جلس جماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينتسبون ويفتخرون وفيهم سلمان رحمه الله فقال له عمر : ما نسبتك أنت يا سلمان ، وما أصلك ؟
فقال : أنا سلمان بن عبد الله ، كنت ضالاً ، فهداني الله بمحمد ، وكنت عائلاً ، فأغناني الله بمحمد ، وكنت مملوكاً فاعتقني الله بمحمد ، فهذا حسبي ونسبي يا عمر .
ثم خرج رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ): فذكر سلمان ما قال عمر وما أجابه به ، فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، يا معشر قريش ؛ إن حسب المرء دينه ، ومروته خلقه ، وأصله عقله ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) .
ثم أقبل على سلمان فقال له : ( سلمان ، إنه ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل ، فمن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه ) .
البلاذري بسنده عن أحمد بن يحيى الجوني
( قال سلمان الفارسي حين بويع أبو بكر ( كرداذ وناكرداذ ) ـ أي عملتم وما عملتم ـ لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) .
(1)
قال عمر لسلمان : أملك أنا أم خليفة ؟ قال له سلمان : إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهماً أو أقل أو أكثر ووضعته في غير حق ، فأنت ملك غير خليفة ، فبكى عمر ،
(2)
وكان إذا قيل له : ابن من أنت ؟ يقول : أنا سلمان بن الإسلام أنا من بني آدم .
(3)
صنع سلمان طعاماً لإخوانه ، فجاء سائل ، فأراد بعضهم أن يناوله رغيفاً ، فقال سلمان : ضع ، إنما دعيت لتأكل .
ثم قال : وما علي أن يكون لي الأجر ، وعليك الوزر ،
(4) ولا يخفى ما في هذه الفقرة من الدقة الفقهية ، فللضيف الحق في أن يأكل هو ، ولا يجوز له التصرف في أكثر من ذلك إلا بإذن المضيّف ، ولو تصرف المرء بمال غيره وتصدق به ، فإن الأجر يكون للمالك ، والوزر على المتصدق لأنه غاصب .
وروى الكشي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : تزوج سلمان إمرأةً من كندة ، فدخل عليها فإذا لها خادمة وعلى بابها عباءة .
فقال سلمان : إن في بيتكم هذا لمريضاً ، أو قد تحولت الكعبة فيه ، فقيل : إن المرأة أرادت أن تستر على نفسها فيه .
---------------------------
(1) الأنساب / 591 .
(2) الكامل 3 / 59 .
(3) شرح النهج 18 / 34 .
(4) الأنساب / 591 .
سَـلمـان سـابق فـارس
_ 143 _
قال : فما هذه الجارية ؟ قالوا : كان لها شيء فأرادت أن تخدم .
قال : إني سمعت رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : أيما رجل كانت عنده جارية ، فلم يأتها أو لم يزوجها من يأتيها ، ثم فجرت كان عليه وزر مثلها .
ومن أقرض قرضاً فكأنما تصدق بشطره ، فان أقرضه الثانية ، كان رأس المال وأداء الحق إلى أن يأتيه به في بيته أو في رحله فيقول : ها خذه
(1) .
عن أبي عبد الله( عليه السلام ) قال : قال سلمان رحمة الله عليه : عجبت بستّ ، ثلاث أضحكتني وثلاث أبكتني .
فأما التي أبكتني ، ففراق الأحبة محمد وحزبه ، وهول المطلّع ، والوقوف بين يدي الله عز وجل ، وأما التي أضحكتني ، فطالب الدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ، وضاحك ملئ فيه لا يدري أرضي الله أم سخط .
(2)
---------------------------
(1) أعيان الشيعة 35 / 345 ـ 346 .
(2) الخصال / 326 .
سَـلمـان سـابق فـارس
_ 145 _
قال سلـمان ، فـصدق ! قال سلمان مخاطباً المسلمين حين غزوا بلنجر وغنموا وفرحوا بالغنائم : ( إذا أدركتم سيد شباب أهل محمد ، فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم اليوم من الغنائم ... )
قال المسيب بن نجبة الفزاري : لما أتانا سلمان الفارسي قادماً ، تلقيناه فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فقال ما تسمون هذه الأرض ؟ قالوا : كربلاء . فقال : هذه مصارع اخواني ، هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم ، يقتل بها ابن خير الأولين ، ويقتل بها خير الآخرين .
(1)
قال سلمان ذلك قبل أن يكون هناك قتال في كربلاء ، فقد كانت غزوة بلنجر في سنة اثنتين وثلاثين للهجرة أي قبل واقعة كربلاء بثلاثين سنة تقريباً كما يظهر
(2) ومرت السنين تتوالى ، ومات خليفة وقام خليفة حتى جاء عهد يزيد الطاغية ، فكانت ثورة الإمام الحسين الخالدة . . . وبينما الحسين في طريقه إلى كربلاء إذ به ينزل على ماء ويخيم مع أهل بيته هناك ، وكان زهير بن القين قادماً من الحجاز بعد أن أنهى مناسك حجه فيها ، فنزل بالقرب من الحسين
---------------------------
(1) فتوح البلدان / 406 .
(2) الكامل 3 / 132 .
