فأقبل ذو الكلاع في حمير ومن لف لفها ، ومعها عبيدالله بن عمر بن الخطاب
في أربعة آلاف من قراء أهل الشام قد بايعوا على الموت ، وهي ميمنة أهل الشام وعلى ميمنتهم ذو الكلاع ، فحملوا على ربيعة ـ وهم ميسرة أهل العراق ـ وفيهم عبد الله بن العباس وهو على الميسرة ، فحمل عليهم ذو الكلاع وعبيد الله بن عمر ، فحملوا على ربيعة حملة شديدة بخيلهم ورجالهم ، فتضعضعت رايات ربيعة ، فتثبتوا إلا قليلا من الأحشام والأنذال (1) ، ثم إن أهل الشام انصرفوا ولم يمكثوا إلا قليلا حتى كروا ثانية وعبيد الله بن عمر في أوائلهم يقول : ( يا أهل الشام ، هذا الحي من أهل العراق قتلة عثمان بن عفان ، وأنصار علي بن أبي طالب ، وإن هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثأركم في عثمان وهلك علي وأهل العراق ) ، فشدوا على الناس شدة شديدة فثبتت لهم ربيعة وصبروا صبرا حسنا إلا قليلا من الضعفاء ، وثبت أهل الرايات وأهل البصائر منهم والحفاظ ، وقاتلوا قتالا شديدا ، فلما رأى خالد بن المعمر أناسا قد انهزموا من قومه انصرف ؛ فلما رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا ورأى قومه قد صبروا رجع وصاح بمن انهزم بالرجوع ، فقال من أراد أن يتهمه من قومه : أراد الانصراف فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا ؟ وقال هو (2) : لما رأيت رجالا منا قد انهزموا رأيت أن أستقبلهم ثم أردهم إليكم ، فأقبلت إليكم بمن أطاعني منهم ، فجاء يأمر مشتبه (3) ، وكان بصفين أربعة آلاف محجف من عنزة (4) .
---------------------------
(1) الأحشام : الأنباع ، وعند الطبري : ( فتضعضعت رايات ربيعة إلا قليلا من الأخيار والأبدال ) ، ومؤدي العبارتين واحد ، وهذا الخبر من أوله روى في ح مختصرا ، ولم أجد فيه مواضع المقابلة التي أشرت إليها من الطبري .
(2) في الأصل : ( لهم ) وأثبت ما في ح ( 1 : 496 ) والطبري .
(3) الطبري : ( بأمر مشبه ) .
(4) ح : ( وكان في جملة ربيعة من عنزة وحدها أربعة آلاف مجفف ) ، والمحجف : لابس الحجفة ، وهي ترس يتخذ من جلود الإبل يطارق بعضها ببعض .
واقعة صفين
_ 281 _
والمجفف في رواية ح صحيحة أيضا ، رجل مجفف لبس التجفاف ، وهو بالفتح : ما جلل به الفرس من سلاح وآلة نصر ، عن عمر قال : حدثني رجل من بكر بن وائل ، عن محرز بن عبد الرحمن العجلى
(1) أن خالد بن المعمر قال : ( يا معشر ربيعة ، إن الله ( عز وجل ) قد أتى بكل رجل منكم من منبته ومسقط رأسه فجمعكم في هذا المكان جمعا لم تجتمعوا مثله ، منذ نشركم في الأرض
(2) ، وإنكم إن تمسكوا أيديكم تنكلوا عن عدوكم ، وتحولوا عن مصافكم
(3) ، لا يرضي الرب فعلكم ، ولا تعدموا معيرا يقول : فضحت ربيعة الذمار ، وخامت عن القتال
(4) ، وأتيت
(5) من قبلها العرب ، فإياكم أن يتشاءم بكم المسلمون اليوم ، وإنكم إن تمضوا مقدمين ، وتصبروا محتسبين فإن الإقدام منكم عادة ، والصبر منكم سجية ، فاصبروا ونيتكم صادقة تؤجروا ، فإن ثواب من نوى ما عند الله شرف الدنيا وكرامة الآخرة ، ولا يضيع الله أجر من أحسن عملا ) ، فقام إليه رجل من ربيعة فقال : ( ضاع والله أمر ربيعة حين جعلت أمرها إليك ، تأمرنا ألا نحول ولا نزول حتى نقتل أنفسنا ونسفك دماءنا ، ألا ترى إلى الناس قد انصرف جلهم ) .
---------------------------
(1) التكملة من الطبري .
(2) في الأصل : ( هذا فرشكم الأرض ) صوابه في الطبري .
(3) الطبري : ( ونزلوا عن مصافكم ) .
(4) خامت : جبنت ، وفي الأصل : ( حامت ) بالمهملة ، تحريف ، وفي ح : ( خاموا ) ، وفي الطبري : ( حاصت ) ، والحيص : العدول والفرار والهرب .
(5) في الأصل : ( وأوتيت ) صوابه من ح والطبري .
واقعة صفين
_ 282 _
فقام إليه رجال من قومه فتناولوه تقيه الجراح ، وفي اللسان : ( وقد يلبسه الإنسان أيضا ) ، قال ابن أبي الحديد : ( قلت : لا ريب عند علماء السير أن خالد بن المعمر كان له باطن سوء مع معاوية ، وأنه انهزم ذلك اليوم ليكسر الميسرة على علي ( عليه السلام ) ، ذكر ذلك الكلبي والواقدي وغيرهما ، ويدل على باطنه هذا أنه لما استظهرت ربيعة على معاوية وعلى صفوف أهل الشام في اليوم الثاني من هذا أرسل معاوية إلى خالد بن المعمر : أن كف ولك إمارة خراسان ما بقيت ، فرجع بربيعة وقد شارفوا أخذه من مضربه ) ، بقسيهم
(1) ، ولكزوه بأيديهم ، فقال لهم خالد بن المعمر : ( أخرجوا هذا من بينكم ؛ فإن هذا إن بقى أضربكم ، وإن خرج منكم لم ينقصكم هذا الذي لا ينقص العدد ولا يملأ البلد ، برحك
(2) الله من خطيب قوم ! كيف جنبك الخير
(3) ! ) ، واشتد قتال ربيعة وحمير وعبيد الله بن عمر ، حتى كثرت القتلى فيما بينهم ، وحمل عبيد الله بن عمر فقال : أنا الطيب ابن الطيب ، قالوا : أنت الخبيث ابن الطيب ، فقتل شمر بن الريان بن الحارث
(4) ، وهو من أشد الناس بأسا ، ثم خرج نحو من خمسمائة فارس أو أكثر من أصحاب علي ، على رؤوسهم البيض وهم غائصون في الحديد ، لا يرى منهم إلا الحدق ، وخرج إليهم من أهل الشام نحوهم في العدو فاقتتلوا بين الصفين والناس تحت راياتهم ، فلم يرجع من هؤلاء ولا من هؤلاء مخبر لا عراقي ولا شامي ، قتلوا جمعا بين الصفين ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم قال : نادى منادي أهل الشام : ألا إن معنا الطيب ابن الطيب ، عبيد الله بن عمر ، فقال عمار بن ياسر : بل هو الخبيث ( ابن الطيب ) ، ونادى منادي أهل العراق : ألا إن معنا الطيب ابن الطيب ، محمد بن أبي بكر ، فنادى منادي أهل الشام : بل هو الخبيث ابن الطيب ، وفي حديث : فقال عقبة بن سلمة أخو بني رقاش
(5) من أهل الشام ، وكان بصفين تل يلقى عليه جماجم الرجال ( وكان يدعى تل الجماجم ) ، فقال :
---------------------------
(1) في الأصل : ( بفيهم ) صوابه في ح ( 1 : 496 ) ، وفي الطبري : ( وتناولوه بألسنتهم ) .
(2) برح به : عذبه . وفي الأصل : ( يرحمك الله ) ، صوابه في الطبري ، ح : ( ترحك الله ) يقال ترحه الأمر تتريحا : أحزنه .
(3) جنبه : بعد عنه ، ح : ( لقد جنبك الخير ) ، الطبري : ( كيف جنبك السداد ) .
(4) الطبري : ( سمير بن الريان بن الحارث العجلي ) .
(5) ح : ( عقبة بن مسلم الرقاشي ) .
