ثم قال : إن موسى قال لهارون : (مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ، أَلَّا تَتَّبِعَنِ) إلى قوله (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي )(1)، وأنا من نبي الله بمنزلة هارون من موسى ، عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن ضلت الأمة بعده وتبعت غيري أن أجاهدهم إن وجدت أعوانا ، وإن لم أجد أعوانا أن أكف يدي وأحقن دمي)، وأخبرني بما الأمة صانعة بعده.
إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن صفين والنهروان
فلما وجدت أعوانا بعد قتل عثمان على إقامة أمر الله وإحياء الكتاب والسنة لم يسعني الكف، فبسطت يدي فقاتلت هؤلاء الناكثين، وأنا غدا إن شاء الله مقاتل القاسطين بأرض الشام في موضع يقال له (صفين)، ثم أنا بعد ذلك مقاتل المارقين بأرض من أرض العراق يقال لها (النهروان)، أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله بقتالهم في هذه المواطن الثلاث.
وكففت يدي لغير عجز ولا جبن ولا كراهية للقاء ربي، ولكن لطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظ وصيته، فلما وجدت أعوانا نظرت فلم أجد بين السبيلين ثالثا : إما الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الكفر بالله والجهود بما أنزل الله ومعالجة الأغلال في نار جهنم والارتداد عن الإسلام.
وقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الشهادة من ورائي ، وأن لحيتي ستخضب من دم رأسي، بل قاتلي أشقى الأولين والآخرين، رجل أحيمر (2) يعدل عاقر الناقة ويعدل قابيل
---------------------------
(1) سورة طه : الآية 94.
(2) (أحيمر) لقب قدار بن سالف عاقر ناقة ثمود أخذت هنا اسما لابن ملجم ، فقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأمير المؤمنين عليه السلام: ألا أحدثكم بأشقى الناس رجلين ؟ قلنا : بلى يا رسول الله، قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه ـ ووضع يده على قرنه ـ حتى تبتل منه هذه ـ وأخذ بلحيته ـ ،
راجع مناقب ابن المغازلي: ص 9 ، وأورده في البحار: ج 32 ص 312 ح 276 عن الطرائف عن الفائق للخوارزمي، وأورده في الغدير: ج 6 ص 334 أيضا.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 441 _
قاتل أخيه هابيل وفرعون الفراعنة والذي حاج إبراهيم في ربه ورجلين من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : ورجلين من أمتي.
ثم قال عليه السلام : إن عليهما خطايا أمة محمد ، إن كل دم سفك إلى يوم القيامة ومال يؤكل حراما وفرج يغشى حراما وحكم يجار فيه عليهما، من غير أن ينقص من إثم من عمل به شئ.
قال عمار : يا أمير المؤمنين ، سمهما لنا فنلعنهما ، قال : يا عمار، ألست تتولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتبرء من عدوه ؟ قال : بلى ، قال : وتتولاني وتبرء من عدوي ؟ قال : بلى.
قال : حسبك يا عمار ، قد برئت منهما ولعنتهما وإن لم تعرفهما بأسمائهما.
قال : يا أمير المؤمنين لو سميتهما لأصحابك فبرءوا منهما كان أمثل من ترك ذلك.
قال : رحم الله سلمان وأبا ذر والمقداد ، ما كان أعرفهم بهما وأشد برائتهم منهما ولعنتهم لهما!!
قال : يا أمير المؤمنين جعلت فداك ، فسمهما فإنا نشهد أن نتولى من توليت ونتبرء ممن تبرأت منه ، قال : يا عمار، إذا يقتل أصحابي وتتفرق عني جماعتي وأهل عسكري وكثير ممن ترى حولي!
