التربوي ، ويستخدم القسم الاخر منها في كلا الجانبين وبما يتناسب مع واقع الحال.
ولا يفوتنا ذكر بعض الجوانب الاخرى المفيدة في هذا السياق من قبيل المعاشرة والصداقة ، والامر والنهي ، والانتباه الى ظواهر الامور وفوائد ذلك والعادة و النصحية ، والانذار والتنبيه ، وما شابه ذلك.
مبادئ تربوية :
هنالك مجموعة مبادئ يجب تطبيقها في تربية الطفل ، وأهمها : ـ
1 ـ مبدأ المحبة ، وعلى أساسه يقوم العطف والحنان.
2 ـ مبدأ التشجيع : يخلق لدى الافراد دوافع السعي والحركة.
3 ـ مبدأ القيد الذاتي ، حيث لاينبغي ان يرى الطفل نفسه حرا في ممارسة أي فعل من غير أن يأبه لاي شيء .
4 ـ مبدأ الاعتدال الذي ، يلزم الانسان تجنب التطرف والتفريط.
5 ـ مبدأ الحرية ، بشرط ان تكون مقيدة وغير متحللة .
6 ـ مبدأ تهذيب البيئة الاجتماعية : لان ما يراه الفرد وما يسمعه في البيئة الاجتماعية له آثاره الفاعلة في نفسه .
ولكي تأخذ تربية الجيل دورها المطلوب والمؤثر ، يصبح من الضروري ضبط ومراقبة القصص ، والتمثيليات ، والفنون ، والاداب ، والمسرح والامثال المتداولة في المجتمع.
وأن نهتم أيضا بتعديل الغرائز ونحول دوم تضخيمها او التقليل من شأنها ، فلغريزة الطعام والجنس والغرائز الاخرى أيضا ـ كحب الذات ـ مكانتها ، ولكن يجب ان تكون في وضع معقول .
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 27 ـ
المسير بين قطبين :
يفترض في التربية أن تجعل الانسان يشعر وكانه سائر بين قطبين الافراط والتفريط ، والسلب والايجاب ، والخوف والرجاء ، والمادة والمعنى ، ولايعني الاعتدال سوى هذه الحالة ، ولو ألقينا نظرة على الاسلوب التربوي في القرآن لادركنا وجود نفس الحالة التي ذكرناها ، فنجد آيات العذاب والعقاب في جانب ، وآيات الثواب في جانب اخر.
ونلاحظ أنه يشعر الانسان بالعجز والقنوط من جهة ، ويحذره من اليأس من جهة أخرى.
ويطرح مسألة النعيم في كفة ومسألة الجحيم في الكفة الاخرى ، ويتحدث في مكان عن سقاة الشراب في الجنة وفي موضع آخر عن مالك خازن النار.
ويشير في جانب الى وجود « سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ » (1) وفي جانب آخر الى « لَا مَرْحَبًا بِكُمْ » (2).
هذه المسالة مهمة ، ويجب أن توضع موضع الاهتمام عند تطبيق تلك الاساليب.
فمثلا يجب أن توخذ بنظر الاعتبار في العقوبة والتشجيع ، وعند ملاطفة الطفل ومداعبته ، وفي حالة مراقبته وضبط حركاته وتصرفاته ، وحين منامه وطعامه ، وفي جميع أموره الاخرى.
على طريق تطبيق تلك الاساليب :
ان تطبيق هذه الاساليب لاجل بناء كيان الطفل يستلزم مراعاة هذه النقطة : وهي على الوالدين والمربين كسب المعلومات الكافية في هذا الميدان ، واختيار الاهداف والاسلوب الواضح في التربية ، بحيث يتعود الطفل على معرفة الموقف الذي يتخذه في مقابل أساليبهم وتصرفاتهم.
ومن جهة آخرى يجب توفير مستلزمات التسلية ، أو الوسائل التي ينشغل بها الطفل من الصباح حتى المساء ، وملء أوقات فراغه بشكل مفيد ، لان الفراغ يولد لديه الضجر ويحمل بين طياته الكثير من المخاطر.
ومن جهة ثالثة يجب أن تكون تسليته وأنشغاله من النوع الذي يمهد له السبيل لمواصلة العمل ، ويعده لحياته المستقبلية ، من أمثال الالعاب ، وسرد القصص ، وذكر الله والمطالعة ، والتفكير ، والعلاقات الاجتماعية البناءة ، وتبادل الزيارات ، والهوايات ، والاهتمامات الاخرى ، و الترفيه ، والانشغال بالاعمال المنزلية ، واللعب بالادوات والوسائل التي تقوي في الفرد روح البناء والابتكار ، وتعينه على بلوغ هذه الاهداف. التربية والتباين :
لا يختلف اثنان في أن الناس متباينون مع بعضهم في جوانب شتى ، وأن أفضل النظم التربوية هو ذلك النظام الذي يأخذ كل ذلك التباين بنظر الاعتبار.
