الفهرس العام

شورى عمر غير الشرعية


شورى عمر غير الشرعية
الخلافة والإمامة فقط للأئمة الاثني عشر عليهم السلام
من هو الأحق بمجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ليبلغ الشاهد الغائب ؟
الأئمة عليهم السلام هم مبلغوا أوامر الله إلى الناس
4 ـ كلمة عن جمع القرآن
إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن على أمير المؤمنين عليه السلام
ما كتب في الكتف بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
سند القرآن الموجود في زماننا
اثنا عشر إمام ضلالة من قبائل قريش
(12) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في السنة الأخيرة من عمره المبارك
لماذا لم يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ما فعل عثمان من السكوت ؟
لماذا لم يقم أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف في قضايا السقيفة
إقدام أمير المؤمنين عليه السلام لمحاربة أبي بكر وعمر
عثمان أعان على قتل نفسه
مواقف أمير المؤمنين عليه السلام في الحروب
الشيعة، النواصب، المستضعفون
شهادة أمير المؤمنين عليه السلام
(13) بيت المال في عصر عمر
حكم عمر بمصادرة نصف أموال عماله
علة العفو عن قنفذ من مصادرة أمواله
(14) بدع واعتراضات أبي بكر وعمر في الدين
1 ـ بدع أبي بكر وعمر
أمير المؤمنين عليه السلام يتعجب من ميل الناس إلى البدع
غصب فدك
مؤامرة قتل أمير المؤمنين عليه السلام

  بني هاشم حملهم على المحجة البيضاء، وأقامهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم)!
  ثم قال عليه السلام : يا بن عمر، فما قلت أنت عند ذلك ؟ قال : قلت له : فما يمنعك ـ يا أبه ـ أن تستخلفه ؟ قال : فما رد عليك ؟ قال : رد علي شيئا أكتمه قال عليه السلام: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرني بكل ما قال لك وقلت له ، قال : ومتى أخبرك ؟ قال عليه السلام: أخبرني في حياته ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي ، ومن رآى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقد رآه في اليقظة.
  قال له ابن عمر : فما أخبرك ؟ قال عليه السلام: أنشدك الله يا بن عمر ، لئن حدثتك به لتصدقني، قال : أو أسكت قال : فإنه قد قال لك ـ حين قلت له : (فما يمنعك أن تستخلفه ؟ ) ـ قال : الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد الذي تعاهدنا عليه في الكعبة في حجة الوداع فسكت ابن عمر فقال : أسألك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أمسكت عني!
  قال سليم : فلقد رأيت ابن عمر في ذلك المجلس وقد خنقته العبرة وعيناه تسيلان دموعا.

شورى عمر غير الشرعية

  ثم أقبل علي عليه السلام على طلحة والزبير وابن عوف وسعد قال : والله إن كان أولئك الخمسة كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما يحل لكم ولايتهم ، وإن كانوا صدقوا ما حل لكم ـ أيها الخمسة ـ أن تدخلوني معكم في الشورى لأن إدخالكم إياي فيه خلاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورغبة عنه.

الخلافة والإمامة فقط للأئمة الاثني عشر عليهم السلام

  ثم أقبل علي عليه السلام على الناس فقال : أخبروني عن منزلتي فيكم وما تعرفوني به ، أصدوق أنا عندكم أم كذاب ؟ فقالوا : بل صديق صدوق ، لا والله ما علمناك كذبت في

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 207 _

 جاهلية ولا إسلام ، قال عليه السلام: فوالله الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة فجعل منا محمدا وأكرمنا من بعده بأن جعلنا أئمة المؤمنين، لا يبلغ (1) عنه صلى الله عليه وآله وسلم غيرنا ولا تصلح الإمامة والخلافة إلا فينا ، ولم يجعل الله معنا أهل البيت لأحد من الناس فيها نصيبا ولا حقا.
  أما رسول الله، فخاتم النبيين ليس بعده رسول ولا نبي ، ختم الأنبياء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم القيامة، وختم بالقرآن الكتب إلى يوم القيامة، وجعلنا من بعد محمد خلفاء في أرضه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه وقرننا بنفسه ونبيه في الطاعة في غير آية من القرآن، والله جعل محمدا نبيا وجعلنا خلفاء من بعده في خلقه وشهداء على خلقه وفرض طاعتنا في كتابه المنزل، ثم أمر الله جل وعز نبيه أن يبلغ ذلك أمته، فبلغهم كما أمره الله عز وجل.

من هو الأحق بمجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟

  فأيهما أحق بمجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبمكانه، وقد سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعثني ببراءة فقال : (إنه لا يصلح أن يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني )؟ فأنشدكم الله، أسمعتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قالوا : اللهم نعم، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعثك ببراءة.
  قال : فلم يصلح لصاحبكم أن يبلغ عنه صحيفة قدر أربع أصابع ولم يصلح أن يكون المبلغ لها غيري فأيهما أحق بمجلسه ومكانه؟ الذي سماه خاصة أنه من رسول الله أو من خص من بين هذه الأمة أنه ليس من رسول الله ؟ (2)

---------------------------
(1) قوله (لا يبلغ ...) جواب للقسم.
(2) المراد أنا أحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أبو بكر الذي علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته في تبليغ سورة البراءة أنه خاصة ليس من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 208 _

ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ليبلغ الشاهد الغائب ؟

  فقال طلحة : قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ففسر لنا كيف لا يصلح لأحد أن يبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد قال لنا ولسائر الناس : (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) ، وقال بعرفة حين حج حجة الوداع: (رحم الله امرء سمع مقالتي فوعاها ثم أبلغها عني ، فرب حامل فقه ولا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاثة لا يغل (1) عليهن قلب امرء مسلم : إخلاص العمل لله ، والسمع والطاعة والمناصحة لولاة الأمر ، ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم)، وقام في غير موطن فقال : (ليبلغ الشاهد الغائب) ؟
  فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : إن الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم ويوم عرفة في حجة الوداع ويوم قبض (2)، فانظر في آخر خطبة خطبها حين قال : (إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ، كتاب الله وأهل بيتي ، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين الأصبعين ـ وأشار بمسبحته والوسطى ـ فإن إحديهما قدام الأخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تزلوا ، ولا تقدموهم ولا تخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).
  وإنما أمر العامة أن يبلغوا من لقوا من العامة بإيجاب طاعة الأئمة من آل محمد عليهم السلام وإيجاب حقهم ، ولم يقل ذلك في شئ من الأشياء غير ذلك، وإنما أمر العامة أن يبلغوا العامة بحجة من لا يبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميع ما بعثه الله به غيرهم .