واقعة صفين
_ 283 _
لــم أر فـرسانا أشـد iiبـديهة وأمـنع منهم يوم تل الجماجم (1) غـداة غـدا أهـل العراق iiكأنهم نـعام تـلاقي في فجاج iiالمخارم إذا قـلت قـد ولـوا أنابت iiكتيبة مـلملمة في البيض شمط iiالمقادم وقـالوا لـنا : هـذا علي iiفبايعوا فقلنا ألا لا بالسيوف الصوارم (2) وثـرنا إلـيهم بـالسيوف iiوبالقنا تـدافـعهم فـرسـاننا بـالتزاحم |
وقد كان معاوية نذر في سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة ، فقال في ذلك خالد بن المعمر :
تـمنى ابن حرب نذرة في iiنسائنا ودون الذي ينوى سيوف قواضب ونـمنح مـلكا أنت حاولت iiخلعه بني هاشم قول امرئ غير iiكاذب |
وقال أيضا :
وفتنة مثل ظهر الليل مظلمة لا يستبين لها أنف ولا iiذنب فرجتها بكتاب الله iiفانفرجت وقـد تحير فيها سادة iiعرب |
وقال شبث بن ربعي :
وقـفـنا لـديهم يـوم صـفين بـالقنا لـدن غـدوة حـتى هـوت iiلـغروب وولـى ابـن حـرب والرماح iiتنوشه وقد أرضت الأسياف كل غضوب (3) نـجالدهم طـورا وطـورا iiنـصدهم عـلى كل محبوك السراة شبوب (4) بـكـل أسـيل كـالقراط ، إذا iiبـدت لـوائحها بـين الـكماة ، لعوب (5) |
---------------------------
(1) ح ( 1 : 497 ) : ( أشد حفيظة ) .
(2) ح : ( فقلنا صه بل بالسيوف ) .
(3) في الأصل : ( وقد غضب الأحلاس ) صوابه في ح .
(4) ح : ( وطورا نشلهم ) ، والشل : الطرد ، والسراة ، بالفتح : الظهر ، والمحبوك : المدمج ، وفي الأصل : ( محنوك ) صوابه بالباء ، كما في ح .
(5) القراط ، بالكسر : شعلة السراج .
واقعة صفين
_ 284 _
نـجالد غـسانا وتـشقى iiبحربنا جذام ووتر العبد غير طلوب (1) فـلم أر فـرسانا أشـد حـفيظة إذا غـشى الآفـاق نفح iiجنوب أكـر وأحمى بالغطاريف iiوالقنا وكـل حـديد الشفرتين قضوب |
وقال ابن الكؤاء :
ألا مـن مـبلغ كـلبا iiولخما نـصيحة ناصح فوق iiالشقيق فـإنـكم وإخـوتكم iiجـميعا كـباز حاد عن وضح الطريق وبـعتم ديـنكم بـرضاء iiعبد أضل بها مصافحة الرقيق (2) وقـمتم دونـنا بالبيض iiصلتا بكل مصانع مثل الفنيق (3) وسـاروا بالكتائب حول iiبدر يضيء لدى الغبار من iiالبريق |
يعني بالبدر عليا ، حتى إذا كان يوم الخميس التاسع من صفر ، خطب الناس معاوية وحرضهم وقال : ( إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وحضركم ما قد حضركم ، فإذا نهدتم إليهم إن شاء الله فقدموا الدارع ، وأخروا الحاسر ، وصفوا الخيل مجنبين ، وكونوا كقص الشارب ، وأعيرونا جماجمكم ساعة ، فإنما هو ظالم أو مظلوم ، وقد بلغ الحق مقطعه ، والناس على تعبئة أخرى ) ، نصر ، عن عمر قال : حدثني رجل عن جابر ، عن الشعبي قال : قام معاوية يخطب بصفين قبل الوقعة العظمي فقال :
---------------------------
(1) غير طلوب : أي قريب سهل المنال ، وأصله من قولهم ( بئر طلوب ) أي بعيدة الماء .
(2) العبد : العبيد ، والأصل فيه ضم الباء ، وسكنها للشعر .
(3) المصانع : الفرس الذي لا يعطيك جميع ما عنده من السير ، له صون يصونه ، فهو يصانعك ببذله سيره ، وفي الأصل : ( مضالع ) ولا وجه له ، والفنيق : الفحل المكرم .
واقعة صفين
_ 285 _
( الحمد لله الذي علا في دنوه ، ودنا في علوه ، وظهر وبطن ، وارتفع فوق
كل منظر ، أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا ، يقضي فيفصل ، ويقدر فيغفر ، ويفعل ما يشاء ، إذا أراد أمرا أمضاه ، وإذا عزم على أمر قضاه ، لا يؤامر أحدا فيما يملك ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، والحمد لله رب العالمين على ما أحببنا وكرهنا ، ثم كان فيما قضى الله أن ساقتنا المقادير
(1) إلى هذه البقعة من الأرض ، ولف بيننا وبين أهل العراق ، فنحن من الله بمنظر ، وقد قال سبحانه : ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ) ، انظروا يا معاشر أهل الشام فإنما تلقون غدا أهل العراق ، فكونوا على إحدى ثلاث أحوال : إما أن تكونوا قوما طلبتم ما عند الله في قتال قوم بغوا علكم فأقبلوا من بلادهم حتى نزلوا في بيضتكم ، وإما أن تكونوا قوما تطلبون بدم خليفتكم وصهر نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإما أن تكونوا قوما تذبون عن نسائكم وأبنائكم ، فعليكم بتقوى الله والصبر الجميل ، أسأل الله لنا ولكم النصر ، وأن يفتح بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين ، فقام ذو الكلاع فقال : يا معاوية :
إنا لنحن الصبر الكرام (2) لا نـنثني عـند الـخصام بـنـو الـملوك iiالـعظام ذوو الـنـهى iiوالأحـلام |
---------------------------
(1) في الأصل : ( وساقتنا المقادير ) صوابه في ح ( 1 : 497 ) .
(2) كذا ورد هذا الشعر على ما به من اضطراب ظاهر في الوزن ، وهو أشبه ما يكون بالنثر والتسجيع ،
وفي ح : ( نحن الصبر الكرام ) ، لا يــقربـــون الآثـــام فلما سكت قال له معاوية : صدقت .
واقعة صفين
_ 286 _
نصر قال : أخبرني عمر بن سعد قال : أخبرني رجل عن جيفر بن أبي
القاسم
(1) العبدي
(2) ، عن يزيد بن علقمة ، عن زيد بن بدر ، أن زياد بن خصفة أتى عبد القيس يوم صفين وقد عبيت قبائل حمير مع ذي الكلاع ـ وفيهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب ـ لبكر بن وائل ، فقاتلوا قتالا شديدا خافوا فيه
(3) الهلاك ، فقال زياد لعبد القيس : لا بكر بعد اليوم ، إن ذا الكلاع وعبيد الله أبادا ربيعة ، فانهضوا لهم وإلا هلكوا ، فركبت عبد القيس وجاءت كأنها غمامة سوداء ، فشدت إزاء الميسرة ، فعظم القتال فقتل ذو الكلاع الحميري ، قتله رجل من بكر بن وائل اسمه خندف ، وتضعضعت أركان حمير ، وثبتت بعد ذي الكلاع تحارب مع عبيد الله بن عمر ، وبعث عبيد الله بن عمر إلى الحسن بن علي فقال : إن لي إليك حاجة فالقني ، فلقيه الحسن فقال له عبيد الله : إن أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا ، وقد شنئوه فهل لك أن تخلفه ونوليك
(4) هذا الأمر ؟ قال : كلا والله لا يكون ذلك ، ثم قال له الحسن : لكأني أنظر إليك مقتولا في يومك أو غدك ، أما إن الشيطان قد زين لك وخدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق ترى نساء أهل الشام موقفك ، وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلا ، قال : فو الله ما كان إلا كيومه أو كالغد وكان القتال ، فخرج عبيد الله في كتيبة رقطاء ـ وهي الخضرية ـ كانوا أربعة آلاف ، عليهم ثياب خضر ، ونظر الحسن فإذا هو برجل متوسد رجل قتيل قد ركز رمحه في عينه ، وربط فرسه برجله ، فقال الحسن لمن معه : انظروا من هذا ، فإذا هو برجل من همدان ، فإذا القتيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، قد قتله وبات عليه حتى أصبح ، ثم سلبه .
---------------------------
(1) في الأصل : ( جيفر عن القاسم ) وأثبت ما في الطبري .
(2) هذه التكملة من الطبري ، وفي لسان الميزان ومنتهي المقال : ( جيفر بن الحكم العبدي ) فلعله هو ، والعبدي : نسبة إلى عبد القيس .
(3) هذه التكملة من الطبري .
(4) في الأصل : ( ونليك ) ، وفي ح ( 1 : 498 ) : ( وأن تتولى أنت ) .
واقعة صفين
_ 287 _
فسأل الرجل من هو ؟ فقال
(1) : رجل من همدان ، وإنه قتله ، فحمد الله وحزنا القوم حتى اضطررناهم إلى معسكرهم ، واختلفوا في قاتل عبيد الله ، فقالت همدان : قتله هانئ بن الخطاب ، وقالت حضر موت : قتله مالك بن عمرو السبيعى ، وقالت بكر بن وائل : قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح من بني عائش بن مالك بن
(2) تيم اللات بن ثعلبة ، وأخذ سيفه ذا الوشاح فأخذ به معاوية بالكوفة بكر بن وائل حين بويع ، فقالوا
(3) : إنما قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن الصحصح ، فبعث معاوية إليه بالبصرة فأخذ السيف منه ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشعبي قال : فعند ذلك يقول كعب بن جعيل التغلبي في قتل عبيد الله بن عمر :
ألا إنـما تـبكي الـعيون iiلفارس بـصفين أجـلت خيله وهو iiواقف تـبدل مـن أسـماء أسياف iiوائل وأي فـتى لـو أخـطأته iiالمتالف تـركن عـبيد الله بـالقاع مـسلما يـمج دماه والعروق نوازف (4) يـنوء وتـغشاه شـآبيب مـن iiدم كما لاح في حبيب القميص الكفائف دعـاهن فاستسمعن من أين iiصوته وأقبلن شتى والعيون ذوارف (5) |
---------------------------
(1) في الأصل : ( فقالوا ) .
