حمدا يرتفع منا الى أعلى عليين (1) في كتاب مرقوم (2) يشهده المقربون (3) ، حمدا تقر به عيوننا اذا برقت‏ الابصار (4) ، وتبيض به وجوهنا اذا اسودت الابشار (5) ، حمدا نعتق به من أليم نار اللّه الى كريم جوار اللّه، حمدا نزاحم به ملائكته المقربين (6) ، ونضام به (7) أنبياءه المرسلين في دار المقامة (8) التي لا تزول (9) ومحل‏ كرامته التي لا تحول (10).
  والحمد للّه الذي اختار لنا محاسن الخلق (11) ، وأجرى علينا طيبات الرزق، وجعل لنا الفضيلة بالملكة على جميع ‏الخلق (12) ، فكل خليقته منقادة لنا بقدرته ، وصئرة الى طاعتنا بعزته (13).
  والحمد للّه الذي أغلق عنا باب الحاجة الا اليه، فكيف نطيق حمده (14) ؟ أم متى نؤدي شكره (15) ؟ لا ، متى (16) ؟

**************************************************************
(1) عليين : كتاب يكتب فيه الاعمال الصالحة ، وقد اودع في مكان عال.
(2) مرقوم : قد رقم وسجل فيه .
(3) يشهده المقربون: يحافظ عليه ، ويشهد بما فيه .. الملائكة المقربون الى لطف اللّه تعالى .
(4) اذا برقت الابصار : اذا تحيرت العيون فزعا حتى لا تطرف .
(5) الابشار : جمع بشر ، و بشر جمع بشرة ، وهي ظاهر الجلد.
(6) حمدا نزاحم به ملائكته المقربين : حمدا يوجب غاية القرب منه تعالى .. يشابه حمد ملائكة اللّه المقربين.
(7) نضام به : ننضم ونجتمع بسببه مع.
(8) دار المقامة : دار الاقامة.
(9) لا تزول : لا انتقال عنها ابدا ، وهي الجنة.
(10) لا تحول : لا تتغير .
(11) محاسن الخلق : الاشكال الجميلة.
(12) جعل لنا الفضيلة ـ بالملكة ـ على جميع الخلق : بان ملكنا العقل وجعل المخلوقات مسخرة لنا، فغير الانسان خلق للانسان.
(13) بعزته : بسبب غلبته وقدرته على كل شي‏ء.
(14) فكيف نطيق حمده ؟ : فكيف نطيق حمده والثناء عليه .. بما يوازي نعمه ؟ ونعمه علينا لا تحصى.
(15) متى نؤدي شكره؟: متى نؤدي تعظيمه على نعمه بالشكل الكافي ؟ ، وعمر الانسان اقصر من ذلك.
(16) لا، متى ؟ : اي .. لا يمكن تادية شكره.

الصحيفة السجادية   ـ 22 ـ

والحمد للّه الذي ركب فينا (1) آلات البسط، وجعل لنا أدوات القبض (2)، ومتعنا بأرواح الحياة (3) ، وأثبت فينا جوارح الاعمال، وغذانا بطيبات الرزق، وأغنانا بفضله (4) ، وأقنانا بمنه (5).
  ثم أمرنا ليختبر طاعتنا ، ونهانا ليبتلي (6) شكرنا ، فخالفنا عن طريق أمره ، وركبنا متون زجره (7) ، فلم يبتدرنا بعقوبته ، ولم يعاجلنا بنقمته ، بل تأنانا (8) برحمته تكرما ، وانتظر مراجعتنا (9) برأفته حلما .
  والحمد للّه الذي دلنا على التوبة التي لم نفدها الا من فضله ، فلو لم نعتدد (10) من فضله الا بها .. لقد حسن بلاؤه ‏عندنا (11) ، وجل احسانه الينا ، وجسم فضله علينا ، فما هكذا كانت (12) سنته في التوبة (13) لمن كان ‏قبلنا (14)، لقد وضع عنا ما لا طاقة لنا به (15) ، ولم يكلفنا الا وسعا (16) ،

