عاشراً : سفينة مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويوجد حديثه عند أبي يعلى الموصلي
.
الحادي عشر : عمرو بن العاص ، ويوجد حديثه في كتاب له إلى معاوية بن أبي سفيان ، روى ذلك الكتاب الخطيب الخوارزمي في كتاب المناقب
.
الثاني عشر : أنس بن مالك ، وهو المشهور برواية هذا الحديث ، لانّه صاحب القصّة ، وهذا الحديث الشريف وارد من طرق أصحابنا ، عن الائمّة الاطهار ( عليهم السلام ) ، وعن بعض الاصحاب ، حتّى أنّ أبا الشيخ الحافظ الاصفهاني روى هذا الحديث عن الامامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) في كتابه ، وهو من كبار حفّاظ أهل السنّة ، فهؤلاء رواة هذا الحديث من الصحابة ، وأمّا رواته من التابعين ، فإنّ التابعين الرواة لهذا الحديث عن أنس بن مالك فقط يبلغون حدود التسعين رجلاً ،
ورواه من أئمّة المذاهب :
1 ـ أبو حنيفة .
2 ـ أحمد بن حنبل .
3 ـ مالك بن أنس .
4 ـ الامام الاوزاعي ، ذلك الفقيه الكبير الذي كان يعدّ مذهبه مذهباً مستقلاً من بين المذاهب ، إلى أن حصروا المذاهب في الاربعة المشهورة ، ومن رواته جماعة كبيرة من مشايخ البخاري ومسلم ، وكثير من رواته من رجال الصحاح الستّة عند أهل السنّة .
ولنذكر أسماء أشهر مشاهير رواة هذا الحديث من أئمّة الحديث وكبار الحفّاظ في القرون المختلفة :
1 ـ شعبة بن الحجّاج ، أمير المؤمنين في الحديث ، كما يلقّبونه .
2 ـ الاوزاعي ، الامام المعروف .
3 ـ مالك بن أنس ، إمام المذهب .
4 ـ أبو حنيفة ، صاحب المذهب .
5 ـ أحمد بن حنبل ، صاحب المذهب .
6 ـ أبو عاصم النبيل ، شيخ البخاري .
7 ـ أحمد بن حنبل .
8 ـ عبد الرزاق الصنعاني ، شيخ البخاري .
9 ـ البخاري نفسه ، يروي هذا الحديث ، لكن لا في صحيحه ، بل في تاريخه الكبير ، وسنذكر نصّ حديثه فيما بعد .
10 ـ البلاذري ، صاحب أنساب الاشراف .
11 ـ أبو حاتم الرازي ، الذي هو من أقران البخاري ومسلم .
12 ـ الترمذي ، صاحب الصحيح .
13 ـ أبو بكر البزّار ، صاحب المسند .
14 ـ النسائي ، صاحب الصحيح .
15 ـ أبو يعلى الموصلي ، صاحب المسند .
16 ـ محمّد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ والتفسير المعروفين .
17 ـ ابن أبي حاتم ، صاحب التفسير ، والمحدّث الكبير الذي يعدّونه من الابدال .
18 ـ ابن عبد ربّه ، في العقد الفريد .
19 ـ أبو الحسين المحاملي ، صاحب الامالي .
20 ـ أبو العباس ابن عُقدة ، له كتاب في حديث الطير .
حديث الطير
_ 6 _
21 ـ المسعودي المؤرخ ، صاحب مروج الذهب .
22 ـ أبو القاسم الطبراني ، صاحب المعاجم الثلاثة .
23 ـ أبو الشيخ الاصفهاني ، صاحب كتاب طبقات المحدّثين بإصفهان .
24 ـ ابن السقا الواسطي ، هذا الحافظ الكبير من علماء القرن الرابع ، سنذكر قصّته في حديث الطير .
25 ـ أبو حفص ابن شاهين ، له كتاب في حديث الطير .
26 ـ أبو الحسن الدارقطني ، صاحب كتاب العلل .
27 ـ أبو عبد الله الحاكم النيشابوري ، صاحب المستدرك ، وله كتاب بطرق حديث الطير .
28 ـ أبو بكر ابن مردويه ، له كتاب في طرق حديث الطير .
29 ـ أبو نعيم الاصفهاني ، صاحب حلية الاولياء وغيره من الكتب ، له كتاب في طرق حديث الطير .
30 ـ أبو طاهر ابن حمدان الخراساني ، المحدّث الكبير ، له كتاب في طرق حديث الطير .
31 ـ أبو بكر البيهقي ، صاحب السنن الكبرى .
32 ـ ابن عبد البر ، صاحب الاستيعاب .
33 ـ الخطيب البغدادي ، صاحب تاريخ بغداد .
34 ـ محي السنّة البغوي ، صاحب مصابيح السنّة .
35 ـ رزين العبدري ، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة .
36 ـ أبو القاسم ابن عساكر ، صاحب تاريخ دمشق .
