرس الانضباط الديني في أعماق نفسه .
ولو انه اعطي الحرية في العبادة كما هو حر في الفكر ، واتبع معه هذا الاسلوب مبكرا أي قبل العاشرة او حتى قبل الثامنة من العمر ، فسيعطي هذا الاسلوب ثماره لاحقا ، وتتركز الاسس في نفسه .
هـ ـ المحاذير :
تتطلب التربية الدينية الالتفاف الى بعض النقاط ، والحذر من أخرى لكي تكون التربية أنجح وأجدى ، ويمكن الحديث عن هذه النقاط في أبعاد متعددة ، أهمها :
1 ـ عند الاجابة على أسئلتهم :
علينا ان نتذكر أن مدى فهم الطفل للمسائل الدينية محدود جدا ، وهو الذي يدفعه لطرح الكثير من الاسئلة في الحقول المختلفة لتوسيع دائرة معارفه .
ان في اسئلته دلالة على رغبته في جعل معلوماته الدينية عقلية وقائمة على البرهان.
وهذه نقطة ايجابية يمكن للمربي استثمارها.
المهم هو تقديم الاجابات على اسئلته وينبغي ان تكون صحيحة ومقنعة.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 84 ـ
فالوضع لا يتطلب الاجابة المدعومة بالاستدلالات القوية والمعقدة ، لانه قد لايدرك حقائقها لعدم امتلاكه لمقومات الفهم المنطقي المبرهن ، ولكن من الضروري أن تكون الاجابة قاطعة بحيث تقنعه لا أن تسكته ، ويجب أن يتقبلها قلبه الطاهر البريء ، ويستسغها ذهنه ويضعها في موضعها المناسب.
والنجاح في هذا المجال يتوقف على مدى المعلومات والمعتقدات التي يمتلكها الوالدان والمربون ، ومدى ايمانهم بما يقدمونه له من الاجوبة، فان كانت لديهم قضية غامضة في مجال معين فليتجنبوا ذكرها وليضعوا أنفسهم في موضع فهم وادراك وظرف الطفل ، عند الاجابة على سؤاله .
2 ـ اجتناب الانعكاسات التربوية السيئة :
تنشأ الكثير من الشبهات والانعكاسات التربوية السيئة من جهل ، أو عدم انتباه المربين ، وقد يكونون معذورين في ذلك ، لان بعض المستشرقين الحاقدين ، والاصدقاء الجهلة والاعداء قد لوثوا الافكار بالروايات والاساطير التي اختلقوها باسم الدين وادخلوها عن عمد في اطار الحياة الاجتماعية.
فاذا دخلت المعتقدات والافكار الخاطئة الى الاذهان ، لا تخرج منها بسهولة ، والاسوأ من ذلك هو نقلها الى الاجيال الاخرى ورسوخها في اذهانهم ، فيجب اذن تعليم الاطفال مسائل دينية لا تستدعي الاصلاح في ما بعد .
فالصورة التي يختلقها الوالدان والمربون في أذهانهم عن الاعتقاد بالله ، والايمان بالدين واحكامه يفترض ان تكون بشكل يغرس فيهم روح الدين بشكل صحيح ، وان لا يجد الطفل المسائل التي تعلمها تتنافى الان وفيما
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 85 ـ
بعد ـ مع الحق والحقيقة .
والغاية من كل ذلك جعل المعتقدات الدينية للاطفال قريبة من واقع الحياة اليومية ، ومن التجارب والمعلومات التي يحصل عليها من البيت والمدرسة.
3 ـ التعود على العادات الدينية :
لنجعل حياتنا وحياة عائلتنا حياة دينية ، بحيث تتطبع كل تصرفاتنا وعلاقتنا ومأكلنا ومشربنا ومواقفنا بطابع الدين.
ولتكن صلاتنا في اول الوقت ، ولننظم برنامجا للطفل في اللعب والتسلية والراحة بشكل يكون فارغ البال في هذه الساعة لكي يجارينا في الصلاة.