**************************************************************
(1) ركب فينا : جعل في ابداننا.
(2) ادوات القبض: الادوات هي الالات، والمراد .. الاجهزة التي نتمكن بواسطتها من بسط بعض اعضاء الجسم ومن قبضها حسب الحاجة، وتلك .. مثل العصب‏والغضاريف.
(3) بارواح الحياة : هي التي تسبب استمرار حياة الانسان، كالروح الباعث للقوة ، وروح الشهوة، وروح البدن. (4) اقنانا: اعطانا.. وهيا لنا اسباب ما يقتنى .. وما يدخر زيادة على ما يكفينا.
(5) بمنه : بانعامه .
(6) ليبتلي : ليمتحن.
(7) ركبنا متون زجره : عملنا صعاب نهيه.
(8) تانانا : امهلنا.
(9) وانتظر مراجعتنا : رجوعنا عن العصيان ، بالاستغفار والتدارك.
(10) نعتدد : نعدد ونذكر في التعداد.
(11) لقد حسن بلاؤه عندنا : هذا جواب ـ لو ـ اي.. لكان انعامه عندنا حسنا.
(12) سنته : طريقته وحكمه.
(13) في التوبة : في قبول التوبة.
(14) لمن كان قبلنا : مثل بني اسرائيل ، الذين عبدوا العجل ، ذكر : انه سبحانه قبل منهم التوبة بعد ان قتلوا كثيرا من نفوسهم.
(15) وضع عنا ما لا طاقة لنا به : الطاقة .. بمعنى .. الشدة. اي.. وضع عنا التكاليف الشاقة.
(16) وسعا : ما تسعه قدرتنا بدون كثير شدة.

الصحيفة السجادية   ـ 23 ـ

  ولم يجشمنا الا يسرا (1) ، ولم يدع لاحد منا حجة ولا عذرا (2) ، فالهلاك منا من هلك عليه (3) ، والسعيد منا من رغب اليه (4).
  والحمد للّه بكل ما حمده به أدنى (5) ملائكته اليه وأكرم خليقته عليه وأرضى حامديه لديه ، حمدا يفضل (6) سئر الحمد كفضل ربنا على جميع خلقه (7).
  ثم له الحمد مكان كل نعمة له علينا وعلى جميع عباده الماضين والباقين عدد ما أحاط به علمه من جميع الاشيآء ، ومكان كل واحدة منها عددها أضعافا مضاعفة أبدا سرمدا (8) الى يوم القيامة.
  حمدا لا منتهى لحده، ولا حساب لعدده ، ولا مبلغ لغايته ، ولا انقطاع لامده (9).
  حمدا يكون وصلة (10) الى طاعته وعفوه ، وسببا الى رضوانه ، وذريعة (11) الى مغفرته ، وطريقا الى جنته ، وخفيرا (12) من نقمته ، وأمنا من غضبه ، وظهيرا (13) على طاعته ، وحاجزا عن معصيته ، وعونا على تأدية حقه ‏ووظائفه.(14)
  حمدا نسعد به في السعدآء من أوليائه ، ونصير به في نظم الشهدآء (15) بسيوف أعدآئه ، انه ولي حميد.

