أمواتا أو : لأن المنقضي في حكم ما لم يكن .
وصدقهم الله في تقالهم
(1) لسني لبثهم في الدنيا ، ووبخهم على غفلتهم التي كانوا عليها .
والمراد ب * (ـ العادين) * الملائكة ، لأنهم أحصوا أعمال العباد وأيامهم ، وقيل : هم الحساب
(2) ، أي : فاسأل الملائكة الذين عدوا أعمار الخلق ، أو : من يقدر أن يلقي فكره إلى العد فإنا لا نعرف عدد تلك السنين إلا أن نستقلها ونحسبها * (يوما أو بعض يوم) * .
* (عبثا) * حال ، أي : عابثين ، أو مفعول له ، أي : ما * (خلقنكم) * للعبث بل للحكمة التي اقتضته ، وهي أن نتعبدكم ونكلفكم الطاعات ثم نعيدكم في دار الجزاء لنثيب ونعاقب ، وقرئ : * (ترجعون) * بفتح التاء
(3) .
و * (الحق) * الثابت الذي لا يزول ، أو : الذي يحق له الإلهية والملك فلا
يزول ملكه ، وكل ملك غيره فملكه مستعار ، وإنما يملك بعض الأشياء من بعض الوجوه ، وهو
* (الملك) * المالك لجميع الأشياء من جميع الوجوه ووصف * (العرش) * بالكرم
(4) لأن الرحمة تنزل منه ، وينال الخير والبركة من جهته ، ولنسبته إلى أكرم الأكرمين .
* (لا برهن له به) * صفة لازمة ، نحو قوله : * (يطير بجناحيه) *
(5) جئ بها للتوكيد ، أو : هو اعتراض بين الشرط والجزاء ، كما يقال : من أحسن إلى فلان لا أحق بالإحسان منه ، فالله مثيبه .
-------------------
(1) في نسخة : ( مقالهم ) .
(2) قاله قتادة ، راجع التبيان : ج 7 ص 401 .
(3) قرأه حمزة والكسائي ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 450 .
(4) في نسخة : ( بالكريم ) .
(5) الأنعام : 38 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 603 _
سورة النور مدنية (1)
أربع وستون آية .
في حديث أبي : ( من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل مؤمن ومؤمنة فيما مضى وما بقي ) (2) .
الصادق (عليه السلام) : ( حصنوا أموالكم وفروجكم بتلاوة سورة النور ، وحصنوا بها نساءكم ، فإن من أدمن قراءتها في كل يوم أو في كل ليلة لم يزن أحد من أهل بيته أبدا حتى يموت ، فإذا هو مات شيعه الى قبره سبعون ألف ملك كلهم يدعون ويستغفرون الله له حتى يدخل في قبره ) (3) صدق ولي الله.
-------------------
(1) قال الشيخ الطوسي في التبيان : ج 7 ص 403 : مدنية بلا خلاف ، وهي أربع وستون آية
في البصري والكوفي ، واثنتان في المدنيين ، وفي الكشاف : ج 3 ص 208 : مدنية ، وهي اثنتان وستون آية ، وقيل : أربع وستون ، نزلت بعد الحشر ، وفي تفسير الآلوسي : ج 18 ص 74 ما لفظه : مدنية كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير ، وحكى أبو حيان الإجماع على مدنيتها ولم يستثن الكثير من آيها شيئا ، وعن القرطبي أن آية * (يا أيها الذين ءامنوا ليستأذنكم) * الخ مكية .
(2) رواه الزمخشري في كشافه : ج 3 ص 261 مرسلا .
(3) ثواب الأعمال للصدوق : ص 135 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 604 _
بسم الله الرحمن الرحيم
* (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)* (سورة) * خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ موصوف ب * (أنزلنها) * والخبر محذوف أي : فيما يتلى عليكم * (سورة أنزلنها) * ، وقرئ في الشواذ : ( سورة أنزلناها ) بالنصب (1) على : زيدا ضربته ، و * (أنزلنها) * تفسير للفعل المضمر ، أو على : اقرأ سورة و * (أنزلنها) * صفة * (وفرضنها) * وفرضنا أحكامها التي فيها ، أي (2) : جعلناها واجبة مقطوعا بها ، وأصل الفرض القطع ، وقرئ : ( فرضناها ) بالتشديد (3) وهو للتوكيد وللمبالغة في الإيجاب ، أو : لأن فيها فرائض شتى ، تقول : فرضت الفريضة وفرضت الفرائض ، وقرئ : * (تذكرون) * بتشديد الذال (4) وتخفيفها .
* (الزانية والزانى) * رفعهما على الابتداء ، والخبر محذوف ، والتقدير : فيما
-------------------
(1) قرأه عيسى بن عمرو كما في شواذ القرآن لابن خالويه : ص 101 .
(2) في نسخة : ( أو ) بدل ( أي ) .
(3) قرأه ابن كثير وأبو عمرو ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 565 .
(4) وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم برواية أبي بكر وابن عامر ، راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد : ص 272 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_605 _
فرض عليكم الزانية والزاني أي : جلدهما ، ويجوز أن يكون الخبر * (فاجلدوا) * لأن الألف واللام بمعنى ( الذي ) و ( التي ) ، والتقدير : الذي زنى والتي زنت فاجلدوهما ، كما تقول : من زنى فاجلدوه .
والجلد: ضرب الجلد ، تقول : جلده كما تقول : ظهره وبطنه وركبه ، وهذا حكم من ليس بمحصن من الزناة الأحرار البالغين ، فأما المحصن فحكمه الرجم .
وقرئ : ( رأفة ) بفتح الهمزة (1) ، والمعنى : أن الواجب على المؤمنين أن يستعملوا الجد في دين الله، ولا يأخذهم اللين والهوادة في استيفاء حدوده ، وقوله : * (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * من باب التهييج وإلهاب الغضب لله ولدينه ، وقيل : معناه : * (لا تأخذكم بهما) * رحمة تمنعكم عن إقامة الحد عليهما فتعطلوا الحدود (2) ، أو : من الضرب الشديد ، بل أوجعوهما ضربا ولا تخففوا كما يخفف في حد الشارب .
والرجل يجلد قائما على حالته التي وجد عليها ضربا وسطا مفرقا على الأعضاء
كلها ، لا يستثنى منها إلا ثلاثة : الوجه والرأس والفرج ، وفي لفظ : ( الجلد ) إشارة
إلى أنه لا ينبغي أن يتجاوز الألم إلى اللحم .
والمرأة تجلد قاعدة عليها ثيابها قد ربطت عليها حتى لا تبدو عورتها .
وفي تسميته ( عذابا ) دليل على أنه عقوبة ، ويجوز أن يسمى ( عذابا ) لأنه يمنع من المعاودة كما يسمى ( نكالا ) .
والطائفة : الفرقة الحافة حول الشئ ، وهم ثلاثة فصاعدا ، وهي صفة غالبة ، وعن الباقر (عليه السلام) وابن عباس (رضي الله عنه) والحسن وغيرهم : ( أن أقلها رجل واحد ) (3) .
-------------------
(1) قرأه ابن كثير ، راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون : ج 2 ص 565 .
(2) قاله عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وابراهيم ، راجع التبيان : ج 7 ص 406 .
(3) تفسير التبيان : ج 7 ص 406 ، تفسير الطبري : ج 9 ص 258 . (*)
تفسير جوامع الجامع (الجزء الثاني)
_ 606_