موثق :
( ولا يخفى أنّ هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره ، وعندى أنّ الأخبار في هذا الباب متواترة معنىً ، وطرح جميعها يوجب رفع الإعتماد على الأخبار رأساً ، بل ظنّي أنّ الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة ، فكيف يثبتونها بالخبر ) .
ويردّه ما ذكره هو في ( بحار الأنوار ) وقد تقدّم نصّة .
على أنّ قوله : ( وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن ) غريب ، فإنّ السيد المرتضى قال : ( نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته ) .
كما أنكر صحتها الطوسي شيخ الطائفة والمحدّث الكاشاني ، بل جاء في العبارة التي نقلناها عن بحاره ( إنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحّتها ) .
ومن قبلهم قال شيخ المحدّثين ما نصّه : ( إعتقادنا أنّ القرآن الذين أنزله الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفّتين وما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذاك ... ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب ) .
ولو كانت أحاديث النقيصة صحيحة ومقبولة لما قال الصدوق ذلك كما لا يخفى .
وأما قوله : ( وطرح جميعها يوجب رفع الإعتماد على الأخبار رأساً ) ففيه : إنّ قبول جميعها أيضاً يوجب رفع الإعتماد على الأحاديث رأساً ، على أنّه رحمة الله قد حكم في أكثر الأحاديث المخرّجة في ( الكافي ) والمفيدة نقص القرآن إمّا بالضعف وإمّا بالإرسال ، كما تقدّم ذلك كلّه .
ومن العجيب قوله : ( بل ظنّي ... ) إذ إثبات الإمامية ليس دليلة منحصراً
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 88 _
بالأحاديث حتى يقال ذلك ، وكيف أنّ تلك الأحاديث لا تقصر عن أحاديث الإمامة ؟ وهل يقصد الكثرة في الورود ؟ أو القوة في الدلالة ؟ أو الصحة في الأسانيد ؟
3 ـ المحدّث الحر العاملي ، فإنّه قال بعد أن روى حديثين عن تفسير العياشي :
( أقول : هذه الأحاديث وأمثالها دالّة على النصّ على الأئمة عليهم السّلام وكذا التصريح بأسمائهم ، وقد تواترت الأخبار بأنّ القرآن نقص منه كثير وسقط منه آيات لمّا تكتب ) .
ويكفي لدفع دعوى التواتر هذه نصوص العلماء ، وما تقدّم نقله عنه في الفصل الأول .
ولعلّ قوله رحمة الله بعد ذلك : ( وبعضهم يحمل تلك الأخبار عن أنّ ما نقص وسقط كان تأويلاً نزل مع التنزيل ، وبعضهم على أنّه وحي لا قرآن ) يدلّ على أنّه لا يعتقد بوقوع التحريف في القرآن الشريف .
وكأنّه إنّما يدّعي التواتر في هذه الأحاديث للإحتجاج بها على وجود النصوص العامة على إمامة الأئمة عليهم السّلام ، ولذا فإنّه قال : ( وعلى كلّ حال ، فهو حجّة في النصّ ، وتلك الأخبار متواترة من طريق العامة والخاصة ) (1) .
والخلاصة : إنّه لا مجال لدعوى التواتر في أحاديث تحريف القرآن بهذا المعنى المتنازع فيه .
--------------------
(1) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 3 : 43 .
التحقيق في نفي التّحريف عن القرآن الشريف
_ 89_