يا عمار ، من تولى موسى وهارون وبرئ من عدوهما فقد برئ من العجل والسامري ، ومن تولى العجل والسامري وبرئ من عدوهما فقد برئ من موسى وهارون من حيث لا يعلم ، يا عمار، ومن تولى رسول الله وأهل بيته وتولاني وتبرء من عدوي
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 442 _
فقد برئ منهما ، ومن برئ من عدوهما فقد برئ من رسول الله صلى الله عليه وآله من حيث لا يعلم . (1)
فقال محمد بن أبي بكر : يا أمير المؤمنين، لا تسمهما فقد عرفتهما ونشهد الله أن نتولاك ونبرء من عدوك كلهم ، قريبهم وبعيدهم وأولهم وآخرهم وحيهم وميتهم وشاهدهم وغائبهم. (2)
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يرحمك الله يا محمد ، إن لكل قوم نجيبا وشاهدا عليهم وشافعا لأماثلهم ، وأفضل النجباء النجيب من أهل السوء وإنك يا محمد لنجيب أهل بيتك . (3)
أما إني سأخبرك : دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده سلمان وأبو ذر والمقداد ، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وآله عائشة إلى أبيها وحفصة إلى أبيها وأمر ابنته فأرسلت إلى زوجها عثمان ، فدخلوا.
فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أبا بكر ، يا عمر ، يا عثمان ، إني رأيت الليلة اثني عشر رجلا على منبري يردون أمتي عن الصراط القهقرى ، فاتقوا الله وسلموا الأمر لعلي بعدي ولا تنازعوه في الخلافة، ولا تظلموه ولا تظاهروا عليه أحدا، قالوا : يا نبي الله، نعوذ بالله من ذلك أماتنا الله قبل ذلك !!
---------------------------
(1) يعني أن من برء من عدو أبي بكر وعمر فقد برئ من رسول الله صلى الله عليه وآله من حيث لا يعلم .
(2) روي في الإختصاص: ص 65 عن أبي جعفر عليه السلام: إن محمد بن أبي بكر بايع عليا عليه السلام على البراءة من أبيه.
(3) روي في (الإختصاص) : ص 65 عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كانت النجابة (في محمد بن أبي بكر) قد أتته من قبل أمه أسماء بنت عميس لا من قبل أبيه، وروي في البحار: ج 22 ص 343 عن الصادق عليه السلام: أنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر.
قال صلى الله عليه وآله وسلم : فإني أشهدكم جميعا ومن في البيت من رجل وامرأة: (أن علي بن أبي طالب خليفتي في أمتي، وإنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى فابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام ـ فإذا مضى فابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام ـ ثم تسعة من ولد الحسين عليه السلام واحد بعد واحد ، وهم الذين عنى الله بقوله : (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(1) آية نزلت في الأئمة إلا تلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقام أبو بكر وعمر وعثمان ، وبقيت أنا وأصحابي أبو ذر وسلمان والمقداد وبقيت فاطمة والحسن والحسين ، وقمن نساءه وبناته غير فاطمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (رأيت هؤلاء الثلاثة وتسعة من بني أمية وفلان من التسعة من آل أبي سفيان (2) وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص بن أمية يردون أمتي على أدبارها القهقرى).
قال ذلك علي عليه السلام وبيت زياد ملآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم أقبل عليهم فقال : (اكتموا ما سمعتم إلا من مسترشد ، يا زياد، اتق الله في شيعتي بعدي) فلما خرج من عند زياد أقبل علينا فقال : (إن معاوية سيدعيه ، ويقتل شيعتي ، لعنه الله).
---------------------------
(1) سورة النساء: الآية 59.
(2) المراد به معاوية ، أي معاوية أحد التسعة من بني أمية.
وفي كتاب سليم (1) عن الأعمش عن خيثمة ، قال:
لما حضرت إبراهيم النخعي (2) الوفاة قال لي: (ضمني إليك)، ففعلت ، فقال : (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله، وأن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وصي محمد ، وأن الحسن وصي علي ، وأن الحسين وصي الحسن، وأن علي بن الحسين وصي الحسين).