لقد أدركنا من خلال التجربة والعمل أن درجة تعلم الناس لا
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 29 ـ
تقاس بميزان واحد ، ولباهم يتقدمون بنفس الدرجة ، اذن فالقابليات والاستعدادت يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار ، وأنطلاقا من هذه الرؤية ، اذن فالتربية ذات طابع فردي وهذا هو نفس التباين الذي يفرض علينا القول بأن هنالك اختلافا بين تعليم البنين وتعليم البنات في نظام التربية الاسلامية.
وهذا الاختلاف يرتكز على الجانب الظاهري ، وينظر الى المهام التي سيتكفل بها كل منهما في المستقبل.
لا تداخل في نظام الحياة الاسلامية بين واجبات الرجل وواجبات المرأة الا في نطاق محدود ، فالرجال يجري أعدادهم للعمل والجهد وكسب العيش وتمشية عجلة الاقتصاد ، والنساء لتربية الجيل الشجاع والمقتدر من النساء والرجال ، والرجل مكلف بأدارة حياة المرآة من أجل الوصول الى الهدف المذكور ، وعلى التربية عدم اغفال هذه الجوانب.
ان العالم المتباين للرجل والمرأة في مسائل البلوغ والحمل والولادة وتغذية الطفل وتربيته ، وفي الفرائض الدينية يستجلب تلقائيا مثل هذا التفاوت في أمر التربية.
وبشكل عام يجب أن يكون الوضع بحيث لا يشعر أي منهما بالحرمان ، و أن يتلقى كل منهما من التربية ما يتلائم مع جنسه وسنه. تربية المعلم :
للمعلم في نظام التربية الاسلامية مكانة وأحترام خاص ، بشرط ان يكون حائزا على الشروط والمواصفات المطلوبة في هذا الحقل.
يستشف من البرنامج التربوي الاسلامي امكانية أخذ العلم عن أي شخص ، ولكن بشرط
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 30 ـ
ان يكون الانسان في مرحلة من الرشد والنضوج ، أو تحت رقابة وظروف تحول دون وقوعه تحت التأثيرات السلبية.
يمتاز الاطفال عادة بالرغبة العميقة في تقليد الاخرين ، وبحساسية شديدة في تقبل التلقين والايحاء ، وتمثيل دور البطولة والتأثر بالرموز النافذة اجتماعيا ، وهذه الخصائص تستوجب القول : ان معلم الاطفال يجب ان يتحلى بالصفات اللائقة بهذه المهنة ، ويجب التركيز بالخصوص على الجانب الاخلاقي والبناء الاخلاقي.
فالمعلمون يسلكون طريق وعمل الانبياء ، ولهذا يجب ان تتوفر فيهم بعض من صفاتهم وخصائصهم ، وأن يكون نمط حياتهم ، وأسلوب أقوالهم وأفعالهم ، قائما على المعايير والقيم الجوهرية ، وهذا يستوجب العمل على مستويين ، الاول : هو صقل حياتهم الفردية وكل ما يتعلق بحياتهم الخاصة ، والثاني : هو تهذيب الجانب الاجتماعي من سلوكهم بحيث يكونون نموذجا يقتدي بهم الاطفال. من خصائص التربية :
من الضروري لنا هنا التحدث عن خصائص النظام التربوي في الاسلام ، ونشير في ما يلي باختصار الى عدد منها :
1 ـ ان النظام التربوي في الاسلام لا يختص بفئة ، أو فرقة ، أو بقعة دون سواها ، بل هو مشاع لجميع البشر ، وفي مختلف أرجاء المعمورة.
2 ـ ان فترة التربية تمتد منذ الولادة وحتى الممات ، وهذا الامتداد المتواصل هدفه أفادة الانسان من نعم الحياة في عالم الدنيا ، وليكتسب بها الوسائل والمؤهلات التي تعينه على مواصلتها في عالم الاخرة.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 31 ـ
3 ـ اذا كانت نوعية القدرة تعكس توجهات النظام الذي تمثله ، فالنبي (ص) والائمة والصديقون هم القدوات والرموز المطروحة لهذا النظام.
4 ـ تطهير البيئة من الاوبئة الاجتماعية والاخلاقية ، بسب دورها المؤثر في الحياة.
5 ـ مراقبة العلاقات والارتباطات والبيئة الاجتماعية ، وهذه من ضرورات التربية ولا مجال لاهمالها.
6 ـ التربية من موجبات بلوغ الكمال.
7 ـ تقوم التربية على اساس العمل وفقا للواقع الموجود ، لكن ينبغي عدم غياب الطموح عن الاذهان.
8 ـ يشاد البناء التربوي على ركائز العلم ، والايمان ، والاخلاق ، والعمل.
9 ـ يشمل محتوى التربية جميع المواضيع و المسائل المهمة والمفيدة في الحياة. مجرد الاطروحة أم العمل ؟ :
لا يقتصر ما طرحناه في حقل التربية على مجرد الطرح المثالي ، أو ما يسمى بمدينة أفلاطون الفاضلة ، بل كلها برامج يمكن تطبيقها عمليا ، وأن من دواعي فخر الاسلام في الماضي والحاضر هو تطبيقه العملي لهذه المبادئ على مدى القرون المتمادية ، وفي بقاع مختلفة من العالم رغم الكثير من المعوقات والموانع التي كانت تعترض علمه.