(2) التكملة من الطبري .
(3) في الأصل : ( فقال ) .
(4) مسلما : متروكا ، وفي الأصل : ( مسلبا ) صوابه في ح ، وفي ح : ( يمج دماء ) .
(5) قال ابن أبي الحديد في ( 1 : 499 ) : ( الضمير في قوله : دعاهن فاستسمعن من أين صوته ، يرجع إلى نساء عبيد الله ، وكان تحته أسماء بنت عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي ، وبحرية بنت هانئ بن قبيصة الشيباني ، وكان عبيد الله قد أخرجهما معه إلى الحرب في ذلك اليوم لينظرا إلى قتاله ) .
واقعة صفين
_ 288 _
وقـد صـبرت حـول ابن عم محمد لدى الموت شهباء المناكب شارف (1) فـما بـرحوا حتى رأى الله iiصبرهم وحـتى أتـيحت بـالأكف iiالمصاحف بـمرج تـرى الـرايات فـيه iiكأنها إذا اجتنحت للطعن طير عواكف (2) جـزى الله قـتلانا بـصفين خير iiما جــزاه عـبادا غـادرتها iiالـمواقف |
وفي حديث عمر : قال كعب بن جعيل في قتل عبيد الله بن عمر :
يـقول عـبيد الله لـما بدت iiله سحابة موت تقطر الحتف والدما ألا يالقومي اصبروا إن iiصبرنا أعـف وأحـجى ، عفة iiوتكرما فـلما تـلاقي القوم خر iiمجدلا صريعا فلاقي الترب كفيه iiوالفما وخـلف أطـفالا يـتامى أذلـة وخلف عرسا تسكب الدمع iiأيما حـلالا لـها الخطاب لا تتقيهم وقـد كان يحمى غيرة أن iiتكلما |
وحمل عبيد الله بن عمر وهو يقول :
أنـا عـبيد الله يـنميني عـمر خير قريش من مضى ومن iiغبر إلا نـبـي الله والـشيخ الأغـر قد أبطأت عن نصر عثمان مضر والـربعيون فـلا أسـقوا iiالمطر وسـارع الـحي اليمانون iiالغرر |
والخير في النــاس قديمــا يبتـدر فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي وهو يقول :
قد سارعت في نصرها ربيعه فـي الحق والحق لهم iiشريعه فـاكفف فلست تارك الوقيعة في العصبة السامعة iiالمطيعة |
حتى تذوق كأسهـــا الفظيعــه
(3) .
---------------------------
(1) في الأصل : ( شهباء المبارك ) صوابه في ح ، عني بها الكتيبة قد صارت مناكبها شهباء لما يعلوها من بياض الحديد .
(2) اجتنحت : مالت ، وفي ح : ( جنحت ) وهما بمعنى .
(3) في الأصل : ( القطيعة ) صوابه في ح ( 1 : 498 ) .
واقعة صفين
_ 289 _
فطعنه فصرعه وأخذ لواءه ابن جون السكوني ، وفي حديث محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، قال الصلتان العبدى (يذكر مقتل عبيد الله ، وأحريث بن جابر الحنفي قتله ) :
ألا يـا عـبيد الله مـا زلت مولعا بـبكر لها تهدى اللغا والتهددا (1) كـأن حـماة الـحي من بكر iiوائل بـذي الرمث أسد قد تبو أن iiغرقدا وكـنت سـفيها قـد تعودت iiعادة وكـل امـرئ جار على ما iiتعودا فـأصحبت مـسلوبا على شر iiآلة صريع قناوسط العجاجة مفردا (2) تـشق عـليك الـجيب ابنة هانيء مـسلبة تـبدى الشجا والتلددا (3) وكـانت تـرى ذا الأمر قبل iiعيانه ولـكن أمـر الله أهدى لك iiالردى وقـالت : عـبيد الله لا تأت iiوائلا فقلت لها : لا تعجلي وانظري iiغدا فـقد جـاء مـا مـنيتها iiفـتسلبت عـليك وأمـسى الجيب منها iiمقددا حـباك أخو الهيجا حريث بن iiجابر بـجياشة تحكى الهدير المنددا (4) |
نصر ، عن عمر ، عن الزبير بن مسلم قال : سمعت حضين بن المنذر يقول : أعطاني على الراية ثم قال : سر على اسم الله يا حضين
(5) ، واعلم أنه لا يخفق على رأسك راية أبدا مثلها ، إنها راية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
---------------------------
(1) اللغا ، بالفتح : الباطل ، وفي الأصل : ( اللقا ) تحريف ، وفي ح : ( القرى ) .
(2) الآلة ، هنا ، بمعنى الحالة .
(3) المسلبة : المحد التي تلبس الثياب السود للحداد ، والذي ذكرته المعاجم ( المسلب ) بدون هاء ، والتلدد : التلفت يمينا ويسارا في حيرة وتبلد .
(4) الجياشة : الطعنة التي يفور منها الدم ، والمندد ، من التنديد ، وهو رفع الصوت ، وفي الأصل : ( المبددا ) تحريف ، وفي ح :
(5) في الأصل : ( حصين ) صوابه بالمعجمة ، كما سبق في ص 287 .
واقعة صفين
_ 290 _
بحاسمة تحكى بها النهر مزبدا قال : وقد كان حريث بن جابر نازلا بين العسكرين في قبة له حمراء ، وكان إذا التقى الناس للقتال أمدهم بالشراب من اللبن والسويق والماء ، ( ويطعمهم اللحم والثريد ) ، فمن شاء أكل أو شرب
(1) ، وفي ذلك يقول الشاعر :
لو كان بالدهنا حريث بن iiجابر لأصبح بحرا بالمفازة جاريا (2) |
نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر قال : سمعت الشعبي يذكر أن
(3) صعصعة قال : عبأ لمذحج ولبكر بن وائل ذو الكلاع وعبيد الله ، فأصابوا ذا الكلاع وعبيد الله ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، قال : وشدت عك ولخم وجذام والأشعرون من أهل الشام ، على مذحج وبكر بن وائل ، فقال العكي في ذلك :
ويل لام مذحج من iiعك لـنتركن أمـهم iiتبكي نقتلهم بالطعن ثم الصك فلا رجال كرجال iiعك |
لكــل قــرن باســل مصــك ، قال : ونادى منادي مذحج : يال مذحج ، خدموا
(4) ، فاعترضت مذحج لسوق القوم فكان بوار عامة القوم ، وذلك أن مذحج حميت من قول العكي ، وقال العكي حين طحنت رحى القوم ، وخاضت الخيل والرجال في الدماء .
---------------------------
(1) ح ( 1 : 500 ) : ( فمن شاء أكل ومن شاء شرب ) .
(2) قال ابن أبي الحديد : ( قلت : هذا حريث الذي كتب معاوية إلى زياد في أمره بعد عام الجماعة ـ وحريث عامل لزياد على همدان ـ : أما بعد فاعزل حريث بن جابر عن عمله فما ذكرت مواقفه بصفين إلا كانت حزازة في صدري ، وكتب إليه زياد : خفض عليك يا أمير المؤمنين ، فإن حريثا قد بلغ من الشرف مبلغا لا تزيده الولاية ولا ينقصه العزل ) .
(3) ليست في الأصل .
(4) انظر ما سبق ص 257 .
واقعة صفين
_ 300 _
قال : فنادى : ( يال مذحج : الله الله : في عك وجذام ، ألا تذكرون الأرحام ، أفنيتم لخم الكرام ، والأشعرين وآل ذي حمام
(1) ، أين النهى والأحلام ، هذه النساء تبكي الأعلام ) ، وقال العكي
(2) : ( يا عك أين المفر ، اليوم تعلم ما الخبر ، إنكم قوم صبر ، كونوا كمجتمع المدر
(3) ، لا تشمتن بكم مضر ، حتى يحول الحكر
(4) ، فيرى عدوكم الغير ) ،
وقال الأشعري
(5) : ( يال مذحج من للنساء غدا إذا أفناكم الردى ، الله الله في الحرمات ، أما تذكرون نساءكم والبنات ، أما تذكرون أهل فارس والروم والأتراك ، لقد أذن الله فيكم بالهلاك ) : والقوم ينحر بعضهم بعضا ، ويتكادمون بالأفواه ، وقال : نادى أبو شجاع الحميري وكان من ذوي البصائر مع علي فقال : يا معشر حمير تبت أيديكم ، أترون معاوية خيرا من علي ؟ أضل الله سعيكم ، ثم أنت يا ذا الكلاع فوالله إن كنا نرى أن لك نية في الدين ، فقال ذو الكلاع : إيها يا أبا شجاع ، والله فاعلمن ما معاوية بأفضل من علي ، ولكن إنما أقاتل على دم عثمان ، قال : وأصيب ذو الكلاع بعده
(6) ، قتله خندف بن بكر البكري في المعركة ، نصر : عمر ، عن الحارث بن حصيرة ، أن ابن ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس رسولا ، فقال له : إن ابن عمك ذي الكلاع
(7) .