قال : ثم أغمي عليه فسقط ، فقلت : هي هي ثم أفاق فقال : سمعني غيرك ؟
فقلت : لا ، فقال : (على هذا أحيي وعليه أموت، وعليه كان علقمة والأسود (3)، ومن لم يكن على هذا فليس على شئ).
---------------------------
(1) هكذا في النسخ، والظاهر أنه من رواية أبان بن أبي عياش يرويها عن الأعمش.
(2) إبراهيم النخعي هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع من مذحج، توفي سنة 96 بالكوفة، وكان علقمة والأسود المذكوران في آخر هذا الحديث عمه وخاله.
(3) هما تلميذا ابن مسعود. أما علقمة فهو علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة ، ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومات سنة 62 أو 73 بالكوفة ، ولعل هذا هو الذي شهد صفين وخضب سيفه دما وأصيبت إحدى رجليه فعرج منها ، وكان فقيها في دينه قارئا لكتاب الله وهو من ثقات أمير المؤمنين عليه السلام ومن كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم ،
والأسود هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي من أصحاب علي عليه السلام مات في سنة 74.
سليم بن قيس الهلالي قال (1): شهدت وصية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدا وجميع ولده وأهل بيته ورؤساء شيعته.
ثم دفع عليه السلام الكتب والسلاح إليه، ثم قال : يا بني، أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أوصي إليك وأدفع كتبي وسلاحي إليك، كما أوصى إلي رسول الله ودفع كتبه وسلاحه إلي، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين.
ثم أقبل على الحسين عليه السلام فقال له : (وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا) ـ وأخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين عليه السلام وهو صغير (2) ـ فضمه إليه وقال له : (وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد، فاقرأه من رسول الله السلام ومني).
---------------------------
(1) ورد هذا الحديث في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي بالإسناد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، وفي أوله هذه الزيادة:
عن أبي جعفر عليه السلام قال : هذه وصية أمير المؤمنين عليه السلام وهي نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي دفعها إلى أبان وقرأها عليه، قال أبان: وقرأتها على علي بن الحسين عليهما السلام، فقال : صدق سليم، رحمه الله.
(2) إنه عليه السلام كان ابن سنتين آنذاك.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 446 _
ثم أقبل على ابنه الحسن عليه السلام فقال : يا بني ، أنت ولي الأمر وولي الدم بعدي ، فإن عفوت فلك ، وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تمثل ، ثم قال : أكتب:
هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب : أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
ثم إني أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم ، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : (صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم، وإن البغضة حالقة الدين وفساد ذات البين) (1)، ولا قوة إلا بالله.
انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب.
والله الله في الأيتام فلا تغيروا أفواههم ولا تضيعوا من بحضرتكم (2)، فقد سمعت
---------------------------
(1) في الكافي: وإن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين.
(2) في الكافي والتهذيب : فلا تغبوا أفواههم، أي لا تكونوا تصلوهم يوما، وفي الفقيه :
فلا تعر أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم ، أي لا ترفع أصواتهم.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 447 _
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : (من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار).
والله الله في القرآن ، لا يسبقكم إلى العمل به غيركم.
والله الله في جيرانكم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم.
والله الله في بيت ربكم ، فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن يترك لم تناظروا ، وإن أدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما قد سلف.
والله الله في الصلاة، فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم.
والله الله في الزكاة، فإنها تطفئ غضب ربكم.
والله الله في شهر رمضان ، فإن صيامه جنة من النار.
والله الله في الفقراء والمساكين ، فشاركوهم في معيشتكم.
والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ، فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان : إمام هدى، ومطيع له مقتد بهداه.
والله الله في ذرية نبيكم، فلا يظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.
والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤوا محدثا، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث.
والله الله في النساء (1) وما ملكت أيمانكم، لا تخافن في الله لومة لائم فيكفيكهم الله وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله.
ولا تتركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر أشراركم وتدعون فلا يستجاب لكم.
