أبان عن سليم ، قال : قلت لعلي عليه السلام (1) : يا أمير المؤمنين، إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ومن الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تخالف الذي سمعته منكم، وأنتم تزعمون أن ذلك باطل ، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمدين ويفسرون القرآن برأيهم ؟
قال : فأقبل علي فقال لي : يا سليم، قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا، وخاصا وعاما ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عهده حتى قام فيهم خطيبا فقال :
(أيها الناس، قد كثرت علي الكذابة، (2) فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) ، ثم كذب عليه من بعده حين توفي ، رحمة الله على نبي الرحمة وصلى الله عليه وآله وسلم.
---------------------------
(1) يظهر مما رواه مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كان في خطبة له فسأله سليم هذا السؤال أثناء الخطبة، وأصل الخطبة هي الحديث 18 من كتاب سليم، راجع البحار: ج 2 ص 230، والاحتجاج: ج 1 ص 392.
(2) قال المحقق السيد الداماد في التعليقة على الكافي: ص 146 في شرح حديث سليم ما ملخصه : (الكذابة) مصدر كذب يكذب، أي (كثرت علي كذابة الكاذبين)، أو بمعنى (المكذوب)، أي كثرت الأحاديث المفتراة المختلقة علي، وأما الكذابة بمعنى البليغ في الكذب أي (كثرت علي أكاذيب الكذابة)، أو (كثرت الجماعة الكذابة علي).
وإنما يأتيك بالحديث أربعة نفر ليس لهم خامس :
رجل منافق مظهر للإيمان متصنع بالإسلام ، لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمدا ، فلو علم المسلمون أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ، ولكنهم قالوا : (هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، رآه وسمع منه وهو لا يكذب ولا يستحل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصفهم فقال الله عز وجل: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)(1).
ثم بقوا بعده وتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب والنفاق والبهتان ، فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم من الدنيا، وإنما الناس مع الملوك في الدنيا إلا من عصم الله، فهذا أول الأربعة.
ورجل سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فلم يحفظه على وجهه ووهم فيه ولم يتعمد كذبا وهو في يده يرويه ويعمل به ويقول: (أنا سمعته من رسول الله)، فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوا ، ولو علم هو أنه وهم فيه لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه نهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم ، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ.
فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون أنه منسوخ إذ سمعوه لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله بغضا للكذب وتخوفا من الله وتعظيما لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يوهم ، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمعه
---------------------------
(1) سورة المنافقون: الآية 4 .
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 183 _
ولم يزد فيه ولم ينقص ، وحفظ الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ.
وإن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونهيه مثل القرآن ، ناسخ ومنسوخ ، وعام وخاص ، ومحكم ومتشابه ، وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام له وجهان : كلام خاص وكلام عام ، مثل القرآن، يسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ومن عنى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسأله فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الطارئ والأعرابي فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يسمعوا منه .
وكنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل يوم دخلة وفي كل ليلة دخلة ، فيخليني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري ، وربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا دخلت عليه في بعض منازله خلا بي وأقام نساءه فلم يبق غيري وغيره ، وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا أحد من ابني.
وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت أو نفدت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت عليه آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي، فكتبتها بخطي ، ودعا الله أن يفهمني إياها ويحفظني.
فما نسيت آية من كتاب الله منذ حفظتها وعلمني تأويلها ، فحفظته وأملاه علي فكتبته ، وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام أو أمر ونهي أو طاعة ومعصية كان أو يكون إلى يوم القيامة إلا وقد علمنيه وحفظته ولم أنس منه حرفا واحدا ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وفقها وحكما ونورا ، وأن يعلمني فلا أجهل ، وأن يحفظني فلا أنسى.
فقلت له ذات يوم : يا نبي الله، إنك منذ يوم دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا مما علمتني ، فلم تمليه علي وتأمرني بكتابته ؟ أتتخوف علي النسيان ؟ فقال : يا أخي، لست أتخوف عليك النسيان ولا الجهل ، وقد أخبرني الله أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.
قلت : يا نبي الله، ومن شركائي ؟ قال : الذين قرنهم الله بنفسه وبي معه، الذين قال في حقهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(1) فإن (خفتم التنازع في شئ فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم.
قلت : يا نبي الله، ومن هم ؟ قال : الأوصياء إلى أن يردوا علي حوضي كلهم هاد مهتد لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم ، هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقونه ولا يفارقهم ، بهم ينصر الله أمتي وبهم يمطرون ، ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم.
فقلت (2): يا رسول الله، سمهم لي ، فقال : ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام ـ ثم ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام ـ ثم ابن ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام ـ ثم ابن له على اسمي، اسمه (محمد) باقر علمي وخازن وحي الله، وسيولد (علي) في حياتك يا أخي، فاقرأه مني السلام، ثم أقبل على الحسين عليه السلام فقال : سيولد لك (محمد بن علي) في حياتك فاقرأه مني السلام، ثم تكملة الاثني عشر إماما من ولدك يا أخي.
فقلت : يا نبي الله، سمهم لي ، فسماهم لي رجلا رجلا ، منهم ـ والله يا أخا بني هلال ـ مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء الجميع وقبائلهم .
