وردوهم ، منهم بلال وصهيب
(1) وعمار وخباب
(2) (3) * (في الله) * في حقه ولوجهه * (حسنة) * صفة لمصدر محذوف ، أي : * (لنبوئنهم) * تبوئة حسنة ، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( لنثوينهم )
(4) ومعناه : إثواءة حسنة ، أي : لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة ، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم وعلى العرب قاطبة وعلى أهل المشرق والمغرب ، وقيل : لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم الأنصار ونصروهم
(5) *
(لو كانوا يعلمون) * الضمير للكفار ، أي : لو علموا أن الله يجمع للمهاجرين الدنيا
والآخرة لرغبوا في دينهم ، ويجوز أن يكون الضمير للمهاجرين ، أي : لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم .
* (الذين صبروا) * أي : هم الذين صبروا ، أو أعني الذين صبروا ، وكلاهما مدح ، صبروا على العذاب وعلى مفارقة الوطن وعلى الجهاد .
قالت قريش : الله لا يرسل إلينا بشرا مثلنا ، فقال : * (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم) * على ألسنة الملائكة * (فسلوا أهل الذكر) * وهم أهل
-------------------
(1) هو صهيب بن سنان بن مالك ، بدري ، وجميع المدنيين يثبتون نسبه في النمر ابن قاسط ، قال بعضهم : كان أبوه سنان بن مالك عاملا لكسرى على ( الأبلة ) ، وكانت منازلهم بأرض الموصل وما يليها من الجزيرة ، فأغارت الروم على تلك الناحية فسبوا صهيبا وهو غلام صغير ، فنشأ في الروم ، فابتاعته ( كلب ) منهم ، ثم قدمت به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان ، ويقال : إن ابن جدعان أعتقه وبعث به إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ، توفي بالمدينة سنة ثمان وثلاثين في شوال ، وهو ابن سبعين سنة ، فدفن بالبقيع .
انظر المعارف لابن قتيبة : ص 151 .
(2) خباب بن الأرت بن جندلة ، من بني سعد بن تميم ، ويكنى : أبا عبد الله، وكان أصابه سباء فبيع بمكة فاشترته أم أنمار ـ وهي أم سباع الخزاعية من حلفاء بني زهرة ـ فاعتقته ، مات بالكوفة سنة سبع وثلاثين ه ، وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وهو أول من قبره علي (عليه السلام) بالكوفة وصلى عليه عند منصرفه من صفين .
انظر المعارف لابن قتيبة : ص 179 .
(3) قاله الكلبي على ما حكاه عنه الماوردي في تفسيره : ج 3 ص 189 .
(4) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 607 .
(5) قاله الشعبي ، راجع تفسير الطبري : ج 7 ص 585 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 328 _
الكتاب ليعلموكم أنه سبحانه لم يبعث إلى من تقدم من الأمم إلا البشر ، وقيل : إن أهل الذكر : أهل القرآن ، والذكر : القرآن (1) ، وقيل : أهل العلم (2) .
وعن الباقر (عليه السلام) : ( نحن أهل الذكر ) (3) .
* (بالبينت) * يتعلق ب * (مآ أرسلنا) * ويدخل تحت الاستثناء ، أي : وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات ، كما تقول : ما ضربت إلا زيدا بالسوط ، وأصله : ضربت زيدا بالسوط ، أو يتعلق ب * (رجالا) * صفة له ، أي : رجالا ملتبسين بالبينات ، أو ب * (نوحي) * أي : نوحي إليهم بالبينات ، وقوله : * (فسلوا أهل الذكر) * اعتراض * (وأنزلنا إليك الذكر) * أي : القرآن ، إنما سمي ذكرا لأنه موعظة وتنبيه للغافلين * (لتبين للناس ما) * نزل الله * (إليهم) * في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه إرادة أن يتفكروا فينتبهوا (4) .
* (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) *
-------------------
(1) قاله ابن زيد ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 189 .