---------------------------
(1) ورد هذه الفقرة في الكافي هكذا : الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم، فإن آخر ما تكلم به نبيكم أن قال : (أوصيكم بالضعيفين : النساء وما ملكت أيمانكم، الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم ، يكفيكم الله من آذاكم وبغي عليكم، قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل ولا تتركوا الأمر بالمعروف و ...).
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 448 _
عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبار ، وإياكم والنفاق والتقاطع والتدابر والتفرق.
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرء عليكم السلام.
ثم لم يزل يقول (لا إله إلا الله) حتى قبض عليه السلام في أول ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان ليلة إحدى وعشرين ، ليلة الجمعة، سنة أربعين من الهجرة. (1)
---------------------------
(1) زاد في التهذيب هذه العبارة في آخر الحديث: قال أبان: قرأتها على علي بن الحسين عليه السلام، فقال علي بن الحسين عليه السلام: صدق سليم.
وعن سليم بن قيس ، قال : قلت لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا أمير المؤمنين، ما الأمر اللازم الذي لا بد منه والأمر الذي إذا أخذت به وسعني الشك فيما سواه ؟
فقال عليه السلام : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأقر بما أنزل الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدونا واجتنب كل مسكر.
قلت : جعلت فداك ، الإقرار بما جاء من عندكم جملة أو مفسرا ؟ قال : لا ، بل جملة.
قلت : جعلت فداك ، فما المسكر ؟ قال : كل شراب إذا أكثر منه صاحبه سكر، فالجرعة منه بل القطرة حرام.
قلت : جعلت فداك ، ليس شئ مما قلت إلا وقد صح غير الولاية، أعامة لجميع بني هاشم أو خاصة لفقهائكم وعلمائكم ؟ البراءة من عدوكم، من عادى جميعكم أو من عادى رجلا منكم ؟ (1)
---------------------------
(1) معناه : إن في مسألة (البراءة من عدوكم)، هل هذا العدو من عادى جميعكم أو يكفي عداوته لرجل منكم ؟
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 450 _
فقال عليه السلام: لقد سألت ـ يا أخا بني هلال ـ فافهم ، إذا أتيت بولايتنا أهل البيت في الجملة وبرئت من أعدائنا في الجملة فقد أجزأك.
فإن عرفك الله الأئمة منا الأوصياء العلماء الفقهاء، فعرفتهم وأقررت لهم بالطاعة وأطعتهم فأنت مؤمن بالله وأنت من أهل الجنة، فهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
وإن وحدت الله وشهدت أن محمدا رسول الله وأخذت بما ليس بين جميع أهل القبلة فيه اختلاف ـ مما قد أجمعوا عليه أن الله قد أمر به ونهى عنه ـ وأشكل عليك موضع الإمامة والوصية والعلم والفقه ، فرددت علمه إلى الله ولم تعادهم ولم تبرء منهم ولم تنصب لهم العداوة، فأنت جاهل بما جهلت ضال عما اهتدى إليه أهل الفضل والولاية، لله فيك المشية، إن عذبك فبذنبك وإن تجاوز عنك فبرحمته.
وأما الناصب لنا والمعادي لنا فمشرك كافر عدو لله.
والعارفون بحقنا المؤمنون بنا مؤمنون مسلمون أولياء الله.
الصدوق في كمال الدين قال : حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا عن محمد بن عيسى ويعقوب بن يزيد وإبراهيم بن هاشم جميعا عن حماد بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي:
أنه سمع من سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد رحمة الله عليهم حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية).
ثم عرضه (1) على جابر وابن عباس فقالا : صدقوا وبروا، قد شهدنا ذلك وسمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن سلمان قال : يا رسول الله، إنك قلت: (من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية)، من هذا الإمام يا رسول الله ؟
قال صلى الله عليه وآله : من أوصيائي يا سلمان ، فمن مات من أمتي وليس له إمام يعرفه مات ميتة جاهلية، فإن جهله وعاداه فهو مشرك ، وإن جهله ولم يعاده ولم يوال له عدوا فهو جاهل وليس بمشرك.