**************************************************************
(1) لم يجشمنا الا يسرا : لم يكلفنا الا ما سهل علينا وتيسر . و .. التجشيم : التكليف الشاق.
(2) فالهالك : الخاسر بذنوبه ، بعد اتمام الحجة.
(3) من هلك عليه : اي .. من هلك بسوء صنيعه .. كان كانه هالك على كره منه سبحانه.
(4) اليه : الى اللّه تعالى .
(5) ادنى: اشرف واقرب.
(6) حمدا يفضل سائر الحمد : يكون افضل من حمد غيري من المخلوقين.
(7) كفضل ربنا على جميع خلقه : حمدا في مرتبة من الكمال الذي لا نهاية له .. مثل فضله تعالى على جميع الخلق.
(8) ابدا سرمدا : باقيا ، لان: الابد .. استمرار الوجود في ازمنة غير متناهية في المستقبل، و : السرمد .. الدائم الذي لا ينقطع.
(9) لا انقطاع لامده : لا انتهاء لوقته.
(10) وصلة : موصلا.
(11) ذريعة : وسيلة.
(12) خفيرا : مجيرا.
(13) ظهيرا : معينا . اذ الحمد يوجب التوفيق.
(14) وظائفه : تكاليفه سبحانه التي امر الناس بها.
(15) في نظم الشهداء : في صف وجماعة الشهداء .. في الثواب والفضيلة ، والشهداء .. جمع .. شهيد ، وهو القتيل في سبيل اللّه.

  وكان من دعائه عليه السلام بعد هذا التحميد في الصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والحمد للّه الذي من علينا بمحمد نبيه صلى اللّه عليه وآله دون الامم الماضية والقرون السالفة، بقدرته التي لا تعجز عن‏ شيء وان عظم ، ولا يفوتها شي‏ء وان لطف (1) ، فختم بنا (2) على جميع من ذراء (3) ، وجعلنا شهدآء (4) على من جحد (5) ، وكثرنا بمنه على من قل (6).
  اءللهم فصل على محمد أمينك على وحيك ، ونجيبك (7) من خلقك ، وصفيك من عبادك ، امام الرحمة، وقائد الخير ، ومفتاح البركة ، كما نصب لامرك نفسه ، وعرض فيك للمكروه بدنه ، وكاشف في الدعاء اليك حامته (8) ، وحارب في رضاك اسرته (9) ، وقطع في احياء دينك رحمه (10) ، وأقصى الادنين على جحودهم ، وقرب ‏الاقصين على استجابتهم لك ، ووالى فيك الابعدين (11) ، وعادى فيك الاقربين ، وأدأب (12) نفسه في تبليغ ‏رسالتك ، وأتعبها بالدعاء الى ملتك ، وشغلها بالنصح لاهل دعوتك ، وهاجر الى بلاد الغربة ، ومحل الناءي (13) عن ‏موطن رحله (14) ، وموضع رجله ، ومسقط رأسه ، ومأنس نفسه ..، ارادة منه لاعزاز دينك ، واستنصارا على أهل الكفر بك ، حتى استتب (15) له ما حاول في أعدائك ، واستتم له ما دبر في أوليآئك.
  فنهد (16) اليهم (17) مستفتحا بعونك ، ومتقويا على ضعفه بنصرك ، فغزاهم في عقر (18) ديارهم ، وهجم‏ عليهم في بحبوحة (19) قرارهم (20) ، حتى ظهر أمرك ، وعلت كلمتك ، ولو كره المشركون.
  اءللهم فارفعه بما كدح فيك (21) الى الدرجة العليا من جنتك ، حتى لا يساوى في منزلة ، ولا يكافأ في ‏مرتبة (22) ، ولا يوازيه لديك ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وعرفه في أهله الطاهرين وامته المؤمنين من حسن‏ الشفاعة أجل ما وعدته.
  يا نافذ العدة ، يا وافي القول (23) ، يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات، انك ذو الفضل العظيم.

