الفهرس العام

قراءة أبان كتاب سليم على ابن أذينة وتسليمه إياه


قراءة أبان كتاب سليم على ابن أذينة وتسليمه إياه
1 ـ كلام النبي صلى الله عليه وآله في اللحظة الأخيرة من عمره المبارك
آل محمد عليهم السلام خيرة الله في أرضه
بشارة النبي بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام
إكرام الله لفاطمة عليها السلام
ميزات أمير المؤمنين عليه السلام
ميزات أهل البيت عليهم السلام الخاصة
إخبار النبي صلى الله عليه وآله بتظاهر الأمة على علي عليه السلام من بعده
2 ـ تظاهر الأمة على علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
علي عليه السلام الشهيد الوحيد الفريد
برنامج النبي عليه السلام لعلي صلى الله عليه وآله
اختلاف الأمة امتحان إلهي
3 ـ قضايا السقيفة على لسان البراء بن عازب
كيفية تغسيل رسول الله صلى الله عليه وآله
مفاجأة أهل البيت عليهم السلام بعمل أصحاب السقيفة
ما جرى بين صالحي الصحابة ليلة السقيفة
محاولة أصحاب السقيفة تطميع العباس في الخلافة
مواجهة العباس لمؤامرة أصحاب السقيفة
4 ـ قضايا السقيفة على لسان سلمان الفارسي
1 ـ احتجاج الأنصار على أهل السقيفة
كيفية تغسيل النبي صلى الله عليه وآله والصلاة عليه
أفراد قلائل بايعوا أبا بكر
2 ـ أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على الأجيال
علي عليه السلام يجمع القرآن ويعرضه على الناس
إقامة الحجة على أبي بكر في ما ادعاه من ألقاب
إتمام الحجة على الأنصار ومطالبتهم بالوفاء ببيعتهم
3 ـ شهادة فاطمة الزهراء عليها السلام
دفاع علي عليه السلام عن سليلة النبوة
أبو بكر يصدر أمره بإحراق البيت مرة أخرى
4 ـ بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بالجبر والإكراه
الدخول إلى بيت فاطمة عليها السلام بغير إذن
أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على قريش
أبو بكر يختلق حديثا لغصب الخلافة
أمير المؤمنين عليه السلام يفضح الصحيفة الملعونة
الرد على الحديث المختلق بكتاب الله تعالى

  يا أبا الطفيل، والله لو دخلت على عامة شيعتي الذين بهم أقاتل، الذين أقروا بطاعتي وسموني (أمير المؤمنين) واستحلوا جهاد من خالفني ، فحدثتهم شهرا ببعض ما أعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وببعض ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرقوا عني حتى أبقى في عصابة حق قليلة ، أنت وأشباهك من شيعتي.
  ففزعت وقلت : يا أمير المؤمنين، أنا وأشباهي نتفرق عنك أو نثبت معك ؟ قال : لا ، بل تثبتون.
  ثم أقبل علي فقال : إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقر به إلا ثلاثة : ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للإيمان يا أبا الطفيل، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قبض فارتد الناس ضلالا وجهالا (1)، إلا من عصمه الله بنا أهل البيت.

قراءة أبان كتاب سليم على ابن أذينة وتسليمه إياه

  قال عمر بن أذينة: ثم دفع إلي أبان (كتاب سليم بن قيس الهلالي العامري)، ولم يلبث أبان بعد ذلك إلا شهرا (2) حتى مات ، فهذه نسخة كتاب سليم بن قيس العامري الهلالي، دفعه إلي أبان بن أبي عياش وقرأه علي ، وذكر أبان أنه قرأه على علي بن الحسين عليه السلام فقال : (صدق سليم ، هذا حديثنا نعرفه) . (3)

---------------------------
(1) في (د): فارتد الناس بعده كفارا.
(2) (ب) : شهرين.
(3) في مختصر البصائر : (هذه أحاديثنا صحيحة)، والظاهر أنه نقل بالمعنى .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 132 _

1 ـ كلام النبي صلى الله عليه وآله في اللحظة الأخيرة من عمره المبارك

  قال سليم : سمعت سلمان الفارسي يقول : كنت جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي قبض فيه ، فدخلت فاطمة عليها السلام، فلما رأت ما برسول الله صلى الله عليه وآله من الضعف خنقتها العبرة حتى جرت دموعها على خديها.
  فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا بنية ، ما يبكيك ؟ قالت : يا رسول الله، أخشى على نفسي وولدي الضيعة من بعدك.

آل محمد عليهم السلام خيرة الله في أرضه

  فقال رسول الله صلى الله عليه وآله - واغرورقت عيناه بالدموع ـ : يا فاطمة ، أوما علمت إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه حتم الفناء على جميع خلقه وإن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبيا ، ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار بعلك وأمرني أن أزوجك إياه، وأن أتخذه أخا ووزيرا ووصيا وأن أجعله خليفتي في أمتي.
  فأبوك خير أنبياء الله ورسله ، وبعلك خير الأوصياء والوزراء ، وأنت أول من يلحقني من أهلي ، ثم اطلع إلى الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وأحد عشر رجلا من ولدك وولد أخي بعلك منك.