37 ـ ابن الاثير الجزري ، صاحب جامع الاُصول .
38 ـ وأيضاً أخوه ابن الاثير الاخر ، صاحب أُسد الغابة .
حديث الطير
_ 7 _
39 ـ الخطيب التبريزي ، صاحب مشكاة المصابيح .
40 ـ أبو الحجّاج المزّي ، صاحب تهذيب الكمال وكتاب تحفة الاشراف .
41 ـ شمس الدين الذهبي ، صاحب المؤلفات المعروفة المشهورة .
42 ـ ابن كثير الدمشقي ، صاحب التفسير والتاريخ .
43 ـ أبو بكر الهيثمي ، صاحب مجمع الزوائد .
44 ـ شمس الدين ابن الجزري ، صاحب المؤلفات .
45 ـ ابن حجر العسقلاني ، صاحب المؤلفات ، شيخ الاسلام ، والفقيه المحدث الرجالي المعروف .
46 ـ جلال الدين السيوطي ، أيضاً صاحب المؤلفات المشهورة .
47 ـ ابن حجر المكي ، صاحب الصواعق .
48 ـ شاه ولي الله الدهلوي ، محدّث الهند .
وكما عرفتم في خلال ذكر أسماء الرواة هؤلاء : إنّ جماعة من الاعلام ومن كبار المحدّثين ألّفوا كتباً خاصة تتعلّق بطرق حديث الطير ، وهؤلاء هم :
1 ـ الطبري ، صاحب التفسير والتاريخ .
2 ـ ابن عقدة .
3 ـ الحاكم النيسابوري .
4 ـ ابن مردويه .
5 ـ أبو نعيم .
6 ـ أبو طاهر ابن حمدان .
حديث الطير
_ 8 _
7 ـ الذهبي نفسه يذكر في كتابه تذكرة الحفّاظ بترجمة الحاكم النيسابوري : أنّ له كتاباً ـ أي الذهبي نفسه ـ في طرق حديث الطير
(1) ، فهؤلاء رواة هذا الحديث بنحو الاجمال من الصحابة ، وأشرنا إلى أنّ عدد التابعين الرواة لهذا الحديث من أنس بن مالك وحده يبلغون حدود التسعين رجلاً ، وذكرنا أشهر مشاهير علماء الحديث في القرون المختلفة الرواة لحديث الطير ، وذكرنا من ألّف في خصوص حديث الطير كتاباً ،
وحديث الطير موجود في عدّة من الصحاح ، كصحيح الترمذي ، وصحيح النسائي ، وصحيح ابن حبّان ، وأيضاً موجود في المختارة للضياء المقدسي ، وفي المستدرك للحاكم ، وفي الجمع بين الصحيحين ، وفي الجمع بين الصحاح ، كما أنّ لهذا الحديث أسانيد صحيحة هي أكثر من عشرين سند موجودة في خارج الصحاح ، ولا أظن أنّ من يقف على هذه الاسامي ، وهذه الاسانيد ، يشك في صدور هذا الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا الحديث المتفق عليه بين المسلمين ، وحينئذ ننتقل إلى الجهة الثانية .
الجهة الثانية : دلالة حديث الطير على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام )
إنّ حديث الطير يدلّ على إمامة أمير المؤمنين بالقطع واليقين ، وذلك ، لانّ القضيّة التي تتعلّق بحديث الطير ، هذه القضية قد أسفرت عن كون علي (عليه السلام) أحبّ الناس إلى الله وإلى الرسول ، فكأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد انتهز فرصة إهداء طير إليه ليأكله ، انتهز هذه الفرصة للاعلان عن مقام أمير المؤمنين وعن شأنه عند الله والرسول ، هذا الشأن الذي سنرى أنّ عائشة تمنّت أن يكون لابيها ، وحفصة تمنّت لان يكون لابيها ، وأنس بن مالك ـ صاحب القصّة ـ حال دون أن تكون هذه المرتبة وأن يكون هذا الشأن والمقام لامير المؤمنين ، زاعماً أنّه أراد أن يكون لاحد من الانصار ، وربّما سعد ابن عبادة بالخصوص ، بل سنقرأ في بعض ألفاظ هذا الحديث أنّ الشيخين ، وفي سند أنّ عثمان أيضاً ، جاؤوا إلى الباب ولم يتشرّفوا بالدخول على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في تلك اللحظة التي كان يدعو الله أن يأتي إليه بأحبّ الخلق إلى الله وإلى الرسول .
---------------------------
(1) تذكرة الحفّاظ 3/1042 ـ 1043 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .
حديث الطير
_ 9 _
فلنذكر ـ إذن ـ طائفةً من ألفاظ القصّة، لنقف على واقع الامر أوّلاً ، ولنطّلع على تصرّفات القوم في نقل هذا الحديث ، وكيفيّة تصرّفهم في الحديث ، إمّا إختصاراً له وإمّا نقلاً له بنحو يقلّل من أهميّة القضية فيما يتعلّق بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، يقول الترمذي في صحيحه
(1) عن أنس بن مالك : كان عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) طير فقال : «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه» ، هذا لفظ الحديث بهذا المقدار في صحيح الترمذي ، فلا يذكر فيه دور أنس في القضيّة هذه كما سنقرأ ، ولا يذكر مجيء غير علي ورجوعه من باب رسول الله ، وجاء في كتاب مناقب علي لاحمد بن حنبل
(2) ما نصّه : عن سفينة خادم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي هو أحد رواة هذا الحديث يقول : أهدت امرأة من الانصار إلى رسول الله طيرين بين رغيفين ، فقدّمت إليه الطيرين ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك» ، ورفع صوته ، فقال رسول الله : «من هذا ؟» فقال : علي ، لاحظوا نصّ الحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل ، وقارنوا بينه وبين رواية الاخرين ، ولكم أن تقولوا : لعلّ الاخرين تصرّفوا في لفظ الحديث بإسقاط كلمة «ورفع صوته» فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ): «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ورفع صوته » ، إنّ معنى «رفع صوته» أنّه عندما كان يدعو كان يدعو بصوت عال ، لنفرض أنّ هذا معنى الحديث إلى هنا «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ورفع صوته» لكن الحقيقة إنّ لفظ أحمد محرّف ، لانّا سنقرأ في بعض الالفاظ : إنّ عليّاً عندما جاء في المرّة الاُولى فأرجعه أنس ولم يأذن له بالدخول ، وفي المرّة الثانية كذلك ، في المرّة الثالثة لمّا جاء علي رفع صوته فقال رسول الله : من هذا ؟ فمن هنا يظهر معنى «ورفع صوته» ويتبيّن التحريف ، وإلاّ فأيّ علاقة بين قوله : «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإلى رسولك ورفع صوته» ، وقوله : فقال رسول الله من هذا ؟ فقال : علي ، أي : قال سفينة : الذي خلف الباب هو علي ، قال: افتح له ، ففتحت ، فأكل مع رسول الله من الطيرين حتّى فنيا .
---------------------------
(1) صحيح الترمذي 5 / 595 باب مناقب علي بن أبي طالب .
(2) فضائل الامام علي (عليه السلام) لابن حنبل : 42 رقم 68 ، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي .
حديث الطير
_ 10 _
فالتصرف في لفظ الحديث عند أحمد أيضاً واضح تماماً ، والتلاعب في هذا اللفظ باد بكلّ وضوح ، أمّا الهيثمي صاحب مجمع الزوائد ، فيروي هذا الحديث باللفظ التالي
(1) : عن أنس بن مالك قال : كنت أخدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقُدّم فرخاً مشويّاً أو فَقدّم فرخاً مشويّاً [ يقتضي أنْ يكون : فقُدّم فرخ مشويّ ، أو فقدّم رسول الله فرخاً مشويّاً ] فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ» فجاء علي ودقّ الباب ، فقال أنس : من هذا ؟ قال : علي ، فقلت ـ أي أنس ـ يقول : النبي على حاجة ، وفي بعض الالفاظ : النبي مشغول ، أي لا مجال للدخول عليه ، والحال أنّ النبيّ كان مازال يدعو : «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك» ، قال: النبي على حاجة ، فانصرف علي ، عاد رسول الله مرّة أُخرى يقول : «اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ» ، فجاء علي فدقّ الباب دقّاً شديداً ، فسمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال : «يا أنس من هذا ؟» قال : علي ، قال : «أدخله» ، فدخل فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لقد سألت الله ثلاثاً أنْ يأتيني بأحبّ الخلق إليه وإليّ يأكل معي هذا الفرخ » ، فقال علي: وأنا يا رسول الله ، لقد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس ، فقال رسول الله : «يا أنس ، ما حملك على ما صنعت ؟ » قال : أحببت أن تدرك الدعوة رجلاً من قومي ، فقال رسول الله : «لا يلام الرجل على حبّ قومه » ، في هذا الحديث جاء علي مرّتين فردّه أنس قائلاً : رسول الله على حاجة ، في المرّة الثالثة دقّ علي الباب دقّاً شديداً .
---------------------------
(1) مجمع الزوائد 9/125 ـ دار الكتب العربي ـ بيروت ـ 1402 هـ .