---------------------------
(1) روي في البحار: ج 21 ص 138 ح 33 عن الصادق عليه السلام قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف : نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يبلغه ، يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب، فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم ، المؤمنون إخوة، تتكافئ دماؤهم وهم يد على من سواهم ، يسعى بذمتهم أدناهم، والمراد من ذكر هذه الفقرة إيراد موارد قوله (ليبلغ الشاهد الغائب).
(2) معنى الجملة: أن قوله (ليبلغ الشاهد الغائب) كان في هذه المواضع الثلاثة.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 209 _

  ألا ترى يا طلحة، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي ـ وأنتم تسمعون ـ : يا أخي، إنه لا يقضي عني ديني ولا يبرئ ذمتي غيرك، أنت تبرئ ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي).
  فلما ولى أبو بكر هل قضى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دينه وعداته ؟ فأثبتهم جميعا فقضيت دينه وعداته ، وأخبرهم أنه لا يقضي عنه دينه وعداته غيري، ولم يكن ما أعطاهم أبو بكر بقضاء لدينه وعداته ، وإنما كان قضاي دينه وعداته هو الذي أبرء ذمته وقضى أمانته.

الأئمة عليهم السلام هم مبلغوا أوامر الله إلى الناس

  وإنما يبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميع ما جاء عن الله عز وجل الأئمة الذين فرض الله طاعتهم في كتابه وأمر بولايتهم، الذين من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله.
  فقال طلحة : فرجت عني، ما كنت أدري ما عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حتى فسرته لي ، فجزاك الله يا أبا الحسن خيرا عن جميع الأمة.

4 ـ كلمة عن جمع القرآن

جمع أمير المؤمنين عليه السلام للقرآن
  يا أبا الحسن ، شئ أريد أن أسألك عنه : رأيتك خرجت بثوب مختوم عليه فقلت : (يا أيها الناس، إني لم أزل مشغولا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بغسله وتكفينه ودفنه ، ثم شغلت بكتاب الله حتى جمعته ، فهذا كتاب الله مجموعا لم يسقط منه حرف)، فلم أر ذلك الكتاب الذي كتبت وألفت.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 210 _

جمع عمر وعثمان للقرآن
  ولقد رأيت عمر بعث إليك ـ حين استخلف ـ أن ابعث به إلي، فأبيت أن تفعل ، فدعا عمر الناس، فإذا شهد اثنان على آية قرآن كتبها وما لم يشهد عليها غير رجل واحد رماها ولم يكتبه وقد قال عمر ـ وأنا أسمع ـ : (إنه قد قتل يوم اليمامة رجال كانوا يقرؤون قرآنا لا يقرأه غيرهم فذهب) ، وقد جاءت شاة إلى صحيفة ـ وكتاب عمر يكتبون ـ فأكلتها وذهب ما فيها، والكاتب يومئذ عثمان فما تقولون ؟ (1)
  وسمعت عمر يقول وأصحابه الذين ألفوا ما كتبوا على عهد عثمان : (إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة ، والنور ستون ومائة آية ، والحجرات تسعون آية) فما هذا ؟
  وما يمنعك ـ يرحمك الله ـ أن تخرج إليهم ما قد ألفت للناس ؟
  وقد شهدت عثمان حين أخذ ما ألف عمر فجمع له الكتاب وحمل الناس على قراءة واحدة ومزق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار ، (2) فما هذا ؟

---------------------------
(1) لا يخفى أن هذا كله كلام طلحة في كيفية جمع القرآن كما يوجد مثله في كتب العامة أيضا، أنظر: منتخب كنز العمال: ج 2 ص 42 و 45 ، مسند أحمد : ج 5 ص 117 ، كنز العمال: ج 2 ص 569 ، الإتقان: ج 2 ص 25 ، الدر المنثور: ج 6 ص 378، وروى الفضل بن شاذان في كتاب (الإيضاح): ص 112 عن العامة: أن أبا بكر وعمر جمعا القرآن من أوله إلى آخره من أفواه الرجال بشهادة شاهدين وكان الرجل الواحد منهم إذا أتى بآية سمعها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبلا منه ، وإذا جاء اثنان بآية قبلاها وكتباها ، وأن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف كانا وضعا صحيفة فيها القرآن ليكتباها فجاءت شاة فأكلت الصحيفة التي فيها القرآن ، فذهب من القرآن جميع ما كان في تلك الصحيفة، وأن عمر قال : لقد قتل باليمامة قوم يقرؤون قرآنا لا يقرؤه غيرهم ، فذهب من القرآن ما كان عند هؤلاء النفر، وأما كلام أمير المؤمنين عليه السلام في تأييد القرآن الموجود فسيجئ بعد أسطر.
(2) روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 308: أن عثمان جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة وأحرق المصاحف وكتب المصاحف السبعة على المشهور بين القراء، فبعث بواحد منها إلى الكوفة وبواحد إلى البصرة وإلى كل من الشام ومكة واليمن والبحرين بواحد وأمسك في المدينة مصحفا كانوا يقولون له (الإمام).

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 211 _

إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن على أمير المؤمنين عليه السلام

  فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا طلحة ، إن كل آية أنزلها الله في كتابه على محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندي بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطي بيدي ، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكل حلال أو حرام أو حد أو حكم أو أي شئ تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة عندي مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش.
  قال طلحة : كل شئ من صغير أو كبير أو خاص أو عام ، كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو مكتوب عندك ؟
  قال : نعم ، وسوى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب ، ولو أن الأمة منذ قبض الله نبيه اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغدا إلى يوم القيامة.

ما كتب في الكتف بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

  يا طلحة ، ألست قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة ولا تختلف ، فقال صاحبك ما قال : (إن نبي الله يهجر) فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم تركها ؟ قال : بلى ، قد شهدت ذاك.
  قال : فإنكم لما خرجتم أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالذي أراد أن يكتب فيها وأن يشهد عليها العامة ، فأخبره جبرائيل : (أن الله عز وجل قد علم من الأمة الاختلاف والفرقة)، ثم دعا بصحيفة فأملى علي ما أراد أن يكتب في الكتف وأشهد على ذلك ثلاثة رهط : سلمان وأبا ذر والمقداد، وسمى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر الله بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسماني أولهم ثم ابني هذا ـ وأدنى بيده إلى الحسن ـ ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني هذا ـ يعني الحسين ـ ، كذلك كان يا أبا ذر وأنت يا مقداد ؟
  فقاموا وقالوا : نشهد بذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
  فقال طلحة : والله لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأبي ذر : (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ولا أبر عند الله)، وأنا أشهد أنهما

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 212 _

  لم يشهدا إلا على حق ، ولأنت أصدق وآثر عندي منهما.
  ثم أقبل عليه السلام على طلحة فقال : إتق الله يا طلحة وأنت يا زبير وأنت يا سعد وأنت يا بن عوف، اتقوا الله وآثروا رضاه واختاروا ما عنده ولا تخافوا في الله لومة لائم .

