قطواني
(1) رقيق خشن ليس بكثيف ولا ليّن ، فأمر بشجرتين فكسح ما) بينهما
(2) ونشر الكساء عليهم وأدخلهم تحت الكساء وأدخل منكبه الايسر معهم تحت الكساء معتمداً على قوسه النبع
(3) ورفع يده اليمنى إلى السماء للمباهلة وأشرف الناس ينظرون.
واصفرّ لون السيد والعاقب وزلزلا حتّى كاد أن تطيش عقولهما ، فقال أحدهما لصاحبه : أنباهله ؟ قال : أو ما علمت أنّه ما باهل قوم قطّ نبيّاً فنشأ صغيرهم وبقي
(4) كبيرهم ، ولكن أرِه إنّك غير مكترث وأعطه من المال والسلاح ما أراد فإنّ الرجل محارب ، وقل له : أبهؤلاء تباهلنا ، لئلاّ يرى أنّه قد تقدّمت معرفتنا بفضله وفضل
(5) أهل بيته.
فلمّا رفع النبي (صلى الله عليه وآله) يده إلى السماء للمباهلة ، قال أحدهما لصاحبه : وأيّ رهبانية ؟ دارك الرجل فإنّه إن فاه ببهلة لم نرجع إلى أهل ولا مال.
فقالا : يا أبا القاسم أبهؤلاء تباهلنا ؟
قال : نعم ، هؤلاء أوجه مَن على وجه الارض بعدي إلى الله وجهة وأقربهم إليه وسيلة.
قال فبصبصا ـ يعني ارتعدا وكرّا ـ وقالا له : يا أبا القاسم نعطيك ألف سيف وألف درع وألف حجفة وألف دينار كلّ عام على أنّ الدرع والسيف والحجف
--------------------
(1) ط : فوطي ، ع . ض : قوطني ، والمثبت من حاشية ع . حاشية ض.
(2) ع . ض : فأمر بشجرتين بعضهن فكسح ما فيها ، والمثبت من ب.
(3) ع : الينع ، ض : اليسع ، والمثبت من ط.
(4) ع : أو بقي.
(5) ع . ض : في فضل.
تأويل ما نزل من القرآن الكريم فـي النبـي وآلـه صلـى اللّـه عليهـم
_ 83 _
عندك إعارة حتّى يأتي شيء من ورائنا من قومنا فنعلمهم بالّذي رأينا وشاهدنا فيكون الامر على ملا
(1) منهم ، فإمّا الاسلام وإمّا الجزية والمقاطعة في كلّ عام.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ( قد قبلت منكما )
(2) ، أما والّذي بعثني بالكرامة لو باهلتموني بمن تحت الكساء لاضرم الله عليكم الوادي ناراً تأجّج ثمّ يساقها إلى من ورائكم في أسرع من طرف العين فحرقتهم تأجّجاً ).
فهبط عليه جبرئيل الروح الامين فقال : يامحمدالله يقرئك السلام ويقول لك : وعزّتي وجلالي لو باهلتَ بمن تحت الكساء أهل السماء وأهل الارض لتساقطت عليهم السماء كسفاً مهافتة ولقطعت الارضون زبراً
(3) فلم يستقرّ عليها بعد ذلك.
فرفع النبي (صلى الله عليه وآله) يديه حتّى روئي بياض أبطيه ثمّ قال : ( على مَن ظلمكم حقّكم وبخسني الاجر الّذي افترضه الله عليهم
(4) فيكم بَهْلَةُ الله تتابع إلى يوم القيامة )
(5).
--------------------
(1) ع . ض : على في ملاء.
(2) حاشية ع : ذلك منكما.
(3) ب : زبراً سايحة.
(4) ع : عليكم.
(5) سعد السعود : 184 ـ 190 الطبعة المحققة.
وراجع تأويل هذه الاية أيضاً : الاختصاص : 56 و 112 ، الطرائف : 44 ـ 45 ، مجمع البيان 2/452 ، الامالي للطوسي 1/313 ، صحيح مسلم 4 / 1871 ، مسند أحمد 1/185 ، مناقب الخوارزمي : 59 ، الامالي للصدوق : 423 ، تفسير العياشي 1 / 177 ، مناقب المغازلي : 263 ، شواهد التنزيل 1 / 122.