بشارة النبي بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام

  فأنت سيدة نساء أهل الجنة وابناك الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأنا

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 133 _

  وأخي والأحد عشر إماما أوصيائي إلى يوم القيامة، كلهم هادون مهديون.
  أول الأوصياء بعد أخي، الحسن ثم الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين في منزل واحد في الجنة، وليس منزل أقرب إلى الله من منزلي ثم منزل إبراهيم وآل إبراهيم.

إكرام الله لفاطمة عليها السلام

  أما تعلمين ـ يا بنية ـ أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي وخير أهل بيتي ، أقدمهم سلما وأعظمهم حلما وأكثرهم علما وأكرمهم نفسا وأصدقهم لسانا وأشجعهم قلبا وأجودهم كفا وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهادا، فاستبشرت فاطمة عليها السلام بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وفرحت.

ميزات أمير المؤمنين عليه السلام

  ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله:
  إن لعلي بن أبي طالب ثمانية أضراس ثواقب نوافذ ، ومناقب ليست لأحد من الناس:
  إيمانه بالله وبرسوله قبل كل أحد ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي ، وعلمه بكتاب الله وسنتي وليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي غير بعلك ، لأن الله علمني علما لا يعلمه غيري وغيره ، ولم يعلم ملائكته ورسله وإنما علمه إياي وأمرني الله أن أعلمه عليا ففعلت ذلك ، فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وفقهي كله غيره.
  وإنك ـ يا بنية ـ زوجته ، وإن ابنيه سبطاي الحسن والحسين وهما سبطا أمتي، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، وإن الله جل ثناؤه علمه الحكمة وفصل الخطاب.

ميزات أهل البيت عليهم السلام الخاصة

  يا بنية ، إنا أهل بيت أعطانا الله سبع خصال لم يعطها أحدا من الأولين ولا أحدا من الآخرين غيرنا : أنا سيد الأنبياء والمرسلين وخيرهم ، ووصيي خير الوصيين، ووزيري بعدي خير الوزراء ، وشهيدنا خير الشهداء أعني حمزة عمي.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 134 _

  قالت : يا رسول الله، سيد الشهداء الذين قتلوا معك ؟ قال : لا ، بل سيد الشهداء من الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء.(1)
  وجعفر بن أبي طالب ذو الهجرتين وذو الجناحين المضرجين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، (2) وابناك الحسن والحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة ، ومنا ـ والذي نفسي بيده ـ مهدي هذه الأمة الذي يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
  قالت فاطمة عليها السلام: يا رسول الله، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أخي علي أفضل أمتي ، وحمزة وجعفر هذان أفضل أمتي بعد علي وبعدك وبعد ابني وسبطي الحسن والحسين وبعد الأوصياء من ولد ابني هذا ـ وأشار رسول الله صلى الله عليه وآله بيده إلى الحسين عليه السلام ـ منهم المهدي ، والذي قبله أفضل منه ، الأول خير من الآخر لأنه إمامه والآخر وصي الأول، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا.

إخبار النبي صلى الله عليه وآله بتظاهر الأمة على علي عليه السلام من بعده

  ثم نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فاطمة وإلى بعلها وإلى ابنيها فقال : يا سلمان ، أشهد الله أني حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم ، أما إنهم معي في الجنة.
  ثم أقبل النبي صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام فقال : يا علي، إنك ستلقي بعدي من قريش شدة ، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك ، فإن لم تجد أعوانا فاصبر وكف يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة،

---------------------------
(1) (ب): ما خلا النبيين والوصيين ، وبيان ذلك أن الأنبياء والأوصياء لا يقاسوا بغيرهم وخاصة المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم وقد تواترت الروايات بأن أبا عبد الله الحسين بن علي عليه السلام هو سيد الشهداء من الأولين والآخرين.
(2) ذكر حمزة وجعفر قبل أصحاب الكساء إنما هو للتقدم الزماني أو أن الكلام في بيان خير الشهداء كما ترى بيانه بعد ذلك بأسطر.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 135 _

  فإنك مني بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة ، إنه قال لأخيه موسى (1):
  (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).

---------------------------
(1) سورة الأعراف: الآية 150، وتمام الآية هكذا: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 136 _

2 ـ تظاهر الأمة على علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله

  قال سليم : وحدثني علي بن أبي طالب عليه السلام قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض طرق المدينة، فأتينا على حديقة فقلت : يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة قال : ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها.
  ثم أتينا على حديقة أخرى، فقلت : يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة قال :
  ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها ، حتى أتينا على سبع حدائق ، أقول: يا رسول الله، ما أحسنها ويقول : لك في الجنة أحسن منها.