سند القرآن الموجود في زماننا

  قال طلحة : ما أراك ـ يا أبا الحسن ـ أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن ألا تظهره للناس ؟ قال عليه السلام: يا طلحة ، عمدا كففت عن جوابك.
  قال : فأخبرني عما كتب عمر وعثمان ، أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن ؟ قال عليه السلام : بل هو قرآن كله، إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة، فإن فيه حجتنا وبيان أمرنا وحقنا وفرض طاعتنا ، فقال طلحة : حسبي ، أما إذا كان قرآنا فحسبي.
  ثم قال طلحة : فأخبرني عما في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام ، إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك ؟ قال عليه السلام: إلى الذي أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أدفعه إليه.
  قال : من هو ؟ قال : وصيي وأولى الناس بالناس بعدي ، ابني هذا الحسن، ثم يدفعه ابني الحسن عند موته إلى ابني هذا الحسين، ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين، حتى يرد آخرهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حوضه ، وهم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقونه ولا يفارقهم.

اثنا عشر إمام ضلالة من قبائل قريش

  أما إن معاوية وابنه سيليان بعد عثمان ، ثم يليهما سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص ، واحدا بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة، وهم الذين رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على منبره يردون أمته على أدبارهم القهقرى، عشرة منهم من بني أمية ورجلان أسسا ذلك لهم ، وعليهما مثل أوزار هذه الأمة.
  فقالوا : يرحمك الله يا أبا الحسن وغفر لك وجزاك الله أفضل الجزاء عنا بنصحك وحسن قولك.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 213 _

(12) خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في السنة الأخيرة من عمره المبارك

  أبان عن سليم قال : كنا جلوسا حول أمير المؤمنين عليه السلام وعنده جماعة من أصحابه، فقال له قائل : يا أمير المؤمنين، لو استنفرت الناس.
  فقام وخطب فقال : ألا إني قد استنفرتكم فلم تنفروا ونصحتكم فلم تقبلوا، ودعوتكم فلم تسمعوا ، فأنتم شهود كغياب وأحياء كأموات وصم ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة وأعظكم بالموعظة الشافية الكافية وأحثكم على الجهاد لأهل الجور، فما آتي على آخر كلامي حتى أراكم متفرقين حلقا شتى ، تتناشدون الأشعار وتضربون الأمثال وتسألون عن سعر التمر واللبن!
  تبت أيديكم، لقد سئمتم الحرب والاستعداد لها، وأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها ، شغلتموها بالأباطيل والأضاليل والأعاليل ، ويحكم ، أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا ، وأيم الله ما أظن أن تفعلوا حتى يفعلوا ثم وددت أني قد رأيتهم فلقيت الله على بصيرتي ويقيني واسترحت من مقاساتكم ومن ممارستكم ، فما أنتم إلا كإبل جمة ضل راعيها ، فكلما ضمت من جانب انتشرت من جانب ، كأني بكم والله فيما أرى، لو قد حمس الوغى واستحر الموت قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج الرأس وانفراج المرأة عن ولدها لا تمنع يد لامس .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 214 _

لماذا لم يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ما فعل عثمان من السكوت ؟

  قال الأشعث بن قيس الكندي: فهلا فعلت كما فعل ابن عفان ؟
  فقال علي عليه السلام: يا عرف النار (1)، أو كما فعل ابن عفان رأيتموني فعلت ؟ أنا عائذ بالله من شر ما تقول ، يا بن قيس ، والله إن الذي فعل ابن عفان لمخزاة لمن لا دين له ولا الحق في يده ، فكيف أفعل ذلك وأنا على بينة من ربي وحجته في يدي والحق معي ؟
  والله إن امرء مكن عدوه من نفسه حتى يجز لحمه ويفري جلده ويهشم عظمه ويسفك دمه وهو يقدر على أن يمنعه لعظيم وزره وضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره ، فكن أنت ذلك يا بن قيس فأما أنا فدون ـ والله ـ أن أعطي بيدي ضرب بالمشرفي تطير له فراش الهام وتطيح منه الكف والمعصم ويفعل الله بعد ما يشاء.
  ويلك يا بن قيس ، المؤمن يموت بكل موتة غير أنه لا يقتل نفسه ، فمن قدر على حقن دمه ثم خلا بينه وبين قاتله فهو قاتل نفسه.
  ويلك يا بن قيس ، إن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة واحدة منها في الجنة واثنتان وسبعون في النار، وشرها وأبغضها إلى الله وأبعدها منه السامرة الذين يقولون : (لا قتال)، وكذبوا ، قد أمر الله عز وجل بقتال هؤلاء الباغين في كتابه وسنة نبيه وكذلك المارقة.

لماذا لم يقم أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف في قضايا السقيفة

  فقال الأشعث بن قيس ـ وغضب من قوله ـ : فما يمنعك يا بن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرة وأخو بني عدي بن كعب وأخو بني أمية بعدهما ، أن تقاتل وتضرب بسيفك ؟ وأنت لم تخطبنا خطبة ـ منذ كنت قدمت العراق ـ إلا وقد قلت فيها قبل

---------------------------
(1) خطاب إلى الأشعث بن قيس ، روي في البحار: ج 41 ص 306 أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يسمي أشعثا (عنق النار) فسئل عن ذلك فقال : إن الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدود من السماء فتحرقه وقت وفاته ، فلا يدفن إلا وهو فحمة سوداء ، فلما توفي نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت عليه كالعنق الممدود حتى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 215 _

  أن تنزل عن منبرك : (والله إني لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم).
  فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك ؟
  فقال له علي عليه السلام: يا بن قيس ، قلت فاسمع الجواب: لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهية للقاء ربي ، وأن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لي من الدنيا والبقاء فيها ، ولكن منعني من ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهده إلي.
  أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما الأمة صانعة بي بعده ، فلم أك بما صنعوا ـ حين عاينته ـ بأعلم مني ولا أشد يقينا مني به قبل ذلك ، بل أنا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشد يقينا مني بما عاينت وشهدت ، فقلت : يا رسول الله، فما تعهد إلي إذا كان ذلك ؟ قال : إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعوانا.
  وأخبرني صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة ستخذلني وتبايع غيري وتتبع غيري.
  وأخبرني صلى الله عليه وآله وسلم أني منه بمنزلة هارون من موسى ، وأن الأمة سيصيرون من بعده بمنزلة هارون ومن تبعه والعجل ومن تبعه ، إذ قال له موسى : (يا هارون ، ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني)، وقال : (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي )، (1) وإنما يعني : إن موسى أمر هارون ـ حين استخلفه عليهم ـ إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم ، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم ، وإني خشيت أن يقول لي ذلك أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (لم فرقت بين الأمة ولم ترقب قولي وقد عهدت إليك إن لم تجد أعوانا أن تكف يدك وتحقن دمك ودم أهل بيتك وشيعتك ) ؟

