صاحبي * (قد بلغت من لدنى عذرا) * أي : قد أعذرت فيما بيني وبينك إذ أخبرتني أن لا أستطيع معك صبرا .
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) : ( استحيا نبي الله موسى ، فلو صبر
لرأى ألفا من العجائب )
(1) .
وقرئ : ( من لدني ) بتخفيف النون
(2) .
* (أهل قرية) * هي أنطاكية ، وقيل : أيلة
(3) ، وقيل : قرية على ساحل البحر تسمى ناصرة
(4) * (أن يضيفوهما) * أي : لم يضفهما أحد من أهلها ، والتضييف والإضافة بمعنى ، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) : ( كانوا أهل قرية لئاما )
(5) ، وقيل : شر القرى : التي لا يضاف الضيف فيها ، ولا يعرف لابن السبيل حقه
(6) * (يريد أن ينقض) * أي : أشرف على أن ينهدم ، استعيرت الإرادة للمشارفة والقرب كما استعير الهم والعزم لذلك ، قال : يريد الرمح صدر أبي براء * ويرغب عن دماء بني عقيل
(7) وقال حسان : إن دهرا يلف شملي بجمل
* لزمان يهم بالإحسان
(8) وانقض : أسرع سقوطه ، وهو انفعل مطاوع قضضته
(9) ، وقيل : هو افعل من
-------------------
(1) رواه الشيخ الطوسي في التبيان : ج 7 ص 75 .
(2) وهي قراءة نافع والأعشى ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 513 .
(3) قاله قتادة وابن سيرين ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 175 ، وتفسير الماوردي : ج 3 ص 330 وفيه : ( الابلة ) .
(4) ذكره القرطبي في تفسيره : ج 11 ص 24 ونسبه الى الثعلبي .
(5) أخرجه السيوطي في الدر: ج 5 ص 427 وعزاه الى الديلمي عن ابي بن كعب عنه (صلى الله عليه وآله) .
(6) وهو قول قتادة ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 175 .
(7) لم نعثر على قائله فيما توفرت لدينا من مصادر معتمدة ، إلا صاحب مجاز القرآن فقد نسبه الى الحارثي ولم يبين من هو ، ومعناه واضح ، راجع مجاز القرآن لأبي عبيدة : ج 1 ص 410 .
(8) وفيه تشبيه الزمان بانسان يصح منه إرادة الإحسان على طريق المكنية ، والهم في هذا البيت تخييل أو هو من باب المجاز العقلي ، انظر ديوان حسان بن ثابت : ج 1 ص 517 .
(9) في نسخة : نقضته . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_430 _
النقض كاحمر من الحمرة (1) * (فأقامه) * بيده ، وقيل : مسحه بيده فقام واستوى (2) ، ولما أقام الجدار وكانت الحال حال افتقار إلى مطعم ولم يجدا مواسيا ، لم يملك موسى نفسه أن * (قال لو شئت) * اتخذت * (عليه أجرا) * حتى نسد به جوعتنا (3) ، وقرئ : ( لتخذت ) (4) والتاء من ( تخذت ) أصل ، ( اتخذ ) افتعل منه ك ( اتبع) من ( تبع ) وليس من الأخذ في شئ .
* (قال هذا) * أي : الاعتراض سبب الفراق ، والأصل : هذا فراق بيني وبينك ، فأضاف المصدر إلى الظرف كما يضاف إلى المفعول به * (لمسكين) * لفقراء * (يعملون) * بها * (في البحر) * ويتعيشون بها * (وراءهم) * أمامهم كقوله : * (ومن
ورائهم برزخ) * (5) ، وقيل : خلفهم (6) ، وكان طريقهم في رجوعهم عليه ، وما كان عندهم خبره فأعلم الله به الخضر وهو جلندى (7) ، وقرأ أبي و عبد الله (8) : ( كل سفينة صالحة غصبا ) (9) ، وقرأ أبي وابن عباس : ( وأما الغلام فكان كافرا
-------------------
(1) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 739 ـ 740 .
(2) قاله سعيد بن جبير على ما حكاه البغوي في تفسيره : ج 3 ص 175 .
(3) في بعض النسخ : جوعنا .
(4) وهي قراءة ابن كثير والبصريين ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 514 .
(5) المؤمنون : 100 .