علي عليه السلام الشهيد الوحيد الفريد

  فلما خلا له الطريق اعتنقني، ثم أجهش باكيا فقال: بأبي الوحيد الشهيد فقلت :
  يا رسول الله، ما يبكيك ؟ فقال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي ، أحقاد بدر وترات أحد.
  قلت : في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك.
برنامج النبي عليه السلام لعلي صلى الله عليه وآله


  فأبشر يا علي، فإن حياتك وموتك معي ، وأنت أخي وأنت وصيي وأنت صفيي ووزيري ووارثي والمؤدي عني ، وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي عني ، وأنت تبرء ذمتي وتؤدي أمانتي وتقاتل على سنتي الناكثين من أمتي والقاسطين والمارقين ، وأنت

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 137 _

  مني بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه.
  فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك، فإنك بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه ، وإن موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم : إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم ، وإن لم يجد أعوانا أن يكف يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم .

اختلاف الأمة امتحان إلهي

  يا علي ، ما بعث الله رسولا إلا وأسلم معه قوم طوعا وقوم آخرون كرها ، فسلط الله الذين أسلموا كرها على الذين أسلموا طوعا فقتلوهم ليكون أعظم لأجورهم.
  يا علي ، وإنه ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ، وإن الله قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة، ولو شاء لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من خلقه ولا يتنازع في شئ من أمره ، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله، ولو شاء عجل النقمة فكان منه التغيير (1) حتى يكذب الظالم ويعلم الحق أين مصيره ، ولكن جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار القرار ، ( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) . (2)
  فقلت : الحمد لله شكرا على نعمائه وصبرا على بلائه وتسليما ورضى بقضائه .

---------------------------
(1) أي لو شاء الله أن ينصر أوليائه لعجل النقمة على الظالمين وغير النعمة عليهم.
(2) سورة النجم: الآية 31.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 138 _

3 ـ قضايا السقيفة على لسان البراء بن عازب

  وعن سليم ، قال : سمعت البراء بن عازب يقول:
  كنت أحب بني هاشم حبا شديدا في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد وفاته .

كيفية تغسيل رسول الله صلى الله عليه وآله

  فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى عليا عليه السلام أن لا يلي غسله غيره ، وأنه لا ينبغي لأحد أن يرى عورته غيره ، وأنه ليس أحد يرى عورة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا ذهب بصره .
  فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، فمن يعينني على غسلك ؟ قال : جبرائيل في جنود من الملائكة.
  فكان علي عليه السلام يغسله ، والفضل بن العباس مربوط العينين يصب الماء والملائكة يقلبونه له كيف شاء ، ولقد أراد علي عليه السلام أن ينزع قميص رسول الله صلى الله عليه وآله ، فصاح به صائح:
  (لا تنزع قميص نبيك ، يا علي)، فأدخل يده تحت القميص فغسله ثم حنطه وكفنه ، ثم نزع القميص عند تكفينه وتحنيطه.

مفاجأة أهل البيت عليهم السلام بعمل أصحاب السقيفة

  قال البراء بن عازب : فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله تخوفت أن تتظاهر قريش على إخراج هذا الأمر من بني هاشم.
  فلما صنع الناس ما صنعوا من بيعة أبي بكر أخذني ما يأخذ الواله الثكول مع ما بي من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 139 _

  فجعلت أتردد وأرمق وجوه الناس، وقد خلا الهاشميون برسول الله صلى الله عليه وآله لغسله وتحنيطه ، وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جهلة أصحابه، فلم أحفل بهم وعلمت أنه لا يؤول إلى شئ.
  فجعلت أتردد بينهم وبين المسجد وأتفقد وجوه قريش ، فإني لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر ، ثم لم ألبث حتى إذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمر بهم أحد إلا خبطوه ، فإذا عرفوه مدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر ، شاء ذلك أم أبى (1)
  فأنكرت عند ذلك عقلي جزعا منه، مع المصيبة برسول الله صلى الله عليه وآله ، فخرجت مسرعا حتى أتيت المسجد، ثم أتيت بني هاشم ، والباب مغلق دونهم ، فضربت الباب ضربا عنيفا وقلت : يا أهل البيت فخرج إلي الفضل بن العباس، فقلت : قد بايع الناس أبا بكر فقال العباس: (قد تربت أيديكم منها إلى آخر الدهر، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني).

ما جرى بين صالحي الصحابة ليلة السقيفة

  فكمثت أكابد ما في نفسي ، فلما كان الليل خرجت إلى المسجد، فلما صرت فيه تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرآن ، فانبعثت من مكاني فخرجت نحو الفضاء ـ فضاء بني بياضة ـ ، فوجدت نفرا يتناجون ، فلما دنوت منهم سكتوا ، فانصرفت عنهم، فعرفوني وما عرفتهم، فدعوني إليهم فأتيتهم فإذا المقداد وأبو ذر وسلمان وعمار بن ياسر وعبادة بن الصامت وحذيفة بن اليمان والزبير بن العوام ،