---------------------------
(1) سورة طه : الآية 93.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 216 _

إقدام أمير المؤمنين عليه السلام لمحاربة أبي بكر وعمر

  فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مال الناس إلى أبي بكر فبايعوه وأنا مشغول برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغسله ودفنه، ثم شغلت بالقرآن ، فآليت على نفسي أن لا أرتدي إلا للصلاة حتى أجمعه في كتاب ، ففعلت.
  ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين ، فلم أدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي.
  فلم يستجب لي من جميع الناس إلا أربعة رهط : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به، أما حمزة فقتل يوم أحد، وأما جعفر فقتل يوم مؤتة، وبقيت بين جلفين جافيين ذليلين حقيرين عاجزين : العباس وعقيل ، وكانا قريبي العهد بكفر.
  فأكرهوني وقهروني ، فقلت كما قال هارون لأخيه : (يَا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) ، فلي بهارون أسوة حسنة ولي بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة قوية.
  قال عليه السلام: فقال الأشعث: كذلك صنع عثمان، استغاث بالناس ودعاهم إلى نصرته فلم يجد أعوانا فكف يده حتى قتل مظلوما.
  قال عليه السلام: ويلك يا بن قيس ، إن القوم ـ حين قهروني واستضعفوني وكادوا يقتلونني ـ لو قالوا لي : (نقتلك البتة) لامتنعت من قتلهم إياي ولو لم أجد غير نفسي وحدي، ولكن قالوا : (إن بايعت كففنا عنك وأكرمناك وقربناك وفضلناك وإن لم تفعل قتلناك).
  فلما لم أجد أحدا بايعتهم ، وبيعتي إياهم لا يحق لهم باطلا ولا يوجب لهم حقا.
  فلو كان عثمان ـ حين قال له الناس: (اخلعها ونكف عنك) ـ خلعها لم يقتلوه ، ولكنه قال : (لا أخلعها)، قالوا : (فإنا قاتلوك)، فكف يده عنهم حتى قتلوه ، ولعمري لخلعه إياها كان خيرا له ، لأنه أخذها بغير حق ولم يكن له فيها نصيب وادعى ما ليس له وتناول حق غيره.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 217 _

عثمان أعان على قتل نفسه

  ويلك يا بن قيس ، إن عثمان لا يعدو أن يكون أحد رجلين : إما أن يكون دعا الناس إلى نصرته فلم ينصروه ، وإما أن يكون القوم دعوه إلى أن ينصروه فنهاهم عن نصرته ، فلم يكن يحل له أن ينهى المسلمين عن أن ينصروا إماما هاديا مهتديا لم يحدث حدثا ولم يؤو محدثا ، وبئس ما صنع حين نهاهم وبئس ما صنعوا حين أطاعوه وإما أن يكون جوره وسوء سريرته قضى أنهم لم يروه أهلا لنصرته لجوره وحكمه بخلاف الكتاب والسنة.
  وقد كان مع عثمان ـ من أهل بيته ومواليه وأصحابه ـ أكثر من أربعة آلاف رجل ، ولو شاء أن يمتنع بهم لفعل ، فلم نهاهم عن نصرته ؟ ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم تتمة أربعين رجلا مطيعين لي لجاهدتهم ، وأما يوم بويع عمر وعثمان فلا ، لأني قد كنت بايعت ومثلي لا ينكث بيعته.

مواقف أمير المؤمنين عليه السلام في الحروب

  ويلك يا بن قيس ، كيف رأيتني صنعت حين قتل عثمان إذ وجدت أعوانا ؟ هل رأيت مني فشلا أو تأخرا أو جبنا أو تقصيرا في وقعتي يوم البصرة وهم حول جملهم.
  الملعون من معه ، الملعون من قتل حوله ، الملعون من رجع بعده لا تائبا ولا مستغفرا ، فإنهم قتلوا أنصاري ونكثوا بيعتي ومثلوا بعاملي وبغوا علي ، وسرت إليهم في اثني عشر ألفا وهم نيف على عشرين ومائة ألف ، فنصرني الله عليهم وقتلهم بأيدينا وشفى صدور قوم مؤمنين.
  وكيف رأيت ـ يا بن قيس ـ وقعتنا بصفين وما قتل الله منهم بأيدينا خمسين ألفا في صعيد واحد إلى النار.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 218 _

  وكيف رأيتنا يوم النهروان ، إذ لقيت المارقين وهم مستمسكون يومئذ بدين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ؟ فقتلهم الله بأيدينا في صعيد واحد إلى النار لم يبق منهم عشرة ولم يقتلوا من المؤمنين عشرة.
  ويلك يا بن قيس ، هل رأيت لي لواء رد أو راية ردت ؟ إياي تعير يا بن قيس ؟ وأنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جميع مواطنه ومشاهده والمتقدم إلى الشدائد بين يديه ، لا أفر ولا أزول ولا أعيى ولا أنحاز ولا أمنح العدو دبري ، لأنه لا ينبغي للنبي ولا للوصي إذا لبس لامته وقصد لعدوه أن يرجع أو ينثني حتى يقتل أو يفتح الله له.
  لو وجدت أربعين رجلا مثل الأربعة!!
  يا بن قيس ، هل سمعت لي بفرار قط أو نبوة ؟
  يا بن قيس ، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إني لو وجدت يوم بويع أخو تيم ـ الذي عيرتني بدخولي في بيعته ـ أربعين رجلا كلهم على مثل بصيرة الأربعة الذين قد وجدت لما كففت يدي ولناهضت القوم، ولكن لم أجد خامسا فأمسكت.
  قال الأشعث : فمن الأربعة ، يا أمير المؤمنين ؟
  قال عليه السلام: سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن صفية قبل نكثه بيعتي ، فإنه بايعني مرتين : أما بيعته الأولى التي وفى بها فإنه لما بويع أبو بكر أتاني أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار فبايعوني وفيهم الزبير، فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين رؤوسهم عليهم السلاح، فما وفى لي ولا صدقني منهم أحد غير أربعة : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير.
  وأما بيعته الأخرى إياي ، فإنه أتاني هو وصاحبه طلحة بعد ما قتل عثمان فبايعاني طائعين غير مكرهين ، ثم رجعا عن دينهما مرتدين ناكثين مكابرين معاندين