يحتاج الطفل أن نحيي فيه روح حب الخير لبني الانسان ، لاسيما اذا لاحظ وجود مثل هذه الخصلة لدينا حتى يتعلمها منا ، كونوا طليقي المحيا في التعامل مع الاخرين ، فحصيلة ذلك طلاقة محيا أبنائكم في تعاملهم مع الاخرين ايضا ، أكثروا من ممارسة العمل الذي ترغبون ان يتحلى به أبناؤكم ، فسيعتادون على ممارسته تدريجيا حتى يمسي خصلة متجذرة فيهم .
فالصفات الدينية ضرورية لابنائنا الذين نطمح في تنشئتهم تنشئة دينية ولو اننا واصلنا هذه السلوكية ( طلاقة المحيا وممارسة العمل الطيب ) فان نرى على الشخص ـ الطفل ـ أي ضجر أو عجز عن أكتساب مثل تلك الصفات ، بل ستتخذ برنامجا عاديا وطبيعيا لاتكلف فيه ، ونشير أيضا الى انه ليس المقصود من العادة هنا الشكل المكرر والتلقائي للعمل الذي يتطلب الانتباه والحضور الذهني ، بل الغرض هو غرس تلك العادة لدى الشخص فلا يشعر معها بالتكلف في اداء العمل ، كالصلاة مثلا ، فعندما يقوم الشخص
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 86 ـ
بأدائها لايشعر بالتعب والضجر منها.
4 ـ التعب الجسدي والذهني :
يطمح كل منا في ان يتربى أبناؤه ملتزمين بالدين وتعاليمه ، لكن ينبغي أن لا نميل الى ارهاقه بالعبادة والممارسات الدينية الاخرى حتى لا يسأمها وينفر منها .
فالطفل الذي يرهق بالعبادة منذ الصغر يفضل البقاء بلا دين أو اي التزامات دينية.
وقصدنا من هذا الكلام هو ان ناخذ بنظر الاعتبار ـ في الفرائض والعمل بها ـ القدرة الجسدية والتحمل الفكري والنفسي والعاطفي للطفل ، ثم نلاحظ مدى قدرته واستعداده للعمل والتحمل ، فلا نتوقع منه وهو في السابعة من العمر ان يشارك مع ابيه في احد المسيرات ويواصلها حتى نهايتها ويردد الشعارت كما يردد ابوه.
فهو طفل وسريع التعب ، ولا يتحمل ان يجلس من هو في العاشرة من عمره في احد المجالس الدينية ويبقى هادئا وصامتا لمدة ساعتين او ثلاث ساعات ، او يشارك مثلكم في الدعاء وشعائر العزاء والمراثي.
لقد اظهرت الدراسات والتحقيقات ان اكثر الاشخاص غير المتدينين أو المعادين للدين ينحدرون من فئتين : الاولى ، هم الاشخاص الذين لم يتلقوا في فترتي الطفولة والصبا أية تربية دينية ، والفئة الاخرى هم الاشخاص الذين اقترنت تربيتهم الدينية في عهد الطفولة بالخشونة والشدة أو الاكراه على اداء بعض المسائل بدون فهم لمعناه .
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 87 ـ
و ـ تحذيرات
غالبا ما يؤدي جهل الوالدين والمربين أو تجاهلهم وتساهلهم الى ايجاد مشاكل للطفل يصعب عليه تلافيها في المستقبل ، كأن يلجأ بعضهم الى عزله أو ابعاده عن التربية الدينية على اساس انها لازالت مبكرة بالنسبة له الا انهم يفاجئون بعدم امكانية فعل اي شيء .
أو قد يقوم بعضهم بتعليم الطفل أموراً خاطئة أو معكوسة على امل اصلاحها مستقبلا في مراهقته او عند بلوغه ، ولكنهم سيكتشفون يوما انه قد سبق السيف العدل وان فرصة التربية قد ولت ، ولو أرادوا فعل شيء الان فهنالك المئات من العوارض والصعوبات التي تقف في طريقهم .