فقد استطاع الاسلام حين أخذ بهذا المنهاج التربوي من ايجاد مجتمع متحد ومتآخ تسوده روح
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 32 ـ
العدل والمساواة ، ويتسم بالتوازن والتضامن والتكافل الاجتماعي.
ولا نرى اليوم أي مانع يحول دون تطبيق مثل هذا البرنامج ، شريطة حرص أولياء الامر على تطبيقه ، ووضعه في موضع التنفيذ والاهتمام ، ويمكنه أيضا احتلال مكانته المرموقة في العالم فيما لو تم نبذ التعصب القومي والعنصري والفئوي من أذهان الناس.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 33 ـ
الضمانة التنفيذية :
ان الضمانة لتنفيذ هذه الاطروحة في المجتمع الاسلامي هي الايمان بالله والنبي (ص) وما أصدره لنا من أوامر وتعاليم ، وكذلك من خلال الاشراف العام على صورة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتمتين الاسس الايمانية للناس ، وأنارة أفكارهم وبواسطة الاشراف الحكومي عن طريق اجراء القوانين والمقررات ، وتطهير البيئة من المساوئ المؤثرة تربويا ، والتجديد المتواصل لصياغة الشخصية الاسلامية ، ومن خلال تقديس القانون و ... أمثال ذلك.
ان الفطرة المجبولة على معرفة الله ، وتعاليم هذا الدين المنسجمة مع الفطرة هي أيضا من المحفزات التي تدفع الناس الى تطوير هذه الاهداف وتنفيذ هذا البرنامج.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 35 ـ
2 ـ الطفل والدين مقدمة :
عالم الاطفال مثير ، وأن مسألة النمو الناتجة عن التغيرات المنسجمة والمتوالية التي تحصل في جميع مراحل حياة الانسان تعتبر أمرا اكثر اثارة ، فالطفل حينما يأتي الى الدنيا لايمتلك اية معلومات كما يدور في هذه الدنيا ، ثم يبدأ بالحصول على تلك المعلومات تدريجيا ، ولكن ماهية ذلك التعلم ، والانفعالات المتكررة التي تقع في ذهن أو نفس الانسان لكي يتعلم ، والتي يمكن أخضاعها للتجربة لا زالت من المواضيع المثيرة أيضا ، ولم يتمكن العلم الحديث من كشف أسرارها حتى الان.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 36 ـ
الطفل والدين :
من الامور المثيرة في عالم الاطفال هي عالمهم الديني والايماني والاعتقادي .
فالطفل مفطور على معرفة الله بسبب طبيعة خلقه التي تضم نفحة من روح الله ، ففي داخله الكثير من الاعتقادات الدينية التي يسعى لقبولها والاقرار بها ومطابقة ذاته معها ، بمجرد أدنى تذكير أو تنبيه من الوالدين والمربين ، وبمجرد العثور على مصاديق لها في العالم الخارجي.
لا شك أن مفهوم الدين مفهوم واسع يشمل كل جوانب حياة الانسان.
لكن الطفل يقبل من الدين ما يتناسب مع رغباته ، وما هو قائم على مشاهداته وتجاربه الشخصية.
وعندما يزداد نمو الطفل ونضوجه ، وتكثر تبعا لذلك معلوماته المكتسبة ، تتسع دائرة أرتباطه بالدين ، وتمهد امامه الارضية لظهور بعض الحالات عليه ، والتي يمكن تسميتها بالحالات الدينية ، وتبرز بعض ملامحها بين سن 7 و 8 سنوات وحتى في سنوات أقل في بعض الحالات. بداية ظهور الشعور الديني :
تتوقف نوعية المظاهر الدينية عند الطفل وما يتصل بها على نوعية تعامل الوالدين والمربين معه .
فما أكثر الاطفال الذين يقلدون المواقف والحركات الدينية التي يؤديها والداهم ، وحتى انهم يقفون الى جانبهم متجهين نحو القبلة ويؤدون الصلاة ، أو أنهم يقلدون حركات والديهم في الدعاء ، أو
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 37 ـ
تلك التي تقترن مع الشعائر الدينية الاخرى.
تظهر الدراسات التي أجراها علماء النفس بان موضوع الحس الديني يظهر في الاشهر السابقة لسن الرابعة ، وحتى أنه يلاحظ عند بعض الاطفال بين سن 2 ـ 3 سنوات.
ثم يصبح هذا الشعور واضحا وظاهر مع نمو الطفل وزيادة سنه ، مثلما يلاحظ على الطفل في سن السادسة من مظاهر دينية ورغبة واضحة في أداء السلوك الديني ، وفي مثل هذا السن تبرز لدى الطفل رغبة دينية عميقة ، فهو يرغب مثلا في مناجاة ربه وأقامة نوع من الاتصال معه ، وهذا ما يثير غضب وقلق الوالدين غير المتدينين.