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 219 _

  خاسرين ، فقتلهما الله إلى النار، وأما الثلاثة ـ سلمان وأبو ذر والمقداد ـ فثبتوا على دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى ملة إبراهيم حتى لحقوا بالله يرحمهم الله.
  يا بن قيس، والذي فلق الحبة وبرء النسمة، لو أن أولئك الأربعين الذين بايعوا وفوا لي وأصبحوا على بابي محلقين رؤوسهم قبل أن تجب لعتيق في عنقي بيعته لناهضته وحاكمته إلى الله عز وجل ، ولو وجدت قبل بيعة عثمان أعوانا لناهضتهم وحاكمتهم إلى الله ، فإن ابن عوف جعلها لعثمان واشترط عليه فيما بينه وبينه أن يردها عليه عند موته ، وأما بعد بيعتي إياهم فليس إلى مجاهدتهم سبيل.

الشيعة، النواصب، المستضعفون

  فقال الأشعث: والله لئن كان الأمر كما تقول لقد هلكت أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم غيرك وغير شيعتك.
  فقال له علي عليه السلام: فإن الحق والله معي يا بن قيس كما أقول، وما هلك من الأمة إلا الناصبون والناكثون والمكابرون والجاحدون والمعاندون ، فأما من تمسك بالتوحيد والإقرار بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام ولم يخرج من الملة ولم يظاهر علينا الظلمة ولم ينصب لنا العداوة وشك في الخلافة ولم يعرف أهلها وولاتها ولم يعرف لنا ولاية ولم ينصب لنا عداوة، فإن ذلك مسلم مستضعف يرجى له رحمة الله ويتخوف عليه ذنوبه.
  قال أبان: قال سليم بن قيس : فلم يبق يومئذ من شيعة علي عليه السلام أحد إلا تهلل وجهه وفرح بمقالته ، إذ شرح أمير المؤمنين عليه السلام الأمر وباح به وكشف الغطاء وترك التقية.
  ولم يبق أحد من القراء ممن كان يشك في الماضين ويكف عنهم ويدع البراءة منهم ورعا وتأثما إلا استيقن واستبصر وحسن رأيه وترك الشك يومئذ والوقوف ، ولم يبق حوله ممن أبى بيعته إلا على وجه ما بويع عليه عثمان والماضون قبله إلا رئي ذلك في

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 220 _

  وجهه وضاق به أمره وكره مقالته ، ثم إنه استبصر عامتهم وذهب شكهم. (1)
  قال أبان عن سليم : فما شهدت يوما قط على رؤوس العامة كان أقر لأعيننا من ذلك اليوم، لما كشف أمير المؤمنين عليه السلام للناس من الغطاء وأظهر فيه من الحق وشرح فيه من الأمر والعاقبة وألقى فيه من التقية ، وكثرت الشيعة بعد ذلك المجلس من ذلك اليوم وتكلموا ، وقد كانوا أقل أهل عسكره وسائر الناس يقاتلون معه على غير علم بمكانه من الله ورسوله ، وصارت الشيعة بعد ذلك المجلس أجل الناس وأعظمهم.

شهادة أمير المؤمنين عليه السلام

  وذلك بعد وقعة أهل النهروان وهو يأمر بالتهيئة والمسير إلى معاوية ، ثم لم يلبث أن قتل صلوات الله عليه ، قتله ابن ملجم لعنه الله غيلة وفتكا ، وقد كان سيفه مسموما قد سمه قبل ذلك ، وصلى الله على سيدنا أمير المؤمنين وسلم تسليما .

---------------------------
(1) المراد أن عددا من الناس أبوا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام إلا على وجه ما بويع أبو بكر وعمر وعثمان ، وهؤلاء لما سمعوا هذه الخطبة والاحتجاج منه عليه السلام كرهوا مقالته ورئي أثر الكراهة في وجوههم ، وفي (ج) هكذا : ولم يبق أحد ممن أبى بيعته على وجه الأرض ممن بايع عثمان، بلغه ذلك إلا ضاق صدره وكره مقالته .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 221 _

(13) بيت المال في عصر عمر

  عن أبان، قال سليم : كتب أبو المختار بن أبي الصعق (1) إلى عمر بن الخطاب هذه الأبيات:

ألا أبـلغ أمـير الـمؤمنين iiرسـالة      فـأنت أمـين الله فـي المال iiوالأمر
وأنـت أمـين الله فـينا ومـن iiيكن      أمـينا لـرب الناس يسلم له iiصدري
فـلا  تـدعن أهل الرساتيق iiوالقرى      يـخونون  مـال الله في الأدم iiالحمر
وأرسـل إلـى الـنعمان وابن iiمعقل      وأرسـل  إلى حزم وأرسل إلى iiبشر
وأرسـل إلـى الحجاج واعلم iiحسابه      وذاك  الذي في السوق مولى بني iiبدر
ولا تـنـسين الـتـابعين iiكـلـيهما      وصهر  بني غزوان في القوم ذا iiوفر
ومـا  عـاصم فـيها بـصفر iiعيابه      ولا  ابـن غلاب من رماة بني iiنصر
واسـتل ذاك الـمال دون ابن iiمحرز      وقد كان منه في الرساتيق ذا وقر (2)
فـأرسل إلـيهم يـصدقوك iiويخبروا      أحـاديث هـذا المال من كان ذا iiفكر
وقـاسـمهم أهـلـي فـداؤك iiإنـهم      سـيرضون إن قاسمتهم منك iiبالشطر


---------------------------
(1) أبو المختار هو يزيد بن قيس بن يزيد.
(2) قوله : بصفر عيابه ، الصفر بمعنى الخالي والعياب جمع العيبة بمعنى الزنبيل من الأدم، وقوله (ابن محرز) جاء في فتوح البلاذري: ابن محرش .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 222 _