ومع أن التربية تبدو سهلة وبسيطة ، الا انها في رأينا عمل شاق وذلك اننا نتعامل مع انسان صعب ومعقد ، ولانكاد نملك من المعلومات عن الانسان الا النزر اليسير ، ودراسة الابوين والمربين عن نفسية الطفل وسلوكه ضئيلة واغلب الناس لديهم افكار متطرفة عن المواضيع التربوية ، ويتصورون انهم يعرفون كل شيء ، بينما الحال ليس كذلك .
فبعض الناس يطالع عشرات الكتب من اجل التعرف على الميكروب ، أو النحل ، او البهيمة ، وانا على يقين بأنكم تعتبرون أبناءكم اسمى وافضل من الميكروب او النحلة او الخروف.
اما عدم مبادرتكم للحصول على المعلومات المفيدة والكافية لتربية ابناءكم فهو موضع نقاش وتساؤل.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 88 ـ
سر التخلي عن المعتقدات :
ولكن ما هو السر الكامن وراء تخلي بعض الاشخاص عن معتقداتهم على الرغم من نشوئهم في عوائل متدينه ؟ والجواب يتضح الى حد ما من خلال التحليل الذي استعرضناه سابقا .
واود هنا لفت انتباه بعض الوالدين الراغبين في تنشئة أبنائهم تنشئة دينية الى التمعن في النقاط التالية لمعرفة السر الكامن وراء تخلي أبنائهم عن الدين ، أو الاتصاف بالنزعة اللادينية.
1 ـ عدم الوعي الكافي بالمسائل الدينية وهو ما يفضي الى الاعتقاد بأن الدين فكرة عبثية لاجدوى من ورائها.
2 ـ التناقض بين قول وعمل كل من الوالدين والمربين مما يدفعه الى اساءة الظن بهم.
3 ـ استخدام الاساليب الفظة والغليظة في التربية الدينية ، وفرض الطاعة العمياء البعيدة عن كل فهم أو نقاش.
4 ـ افتقاد القدرة على الاستدلال المنطقي في هذا الصدد ، والتي يعتبر وجودها ضروريا لكل شخص لاجل الدفاع عن معتقده .
5 ـ شيوع الكثير من الاوهام والخرافات والاساطير باسم الدين وهذا مايسيء الى سمعته .
6 ـ عدم الربط بين الدين والعلم لا بل وحتى الايحاء بتضادهما .
7 ـ التأكيد ـ باسم الدين ـ على وجوب هجر كل انواع اللذة ، بدعوى ان اجتناب اللذات من مستلزمات التدين.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 89 ـ
8 ـ وجود الهوّة الشاسعة بين ما يطرحه الدين من تعاليم ، وبين التطبيق العملي في المجتمع من قبل القائمين بأمر الدين.
9 ـ تحميل الطفل ما يفوق طاقته الجسمية والنفسية ، مستغلين بذلك خجله.
10 ـ عدم اعداد الارضية الكافية لدى الطفل ، حتى ان انشداده الى التلفزيون يصرفه احيانا عن التوجه الى الصلاة.
11 ـ العلاقات الاجتماعية المتفسخة التي تعريه بالجري وراء المفاسد.
12 ـ المظاهر الاجتماعية المشجعه على الفساد ، والايحاء المغرض الذي يقف وراءه الجهلة ، والاعداء المتلبسون بثياب الاصدقاء ، او حتى الاستعمار في بعض الحالات ايضا.
نحن أمناء عليهم :
ولاننسى في جميع الاحوال اننا امناء الله عليهم ، وهم امانة الله بايدينا .
وبعد بلوغ سن التمييز تصبح مسؤوليتهم في ايديهم وفي ايدي المجتمع وعلى عاتق زعماء الدين والاصدقاء ، اننا مسؤولون ازاء هذه الامانة وعلينا اداؤها.
والمصيبة تصبح أعظم فيما لو أهملنا التفكير في أمر انفسنا ، وفي أمر أبنائنا ، ان التهاون والتساهل في أداء الواجب تترتب عليه عقوبات قاسية اننا أمام أنظار جيل انظاره مشدودة الينا ليرى ما نصنع ، وأسماعه مصغية الينا ليعلم ما نقول ، نحن مسؤولون عن حسن أو سوء سلوكهم ، والواجب يحتم علينا تنشئتهم تنشئة دينية وشدهم فكريا الى المالك الاصلي وجعلهم من
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 90 ـ
عباده الصالحين.