حديث الطير
_ 11 _
وفي بعض الالفاظ : رفع صوته فسمع رسول الله صوت علي وقال لانس : «إفتح الباب ليدخل علي» ، ثمّ اعترض عليه رسول الله ، أي على أنس ، واعتذر أنس كما في الخبر : أحببت أن تدرك الدعوة رجلاً من قومي ، لكن الحديث في مسند أبي يعلى كما يلي : حدّثنا قطن بن نسير ، حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي ، حدّثنا عبد الله بن مثنّى ، حدّثنا عبد الله بن أنس عن أنس قال : أُهدي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حجل مشويّ ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام» ، فقالت عائشة: اللهمّ اجعله أبي ، وقالت حفصة : اللهمّ اجعله أبي ، قال أنس : فقلت أنا : اللهمّ اجعله سعد بن عبادة ، قال أنس : سمعت حركة الباب ، فإذا علي ، فسلّم ، فقلت : إنّ رسول الله على حاجة ، فانصرف ، ثمّ سمعت حركة الباب فسلّم علي ، فسمع رسول الله صوته ، أي رفع علي صوته [ أُريد أنْ أؤكّد أنّ لفظ أحمد محرّف ] فسمع رسول الله صوته فقال : «أُنظر من هذا ؟» فخرجت ، فإذا علي ، فجئت إلى رسول الله فأخبرته ، فقال : «ائذن له» ، فأذنت له ، فدخل ، فقال رسول الله : «اللهمّ وإليّ اللهمّ وإليّ» ، هذا لفظ أبي يعلى ، ولاحظوا الفوارق بين هذا اللفظ ولفظ الهيثمي ، ثمّ لفظ الترمذي ، ولفظ أحمد بن حنبل ، أمّا في الخصائص للنسائي
(1) [ الذي نصّ الحافظ الذهبي على أنّ كتاب الخصائص داخل في السنن، راجعوا سير أعلام النبلاء
(2) وكذا راجعوا مقدمة تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ] فيروي النسائي هذا الحديث بسند صحيح ، مضافاً إلى أنّ كتابه داخل في السنن الكبرى للنسائي الذي يقولون بأنّ له شرطاً في هذا الكتاب أشدّ من شرط الشيخين :
---------------------------
(1) الخصائص للنسائي: 29 رقم 10 ـ مكتبة المعلا ـ الكويت ـ 1406 هـ .
(2) سير أعلام النبلاء 14/133 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1404 هـ .
حديث الطير
_ 12 _
عن أنس بن مالك: إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) كان عنده طائر، فقال: «اللهمّ
ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر» ، فجاء أبو بكر فردّه ، ثمّ جاء عمر فردّه ، ثمّ جاء علي فأذن له ، وفي مسند أبي يعلى بنفس السند ، ترون مجيء الشيخين ومجيء عثمان أيضاً ، قال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير» ، فجاء أبو بكر فردّه ، ثمّ جاء عمر فردّه ، ثمّ جاء عثمان فردّه ، ثمّ جاء علي فأذن له
(1) ،
لاحظوا الفوارق بين الالفاظ ، وقد تعمّدت التدرج في النقل حتّى تلتفتوا إلى أنّهم إذا أرادوا أن ينقلوا القضيّة الواحدة وهي ليست في صالحهم ، كيف يتلاعبون باللفظ ، وكيف ينقصون من القصة ، وكيف يسقطون تلك النقاط الحساسة التي يحتاج إليها الباحث الحر المنصف في تحقيقه عن سنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وفي فحصه عن القول الحق من بين الاقوال ، أقول : سند النسائي كما أكّدت سند صحيح ، وهو نفس السند في مسند أبي يعلى ، لكنّ بعضهم يحاول أن يناقش في سند هذا الحديث الاخير الذي نقلته عن النسائي وأبي يعلى ، يحاول أنْ يناقش في هذا السند ، ونحن نرحّب بالمناقشة ، وأيّ مانع لو كانت المناقشة مناقشة علميّة ، على كلّ منصف أن يسلّم ، وأيّ مانع لو كانت المناقشة واردة ، وحينئذ لرفعنا اليد عن هذا الحديث وتمسّكنا بغيره من الالفاظ ، أو تمسّكنا بغير هذا الحديث من الاحاديث ، وأيّ مانع ؟ لكن كيف لو كانت المناقشة ظاهرة البطلان ، واضحة التعصّب !! يحاول بعضهم أنْ يناقش في وثاقة أحد رجال هذا السند ، وهو السُدي ، والسُدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن ، ربّما يناقش فيه بعض ، لكنّه من رجال مسلم ، من رجال الترمذي ، من رجال النسائي ، من رجال أبي داود ، ومن رجال ابن ماجة ، ويقول أحمد بترجمته : ثقة ، ويقول غيره من كبار الرجاليين : ثقة ،
حتّى أنّ ابن عدي المتشدّد في الرجال يقول : هو مستقيم الحديث صدوق ، بل إنّه من مشايخ شعبة .
---------------------------
(1) مسند أبي يعلى 7/105 رقم 4052 ـ دار المأمون للتراث ـ دمشق ـ 1406 هـ .