---------------------------
(1) أي عرضه سليم عليهما.
الحسين بن عبد الوهاب في عيون المعجزات قال : حدثني ابن عياش الجوهري، قال : حدثني أبو طالب عبد الله بن محمد الأنباري: قال : حدثني أبو الحسين محمد بن زيد التستري، قال : حدثني أبو سمينة محمد بن علي الصيرفي، قال : حدثني إبراهيم بن عمر اليماني عن حماد بن عيسى المعروف بغريق الجحفة، قال : حدثني عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي قال:
سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري، قال:
رأيت السيد محمدا صلى الله عليه وآله وقد قال لأمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة: إذا كان غدا اقصد إلى جبال البقيع وقف على نشز (1) من الأرض، فإذا بزغت الشمس فسلم عليها، فإن الله تعالى قد أمرها أن تجيبك بما فيك.
فلما كان من الغد خرج أمير المؤمنين عليه السلام ومعه أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين والأنصار، حتى وافى البقيع ووقف على نشز من الأرض، فلما أطلعت الشمس قرنيها قال عليه السلام: (السلام عليك يا خلق الله الجديد المطيع له)، فسمعوا دويا من السماء وجواب قائل يقول : (وعليك السلام يا أول، يا آخر، يا ظاهر ، يا باطن، يا من هو بكل شئ عليم).
---------------------------
(1) أي مكان مرتفع.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 455 _
فلما سمع أبو بكر وعمر والمهاجرون والأنصار كلام الشمس صعقوا، ثم أفاقوا بعد ساعات وقد انصرف أمير المؤمنين عليه السلام عن المكان فوافوا رسول الله صلى الله عليه وآله مع الجماعة وقالوا : أنت تقول إن عليا بشر مثلنا وقد خاطبته الشمس بما خاطب به الباري نفسه ؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله : وما سمعتموه منها ؟ فقالوا: سمعناها تقول : (السلام عليك يا أول) قال : صدقت ، هو أول من آمن بي.
فقالوا : سمعناها تقول : (يا آخر)، قال : صدقت ، هو آخر الناس عهدا بي، يغسلني ويكفنني ويدخلني قبري.
فقالوا : سمعناها تقول : (يا ظاهر)، قال : صدقت ، ظهر علمي كله له.
قالوا : سمعناها تقول : (يا باطن)، قال : صدقت، بطن سري كله.
قالوا : سمعناها تقول : (يا من هو بكل شئ عليم)، قال : صدقت، هو العالم بالحلال والحرام والفرائض والسنن وما شاكل ذلك.
فقاموا كلهم وقالوا : (لقد أوقعنا محمد في طخياء) وخرجوا من باب المسجد.
الكراجكي في كنز الفوائد قال : أخبرني أبو المرجا البلدي، قال : أخبرني أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني الكوفي، قال : حدثني الحسن بن علي بن نعيم بن سهل بن أبان بن محمد البغدادي، قال : حدثنا علي بن الحسين بن بشير الكوفي، قال : حدثنا محمد بن سنان عن مفضل بن عمر الجعفي عن أبي خالد الكابلي عن سليم بن قيس الهلالي عن عبد الله بن عباس قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : هل ينفعني حب علي عليه السلام ؟ فقال : ويحك ، من أحبه أحبني ومن أحبني أحب الله، ومن أحب الله لم يعذبه.
فقال الرجل : زدني من فضل محبة علي عليه السلام، فقال : أسأل لك عن ذلك جبرئيل.
فهبط جبرئيل لوقته ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره بقول الرجل، فقال جبرئيل:
(سأسأل عن ذلك رب العزة)، وارتفع.
فأوحى الله إليه : إقرأ محمدا خيرتي مني السلام وقل له : (أنت مني بحيث شئت أنا، وعلي منك بحيث أنت مني ، ومحبو علي مني بحيث علي منك).