نحن مسؤلون عن اداء هذه المهمة أمام الله اولا ، وامام الطفل والمجتمع ثانيا ، وان تربيتهم دين لهم في اعناقنا ، والتقصير في اداء ذلك الدين يستوجب العقوبة.
فالمجتمع ينتظر منا رفده بالجيل الصالح والمتربي الذي يأمن الناس من شر يده ولسانه ، ولايقتصر الامر على ذلك بل ان تلك المهمة تعتبر مسؤولية علينا تجاه أنفسنا لان أبناءهم ثمرة حياتنا ، ويجب ان تتم تربيتهم وبناؤهم بأحسن مايمكن ، وبراعم اليوم يجب أن تثمر غدا بأفضل الثمار.
بمن نستعين على تربيتهم ؟
يجب الاستعانة ببعض الطاقات والخبرات لتنشة أبنائنا كما ينبغي ، ونبدأ بأنفسنا أولا ، فنستلهم منها العزم والارادة ، ونشمر عن ساعد الجد لنصنع من طفل اليوم رجلا صالحا غدا.
وثانيا الاستعانة بالمتخصصين وأصحاب الخبرة ، والمسؤولين التربويين ، ومعلمي الاخلاق ، والمتخصصين في دراسة وفهم القران لكي يقدموا لنا المعلومات اللازمة في هذا الصدد.
كما ينبغي استغلال الفرصة المتاحة من قبل المجتمع ، واستثمار الامكانات التي تقدمها الحكومة والاجهزة التربوية في سبيل بناء الانسان الذي يطمح اليه الاسلام.
ينبغي الاستعانة برب العالمين أولا واخيرا ، فهو قريب الدعاء سريع الاجابة لحفظ هذه الثمرة وايصالها الى أوان نضجها .
وهذا هو نفس الدافع الذي حدا بالنبي ابراهيم (ع) لمد يد الدعاء الى الله تعالى وكذلك فعل النبي
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 91 ـ
الاكرم (ص) والائمة الاطهار (ع) الذين كانوا كثيرا ما يتوسلون الى الله كي يعينهم على تربية جيل مطيع لله جل شـأنه عابد له ، ونحن مأمورون باتباعهم لا سيما في هذا الباب.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 92 ـ
ـ 4 ـ التربية الدينية للطفل
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 93 ـ
مقدمة
تقييم الوضع العالمي الراهن
نعيش اليوم في عالم يغالب عليه طابع الرعب والخوف ، ويغمره الاضطراب والحيرة والشعور بالوحدة والحذر والترقب ، وهو حصيلة لما جنته يد البشر ، وكان الواجب عليه صرفه في سبيل رفاهه وسعادته ، يدل ان يكرسه للدمار والخراب واحراق الاخضر مع اليابس ، وتدمير الحرث والنسل ، والقيام بالاعمال غير النافعة كالرحلات الفضائية.
يكثر في عالم اليوم المجرمون من الرجال والنساء ، ومرتكبو الجرائم والجنح من الفتيان والاحداث ، ويتزايد فيه عدد المنحرفين من الصبيان والمراهقين ، وهو عالم اضطربت فيه الاركان المقومة للحياة الاسرية ،
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 94 ـ
وارتفعت فيه نسبة الطلاق بشكل فاحش .
ويسود في مجتمع اليوم ، الزيف والخداع والرياء والتزوير ، والانانية والنزعة الذاتية ، والعناد والغرور ، ويكثر فيه الادمان على مختلف انواع المخدرات والمشروبات والرذائل الاخرى ، وتطغي عليه مظاهر القتل والانتحار.
