فقالت : يا روزبه ، لما رجعنا من عيدنا ، رأيناه معلقاً في ذلك المكان ، فلا تقربه ، فانك إن قربته ، قتلك أبوك ! قال : فجاهدتها ، حتى جن الليل ، فنام أبي وأمي ، فقمت ، وأخذت الكتاب ، وإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا عهد من الله إلى آدم ، إنه خالق من صلبه نبياً ، يقال له : محمد ، يأمر بمكارم الأخلاق ، وينهى عن عبادة الأوثان ، يا روزبه ، أنت وصي عيسى .
  فصعقت صعقةً ، وزادني شدة ، فعلم بذلك أبي وأمي ، فأخذوني وجعلوني في بئر عميق وقالوا : إن رجعت ، وإلا قتلناك ! فقلت لهم : أفعلوا ما شئتم ، حب محمدٍ لا يذهب من صدري ، قال سلمان : وما كنت أعرف العربية قبل قراءتي الكتاب ، وقد فهَّمني الله عز وجل العربية من ذلك اليوم .
  قال : فبقيت في البئر ، وجعلوا يُنزلون إليّ أقراصاً صغاراً ، ولما طال أمري رفعت يدي الى السماء ، فقلت : يا ربي ، إنك حببت محمداً ووصيه إلي ، فبحق وسيلته عجِّل فرجي وأرحني مما أنا فيه .
  فأتاني آتٍ عليه ثياب بيض ، فقال : قم يا روزبه ؛ فأخذ بيدي ، وأتى بي إلى الصومعة ، فأنشأت أقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن عيسى روح الله ، وأن محمداً حبيب الله ، فأشرف علي الديراني ، فقال : أنت روزبه ؟ قلت : نعم .
  فأصعدني إليه ، وخدمته حولين كاملين ، فلما حضرته الوفاة ، قال : إني ميت ، فقلت له : فعلى من تخلفني .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 53 _

  فقال : لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه إلا راهباً في أنطاكية ، فأذا لقيته فاقرأه مني السلام ، وادفع إليه هذا اللوح ، وناولني لوحاً ، فلما مات ، غسلته ، وكفنته ، ودفنته ، وأخذت اللوح وسرت به إلى أنطاكية ، وأتيت الصومعة وأنشأت أقول :
  أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن عيسى روح الله ، وأن محمداً حبيب الله ، فأشرف علي الديراني وقال : أنت روزبة . ؟ فقلت : نعم ، فأصعدني إليه ، فخدمته حولين ، ولما حضرته الوفاة قال لي : إني ميت !
  فقلت : على من تخلفني ؟ فقال : لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه إلا راهباً بالأسكندرية . فإذا أتيته فاقرأه من السلام ، وادفع إليه هذا اللوح .
  فلما توفي ، غسلته ، وكفنته ، ودفنته ، وأخذت اللوح ، واتيت الصومعة فأنشأت أقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن عيسى روح الله ، وأن محمداً حبيب الله ، فأشرف علي الديراني فقال : أنت روزبة ؟ فقلت : نعم .
  فأصعدني إليه ، فخدمته حولين ، فلما حضرته الوفاة ، فقال : إني ميت ، فقلت : على من تخلفني ؟ فقال : لا أعرف أحداً يقول بمقالتي هذه في الدنيا ، وان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد حانت ولادته ، فان أتيته ، فاقرأه السلام ، وادفع إليه هذا اللوح .
  ولما توفي ، غسلته ، وكفنته ، ودفنته ، وأخذت اللوح ، وخرجت ، فصحبت قوماً ، فقلت لهم : يا قوم ؛ اكفوني الطعام والشراب ، أكفكم الخدمة .
  قالوا : نعم .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 54 _