---------------------------
(1) في القاموس : ( وذو الحمام بن مالك حميري ) .
(2) ح : ( ونادى منادي عك ) .
(3) في الأصل : ( كمفترق المدر ) صوابه في ح ( 1 : 500 ) .
(4) الحكر في لغة أهل عك هو ( الحجر ) بقلب الجيم كافا ، انظر ما سبق ص 228 ، ح : ( حتى يحول ذا الخبر ) تحريف .
(5) في الأصل : ( الأشعرون ) وفي ح : ( ونادى منادي الأشعريين ) .
(6) ح : ( حينئذ ) .
(7) في الأصل : ( ذا الكلاع ) تحريف .
واقعة صفين
_ 301 _
يقرئك السلام ورحمة الله ، وإن كان ذو الكلاع قد أصيب وهو في الميسرة فتأذن لنا فيه ، فقال له الأشعث : أقرئ صاحبك السلام ورحمة الله وقل له : إني أخاف أن يتهمني علي ، فاطلبه
(1) إلى سعيد بن قيس فإنه في الميمنة . فذهب إلى معاوية فأخبره وكان منع ذلك منهم ، وكانوا في اليوم والأيام يتراسلون ، فقال له معاوية : فما عسيت أن أصنع ؟ وذلك لأنهم منعوا أهل الشام أن يدخلوا عسكر علي لشيء ، خافوا أن يفسدوا أهل العسكر
(2) ، وقال
(3) معاوية : لأنا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع منى بفتح مصر لو فتحتها ، لأن ذا الكلاع كان يحجر على معاوية في أشياء كان يأمر بها ، فخرج ابن ذي الكلاع إلى سعيد بن قيس فاستأذنه في ذلك فإذن له ؛ فقال سعد الإسكاف
(4) والحارث بن حصيرة قالا : قال سعيد بن قيس لأبن ذي الكلاع ، كذبت أن يمنعوك ، إن أمير المؤمنين لا يبالي من دخل بهذا الأمر ، ولا يمنع أحدا من ذلك فادخل ، فدخل من قبل الميمنة فطاف في العسكر فلم يجده ، ثم أتى الميسرة فطاف في العسكر فوجده قد ربط رجله بطنب من أطناب بعض فساطيط العسكر ، فوقف على باب الفسطاط ؛ فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ، فقيل له : وعليك السلام ، وكان معه عبد له أسود لم يكن معه غيره ، فقال : تأذنون لنا في طنب من أطناب فسطاطكم ؟ قالوا : قد أذنا لكم ، ثم قالوا : معذرة إلى ربنا عز وجل وإليكم ، أما إنه لو لا بغيه علينا ما صنعنا به ما ترون ، فنزل ابنه إليه ـ وكان من أعظم الناس خلقا وقد انتفخ شيئا ـ فلم يستطيعا احتماله ، فقال ابنه ، هل من فتى معوان ؟ فخرج إليه خندف البكري فقال : تنحوا عنه ، فقال له ابن ذي الكلاع : ومن يحمله إذا تنحينا ؟ قال : يحمله الذي قتله ، فاحتمله خندف ثم رمى به على ظهر البغل ، ثم شده بالحبال فانطلقوا به .
---------------------------
(1) في الأصل : ( فاطلبوا ) وأثبت ما في ح .
(2) ح : ( فقال له إن عليا ( عليه السلام ) قد منع أن يدخل أحد منا إلى معسكره ، يخاف أن يفسد عليه جنده ) .
(3) في الأصل : ( فقال ) .
(4) هو سعد بن طريف الحنظلي ، مولاهم ، الإسكاف الكوفي ، ويقال له أيضا سعد الخفاف ، روى عن الأصبغ بن نباتة وأبي جعفر وأبي عبد الله ، قال ابن حجر : متروك ، ورماه ابن حبان بالوضع ، انظر تهذيب التهذيب ومنتهى المقال 144 .
واقعة صفين
_ 302 _
ثم تمادى الناس في القتال فاضطربوا بالسيوف حتى تعطفت
(1) وصارت كالمناجل ، وتطاعنوا بالرماح حتى تكسرت وتناثرت أسنتها ، ثم جثوا على الركبات فتحاثوا بالتراب ، يحثو بعضهم في وجوه بعض التراب ، ثم تعانقوا وتكادموا بالأفواه ، وتراموا بالصخر والحجارة ، ثم تحاجزوا فجعل الرجل من أهل العراق يمر على أهل الشام فيقول : من أين آخذ
(2) إلى رايات بني فلان ؟ فيقولون : هاهنا لا هداك الله ، ويمر الرجل من أهل الشام على أهل العراق فيقول : كيف آخذ إلى رايات بني فلان ؟ فيقولون : هاهنا لا حفظك الله ولا عافاك ، وكان من أمراء النمر بن قاسط عبد الله بن عمرو ، من بني تميم ، وقتل يومئذ فلان بن مرة بن شرحبيل ، والحارث بن عمرو بن شرحبيل ، نصر ، عن عمر بن سعد ، عن البراء بن حيان الذهلي أن أبا عرفاء جبلة بن عطية الذهلي قال للحضين
(3) يوم صفين : هل لك أن تعطيني رايتك أحملها فيكون لك ذكرها ويكون لي أجرها ، فقال له الحضين
(4) : وما غناي يا عم عن أجرها مع ذكرها ؟ قال له : لا غنى بك عن ذلك ، أعرها عمك ساعة
(5) .
---------------------------
(1) تعطفت : تثنت وتلوت ، وفي الأصل وح : ( تقطعت ) والوجه ما أثبت .
(2) ح ( 1 : 501 ) : ( كيف آخذ ) .
(3) في الأصل : ( للحصين ) وانظر ما سبق ص 287 .
(4) في الأصل : ( الحصين ) بالصاد المهملة ، تحريف .
(5) في الأصل : ( أعيرها عنك ساعة ) صوابه في ح ( 1 : 500 ) .
واقعة صفين
_ 303 _
فما أسرع ما ترجع إليك ، فعلم أنه يريد أن يستقتل ، قال : فما شئت ، فأخذ الراية أبو عرفاء فقال : يا أهل هذه الراية ، إن عمل الجنة كره كله ( وثقيل ) ، وإن عمل النار خف كله وحبيب
(1) ، وإن الجنة لا يدخلها إلا الصابرون ، الذين صبروا أنفسهم على فرائض الله وأمره ، وليس شيء مما افترض الله على العباد أشد من الجهاد ، هو أفضل الأعمال ثوابا ، فإذا رأيتموني قد شددت فشدوا ، ويحكم ، أما تشتاقون إلى الجنة ، أما تحبون أن يغفر الله لكم ، فشد وشدوا معه فاقتتلوا اقتتالا شديدا ، وأخذ الحضين
(2) يقول :
شدوا إذا ما شد iiباللواء ذاك الرقاشي أبو عرفاء |
فقاتل أبو عرفاء حتى قتل ، وشدت ربيعة بعده شدة عظيمة على صفوف أهل الشام فنقضتها ، وفي ذلك قال مجزأة بن ثور :
أضـربـهم ولا أرى مـعـاويه الأبرج العين العظيم الحاويه (3) هـوت بـه فـي النار أم هاويه جـاوره فـيها كـلاب iiعـاويه |
أغوى طغامــا لا هدتــه هادبــه قال : وقال معاوية لعمرو : أما ترى يا أبا عبد الله ما قد دفعنا فيه ؟ كيف ترى أهل العراق غدا صانعين ؟ إنا لبمعرض خطر عظيم ، فقال له عمرو : إن أصبحت ربيعة متعطفين حول على تعطف الإبل حول فحلها لقيت منهم جلادا صادقا وبأسا شديدا ، ( وكانت التي لا يتعزى لها ) ، فقال له معاوية : أبخؤولتك تخوفني يا أبا عبد الله ؟ قال : إنك سألتني فأجبتك ، فلما أصبحوا في اليوم العاشر أصبحوا وربيعة محدقة بعلي ( عليه السلام ) إحداق بياض العين بسوادها ، وقام خالد بن المعمر فنادى : من يبايع نفسه على الموت ويشرى نفسه لله ؟ فبايعه سبعة آلاف على ألا ينظر رجل منهم خلفه حتى يرد سرادق معاوية ، فاقتتلوا قتالا شديدا وقد كسروا جفون سيوفهم .
---------------------------
(1) هذه التكملة التي أثبت من ح هي في أصلها : ( وخبيث ) ، والمقابلة تقتضي ما أثبت .