حديث الطير
_ 13 _
وقد ذكرنا أنّ شعبة أمير المؤمنين عندهم ، وهو لا يروي إلاّ عن ثقة هكذا يقولون ، يقولون شعبة بن الحجّاج لا يروي إلاّ عن ثقة ، وممّن يعترف بهذا المعنى أو يدّعي هذا المعنى هو ابن تيميّة ، وينقل السبكي كلامه في كتابه شفاء الاسقام
(1) فإذا كان الرجل من رجال خمسة من الصحاح الستّة ، ويوثّقه أحمد ، ويوثّقه العجلي ، ويوثّقه ابن عدي ، ويوثّقه الاخرون من كبار الرجاليين
(2) ، فأيّ مناقشة تبقى في السُدي ليطعن الطاعن عن هذا الطريق في هذا الحديث الذي هو في نفس الوقت الذي يدلّ على فضيلة لامير المؤمنين ، يدلّ على ما يقابل الفضيلة لمن يقابل أمير المؤمنين ؟ وهناك قرائن داخل الحديث وقرائن في خارج الحديث لا نحتاج إلى ذكرها كلّها ، بل نكتفي بالاشارة إلى بعض القرائن الداخليّة وبعض القرائن الخارجيّة فقط ، في بعض ألفاظ هذا الحديث يقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك» ، وهذه الاضافة موجودة في بعض الالفاظ ، وفي بعض الالفاظ : «اللهمّ أدخل عَلَيّ أحبّ خلقك إليّ من الاوّلين والاخرين» ، وربّما يدلّ هذا الحديث بهذا اللفظ على أفضليّة أمير المؤمنين من الاوّلين والاخرين ، أمّا الاخرون فالامر فيهم سهل ، أمّا الاوّلون فإنّه يشمل الانبياء أيضاً ، يشمل حتّى أُولي العزم منهم ، ويكون هذا الحديث بهذا اللفظ من أدلّتنا على أفضليّة أمير المؤمنين من جميع الانبياء إلاّ النبي والرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
---------------------------
(1) شفاء الاسقام في زيارة خير الانام : 10 .
(2) تهذيب التهذيب 1 / 313 .
حديث الطير
_ 14 _
وفي بعض ألفاظ الحديث يقول أنس : فإذا علي ـ أي فتحت الباب فإذا علي ـ فلمّا رأيته حسدته ، وفي بعض ألفاظ الحديث : فلمّا نظر إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قام قائماً فضمّه إليه وقال : «يا ربّ وإليّ يا رب وإليّ ، ما أبطأ بك ياعلي ؟ » ، وفي لفظ آخر بعد تلك العبارات : «ما أبطأ بك يا علي ؟ » قال : يا رسول الله قد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس ، قال أنس : فرأيت الغضب في وجه رسول الله ، وقال : «يا أنس ما حملك على ردّه ؟ » قلت : يا رسول الله سمعتك تدعو ، فأحببت أن تكون الدعوة في الانصار ، وكأنّ بهذا العذر زال غضب رسول الله !! ذلك الغضب الشديد الذي رآه أنس في وجهه ، زال بمجرّد اعتذاره بهذا العذر ، حتى أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمّا اعتذر هذا العذر قال : لست بأوّل رجل أحبّ قومه !! وإنّي أعتقد أنّ هذا الكلام من رسول الله مفتعل عليه في
حديث الطير : «لا يلام الرجل على حبّ قومه» أو «لست بأوّل رجل أحبّ قومه» ، أعتقد أنّ هذه إضافة من المحدّثين ، لكنْ لو سألتم بأيّ دليل تعتقد ؟ ليس عندي الان دليل ، وإنّما أقول : كيف غضب رسول الله ذلك الغضب ثمّ زال غضبه بمجرّد اعتذار أنس بهذا العذر الواهي ؟ بل يعتذر له رسول الله مرّةً أُخرى ، ويبدي له عذراً !! ألم يكن يعلم رسول الله بهذا : لا يلام الرجل على حبّ قومه ؟ فلماذا غضب عليه إذن ؟ بل قاله له رسول الله وكأنّه يلاطفه بعد ذاك الغضب الشديد ، كما في هذا الحديث : «لست بأوّل رجل أحبّ قومه ، أبى الله يا أنس إلاّ أنْ يكون ابن أبي طالب» ، وهذه قرائن داخليّة في الالفاظ ، ولو أردت أن أُعيد عليكم الالفاظ بكاملها من أوّلها إلى آخرها لطال بنا المجلس ، لكن تلك المقاطع التي نحتاج إليها ـ كقرائن داخليّة تؤيّد ما نريد أنْ نستدلّ به من هذا الحديث ـ هذه القرائن انتخبتها واستخرجتها بهذا الشكل .