---------------------------
(1) سورة النساء: الآية 59 ، وتمام الآية هكذا: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ).
(2) هذه الفقرة في مختصر إثبات الرجعة هكذا: (قلت : سمهم لي يا رسول الله، قال : أنت يا علي أولهم، ثم ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسن عليه السلام ـ ثم ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسين عليه السلام ـ ثم سميك علي ابنه زين العابدين، وسيولد في زمانك يا أخي فاقرأه مني السلام، ثم ابنه محمد الباقر، باقر علمي وخازن وحي الله تعالى ، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن الزكي، ثم ابنه الحجة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي والمنتقم من أعدائي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله إني لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام ، وأعرف أسماء أنصاره وأعرف قبائلهم .
قال سليم : ثم لقيت الحسن والحسين صلوات الله عليهما بالمدينة (1) بعد ما قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فحدثتهما بهذا الحديث عن أبيهما ، فقالا : صدقت ، حدثك أبونا علي عليه السلام بهذا الحديث ونحن جلوس ، وقد حفظنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما حدثك أبونا سواء لم يزد فيه ولم ينقص منه شيئا.
قال سليم : ثم لقيت علي بن الحسين عليه السلام ـ وعنده ابنه محمد بن علي عليه السلام ـ فحدثته بما سمعته من أبيه وعمه وما سمعته من علي عليه السلام، فقال علي بن الحسين عليه السلام : قد أقرأني أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، السلام وهو مريض وأنا صبي.
ثم قال محمد عليه السلام: وقد أقرأني جدي الحسين عليه السلام بعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو مريض ـ السلام.
قال أبان : فحدثت علي بن الحسين عليه السلام بهذا الحديث كله عن سليم ، فقال : صدق سليم ، وقد جاء جابر بن عبد الله الأنصاري إلى ابني وهو غلام يختلف إلى، الكتاب (2) فقبله واقرأه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلام. (3)
---------------------------
(1) في (د) وفي إعتقادات الصدوق: بالمدينة بعد ما ملك معاوية.
(2) الكتاب بمعنى موضع التعليم.
(3) روي في البحار: ج 36 ص 360 ح 230 بأسناده عن زيد بن علي قال: كنت عند أبي علي بن الحسين عليه السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد (يعني الإمام الباقر عليه السلام) من بعض الحجر، فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه فقال : يا غلام، أقبل، فأقبل ، ثم قال : أدبر، فأدبر ، فقال : شمائل كشمائل رسول الله ما اسمك يا غلام ؟ قال : محمد ، قال : ابن من ؟ قال : ابن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال : أنت إذا الباقر، قال : فانكب عليه وقبل رأسه ويديه ثم قال : يا محمد ، إن رسول الله يقرؤك السلام، قال : على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام، ثم عاد إلى مصلاه ، فأقبل يحدث أبي ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي يوما : يا جابر ، إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام، فإنه سميي وأشبه الناس بي ...
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 186 _
قال أبان : فحججت بعد موت علي بن الحسين عليه السلام، فلقيت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام فحدثته بهذا الحديث كله لم أترك منه حرفا واحدا ، فاغرورقت عيناه ثم قال : صدق سليم ، قد أتاني بعد أن قتل جدي الحسين عليه السلام وأنا قاعد عند أبي فحدثني بهذا الحديث بعينه، فقال له أبي: صدقت ، قد حدثك أبي بهذا الحديث بعينه عن أمير المؤمنين عليه السلام ونحن شهود ـ ثم حدثاه بما هما سمعا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال حماد بن عيسى : قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله عليه السلام فبكى وقال:
صدق سليم ، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال : سمعت هذا الحديث من أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله سليم . (1)
قال أبان: ثم قال لي أبو جعفر الباقر عليه السلام: ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا، وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس!!
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا ، وأخبرهم بأنا أولى الناس بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب.
---------------------------
(1) جاء هذه الفقرة في آخر حديث سليم في مختصر إثبات الرجعة، رواها الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حماد بن عيسى عن الإمام الصادق عليه السلام ، راجع (مختصر إثبات الرجعة) لابن شاذان ، مخطوطة في مكتبة آستان قدس رقمها 7442 و طبع بأجمعه في مجلة (تراثنا) العدد 15 ، ثم إن حماد بن عيسى من رواة كتاب سليم بأجمعه.
فتظاهروا على علي عليه السلام، فاحتج عليهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه وما سمعته العامة.
فقالوا : صدقت ، قد قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن قد نسخه فقال : (إنا أهل بيت أكرمنا الله عز وجل واصطفانا ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة) فشهد بذلك أربعة نفر : عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ، فشبهوا على العامة وصدقوهم وردوهم على أدبارهم وأخرجوها من معدنها من حيث جعلها الله.
واحتجوا على الأنصار بحقنا وحجتنا فعقدوها لأبي بكر ، ثم ردها أبو بكر إلى عمر يكافيه بها.
ثم جعلها عمر شورى بين ستة ، فقلدوها عبد الرحمن، ثم جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردها عليه، فغدر به عثمان وأظهر ابن عوف كفره وجهله وطعن عليه (1) في حياته وزعم ولده أن عثمان سمه فمات.