أغلب الناس في هذا العالم يغطون في سبات عميق ، وعلى مستوى الشعوب في غفلة وجمود ، ولم ينتج عن الهيمنة والضغوط الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، سوى انتشار الامراض النفسية ، والاضطرابات والقلق ، اضافة الى دفع اعداد كبيرة من الناس نحو العبثية الباطلة.
يمكن الاشارة هنا الى عامل الثقافة والتربية باعتباره واحدا من عشرات العوامل لهذه الاضطرابات ، والتأكيد على ان كل هذه العوارض والرذائل حصيلة عمل الاجهزة التربوية في العالم.
لقد سعت الاجهزة التربوية في العالم الى تربية أناس جهلاء يهرعون لتلبية حاجات البدن فقط ، متجاهلين متطلبات الروح.
وقد دأبت النظم التربوية على اثارة الغرائز يدل العمل على تقويمها وتهذيبها ، وعملت على اغراق الاهواء النفسية بدل اشباعها بشكل منتظم ومدروس.
ركزت هذه النظم التربوية على تربية الانسان على بعد واحد ، وهو البعد المادي ، فاصبح الانسان يصب كل جهده على تحقيق مصلحته الشخصية ، ويتهرب من ادنى شعور بآلام الاخرين.
فهو لا يفكر بسعادة ورفاه المجتمع ولا يهتم بملء فراغه الروحي.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 95 ـ
ولا شك ان الجميع مقصرون ومسؤلون عن هذا الوضع الذي تتخبط فيه الانسانية اليوم.
واول المقصرين هم الوالدان لافتقادهم لبرنامج صحيح لتربية أبنائهم ، وحتى ان بعضهم طرح عن نفسه وزر المسؤولية ، وجعل البشرية تواجه معضلات جديدة حين قصر مسؤوليته على توفير الطعام واللباس والسكن للطفل ، ولم يعتبر نفسه مسؤولا عن تهذيب غرائزه ، وتوجيهه بالتربية الفكرية والروحية الصحيحة وللاسف ان أولئك الذين لديهم الثروة الكافية أوكلوا أمر تربية اطفالهم الى الخادمات والحاضنات ، وغفلوا ان تربية الطفل تحترق لها قلوب الوالدين ، بينما لايمس ذلك من الخادمة شيئا سوى حجرها ، وان طفلهم لايساوي عندهم حتى قيمة الاثاث أو المنضدة أو السجاد الموجود في البيت ، لكي يمسحوا بأيديهم على رأسه مرة واحدة كل يوم على اقل تقدير .
والمقصرون في الدرجة الثانية هم المعلمون والمربون ، لانهم لم يوفوا ـ بشكل جيد ـ حق الامانة التي وضعت بأيديهم ، فلم يهذبوا أفكارهم كما ينبغي ، ولم يجعلوا من ادمغتهم مخازن لنفيس الجواهر الاخلاقية والنفسية والادبية وأنفقوا كل جهودهم على تعليمهم لا تربيتهم .
ومسؤولو المجتمع مقصرون ايضا ازاء هذه الاوضاع المضطربة التي يعاني منها مجتمعهم ، لانهم اخذوا بنظر الاعتبار بعدا واحدا للانسان في برامجهم وخططهم وهو البعد المادي ، ولم يضعوا في حساباتهم مطلقا التخطيط لاشباع حاجاته الفكرية وارواء روحه المتعطشة لمعرفة الحقائق.
وعلى كل حال ، اذا كانت هناك نية لاجتثاث هذه الاوضاع القلقة فهي ، لا
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 96 ـ
تتم عن طريق تكثيف الرحلات الفضائية ، ولا عن طريق زيادة الاختراعات ، او توفير المزيد من وسائل الرفاه ، ورفع المستوى الاقتصادي ومضاعفة دخل الفرد ، بل يتم ذلك عن طريق اصلاح البرامج التربوية لا غير .
وجوب تربية الطفل :
لنتحدث أولا : عن معنى التربية ، ونطرح السوال التالي : ما هي التربية ؟ وهناك طبعا أجوبة مختلفة يطرحها أصحاب المذاهب والاديان ، والمتخصصون في فروع العلوم الانسانية ، فقال بعض علماء الاجتماع : ان التربية عبارة عن اعداد الافراد الصالحين للمجتمع .