  قال : فلما أرادوا أن يأكلوا شدّوا على شاة ، فقتلوها بالضرب ، ثم جعلوا بعضها كباباً وبعضها مشوياً ، فامتنعت من الأكل ، فقالوا : كُل ، فقلت : اني غلام ديراني ، وان الديرانيين لا يأكلون اللحم .
  فضربوني ، وكادوا أن يقتلوني ! فقال ( أحدهم ) أمسكوا عنه حتى يأتيكم الشراب ، فانه لا يشرب ، فلما أتوا بالشراب ، قالوا له إشرب !
  فقال : قلت لهم ، اني غلام ديراني ، وان الديرانيين لا يشربون الخمر ، فشدوا علي وأرادوا قتلي ، فقلت لهم : لا تضربوني ، فاني أقر لكم بالعبودية .
  فأقررت لواحد منهم ، فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي ، فسألني عن قصتي ، فأخبرته ، وقلت له : ليس لي ذنب إلا أني أحببت محمداً ووصيه .
  فقال اليهودي : واني لأبغضك وأبغض محمداً ! ، ثم أخرجني إلى خارج الدار ، وإذا رمل كثير على بابه ، فقال : والله يا روزبه ، لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع ، لأقتلنك ! قال : فجعلت أحمل طول ليلتي ، فلما أجهدني التعب ، رفعت يدي إلى السماء ، وقلت : يا ربي ، إنك حببت محمداً ووصيه إلي ، فبحق وسيلته عجل فرجي وأرحني مما أنا فيه .
  فبعث الله ريحاً قلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال عنه اليهودي ، فلما أصبح ، نظر إلى الرمل وقد نقل ، فقال : يا روزبة ؛ أنت ساحر وأنا لا أعلم فلأخرجنك من هذه القرية لئلا تهلكها .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 55 _

  قال : فأخرجني ، وباعني لإمرأةٍ سَلمية ، فأحبتني حباً شديداً ، وكان لها حائط فقالت : هذا الحائط لك ، كل منه ماشئت ، وتصدق بما شئت .
  قال : فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله ، فبينا أنا ذات يوم في الحائط ، وإذا أنا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة .
  فقلت في نفسي : والله ما هؤلاء كلهم أنبياء ، وان فيهم نبيّاً ، قال : فأقبلوا ، حتى دخلوا الحائط ، والغمامة تسير معهم ، فلما دخلوا ، إذا فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمير المؤمنين ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعقيل بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن حارثة ، فجعلوا يتناولون من حشف النخل ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لهم : كلوا الحشف ولا تفسدوا على القوم شيئاً .
  فدخلت على مولاتي فقلت لها : هبي لي طبقاً من رطب . فقالت لك ستة أطباق ! قال : فحملت طبقاً من رطب ، فقلت في نفسي : إن كان فيهم نبي ، فإنه لا يأكل الصدقة ، ويأكل الهدية ، فوضعته بين يديه فقلت :
  هذه صدقة ، فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كلوا . وأمسك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمير المؤمنين ، وأخوه عقيل وعمه حمزة .
  فقلت في نفسي : هذه علامة .
  فدخلت إلى مولاتي ، فقلت : هبي لي طبقاً آخر .
  فقالت : لك ستة أطباق ! فحملت طبقاً ، ووضعته بين يديه ، وقلت : هذه هدية ، فمد يده وقال : بسم الله كلوا . ومد القوم جميعاً أيديهم ، فأكلوا .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 56 _

  فقلت في نفسي : هذه أيضاً علامة أخرى ، قال : ورجعت إلى خلفه ، وجعلت أتفقد خاتم النبوة ، فحانت من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلتفاتة ، فقال : يا روزبة ؛ تطلب خاتم النبوة .
  قلت : نعم .
  فكشف عن كتفيه ، فإذا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه ، عليه شعرات ، قال : فسقطت على قدم رسول الله أقبلها ، فقال : يا روزبة ؛ أدخل إلى هذه المرأة ، وقل لها : يقول لك محمد بن عبد الله : أتبيعيني له .
  فدخلت ، فقلت لها : إن محمد بن عبد الله يقول لك : أتبيعيني له ؟ فقالت : لا أبيعك إلا بأربعمائة نخلة ، منها مائتان صفراء ، ومنها مائتان حمراء .
  قال : فجئت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخبرته ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ما أهون ما سألت ، ثم قال : قم يا علي فاجمع هذا النوى كلَّه ، فأخذه وغرسه ، ثم قال : إسقه ، فسقاه أمير المؤمنين ، فما بلغ آخره حتى خرج النخل ، ولحق بعضه بعضاً .
  فقال لي : أدخل إليها ، وقل : يقول محمد بن عبد الله ، هذا شيئك فاستلميه ، وسلمينا شيئنا ، قال : فدخلت عليها ، وقلت لها ذلك ، فخرجت ونظرت إلى النخل ، فقالت : والله لا أبيعك له إلا بأربعمائة نخلة صفراء ، قال : فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) ومسح النخل بجناحه ، فصار كله أصفر .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 57 _