ومن غير الواضح طبعا ان مثل هذا الاندفاع سيبقى لديه أم لا ، ولذا ينبغي الانتظار لفترة من الزمن لنرى ما تستقر عليه أحواله ، ان للدين معان مختلفة بالنسبة للاطفال في سنوات أعمارهم المختلفة ، الا ان دنياهم منذ سن السادسة تصبح مليئة بحب الله وتعظيمه وأجلاله وحمده والثناء عليه ، والشعور بالخجل منه عند أي عصيان لاوامره ، وحتى قد يبرز ذلك على مظهره ، يتزايد في سن الثامنة فما فوق شعوره الديني ، وتصبح رغبته أكثر عمقا ، وبعبارة أخرى يصبح أكثر تدينا ـ فيحاول القيام بما ينال به رضا الله حسب ما يعبر عنه الوالدان والمربون.
مدى فهمه لمعنى الاله :
منذ السنة الرابعة تتسع رغبة الطفل في حب الاستطلاع ، فيؤدي به ذلك الى معرفة بعض حقائق هذا العالم ، وهذه المعارف تفضي به تلقائيا الى البحث عن مبدأ الوجود والاقرار بوجود الله ، وهذه المرحلة هي السن
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 38 ـ
الطبيعية لمعرفة وجود الله ، اذ يتكون خلالها الشعور بعدم أمكانية ظهور اي شيء من غير علة ، وهذا الشعور يكون الاساس الذي تقوم عليه كل مواقفه وأحكامه.
فالطفل في سن الرابعة متصل بأبويه ، فيعتبر والده كبيرا ومهما ، ويفهم ان الله مثل أبيه أيضا ولكنه أكبر ، وحتى أنه يرى فيه عضوا من أعضاء عائلته ، والاسئلة التي يطرحها الطفل في هذه المرحلة تعكس وتبرهن صحة هذا الادعاء ، ولعله يتصور عند رؤيته لاية صورة جميلة ولكنها غامضة الاطوار وغير واضحة ، انها الله.
ويلصق بها صفة المعبود ، وغالبا ما يشعر بالاشباع والقناعة من جراء اختلاف هذا التصور.
فحتى سن السادسة يبقى مفهوم الله وصفاته غير متجذرة في ذهنه ، ولكنه بعد سن السابعة يرى فيه قدرة هائلة تفوق أوصاف الوالدين ، فيرغب في معرفة قوانينه وأوامره.
صفات الله تبدو واضحة امامه الى حد ما ، لكن بعض ابعاده الاخرى تبقى غامضة لديه ، مثل كونه أزليا وأبديا.
وتجب الاشارة أيضا الى أن ادراكه محصور حتى الان في نطاق الجوانب المحسوسة لا الامور الذهنية المجردة.
ارتباط الطفل بالله :
أظهرت التحقيقات بان للاطفال في سن الثالثة رغبة قوية في الادعية والاناشيد الدينية ، وينشرحون لها وخاصة اذا كانت مصحوبة بالاصوات الجماعية ، ومنذ السنة السادسة من عمر الطفل تبدأ علاقته بالله تأخذ طابع
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 39 ـ
الكلام والطلب ، ولاتفوتنا الاشارة الى ان طلباته في هذه المرحلة ذات صورة مادية كالطعام ، ووسائل اللعب ، والثياب ... الخ.
فهو يتمنى على الله ان تمطر السماء اليوم لكي لا يذهب الى المدرسة ، أو أن لا تمطر لكي لاتبتل وسائل ألعابه ، ويدعو ربه أحيانا لكي يجعله ولدا طيبا ، او ان يحول دون أبيه كي لايضربه ، أو ان لا يفعل ما يتعارض أرادة الله.
وفي بعض الحالات يكون دعاؤه مضحكا ، فهو مثلا يحب أباه كثيرا ، لذلك يدعوا أن يموت بسرعة حتى يذهب الى الجنة ، وهذا النمط من التفكير شائع عند الاطفال في سن 5 ـ 6 سنوات .
فيجد في مثل هذه الطلبات والادعية والاماني وسيلة للهدوء والارتباط بالله ، وكلما تقدم السن أزدادت رغباته وأمانيه من الله.
الاماني المستحيلة :
من عجائب عالم الاطفال أدعيتهم التي تفوح بالامل والاماني المستحيلة التحقيق ، فينطلق الاطفال عادة من الامال والمثل التي يعتقدون بها ، فيتمنون على ربهم شتى الاماني ، ويصرن أيضا بشدة على ضرورة تحقيقها .
فأحد أمنياته مثلا ، أن يرى الله ، ويجلس الى جانبه ، ويتكلم معه ، ويصبح صديقا له ، ويطير معه في السماء ... الخ.
ويتمنى ايضا ان يصير كالطير ، وأن يمنحه الله جناحين ليطير بهما .