ثم قام طلحة والزبير فبايعا عليا عليه السلام طائعين غير مكرهين ، ثم نكثا وغدرا ، ثم ذهبا بعائشة معهما إلى البصرة مطالبة بدم عثمان، ثم دعا معاوية طغاة أهل الشام إلى الطلب بدم عثمان ونصب لنا الحرب، ثم خالفه أهل حروراء على أن يحكم بكتاب الله وسنة نبيه ،
---------------------------
(1) روى العلامة الأميني في الغدير: ج 9 ص 86: أنه لما أحدث عثمان ما أحدث، قيل لعبد الرحمن بن عوف: هذا كله فعلك. فقال: ما كنت أظن هذا به، لكن لله علي أن لا أكلمه أبدا ، ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان، ودخل عليه عثمان عائدا في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه. مات عبد الرحمن سنة 32 ، وروى العلامة المجلسي في البحار: ج 8 طبع قديم ص 319 عن الثقفي في تاريخه قال : كثر الكلام بين عبد الرحمن وبين عثمان حتى قال عبد الرحمن: أما والله لئن بقيت لك لأخرجنك من هذا الأمر كما أدخلتك فيه ، وما غررتني إلا بالله .
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 188 _
فلو كانا حكما بما اشترط عليهما لحكما أن عليا عليه السلام (1) أمير المؤمنين في كتاب الله وعلى لسان نبيه وفي سنته ، فخالفه أهل النهروان وقاتلوه . (2)
ثم بايعوا الحسن بن علي عليه السلام بعد أبيه وعاهدوه ، ثم غدروا به وأسلموه ووثبوا عليه حتى طعنوه بخنجر في فخذه وانتهبوا عسكره وعالجوا خلاخيل أمهات أولاده.
فصالح معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وشيعته، وهم قليل حق قليل ، حين لا يجد أعوانا.
ثم بايع الحسين عليه السلام من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، ثم غدروا به ، ثم خرجوا إليه فقاتلوه حتى قتل .
ثم لم نزل أهل البيت ـ منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ نذل ونقصي ونحرم ونقتل ونطرد ونخاف على دمائنا وكل من يحبنا ، ووجد الكاذبون لكذبهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاتهم وعمالهم في كل بلدة ، يحدثون عدونا عن ولاتهم الماضين بالأحاديث الكاذبة الباطلة، ويروون عنا ما لم نقل تهجينا منهم لنا وكذبا منهم علينا وتقربا إلى ولاتهم وقضاتهم بالزور والكذب.
وكان عظم ذلك وكثرته في زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقتلت الشيعة في كل بلدة قطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا على التهمة والظنة من ذكر حبنا والانقطاع إلينا (3).
---------------------------
(1) الضمير في (كانا حكما) راجع إلى (الحكمين).
(2) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد هيهنا زيادة هكذا : ثم تداولتها قريش واحدا بعد واحد حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتنا ونصب الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود.
(3) في شرح نهج البلاغة هكذا : وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره .
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 189 _
ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان ابن زياد بعد قتل الحسين عليه السلام، ثم جاء الحجاج فقتلهم بكل قتلة وبكل ظنة وبكل تهمة ، حتى أن الرجل ليقال له (زنديق) أو (مجوسي) كان ذلك أحب إليه من أن يشار إليه أنه من (شيعة الحسين صلوات الله عليه) !!
وربما رأيت الرجل الذي يذكر بالخير ـ ولعله يكون ورعا صدوقا ـ يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد مضى من الولاة ، لم يخلق الله منها شيئا قط ، وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد سمعها منه ممن لا يعرف بكذب ولا بقلة ورع ، ويروون عن علي عليه السلام أشياء قبيحة ، وعن الحسن والحسين عليهما السلام ما يعلم الله أنهم قد رووا في ذلك الباطل والكذب والزور.
قال : قلت له : أصلحك الله، سم لي من ذلك شيئا،(1) قال : رووا (أن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر) ، و (أن عمر محدث) ، و (أن الملك يلقنه) ، و (أن السكينة تنطق على لسانه) ، و (أن عثمان ، الملائكة تستحي منه) ، و (أن لي وزيرا من أهل السماء
---------------------------
(1) لقد قام العلامة الأميني في موسوعته (الغدير) بإيراد سلسلة من الموضوعات بشأن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية مشفوعا بذكر المصادر الناقلة لها من كتب القوم، وأثبت بالأدلة القاطعة أنها مما وضعته أيدي الكذابين الوضاعين، وذلك في ج 5 ص 378 ـ 297، ج 6 ص 96 ـ 87، ج 8 ص 96 ـ 33 ، ج 9 ص 396 ـ 273، ج 10 ص 138 ـ 70 ، ج 11 ص 101 ـ 75، هذا وقد أورد في البحار: ج 49 ص 208 ـ 189 احتجاج الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام مع العلماء بحضور المأمون في نفس الموضوع.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 190 _
ووزيرا من أهل الأرض ) (1)، و ( أن اقتدروا بالذين من بعدي )، و ( أثبت حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد) (2) ـ حتى عدد أبو جعفر عليه السلام أكثر من مائة رواية يحسبون أنها حق ـ فقال عليه السلام : هي والله كلها كذب وزور.