  ثم قال النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) قل لها إن محمداً يقول لك : خذي شيئك ، وادفعي لنا شيئنا ، قال : فقلت لها ذلك .
فقالت : والله لنخلة من هذه أحب إلي من محمد ومنك ، فقلت : والله ليوم واحد مع محمدٍ أحب إلي منك ومن كل شيء أنت فيه ، فأعتقني رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وسماني سلمان .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 59 _

روايـة ابن أبي الحـديـد
  قال في شرح النهج (1) وأما حديث إسلام سلمان ، فقد ذكره كثير من المحدثين ، ورووه عنه .
  قال : كنت ابن دهقان قرية جيّ من أصبهان ، وبلغ من حب أبي لي أن حبسني في البيت كما تحبس الجارية ، فاجتهدت في المجوسية ، حتى صرت قطن (2) بيت النار .
  فأرسلني أبي يوماً إلى ضيعةٍ له ، فمررت بكنيسة النصارى ، فدخلت عليهم فأعجبتني صلاتهم ، فقلت : دين هؤلاء خير من ديني ، فسألتهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام ، فهربت من والدي حتى قدمت الشام ، فدخلت على الأسقف (3) فجعلت أخدمه وأتعلم منه حتى حضرته الوفاة .
  فقلت : إلى من توصي بي ؟ فقال : قد هلك الناس ، وتركوا دينهم إلا رجلاً بالموصل ، فالحق به ، فلما

---------------------------
(1) شرح النهج / ج 18 ص 37 إلى 39 .
(2) قطن النار : خادمها .
(3) الأسقف : من رجال الدين النصارى ، وهو فوق القسيس ودون المطران .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 60 _

  قضى نحبه لحقت بذلك الرجل ، فلم يلبث إلا قليلاً حتى حضرته الوفاة ، فقلت : إلى من توصي بي ؟ فقال : ما أعلم رجلاً بقي على الطريقة المستقيمة إلا رجلاً بنصيبين ، فلحقت بصاحب نصيبين ... (1)
  قال : ثم أحتضر صاحب نصيبين ، فبعثني إلى رجل بعموريه من أرض الروم ، فأتيته وأقمت عنده ، واكتسبت بقيرات وغنيمات ، فلما نزل به الموت ، قلت له : بمن توصي بي ؟
  فقال : قد ترك الناس دينهم ، وما بقي أحد منهم على الحق ، وقد أظل زمان نبي مبعوث بدين ابراهيم ، يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين ، لها نخل .
  قلت : فما علامته ؟
  قال : يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة .
  قال : ومر بي ركب من كلب ، فخرجت معهم ، فلما بلغوا بي وادي القرى ، ظلموني وباعوني من يهودي ، فكنت أعمل له في زرعه ونخله ، فبينا أنا عنده ، إذ قدم ابن عم له ، فابتاعني منه ، وحملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها .
   وبعث الله محمداً بمكة ، ولا أعلم بشيء من أمره ، فبينا أنا في رأس نخلة ، إذ أقبل ابن عم لسيدي ، فقال :

---------------------------
(1) نصيبين : مدينة تقع على الطريق القديم الممتد بين الشام والموصل ، كانت مشهورةً بكثرة العقارب ، راجع معجم البلدان ج 5 / 288 ،قالوا : وتلك الصومعة اليوم باقية ، وهي التي تعبد فيها سلمان قبل الإسلام ( الاصل ) .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 61 _

  قاتل الله بني قيلة (1) قد اجتمعوا على رجل بقباء قدم عليهم من مكة ، يزعمون أنه نبي ، قال : فأخذني القُرّ (2) والانتفاض ، ونزلت عن النخلة ، وجعلت استقصي في السؤال ، فما كلمني سيدي بكلمة ، بل قال : أقبل على شأنك ، ودع ما لا يعنيك .
  فلما أمسيت ، أخذت شيئاً كان عندي من التمر ، وأتيت به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت له : بلغني أنك رجل صالح ، وأن لك أصحاباً غرباء ذوي حاجة ، وهذا شيء عندي للصدقة ، فرأيتكم أحق به من غيركم .
  فقال عليه السلام لأصحابه : كلوا ، وأمسك فلم يأكل ، فقلت في نفسي : هذه واحدة ، وانصرفت ، فلما كان من الغد أخذت ما كان بقي عندي وأتيته به ، فقلت له : اني رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية .
  فقال : كلوا ، وأكل معهم ، فقلت : إنه لهو ، فأكببت عليه أقبله وأبكي ، فقال : مالك ؟ فقصصت عليه القصة ، فأعجبه ، ثم قال : يا سلمان ، كاتب صاحبك ، فكاتبته على ثلاثمائة نخلة ، وأربعين أوقية .
  فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) للأنصار : ( أعينوا أخاكم ) .
  فأعانوني بالنخل ، حتى جمعت ثلاثمائة ودية ، فوضعها رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيده ، فصحت كلها ، وأتاه مال من بعض المغازي ، فأعطاني منه ، وقال : أدِّ كتابتك . فأديت وعتقت .