(2) هو مجزأة بن ثور بن عفير بن زهير بن عمرو بن كعب بن سدوس السدوسي ، أحد الصحابة ، وكان رئيسا ، انظر الإصابة 7724 ، وفي ح : ( محرز بن ثور ) تحريف ، والرجز يروي لبديل بن ورقاء كما في مروج الذهب ( 2 : 25 ) ولعلي ( عليه السلام ) كما في اللسان ( 18 : 229 ) ومروج الذهب ، وللأخنس ، كما في الاشتقاق 148 .
(3) البرج : سعة العين ، والحاوية : واحدة الحوايا ، وهي الأمعاء .
واقعة صفين
_ 304 _
نصر ، قال عمر : حدثني ابن أخي عتاب بن لقيط البكري من بني قيس ابن ثعلبة أن عليا حيث انتهى إلى رايات ربيعة قال ابن لقيط : إن أصيب على فيكم افتضحتم ، وقد لجأ إلى راياتكم
، وقال لهم شقيق بن ثور : يا معشر ربيعة ، ليس لكم عذر في العرب إن أصيب على
(1) فيكم ومنكم رجل حي ، إن منعتموه فحمد الحياة ألبستموه ، فقاتلوا قتالا شديدا لم يكن قبله ( مثله ) حين جاءهم علي ، ففي ذلك تعاقدوا وتواصوا ألا ينظر رجل منهم خلفه حتى يرد سرادق معاوية ، فلما نظر إليهم معاوية قد أقبلوا قال :
إذا قلت قد ولت ربيعة أقبلت كـتائب منهم كالجبال تجالد |
ثم قال معاوية لعمرو : ماذا ترى ؟ قال : أرى ألا تحنث أخوالي اليوم ، فخلى معاوية عنهم وعن سرادقه وخرج فارا عنه لائذا إلى بعض مضارب العسكر ، فدخل فيه ، وبعث معاوية إلى خالد بن المعمر : إنك قد ظفرت ولك إمرة خراسان إن لم تتم ، فطمع خالد في ذلك ولم يتم
(2) ، فأمره معاوية ـ حين بايعه الناس ـ على خراسان ، فمات قبل أن يصل إليها ، وفي ذلك قال النجاشي :
لـو شـهدت هند لعمري iiمقامنا بـصفين فدتنا بكعب بن iiعامر فـياليت أن الأرض تنشر iiعنهم فـيخبرهم أنـباءنا كـل iiخابر بـصفين إذ قـمنا كـأنا iiسحابة سـحاب ولـى صـوبه iiمتبادر فأقسم لو لاقيت عمرو بن iiوائل بـصفين الـفاني بـعهدة iiغادر فـولوا سـراعا موجفين iiكأنهم نـعام تـلاقي خـلفهن زواجر وفـر ابن حرب عفر الله iiوجهه وأراده خـزيا ، إن ربـي iiقادر مـعاوي لـولا أن فقدناك iiفيهم لغودرت مطروحا بها مع معاشر مـعاشر قـوم ضلل الله iiسعيهم وأخزاهم ربي كخزي iiالسواحر |
---------------------------
(1) ح ( 1 : 501 ) ( إن وصل إلى علي ) .
(2) ح : ( فقطع خالد القتال ولم يتمه ) .
واقعة صفين
_ 305 _
قال : وقال مرة بن جنادة العليمي ، من بني عليم من كلب
(1) :
ألا سـألت بـنا غـداة iiتـبعثرت بكر العراق بكل عضب مقصل (2) بـرزوا إلـينا بـالرماح iiتـهزها بـين الـخنادق مـثل هز iiالصيقل والـخيل تـضبر في الحديد iiكأنها أسـد أصـابتها بـليل شمأل (3) |
وفي حديث عمر بن سعد قال : ثم إن عليا صلى الغداة ثم زحف إليهم ، فلما أبصروه قد خرج استقبلوه بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا ، ثم إن خيل أهل الشام حملت على خيل أهل العراق فاقتطعوا من أصحاب على ألف رجل أو أكثر ، فأحاطوا بهم وحالوا بينهم وبين أصحابهم فلم يروهم ، فنادى علي يومئذ : ألا رجل يشري نفسه لله ويبيع دنياه بآخرته ؟ فأتاه رجل من جعف يقال له عبد العزيز بن الحارث ، على فرس أدهم كأنه غراب ، مقنعا في الحديد ، لا يرى منه إلا عيناه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، مرني بأمر ، فوالله ما تأمرني بشئ إلا صنعته ، فقال علي :
---------------------------
(1) هم بنو عليم بن جناب بن هبل ، إحدى قبائل كلب بن وبرة ، من قضاعة ، انظر الاشتقاق 316 ثم 314 .
(2) مقصل ، بالقاف : قطاع ، وفي الأصل : ( مفصل ) .
(3) تضبر : تثب ، وفي الأصل : ( تصبر ) تحريف ، والحديد ، هنا : السلاح ، والبليل : الريح الندية ، وفي هذا البيت إقواء .
واقعة صفين
_ 306 _
سـمحت بـأمر لا يطاق iiحفيظة وصدقا ، وإخوان الحفاظ قليل (1) جـزاك إله الناس خيرا فقد iiوفت يداك بفضل ما هناك جزيل (2) |
أبا الحارث ، شد الله ركنك ، احمل لي أهل الشام حتى تأتي أصحابك فتقول لهم : أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم : هللوا وكبروا من ناحيتكم ، ونهلل نحن ونكبر من هاهنا ، واحملوا من جانبكم ونحمل من جانبنا على أهل الشام ، فضرب الجعفي فرسه حتى إذا قام على السنابك
(3) ، حمل على أهل الشام المحيطين بأصحاب علي فطاعنهم ساعة وقاتلهم فانفرجوا له حتى أتى أصحابه ، فلما رأوا استبشروا به وفرحوا وقالوا : ما فعل أمير المؤمنين ؟ قال : صالح يقرئكم السلام ويقول لكم : هللوا وكبروا واحملوا حملة رجل واحد من ذلك الجانب ، وحملوا على أهل الشام من ثم ، وحمل على من هاهنا في أصحابه ، فانفرج أهل الشام عنهم فخرجوا وما أصيب منهم رجل واحد ، ولقد قتل من فرسان أهل الشام يومئذ زهاء سبعمائة رجل ، قال : وقال علي : من أعظم الناس غناء ؟ فقالوا : أنت يا أمير المؤمنين ، قال : كلا ، ولكنه الجعفي .
---------------------------
(1) ح ( 1 ، 501 ) : ( وإخوان الصفاء ) .
(2) في البيت إقواء ، وفي ح : ( خيرا فإنه ، لعمرك فضل ) .
(3) ح : ( على أطراف سنابكه ) .
واقعة صفين
_ 307 _
وذكروا أن عليا كان لا يعدل بربيعة أحدا من الناس ، فشق ذلك على مضر وأظهروا لهم القبيح ، وأبدوا ذات أنفسهم ، فقال حضين بن المنذر ( الرقاشي ) شعرا أغضبهم ، فيه :
رأت مـضر صارت ربيعة iiدونهم شـعار أمير المؤمنين ، وذا iiالفضل فـأبدوا إلـينا مـا تجن iiصدورهم علينا من البغضا وذاك له أصل (1) فـقلت لـهم لـما رأيـت iiرجالهم بـدت بـهم قـطو كـأن بهم iiثقل إلـيـكم أهـيـبوا لا أبـا لأبـيكم فـإن لـكم شـكلا وإن لـنا iiشكل ونـحن أنـاس خـصنا الله iiبالتي رآنـا لـها أهـلا وأنـتم لها iiأهل فـأبلوا بـلانا أو أقـروا iiبـفضلنا ولـن تلحقونا الدهر ما حنت iiالإبل |
فغضبوا من شعر حضين ، فقام أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني
(2) ، وعمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي ، ووجوه بني تميم ، وقبيصة ابن جابر الأسدي في وجوه بني أسد ، وعبد الله بن الطفيل العامري
(3) في وجوه هوازن ، فأتوا عليا فتكلم أبو الطفيل فقال يا أمير المؤمنين ، إنا والله ما نحسد قوما خصهم الله منك بخير إن أحمدوه وشكروه ، وإن هذا الحي من ربيعة قد ظنوا أنهم أولى بك منا ، وأنك لهم دوننا ، فأعفهم عن القتال أياما ، واجعل لكل امرئ منا يوما يقاتل فيه ، فإنا إذا اجتمعنا
(4) اشتبه عليك بلاؤنا ، فقال علي : أعطيتم ما طلبتم يوم الأربعاء
(5) ، وأمر ربيعة أن تكف عن القتال ، وكانت بإزاء اليمن من صفوف أهل الشام .
---------------------------
(1) ح : فأبدوا لنا مما تجن صدورهم ، هو السوء والبغضاء والحقد والغل .
(2) هو عامر بن واثلة ـ بالثاء المثلثة ـ بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي ، ولد عام أحد ، ورأى الرسول ، وروى عن أبي بكر فمن بعده ، وعمر إلى أن مات سنة عشر ومائة ، وهو آخر من مات من الصحابة ، انظر الإصابة 670 من باب الكني ، وتهذيب التهذيب ، ح : ( بن وائلة ) تحريف .