---------------------------
(1) روى الشيخ المفيد في كتاب (الجمل): ص 59 عن أبي مخنف بأسناده قال: كان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها ، فشغل الناس عنهم بموت رسول الله صلى الله عليه وآله فشهدوا البيعة وحضروا الأمر، فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم : (خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا ، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه) ، قال : والله، لقد رأيت الأعراب تحزموا واتشحوا بالأزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا وجاءوا بهم مكرهين للبيعة .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 140 _

  وحذيفة يقول : والله ليفعلن ما أخبرتكم به ، فوالله ما كذبت ولا كذبت.
  وإذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين والأنصار ، فقال حذيفة:
  انطلقوا بنا إلى أبي بن كعب فقد علم مثل ما علمت.
  فانطلقنا إلى أبي بن كعب فضربنا عليه بابه ، فأتى حتى صار خلف الباب، ثم قال :
  من أنتم ؟ فكلمه المقداد، فقال : ما جاء بكم ؟ فقال : إفتح بابك ، فإن الأمر الذي جئنا فيه أعظم من أن يجري وراء الباب، فقال : ما أنا بفاتح بابي ، وقد علمت ما جئتم له ، وما أنا بفاتح بابي ، كأنكم أردتم النظر في هذا العقد.
  فقلنا : نعم ، فقال : أفيكم حذيفة ؟ فقلنا : نعم ، قال : القول ما قال حذيفة ، فأما أنا فلا أفتح بابي حتى يجري على ما هو جار عليه، ولما يكون بعدها شر منها ، وإلى الله جل ثنائه المشتكى.
  قال : فرجعوا ، ثم دخل أبي بن كعب بيته.

محاولة أصحاب السقيفة تطميع العباس في الخلافة

  قال : وبلغ أبا بكر وعمر الخبر، فأرسلا إلى أبي عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة فسألاهما الرأي ، فقال المغيرة بن شعبة : أرى أن تلقوا العباس بن عبد المطلب فتطمعوه في أن يكون له في هذا الأمر نصيب يكون له ولعقبه من بعده فتقطعوا عنكم بذلك ناحية علي بن أبي طالب ، فإن العباس بن عبد المطلب لو صار معكم كانت الحجة على الناس وهان عليكم أمر علي بن أبي طالب وحده.
  قال : فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح والمغيرة بن شعبة حتى دخلوا على العباس بن عبد المطلب في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.
  قال : فتكلم أبو بكر فحمد الله جل وعز وأثنى عليه ثم قال : إن الله بعث لكم محمدا نبيا وللمؤمنين وليا، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم ، حتى اختار له ما عنده وترك للناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصلحتهم ، متفقين لا مختلفين ، فاختاروني عليهم

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 141 _

  واليا ولأمورهم راعيا ، فتوليت ذلك ، وما أخاف بعون الله وهنا ولا حيرة ولا جبنا ، وما توفيقي إلا بالله.
  غير أني لا أنفك من طاعن يبلغني فيقول بخلاف قول العامة، فيتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع، فإما دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه أو صرفتموهم عما مالوا إليه، فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك ولعقبك من بعدك ، إذ كنت عم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإن كان الناس أيضا قد رأوا مكانك ومكان صاحبك فعدلوا بهذا الأمر عنكما.
  فقال عمر (1) : أي والله، وأخرى يا بني هاشم على رسلكم (2)، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم ، وإنا لم نأتكم لحاجة منا إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم وللعامة ، ثم سكت.

مواجهة العباس لمؤامرة أصحاب السقيفة

  فتكلم العباس فقال : إن الله تبارك وتعالى ابتعث محمدا صلى الله عليه وآله ـ كما وصفت ـ نبيا وللمؤمنين وليا ، فإن كنت برسول الله صلى الله عليه وآله طلبت هذا الأمر فحقنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن من المؤمنين، ما تقدمنا في أمرك ولا تشاورنا ولا تآمرنا ولا نحب لك ذلك ، إذ كنا من المؤمنين وكنا لك من الكارهين.
  وأما قولك (أن تجعل لي في هذا الأمر نصيبا)، فإن كان هذا الأمر لك خاصة فأمسك عليك فلسنا محتاجين إليك وإن كان حق المؤمنين فليس لك أن تحكم في حقهم دونهم ، وإن كان حقنا فإنا لا نرضى منك ببعضه دون بعض . (3)
---------------------------
(1) (ب): فتكلم عمر فقال ، وفي شرح النهج : (فاعترض كلامه عمر وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته فقال ...).
(2) (ترسل) أي تمهل ولم يعجل ، و (على رسلك) أي على هينتك، و (الرسل): الرفق، وقوله (يتفاقم الخطب) أي يعظم الأمر ولا يجري على استواء.
(3) زاد في شرح النهج: (وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه ، ولكن للحجة نصيبها من البيان).