(6) قاله الزجاج في معاني القرآن : ج 3 ص 305 .
(7) وجلندى : اسم ملك عمان ، انظر الصحاح : مادة ( جلد ) .
(8) والمراد به عبد الله بن مسعود بن غافل ، أبو عبد الرحمن ، من أكابر الصحابة والسابقين في الاسلام ، أمره عثمان على الكوفة في خلافته ثم عزله وأمره بالرجوع الى المدينة ، ثم جعله القيم على بيت المال ، ثم استعفاه لخلاف حدث بينه وبينه فأعفاه وأخذ منه مفاتيح بيت المال ، توفي في خلافة عثمان ـ أثر كسر ضلع حدث به بعد أن داسه الخليفة برجليه ـ عن نحو ستين عاما ، انظر الإصابة : ج 2 ص 368 ـ 369 ، والاستيعاب : ج 3 ص 987 ـ 994 .
(9) حكاه عنهما الشيخ الطوسي في التبيان : ج 7 ص 80 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 431_
وأبواه مؤمنين ) (1) وكلاهما قراءة أهل البيت (عليهم السلام) (2) ، * (فخشينا) * أي : فخفنا * (أن) * يغشي الوالدين المؤمنين * (طغينا) * عليهما * (وكفرا) * لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ، ويلحق بهما بلاء ، أو يعذبهما برأيه (3) فيحملهما على الطغيان والكفران .
وقرئ : * (يبدلهما) * بالتشديد (4) والتخفيف ، والزكاة : الطهارة والنقاء من الذنوب ، والرحم : الرحمة والعطف .
الصادق (عليه السلام) : ( إنهما أبدلا بالغلام المقتول جارية فولدت سبعين نبيا ) (5) .
واختلف في الكنز ، فقيل : مال مدفون من الذهب والفضة (6) ، وقيل : كتب علم مدفونة (7) ، وقيل : لوح من ذهب مكتوب فيه : ( عجبا لمن
يؤمن بالقدر كيف يحزن ، عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ، عجبا لمن أيقن بالموت كيف
يفرح ، عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف
يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ) (8) .
الصادق (عليه السلام) : ( إنه كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء ) (9) .
-------------------
(1) حكاها الماوردي في تفسيره : ج 3 ص 334 ، والبغوي في تفسيره : ج 3 ص 176 وفيهما :
وكان أبواه .
(2) انظر تفسير العياشي : ج 2 ص 335 و 336 ح 54 و 55 .
(3) في بعض النسخ : بدائه .
(4) وهي قراءة نافع وأبي عمرو ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص
397 .
(5) تفسير العياشي : ج 2 ص 336 ـ 337 ح 60 و 61 .
(6) قاله عكرمة وقتادة ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 336 .
(7) قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 336 .
(8) وهو قول ابن عباس وعكرمة وعمر مولى غفرة والحسن ، ورواه عثمان بن عفان وأنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 336 ، وتفسير القرطبي : ج 11 ص 38 ، وفي تفسير القمي : ج 2 ص 40 باسناده عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) .
(9) حكاه عنه (عليه السلام) الرازي في تفسيره : ج 21 ص 162 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 432 _
* (رحمة) * مفعول له ، أو مصدر منصوب ب * (أراد ربك) * لأنه في معنى ( رحمهما ) ، * (وما فعلته) * ما رأيت * (عن أمرى) * أي : عن اجتهادي ورأيي ، وإنما فعلته بأمر الله، وفي قراءة علي (عليه السلام) : ( وما فعلته يا موسى عن أمري ) .
* (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَأَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) * (ذي القرنين) * هو الإسكندر الذي ملك الدنيا ، وقيل : ملك الدنيا مؤمنان : ذو القرنين وسليمان ، وكافران : نمرود وبخت نصر (1) .
واختلف فيه (2) فقيل : كان عبدا صالحا أعطاه الله العلم والحكمة وملكه الأرض (3) ، وقيل : كان نبيا فتح الله على يديه الأرض (4) .
وعن علي (عليه السلام) : ( كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله
-------------------
(1) قاله مجاهد في تفسيره : ص 450 .
(2) أي بذي القرنين .
(3) وهو قول علي (عليه السلام) على ما حكاه عنه الماوردي في تفسيره : ج 3 ص 337 .