ويدعوا من الله أن لا يموت أبدا ، وأن يبقى أبوه وأمه أحياء أبدا.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 40 ـ
انه يعتبر الله مظهرا للعدالة ، ويرى ان عدالة الله لاتصح الا اذا حققت له أمانيه ، ولهذا يصبح فعل الله في رأيه عرضة للانتقاد كأن يقول : لماذا لا يعطي الله أباه المال الكثير ؟ أو لماذا مات أبوه ؟ أو لماذا لم يقدم الله له هدية ازاء الصلاة التي أداها ؟ أو ما دام الله قادرا على كل شيء فلماذا لا يقضي له حاجاته ؟
فهمه لموضوع الموت :
يبنى تصور الطفل عن ذاته على أنه سيبقى حيا الى الابد ، ومن الصعب عليه التصور بأنه سيموت يوما ما .
وتجدر الاشارة الى ان أفكار الطفل ، ومعتقداته عن الموت محدودة جدا ، ويصعب عليه تصور ما حل بالشخص الفلاني حين سماعه لخبر موته ، الا اذا رأى بعينه حالة موته وعملية دفنه ، يتعسر على الاطفال في سن الثالثة أدراك معنى الموت ، ويظل حائرا أمام قضية دفن الميت ، فينشغل فكره بها وتمر في ذهنه علامات التعجب بالعشرات .
تتضح أفكاره عن الموت في سن الخامسة ، وفي مثل هذه السن تقريبا تبرز منه مشاعر خاصة تجاه موت ابيه أو امه ، فهو عادة يتصور أن الموت أمر خاص بالكبار ، وأن الناس يهرمون ثم يموتون ، وأما فكرة عمومية الموت ، وانه ربما يشمل أحيانا حتى الاطفال والشباب فهي من دواعي الحزن والالم له ، تربية الطفل
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 41 ـ
فهمه لموضوع الجنة والنار :
ليس لدى الاطفال أي أطلاع عن ماهية الجنة ، أو ماهية النار ، وهو يتصور بناء على ما يسمع أن الجنة مثلا حديقة جميلة فيها أنواع المأكولات من الحلوى والفواكه ووسائل اللعب للاطفال ، فيمكنه هناك اللعب بالارجوحة ، ويركب الدراجة الهوائية ذات العجلتين ، أو الثلاث عجلات ، ويمكنه أن يلعب ويمرح ويلهو ويقضي في المكان الفسيح المليء بالاشجار ، وأن يلعب لعبة الاختفاء والبحث ( الختيلة ) ، وحتى يمكنه ان يختفي في مكان لا يستطيعون العثور عليه !!!
وتصوره عن جهنم لايتجاوز كونها مشهدا من النار ، ولا يتصور مطلقا بأنه سيلقى فيها يوما ما ، بل ويتصور بأن في ميسوره أن يحيد عنها ، أو يجتازها وينقذ نفسه منها ، أو أنه يتحمل حريقها بشكل أو آخر ... الى آخر ذلك.
وهو في الوقت نفسه يعيش بعض لحظات الامل والشوق للجنة والحياة في أجوائها البديعة ، والخلاص من النار.
انه مستعد لسماع كلام أبيه وأمه من أجل الجنة ، واذا أدرك أن عدم أطاعة الام تؤدي به الى دخول جهنم
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 42 ـ
فسيحاول اطاعتها جهد الامكان.
ونضيف أيضا ان الخوف من جهنم يدفعه الى الصدق في القول ، واجتناب الكذب والعصيان ، وفي مقابل ذلك يدفعه الطمع بالجنة الى الصلاة والعبادات ، والى حب الله وأبيه وأمه .
وعلى المربي ان يتجنب تخويفه من النار قبل سن السابعة لان ذلك يسلبه الامن والاستقرار .
الاسئلة الدينية للاطفال :
أسئلة الطفل الدينية عجيبة ، فانها تنم عن حبه للاستطلاع وهو يحاول فهم كل ما هو مجهول بالنسبة له ، ومعرفة عالم الدين ، وعالم ما وراء الطبيعة، ففي ذهنه الكثير من الغموض والشكوك التي يسعى الى فهمها ، ولو تهيأ له المربي الجيد الواعي لامكن التفاؤل له بمستقبل مشرق .
أسئلة الطفل كثيرة ، وهي تختلف بأختلاف درجة نضجه وفهمه وأدراكه ، وتتناسب مع سنه .
نشير فيما يلي الى بعض من تلك الاسئلة على سبيل المثال لكي يستفيد الابوان والمربون للاجابة عنها :
1 ـ في السنوات الست الاولى : يختلف نوع الاسئلة في هذا السن ، حتى عن الاسئلة التي تطرح في سن السابعة ، فالطفل في سن 3 ـ 4 سنوات يسأل عادة عن مصدر وعلة الاشياء ، فهو يسأل مثلا : من أين جئت ؟ من الذي أعد وسائل اللعب هذه ؟ أين ذهب حسن ولماذا ؟ من الذي صنع السماء ؟ ولماذا ؟ هل مات ابي ؟ وأين ذهب ؟. الخ وكما نلاحظ فان بؤرة أسئلته تتركز على موضوع المبدأ والمعاد.
فهو يرغب في معرفة مصدر ومنشأ الامر
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 43 ـ
الفلاني ، وما هو مصيره ؟ وهذا هو الامر الذي نعتقد بوجوده بشكل فطري متجذر في نفوس الاشخاص.