**************************************************************
(1) لطف : صغر حجمه ، ودق.
(2) فختم بنا : جعلنا خاتم الامم.
(3) من ذرا : من خلق.
(4) شهداء : شهودا .
(5) جحد : انكر الاسلام.
(6) كثرنا بمنه على من قل : جعلنا بانعامه .. كثيري العدد دون سائر الامم.
(7) نجيبك : مختارك .
(8) حامته : خاصته ومن يقرب منه .
(9) اسرته: عشيرته.
(10) قطع في احياء دينك رحمه : قاطع اقرباءه المعاندين في سبيل احياء دينك.
(11) والى فيك الابعدين : والى.. ناصر .. فيك .. لاجلك.. الابعدين.. من لا رحم لهم منه‏ص.
(12) اداب : اجهد.
(13) محل الناي : محل البعد عن وطنه مكة .. والمراد .. المدينة المنورة.
(14) موطن رحله : ماواه ومنزله في الحضر .. وهي مكة المكرمة .
(15) استتب: استقام واستقر.
(16) فنهد : فنهض وبرز.
(17) اليهم: الى اعداء اللّه.
(18) عقر : اصل.
(19) بحبوحة : وسط.
(20) قرارهم : مقرهم ومحلهم.
(21) كدح فيك : بسبب جهده وتعبه لاجلك.
(22) لا يكافا في مرتبة : لا يكون احد مثله في رتبته ومنزلته .. يكافا .. يماثل.
(23) يا وافي القول : يا من يفي ويصدق بكلامه.

  وكان من دعائه عليه السلام في الصلاة على حملة العرش وكل ملك مقرب اءللهم وحملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك ، ولا يسأمون (1) من تقديسك ، ولا يستحسرون (2) من ‏عبادتك ، ولا يؤثرون التقصير على الجد في أمرك ، ولا يغفلون عن الوله (3) اليك.
  واسرافيل (4) صاحب‏الصور (5) ، الشاخص (6) الذي ينتظر منك الاذن ، وحلول الامر ، فينبه بالنفخة صرعى (7) رهائن ‏القبور (8) ، وميكآئيل (9) ذو الجاه (10) عندك ، والمكان الرفيع من طاعتك ، وجبريل الامين على ‏وحيك ، المطاع في أهل سماواتك ، المكين (11) لديك ، المقرب عندك ، والروح الذي هو على ملائكة (12) الحجب ، والروح الذي هو من أمرك (13).
  فصل عليهم وعلى الملائكة الذين من دونهم : من سكان سماواتك ، وأهل الامانة على رسالاتك ، والذين لا تدخلهم‏ سمة (14) من دؤب (15) ، ولا اعياء (16) من لغوب (17) ولا فتور ، ولا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات ، ولا يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات (18) ، الخشع الابصار فلا يرومون النظر اليك ، النواكس الاذقان (19) ، الذين قد طالت رغبتهم فيما لديك ، المستهترون (20) بذكر آلائك (21) ، والمتواضعون دون عظمتك وجلال ‏كبريآئك ، والذين يقولون اذا نظروا الى جهنم تزفر على أهل معصيتك : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ... فصل عليهم وعلى الروحانيين من ملائكتك ، وأهل الزلفة عندك ، وحمال الغيب الى رسلك ، والمؤتمنين على وحيك ، وقبائل (22) الملائكة الذين اختصصتهم لنفسك ، وأغنيتهم عن الطعام والشراب بتقديسك ، وأسكنتهم بطون أطباق ‏سماواتك (23) ، والذين على أرجئها اذا نزل الامر (24) بتمام وعدك ، وخزان المطر وزواجر السحاب (25) ،