(4) وهو قول عكرمة ومجاهد عن ابن عمر وابن العاص ، راجع تفسير السمرقندي : ج 2 ص 310 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 433_
فمات ، ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله، فسمي ذا القرنين ، وفيكم مثله ) (1) .
وقيل : سمي ذا القرنين لأنه قد بلغ قطري الأرض من المشرق والمغرب (2) ، وقيل : كان لتاجه قرنان (3) ، والسائلون : هم اليهود ، سألوه على وجه الامتحان ، وقيل : سأله أبو جهل وأشياعه (4) * (وءاتينه من) * أسباب * (كل شئ) * أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه * (سببا) * طريقا موصلا إليه ، فأراد بلوغ المغرب ( فاتبع سببا ) يوصله إليه حتى بلغ ، وكذلك أراد المشرق ( فاتبع سببا ) وأراد بلوغ السدين ( فاتبع سببا ) (5) ، وقرئ : * (فأتبع) * بقطع الهمزة ، أي : فأتبع أمره سببا ، أو أتبع ما هو عليه سببا .
وقرئ : * (حمئة) * من حمئت البئر : إذا صارت فيها الحمأة (6) ، و ( حامية ) (7) أي : حارة * (ووجد) * عند العين ناسا كانوا كفرة ، فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإسلام فاختار دعوتهم واستمالتهم ، ف * (قال أما من) * دعوته فأبى إلا البقاء على أعظم الظلم وهو الكفر فذاك هو المعذب في الدارين
-------------------
(1) حكاه عنه (عليه السلام) الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 743 ، والرازي في تفسيره : ج
21 ص 164 .
(2) وهو قول الزهري ، راجع تفسير الماوردي : ج 3 ص 337 .
(3) حكاه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 743 .
(4) وهو ما رواه القمي في تفسيره : ج 2 ص 31 و 40 بإسناده عن الصادق (عليه السلام) ، وإليه ذهب محمد بن إسحاق على ما حكاه عنه الرازي في تفسيره : ج 21 ص 82 و 164 .
(5) الظاهر أن القراءة المعتمدة عند المصنف هنا بوصل الهمزة وتشديد التاء المفتوحة .
(6) الحمأة : الطين الأسود ، (الصحاح : مادة حمأ) .
(7) وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 398 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 434 _
* (وأما من ءامن و) * أصلح ( فله جزاء الحسنى ) (1) أي : جزاء الفعلة الحسنى ، وقرئ : * (جزاء) * بالنصب والتنوين ، ومعناه : فله المثوبة الحسنى جزاء أي : مجزية ، فهو مصدر وضع موضع الحال * (من أمرنا يسرا) * أي : لا نأمره بالصعب الشاق ولكن بالسهل المتيسر من الخراج وغير ذلك ، وتقديره : ذا يسر .
وقرئ : * (مطلع) * بفتح اللام (2) وكسرها وهو مصدر ، والمعنى : * (بلغ) * مكان مطلع الشمس * (على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) * لم يكن بها جبل ولا شجر ولا بناء ، وعن كعب : كان أرضهم لا تمسك الأبنية وبها أسراب ، فإذا طلعت الشمس دخلوها ، فإذا غربت تصرفوا في أمورهم ومعايشهم (3) ، وقيل : الستر : اللباس (4) ، وعن مجاهد : من لا يلبس الثياب من السودان عند مطلع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض (5) .
* (كذلك) * أي : أمر ذي القرنين كذلك ، أي : كما وصفناه تعظيما لأمره * (وقد أحطنا بما لديه) * من الجنود والآلات وأسباب الملك * (خبرا) * أي : علما تكثيرا لذلك ، وقيل : يريد * (بلغ مطلع الشمس) * مثل ذلك أي : كما بلغ مغربها (6)، وقيل : تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم (7) ، ومعناه : أنهم كفرة مثلهم ، وحكمهم مثل حكمهم في تعذيبه لمن بقي منهم على الكفر وإحسانه إلى من آمن منهم .
-------------------
(1) يبدو جليا أن المصنف (رحمه الله) قد اعتمد هنا على هذه القراءة أي بالرفع من
غير تنوين .
(2) قرأه ابن كثير برواية شبل وعيسى وابن محيصن ، راجع شواذ القرآن لابن خالويه : ص 85 .
(3) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 745 .