أسئلة الطفل كثيرة ، وهي دليل على مدى تعطشه ، وان الاصغاء اليها يحتاج الى الكثير من الصبر والاناة ، يرى بعض الاباء أن هذه الاسئلة تأتي اعتباطا ، ومن غير أساس ، أو جذور .
ولكن قليل من التأمل يظهر انها ليست كذلك فالاسئلة تنم عن نضج الطفل ، وان اهتمام الوالدين والمربين واحترامهم للطفل يؤدي الى نضجه دينيا .
2 ـ بين سن 7 ـ 10 سنوات : اعتبارا من سنة السابعة فما فوق ، يبدأ التفكير المنطقي بالنمو لدى الطفل ، ولهذا تصبح أسئلته أكثر عمقا .
فالاسئلة التي يطرحها عن الله دقيقة ولا يقنع بالاجابة الساذجة ، بل يبغي الحصول على اجابات غنية ودالة ، وقاطعة .
تتلخص أسئلتهم في مواضيع من قبيل : لماذا لانرى الله ؟ كيف يوجد الله في كل مكان ؟ ما هو الله ؟ ان لم يكن الله كالسحاب ، أو كنور الشمس ، فكيف يمكن ان يكون ؟ ان كان الله يحبنا فلماذا يلقينا في جهنم ؟ كيف يبعث الانسان يوم القيامة حيا ؟ و هل نمتلك في القيامة بيتاً ؟ ان كنا لا نرى الله حاليا ، فهل بالامكان رؤيته يوم القيامة ؟ لماذا لا يكلمنا الله ؟
أسئلة الطفل كثيرة ، ولا انقطاع لها ، وعلى الوالدين والمربين تقديم ماتيسر من الاجوبة المقنعة جهد الامكان.
كما ان الاسئلة التي يطرحونها عن الموت والمعاد ، والجنة والنار ، يجب ان تلقى الاجابات الصادقة بعيدا عن اللبس والغموض.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 44 ـ
3 ـ في سنوات الشباب : من البديهي أن النضوج الفكري والعقلي للشباب يصبح في وضع أفضل مما كانوا عليه في السابق.
فوعيهم ورؤيتهم الكونية تكون اوسع ، وعليه فلابد أن تكون أسئلتهم أيضا أكثر عمقا ونضجا.
ان ما يستحق الذكر هنا هو أن أسسهم الاعتقادية السابقة لابد وأن تكون قد ترسخت في أذهانهم طوال فترة ما قبل المراهقة.
ان أجاباتنا التي نقدمها لائسئلتهم قبل سن العاشرة لها دور فاعل في تكوين هذه الاسس الاعتقادية ، وهذا يعني ألتزام والدي الطفل بأدخاله في ما يشبه الدورة المركزة والمبسطة في أصول الاعتقادات ، والنمط العملي في التدين ويعتبر هذا جزءا من حقوقه عليهما .
ولا تفوتنا هنا الاشارة الى ثلاث نقاط لها علاقة بمدى تدين أبنائنا في مرحلة المراهقة وهي : ـ
1 ـ ظهور الحس الديني ، والميل الى الدين وتعاليمه ، مما يجعله ذائبا في الدين.
2 ـ بزوغ معالم الشك لديه يعود سببها الى تعلمه في السابق ، وهو يحاول حالياً وكنتيجة منطقية لذلك ـ اعادة النظر فيما تعلمه ليتأكد من صحته .
3 ـ تتوارد على ذهنه الكثير من الاسئلة الناتجة في الغالب من تلك الشكوك وكافراز طبيعي لنضوج استدلاله المنطقي ، الا انه غير مستعد ـ بسبب غروره وأنانيته ـ لطرحها في أي زمان ومكان ، وهذا ما يدعوا الوالدين
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 45 ـ
والمربين الى الاجابة عن اسئلته بشكل مباشر ، أو غير مباشر ، ودفعه الى أظهار ما يعتلج في باطنه .
معنى التدين في رأي الطفل :
يمارس أطفالنا سلوكهم الديني أنطلاقا من سلامة فطرتهم ، وأشباعا لروح حب الاستطلاع المغروسة في نفوسهم ، فيؤدون الشعائر العبادية على خطى آبائهم وأمهاتهم فنراهم يدعون ربهم أحيانا ، ويبكون ويتضرعون أحيانا أخرى.
لايعني تدين الطفل وجود انسجام وتعقل في سلوكه وتفكيره الديني.
فلا يتخذ السلوك الديني عند الطفل طابعا عقليا الا بعد سن السابعة حيث ، يصبح لديه حينذاك فهم لبعض المواضيع التي يتلقاها .
أما قبل هذه السنين فلا يعد وسلوكه أن يكون مجرد ، مشاعر وتظاهر بمجاراة الابوين والاخرين.