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 142 _

  وأما قولك يا عمر (إن رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم)، فإن رسول الله شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها ، فنحن أولى به منكم.
  وأما قولك (إنا نخاف تفاقم الخطب بكم وبنا)، فهذا الذي فعلتموه أوائل ذلك ، والله المستعان.
  فخرجوا من عنده وأنشأ العباس يقول:

ما  كنت أحسب هذا الأمر iiمنحرفا      عن  هاشم ثم منهم عن أبي iiحسن
ألـيس  أول مـن صـلى لقبلتكم      وأعـلم الـناس بـالآثار iiوالسنن
وأقـرب  الناس عهدا بالنبي ومن      جبريل عون له في الغسل iiوالكفن
مـن فيه ما في جميع الناس iiكلهم      وليس في الناس ما فيه من الحسن
مـن  ذا الـذي ردكم عنه فنعرفه      هـا  إن بـيعتكم مـن أول الفتن

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 143 _

4 ـ قضايا السقيفة على لسان سلمان الفارسي

1 ـ احتجاج الأنصار على أهل السقيفة

  وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال: سمعت سلمان الفارسي قال :
  لما أن قبض النبي صلى الله عليه وآله وصنع الناس ما صنعوا جاءهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجة علي عليه السلام فقالوا : يا معاشر الأنصار، قريش أحق بالأمر منكم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله من قريش ، والمهاجرون خير منكم لأن الله بدأ بهم في كتابه وفضلهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (الأئمة من قريش).

كيفية تغسيل النبي صلى الله عليه وآله والصلاة عليه

  قال سلمان : فأتيت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى عليا عليه السلام أن لا يلي غسله غيره ، فقال : يا رسول الله، فمن يعينني على ذلك ؟
  فقال : (جبرائيل) ، فكان علي عليه السلام لا يريد عضوا إلا قلب له.
  فلما غسله وحنطه وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فتقدم علي عليه السلام وصففنا خلفه وصلى عليه، وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ الله ببصرها .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 144 _

  ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار ، فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون ، حتى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه . (1)

أفراد قلائل بايعوا أبا بكر

  قال سلمان الفارسي: فأخبرت عليا عليه السلام ـ وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله ـ بما صنع القوم ، وقلت : إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، ما يرضون يبايعونه بيد واحدة (2) وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله!
  فقال علي عليه السلام: يا سلمان، وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
  قلت : لا ، إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار، وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير (3) بن سعيد ثم أبو عبيدة الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل.
  قال عليه السلام: لست أسألك عن هؤلاء ، ولكن هل تدري من أول من بايعه حين صعد المنبر ؟ قلت : لا ، ولكني رأيت شيخا كبيرا يتوكأ على عصاه، بين عينيه سجادة شديدة التشمير، صعد المنبر أول من صعد وخر وهو يبكي ويقول : (الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان، ابسط يدك) ، فبسط يده فبايعه ، ثم قال : (يوم كيوم آدم) ثم نزل فخرج من المسجد. (4)

---------------------------
(1) عن أبي جعفر عليه السلام، قيل له : كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : لما غسله أمير المؤمنين عليه السلام وكفنه وسجاه، أدخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين عليه السلام في وسطهم فقال : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة وأهل العوالي، أورد ذلك في الكافي: ج 1 ص 450، إعلام الورى: ص 84 ، وسائل الشيعة : ج 2 ص 779.
(2) في (د) وروضة الكافي: والله ما يرضى أن يبايعوه بيد واحدة.
(3) (ب): بشر ، يوجد ضبطه بكلا العنوانين، كما أن اسم أبيه قد يذكر بعنوان (سعد).
(4) روي في البحار : ج 30 ص 155 ح 13 عنه عليه السلام: أن إبليس هو الذي أشار على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله في دار الندوة وأضل الناس بالمعاصي وجاء بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أبي بكر فبايعه .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 145 _

  فقال علي عليه السلام : يا سلمان، أتدري من هو ؟ قلت : لا ، لقد ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسول الله صلى الله عليه وآله .
  قال علي عليه السلام: فإن ذلك إبليس لعنه الله.
  إبليس ينتقم بالسقيفة من يوم الغدير
  أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله: إن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى الله عليه وآله إياي يوم غدير خم بأمر الله، وأخبرهم بأني أولى بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب، فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا : (إن هذه الأمة أمة مرحومة معصومة، فما لك ولا لنا عليهم سبيل ، وقد أعلموا مفزعهم وإمامهم بعد نبيهم).
  فانطلق إبليس كئيبا حزينا.
  قال أمير المؤمنين عليه السلام : أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك وقال : يبايع الناس أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقنا وحجتنا ، ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مشمر يقول كذا وكذا ، ثم يخرج فيجمع أصحابه وشياطينه وأبالسته فيخرون سجدا فيقولون : (يا سيدنا ، يا كبيرنا ، أنت الذي أخرجت آدم من الجنة)، فيقول : أي أمة لن تضل بعد نبيها ؟ كلا(1)، زعمتم أن ليس لي عليهم سلطان ولا سبيل ؟ فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم الله به من طاعته وأمرهم به رسول الله وذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ). (2)

---------------------------
(1) (ب) مكان قوله (فيقولون) إلى هنا هكذا : (فيجث ويكسع ثم يقول) ، ويجث بمعنى يقلع من مكانه ، ويكسع أي يضرب دبره بيده فرحا.
(2) سورة سبأ : الآية 19.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 146 _