ولا  تـدعـونـي لـلـشـهادة iiإنـنـي      أغـيـب  ولـكني أرى عـجب الـدهر
أرى الخيل كالجدران والبيض كالدمى (1)      وخـطية (2) فـي عـدة الـنمل iiوالقطر
ومـن ريـطة (3) مـطوية فـي iiقرابها      ومـن  طـي أبـراد مـضاعفة iiصـفر
إذ  الـتـاجر الــداري جــاء بـفأرة      مـن  الـمسك راحت في مفارقهم iiتجري
نـنـوب إذا نـابوا ونـغزو إذا iiغـزوا      فــإن  لـهم مـالا ولـيس لـنا iiوفـر
  فقال ابن غلاب المصري (4):
ألا  أبـلغ أبـا الـمختار إنـي iiأتيته      ولـم  أك ذا قـربى لـديه ولا iiصهر
ومـا كـان عـندي من تراث iiورثته      ولا  صـدقات مـن سـبي ولا iiغدر
ولـكن دراك الـركض في كل iiغارة      وصبري إذا ما الموت كان ورا السمر
بـسابغة يـغشى اللبان فصو لها (5)ii      أكـفكفها  عـني بـأبيض ذي iiوفـر
حكم عمر بمصادرة نصف أموال عماله

  قال سليم : فأغرم عمر بن الخطاب تلك السنة جميع عماله أنصاف أموالهم لشعر

---------------------------
(1) الدمى جمع الدمية وهي الصور المزينة فيها حمرة.
(2) جمع الخطي وهو الرمح المنسوب إلى الخط وهو مرفأ بالبحرين.
(3) الريطة: كل ثوب يشبه الملحفة.
(4) ابن غلاب هو خالد بن الحرث من بني دهمان كان على بيت المال بإصبهان.
(5) السابغة كناية عن الدرع الواسعة، واللبان هو الصدر.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 223 _

  أبي المختار (1) ولم يغرم قنفذ العدوي شيئا ـ وقد كان من عماله ـ ورد عليه ما أخذ منه وهو عشرون ألف درهم ولم يأخذ منه عشره ولا نصف عشره!
  وكان من عماله الذين أغرموا أبو هريرة ـ وكان على البحرين ـ فأحصى ماله فبلغ أربعة وعشرون ألفا ، فأغرمه اثني عشر ألفا.

علة العفو عن قنفذ من مصادرة أمواله

  قال أبان : قال سليم : فلقيت عليا عليه السلام فسألته عما صنع عمر ، فقال : هل تدري لم كف عن قنفذ ولم يغرمه شيئا ؟ قلت : لا ، قال : لأنه هو الذي ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم ، فماتت صلوات الله عليها وإن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج.

---------------------------
(1) ذكر البلاذري أسماء عدد من عمال عمر بن الخطاب، شاطرهم أموالهم حتى أخذ نعلا وترك نعلا وهم : أبو بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي، نافع بن الحرث بن كلدة الثقفي، الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات، جزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق، بشر بن المحتفز كان على جندي سابور ، ابن غلاب خالد بن الحرث كان على بيت المال بإصبهان ، عاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر، سمرة بن جندب كان على سوق الأهواز ، النعمان بن عدي بن نضلة الكعبي كان على كور دجلة، مجاشع بن مسعود السلمي صهر بني غزوان كان على أرض البصرة وصدقاتها، شبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم، أبو مريم بن محرش الحنفي كان على رامهرمز، وهؤلاء ذكرهم أبو المختار في شعره الذي ورد في المتن مع اختلاف في ضبط بعض الأسماء، وكان أيضا من عماله الذين شاطرهم سعد بن أبي وقاص وكان على الكوفة، وأبو موسى الأشعري وكان على البصرة ، وعمرو بن العاص وكان على مصر ، وعتبة بن أبي سفيان وكان على الطائف، وأبو هريرة وكان على البحرين، وخالد بن الوليد، راجع الغدير: ج 6 ص 277 ـ 271 ، إثبات الهداة: ج 2 ص 369 ح 218.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 224 _

(14) بدع واعتراضات أبي بكر وعمر في الدين

  قال أبان عن سليم ، قال : انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان وأبي ذر والمقداد ومحمد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة.

1 ـ بدع أبي بكر وعمر

تغريم عمر لعماله
  فقال العباس لعلي عليه السلام: ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذا كما أغرم جميع عماله ؟
  فنظر علي عليه السلام إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه بالدموع ، ثم قال : شكر له ضربة ضربها فاطمة عليها السلام بالسوط ، فماتت وفي عضدها أثره كأنه الدملج.
  ثم قال عليه السلام: العجب مما أشربت قلوب هذه الأمة من حب هذا الرجل وصاحبه من قبله ، والتسليم له في كل شئ أحدثه لئن كان عماله خونة وكان هذا المال في أيديهم خيانة ما كان حل له تركه ، وكان له أن يأخذه كله فإنه فيئ المسلمين، فما له يأخذ نصفه ويترك نصفه ؟ ولئن كانوا غير خونة فما حل له أن يأخذ أموالهم ولا شيئا منهم قليلا

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 225 _

  ولا كثيرا ، وإنما أخذ أنصافها، ولو كانت في أيديهم خيانة ثم لم يقروا بها ولم تقم عليهم البينة ما حل له أن يأخذ منهم قليلا ولا كثيرا وأعجب من ذلك إعادته إياهم إلى أعمالهم لئن كانوا خونة ما حل له أن يستعملهم ، ولئن كانوا غير خونة ما حلت له أموالهم.

أمير المؤمنين عليه السلام يتعجب من ميل الناس إلى البدع

  ثم أقبل علي عليه السلام على القوم فقال : العجب لقوم يرون سنة نبيهم تتبدل وتتغير شيئا شيئا وبابا بابا ثم يرضون ولا ينكرون ، بل يغضبون له ويعتبون على من عاب عليه وأنكره ثم يجيئ قوم بعدنا ، فيتبعون بدعته وجوره وأحداثه ويتخذون أحداثه سنة ودينا يتقربون بها إلى الله في مثل :

نقل مقام إبراهيم عليه السلام إلى موضعه في الجاهلية
  تحويله مقام إبراهيم عليه السلام من الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الموضع الذي كان فيه في الجاهلية الذي حوله منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . (1)

  تغيير صاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومده
  وفي تغييره صاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومده ، وفيهما فريضة وسنة ، فما كان زيادته إلا سوء لأن المساكين ـ في كفارة اليمين والظهار ـ بهما يعطون ما يجب من الزرع، وقد قال

---------------------------
(1) روي في البحار: ج 8 (طبع قديم) ص 287 عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام أنه قال : كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليومظ، فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام، فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب فسأل الناس: من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام ؟ فقال رجل : أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع فهو عندي فقال : تأتيني به ، فأتاه به ، فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان!! وذكر اليعقوبي في تاريخه : ج 2 ص 149 أن ذلك كان في سنة 17.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 226 _

  رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (اللهم بارك لنا في مدنا وصاعنا)، لا يحولون بينه وبين ذلك (1)، لكنهم رضوا وقبلوا ما صنع.