قال الكراجكي: وللحديث تمام (1)، وفيه : أن السائل كان أبو ذر.
---------------------------
(1) من المؤسف عدم وصول تمام الحديث إلينا.
محمد بن العباس في تفسيره: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بإسناده عن رجاله عن سليم بن قيس عن الحسن بن علي عن أبيه عليهما السلام في قوله عز وجل (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1)، قال:
إني أسبق السابقين إلى الله وإلى رسوله ، وأقرب المقربين إلى الله وإلى رسوله.
---------------------------
(1) سورة الواقعة: الآيتان 10 و 11.
الطبرسي في الإحتجاج قال :
قال سليم بن قيس : بينما أنا وحنش بن المعتمر بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ بحلقة الباب، ثم نادى بأعلى صوته في الموسم:
أيها الناس، من عرفني فقد عرفني ومن جهلني فأنا جندب بن جنادة ، أنا أبو ذر ، أيها الناس، إني سمعت نبيكم يقول : (مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه ، من ركبها نجا ومن تركها غرق ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل) ، أيها الناس، إني سمعت نبيكم يقول : (إني تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وأهل بيتي ...) إلى آخر الحديث.
فلما قدم (1) المدينة بعث إليه عثمان فقال : ما حملك على ما قمت به في الموسم ؟ قال:
عهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وأمرني به.
فقال : من يشهد بذلك ؟ فقام علي عليه السلام والمقداد فشهدا ، ثم انصرفوا يمشون ثلاثتهم ، فقال عثمان : إن هذا وصاحبيه يحسبون أنهم في شئ .
---------------------------
(1) أي فلما قدم أبو ذر.
الطبرسي في الإحتجاج وابن المطهر في العدد القوية عن سليم بن قيس ، قال:
قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر ـ حين اجتمع مع معاوية ـ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال :
أيها الناس، إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا، وكذب معاوية ، أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله.
فأقسم بالله ، لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ، ولما طمعت فيها يا معاوية ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل)، وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أن هارون خليفة موسى.
وقد تركت الأمة عليا وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي).
وقد هرب رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه وهو يدعوهم إلى الله حتى فر إلى الغار ، ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم ، ولو وجدت أعوانا ما بايعتك يا معاوية.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 460 _
وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه، وكادوا يقتلونه ولم يجد عليهم أعوانا، وقد جعل الله النبي في سعة حين فر من قومه لما لم يجد أعوانا عليهم ، وكذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد أعوانا، وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا.
أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلا من ولد النبي غيري وغير أخي.
ابن شاذان في المائة منقبة : حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن عبد الله العلوي الطبري رحمه الله، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عبد الله، قال : حدثني جدي أحمد بن محمد عن أبيه، قال : حدثني حماد بن عيسى، قال : حدثني عمر بن أذينة، قال:
حدثني أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال :
دخلت على النبي صلى الله عليه وآله، فإذا الحسين بن علي عليه السلام على فخذه ، وتفرس في وجهه وقبل بين عينيه وقال : (أنت سيد ابن سيد ، أنت إمام ابن إمام أخو إمام ، أبو أئمة، أنت حجة الله ابن حجة الله، وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم). (1)
---------------------------
(1) في مقتل الخوارزمي: أنت سيد ابن السيد أبو السادات، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة، أنت حجة ابن الحجة أبو الحجج، تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم ،
وفي مودة القربى: أنت سيد ابن سيد أخو سيد، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم.
فرات في تفسيره قال : حدثني علي بن محمد بن عمر الزهري، قال: حدثني القاسم بن إسماعيل الأنباري، قال : حدثني حفص بن عاصم ونصر بن مزاحم وعبد الله بن المغيرة عن محمد بن هارون السندي، قال : حدثني أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس، قال:
أمر الله رسوله بحب أربعة من أصحابه
خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ونحن قعود في المسجد، بعد رجوعه من صفين وقبل يوم النهروان، فقعد علي عليه السلام واحتوشناه، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن أصحابك، قال: سل.