حديث الطير
_ 15 _
مضافاً: إلى أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) احتجّ بحديث الطير في يوم الشورى ،
ولماذا احتجّ ؟ وعلى من احتجّ ؟ احتجّ على كبار الصحابة الذين انتخبهم عمر ، لانْ يستشيروا فيما بينهم ، فيتعيّن الخليفة في ذلك المجلس ، هؤلاء أعلام القوم وأهل الحلّ والعقد إذن ، احتجّ علي على هؤلاء، ومن المحتج ؟ علي أمير المؤمنين ، وهل يحتج علي بما ليس له أصل ؟ وهل يحتج علي بما هو ضعيف سنداً أو كذب أو موضوع ؟ فالمحتج علي ، والمحتج عليه أُولئك الاصحاب المنتخبون من قبل عمر لان يعيَّن من بينهم خليفة عمر ، واحتجّ علي في ذلك المجلس بحديث الطير ، وأيضاً : سعد بن أبي وقّاص الذي أمره معاوية بن أبي سفيان بسبّ علي ، فأبى سعد من أن يسب ، وسأله معاوية عن السبب ، فاعتذر بأنّه سمع من رسول الله خلالاً أو خصالاً لعلي ، ومادام يذكر تلك الخصال فلن يسب عليّاً ، هذا الحديث الذي قرأناه من قبل ، وفيه تحريفات كثيرة كما ذكرت لكم في ذلك المجلس ، في بعض ألفاظ هذا الحديث : إنّ سعداً اعتذر من أنْ يسبّ عليّاً بخصال ، فذكر الخصال ومنها حديث الطير ، الخصال التي اعتذر بها سعد في هذه الرواية هي : حديث الراية ، وحديث الطير ، وحديث الغدير ، وهذه الرواية موجودة في حلية الاولياء لابي نعيم ، ومن شاء فليراجع
(1) هذا ، والشواهد والقرائن الخارجيّة الدالّة على أنّ عليّاً أحبّ الخلق إلى الله وإلى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دون غيره ، تلك القرائن كثيرة لا تحصى ، والله يشهد على ما أقول ، وأنتم أيضاً تعلمون ، فلا نطيل المجلس بذكر تلك الشواهد ، بل في الاحاديث التي بحثنا عنها ، والايات التي درسناها فيما سبق ، والتي سنذكرها فيما سيأتي ، كفاية لان تكون شواهد لهذا الحديث .
---------------------------
(1) حلية الاولياء 4 / 356 .
حديث الطير
_ 16 _
وما معنى الاحبيّة إلى الله وإلى الرسول ؟ وأيّ علاقة بين الاحبيّة وبين الامامة والولاية ؟ أي إرتباط بين الامرين ؟ أتتصوّرون أنْ تكون الاحبيّة إلى الله وإلى الرسول ، أن يكون الشيء أحب الاشياء إلى الله والرسول ، أو يكون شخص الاحب إلى الله وإلى الرسول ، أن تكون الاحبيّة اعتباطيّة ليس لها معيار ، ليس لها ملاك ، ليس لها ضابط ، أيمكن هذا ؟ أتتصوّرون هذا ؟ أتحتملون هذا ؟ وأنتم بأنفسكم ، كلّ واحد منكم إذا أحبّ شيئاً ، وجعله أحبّ الاشياء إلى نفسه ، أو أحبّ شخصاً واتّخذه أحبّ
الناس إلى نفسه ، يُسأل لماذا ؟ ولابدّ وأن يكون له ضابط ، قطعاً يكون له سبب ، فالاحبيّة ليست أمراً اعتباطيّاً ، الانسان لا يحب كلّ صوت ، لا يحبّ كلّ صورة ، لا يحب كلّ شيء ، لابدّ وأن يكون هناك ضوابط للحب فكيف الاحبيّة ؟ أن يكون شيء أحبّ الاشياء إلى الانسان من كلّ الاشياء في العالم ، أن يكون شخص أحبّ الاشخاص إلى الانسان من كلّ أفراد الانسان وبني آدم ، ويكون هذا بلا حساب وبلا سبب من الاسباب ؟ أيمكن هذا ويعقل ؟ نحن لكوننا أفراداً من البشر وذي عقول ، ونحاول أن تكون أعمالنا وتروكنا عن حكمة ، عن سبب ، عن علّة ، لا نذر شيئاً ولا نختار شيئاً إلاّ لعلّة ، إلاّ لحساب ، إلاّ لسبب ، أيعقل أن تقول بأنّي أُحبّ الكتاب الفلاني وهو أحبّ إليّ من بين جميع كتب العالم ، فإذا سئلت عن السبب لا يكون عندك سبب ، لا يكون عندك جواب معقول ، الله سبحانه وتعالى يجعل فرداً من أفراد البشر ، وواحداً من خلائقه أحبّ الخلائق إلى نفسه ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يتّخذ أحداً ويجعله أحبّ الخلق إليه ، أترى يكون هذا بلا حساب وهل يعقل ؟ وجميع التصرّفات التي صدرت من المحدّثين والمؤلّفين في هذا الحديث ، وما سنقرأ أيضاً ممّا يحاولونه أمام الاماميّة في استدلالهم بهذا الحديث ، كلّ تلك القضايا أدلة أُخرى وشواهد على أنّ هذا الحديث يدلّ على مقام عظيم لامير المؤمنين ، يدلّ على شأن كبير ، وإلاّ لما فعلوا ، ولما تصرّفوا ، ولما ضربوا وكسروا المنبر ، ولما أهانوا المحدّث الحافظ الشهير الكبير عندهم ، كما سنقرأ .