غصب فدك

  وقبضه وصاحبه فدك وهي في يد فاطمة عليها السلام مقبوضة قد أكلت غلتها على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فسألها البينة على ما في يدها ولم يصدقها ولا صدق أم أيمن، وهو يعلم يقينا ـ كما نعلم ـ أنها في يدها ، ولم يكن يحل له أن يسألها البينة على ما في يدها ولا أن يتهمها ، ثم استحسن الناس ذلك وحمدوه وقالوا : (إنما حمله على ذلك الورع والفضل)!!
  ثم حسن قبح فعلهما أن عدلا عنها فقالا : (نظن إن فاطمة لن تقول إلا حقا وإن عليا لم يشهد إلا بحق ، ولو كانت مع أم أيمن امرأة أخرى أمضيناها لها) ، فحظيا بذلك عند الجهال وما هما ومن أمر هما أن يكونا حاكمين فيعطيان أو يمنعان ؟ ولكن الأمة ابتلوا بهما فأدخلا أنفسهما فيما لا حق لهما فيه ولا علم لهما به ، وقد قالت فاطمة عليها السلام لهما ـ حين أراد انتزاعها وهي في يدها ـ : (أليست في يدي وفيها وكيلي وقد أكلت غلتها ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حي )؟
  قالا : بلى ، قالت : (فلم تسألني البينة على ما في يدي ) ؟ قالا : لأنها فيئ المسلمين، فإن قامت بينة وإلا لم نمضها!
  قالت لهما ـ والناس حولهما يسمعون ـ : (أفتريدان أن تردا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحكما فينا خاصة بما لم تحكما في سائر المسلمين ؟ أيها الناس، اسمعوا ما ركباها.
  أرأيتما إن ادعيت ما في أيدي المسلمين من أموالهم، أتسألونني البينة أم تسألونهم ) ؟
  قالا : بل نسألك .

---------------------------
(1) أي لا يحول الناس بين عمر وفعله ذلك ، بل رضوا به وقبلوه .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 227 _

  قالت : (فإن ادعى جميع المسلمين ما في يدي تسألونهم البينة أم تسألونني )؟
  فغضب عمر وقال : إن هذا فيئ للمسلمين وأرضهم، وهي في يدي فاطمة تأكل غلتها ، فإن أقامت بينة على ما ادعت أن رسول الله وهبها لها من بين المسلمين ـ وهي فيئهم وحقهم ـ نظرنا في ذلك!
  فقالت : حسبي أنشدكم بالله أيها الناس، أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إن ابنتي سيدة نساء أهل الجنة ) ؟ قالوا : اللهم نعم ، قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قالت : أفسيدة نساء أهل الجنة تدعي الباطل وتأخذ ما ليس لها ؟ أرأيتم لو أن أربعة شهدوا علي بفاحشة أو رجلان بسرقة أكنتم مصدقين علي ؟ فأما أبو بكر فسكت ، وأما عمر فقال : نعم ، ونوقع عليك الحد!!
  فقالت : كذبت ولؤمت ، إلا أن تقر أنك لست على دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، إن الذي يجيز على سيدة نساء أهل الجنة شهادة أو يقيم عليها حدا لملعون كافر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن من (أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) لا تجوز عليهم شهادة لأنهم معصومون من كل سوء مطهرون من كل فاحشة ، حدثني ـ يا عمر ـ من أهل هذه الآية، لو أن قوما شهدوا عليهم أو على أحد منهم بشرك أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبرؤون منهم ويحدونهم ؟ قال : نعم ، وما هم وسائر الناس في ذلك إلا سواء!!
  قالت : كذبت وكفرت ، ما هم وسائر الناس في ذلك سواء لأن الله عصمهم ونزل عصمتهم وتطهيرهم وأذهب عنهم الرجس، فمن صدق عليهم فإنما يكذب الله ورسوله ، فقال أبو بكر : أقسمت عليك ـ يا عمر ـ لما سكت!!

مؤامرة قتل أمير المؤمنين عليه السلام

  فلما أن كان الليل أرسلا إلى خالد بن الوليد فقالا : إنا نريد أن نسر إليك أمرا

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 228 _


  ونحملكه لثقتنا بك ، فقال : احملاني على ما شئتما، فإني طوع أيديكما، فقالا له: (إنه لا ينفعنا ما نحن فيه من الملك والسلطان ما دام علي حيا أما سمعت ما قال لنا وما استقبلنا به ؟ ونحن لا نأمنه أن يدعو في السر فيستجيب له قوم فيناهضنا فإنه أشجع العرب، وقد ارتكبنا منه ما رأيت وغلبناه على ملك ابن عمه ولا حق لنا فيه ، وانتزعنا فدك من امرأته ، فإذا صليت بالناس صلاة الغداة فقم إلى جنبه وليكن سيفك معك ، فإذا صليت وسلمت فاضرب عنقه)!
  قال علي عليه السلام: فصلى خالد بن الوليد بجنبي متقلدا السيف، فقام أبو بكر في الصلاة وجعل يؤامر نفسه وندم وأسقط في يده (1) حتى كادت الشمس أن تطلع ثم قال ـ قبل أن يسلم ـ : (لا تفعل ما أمرتك) ثم سلم فقلت لخالد : وما ذاك ؟ قال : كان قد أمرني ـ إذا سلم ـ أن أضرب عنقك قلت : أو كنت فاعلا ؟ قال : إي وربي إذا لفعلت!

حبس الخمس
  قال سليم : ثم أقبل عليه السلام على العباس وعلى من حوله ، ثم قال : ألا تعجبون من حبسه وحبس صاحبه عنا سهم ذي القربى الذي فرضه الله لنا في القرآن ؟ وقد علم الله أنهم سيظلموناه وينتزعونه منا ، فقال : (إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ). (2)

---------------------------
(1) أسقط في يده أي تحير.
(2) سورة الأنفال: الآية 41، والعبارة في إرشاد القلوب هكذا : وأقبل عليه السلام على من كان حوله فقال : أوليس قد ظهر لكم رأى وحملهم علينا أهل البيت من كل جانب ووجه لا يألون به إبعاد ا وتقاصيا وأخذ حقوقنا ؟ أليس العجب بحبسه وصاحبه عنا ...

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 229 _

إلحاق بيت جعفر بالمسجد
  والعجب لهدمه منزل أخي جعفر وإلحاقه في المسجد ، ولم يعط بنيه من ثمنه قليلا ولا كثيرا ، ثم لم يعب ذلك عليه الناس ولم يغيروه ، فكأنما أخذ منزل رجل من الديلم، (1)

البدعة في غسل الجنابة
  والعجب لجهله وجهل الأمة أنه كتب إلى جميع عماله : (أن الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلي وليس له أن يتيمم بالصعيد حتى يجد الماء وإن لم يجده حتى يلقى الله) ثم قبل الناس ذلك ورضوا به ، وقد علم وعلم الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر عمارا وأمر أبا ذر أن يتيمما من الجنابة ويصليا ، وشهدا به عنده وغيرهما (2) فلم يقبل ذلك ولم يرفع به رأسا.