(4) قاله ابن عباس في تفسيره : ص 252 .
(5) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف : ج 2 ص 745 .
(6) قاله السمرقندي في تفسيره : ج 2 ص 311 .
(7) وهو قول الزجاج في معاني القرآن : ج 3 ص 309 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 635_
(حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً * قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً) * السدان : جبلان سد ذو القرنين ما بينهما ، وقرئ : بالضم (1) والفتح ، وقيل : ما كان من عمل العباد فهو مفتوح ، وما كان من خلق الله فهو مضموم ، لأنه فعل بمعنى مفعول فعله الله وخلقه ، والمفتوح مصدر فهو حدث يحدثه الناس (2) ، و * (بين) * انتصب على أنه مفعول به ، كما انجر بالإضافة في قوله : * (هذا فراق بينى وبينك) * (3) ، وهذا المكان في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق * (من دونهما قوما) * قيل : هم الترك (4) * (لا يكادون يفقهون قولا) * أي : لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها ، وقرئ : ( يفقهون ) (5) أي : لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه ، لأن لغتهم غريبة مجهولة .
* (يأجوج ومأجوج) * اسمان أعجميان ، وقرئا : بالهمزة * (مفسدون في
-------------------
(1) قرأه حمزة والكسائي ونافع وعاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات
لابن مجاهد : ص 399 .
(2) وهو قول عكرمة وأبي عبيدة ، راجع مجاز القرآن لأبي عبيدة : ج 1 ص 414 ، والتبيان : ج 7 ص 89 .
(3) الآية : 78 .
(4) قاله السدي والضحاك ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 180 .
(5) وهي قراءة حمزة والكسائي . راجع العنوان في القراءات السبع لابن خلف : ص 124 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_436_
الارض) * قيل : كانوا يأكلون الناس (1) ، وقيل : كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه (2) (3) .
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) في صفتهم : ( أنه لا يموت أحد منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح ) (4) .
وقيل : إنهم صنفان : طوال مفرطو الطول وقصار مفرطو القصر (5) .
وقرئ : * (خرجا) * و ( خراجا ) (6) أي : جعلا نخرجه من أموالنا ، ونظيرهما النول والنوال .
* (ما مكنى ... ربى) * أي : ما جعلني ربي فيه مكينا من كثرة المال واليسار * (خير) * مما تبذلونه من الخراج فلا حاجة بي إليه ، وقرئ : بالإدغام وفكه (7) * (فأعينوني بقوة) * أي : برجال وصناع يحسنون البناء وبالآلات * (ردما) * أي : حاجزا حصينا ، والردم : أكبر من السد ، قيل : حفر الأساس حتى بلغ الماء ، وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب ، والبنيان من * (زبر الحديد) * بينهما الحطب والفحم * (حتى) * سد ما * (بين) * الجبلين إلى أعلاهما ، ثم وضع المنافيخ * (حتى إذا) * صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فالتصق
-------------------
(1) قاله سعيد بن جبير ، راجع التبيان : ج 7 ص 91 ، وفي تفسير الطبري : ج 8 ص 279 نسبه الى سعيد بن عبد العزيز .
(2) في نسخة : حملوه .
(3) قاله الكلبي ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 181 و 182 .
(4) أخرجه الطبري في تفسيره : ج 8 ص 284 باسناده عن أبي سعيد الخدري عنه (صلى الله عليه وآله) باختلاف يسير لا يضر .
(5) حكاه البغوي في تفسيره : ج 3 ص 181 ونسبه الى علي (عليه السلام) .
(6) وهي قراءة حمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 400 .
(7) قرأ ابن كثير وحده بالتفكيك ـ أي : بنونين ـ والباقون بالادغام ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 516 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 437 _
بعضه ببعض وصار جبلا صلدا (1) ، والصدفان بفتحتين : جانبا الجبلين ، لأنهما يتصادفان أي : يتقابلان ، وقرئ : ( الصدفين ) بضمتين (2) وبضمة وسكون (3) ، والقطر : النحاس المذاب ، و * (قطرا) * منصوب ب * (أفرغ) * وتقديره : * (ءاتونى) * قطرا أفرغ عليه قطرا ، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ، وقرئ : ( قال ائتوني ) (4) جيئوني .