---------------------------
(1) لقب أهل المدينة .
(2) القر : البرد .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 63 _

رواية ابن الأثير في ( أسد الغابة ) (1)
  روى بأسانيده المتعددة عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان ، قال : كنت رجلاً من أهل فارس ، من أصبهان من جي ، ابن رجل من دهاقينها , وكان أبي دهقان أرضه ، وكنت أحب الخلق إليه ( أو عباد الله إليه ) فأجلسني في البيت كالجواري ، فاجتهدت في المجوسية ، فكنت في النار التي توقد فلا تخبو ، وكان أبي صاحب ضيعةٍ ، وكان له بناء يعالجه في داره ، فقال لي يوماً : يا بني ، قد شغلني ما ترى ، فانطلق إلى الضيعة ، ولا تحتبس فتشغلني عن كل ضيعةٍ بهمي بك .
  فخرجت لذلك ، فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون ، فملت إليهم ، وأعجبني أمرهم ، وقلت والله هذا خير من ديننا ، فأقمت عندهم حتى غابت الشمس ، لا أنا أتيت الضيعة ، ولا رجعت إليه ، فاستبطأني ، وبعث رسلاً في طلبي ، وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام ، فرجعت إلى والدي ، فقال : يا بني ؛ قد بعثت إليك رسلاً !

---------------------------
(1) أسد الغابة ج 2 ص 328 ، وفي الطبقات الكبرى / مجلد 4 / ص 75 ـ 80 قريباً منه ، لكن فيها زيادات حول كيفية مكاتبته لصاحبه وعتقه .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 64 _

  فقلت : قد مررت بقوم يصلون في كنيسة ، فأعجبني ما رأيت من أمرهم ، وعلمت أن دينهم خير من ديننا ، فقال : يا بني ، دينك ودين أبائك خير من دينهم ، فقلت : كلا ، والله ، فخافني وقيدني .
  فبعثت إلى النصارى ، وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم ، وسألتهم إعلامي من يريد الشام ، ففعلوا ، وألقيت الحديد من رجلي ، وخرجت معهم ، حتى أتيت الشام فسألتهم عن عالمهم ؟ فقالوا : الأسقف .
  فأتيته ، فأخبرته ، وقلت : أكون معك أخدمك ، وأصلي معك ، قال : أقم . ، فمكثت مع رجل سوء في دينه ، كان يأمرهم بالصدقة ، فاذا أعطوه شيئاً ، أمسكه لنفسه حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً ، فتوفي ، فأخبرتهم بخبره ، فزبروني ، فدللتهم على ماله ، فصلبوه ولم يغيبوه ، ورجموه ، وأجلسوا مكانه رجلاً فاضلاً في دينه ، زهداً ورغبةً في الآخرة وصلاحاً ، فألقى الله حبه في قلبي حتى حضرته الوفاة ، فقلت : أوصني ، فذكر رجلاً بالموصل ، وكنا على أمر واحد حتى هلك .
  فأتيت الموصل ، فلقيت الرجل ، فأخبرته بخبري ، وان فلاناً أمرني باتيانك ، فقال : أقم ، فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة ، فقلت له : أوصني .
  فقال : ما أعلم رجلاً بقي على الطريقة المستقيمة ، إلا رجلاً بنصيبين . فلحقت بصاحب نصيبين ، قالوا : وتلك الصومعة التي تعبد فيها سلمان قبل الأسلام باقية إلى اليوم ، ثم احتضر صاحب نصيبين ، فقلت له : أوصني ، فقال : ما أعرف أحداً على ما نحن عليه ، إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم ، فأتيته بعمورية فأخبرته بخبري ، فأمرني بالمقام ، وثاب لي شيء ،