قلت : أصلحك الله لم يكن منها شئ ؟ قال عليه السلام: منها موضوع ومنها محرف ، فأما المحرف فإنما عنى (إن عليك نبي الله وصديقا وشهيدا) يعني عليا عليه السلام، فقبلها . (3)
ومثله (4) (كيف لا يبارك لك وقد علاك نبي وصديق وشهيد) يعني عليا عليه السلام، وعامها كذب وزور وباطل.
اللهم اجعل قولي قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقول علي عليه السلام ما اختلف فيه أمة محمد من بعده إلى أن يبعث الله المهدي عليه السلام.
---------------------------
(1) أورده في الغدير: ج 5 ص 318 هكذا: (إن الله أيدني بأربعة وزراء ، قلنا : من هؤلاء الوزراء يا رسول الله ؟
قال : اثنين من أهل السماء واثنين من أهل الأرض، قلنا : من هؤلاء الاثنين من أهل السماء ؟ قال : جبرئيل وميكائيل ، قلنا : من هؤلاء الاثنين من أهل الأرض ـ أو من أهل الدنيا ـ ؟ قال : أبو بكر وعمر!!
(2) روي في البحار : ج 17 ص 288 عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جبل حراء ، إذ تحرك الجبل، فقال له : (قر ، فليس عليك إلا نبي وصديق شهيد)، فقر الجبل مجيبا لأمره ومنتهيا إلى طاعته ، وأورده في الغدير: ج 9 ص 332 هكذا: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان بحراء ، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته إلى الحضيض، فركضه برجله فقال : اسكن، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد) ، وفسرت العامة (الشهيد) بعثمان ، وفي بعض رواياتهم بأبي بكر وعمر كما في الغدير: ج 10 ص 73.
(3) معناه على الظاهر : فقبل حراء كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسكن.
(4) لعل المعنى: ومثله في التحريف تحريفهم لمعنى الحديث.
أبان عن سليم قال : رأيت عليا عليه السلام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون الفقه والعلم.
فذكروا قريشا وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم من الفضل، مثل قوله : (الأئمة من قريش)، وقوله : (الناس تبع لقريش) و (قريش أئمة العرب) ، وقوله : (لا تسبوا قريشا)، وقوله : (إن للقرشي قوة رجلين من غيرهم)، وقوله :
(أبغض الله من أبغض قريشا)، وقوله : (من أراد هوان قريش أهانه الله).
وذكروا الأنصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثنى الله عليهم في كتابه وما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم من الفضل ، وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته (1) وحنظلة بن الراهب غسيل الملائكة (2) والذي حمته الدبر (3)، حتى لم يدعوا شيئا من فضلهم ، فقال
---------------------------
(1) في الإحتجاج زيادة هكذا : وذكروا ما قال في سعد بن معاذ في جنازته ، و (إن العرش اهتز لموته)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ـ لما جيئ إليه بمناديل من اليمن فأعجب الناس ـ فقال : (لمناديل سعد في الجنة أحسن منها) ، ومن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة سعد : إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء ، فتأسيت بها وكانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث ما أخذ من سريره ، راجع البحار : ج 10 ص 43 و ج 20 ص 236.
(2) هو الذي استشهد يوم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : رأيت الملائكة يغسلون ابن أبي عامر ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة سأل زوجته عن حاله ، قالت : لما كان حنظلة راغبا في الجهاد توجه إلى الحرب بدون أن يغتسل للجنابة فلذا يقال له : (غسيل الملائكة)، راجع البحار : ج 20 ص 47 و 58.
(3) الدبر بالفتح جماعة النحل والزنابير ، فسر أهل الغريب بهما في قصة عاصم بن ثابت الأنصاري المعروف بحمى الدبر، أصيب يوم أحد فمنعت النحل الكفار منه ، روي في البحار: ج 20 ص 152 : أن المشركين أحاطوا بعاصم بن ثابت فقتلوه ، وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد ، وكانت نذرت أن تشرب في قحفه الخمر لأنه قتل ابنيها يوم أحد، فحمته الدبر، فقالوا : امهلوه حتى يمسي فتذهب عنه،فبعث الله الوادي (أي السيل) فاحتمله، فسمي (حمى الدبر).
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 192 _
كل حي : (منا فلان وفلان).
وقالت قريش : (منا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنا حمزة بن عبد المطلب ومنا جعفر ومنا عبيدة بن الحارث وزيد بن حارثة(1) وأبو بكر وعمر وعثمان وسعد وأبو عبيدة وسالم وابن عوف) ، فلم يدعوا أحدا من الحيين من أهل السابقة إلا سموه.
وفي الحلقة أكثر من مأتي رجل، منهم مسانيد إلى القبلة ومنهم في الحلقة، فكان ممن حفظت من قريش : علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وعمار والمقداد وأبو ذر وهاشم بن عتبة (2) وعبد الله بن عمر والحسن والحسين عليهما السلام وابن عباس ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر وعبيد الله بن العباس، ومن الأنصار (3) : أبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو أيوب
---------------------------
(1) أبو الحارث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، صحابي كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعشر سنين. شهد بدرا وتوفي عائدا منها عن 63 سنة ، وزيد بن حارثة هو الذي تبناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعله أميرا على سرية مؤتة من أرض الشام فقتل هناك في سنة ثمان من الهجرة.