**************************************************************
(1) لا يسامون : لا يملون.
(2) لا يستحسرون : لا يتعبون .
(3) الوله : المحبة وصدق الرغبة.
(4) اسرافيل : ملك مقرب .
(5) الصور : بوق كبير ينفخ فيه . فاذا اراد اللّه افناء العالم.. نفخ اسرافيل في ذلك البوق ، فلا يبقى عندئذ في الحياة احد الا من شاء اللّه ، واذا اراد سبحانه احياءهم للحساب نفخ‏اسرافيل في ذلك البوق ثانيا .. فيحيون للحشر والحساب.
(6) الشاخص : الرافع بصره نحو السماء ينتظر الامر في النفخ.
(7) صرعى : موتى .
(8) رهائن القبور : المرهونون الملازمون للقبور.
(9) وميكائيل : ملك مقرب، روي انه موكل بالارزاق والمعرفة للنفوس.
(10) الجاه : المنزلة.
(11) المكين : صاحب المكانة والمنزلة.
(12) الروح الذي هو على ملائكة الحجب : الروح هنا .. ملك آمر على ملائكة الحجب، والملائكة كلها ارواح ، و .. الحجب .. هنا .. الانوار والكلمات وغيرها التي فوق‏السموات . . تحجب المخلوقين عن العلم بما وراءها.
(13) الروح الذي هو من امرك : الروح الذي اختصصت بعلمه .
(14)سمة : ملل.
(15) دؤب : استمرار .. في العمل والطاعة.
(16) اعياء : كلل.
(17) لغوب : تعب شديد .
(18) سهو الغفلات: النسيان.
(19) النواكس الاذقان : المطاطئو الرؤوس ، والاذقان .. جمع ذقن .. الطرف الادنى من العظم الثابت عليه اسنان الفك الاسفل.
(20) المستهترون : المولعون.
(21) آلائك : نعمك.
(22) قبائل : جماعات.
(23) بطون اطباق سماواتك : ما بين السموات.
(24) الامر : الامر بقيام الساعة.
(25) زواجر السحاب : الملائكة الذين يسوقون السحاب بسرعة.

الصحيفة السجادية   ـ 26 ـ
والذي بصوت زجره يسمع زجل (1) الرعود ، واذا سبحت به حفيفة السحاب (2) التمعت صواعق البروق ، ومشيعي الثلج (3) والبرد ، والهابطين مع قطر المطر اذا نزل ، والقوام (4) على خزآئن الرياح ، والموكلين ‏بالجبال فلا تزول ، والذين عرفتهم مثاقيل المياه ، وكيل ما تحويه لواعج الامطار (5) وعوالجها (6) ، ورسلك من الملائكة الى أهل الارض بمكروه ما ينزل من البلاء ومحبوب الرخآء ، والسفرة (7) الكرام البررة (8) ، والحفظة الكرام الكاتبين ، وملك الموت وأعوانه ، ومنكر ونكير ، ورومان (9) فتان القبور (10) ، والطائفين بالبيت ‏المعمور (11) ، ومالك (12) ، والخزنة (13) ، ورضوان (14) ، وسدنة الجنان (15) ، والذين ( لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ، والذين يقولون (16) : ( سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) ، والزبانية (17) الذين اذا قيل لهم : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ × (18) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) (19) ابتدروه سراعا (20) ، ولم ‏ينظروه (21) ، ومن أوهمنا (22) ذكره ، ولم نعلم (23) مكانه منك ، وبأي أمر وكلته ، وسكان الهواء والارض ‏والماء ، ومن منهم على الخلق.
  فصل عليهم يوم يأتي كل نفس معها سائق (24) وشهيد (25) ، وصل عليهم صلاة تزيدهم كرامة على كرامتهم ‏وطهارة (26) على طهارتهم .
  اءللهم واذا صليت على ملائكتك ورسلك ، وبلغتهم صلاتنا عليهم ، فصل علينا بما فتحت لنا من حسن القول فيهم ، انك جواد كريم.