تأويل ما نزل من القرآن الكريم فـي النبـي وآلـه صلـى اللّـه عليهـم
_ 84 _
( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) :
6 ـ حدّثنا محمد بن القاسم المحاربي ، قال : حدّثنا عباد بن يعقوب ، قال : أخبرنا أبو عبد الرحمن المسعودي عبد الله
(1) بن عبد الملك بن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن الحارث بن حصيرة ، عن صخر بن الحكم الفزاري ، عن حباب
(2) بن الحارث الازدي ، عن الربيع بن جميل الصيني ، عن مالك بن ضمرة الرواسي
(3) ، عن أبي ذرّ الغفاري : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : ( ترد عليّ أمّتي على خمس رايات ... ) فذكر الحديث إلى أن قال : ( ثمّ ترد عليّ راية أمير المؤمنين وقائد الغرّ المجّلين ، فأقوم فآخذ بيده فيبيضّ وجهه ووجوه أصحابه.
فأقول : بما خلّفتموني في الثقلين بعدي ؟
فيقولون : اتبعنا الاكبر وصدقناه ووازرنا الاصغر ونصرناه وقتلنا معه.
فأقول : ردّوا
(4) رواءً مرويّين ، فيشربون شربة لا يظمأون بعدها ، وجه إمامهم كالشمس الطالعة ووجههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ نجم في السماء ) .
قال أبو ذرّ لعليّ والمقداد وعمار وحذيفة وابن مسعود ـ وكانوا شيّعوه لمّا سيرَ ـ : ألستم تشهدون عليّ ذلك ؟
قالوا : بلى.
--------------------
(1) ب : وهو عبد الله.
(2) ر : حنان (جناب خ ل) ، ب : حنان.
(3) ب : الدوسي.
(4) ر : رَوّوا.
تأويل ما نزل من القرآن الكريم فـي النبـي وآلـه صلـى اللّـه عليهـم
_ 85 _
قال : وأنا على ذلك من الشاهدين
(1) .
--------------------
(1) اليقين : 280 ـ 281.
وراجع تأويل هذه الاية أيضاً : تفسير القمي 1 / 109.
تأويل ما نزل من القرآن الكريم فـي النبـي وآلـه صلـى اللّـه عليهـم
_ 86 _
سورة النساء
( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ) (69) :
7 ـ قال عليّ (عليه السلام) : ( يا رسول الله هل نقدر أن نزورك في الجنّة كلّما أردنا ؟ ).
قال : ( يا عليّ إنّ لكلّ نبيّ رفيقاً أول من أسلم من أمّته ) .
فنزلت هذه الاية :
( أُولَئكَ مَعَ الَّذيِنَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ) ، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً فقال له : ( إنّ الله قد أنزل بيان ما سألت فجعلك رفيقي لانّك أول مَن أسلم وأنت الصدّيق الاكبر )
(1).
--------------------
(1) كشف الغمة 1 / 87.
وراجع تأويل هذه الاية أيضاً : كفاية الاثر : 182 ، تفسير العياشي 1 / 256 رقم 190 ، المناقب لابن شهرآشوب 3 / 89 ، تفسير القمي 1 / 142.
تأويل ما نزل من القرآن الكريم فـي النبـي وآلـه صلـى اللّـه عليهـم
_ 87 _
سورة المائدة
( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقيِمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (55) :
8 ـ قال السيد ابن طاووس : إنّما ذكرتُ هذه الاية الشريفة مع شهرة أنّها نزلت في مولانا علي ، لانني وجدتُ صاحب هذا الكتاب ( محمد بن العباس بن مروان ) قد رواها بزيادات عما كنّا وقفنا عليه ، وهو أنّه رواها من تسعين طريقاً بأسانيد متّصلة كلّها أو جلّها من رجال المخالفين لاهل البيت (عليهم السلام).
أقول : وممن سمّى صاحب الكتاب (1) من رواة هذا الحديث : مولانّا عليّ (عليه السلام) ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، وعبد الله بن العباس ، وأبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وجابر بن عبد الله الانصاري ، وأبو ذر ، والخليل بن مرّة ، وعليّ بن الحسين (عليه السلام) ، وأبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) ، وجعفر ابن محمد (2) ، وأبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ، ومجاهد بن جبير
--------------------
(1) الكتاب ، لم يرد في ع . ض.