فذكر قصة طويلة فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في كلام طويل له : إن الله أمرني بحب أربعة رجال من أصحابي وأخبرني أنه يحبهم وأن الجنة تشتاق إليهم.
فقيل : من هم يا رسول الله ؟ فقال : (علي بن أبي طالب) ثم سكت، فقالوا : من هم يا رسول الله ؟ فقال : (علي)، ثم سكت ، فقالوا : من هم يا رسول الله ؟ فقال : (علي وثلاثة معه ، هو إمامهم ودليلهم وهاديهم، لا ينثنون ولا يضلون ولا يرجعون ولا يطول عليهم الأمد فتقسو قلوبهم ، سلمان وأبو ذر والمقداد).
فذكر قصة طويلة، ثم قال : (ادعوا لي عليا)، فأكببت عليه فأسرني ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب.
ثم أقبل علينا أمير المؤمنين عليه السلام وقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إني لأعلم بالتوراة من أهل التوراة، وإني لأعلم بالإنجيل من أهل الإنجيل، وإني لأعلم بالقرآن من أهل القرآن.
والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما من فئة تبلغ مائة رجل إلى يوم القيامة إلا وأنا عارف بقائدها وسائقها.
وسلوني عن القرآن، فإن في القرآن بيان كل شئ وفيه علم الأولين والآخرين، وإن القرآن لم يدع لقائل مقالا. (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(1) ليسوا بواحد، رسول الله منهم، أعلمه الله إياه فعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم لا يزال في عقبنا إلى يوم القيامة، ثم قرأ أمير المؤمنين عليه السلام: (وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ) (2)، وأنا من رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى، والعلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة.(3)
---------------------------
(1) سورة آل عمران: الآية 7.
(2) سورة البقرة: الآية 248.
(3) ورد الحديث في تفسير محمد بن العباس بصورة أخصر، هذا نصه :
أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس ، قال : خرج علينا علي بن أبي طالب عليه السلام ونحن في المسجد، فاحتوشناه فقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن القرآن، فإن في القرآن علم الأولين والآخرين، لم يدع لقائل مقالا ، ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، وليسوا بواحد ، ورسول الله صلى الله عليه وآله كان واحدا منهم، علمه الله إياه وعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم لا يزال في عقبه إلى يوم تقوم الساعة (خ ل : إلى يوم القيامة)،
ثم قرأ عليه السلام: (بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة)، فأنا من رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة، والعلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة، ثم قرأ : (وجعلها كلمة باقية في عقبه)، ثم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله عقب إبراهيم، ونحن أهل البيت عقب إبراهيم وعقب محمد صلى الله عليه وآله.
الحسن بن سليمان الحلي في مختصر بصائر الدرجات، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إسماعيل بن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عثمان بن عيسى عن عمر بن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي، قال:
اختيار الناس لغير الحق لا يضر أهل الحق
سمعت عليا عليه السلام يقول في شهر رمضان ـ وهو الشهر الذي قتل فيه ـ وهو بين ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام وبني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وخاصة شيعته، وهو يقول:
دعوا الناس وما رضوا لأنفسهم ، وألزموا أنفسكم السكوت ودولة عدوكم، فإنه لا يعدمكم (1) ما ينتحل أمركم وعدو باغ حاسد.
الناس ثلاثة أصناف: صنف بين بنورنا ، وصنف يأكلون بنا، وصنف اهتدوا بنا واقتدوا بأمرنا ، هم أقل الأصناف، أولئك الشيعة النجباء الحكماء والعلماء الفقهاء والأتقياء الأسخياء، طوبى لهم وحسن مآب.
---------------------------
(1) في بعض النسخ: لا يعدكم. والمعنى غير واضح أوردناه بعين العبارة.