سَـلمـان سـابق فـارس _ 65 _

  واتخذت غنيمة وبقرات ، وحضرته الوفاة ، فقلت : إلى من توصي بي ؟ فقال : قد ترك الناس دينهم ، ولا أعلم أحداً اليوم على مثل ما كنا عليه ، ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية ، مهاجره بأرض بين حرتين ، ذات نخل ، وبه آيات وعلامات لا تخفى .
  قلت : فما علامته ؟ قال : بين منكبيه خاتم النبوة ، يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، فان استطعت فتخلص إليه .
  فتوفي ، فمر بي ركب من العرب من كلب ، فقلت : أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه ، وتحملوني إلى بلادكم ، فحملوني إلى وادي القرى ، فلما بلغناها ، ظلموني فباعوني من رجل من اليهود ، فكنت أعمل له في نخله وزرعه ، ورأيت النخل فعلمت أنه البلد الذي وصف لي ، فأقمت عند الذي إشتراني .
  وقدم عليه رجل من بني قريظة ، فاشتراني منه ، وقدم بي المدينة ، فعرفتها بصفتها ، فأقمت معه أعمل في نخله ، وبعث الله نبيه بمكة ، ولا أعلم بشيء من أمره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة ، فنزل في بني عمرو بن عوف ، فإني لفي رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي ، فقال : أي فلان ، قاتل الله بني قيلة ، مررت بهم آنفاً وهم مجتمعون على رجل بقبا قدم عليهم من مكة يزعم أنه نبي ! فوالله ما هو إلا أن سمعتها ، فأخذني القر والانتفاض ، ورجفت بي النخلة حتى كدت أن أسقط ، ونزلت سريعاً فقلت : ما هذا الخبر ؟ فلكمني صاحبي لكمة ، وقال : وما أنت وذاك ، أقبل على شأنك ، فأقبلت على عملي حتى أمسيت ، فجمعت شيئاً كان عندي من التمر ... الخ ... الرواية (1) .

---------------------------
(1) بقية الرواية تتناول العلامات الثلاثة ، وهي تلتقي مع الروايات الأخرى في المضمون ، لكنها لم تتعرض لعتقه .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 67 _

رواية الحاكم النيسابوري في المستدرك (1)
  بسنده عن أبي الطفيل عن سلمان الفارسي ، قال : « كنت رجلاً من أهل جي ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء ، فقيل لي إن الدين الذي تطلب إنما هو بالمغرب ، فخرجت حتى أتيت الموصل ، فسألت عن أفضل من فيها ، فدللت على رجل في صومعة ، فأتيته ، فقلت له : إني رجل من أهل جي ، وجئت أن أطلب العمل وأتعلم العلم ، فضمني إليك ، أخدمك وأصحبك ، وتعلمني شيئاً مما علمك الله .
  قال : نعم ، فصحبته ، فأجرى علي مثل ما كان يُجري عليه ، وكان يجرى عليه الخل والزيت والحبوب ، فلم أزل معه حتى نزل به الموت ، فجلست عند رأسه أبكيه .
  فقال : ما يبكيك ؟
  قلت : أبكي أني خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله صحبتك ، فعلمتني ، وأحسنت صحبتي ، فنزل بك الموت ، فلا أدري أين أذهب ؟
---------------------------
(1) المستدرك مع التلخيص ج 3 / 603 .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 68 _

  فقال : لي أخ بالجزيرة مكان كذا وكذا وهو على الحق ، فأته فاقرأه مني السلام ، وأخبره أني أوصيت إليه وأوصيتك بصحبته ، فلما أن قبض الرجل ، خرجت فأتيت الرجل الذي وصفه لي ، فأخبرته بالخبر ، وأقرأته السلام من صاحبه ، وأخبرته أنه هلك وأمرني بصحبته .
  فضمني إليه ، وأجرى علي ما كان يجري علي مع الآخر ، فصحبته ما شاء الله ، ثم نزل به الموت ، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي ، فقال لي : ما يبكيك ؟ قلت : خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله صحبة فلان ، فأحسن صحبتي وعلمني وأوصاني عند موته بك ، وقد نزل بك الموت ، فلا أدري أين أتوجه ؟ فقال : تأتي أخاً لي على درب الروم فهو على الحق ، فأته ، واقرأه مني السلام ، واصحبه فانه على الحق .
  فلما قبض الرجل ، خرجت حتى أتيته فأخبرته بخبري وتوصية الآخر قبله ، قال : فضمني إليه وأجرى علي كما كان يجري علي ، فلما نزل به الموت جلست أبكي عند رأسه ، فقال لي ما يبكيك ؟ فقصصت قصتي ، قلت له : إن الله تعالى رزقني صحبتك ، فأحسنت صحبتي ، وقد نزل بك الموت ولا أدري أين أتوجه .
  فقال : لا دين ! وما بقي أحد أعلمه على دين عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في الأرض ، ولكن هذا أوانٌ يخرج فيه نبي ، أو قد خرج بتهامة ، وأنت على الطريق لا يمر بك أحد إلا سألته عنه ، فاذا بلغك أنه قد خرج ، فانه النبي الذي بَشّر به عيسى صلوات الله وسلامه عليهما ، وآية ذلك (1) أن بين كتفيه خاتم النبوة ، وأنه يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة .

---------------------------
(1) الآية هنا العلامة .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 69 _

  قال : فكان لا يمر بي أحد إلا سألته عنه ، فمر بي ناس من أهل مكة ، فسألتهم ، فقالوا : نعم ، ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي ! فقلت لبعضهم : هل لكم أن أكون عبداً لبعضكم على أن تحملوني عقبه ، وتطعموني من الكسر ، فإذا بلغتم إلى بلادكم ، فان شاء أن يبيع باع ، وإن شاء أن يستعبد إستعبد .
  فقال رجل منهم : أنا ، فصرت عبداً له حتى أتى بي مكة ، فجعلني في بستان له مع حبشانٍ كانوا فيه ، فخرجت ، فسألت ، فلقيت إمرأة من أهل بلادي ، فسألتها ؟ فإذا أهل بيتها قد أسلموا ، قالت لي : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس في الحجر (1) هو وأصحابه إذا صاح عصفور بمكة ، حتى إذا أضاء لهم الفجر تفرقوا .
  فانطلقت إلى البستان ، فكنت أختلف (2) ، فقال لي الحبشان : مالك ؟ فقلت : أشتكي بطني ، وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني إذا ذهبت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلما كانت الساعة التي أخبرتني المرأة يجلس فيها هو وأصحابه ، خرجت أمشي حتى رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فاذا هو يجتبي ، وإذا أصحابه حوله ، فأتيته من ورائه ، فعرف النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي أريد ، فارسل حبوته ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، فقلت : الله أكبر ، هذه واحدة .
  ثم أنصرفت ، فلما أن كانت الليلة المقبلة ، لقطت تمراً جيداً ، ثم أنطلقت حتى أتيت به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فوضعته بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ فقلت : صدقة ، فقال للقوم ، كلوا ، ولم يأكل ، ثم لبثت ما شاء الله ، ثم أخذت مثل ذلك ، ثم أتيته فوضتعه بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ فقلت : هدية . فأكل منها وقال للقوم : كلوا .

---------------------------
(1) حجر اسماعيل بجانب الكعبة .
(2) الإختلاف : الرواح والمجيء .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 70 _

  فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فسألني عن أمري وأخبرته . ، فقال : إذهب فاشترِ نفسك ، فانطلقت إلى صاحبي ، فقلت : بعني نفسي ، فقال : نعم ، على أن تنبت لي بمائة نخلة ، فما غادرت منها نخلةً إلا نبتت ، فأتيت رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأخبرته أن النخل قد نبتت ، فأعطاني قطعةً من ذهب ، فانطلقت بها ، فوضعتها في كفة الميزان ، ووضع في الجانب الآخر نواة ، قال : فوالله ما استقلت قطعة الذهب من الأرض ، قال : وجئت إلى رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخبرته ، فأعتقني .

رواية المستدرك الثانية (1)
  بسنده عن زيد بن صوحان عن سلمان ، قال : كنت يتيماً من رام هرمز ، وكان ابن دهقان رام هرمز يختلف إلى معلم يعلمه ، فلزمته لأكون في كنفه ، وكان لي أخ أكبر مني وكان مستغنياً بنفسه ، وكنت غلاماً قصيراً ، وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظهم ، فإذا تفرقوا خرج فيضع بثوبه ثم صعد الجبل ، وكان يفعل ذلك غير مرة متنكراً .
  قال : فقلت له انك تفعل كذا وكذا ، فلم لا تذهب بي معك ؟ قال : أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء .
  قال : قلت لا تخف ، قال : فإن في هذا الجبل قوماً في برطيلهم (2) لهم عبادة ، ولهم صلاح ، يذكرون الله تعالى ويذكرون الآخرة ، ويزعموننا عبدة النيران وعبدة الأوثان وأنا على دينهم ، قال : قلت فاذهب بي معك اليهم ، قال : لا أقدر على ذلك حتى أستأمرهم ، وأنا أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم أبي فيقتل القوم ، فيكون هلاكهم على يدي .