(2) هاشم بن عتبة المرقال الزهري كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان من الفضلاء الأخيار ، كان من الأبطال، فقعت عينه يوم اليرموك، شهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين وأبلى بلاء حسنا وقتل في صفين.
(3) زيد بن ثابت بن ضحاك الأشعري الخزرجي الأنصاري صحابي مات سنة 51، كان عثمانيا ولم يشهد مع علي عليه السلام شيئا من حروبه ، وأبو أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام ، شهد بدرا واحدا والعقبة وسائر المشاهد وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وكان ممن أنكر على أبي بكر وشهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها وكان على مقدمته يوم النهروان، وأبو الهيثم مالك بن تيهان الأوسي الأنصاري، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو من الاثني عشر الذين أنكروا على أبي بكر غصب الخلافة ولزم أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن استشهد بين يديه بصفين ، ومحمد بن مسلمة هو الذي اعتزل عن القتال مع أمير المؤمنين عليه السلام ولم يشهد شيئا من حروبه ومات بالمدينة سنة 46، وأبو مريم الأنصاري من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، وأبو معاوية عبد الله بن أبي أوفى صحابي شهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان وشهد خيبر وما بعدها من المشاهد، وتحول إلى الكوفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتوفي سنة 86 ، أبو ليلى والد عبد الرحمن، يقال إنه استشهد بصفين ، وقد مر ترجمة عبد الرحمن في مفتتح الكتاب.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 193 _
الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان ومحمد بن مسلمة وقيس بن سعد بن عبادة وجابر بن عبد الله وأبو مريم وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وعبد الله بن أبي أوفى وأبو ليلى ومعه ابنه عبد الرحمن قاعد بجنبه ، غلام أمرد صبيح الوجه.
وجاء أبو الحسن البصري ومعه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة.
قال: فجعلت أنظر إليه وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فلا أدري أيهما أجمل، غير أن الحسن أعظمهما وأطولهما.
فأكثر القوم، وذلك من بكرة إلى حين الزوال ـ وعثمان في داره لا يعلم بشئ مما هم فيه ـ وعلي بن أبي طالب عليه السلام ساكت لا ينطق هو ولا أحد من أهل بيته.
فأقبل القوم عليه فقالوا : يا أبا الحسن، ما يمنعك أن تتكلم ؟ قال عليه السلام: ما من الحيين أحد إلا وقد ذكر فضلا وقال حقا ، ثم قال : يا معاشر قريش ، يا معاشر الأنصار، بمن أعطاكم الله هذا الفضل ؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم ، أم بغيركم ؟ قالوا : بل أعطانا الله ومن علينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 194 _
وبه أدركنا ذلك كله ونلناه، فكل فضل أدركناه في دين أو دنيا فبرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بأنفسنا ولا بعشائرنا ولا بأهل بيوتاتنا.
قال : صدقتم ، يا معاشر قريش والأنصار، أتقرون أن الذي نلتم به خير الدنيا والآخرة منا خاصة ـ أهل البيت ـ دونكم جميعا ، وأنكم سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
(إني وأخي علي بن أبي طالب بطينة واحدة إلى آدم )؟ (1) قال أهل بدر وأهل أحد وأهل السابقة والقدمة : نعم ، سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال : أتقرون أن ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (إني وأهل بيتي كنا نورا يسعى بين يدي الله، قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح ، ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم، ثم لم يزل الله ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة بين الآباء والأمهات لم يلتق واحد منهم على سفاح قط) ؟ فقال أهل السابقة والقدمة وأهل بدر وأهل أحد: نعم ، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: فأنشدكم الله، أتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين كل رجلين من أصحابه وآخى بيني وبين نفسه وقال: (أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة) ؟ فقالوا : اللهم نعم.
قال: أتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشترى موضع مسجده فابتناه ثم بنى عشرة منازل ، تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها وسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابي .
فتكلم في ذلك من تكلم ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه ، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه)، ولقد نهى الناس جميعا أن يناموا في المسجد غيري، وكنت أجنب في المسجد، ومنزلي ومنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحد في المسجد، يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
---------------------------
(1) راجع عن بدء خلق أهل البيت عليهم السلام: البحار: ج 25.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 195 _
ولي فيه أولاد ؟ قالوا : اللهم نعم.
قال : أفتقرون أن عمر حرص على كوة قدر عينه يدعها من منزله إلى المسجد فأبى عليه (1)، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : (إن الله أمر موسى أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيره وغير هارون وابنيه، وإن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه غيري وأخي وابنيه ) ؟ قالوا : اللهم نعم.
قال : أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاني يوم غدير خم فنادى لي بالولاية ، ثم قال : ليبلغ الشاهد منكم الغائب، قالوا : اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وأنت ولي كل مؤمن بعدي )؟ قالوا: اللهم نعم.
قال : أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ حين دعا أهل نجران إلى المباهلة ـ إنه لم يأت إلا بي و بصاحبتي وابني ؟ قالوا : اللهم نعم.
قال: أتعلمون أنه دفع إلي لواء خيبر ثم قال : ( لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار يفتحها الله على يديه ) ؟ قالوا : اللهم نعم .