وقال بعض علماء النفس : انها تعني المراقبة الدائمة للحياة وهي في طريقها لانضاج واحداث التغيير في الفرد بهدف ايجاد القدرة على الادراك ، واعداد الارضية للاستقلال الفكري.
وقد اعتبر بعضهم التربية احداث التغيرات المطلوبة.
أما من وجهة النظر الاسلامية فيمكن القول : ان التربية هي عبارة عن الهداية وتوجيه المسار التكاملي للانسانية ، أو خلق الارضية الجديدة لمساعدة للفرد على النضوج والتكامل في جميع المجالات.
بعد ان لاحظنا التعاريف الواردة اعلاه بشأن التربية ، يمكن القول بأنها :
1 ـ عمل واع ومقصود .
2 ـ تطبق على الفرد أو على الافراد من قبل جهة مقتدرة .
3 ـ ذات هدف وغاية.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 97 ـ
4 ـ غايتها المثلى اصلاح الفرد والعمل على انضاجه ، وتكامله في جميع الجوانب.
5 ـ عمل متواصل ، ومن خصائصه الاستمرارية والدوام.
ضرورة التربية :
ان التربية بهذا المفهوم ضرورية للانسان من الوجهة الفردية ، والاجتماعية ، والسياسية ، والمعنوية ، والثقافية ، وتتمثل ضروراتها في الجانب الفردي في تنامي ونضوج البدن ، وفي تربية الفكر والشخصية ، وتعريف الانسان بواجباته الشخصية ، وخلق الثقة بالنفس ، ومعرفة الذات ، والعثور على فلسفة صحيحة للحياة من اجل اقتفاء الطريق الافضل للسعادة في الحياة ... الخ.
أما في الجانب الاجتماعي ، فتتجسد ضرورة التربية في اعداد الفرد وجعله عنصرا مفيدا لمجتمعه وللمجتمع الانساني عموما ، متحليا بالخصال الحميدة وحب الخير للاخرين ، وقادرا على هضم الظروف الاجتماعية ومعرفة ملابساتها بروحية التفاهم والشعور بالام الاخرين.
وفي الجانب الاقتصادي يمكن تلخيص ضرورة التربية في كلمة المنتج بمعناها الشامل ، أي ان يكون للشخص القدرة على توفير الحاجات الاقتصادية ، وان يكون كفوءا في عمله ، ومتناسبا مع نوعية العمل الذي يؤديه .
وتتضح ضرورة التربية في الوجهة السياسية من خلال تربية الانسان العارف بالشؤون السياسية المعاصرة ، وطبيعة الانظمة السياسية ، وان يتبع
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 98 ـ
الفكر السياسي الصحيح ، وان تتركز مساعيه على بث وتقوية الروح الديمقراطية الصحيحة ، ويدرك سبل تكوين العلاقة مع الحكومة ، ولديه معرفة بواجبات الحاكم وحدود عمله ، والأساليب الصحيحة في اجراء القوانين سواء كان ذلك على مستوى القيادة أم على مستوى القاعدة.
أما ضرورة التربية في الجانب الثقافي فهي من أجل أن يكون التراث الثقافي في حالة تطور وإتساع دائم ومتواصل ، ولغرض أن يكون لدى الأنسان القدرة على استثمار مختلف أبعادها وفوائدها في شؤون حياته المختلفة.
وأخيراً فالتربية ضرورية في الجانب المعنوي الذي تحقق في ظله علاقة الانسان بخالقه ، وبالظواهر المادية ، وظواهر ماوراء المادة وفقاً لقوانين محدده وواضحة ، يجتاز الأنسان في ظلها بحر الحياة المتلاطم الى شاطيء الأمان.
والموضوع الذي يهمنا في هذا البحث هو التربية الدينية التي تعتبر فرعاً من التربية بمعناها العام.