**************************************************************
(1) زجل : الزجل .. الصوت العالي.
(2) حفيفة السحاب : دوي السحاب عند مرورها.
(3) مشيعي الثلج والبرد : الملائكة النازلين مع الثلج والبرد.
و .. الثلج : ما يتجمد من ماء السحاب ويسقط ، و .. البرد : ماء السحاب المتجمد في الهواء البارد والساقط حبوبايشبه الحصى.
(4) القوام : الموكلون.
(5) لواعج الامطار : الامطار الشديدة.
(6) عوالجها : المتراكمة .. منها.
(7) السفرة : الملائكة الذين يسفرون ، ياتون .. بالوحي منه تعالى الى انبيائه.
(8) الحفظة : الملائكة الذين يحصون اعمال العباد ويكتبونها .
(9) رومان : ورد انه ملك ياتي الى القبر قبل منكر ونكير ، ويامر الميت بكتابة اعماله.
(10) فتان القبور : فتان .. من .. الفتنة : الابتلاء والامتحان لاصحاب القبور.
(11) البيت المعمور : ورد .. انه بيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة ، مطاف للملائكة.
(12) مالك : الامر الرئيس على خزنة جهنم.
(13) الخزنة : الملائكة المتولون لامر جهنم.
(14) رضوان : رئيس سدنة الجنان.
(15) سدنة الجنان : خدمتها من الملائكة.
(16) الذين يقولون: الملائكة الذين يقولون لاهل الجنة اذا دخلوها.
(17) الزبانية : ملائكة العذاب .. يدفعون اهل النار .. اليها.
(18) فغلوه : فشدوه في الاغلال.
(19) صلوه : ادخلوه .. فيها.
(20) ابتدروه سراعا : عاجلوه مسرعين.
(21) لم ينظروه : لم يمهلوه.
(22) اوهمنا : تركنا.
(23) مكانه منك : منزلته عندك.
(24) سائق : ملك يسوقها الى المحشر.
(25) شهيد : ملك يشهد عليها بما عملت في دار الدنيا ، وذلك في يوم القيامة.
(26) طهارة : نزاهة عن المعاصي.

  وكان من دعائه عليه السلام في الصلاة على اتباع الرسل ومصدقيهم اءللهم وأتباع الرسل ومصدقوهم من أهل الارض بالغيب (1) عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب ‏والاشتياق (2) الى المرسلين بحقائق الايمان ، في كل دهر وزمان أرسلت فيه رسولا ، وأقمت لاهله دليلا ، من لدن‏ آدم الى محمد صلى اللّه عليه وآله ، من أئمة الهدى ، وقادة أهل التقى ، على جميعهم السلام ، فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان.
  اءللهم وأصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحابة ، والذين أبلوا البلاء الحسن (3) في نصره ، وكانفوه (4) وأسرعوا الى وفادته (5) ، وسابقوا الى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الازواج والاولاد في اظهار كلمته ، وقاتلوا الابآء والابآء في تثبيت نبوته ، وانتصروا به (6) ، ومن كانوا منطوين (7) على محبته ، يرجون تجارة لن تبور (8) في مودته ، والذين هجرتهم العشائر اذ تعلقوا (9) بعروته ، وانتفت منهم ‏القرابات اذ سكنوا في ظل قرابته ... فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك ، وأرضهم من رضوانك ، وبما حاشوا (10) الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك اليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم ، وخروجهم من سعة المعاش ‏الى ضيقه ، ومن كثرت في اعزاز دينك من مظلومهم (11).

**************************************************************
(1) بالغيب : الغيب .. نحو.. اللّه سبحانه والمعاد والحساب وما اشبه.
(2) والاشتياق : وعند الاشتياق.
(3) ابلوا البلاء الحسن : امتحنوا امتحانا حسنا.
(4) كانفوه : عاونوه.
(5) الى وفادته : الى الوفود اليه ص وتصديق رسالته.
(6) انتصروا به : غلبوا اعداءهم ببركته‏ص.
(7) منطوين : مجتمعين.
(8) لن تبور : لن تخسر .. كما تخسر تجارات الدنيا احيانا.
(9) بعروته : بدين الاسلام.
(10) حاشوا : جمعوا.
(11) مظلومهم : الذين ظلموا بما اصابهم من اذى المشركين.