---------------------------
(1) روي في البحار: ج 39 ص 23: أنه لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسد الأبواب جاء عمر بن الخطاب فقال : إني أحب النظر إليك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا مررت إلى مصلاك ، فائذن لي في خوخة أنظر إليك منها ، فقال :قد أبى الله ذلك ، فقال : فمقدار ما أضع عليه وجهي ، قال : قد أبى الله ذلك، قال : فمقدار ما أضع عليه عيني، فقال : قد أبى الله ذلك ، ولو قلت (قدر طرف إبرة) لم آذن لك ، والذي نفسي بيده ما أنا أخرجتكم ولا أدخلتهم ولكن الله أدخلهم وأخرجكم ...
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 196 _
قال : أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثني بسورة براءة ورد غيري ـ بعد أن كان بعثه ـ بوحي من الله وقال : (إن العلي الأعلى يقول : إنه لا يبلغ عنك إلا رجل منك ) ؟ قالوا :
اللهم بلى (1).
قال : أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تنزل به شديدة قط إلا قدمني لها ثقة بي ، وأنه لم يدعني باسمي قط إلا أن يقول : (يا أخي) و (ادعوا لي أخي ) ؟ قالوا : اللهم نعم.
قال: أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بيني وبين جعفر وزيد في ابنة حمزة فقال:
(يا علي ، أما أنت مني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن بعدي ) ؟ قالوا : اللهم نعم . (2)
قال : أفتقرون أنه كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل يوم وليلة دخلة وخلوة، إذا
---------------------------
(1) روي في البحار: ج 35 ص 295 عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس، فنزل جبرئيل فقال : (لا يبلغ عنك إلا علي)، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام فأمره أن يركب ناقته العضباء وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على الناس بمكة ، فقال أبو بكر : أسخطة ؟ فقال : لا ، إلا أنه أنزل عليه أنه لا يبلغ إلا رجل منك ، فلما قدم علي عليه السلام مكة ـ وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر ـ قام ثم قال : إني رسول رسول الله إليكم، فقرأها عليهم: (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ )، عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر، وقال: (لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك ، ألا من كان له عهد عند رسول الله فمدته إلى هذه الأربعة أشهر)، راجع البحار: ج 35 ص 284 ب 9، والغدير : ج 6 ص 341 .
(2) في البحار: ج 20 ص 372 وصحيح البخاري: ج 3 ص 168: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج من مكة بعد عمرة القضاء تبعته ابنة حمزة تنادي : يا عم، يا عم ، فتناولها علي وقال لفاطمة عليها السلام: دونك بنت عمك، فحملتها ، فاختصم فيها علي وزيد بن حارثة وجعفر، قال علي عليه السلام: أنا أحق بها وهي بنت عمي، وقال جعفر : بنت عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد: بنت أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخالتها وقال: (الخالة بمنزلة الأم)، وقال لعلي عليه السلام: (أنت مني وأنا منك)، وقال لجعفر : (أشبهت خلقي وخلقي) وقال لزيد : (أنت أخونا ومولانا) .
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 197 _
سألته أعطاني وإذا سكت ابتدأني ؟ قالوا : اللهم نعم.
قال : أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضلني على جعفر وحمزة ، فقال لفاطمة عليها السلام: (إني زوجتك خير أهلي وخير أمتي وأقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما) ؟ قالوا : اللهم نعم.
قال : أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (أنا سيد ولد آدم وأخي علي سيد العرب وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة وابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ؟ قالوا : اللهم نعم.
قال : أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني أن أغسله، وأخبرني أن جبرئيل يعينني على غسله ؟ قالوا : اللهم نعم.
قال : أنشدكم بالله ، أفتقرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في آخر خطبة خطبكم : (أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وأهل بيتي) ؟ قالوا : اللهم نعم.
ثم قال (1) علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية، وإني لم يسبقني إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أحد من هذه الأمة ؟ قالوا : اللهم نعم.
قال: فأنشدكم الله، أتعلمون حيث نزلت (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
---------------------------
(1) زاد في (الإحتجاج) هنا هذه الفقرة: ثم قال : أنشدكم بالله ، أتعلمون أني أول الأمة إيمانا بالله وبرسوله ؟
قالوا : اللهم نعم .
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 198 _
وَالأَنصَارِ)(1)، (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (2)، سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: أنزلها الله تعالى ذكره في الأنبياء وأوصيائهم، فأنا أفضل أنبياء الله ورسله وعلي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء ؟ قالوا : اللهم نعم.
قال: فأنشدكم ، أتعلمون حيث نزلت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(3)، وحيث نزلت (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (4)، وحيث نزلت (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (5)، قال الناس: يا رسول الله، خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم ؟
فأمر الله عز وجل أن يعلمهم ولاة أمرهم وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم ، فنصبني للناس بغدير خم ، ثم خطب وقال:
(أيها الناس، إن الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس تكذبني فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني).
ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال : (أيها الناس، أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ) ؟ قالوا : بلى ، يا رسول الله، قال : (قم ، يا علي)، فقمت ، فقال : (من كنت مولاه فعلي هذا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
---------------------------
(1) سورة التوبة: الآية 100، وتمام الآية هكذا: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ).
(2) سورة الواقعة: الآية 10.