(3) هو عبد الله بن الطفيل بن ثور بن معاوية العامري ثم البكائي ، انظر ما سبق ص 206 والإصابة 6328 ، وفي الأصل : ( عبيد الله بن عامر ) صوابه في ح ( 1 : 502 ) ، وسيأتي على الصواب أيضا ص 311 .
(4) في الأصل : ( إن اجتمعنا ) وأثبت ما في ح .
(5) يوم الأربعاء ، ليست في ح .
واقعة صفين
_ 308 _
فغدا ( أبو الطفيل ) عامر بن واثلة في قومه من كنانة وهم جماعة عظيمة ، فتقدم أمام الخيل وهو يقول : طاعنوا وضاربوا ، ثم حمل وهو يقول :
قد صابرت في حربها كنانه (1) والله يـجـزيها بـهـا iiجـنانه مـن أفـرغ الصبر عليه iiزانه أو غـلب الـجبن عـليه iiشانه أو كـفـر الله فـقـد أهـانـه غـدا يـعض من عصى iiبنانه |
فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انصرف أبو الطفيل إلى علي فقال : ( يا أمير المؤمنين ، إنك نبأتنا أن أشرف القتل الشهادة ، وأحظى الأمر الصبر ، وقد والله صبرنا حتى أصبنا ، فقتيلنا شهيد ، وحينا ثائر
(2) ، فاطلب بمن بقى ثأر من مضى ، فإنا وإن كان قد ذهب صفونا
(3) وبقى كدرنا فإن لنا دينا لا يميل به الهوى ، ويقينا لا يزحمه الشبهة ، فأثنى علي عليه خيرا ، ثم غدا يوم الجمعة عمير بن عطارد بجماعة من بني تميم ، وهو يومئذ سيد مضر من أهل الكوفة ، فقال : يا قوم ، إني أتبع آثار أبي الطفيل وتتبعون آثار كنانة ، فتقدم برايته وهو يقول :
قـد ضـاربت في حربها iiتميم إن تـمـيما خـطبها iiعـظيم لـهـا حـديث ولـها iiقـديم إن الـكـريم نـسـله iiكـريم إن لم تزرهم رايتي فلوموا (4) ديـن قـويم وهـوى iiسـليم |
---------------------------
(1) ح : ( ضاربت ) .
(2) ثائر ، من الثأر ، ح : ( سعيد ) .
(3) في الأصل : ( عفونا ) صوابه في ح .
(4) في الأصل : ( إن لم تزدهم ) تحريف ، وفي ح : ( إن لم تردهم ) .
واقعة صفين
_ 309 _
فطعن برايته حتى خضبها دما ، وقاتل أصحابه قتالا شديدا حتى أمسوا ،
وانصرف عمير إلى علي وعليه سلاحه فقال : يا أمير المؤمنين ، قد كان ظني بالناس حسنا ، وقد رأيت منهم فوق ظني بهم ، قاتلوا من كل جهة ، وبلغوا من عفوهم جهد عدوهم
(1) ، وهم لهم إن شاء الله ، ثم غدا يوم السبت قبيصة بن جابر الأسدي في بني أسد ، وهم حي الكوفة بعد همدان ، فقال : ( يا معشر بني أسد ، أما أنا فلا أقصر دون صاحبي ، وأما أنتم فذاك إليكم ) ثم تقدم برايته وهو يقول :
قـد حافظت في حربها بنو iiأسد مـا مثلها تحت العجاج من iiأحد أقـرب من يمن وأنأي من iiنكد كـأننا ركـنا ثبير أو أحد  (2) لسنا بأوباش ولا بيض البلد (3) لـكننا المحة من ولد معد (4) كـنت ترانا في العجاج iiكالأسد ياليت روحي قد نأي عن iiالجسد |
فقاتل القوم ولم يكونوا على ما يريد
(5) في الجهد ، فعذلهم علي ما يجب فظفر ، ثم أتى عليا فقال : ( يا أمير المؤمنين ، إن استهانة النفوس في الحرب أبقى لها
(6) ، والقتل خير لها في الآخرة ) ، ثم غدا يوم الأحد عبد الله بن الطفيل العامري
(7) ـ وكان سيد بني عامر ، فغدا بجماعة هوازن وهو يقول :
---------------------------
(1) العفو : ما جاء في يسر لا كلفة معه .
(2) في الأصل : ( ركن ثبير ) وأثبت ما في ح .
(3) بيضة البلد ، مثل في الذلة والقلة ، وهي بيضة النعام التي يتركها .
(4) الولد ، بالضم : جمع ولد ، كأسد وأسد ، وفي الأصل : ( من ولد سعد ) صوابه في ح ( 1 : 502 ) ، وكأنه ينظر إلى قول عبد الله بن الزبعري :
(5) في الأصل : ( يزيد ) .
(6) ينظر إلى قول الحنساء :
(7) سبقت ترجمته في ص 309 .
واقعة صفين
_ 310 _
كـانت قـريش بـيضة iiفتفلقت فـالمح خـالصة لـعبد iiمـناف نـهين الـنفوس وهون النفوس يــوم الـكـريهة أبـقى iiلـها قـد ضاربت في حربها iiهوازن أولاك قــوم لـهـم مـحاسن حـبي لـهم حزم وجأشي iiساكن طعن مداريك وضرب واهن (1) هـذا وهـذا كـل يـوم iiكـائن لـم يـخبروا عنا ولكن iiعاينوا |
واشتد القتال بينهم حتي الليل ، ثم انصرف عبد الله بن الطفيل فقال : يا أمير المؤمنين ، أبشر ، فإن الناس نقمة ، لقيت والله بقومي أعدادهم من عدوهم ، فما ثنوا أعنتهم حتى طعنوا في عدوهم ، ثم رجعوا إلى فاستكرهوني على الرجوع إليهم ، واستكرهتهم على الانصراف إليك ، فأبوا ثم عادوا فاقتتلوا ، فأثنى على عليهم خيرا ، وفخرت المصرية بما كان منهم على الربعية ، وانتصفوا من الربعية ، وقال عامر بن واثلة :
حـامـت كـنانة فـي iiحـربها وحـامت تـميم وحـامت أسـد وحـامت هـوازن يـوم الـلقا فـما خـام مـنا ومـنهم أحـد لـقـيـنا قـبـائل أنـسـابهم إلى حضر موت وأهل الجند (2) لـقينا الـفوارس يـوم iiالخميس والـعيد والسبت ثم الأحد (3) وأمـدادهـم خـلـف iiآذانـهم ولـيس لـنا من سوانا مدد (4) فـلـمـا تـنـادوا iiبـآبـائهم دعـونـا مـعدا ونـعم الـمعد فـظـلـنا نـفـلق iiهـامـاتهم ولـم نـك فـيها بـبيض iiالبلد ونـعم الـفوارس يـوم iiالـلقاء فـقل فـي عـديد وقل في iiعدد وقـل فـي طـعان كفرغ iiالدلاء وضـرب عظيم كنار الوقد (5) |
---------------------------
(1) الضرب الواهن : الموهن ، يقال وهنه وأوهنه ، أي أضعفه .
(2) الجند ، بالتحريك : قسم من أقسام اليمن ، وهي من أرض السكاسك ، بينها وبين صنعاء ثمانية وخمسون فرسخا ، وفي الأصل : ( جند ) صوابه في ح ( 1 : 503 ) .
(3) يعني بيوم العيد يوم الجمعة .
(4) خلف آذانهم ، أي هم من القرب إليهم بذلك المكان ، وفي الأصل : ( أذنابهم ) والوجه ما أثبت من ح .
(5) فرغ بضم الراء : جمع فراغ ككتاب ، وهو مصب الدلو ، وسكن الراء للشعر .
واقعة صفين
_ 311 _
ولـكن عـصفنا بهم عصفة وفي الحرب يمن وفيها iiنكد طحنا الفوارس وسط العجاج وسـقنا الزعانف سوق iiالنقد وقـلنا ، عـلي لـنا iiوالـد ونـحن لـه طـاعة iiكالولد |
قال : وبلغ أبا الطفيل أن مروان وعمرو بن العاص يشتمون أبا الطفيل ، فقال أبو الطفيل الكناني :
أيـشتمني عمرو ومروان iiضلة بـحكم ابـن هند والشقي iiسعيد وحـول ابن هند شائعون iiكأنهم إذا ما استقاموا في الحديث iiقرود يـعضون مـن غيظ علي iiأكفهم وذلـك غـم لا أجـب iiشـديد ومـا سـبني إلا ابن هند iiوإنني لـتلك الـتي يشجى بها iiلرصود ومـا بـلغت أيـام صفين iiنفسه تـراقـيه والـشامتون شـهود وطارت لعمرو في الفجاج شظية ومـروان من وقع الرماح يحيد |
نصر عن عمرو ، عن الأشعث بن سويد ، عن كردوس قال : كتب عقبة ـ وهو ابن مسعود ، عامل علي على الكوفة ـ إلى سليمان بن صرد ( الخزاعي ) ، وهو مع علي بصفين : أما بعد فإنهم ( إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا ) ، فعليك بالجهاد والصبر مع أمير المؤمنين ، والسلام عليك ) ، نصر ، عن عمر ( بن سعد ) وعمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر قال : قام علي فخطب الناس بصفين يومئذ فقال : الحمد لله على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر والفاجر ، وعلى حججه البالغة على خلقه من أطاعه فيهم ومن عصاه ، إن رحم فبفضله ومنه ، وإن عذب فبما كسبت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد .
واقعة صفين
_ 312 _
أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، وأستعينه على ما نابنا من أمر دنيا أو آخرة ، وأومن به وأتوكل عليه وكفى بالله وكيلا ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ، ارتضاه لذلك ، وكان أهله ، ( و ) اصطفاه على جميع العباد لتبليغ رسالته ، وجعله رحمة منه على خلقه ، فكان كعلمه فيه رؤوفا رحيما ، أكرم خلق الله حسبا
(1) ، وأجمله
(2) منظرا وأسخاه نفسا ، وأبره بوالد ، وأوصله لرحم ، وأفضله علما ، وأثقله حلما ، وأوفاه بعهد ، وآمنه علي عقد ، لم يتعلق عليه مسلم ولا كافر بمظلمة قط ، بل كان يظلم فيغفر ، ويقدر
(3) فيصفح ويعفو ، حتى مضى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مطيعا لله صابرا على ما أصابه ، مجاهدا في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فكان ذهابه أعظم المصيبة على جميع أهل الأرض والبر والفاجر ، ثم ترك كتاب الله فيكم يأمر بطاعة الله وينهى عن معصيته ، وقد عهد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عهدا فلست أحيد عنه ، وقد حضرتم عدوكم وقد علمتم من رئيسهم ، منافق ابن منافق يدعوهم إلى النار ، وابن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم إلى الجنة وإلى طاعة ربكم ، ويعمل بسنة نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلا سواء من صلى قبل كل ذكر ، لم يسبقني بصلاتي مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حد ، وأنا من أهل بدر ، ومعاوية طليق ابن طليق ، والله إنكم لعلى حق وإنهم لعلى باطل ، فلا يكونن القوم على باطلهم اجتمعوا عليه وتفرقون عن حقكم حتى يغلب باطلهم حقكم ، ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ) ، فإن لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم ) .
---------------------------
(1) في الأصل : ( حسنا ) وأثبت ما في ح .
(2) في ح : ( وأجملهم ) وكذا سائر ضمائر العبارة إلى قوله : ( وآمنه على عقد ) أي بضمير الجمع .
(3) في الأصل : ( ويغدر ) صوابه في ح .
واقعة صفين
_ 313 _
فأجابه أصحابه فقالوا : يا أمير المؤمنين ، انهض بنا إلى عدونا وعدوك إذا شئت ، فوالله ما نريد بك بدلا ، نموت معك ونحيا معك ، فقام لهم علي مجيبا لهم : والذي نفسي بيده لنظر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أضرب قدامه بسيفي فقال : ( لا سيف إلا ذو الفقار
(1) ، ولا فتى إلا علي ) ، وقال : ( يا علي ، أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، وموتك وحياتك يا علي معي ) ، والله ما كذبت ولا كذبت ، ولا ضللت ولا ضل بي ، وما نسيت ما عهد إلى ، وإني لعلى بينة من ربي ، وإني لعلى الطريق الواضح ، ألفظه لفظا ، ثم نهض إلى القوم ، فاقتتلوا من حين طلعت الشمس حتى غاب الشفق ، وما كانت صلاة القوم إلا تكبيرا ، نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن صعصعة بن صوحان ذكر أن علي بن أبي طالب صاف أهل الشام ، حتى برز رجل من حمير من آل ذي يزن ، اسمه كريب بن الصباح ، ليس في أهل الشام يومئذ رجل أشهر شدة بالبأس منه ، ثم نادى : من يبارز ؟ فبرز إليه المرتفع بن الوضاح الزبيدي ، فقتل المرتفع ، ثم نادى : من يبارز ؟ فبرز إليه الحارث بن الجلاح
(2) فقتل ؟ ثم نادى : من يبارز ؟ فبرز إليه عائذ بن مسروق الهمداني
(3) فقتل عائذا ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ، ثم قام عليها بغيا واعتداء ، ثم نادى : هل بقي من مبارز ؟ فبرز إليه على ثم ناداه : ويحك يا كريب ، إني أحذرك ( الله وبأسه ونقمته ) ، وأدعوك إلى سنة الله وسنة رسوله ، ويحك لا يدخلنك ابن آكلة الأكباد النار ، فكان جوابه أن قال : ما أكثر ما قد سمعنا هذه المقالة منك ، فلا حاجة لنا فيها ، أقدم إذا شئت ، من يشتري سيفي وهذا أثره ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم مشى إليه فلم يمهله أن ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه .
---------------------------
(1) ذو الفقار : اسم سيف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، سمى بذلك لحفر صغار حسان كانت به ، وكان للعاص بن منبه ، ثم صار إلى الرسول ، ثم صار إلى علي ، انظر اللسان ، وما يعول عليه .
(2) ح : ( بن اللجلاج ) .
(3) ح : ( عابد ) بالباء الموحدة .
واقعة صفين
_ 314 _
ثم نادى : من يبارز ؟ فبرز إليه الحارث بن وداعة الحميري فقتل الحارث ، ثم نادى : من يبارز ؟ فبرز إليه المطاع بن المطلب القيني
(1) ، فقتل مطاعا ثم نادى : من يبرز ؟ فلم يبرز إليه أحد ، ثم إن عليا نادى : يا معشر المسلمين ، الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين
(2) ، ويحك يا معاوية هلم إلى فبارزني ولا يقتلن الناس فيما بيننا ، فقال عمرو : اغتنمه منتهزا ، قد قتل ثلاثة من أبطال العرب ، وإني أطمع أن يظفرك الله به ، فقال معاوية : ويحك يا عمرو ، والله إن تريد إلا أن أقتل فتصيب الخلافة بعدي ، اذهب إليك ، فليس مثلي يخدع ، وقال المخارق بن الصباح الحميري في ذلك ، وقد قتل إخوة له ثلاثة وقتل أبوه وكان من أعلام العرب ، فقال وهو يبكي على العرب :
أعـوذ بالله الـذي قـد iiاحتجب بـالنور والسبع الطباق iiوالحجب أمـن ذوات الـدين منا والحسب لا تبكين عين على من قد iiذهب لـيس كـمثل الله شيء iiيرتهب يا رب لا تهلك أعلام العرب (3) |
---------------------------
(1) ح ( 1 : 504 ) : ( العبسي ) .
(2) في الأصل : ( مع الصابرين ) تحريف ، والآية هي 194 من البقرة .
(3) أراد لا تهلكن ، فحذف نون التوكيد الحقيقة ، وأبقى الفتحة قبلها تدل عليها ، انظر ما سبق ص 177 في التنبيه الثالث .
واقعة صفين
_ 315 _
الـقائلين الـفاعلين فـي iiالتعب والمطعمين الصالحين في السغب |
أفناهم يوم الخميس المعتصب
(1)
قال : فأرسل إليه معاوية بألف درهم ، نصر ، قال عمر : حدثني خالد بن عبد الواحد الجزري
(2) قال : حدثني من سمع عمرو بن العاص قبل الوقعة العظمى بصفين ، وهو يحرض أصحابه بصفين ، فقام محنيا على قوس فقال :
الحمد لله العظيم في شأنه ، القوى في سلطانه ، العلي في مكانه ، الواضح في برهانه ، أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، وفي كل لزبة من بلاء
(3) أو شدة أو رخاء ، وأشهد ألا إله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، ثم إنا نحتسب عند الله رب العالمين ما أصبح في أمة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من اشتعال نيرانها ، وظلام جنباتها ، واضطراب حبلها ، ووقوع بأسها بينها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين ، أولا تعلمون أن صلاتنا وصلاتهم ، وصيامنا وصيامهم ، وحجنا وحجهم ، وقبلتنا وقبلتهم ، وديننا ودينهم واحد ، ولكن الأهواء متشتتة
(4) ، اللهم أصلح هذه الأمة بما أصلحت به أولها ، واحفظ فيها بنيها
(5) ، مع أن القوم قد وضئوا بلادكم ، وبغوا عليكم فجدوا في قتال عدوكم ، واستعينوا بالله ربكم ، وحافظوا على حرماتكم ) ، ثم إنه جلس ، ثم قام عبد الله بن العباس خطيبا فقال :
---------------------------
(1) المعتصب ، وصف من قولهم يوم عصيب أي شديد ، وفي الأصل : ( المغتصب ) .
(2) ح : ( الجريري ) .
(3) اللزبة : الشدة ، ح : ( رزية ) .
(4) ح : ( مختلفة ) .
(5) ح : ( واحفظ فيما بيننا ) .