* (فما اسطعوا) * بحذف التاء للخفة ، وقرئ : ( فما اصطاعوا ) بقلب السين صادا (5) * (أن يظهروه) * أن يعلوه ، أي : لا حيلة لهم في صعوده لارتفاعه وملاسته ، ولا في نقبه لصلابته وثخانته .
* (هذا) * إشارة إلى السد ، أي : هذا السد نعمة * (من) * الله و *
(رحمة) * على عباده * (فإذا جاء وعد ربى) * أي : دنا مجئ يوم القيامة جعل السد ( دكا
) (6) أي : مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض ، وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك ، وقرئ : * (دكآء) * بالمد ، أي : أرضا مستوية * (وكان وعد ربى حقا) * هذا آخر حكاية قول ذي القرنين .
* (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً * أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً * قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً)
-------------------
(1) انظر تفسير البغوي : ج 3 ص 182 .
(2) قرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ، راجع الكشف عن وجوه القراءات للقيسي : ج 2 ص 79 .
(3) وهي قراءة عاصم برواية أبي بكر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 401 .
(4) قرأه حمزة وعاصم برواية أبي بكر ، راجع المصدر السابق .
(5) وهي قراءة الأعشى على ما حكاه عنه ابن غلبون في تذكرته : ج 2 ص 518 .
(6) يبدو واضحا أن المصنف اعتمد هنا على القراءة بالقصر تبعا للكشاف ، وهي قراءة المشهور غير الكوفيين . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_438 _
* (وتركنا بعضهم) * أي : وجعلنا بعض الخلق يوم خروج يأجوج ومأجوج * (يموج في بعض) * أي : يضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ، أو يكون الضمير ليأجوج ومأجوج وأنهم يموجون حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد .
وقد روي : أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ، ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به ممن لم يتحصن منهم من الناس ، ثم يبعث الله نغفا (1) في أقفائهم فتدخل آذانهم فيهلكون بها (2) .
* (وعرضنا جهنم) * وأبرزناها لهم فرأوها وشاهدوها .
* (عن ذكرى) * عن آياتي والتفكر فيها ، ونحوه : * (صم بكم عمى) * (3) .
* (وكانوا لا يستطيعون سمعا) * أي : وكانوا صما عنه .
وقراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( أفحسب الذين كفروا ) (4) أي : أفكافيهم ومحسبهم * (أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء) * وهم الملائكة ، فهو مبتدأ وخبر ،
-------------------
(1) النغف : نوع من الدود يكون في انوف الإبل والغنم ، (الصحاح : مادة نغف) .
(2) قاله وهب ، راجع تفسير البغوي : ج 3 ص 184 .
(3) البقرة : 18 .
(4) حكاه الطوسي في التبيان : ج 7 ص 96 ، وابن خالويه في شواذ القرآن : ص 85 .
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 439_
أو بمنزلة الفعل والفاعل ، لأن اسم الفاعل إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل ، كقولك : أقائم الزيدان ، والمعنى : أن ذلك لا يكفيهم ولا ينفعهم عند الله كما حسبوا .
وأما القراءة المشهورة فمعناها : أفحسبوا أن يتخذوهم من دوني أربابا
ينصرونهم ، أي : لا يكونون لهم أولياء ناصرين ، والنزل : ما يقام للنزيل وهو الضيف ،
ونحوه : * (فبشرهم بعذاب أليم) * (1) .
* (الذين ضل سعيهم) * أي : ضاع وبطل عملهم ، وهم الرهبان * (وهم) * يظنون * (أنهم) * محسنون ، وأن أفعالهم طاعة وقربة .
وعن علي (عليه السلام) : هو كقوله : * (عاملة ناصبة) * (2) وقال : ( منهم أهل حروراء ) (3) (4) .
* (فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا) * أي : لا يكون لهم عندنا وزن ومقدار ، ونزدري بهم (5) .
* (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً * قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) *
-------------------
(1) آل عمران : 21 .
(2) الغاشية : 3 .
(3) حروراء : هو موضع على ميلين من الكوفة ، نزل به الخوارج الذين خالفوا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فنسبوا إليها ، وبها كان أول تحكيمهم واجتماعهم حين خالفوه (عليه السلام) ، انظر معجم البلدان للحموي : ج 2 ص 246 .