(3) سورة النساء: الآية 59.
(4) سورة المائدة: الآية 55.
(5) سورة التوبة: الآية 16.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 199 _
فقام سلمان فقال : يا رسول الله، ولاء كما ذا ؟ فقال : (ولاء كولايتي ، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه)، فأنزل الله تعالى ذكره : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)(1)، فكبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : (الله أكبر، تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي).
فقام أبو بكر وعمر فقالا : يا رسول الله، هذه الآيات خاصة في علي ؟ قال : بلى ، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة، قالا : يا رسول الله، بينهم لنا ، قال : علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي ، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد ، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي حوضي.
فقالوا كلهم : اللهم نعم ، قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء ، وقال بعضهم : قد حفظنا جل ما قلت ولم نحفظه كله ، وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا.
فقال علي عليه السلام: صدقتم ، ليس كل الناس يستوون في الحفظ، أنشد الله من حفظ ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قام فأخبر به.
فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وأبو ذر والمقداد وعمار فقالوا : نشهد لقد حفظنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه ـ وهو يقول : (يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي والذي فرض الله على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي ، وأمركم فيه بولايته ، وإني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم ، فأوعدني لتبلغنها أو ليعذبني.
أيها الناس، إن الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بينتها لكم، وبالزكاة والصوم والحج
---------------------------
(1) سورة المائدة: الآية 3.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 200 _
فبينتها لكم وفسرتها ، وأمركم بالولاية وإني أشهدكم أنها لهذا خاصة ـ ووضع يده على علي بن أبي طالب عليه السلام ـ ثم لابنيه بعده ثم للأوصياء من بعدهم من ولدهم ، لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا علي حوضي.
أيها الناس ، قد بينت لكم مفزعكم بعدي وإمامكم بعدي ووليكم وهاديكم، وهو أخي علي بن أبي طالب وهو فيكم بمنزلتي فيكم ، فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله من علمه وحكمته فسلوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم لا يزايلونه ولا يزايلهم)، ثم جلسوا . (1)
قال سليم: ثم قال علي عليه السلام: أيها الناس، أتعلمون أن الله أنزل في كتابه: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(2) ، فجمعني وفاطمة وابني حسنا وحسينا، ثم ألقى علينا كساء وقال: (هؤلاء أهل بيتي ولحمتي، يؤلمهم ما يؤلمني ويؤذيني ما يؤذيهم ويحرجني ما يحرجهم (3)، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) ، فقالت أم سلمة : وأنا يا رسول الله ؟ فقال : (أنت إلى خير ، إنما نزلت في وفي أخي وفي ابنتي فاطمة وفي ابني وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصة ليس معنا فيها أحد غيرهم) ؟
فقالوا كلهم : نشهد أن أم سلمة حدثتنا بذلك ، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدثنا كما حدثتنا به أم سلمة.
ثم قال علي عليه السلام: أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ
---------------------------
(1) أي ثم جلس زيد بن أرقم والبراء وأبو ذر والمقداد وعمار بعد شهادتهم.
(2) سورة الأحزاب: الآية 33.
(3) سورة الأحزاب: الآية 33.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 201 _
وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) ،(1) فقال سلمان: يا رسول الله، عامة هذا أم خاصة ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك ، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة )؟ قالوا : اللهم نعم.
قال : أنشدكم الله، أتعلمون أني قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك : لم خلفتني ؟ قال: (إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )؟ قالوا : اللهم نعم.
قال : أنشدكم الله، أتعلمون أن الله أنزل في سورة الحج: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير)، (2) فقام سلمان فقال : يا رسول الله، من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد وهم شهداء على الناس، الذين اجتباهم الله ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ، ملة أبيهم إبراهيم ؟ قال: عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمة ، قال سلمان : بينهم لنا يا رسول الله ؟ فقال : (أنا وأخي وأحد عشر من ولدي)، قالوا : اللهم نعم.
فقال : أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام خطيبا ثم لم يخطب بعد ذلك فقال : (يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فتمسكوا بهما لن تضلوا ، فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، فقام عمر بن الخطاب ـ وهو شبه المغضب ـ فقال : يا رسول الله، أكل أهل
---------------------------
(1) سورة التوبة: الآية 119.
(2) سورة الحج: الآية: 78.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 202 _
أهل بيتك ؟ قال : (لا ، ولكن أوصيائي منهم ، أولهم أخي علي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي، هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض، شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصى الله) ؟
فقالوا كلهم : نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك.
ثم تمادى بعلي عليه السلام السؤال ، فما ترك شيئا إلا ناشدهم الله فيه وسألهم عنه حتى أتى على آخر مناقبه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا ، كل ذلك يصدقونه ويشهدون أنه حق.
قال : فلم يدع شيئا مما أنزل الله فيه خاصة أو فيه وفي أهل بيته في القرآن ولا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ناشدهم الله فيه ، فمنه ما يقولون جميعا : (نعم) ومنه ما يسكت بعضهم ويقول بعضهم : (اللهم نعم) ويقول الذين سكتوا للذين أقروا : أنتم عندنا ثقات ، وقد حدثنا غيركم ممن نثق به أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم قال حين فرغ : اللهم اشهد عليهم ، قالوا : اللهم اشهد أنا لم نقل إلا حقا وما قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد حدثنا من نثق به أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال : أتقرون بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : (من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب وليس يحبني) ـ ووضع يده على رأسي ـ فقال له قائل: وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال:
(لأنه مني وأنا منه ، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله) ؟ فقال نحو من عشرين رجلا من أفاضل الحيين: (اللهم نعم)، وسكت بقيتهم.