مفهوم التربية الدينية :
التربية الدينية هي في الحقيقة مجموعة التغييرات التي تحصل في فكر وعقيدة الشخص بهدف خلق نوع خاص من العمل والسلوك القائم على الاسس الدينية ، وبعبارة أخرى هي التغيرات والتطورات التي تحصل في فكر وعقيدة الأفراد وتتكون من خلالها الأخلاق ، وتتخذ العادات والأدب والسلوك والعلاقات الفردية والاجتماعية في ظلها طابعاً شرعياً ودينياً ، يبرز خلالها الدين كعنصر فاعل وسائد في حياة الشخص بمختلف أبعادها
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 99 ـ
وآفاقها الرحبة.
ولأجل دراسة هذه المسألة بشكل أعمق ، ينبغي لنا أولاً : تحديد الامور التي نرتجيها من الدين.
لا شك إننا نأمل من الدين ان يحدد لنا نمط العلاقة التي يجب أن تقوم مع الظواهر والكائنات الاخرى المحيطة بنا .
وكلما إتسعت قواعد الدين وتعاليمه ، كلما إتسعت وتعددت أنواع العلاقات والضوابط .
وبناء على هذا يجب على دين كالاسلام الذي هو خاتم الأديان أن يقدم ضوابط وعلاقات متعددة عامة شاملة بحيث تغطي كل جوانب الحياة الإنسانية وتطبعها بطابعها .
فعلى الدين ان يخط لنا المسار الذي ينبغي التزامه في جميع أوجه الحياة ، ويحدد لنا نوع العلاقة مع الظواهر والكائنات في هذا العالم.
يتضح مما سلف أن عمل الدين يتلخص في تحديد الاسس والقواعد التي يجب ان تسود العلاقات ، والتربية الدينية هي عبارة عن العمل الهادف الى تحكيم القوانين والتعليمات في تلك العلاقات.
ضرورة إيجاد القوانين التي تحكم العلاقات :
أن القوانين التي وضعها الدين للعلاقات الأنسانية تعتبر أكثر ضرورة من أية قوانين أخرى ، وذلك لأن الانسان ، في هذا العالم الذي غمره التطور الصناعي ، لم يبق عليه أية واجبات إزاء مجتمعه إلا من الوجهة الدينية.
لقد كان عالم النفس النمساوي فرويد يظن بأن المجتمع لن يحتاج إلى الدين ، وسيكون التقدم الصناعي وحده كافياً لتسيير شؤون الانسان.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 100 ـ
إلا أن تجاهل سماسرة الحروب العالمية لقيمة الانسان ، واضرار الخراب والدمار والمجازر الواسعة ، وأعمال القتل والنهب التي طالت النساء والرجال ، والشباب والشيوخ والأطفال ، والتي لم تنج منها حتى الحيوانات والمباني ، دفعه الى العدول عن رأيه وإعادة النظر في تصريحاته وأقواله.
يقول عالم النفس الشهيد آدلر الذي يستمد أقواله من تجاربه التي قام بها طيلة ثلاثين عاما : إن جميع المصابين بالأمراض النفسيه لايتماثلون للشفاء ما لم يستعيدوا مشاعرهم الدينية.
وعلى كل حال ، فالدين يعني طرح القوانين والأحكام والعلاقات الانسانية ، والتربية الدينية تعني تطبيق تلك الأحكام والقوانين في حياة الناس.
الغايات المرجوة من العلاقات :
يمكن القول أن علاقات الانسان يمكن تقسيمها الى ثلاث شعب وهي : علاقته مع نفسه ، وعلاقته مع ربه ، وعلاقته مع العالم بمعناها الاوسع ، وعلى التربية الدينية أن تغطي هذه الجوانب الثلاثة بكل تفاصيلها .
وهذا يعني أن لدينا ثلاثة أنواع من القوانين لثلاثة اشكال من العلاقات.
وسنحاول في ما يلي استعراض هدف كل واحد من تلك العلاقات باختصار ، مع تناول اساليب الوصول الى تحقيقها .
الهدف من علاقته بذاته
إن باستطاعتنا ان نقول بشكل عام بأن الهدف المنشود من العلاقة بالذات
|
|