حديث الطير
_ 17 _
ثمّ إنّ الاحبيّة إلى الله والرسول لمّا لا تكون اعتباطاً ، ولابدّ من سبب ، والمفروض أنّ تلك الاحبيّة إلى رسول الله لم تكن لميول نفسانيّة ولم تكن لاغراض شخصيّة ، لانّ رسول الله أعلى وأجلّ وأسمى من أن يحب شخصاً ويجعله أحبّ الخلق إليه لمجرّد ميل نفساني ، فما هي تلك الضوابط التي أشرنا إليها ؟ نحن لا علم لنا بتلك الضوابط على نحو الدقّة ، لا نعلم بها ، الامر أدقّ من هذا ، أدقّ من أن تتوصّل إليه عقولنا وأفهامنا ، الامر أدقّ من أن نفهم أنّ النبيّ أيّ معيار كان عنده لانْ يتّخذ أحداً أحبّ الخلق إليه ، نحن لسنا في ذلك المستوى لانْ نعرف ذلك المعيار ، لانْ نعرف ملكات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حتّى نتمكّن من تعيين من هو أحبّ ، اللهمّ إلاّ عن طريق تلك الاحاديث الواردة عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، عن طريق الاحاديث المتواترة القطعيّة ، عن طريق الاحاديث المتفق عليها بين الطرفين ، فأحبيّة شخص إلى رسول الله لا يمكن أن تكون لميل نفساني ولشهوة خاصّة ، ولغرض شخصي عند رسول الله ، فيجعل أحداً أحبّ الخلق إليه ولا يجعل الاخر والاخرين ، بل هناك ضوابط ، وهي التي تقرّب إليه أبعد الناس وتبعّد عنه أقرب الناس ، تلك الضوابط لابدّ وأن تكون هكذا ، وإلاّ فليس بنبي مرسل من قبل الله سبحانه وتعالى ، يفعل ويترك وما يفعل وما يترك إلاّ عن وحي من الله سبحانه وتعالى ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)
(1) فإذا كانت الاحبيّة بملاك ، بسبب ، وبحساب ، تلك الاحبيّة تنتهي إلى الاقربيّة المعنويّة ، تنتهي إلى الافضليّة ، تنتهي إلى وجود ما يقتضي أن يكون ذلك الشخص الاحب إلى رسول الله ، أن يكون مقدّماً على غيره في جميع شؤون الحياة ، وإليكم عبارة الحافظ النووي في شرح صحيح مسلم ، وهذا حافظ كبير من حفّاظهم ، وكتابه في شرح صحيح مسلم ومن أشهر كتبهم وأكثرها اعتباراً وشهرة ، يقول في معنى محبّة الله تعالى لعبده ـ والمراد من هذه الكلمة في النصوص الاسلاميّة كتاباً وسنّةً ـ فيشرح قائلاً :
---------------------------
(1) سورة النجم : 3 ـ 4 .
حديث الطير
_ 18 _
محبّة الله سبحانه وتعالى لعبده تمكينه من طاعته ، وعصمته ، وتوفيقه ، وتيسير ألطافه وهدايته ، وإفاضة رحمته عليه ، هذه مباديها ، وأمّا غايتها فكشف الحجب عن قلبه ، حتّى يراه [ أي يرى الله تعالى ] ببصيرته فيكون [ هذا الشخص المحبوب لله سبحانه وتعالى ] كما قال في الحديث الصحيح : فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره
(1) ، هذه عبارته ، وما ألطفها من عبارة ، فهل من شك حينئذ في استلزام الاحبية للامامة ؟ إنّ من كان محبوباً لله تعالى يكون له هذه المنزلة ، فكيف من كان أحب الخلق إليه ، عبارة النووي كانت في محبّة الله لاحد ، أمّا كون هذا الشخص وحده هو الاحبّ من كلّ الخلائق إلى الله سبحانه وتعالى فحدّث ولا حرج ، هذا الذي قلت بأنّ أفهامنا تقصر عن درك مثل هذه القضايا ، إلاّ أنّنا نتكلّم بقدر ما نفهم إذن ، لا شكّ ولا ريب في استلزام الاحبيّة للامامة والخلافة والولاية ، هذا على ضوء الحديث الذي قرأناه برواته وأسانيده وألفاظه ، وبعض العبارات المتعلّقة بالمطلب ذكرتها لكم ، فتمّ البحث إلى الان عن دلالة حديث الطير على الامامة واستلزام الاحبيّة للافضليّة ، ملاك الاحبية على صعيد الواقع التاريخي وأمّا على صعيد الواقع التاريخي ، أذكر لكم شاهدين فقط على صعيد الواقع التاريخي ، حتّى تعرفوا أنّ استدلالنا بحديث الطير على إمامة أمير المؤمنين لا مجال لايّ خدشة فيه من أيّ أحد من الاوّلين والاخرين .