فقال علي عليه السلام للسكوت : ما لكم سكوت ؟ فقالوا : هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقات
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 203 _
في صدقهم وفضلهم وسابقتهم ، فقال علي عليه السلام: اللهم اشهد عليهم.
فقالوا : اللهم إنا لم نشهد ولم نقل إلا ما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما حدثنا به من نثق به من هؤلاء وغيرهم أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
سبعة أجوبة عن حديث أبي بكر المختلق في الخلافة إياه
فقال طلحة بن عبيد الله ـ وكان يقال له (داهية قريش) ـ : فكيف نصنع بما ادعى أبو بكر وعمر وأصحابه الذين صدقوه وشهدوا على مقالته يوم أتوا بك تعتل وفي عنقك حبل ، فقالوا لك : (بايع) ، فاحتججت بما احتججت به من الفضل والسابقة ، فصدقوك جميعا ، ثم ادعى أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إن الله أبى أن يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة)، فصدقه عمر وأبو عبيدة بن الجراح وسالم ومعاذ بن جبل ؟
ثم أقبل طلحة فقال : كل الذي ذكرت وادعيت حق وما احتججت به من السابقة والفضل نحن نقر به ونعرفه، وأما الخلافة فقد شهد أولئك الخمسة بما سمعت !
الجواب الأول: فضح تعاهدهم على الصحيفة الملعونة
فقام عند ذلك علي عليه السلام ـ وغضب من مقالة طلحة ـ فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 204 _
شيئا قد كان قاله يوم مات عمر لم يدروا ما عنى به (1)، وأقبل على طلحة ـ والناس يسمعون ـ فقال : يا طلحة ، أما والله ما من صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع: (إن قتل الله محمدا أو مات أن يتوازروا ويتظاهروا علي فلا أصل إلى الخلافة)!
الجواب الثاني: حديث الغدير
وقال عليه السلام: والدليل ـ يا طلحة ـ على باطل ما شهدوا عليه قول نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم : (من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه) ، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم أمراء علي وحكام ؟
الجواب الثالث: حديث المنزلة
وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة)، أفلستم تعلمون أن الخلافة غير النبوة ؟ ولو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الجواب الرابع: حديث الثقلين
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي لا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)، فينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وقد قال الله: (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )(2)، وقال: (وَزَادَهُ بَسْطَةً
---------------------------
(1) عن المفضل بن عمر قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام لما نظر إلى الثاني وهو مسجى بثوبه : (ما من أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى)، فقال عليه السلام: عنى بها صحيفته التي في الكعبة، راجع البحار: ج 8 طبع قديم ص 27، وروي في ص 22 عن حذيفة بن اليمان أنه قال :
وهي الصحيفة التي تمنى أمير المؤمنين عليه السلام لما توفي عمر فوقف به وهو مسجى بثوبه قال : (ما أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى)!
(2) سورة يونس : الآية 35.
كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 205 _
فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)(1)، وقال: ( أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )(2) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما ولت أمة قط أمرها رجلا وفيهم أعلم إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا ) ، فما الولاية غير الإمارة على الأمة ؟
الجواب الخامس: حديث التسليم عن علي عليه السلام بإمرة المؤمنين
والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم أنهم سلموا علي بإمرة المؤمنين بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي الحجة عليهم وعليك خاصة وعلى هذا الذي معك ـ يعني الزبير ـ وعلى الأمة رأسا وعلى هذين ـ وأشار إلى سعد وابن عوف ـ وعلى خليفتكم هذا الظالم ـ يعني عثمان ـ.
الجواب السادس: الشورى التي أمر بها عمر
وإنا معشر الشورى الستة أحياء كلنا ، فلم جعلني عمر في الشورى إن كان قد صدق هو وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها ؟ فإن زعمتم أنه جعلها شورى في غير الإمارة فليس لعثمان إمارة علينا ولا بد من أن نتشاور في غيرها لأنه أمرنا أن نتشاور في غيرها ؟ وإن كانت الشورى فيها فلم أدخلني فيكم ؟
فهلا أخرجني وقد قال : (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرج أهل بيته من الخلافة فأخبر أنه ليس لهم فيها نصيب )؟
الجواب السابع: ما قال عمر عند موته
ولم قال عمر ـ حين دعانا رجلا رجلا ـ لابنه عبد الله ـ وها هو ذا (3) ـ أنشدك بالله ، ما قال لك حين خرجنا ؟ فقال عبد الله: أما إذ ناشدتني فإنه قال : (إن بايعوا أصلع
---------------------------
(1) سورة البقرة: الآية 247.
(2) سورة الأحقاف: الآية 4.
(3) كان عبد الله بن عمر حاضر المجلس كما مر في صدر الحديث فأشار عليه السلام إليه وصير الخطاب إليه.