(4) التبيان : ج 7 ص 97 وزاد : وسأله ابن الكوا عن ذلك ، فقال (عليه السلام) : أنت
وأصحابك منهم .
(5) وفي بعض النسخ زيادة : أعينهم . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 440 _
الحول : التحول (1) ، يقال : حال عن مكانه حولا، كما قالوا : عادني حبها عودا ، أي : لا يطلبون تحولا * (عنها) * إلى موضع آخر لكمال طيبها .
المداد : اسم ما يمد به الدواة ، والمعنى : * (لو) * كتبت كلمات علم الله وحكمته و * (كان البحر مدادا) * لها ، والمراد بالبحر : الجنس * (لنفد البحر قبل أن تنفد) * ال * (كلمت) * ، * (ولو جئنا) * بمثل البحر مدادا لنفد أيضا والكلمات اتنفد ، و * (مددا) * تمييز ، كقولك : لي مثله رجلا ، والمدد مثل المداد : وهو ما يمد به ، وقرئ : ( ينفد ) بالياء (2) .
* (فمن كان يرجوا) * أي : يأمل حسن * (لقاء ربه) * وأن يلقاه لقاء رضا وقبول ، أو : فمن كان يخاف سوء لقائه ، والمراد بالنهي عن الإشراك بالعبادة : أن لايرائي بعمله ، وأن لا يبتغي به إلا وجه ربه خالصا لا يريد به غيره .
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : ( قال الله عزوجل : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه برئ ، فهو للذي أشرك ) (3) .
وعن الصادق (عليه السلام) : ( ما من أحد يقرأ آخر الكهف عند النوم إلا تيقظ في الساعة التي يريدها ) (4) (5) .
-------------------
(1) في نسخة زيادة : الحول والتحول بمعنى .
(2) وهي قراءة حمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 402 .
(3) صحيح مسلم : ج 4 ص 2289 ح 2985 وفيه بعد ( غيري ) : تركته وشركه ، سنن ابن ماجة : ج 2 ص 1405 ح 4202 .
(4) اصول الكافي : ج 2 ص 540 ح 17 .
(5) إلى هنا يتم الجزء الأول من الكتاب حسب تجزئة المصنف (قدس سره) على ما يبدو من النسخ ، حيث ورد في بعضها : ( تم الجلد الأول من تفسير الجامع للشيخ الجليل أمين الاسلام الفضل ابن الحسن الطبرسي روح الله روحه ) ، وفي بعضها ( تم الجلد الأول من تفسير جوامع الجامع ... الخ ) ، وفي بعضها زيادة : ( والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ) قبل عبارة : ( تم الجلد الأول... الخ ) . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 441_
سورة مريم مكية (1)
ثمان وتسعون آية ، عد الكوفي * (كهيعص) * آية ولم يعدها غيرهم ، ولم يعدوا * (الرحمن مدا) * (2) وعدها غيرهم .
وفي حديث أبي : ( من قرأها أعطي من الأجر بعدد كل من صدق بزكريا ويحيى ومريم وعيسى وموسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل عشر حسنات ) (3) الخبر بتمامه .
وعن الصادق (عليه السلام) : ( من أدمن قراءة سورة مريم (عليها السلام) لم يمت في الدنيا حتى يصيب منها ما يغنيه في نفسه وماله وولده ، وأعطي في الآخرة مثل ملك سليمان بن داود في الدنيا ) (4) (5) .
-------------------
(1) قال الشيخ الطوسي في التبيان : ج 7 ص 101 : هي مكية في قول قتادة ومجاهد ، وهي
ثمان وتسعون آية في المدني الأول والكوفي والبصري والشامي ، وتسع وتسعون في المكي
والمدني الأخير وفي عدد اسماعيل ، وقال الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 3 : مكية إلا آيتي
58 و 71 فمدنيتان ، وآياتها 98 ، نزلت بعد سورة فاطر . وقال القرطبي في تفسيره : ج 11 ص 72 : وهي مكية باجماع ، وهي تسعون وثمان آيات .
(2) الآية : 75 .
(3) رواه الزمخشري في الكشاف : ج 3 ص 48 باختلاف يسير ، وزاد : ( وعشر حسنات بعدد من دعا الله في الدنيا وبعدد من لم يدع الله ) .
(4) في بعض النسخ زيادة : صدق ولي الله .
(5) = (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 442 _