---------------------------
(1) المستدرك 3 / 599 .
(2) البرطيل : يظهر أنه مكان عبادتهم .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 72 _

  قال : قلت لن يظهر مني ذلك ، فاستأمرهم فأتاهم فقال : غلام عندي يتيم ، فأحب أن يأتيكم ويسمع كلامكم ، قالوا : إن كنت تثق به .
  قال : أرجو أن لا يجيء منه إلا ما أحب ، قالوا : فجىء به ، فقال لي : قد استأذنت في أن تجيء معي ، فإذا كانت الساعة التي رأيتني أخرج فيها فإتني ولا يعلم بك أحد ، فان أبي إن علم بهم قتلهم .
  قال : فلما كانت الساعة التي يخرج ( فيها ) تبعته ، فصعدنا الجبل فانتهينا إليهم فإذا هم في برطيلهم (1) وكان الروح قد خرج منهم من العبادة ، يصومون النهار ويقومون الليل ، ويأكلون عند السحر ما وجدوا ، فقعدنا إليهم ، فأثنى الدهقان على حبر ، فتكلموا فحمدوا الله وأثنوا عليه ، وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء حتى خلصوا إلى ذكر عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) فقالوا : بعث الله عيسى ( عليه السلام ) رسولاً ، وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى ، وخلق الطير ، وابراء الأكمة والأبرص والأعمى ، فكفر به قوم وتبعه قوم ، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه .
  قال : وقالوا قبل ذلك ، يا غلام إن لك لربّاً ، وإن لك معاداً ، وان بين يديك جنةٌ ونار إليها تصيرون ، وإن هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة ، لا يرضي الله ما يصنعون وليسوا على دين ، فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام ، انصرف وانصرفت معه ، ثم غدونا إليهم فقالوا مثل ذلك وأحسن ولزمتهم ، فقالوا لي : يا سلمان إنك غلام وانك لا تستطيع أن تصنع كما نصنع ، فصلّ ونم وكل واشرب .

---------------------------
(1) من الأصل ، قال علي وأحسبه قال : وهم ستة أو سبعة .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 73 _

  قال : فاطلع الملك على صنيع ابنه ، فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم فقال : يا هؤلاء ، قد جاورتموني فأحسنت جواركم ، ولم تروا مني سوءاً ، فعمدتم إلى إبني فأفسدتموه علي ، قد أجلتكم ثلاثاً ، فان قدرت عليكم بعد ثلاث ، أحرقت عليكم برطيلكم هذا ، فالحقوا ببلادكم فاني أكره أن يكون مني إليكم سوء .
  قالوا : نعم ، ما تعمدنا مساءتك ، ولا أردنا إلا الخير ، فكفَّ ابنه عن إتيانهم ، فقلت : اتق الله ، فانك تعرف أن هذا الدين دين الله ، وأن أباك ونحن على غير دين . إنما هم عبدة النار لا يعبدون الله ، فلا تبع آخرتك بدين غيرك .
  قال : يا سلمان هو كما تقول ، وإنما أتخلف عن القوم بقياً عليهم ، وإن تبعت القوم طلبني أبي في الجبل ، وقد خرج في إتياني إياهم حتى طردهم ، وقد أعرف أن الحق في أيديهم ، فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه ، فقالوا : يا سلمان ، قد كنا نحذر مكان ما رأيت ، فاتق الله تعالى واعلم أن الدين ما أوصيناك ، وأن هؤلاء عبدة النيران لا يعرفون الله تعالى ، ولا يذكرونه ، فلا يخدعنك أحد عن دينك .
  قلت : ما أنا بمفارقكم ، قالوا : أنت لا تقدر أن تكون معنا ، نحن نصوم النهار ، ونقوم الليل ، ونأكل عند السحر ما أصبنا ، وأنت لا تستطيع ذلك .
  قال : فقلت : لا أفارقكم .
  قالوا : أنت أعلم ، وقد أعلمناك حالنا ، فإذا أتيت خذ مقدار حمل يكون معك شيء تأكله ، فانك لا تستطيع ما نستطيع بحق .
  قال : ففعلت ، ولقينا أخي فعرضت عليه ، ثم أتيتهم يمشون وأمشي معهم ، فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل ، فأتينا بيعة الموصل ، فلما دخلوا إحتفوا