يصلي الطفل برفقة والديه قبل سن السابعة ، ولكن لا يستبعد أن يجري خلال الصلاة وراء صرصر ، أو اذا لفت انتباهه شيء من الحلوى أو ماشابهه يتحرك نحوه ليأخذه ، انه يشارك في المجالس الدينية ، ويؤدي الطقوس والشعائر المتفاوتة عند الناس ، لكن هذا لا يمنع من تعلقه بلذات أخرى ، كأن يجعل من الفروض الدينية وسيلة للتسلية واللعب.
في حوالي السنة السابعة من عمره ، يبدأ بالتذمر اذا لم يوقظوه لتناول السحور خلال شهر رمضان ، أو يصر على صيام هذا الشهر ولا يصغي لنصائح والحاح والديه على ضرورة الافطار ، ويبدي رغبة شديدة في
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 46 ـ
مواصلة الصوم حتى وقت تناول طعام الافطار.
اذا وقع بصره حين الصلاة على بعض الحلويات لا يقطع الصلاة ، بل يحاول الحصول عليها بعد انهاء الصلاة.
حالات الطفل الدينية :
قد تستغربون قولنا بأن لاطفالنا أحيانا حالات دينية ، لكن هذا الكلام واقعي وصحيح .
قد يكون اداء هذه الحالات قبل سن الرابعة ذا صبغة تقليدية ، ولكن بعد السنة الرابعة من العمر هذه الحالات طابع الجدية بشكل أو آخر.
فهو يتمتم حينما يكون مع الاخرين أو حتى بمفرده ببعض الكلمات التي تعلمها مع ما فيها من ابهام أو أخطاء. وفي بعض الحالات يسبغ الوضوء بهدف التهيؤ للصلاة .
يقف ميمما وجهه شطر القبلة ، ويصر على الوقوف وقفة صحيحة غير منحرف عن القبلة ، بينما كان في سن الرابعة يقف في مقابل أمه وجها لوجه حينما كانت تقف للصلاة .
كل مايقوم به الاطفال دون السابعة من ممارسات دينية ، ولا يتعدى انعكاسات عاطفية غايتها نيل رضا الوالدين ، ولكنها من بعد سن السابعة تأخذ وجهة عقلانية ، حتى انه اذا ارتكب خطأ ندم عليه ، او حتى انه يبكي ويذرف الدموع بسبب ذلك.
انه وليس في سن أو ظرف يسمح لنا بالقول ، بأنه في حالة مناجاة .
كل ما نستطيع قوله هو ان الاطفال في سن التاسعة تظهر لديهم أمثال هذه الحالات.
ويشعرون بالخجل أمام الله من ذنوبهم ، واذا ادركوا ان عملهم
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 47 ـ
كان ذنبا يستوجب العقوبة بالنار ينتابهم القلق والخوف ، ويهرقون الدموع توبة وندما ، ولا شك ان توبة هؤلاء أصدق كثيرا من توبة غيرهم.
السلوك المعكوس :
قد يبدو من الطفل احيانا سلوك ديني مقلوب بسبب قلة أدراكه ، وعدم معرفته بأبعاد المفاهيم الدينية ، فقد يقدم على سرقة شيء من مكان ما ويعطيه لشخص فقير لكي يستحق بذلك الجنة !! وقد يتصرف في بعض المواقف بسلوكين متناقضين ، كأن يتشاجر مع أبيه وأمه ويسيء لهما بالقول ، وبعد دقائق يدعو لهما من الله بالمغفرة ويتوسل اليه بأن يدخلهما الجنة.
ولا يرى الاطفال ضيرا في الكذب بغية انقاذ أنفسهم من عقوبة الوالدين والمعلم ، ثم يتوبون من بعد ساعة وهم متأكدون ان غفران ذنبهم مضمون عند الله.
وهذه الحالة تحصل حينما يرى نفسه غير مستحق للعقوبة ، اضافة الى تصوره بأن الله واسع المغفرة.
ان السلوك الديني المعكوس الذي يبديه الاطفال ناتج في حقيقته عن المعلومات والتصورات الخاطئة التي يتلقونها ، وكذلك عن التعليم الذي يركز على جانب واحد من موضوع ما ويهمل سائر جوانبه الاخرى.
ولهذا السبب فاننا نرى ضرورة أن نشرح للطفل بعض المسائل البسيطة ، مع التركيز على جميع جوانبها وأبعادها .
فأذا جرى الحديث عن مساعدة الفقير يجب تفهيم الطفل هذه النقطة أيضا وهي وجوب مساعدته من مالنا الخاص ، لا من المال المأخوذ من الناس ، أو عن طريق السرقة.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 48 ـ
مشاعراللذة الدينية عند الاطفال :
الدين يشبع روح الطفل وفطرته السليمة.
والمفاهيم الاصيلة في الدين هي تلك التي تأنسها فطرة الطفل ، فحينما يسمع بضرورة أن يكون الانسان نزيها وأمينا يرتاح الى مثل هذه السجايا من أعماق قلبه .
وحين يقال له ان لهذا الكون ربا ، وهو الذي أوجد جميع هذه الكائنات ، يقر بهذه الحقيقة ولا يستثقلها .