2 ـ أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على الأجيال

  قال سلمان : فلما أن كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت.
  فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة، فقلت لسلمان: من الأربعة ؟ فقال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام.
  ثم أتاهم علي عليه السلام من الليلة المقبلة فناشدهم، فقالوا: (نصبحك بكرة) فما منهم أحد أتاه غيرنا، ثم أتاهم الليلة الثالثة فما أتاه غيرنا.
علي عليه السلام يجمع القرآن ويعرضه على الناس


  فلما رآى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. (1)
  فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع ، فبعث إليه علي عليه السلام: (إني لمشغول وقد آليت نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه).
  فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه ، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله، فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته :

---------------------------
(1) الأشظاظ بمعنى العيدان المتفرقة، والأسيار جمع السير وهو قدة من الجلد مستطيلة.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 147 _

  (يا أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وآله آية إلا وقد جمعتها ، وليست منه آية إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمني تأويلها).
  ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا غدا: (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).(1)
  ثم قال لهم علي عليه السلام: لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي ، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته.
  فقال عمر : ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه (2) ثم دخل علي عليه السلام بيته.

إقامة الحجة على أبي بكر في ما ادعاه من ألقاب

  وقال عمر لأبي بكر : أرسل إلى علي فليبايع، فإنا لسنا في شئ حتى يبايع ، ولو قد بايع أمناه .

---------------------------
(1) لعله إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 172 : (أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ).
(2) في الإحتجاج: فقالوا : لا حاجة لنا به ، عندنا مثله وبعده في (د) هكذا : فدخل بيته وأغلق بابه ، في البحار: ج 92 ص 42 ح 2 عن أبي ذر : أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن وجاء إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم كما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي، أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي عليه السلام وانصرف، ثم أحضروا زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن ، فقال له عمر : إن عليا عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار ، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار ، فأجابه زيد إلى ذلك ، ثم قال : فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه، أليس قد بطل ما قد علمتم ؟ قال عمر : فما الحيلة ؟ قال : زيد : أنتم أعلم بالحيلة ، فقال عمر : ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك ... فلما استخلف عمر سأل عليا عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم ، فقال : يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه فقال علي عليه السلام: هيهات ، ليس إلى ذلك سبيل ، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة: (إنا كنا عن هذا غافلين)، أو تقولوا : (ما جئتنا به)، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم ؟ قال علي عليه السلام: نعم ، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه ، فتجري السنة عليه.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 148 _

  فأرسل إليه أبو بكر : (أجب خليفة رسول الله) فأتاه الرسول فقال له ذلك ، فقال له علي عليه السلام: (سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري)، وذهب الرسول فأخبره بما قال له.
  قال : اذهب فقل له : (أجب أمير المؤمنين أبا بكر) فأتاه فأخبره بما قال، فقال له علي عليه السلام : سبحان الله ما والله طال العهد فينسى ، فوالله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين، فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا : أحق من الله ورسوله ؟ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله : نعم ، حقا حقا من الله ورسوله إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فيدخل أوليائه الجنة وأعداءه النار ، فانطلق الرسول فأخبره بما قال ، قال : فسكتوا عنه يومهم ذلك.

إتمام الحجة على الأنصار ومطالبتهم بالوفاء ببيعتهم

  فلما كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام ، فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أتاه في منزله ، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا ، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته.

3 ـ شهادة فاطمة الزهراء عليها السلام

  هجوم قبائل قريش على بيت الوحي وإحراقه فلما رآى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 149 _

  وطاعتهم له وتعظيمهم إياه لزم بيته.
  فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة ، وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا ، والآخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما.
  فقال أبو بكر : من نرسل إليه ؟ فقال عمر : نرسل إليه قنفذا ، وهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب.
  فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام، فأبى أن يأذن لهم.
  فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر - وهما جالسان في المسجد والناس حولهما ـ فقالوا : لم يؤذن لنا ، فقال عمر : اذهبوا، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن!
  فانطلقوا فاستأذنوا ، فقالت فاطمة عليها السلام: (أحرج عليكم (1) أن تدخلوا على بيتي بغير إذن)، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا : إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا (2) أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر وقال : ما لنا وللنساء !