(2) وهو قول الرماني والأزهري والزجاج ، راجع التبيان : ج 6 ص 384 .
(3) تفسير العياشي : ج 2 ص 260 ح 32 ، تفسير الطبري : ج 7 ص 587 .
(4) في بعض النسخ : فيتنبهوا . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 329 _
أي : * (مكروا) * المكرات * (السيات) * ، يريد : أهل مكة وما مكروا به رسول الله (صلى الله عليه وآله) . * (في تقلبهم) * حال ، أي : متقلبين في أسفارهم ومتاجرهم .
* (على تخوف) * أي : متخوفين ، وهو أن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا ، أي : * (يأخذهم) * العذاب وهم متخوفون متوقعون ، وهو خلاف قوله : * (من حيث لا يشعرون) * ، وقيل : معناه : على تنقص ، أي : يأخذهم على أن يتنقصهم شيئا بعد شئ في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا (1) * (فإن ربكم لرءوف رحيم) * حيث يحلم عنكم ولا يعذبكم عاجلا .
وقرئ : ( أو لم تروا ) (2) و ( تتفيؤا ) بالتاء (3) والياء * (ما خلق الله) * : * (ما) * موصولة ، وهو مبهم بيانه : * (من شئ يتفيؤا ظلله) * ، و * (اليمين) * بمعنى الأيمان * (سجدا) * حال من الظلال * (وهم دا خرون) * حال من الضمير في * (ظلله) * لأنه في معنى الجمع ، وهو ما خلق الله من كل شئ له ظل ، وجمع بالواو والنون لأن الدخور من أوصاف العقلاء ، أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب العقلاء ، والمعنى : أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها ، أي : عن جانبي كل واحد منها ، مستعار من يمين الإنسان وشماله ، أي : يرجع الظلال من جانب إلى جانب منقادة لله ، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيؤ ، والأجرام في أنفسها ـ أيضا ـ داخرة صاغرة منقادة لأفعال الله فيها .
* (من دابة) * بيان ل * (ما في السموات وما في الارض) * جميعا ، على أن السماوات خلقا لله يدبون فيها ، أو بيان ل * (ما في الارض) * وحده ويراد
-------------------
(1) قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد ، راجع التبيان : ج 6 ص 386 .
(2) وهي قراءة حمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 373 .
(3) قرأه أبو عمرو وحده ، راجع التيسير في القراءات السبع للداني : ص 138.
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_330 _
ب * (ما في السموات) * الملائكة ، وكرر ذكرهم على معنى : * (والملكة) * خصوصا من بين الساجدين لأنهم أعبد الخلق ، أو يراد ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم ، والمراد بسجود المكلفين : طاعتهم وعبادتهم ، وبسجود غيرهم : انقيادها لإرادة الله وأنها غير ممتنعة عليه .
* (يخافون) * حال من الضمير في * (لا يستكبرون) * ، أو استئناف لبيان نفي
الاستكبار وتأكيده ، لأن من خاف الله لم يستكبر عن عبادته * (من فوقهم) * إن تعلق ب
* (يخافون) * فالمعنى : يخافونه أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم ، وإن تعلق ب * (ربهم)
* فهو حال منه ، أي : يخافون ربهم غالبا لهم قاهرا ، كقوله : * (وإنا فوقهم قهرون) *
(1) .
* (وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ * وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) * (إلهين اثنين) * هو تأكيد للعدد ودلالة على العناية به ، ألا ترى أنك لو قلت : إنما هو إله ، ولم تؤكده ب ( واحد ) لم يحسن ، وخيل أنك أثبت الإلهية لا الوحدانية * (فإيى فارهبون) * نقل الكلام من الغيبة إلى التكلم على طريقة الالتفات ، لأن الغائب هو المتكلم ، ولأنه أبلغ في الترهيب من قوله : وإياه فارهبوه ، ومن أن يجئ ما قبله على لفظ التكلم .
-------------------
(1) الأعراف : 127 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 331_