سَـلمـان سـابق فـارس _ 74 _

  بهم ، وقالوا : أين كنتم ، ؟ قالوا : كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى ، فيها عبدة النيران ، وكنا نعبد الله فطردونا ، فقالوا : ماهذا الغلام ؟ فطفقوا يثنون علي وقالوا : صحبنا من تلك البلاد فلم نر منه إلا خيراً .
  قال سلمان : فوالله انهم لكذلك إذ طلع عليهم رجل من كهف جبل ، قال : فجاء حتى سلم وجلس ، فحفّوا به ، وعظموه أصحابي الذي كنت معهم ، وأحدقوا به ، فقال : أين كنتم ؟ فأخبروه ، فقال : ما هذا الغلام معكم ؟ فأثنوا علي خيراً وأخبروه باتباعي إياهم ، ولم أرَ مثل إعظامهم إياه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم ذكر من أرسل من رسله وأنبيائه وما لقوا وما صنع بهم ، وذكر عيسى ابن مريم عليه السلام وانه ولد بغير ذكر ، فبعثه الله عز وجل رسولاً ، وأحيى على يديه الموتى ، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً باذن الله ، وانزل عليه الإنجيل ، وعلمه التوارة وبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل ، فكفر به قوم وآمن به قوم ، وذكر بعض ما لقي عيسى بن مريم ، وأنه كان عبد الله أنعم الله عليه فشكر ذلك له ، ( ورضي الله عنه ) حتى قبضه الله عز وجل وهو يعظهم ويقول : اتقوا الله والزموا ما جاء به عيسى عليه الصلاة والسلام ، لا تخالفوا فيخالف بكم ، ثم قال : من أراد أن يأخذ من هذا شيئاً فليأخذ ، فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء ، والطعام ، فقام أصحابي الذي جئت معهم فسلموا عليه وعظموه وقال لهم : الزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا ، واستوصوا بهذا الغلام خيراً .
  وقال لي : يا غلام ، هذا دين الله الذي تسمعني أقوله ، وما سواه الكفر ، قال : قلت : ما أنا بمفارقك .
  قال : إنك لا تستطيع أن تكون معي ، اني لا أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد ولا تقدر على الكينونة معي .

سَـلمـان سـابق فـارس _ 75 _

  قال : وأقبل عليّ أصحابه فقالوا يا غلام انك لا تستطيع أن تكون معه ، قلت : ما أنا بمفارقك ! قال له أصحابه ، يا فلان إن هذا غلام ، ويخاف عليه .
  فقال لي : أنت أعلم ، قلت : فاني لا أفارقك . فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي ، فقال : يا غلام ، خذ من هذا الطعام ما ترى أنه يكفيك إلى الأحد الاخر ، وخذ من الماء ما تكتفي به ، ففعلت ، فما رأيته نائماً ولا طاعماً ، إلا راكعاً وساجداً إلى الأحد الآخر ، فلما أصبحنا ، قال لي : خذ جرتك هذه وانطَلَق .
  فخرجت معه أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة ، وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال ينتظرون خروجه فقعدوا ، وعاد في حديثه نحو المرة الأولى ، فقال : إلزموا هذا الدين ولا تفرقوا ، واذكروا الله واعلموا أن عيسى بن مريم ( عليهما السلام ) كان عبد الله تعالى ، أنعم الله عليه ، ثم ذكرني ، فقالوا له : يا فلان كيف وجدت هذا الغلام ؟ فأثنى علي وقال خيراً ، فحمدوا الله تعالى وإذا خبز كثير وماء كثير ، فأخذوا وجعل الرجل يأخذ ما يكتفي به وفعلت ، فتفرقوا في تلك الجبال ، ورجع إلى كهفه ورجعت معه ، فلبثنا ما شاء الله ، يخرج في كل يوم أحد ويخرجون معه ويحفون به ويوصيهم بما كان يوصيهم به ، فخرج في أحد فلما اجتمعوا حمد الله تعالى ووعظهم ، وقال مثل ما كان يقول لهم ثم قال لهم آخر ذلك : يا هؤلاء ، أنه قد كبر سني ورق عظمي وقرب أجلي وانه لا عهد لي بهذا البيت منذ كذا وكذا ولا بد من إتيانه ، فاستوصوا بهذا الغلام خيراً فاني رأيته لا بأس به .
  قال : فجزع القوم فما رأيت مثل جزعهم ، وقالوا : يا فلان أنت كبير فأنت وحدك ولا نأمن أن يصيبك شيء ( ولا بد لك من ) يساعدك ( ونحن ) أحوج ما كنا إليك ، قال : لا تراجعوني ، لا بد من إتيانه ( يعني بيت المقدس ) ، ولكن استوصوا