---------------------------
(1) حرج عليه أي شدد عليه.
(2) من هنا إلى قوله : (ثم انطلق بعلي عليه السلام...) (بعد صفحات) في (د) هكذا : فقالوا : إن فاطمة حرجت علينا، فتحرجنا أن ندخل عليها بيتها بغير إذنها، فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء ثم أمر أناسا حوله فحملوا حزم الحطب وحمل عمر معهم فجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما. ثم نادى عمر: يا علي، والله لتخرجن فلتبايعن خليفة رسول الله عليك أو لأضرمنها عليك نارا فلم يجبه ، فوضع عمر النار بالباب وهو متخوف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه لما عرف من بأسه وشدته حتى احترق الباب، ثم قال لقنفذ : اقتحم عليه فأخرجه فاقتحم هو وأصحابه وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوا إليه وكاثروه فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا ، وجاءت فاطمة عليها السلام لتحول بينهم وبينه ، فضربها قنفذ بسوطه وأضغطت بين الباب فصاحت : يا أبتاه يا رسول الله وألقت جنينا ميتا وأثر سوط قنفذ في عضدها مثل الدملوج.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 150 _

  ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة عليهما السلام: (والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك النار)!
  فقالت فاطمة عليها السلام: يا عمر ، ما لنا ولك ؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم.
  فقالت : (يا عمر ، أما تتقي الله تدخل على بيتي) ؟ فأبى أن ينصرف.
  ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت :
  (يا أبتاه يا رسول الله) فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت:
  (يا أبتاه) فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت: (يا رسول الله، لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر).

دفاع علي عليه السلام عن سليلة النبوة

  فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره (1) فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله ، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصاه به ، فقال : (والذي كرم محمدا بالنبوة ـ يا بن صهاك ـ لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وآله لعلمت إنك لا تدخل بيتي).

أبو بكر يصدر أمره بإحراق البيت مرة أخرى

  فأرسل عمر يستغيث ، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي عليه السلام إلى سيفه.
  فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام إليه بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدته.
  فقال أبو بكر لقنفذ : (إرجع، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم النار)، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي عليه السلام إلى

---------------------------
(1) أي جذبه بشدة.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 151 _

  سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون ، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه (1) فألقوا في عنقه حبلا ! وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط (2) فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته، لعنه الله ولعن من بعث به.

4 ـ بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بالجبر والإكراه

  ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا (3) حتى انتهي به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه (4)، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد وسائر الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح (5)!

الدخول إلى بيت فاطمة عليها السلام بغير إذن

  قال : قلت لسلمان : أدخلوا على فاطمة عليها السلام بغير إذن ؟ (6) قال: إي والله، وما عليها من

---------------------------
(1) في الإحتجاج : فضبطوه وألقوا في عنقه حبلا أسود!
(2) (ب): بسوط كان معه ، وفي الإحتجاج: بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ : (اضربها) فألجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة.
(3) أي يجذب ويجر جرا عنيفا ، وفي الإحتجاج: ثم انطلقوا بعلي عليه السلام ملببا بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر.
(4) (ب): على رأس أبي بكر بالسيف.
(5) في (د) : قد سلوا السيوف.
(6) قد نظم العلامة الفقيه السيد محمد بن السيد مهدي القزويني المتوفى 1335 هـ ق ، هذا الموضع من أن يدخلوا منها في حالة السجود ليعرف خضوعهم ، فتشبيه أهل البيت عليهم السلام بباب حطة لأن الخلق بالتواضع والخضوع أمامهم يخضعون تجاه الأوامر الإلهية، فقد ورد في إثبات الهداة : ج 1 ص 618 ح 657 أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل الذي من دخله غفرت ذنوبه واستحق الزيادة من خالقه كما قال الله عز وجل : أدخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين. راجع عن باب حطة : البحار: ج 13 ص 185 ـ 180.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 152 _

  خمار فنادت : (وا أبتاه، وارسول الله يا أبتاه فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر عيناك لم تتفقأ في قبرك) ـ تنادي بأعلى صوتها ـ ، فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون وينتحبون ما فيهم إلا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول : إنا لسنا من النساء ورأيهن في شئ.

أمير المؤمنين عليه السلام يقيم الحجة على قريش

  قال: فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر وهو يقول : أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لن تصلوا إلى هذا أبدا، أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم ، ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلا لفرقت جماعتكم ، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني.
  ولما أن بصر به أبو بكر صاح : (خلوا سبيله) فقال علي عليه السلام: يا أبا بكر ، ما أسرع ما توثبتم على رسول الله بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك ؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله ؟

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 153 _

  وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط ـ حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر : (إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها) ـ فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها (1) فألقت جنينا من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة.
  قال: ولما انتهى بعلي عليه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له : بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال عليه السلام له : فإن لم أفعل فما أنتم صانعون ؟ قالوا : نقتلك ذلا وصغارا فقال عليه السلام: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله، فقال أبو بكر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسول الله فما نقر بهذا قال : أتجحدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بيني وبينه ؟ قال :
  نعم ، فأعاد ذلك عليهم ثلاث مرات.
  ثم أقبل عليهم علي عليه السلام فقال : يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار ، أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزوة تبوك كذا وكذا ؟ فلم يدع عليه السلام شيئا قاله فيه رسول الله صلى الله عليه وآله علانية للعامة إلا ذكرهم إياه.
  قالوا : اللهم نعم.

أبو بكر يختلق حديثا لغصب الخلافة

  فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال له (2): كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا ، ولكن قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بعد هذا : (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة).