سَـلمـان سـابق فـارس
_ 146 _
وكان عثماني العقيدة منحرفاً عن أهل البيت عليهم السلام إلا أن الماء جمعهم في ذلك المكان ، وعلم الحسين به فاستدعاه ذات يوم ، فشق عليه ذلك ، ثم أجابه على كره ، فلما عاد من عنده نقل ثقله إلى ثقل الحسين ، ثم قال لأصحابه :
من أحب منكم أن يتبعني ، وإلا فانه آخر العهد ، وسأحدثكم حديثاً : غزونا بلنجر ففتح علينا وأصبنا غنائم ففرحنا ، وكان معنا سلمان الفارسي ، فقال لنا : إذا أدركتم سيد شباب أهل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم اليوم من الغنائم ، فأما أنا فأستودعكم الله ، ثم طلق ـ زهير ـ زوجته وقال لها : الحقي بأهلك فاني لا أحب أن يصيبك في سببي إلا خير ، ولزم الحسين حتى قتل معه )
(1) .
قـال سلمان : ( لتحرقن هذه الكعبة على يدي رجل من أهل الزبير )
(2) أي بسببه ،
قالها قبل زمن بعيد من دعوة عبد الله بن الزبير الناس إلى نفسه ولجوئه إلى الكعبة المشرفة ،
وفي سنة أربع وستين للهجرة حوصر ابن الزبير ومن معه من أصحابه في البيت ، واستمر القتال بينه وبين أهل الشام قرابة الشهرين ( حتى إذا مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ، رموا البيت بالمجانيق وحرقوه بالنار وأخذوا يرتجزون ويقولون :
خـطارة مثل iiالفنيق*المزبد نرمي بها أعواد هذا المسجد |
وقيل : إن الكعبة إحترقت من نار كان يوقدها أصحاب عبد الله حول
---------------------------
(1) الكامل 4 / 42 .
(2) أخبار مكة 1 / 197 .
* : الفنيق : فحل الناقة .
سَـلمـان سـابق فـارس
_ 147 _
الكعبة وأقبلت شررة هبت بها الريح فاحترقت ثياب الكعبة وأحترق خشب البيت ،
(1)
ومر سلمان ـ في طريقه إلى المدائن ـ بالكوفة ، فسأل من كان معه : هذه الكوفة ؟
قالوا نعم .
قال : قبة الإسلام . ( يأتي على الناس زمان لا يبقى مؤمن إلا وهو بها ، أو يهوي قلبه إليها ... )
(2)
---------------------------
(1) الكامل 4 / 124 .
(2) فتوح البلدان / 406 وأعيان الشيعة م 35 / 250 ـ 251 والقصة فيه مفصلة .
سَـلمـان سـابق فـارس
_ 149 _
سلمان على لسان أئمة أهل البيت عليهم السلام
سئل علي أمير المؤمنين عليه السلام عن سلمان ، فقال : ( إمرء منا وإلينا أهل البيت ، من لكم بمثل لقمان الحكيم ، علم العلم الأول والعلم الآخر ، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر ، وكان بحراً لا ينزف ! )
(1) عن أبي جعفر عليه السلام ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :
( ضاقت الأرض بسبعة ، بهم ترزقون ، وبهم تنصرون ، وبهم تمطرون ، منهم : سلمان الفارسي والمقداد ، وأبو ذر ، وعمار ، وحذيفة ، وكان علي (عليه السلام ) يقول : وأنا إمامهم ، وهم الذين صلوا على فاطمة عليها السلام )
أخرج الشيخ الطوسي في أماليه ، عن منصور بن بزرج ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام ما أكثر ما أسمع منك ـ سيدي ـ ذكر سلمان الفارسي ؟ قال عليه السلام : لا تقل سلمان الفارسي ، ولكن قل سلمان المحمدي ، أتدري ما أكثر ذكري له ؟ قلت : لا .
قال : لثلاث خصال ، إيثاره هوى أمير المؤمنين عليه السلام على نفسه .
---------------------------
(1) الأعلام للزركلي م 3 / 169 .
سَـلمـان سـابق فـارس
_ 150 _
والثانية : حبه للفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد ، والثالثة : حبه للعلم والعلماء .
وأخرج الكشي عن محمد بن حكيم ، قال :
ذكر عند أبي جعفر عليه السلام سلمان المحمدي ، فقال : إن سلمان منا أهل البيت ، إنه كان يقول للناس : هربتم من القرآن إلى الأحاديث ، وجدتم كتاباً دقيقاً حوسبتم فيه على النقير والقمطير والفتيل وحبة الخردل ، فضاق عليكم ذلك ، وهربتم إلى الأحاديث التي اتسعت عليكم
(1) .
وبسنده عن الحسين بن صهيب عن أبي جعفر ، قال : ذكر عنده سلمان الفارسي قال فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : لا تقولوا سلمان الفارسي ، ولكن قولوا : سلمان المحمدي ، ذاك رجل منا أهل البيت
(2) .
الصدوق ، بسنده عن إبن نباته قال : سألت أمير المؤمنين عليه السلام عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه وقلت : ما تقول فيه ؟ فقال : ما أقول في رجل خلق من طينتنا ، وروحه مقرونة بروحنا ، خصه الله تبارك وتعالى من العلوم بأولها وآخرها وظاهرها وباطنها وسرها وعلانيتها ، ولقد حضرت رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسلمان بين يديه ، فدخل أعرابي فنحاه عن مكانه وجلس فيه ، فغضب رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى در العرق بين عينيه واحمرتا عيناه ثم قال : يا أعرابي ، اتنحي رجلاً يحبه الله تبارك وتعالى في السماء ويحبه رسوله في الأرض ! يا أعرابي ، أتنحي رجلاً ما حضرني جبرئيل إلا أمرني عن ربي عز وجل أن أقرئه السلام ! يا
---------------------------
(1) الدرجات الرفيعة / 209 ـ 210 .
(2) البحار 22 / 349 .