واقعة صفين
_ 316 _
( الحمد لله رب العالمين ، الذي دحا تحتنا سبعا ، وسمك فوقنا سبعا
(1) ، ثم خلق فيما بينهن خلقا ، وأنزل لنا منهن رزقا
(2) ، ثم جعل كل شئ يبلى ويفنى غير وجهه ، الحي القيوم الذي يحيا ويبقى ، ثم إن الله بعث أنبياء ورسلا فجعلهم حججا على عباده ، عذرا أو نذرا ، لا يطاع إلا بعلمه وإذنه ، يمن بالطاعة على من يشاء من عباده ثم يثيب عليها ، ويعصي ( بعلم منه ) فيعفو ويغفر بحلمه ، لا يقدر قدره ، ولا يبلغ شئ مكانه ، أحصى كل شيء عددا ، وأحاط بكل شئ علما ، ثم إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، إمام الهدى والنبي المصطفى ، وقد ساقنا قدر الله إلى ما قد ترون ، حتي كان فيما اضطرب من حبل هذه الأمة وانتشر من أمرها ، أن ابن آكلة الأكباد قد وجد من طغام أهل الشام أعوانا على علي بن أبي طالب ، ابن عم رسول الله وصهره ، وأول ذكر صلى معه ، بدري قد شهد مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كل مشاهده التي فيها الفضل ، ومعاوية وأبو سفيان مشركان يعبدان الأصنام ، واعلموا والله الذي ملك الملك وحده فبان به وكان أهله ، لقد قاتل علي بن أبي طالب مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وعلي يقول : صدق الله ورسوله ، ومعاوية وأبو سفيان يقولان : كذب الله ورسوله ، فما معاوية في هذه بأبر ولا أتقى ولا أرشد ولا أصوب منه في قتالكم ، فعليكم بتقوى الله والجد والحزم والصبر ، وإنكم لعلى الحق وإن القوم لعلى الباطل ، فلا يكونن أولى بالجد في باطلهم منكم في حقكم ، أما والله إنا لنعلم أن الله سيعذبهم بأيديكم أو بأيدي غيركم ، اللهم ربنا أعنا ولا تخذلنا ، وانصرنا على عدونا ولا تخل عنا
(3) ، وافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم ) .
---------------------------
(1) سمك : رفع ، ويقال سمكته فسمك ، أي رفعته فارتفع .
(2) في الأصل : ( وأنزل لهم فيها رزقا ) وأثبت ما في ح :
(3) ( ولا تحل عنا ) من حال يحول .
واقعة صفين
_ 317 _
نصر ، عن عمر قال : حدثني عبد الرحمن بن جندب ، عن جندب بن عبد الله قال : قام عمار بن ياسر بصفين فقال : امضوا
(1) معي عباد الله إلى قوم يطلبون ـ فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه ، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله ، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان ، الآمرون بالإحسان ، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ( و ) لو درس هذا الدين : لم قتلتموه ؟ فقلنا : لإحداثه ، فقالوا : إنه ما أحدث شيئا ، وذلك لأنه مكنهم من الدنيا فيهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدت عليهم الجبال ، والله ما أظنهم يطلبون دمه
(2) إنهم ليعلمون أنه لظالم ، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمروها ، وعلموا لو أن صاحب الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يأكلون و يرعون فيه منها ، ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية ، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا : قتل إمامنا مظلوما ، ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا ، وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ، ولولا هي
(3) ما بايعهم من الناس رجلان
(4) ، اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت ، وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم .
---------------------------
(1) ح : ( انهضوا ) .
(2) ح ( 1 : 505 ) : ( بدم ) .
(3) هذا هو المعتمد في مثل هذا التعبير ، كما جاء في الطبري ( 6 : 22 ) بل ذهب المبرد إلى أن ( لولا ) لا يليها من المضمرات إلا المنفصل المرفوع ، واحتج بأنه لم يأت في القرآن غير ذلك ، وفي قول الله : ( لولا أنتم لكنا مؤمنين ) انظر الخزانة ( 2 : 430 ـ 433 ) وشرح الرضي للكافية ( 2 : 18 ـ 19 ) ، وجاء في ح ( 1 : 504 ) : ( لولاها ) وفي جواز هذا الوجه ـ وهو إيلاؤها الضمير المشترك بين النصب والجر ـ خلاف ، ومما سمع منه قوله :
(4) وكذا في الطبري ، لكن في ح : ( رجل ) .
واقعة صفين
_ 318 _
لولاك في ذا العام لم أحجج ثم مضى ومضى معه أصحابه ، فلما دنا من عمرو بن العاص قال : يا عمرو : بعت دينك بمصر ! تبا لك ، وطالما بغيت الإسلام عوجا ! ثم حمل عمار وهو يقول :
صـدق الله وهـو للصدق iiأهل وتـعالى ربـي وكـان iiجـليلا رب عـجل شـهادة لـي iiبقتل في الذي قد أحب قتلا جميلا (1) مـقبلا غـير مـدبر إن لـلقتل عـلـى كـل مـيتة iiتـفضيلا إنـهم عـند ربـهم فـي جنان يـشربون الـرحيق والسلسبيلا من شراب الأبرار خالطه iiالمسك ، وكـأسـا مـزاجها iiزنـجبيلا |
ثم نادى عمار عبيد الله بن عمر ، وذلك قبل مقتله ، فقال يا ابن عمر ، صرعك الله ! بعت دينك بالدنيا من عدو الله وعدو الإسلام ، قال : كلا ، ولكن أطلب بدم عثمان الشهيد المظلوم ، قال : كلا ، أشهد على علمي فيك أنك أصبحت لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله ، وإنك إن لم تقتل اليوم فستموت غدا . فانظر إذا أعطى الله العباد على نياتهم ما نيتك ؟ ثم قال عمار : اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت ، اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحنى عليها حتى يخرج من ظهري لفعلت ، اللهم وإني أعلم مما أعلمتني أني لا أعمل
(2) اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، ولو أعلم اليوم عملا أرضى لك منه لفعلته ، نصر ، عن يحيى بن يعلى ، عن صباح المزني
(3) ، عن الحارث بن حصيرة عن زيد بن أبي رجاء ، عن أسماء بن الحكم الفزاري قال : كنا بصفين مع علي بن أبي طالب تحت راية عمار بن ياسر ، ارتفاع الضحى ـ استظللنا ببرد أحمر ، إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى إلينا فقال : أيكم عمار بن ياسر ؟ فقال عمار بن ياسر : هذا عمار .
---------------------------
(1) في الذي ، أي مع الذين .
(2) في الأصل : ( لا أعلم ) وأثبت ما في ح ( 1 : 505 ) .
(3) هو صباح بن يحيى أبو محمد المزني ، يروى عن الحارث بن حصيرة ، قال ابن عدي : هو من جملة الشيعة ، انظر لسان الميزان ومنتهى المقال 164 .
واقعة صفين
_ 319 _
قال : أبو اليقظان ؟ قال : نعم ، قال : إن لي حاجة إليك فأنطق بها علانية أو سرا ؟ قال : اختر لنفسك أي ذلك شئت ، قال : لا ، بل علانية ، قال : فانطق ، قال : إني خرجت من أهلي مستبصرا في الحق الذي نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم وأنهم على الباطل ، فلم أزل على ذلك مستبصرا حتى كان ليلتي هذه صباح يومنا هذا ، فتقدم منادينا فشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ونادى بالصلاة ، فنادى مناديهم بمثل ذلك ، ثم أقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة ، ودعونا دعوة واحدة ، وتلونا كتابا واحدا ، ورسولنا واحد ، فأدركني الشك في ليلتي هذه ، فبت بليلة لا يعلمها إلا الله حتى أصبحت ، فأتيت أمير المؤمنين فذكرت ذلك له فقال : هل لقيت عمار بن ياسر ؟ قلت : لا ، قال : فالقه فانظر ما يقول لك فاتبعه ، فجئتك لذلك ، قال له عمار : هل تعرف صاحب الراية السوداء المقابلتي
(1) فإنها راية عمرو بن العاص ، قاتلتها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاث مرات ، وهذه الرابعة ما هي بخيرهن ولا أبرهن ، بل هي شرهن وأفجرهن ، أشهدت بدرا وأحدا وحنينا أو شهدها لك أب فيخبرك عنها ؟ قال : لا . قال : فإن مراكزنا على مراكز رايات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم بدر ، ويوم أحد ، ويوم حنين ، وإن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب ، هل ترى هذا العسكر ومن فيه ؟ فوالله لوددت أن جميع من أقبل مع معاوية ممن يريد قتالنا مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته وذبحته ، والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور ، أفترى دم عصفور حراما ؟ قال : لا ، بل حلال ، قال : فإنهم كذلك حلال دماؤهم ، أتراني بينت لك ؟ قال : قد بينت لي ، قال : فاختر أي ذلك أحببت ، قال : فانصرف الرجل ثم دعاه عمار بن ياسر فقال :
---------------------------
(1) في الأصل : ( لمقابلتي ) تحريف ، وفي ح ( 1 : 506 ) : ( المقابلة لي ) .