---------------------------
(1) (د): ألجأها إلى عضادة بابها فأضغطها فتكسر ضلعا من أضلاعها.
(2) (د): فقال مبادرا : نعم ، كل ما قلت حق .

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 154 _

  فقال علي عليه السلام: هل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله شهد هذا معك ؟ فقال عمر:
  صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال ، وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل : صدق ، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله.

أمير المؤمنين عليه السلام يفضح الصحيفة الملعونة

  فقال لهم علي عليه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة (1): ( إن قتل الله محمدا أو مات لتزون (2) هذا الأمر عنا أهل البيت ).
  فقال أبو بكر : فما علمك بذلك ؟ ما أطلعناك عليها (3) فقال عليه السلام: أنت يا زبير وأنت

---------------------------
(1) فضحك أمير المؤمنين عليه السلام وقال : الله أكبر، ما أشد ما وفيتم بصحيفتكم المعلومة التي تعاهدتم وتعاقدتم عليها في الكعبة.
(2) زوى عنه حقه : منعه إياه.
(3) روي في البحار: ج 28 ص 111 - 96، تفصيل المعاقدة ضد الخلافة وكتابة الصحيفة الملعونة ومحتوى الصحيفة، كل ذلك نقلا عن حذيفة بن اليمان الذي كان ممن عايش القضايا وفحص عن جزئياتها ، وملخص ذلك أن أول من تعاقد على غصب الخلافة هو أبو بكر وعمر، وكان الأساس الذي تعاقدوا عليه وارتكز عليه سائر معاهداتهم هو: (إن مات محمد أو قتل نزوي هذا الأمر عن أهل بيته فلا يصل أحد منهم الخلافة ما بقينا) ، ثم اتصل بهما أبو عبيدة الجراح ومعاذ بن جبل وأخيرا التحق بهم سالم مولى أبي حذيفة وصاروا خمسة، فاجتمعوا ودخلوا الكعبة فكتبوا بينهم كتابا : (إن مات محمد أو قتل ...) وكانت عائشة وحفصة عينين لأبويهما في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع القضايا، ثم إن أبا بكر وعمر اجتمعا وأرسلا إلى جماعة الطلقاء والمنافقين ودار الكلام فيما بينهم وأعادوا الخطاب وأجالوا الرأي فاتفقوا على أن ينفروا بالنبي صلى الله عليه وآله ناقته على عقبة هرشى عند منصرفه من حجة الوداع وهي في طريق مكة قريبة من الجحفة، وكان المتصدين لنفر الناقة أربعة عشر رجلا وقد كانوا عملوا مثل ذلك في غزوة تبوك، فتقدم الأمر من الله في غدير خم بنصب أمير المؤمنين عليه السلام، ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وآله من عقبة هرشى تقدم القوم فتواروا في ثنية العقبة، إلا أن الله صرف الشر عن نبيه وفضح أولئك الأربعة عشر، فلما دخلوا المدينة اجتمعوا جميعا في دار أبي بكر وكتبوا صحيفة بينهم على ما تعاهدوا عليه في الكعبة، وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، وأن الأمر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم، ليس بخارج منهم وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا: هؤلاء أصحاب العقبة وعشرون رجلا آخر منهم أبو سفيان ، عكرمة بن أبي جهل ، صفوان بن أمية بن خلف ، سعيد بن العاص، خالد بن الوليد، عياش بن أبي ربيعة ، بشير بن سعيد ، سهيل بن عمرو ، حكيم بن حزام ، صهيب بن سنان ، أبو الأعور الأسلمي، مطيع بن الأسود المدري، وهؤلاء كانوا رؤساء القبائل وأشرافها ، وما من رجل من هؤلاء إلا ومعه من الناس خلق عظيم يسمعون له ويطيعون، وكان الكاتب سعيد بن العاص الأموي، فكتب هو الصحيفة باتفاق منهم في المحرم سنة عشرة من الهجرة، ثم دفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح فوجه بها إلى مكة فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها.

كتاب سليم بن قيس الهلالي _ 155 _

  يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك وأنتم تسمعون : (إن فلانا وفلانا ـ حتى عد هؤلاء الخمسة ـ قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت) ؟ (1) فقالوا : اللهم نعم ، قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لك : (إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي).
  قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل ؟ فقال لك : إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وإن أنت لم تجد أعوانا فبايع واحقن دمك.
  فقال علي عليه السلام : أما والله، لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله، ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة. (2)

الرد على الحديث المختلق بكتاب الله تعالى

  وفيما يكذب قولكم على رسول الله صلى الله عليه وآله قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ

---------------------------
(1) (د): وكتبوا بينهم كتابا: إن هلك محمد أن يتظاهروا على أهل بيتي حتى يزيلوا هذا الأمر عنهم.
(2) (د): أما والله لقد أزلتموها عن أهل بيت نبيكم ولا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة، ثم التفت إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى : يا بن عم ، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ، فالمعذرة إلى الله ثم إليك.