لايشعر الطفل بقساوة السلوك الديني ، أو ثقل الفرائض الدينية ، بل يشعر في أدائها بنوع من الاشباع والارتياح.
فاذا صلى يشعر وكانه أدى واجبا ، وأذا صام يعتقد أن ذلك العمل كان ضروريا بالنسبة له ، فلا يشعر بالانزعاج والنفور مما افترضه عليه الدين من تعب وجوع وعطش .
يرغب في سماع القصص عن الله و الجنة ، وفضائل الاولياء، ويحب ان يكلم الله ، وان يقيم معه نوعا من العلاقة وأن يبلغ الجنة بأسرع ما يمكن ويعيش في ضلالها الورافة، وحينما تمتزج من امثال هذه التخيلات الصبيانية في ذهنه ، تترك عليه آثارا كبيرة.
لايمكن وصف مشاعر البهجة والارتياح التي تغمر الطفل حين مشاهدته أحد الوالدين وهو في حالة العبادة. لقد بقي الامام الحسن المجتبى (ع) يتحدث لسنوات طويلة عن عبادة ودعاء أمة في المحراب حينما كان طفلا ويرى هذه المشاهد.
وصفوة كلامنا هو ان الطفل لا يلتذ بعبادته فقط ، بل ويلتذ أيضا لمشاهدة عبادة الاخرين.
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 49 ـ
وتجدر الاشارة الى انه يهدف الى جانب نيل اللذة الروحية والمعنوية ، تحقيق غرض آخر وهو رغبته في معرفة نتيجة عبادته في نفس الساعة.
وأقل ما يمكن أن يتحقق له من نتيجة عبادته هو رضا الوالدين عنه وتشجيعهم اياه ، أو الاهتمام به أكثر في مجال توفير الطعام والثياب ، وبقية مستلزمات الحياة.
الطفل والمحافل الدينية :
يرغب الاطفال بالمشاركة في المحافل الدينية والتغلغل بين الناس ، لكي يشاهدوا عن كثب الكيفية التي يتصرف فيها بعض الناس في مجال الشؤون الدينية ، فمن الامور المسلية لهم هي الاناشيد الجماعية ، والاشعار والادعية ، والمراثي الجماعية ، وصلاة الجماعة وما شابهها .
ومن الامور الاخرى التي يرتاح لها الطفل ، النقاشات الثنائية ، والاحاديث ، والمجالس وأقامة الشعائر ، ولا سيما اذا تخللها الشاي والحلويات والاطعمة .
لو انتبهنا الى الاطفال في أمثال هذه المراسيم والاجتماعات لرأيناهم طافحين بالبشر والسعادة.
ولو نظرنا اليهم أثناء اقامة شعائر العزاء والمسيرات لشعرنا بمدى شوقهم وسعادتهم ، وكيف يتعلق بأحد والديه ليصحبه الى أمثال هذه المشاهد.
لا شك ان مثل هذه المواقف تعتبر ذات أهمية بالنسبة للطفل ، ولكن بشرط أن تحتوي أولا : على بعض المضامين التي يعرفها الطفل ، ويدرك ماهيتها .
وثانيا : أن لا يصاب بالارهاق ويتعرض للتعب والاذى ، بحيث ينتهي به
تربية الطفل دينيا وأخلاقيا ـ 50 ـ
الامر الى الضجر والملل.
وثالثا : أن يحصل من بعد انتهاء تلك المراسيم على بعض اللذات المادية كالطعام أو الشربت ، أو اللذات المعنوية كالتشجيع والاستحسان.
ضرورة التربية للاطفال :
تربية الاطفال أمر ضروري وواجب مؤكد ، وهذه الضرورة يمكن النظر اليها من زاويتين ، أحداهما فردية ، والاخرى اجتماعية.
فأما من الوجهة الفردية يمكن القول ، ان الدين هو أساس وجوهر جميع جوانب الحياة الفردية وآفاقها ، وهو السبب المباشر في تقدم الشخص أو انحطاطه. فما أكثر الاطفال الذين انحطوا دينيا وعقائديا بسبب اهمال أولياء الامور ، بينما يغدو الكثير منهم في المستقبل القريب أشخاصا نافعين لانفسهم ولمجتمعهم .
تعتبرالتربية الدينية بمثابة صمام الامان للاخلاق ، والاطار الذي يضبط مسار الحياة الفردية والاجتماعية ويوجهها نحو النضوج المعنوي ، والاهداف الكريمة.
اذ بميسور الدين أن يقوي الوازع الاخلاقي عند الطفل ، ويمهد الارضية لتوسيع دائرة معلوماته ، وفي ظله تمزق حجب الشك ، ويصل الانسان من خلاله الى مراحل متقدمة من النضوج ، لايتيسر له في ظل الاستدلال العقلي.
فلو ان التربية الدينية شيدت على اساس فكري صحيح ، لكانت عاملا مساعدا في الازدهار والتقدم ، وسببا لانقاذ الفرد من السقوط ، وحافزا مشجعا للطفل على تحمل المشاق ، ودافعا لتهذيب سلوكه تدريجيا من