البدعة في إرث الجد
  والعجب لما خلطا قضايا مختلفة في الجد بغير علم تعسفا وجهلا وادعائهما ما لم يعلما جرأة على الله وقلة ورع .

---------------------------
(1) (ب) و (د): ولم يعيروه فكأنما أخذ دار رجل من ترك أو كابل ، روي في الغدير: ج 6 ص 262 عن طبقات ابن سعد : أنه لما كثر المسلمون في عهد عمر ضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور إلا دور العباس بن عبد المطلب وحجرات أمهات المؤمنين.
(2) روى العلامة الأميني في الغدير: ج 6 ص 83 عن صحيح مسلم : أن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماء ؟ فقال عمر : لا تصل ، فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء ، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك ؟ فقال عمر : إتق الله يا عمار قال : إن شئت لم أحدث به .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 230 _

  ادعيا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات ولم يقض في الجد شيئا منه (1) ولم يدع أحد يعلم (2) ما للجد من الميراث ثم تابعوهما على ذلك وصدقوهما.

عتق أمهات الأولاد
  وعتقه أمهات الأولاد (3) فأخذ الناس بقوله وتركوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

القضاء الباطل في ثلاثة أشخاص
وما صنع بنصر بن الحجاج وبجعدة من سليم وبابن وبرة (4).

---------------------------
(1) أي من الميراث.
(2) روى العلامة الأميني في الغدير : ج 6 ص 117 عن سنن البيهقي عن عبيدة قال : حفظت عن عمر مائة قضية في الجد قال : وقال (عمر) : إني قد قضيت في الجد قضايا مختلفة كلها آلو فيه عن الحق، ولئن عشت إن شاء الله إلى الصيف لأقضين فيها بقضية تقضي به المرأة وهي على ذيلها ثم إن أبا بكر أيضا حكم في الجد بقضايا مختلفة (راجع الغدير : ج 7 ص 120) ، ولذلك جاء بضمير التثنية في هذا المورد.
(3) قوله ( عثقه أمهات الأولاد ) إشارة إلى بدعة عمر حيث حكم بأن كل أمة حبلى تعتق إذا وضعت حملها.
(4) إشارة إلى تغريب نصر بن الحجاج أبي ذويب من المدينة من غير ذنب ، روي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 286 : بينا عمر يطوف في بعض سكك المدينة إذ سمع امرأة تهتف من خدرها :
هل  من سبيل إلى خمر iiفأشربها      أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
  إلى آخر الأبيات، فقال : لا أرى معي رجلا تهتف به العواتق في خدورهن ، علي بنصر بن الحجاج، فأتي به وإذا هو أحسن الناس وجها وعينا وشعرا ، فأمر بشعره فجز ، فخرجت له وجنتان كأنهما قمر، فأمره أن يعتم ، فاعتم ففتن النساء بعينيه فقال : عمر: لا والله، لا تساكنني بأرض أنا بها فقال : ولم يا أمير المؤمنين ؟ قال : هو ما أقول لك فسيره إلى البصرة، هذا وقد فعل مثل ذلك لك بابن عم لنصر بن الحجاج، راجع طبقات ابن سعد : ج 3 ص 385 ،وقوله (بجعدة من سليم)، في النسخ (بجعدة بن سليم)، والصحيح ما أوردناه، روى ابن سعد في طبقاته : ج 3 ص 285 : أن بريدا قدم على عمر فنثر كنانته فبدرت صحيفة فأخذها فقرأها فإذا فيها :
ألا  أبـلغ أبا حفص iiرسولا      فدى لك من أخي ثقة iiإزاري
قـلائصنا - هداك الله - iiإنا      شـغلنا  عنكم زمن iiالحصار
فـما قـلص وجدن iiمعقلات      قـفا  سـلع بمختلف iiالبحار
قلائص من بني سعد بن بكر      وأسـلم أو جـهينة أو iiغفار
يـعقلهن  جـعدة مـن iiسليم      مـعيدا يـبتغي سقط iiالعذار
  فقال (عمر): ادعوا لي جعدة من سليم ، قال : فدعوا به ، فجلد مائة معقولا ، ونهاه أن يدخل على امرأة مغيبة ، وأما قوله (بابن وبرة) ، فلم أظفر على مصدر يذكر قصته ، ثم إن الأشكال في فعل عمر في الموردين من جهة أنه حكم بما لم يثبت مقتضيه ، فمجرد حسن الوجه في نصر بن الحجاج لا يقتضي نفيه عن البلد ومجرد تلك الأبيات الدالة على أن الرجل كانت تفتن النساء إليه بفعاله مع عدم ثبوته بالبينة لا يوجب حد الرجل ولا تعزيره .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 231 _

البدعة في الطلاق
  وأعجب من ذلك أن أبا كنف العبدي أتاه فقال: (إني طلقت امرأتي وأنا غائب فوصل إليها الطلاق ، ثم راجعتها وهي في عدتها وكتبت إليها فلم يصل الكتاب إليها حتى تزوجت) ، فكتب له : (إن كان هذا الذي تزوجها قد دخل بها فهي امرأته، وإن كان لم يدخل بها فهي امرأتك)!!
  وكتب له ذلك وأنا شاهد، فلم يشاورني ولم يسألني ، يرى استغناءه بعلمه عني، فأردت أن أنهاه، ثم قلت : (ما أبالي أن يفضحه الله)، ثم لم يعبه الناس بل استحسنوه واتخذوه سنة وقبلوه منه ورأوه صوابا وذلك قضاء لو قضى به مجنون نحيف سخيف لما زاد.

إسقاط أجزاء الأذان
  ثم تركه من الأذان (حي على خير العمل) ، فاتخذوه سنة وتابعوه على ذلك. (1)

---------------------------
(1) روى العلامة الأميني في الغدير : ج 6 ص 213 عن الطبري عن عمر أنه قال : ثلاث كن على عهد رسول الله أنا محرمهن ومعاقب عليهن: متعة الحج ومتعة النساء وحي على خير العمل في الأذان، وروي في إثبات الهداة: ج 2 ص 371 ح 232 : أن عمر ترك ( حي على خير العمل ) وقال: خففت أن يتكل الناس عليها ويدع غيرها ، وقد روت العامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر بها .