---------------------------
(1) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 15/151 .
حديث الطير
_ 19 _
الشاهد الاوّل
إنّهم يروون عن عمر بن الخطّاب أنّه قيل له لمّا طعن : لو استخلفت ، فقال : لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته ، يقول : لو كان أبو عبيدة الجرّاح حيّاً لاستخلفته ، لا أُريد أنْ أخرج عن موضوع البحث ، وإلاّ فعندي تعليق هنا ، يقول : لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته ، فإنْ سأله الله : لماذا وبأيّ ملاك استخلفت أبا عبيدة ؟ يقول : وقلت لربّي إنْ سألني : سمعت نبيّك يقول : أبو عبيدة
أمين هذه الاُمّة ، ولي تعليق على هذا الحديث أتركه إلى وقت آخر ، ويقول عمر أيضاً : ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفته ، وعندي تعليق هنا ، أتركه لوقته ، يقول : فقلت لربّي إنْ سألني : سمعت نبيّك يقول : إنّ سالماً شديد الحبّ لله ، يقول عمر بن الخطّاب : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لاستخلفته ، هذا الشخص المولى ، ولاعتذرت إلى الله بأنّي سمعت نبيّك يقول : إنّ سالماً شديد الحبّ لله إذن ، أصبح الحب ملاكاً ومعياراً للخلافة ، وهو مولى ، وقد أجمعوا على أنّ الامام يجب أن يكون من قريش ، لكنْ لماذا كان سالم مولى أبي حذيفة بهذه المثابة في نظر عمر بن الخطّاب ؟ نتركه لوقته ، هذا هو الشاهد الاوّل ، هذا الشاهد موجود في تاريخ الطبري
(1) ، وفي تاريخ ابن الاثير الكامل
(2) ، فراجعوا .
---------------------------
(1) تاريخ الطبري 2/580 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1408 هـ .
(2) الكامل في التاريخ 3/65 ـ دار صادر ـ بيروت ـ 1399 هـ .
حديث الطير
_ 20 _
الشاهد الثاني
والاهم من هذا هو الشاهد الثاني ، تجدونه في صحيح البخاري في قضيّة السقيفة نفسها ، في بيعة أبي بكر بالذات ، يقول الراوي والعبارة هكذا : اجتمعت الانصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، فقال أبو بكر : نحن الاُمراء وأنتم الوزراء ، فقال عمر : نبايعك أنت ، فأنت سيّدنا وخيّرنا وأحبّنا إلى رسول الله ، فبايعه عمر وبايعه الناس
(1) ، فأصبحت الاحبية إلى رسول الله هي الملاك على صعيد الواقع ، دعنا عن البحث الصغروي فله مجال آخر ، نستدلّ الان بهذا الحديث على ما هو في صحيح البخاري صدقاً أو كذباً ، حجة عليهم ونحن نلزمهم بهذه الحجة ، عمر بن الخطّاب يدّعي لابي بكر إنّه كان أحبّ الخلق إلى النبي ، ولذا ـ أمام الانصار وغيرهم ـ نادى بأنّ أبا بكر هو المتعيَّن للخلافة ، بأيّ دليل ؟ لانّه أحبّ الخلق إلى رسول الله ، لكن حديثنا حديث متواتر قطعي الصدور عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، مقبول بين الطرفين ، وقد ذكرت لكم رواة هذا الحديث ، وذكرت لكم كيفيّة الاستدلال به ، وفقه هذا الحديث ، الحسد لامير المؤمنين (عليه السلام) ومن فوائد حديث الطير أنّه كان هناك بين أصحاب رسول الله حتّى المقرّبين منهم ، من كان في قلبه حسد بالنسبة لامير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأنس بن مالك خادم رسول الله يكذب ، لا مرّةً ولا مرّتين ، يكذب مرّات لاجل الحسد الذي في قلبه على علي أمير المؤمنين ، لكن أنساً كشف عن واقع حاله أكثر فأكثر ، عندما ناشده أمير المؤمنين (عليه السلام) بحديث الغدير فأبى أن يشهد ، وكتم الشهادة ، وكتمان الشهادة ذنب كبير من كبائر المعاصي ، حتّى أنّ أمير المؤمنين دعا عليه ، وابتلي بالبرص ، إنّه لابدّ أنْ نعرف حقائق الاشخاص من خلال السنّة النبويّة ، قبل أن نقرأ تراجمهم وأحوالهم في كتب التراجم ، ففي السنّة وفي الاحاديث الواردة في المصادر المعتبرة ما يستكشف به حقائق حالات الاشخاص أكثر بكثير ، وهذا ممّا لا يخفى على المتضلّعين بمثل هذه البحوث .
---------------------------
(1) صحيح البخاري 5 / 7 ـ 8 .