(2) ب : وعلي بن الحسين والباقر والصادق (عليهم السلام).
تأويل ما نزل من القرآن الكريم فـي النبـي وآلـه صلـى اللّـه عليهـم
_ 88 _
المكي ، ومحمد بن سيرين (1) ، وعطاء بن السائب ، ومحمد بن السائب ، وعبد الرزاق (2).
9 ـ أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) : حدّثنا عليّ بن أحمد ، قال : حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي ، قال : حدّثنا يحيى بن هاشم المغاني (3) ، حدّثني محمد بن عبيد الله بن عليّ بن أبي رافع ، عن عون بن عبيد الله ، عن أبيه ، عن جدّه أبي رافع قال : دخلتُ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو نائم أو يوحى إليه ، فإذا حيّة في جانب البيت ، فكرهتُ أن أقتلها فأوقظه (4) ، وظننتُ أنّه يوحى إليه ، فاضطجعت بينه وبين الحيّة لئن كان منها سوء يكون فيّ (5) دونه.
قال : فاستيقظ النبي (صلى الله عليه وآله) وهو يتلو هذه الاية : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقيِمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهمْ رَاكِعُونَ ).
ثم قال : ( الحمد لله الذي أكمل لعليّ نعمه ، وهنيئاً لعليّ بتفضيل الله إيّاه ) قال : ثمّ التفت إليّ فقال : ( ما يضجعك ها هنا ؟ ) ، فأخبرته الخبر.
فقال لي : ( قم إليها فاقتلها ) ، قال : فقتلتها .
--------------------
(1) ض : سري ، ط : السري.
(2) سعد السعود : 192 ـ 193 الطبعة المحققة.
(3) حاشية ع : الغساني ، ط : المعالي.
(4) ع . ض . ب : فأوقظته ، والمثبت من حاشية ع.
(5) ع : لي ، ط : إليّ.
تأويل ما نزل من القرآن الكريم فـي النبـي وآلـه صلـى اللّـه عليهـم
_ 89 _
ثمّ أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيدي فقال : ( يا أبا رافع ليكوننّ عليّ منك بمنزلتي غير أنّه لا نبيّ بعدي ، إنّه سيقاتله قوم يكون حقّاً في الله جهادهم ، فمن لم يستطع جهادهم بيده فجاهدهم بلسانه ، فإن لم يستطع بلسانه فجاهدهم بقلبه ، ليس وراء ذلك شيء ، وهو على الحقّ وهم على الباطل ) .
قال : ثم خرج وقال : ( أيها الناس مَن كان يحبّ أن ينظر إلى أميني فهذا أميني ) ، يعني أبا رافع.
قال محمد بن عبيد الله : فلمّا بويع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وسار طلحة والزبير إلى البصرة (1) وخالفه معاوية وأهل الشام ، قال أبو رافع : هذا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( إنّه سيقاتل عليّاً قوم يكون حقاً في الله جهادهم ، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه ، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه ، ليس وراء ذلك شيء ) .
فباع أبو رافع داره وأرضه بخيبر ، ثمّ خرج مع عليّ (عليه السلام) بقبيلته وعياله وهو شيخ كبير ابن خمس وثمانين سنة ، ثمّ قال : الحمد لله لقد أصبحتُ وما أعلم أحداً بمنزلتي : لقد بايعت البعتين ـ بيعة العقبة وبيعة الرضوان ـ ولقد صلّيت القبلتين وهاجرتُ الهجر الثلاث.
فقيل له : وما الهجر الثلاث ؟
قال : هجرة مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي إذ بعثه رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وهجرة إلى المدينة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وهذه هجرة مع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الكوفة.
ثمّ لم يزل معه حتّى استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ورجع أبو رافع مع الحسن (عليه السلام) إلى المدينة ولا دار له ولا أرض ، فقسم له الحسن (عليه السلام) دار عليّ بن أبي طالب نصفين وأعطاه بينبع أرضاً أقطعها إيّاه ، فباعها عبيد الله بن أبي رافع بعد من معاوية بمائتي ألف درهم وستّين ألفاً (2).
--------------------
(1) ع . ض : البصيرة.
(2) سعد السعود : 193 ـ 195 الطبعة المحققة.
تأويل ما نزل من القرآن الكريم فـي النبـي وآلـه صلـى اللّـه عليهـم
_ 90 _