الصحيفة السجادية   ـ 28 ـ
  اءللهم وأوصل الى التابعين لهم باحسان الذين يقولون : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِْيمَانِ ) خير جزآئك ، الذين قصدوا سمتهم (1) ، وتحروا وجهتهم (2) ، ومضوا على شاكلتهم ، لم يثنهم ريب (3) في‏بصيرتهم (4) ، ولم يختلجهم (5) شك في قفو (6) آثارهم والائتمام (7) بهداية منارهم ، مكانفين (8) ومؤازرين (9) لهم ، يدينون بدينهم ، ويهتدون بهديهم ، يتفقون عليهم ، ولا يتهمونهم فيما أدوا اليهم.
  اءللهم وصل على التابعين من يومنا هذا الى يوم الدين، وعلى أزواجهم ، وعلى ذرياتهم ، وعلى من أطاعك منهم . . صلاة ‏تعصمهم بها من معصيتك ، وتفسح لهم في رياض جنتك ، وتمنعهم بها من كيد الشيطان ، وتعينهم بها على ما استعانوك‏عليه من بر (10) ، وتقيهم طوارق الليل والنهار الا طارقا يطرق بخير ، وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك ، والطمع فيما عندك ، وترك التهمة فيما تحويه (11) أيدي العباد (12) ، لتردهم الى الرغبة اليك والرهبة منك ، وتزهدهم في سعة العاجل ، وتحبب اليهم العمل للاجل ، والاستعداد لما بعد الموت ، وتهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الانفس من أبدانها، وتعافيهم مما تقع به الفتنة من محذوراتها (13)، وكبة النار (14) وطول الخلود فيها ، وتصيرهم الى أمن (15) من مقيل المتقين. (16)

**************************************************************
(1) قصدوا سمتهم : ساروا على طريقتهم.
(2) تحروا وجهتهم : طلبوا وجهتهم .. على انها الافضل.
(3) ريب : شك.
(4) بصيرتهم : عقيدتهم.
(5) يختلجهم : يجتذبهم.
(6) قفو : اتباع.
(7) الائتمام : الاقتداء.
(8) مكانفين : معاونين.
(9) مؤازرين : مساعدين.
(10) بر : خير ، طاعة ، صلاح.
(11) تحويه : تملكه.
(12) ترك التهمة فيما تحويه ايدي العباد : ترك تهمتك سبحانك .. بعدم العدل في القسمة بسبب ما يملك بعض الناس من متاع الدنيا دون بعض .. مع العلم ان في ذلك‏امتحان وزيادة اجر للصابرين العاملين ، بالاضافة الى انه نتيجة ترك الناس او بعضهم لتعاليم الاسلام او بعضها.
(13) مما تقع به الفتنة من محذوراتها : ما تحدثه المحنة من مخوفاتها.
(14) كبة النار : شدة النار.
(15) امن : محل امن.
(16) مقيل المتقين : موضع استراحة المتقين .. وهو .. الجنة.

الصحيفة السجادية   ـ 29 ـ

5 ـ لنفسه وأهل ولايته
  وكان من دعائه عليه السلام لنفسه وأهل ولايته يا من لا تنقضي عجائب عظمته .. صل على محمد وآله ، واحجبنا (1) عن الالحاد في عظمتك (2) ، ويا من لاتنتهي مدة ملكه .. صل على محمد وآله ، وأعتق رقابنا من نقمتك (3) ، ويا من لا تفنى خزائن رحمته .. صل على ‏محمد وآله ، واجعل لنا نصيبا في رحمتك ، ويا من تنقطع دون رؤيته الابصار (4) .. صل على محمد وآله ، وأدننا الى ‏قربك (5) ، ويا من تصغر عند خطره (6) الاخطار (7) .. صل على محمد وآله ، وكرمنا عليك (8) ، ويا من تظهر عنده بواطن الاخبار .. صل على محمد وآله ، ولا تفضحنا لديك (9).
  اءللهم إغننا عن هبة الوهابين .. بهبتك ، واكفنا وحشة القاطعين .. بصلتك ، حتى لا نرغب الى أحد مع بذلك ، ولا نستوحش من أحد مع فضلك .
  اءللهم فصل على محمد وآله ، وكد لنا (10) ولا تكد علينا (11) ، وامكر لنا (12) ولا تمكر بنا (13) ، وأدل ‏لنا (14) ولا تدل منا. (15)

**************************************************************
(1) احجبنا : امنعنا.
(2) عن الالحاد في عظمتك : عن الميل عن الحق في تعظيمك .
(3) نقمتك : المجازاة بعقابك .
(4) تنقطع دون رؤيته الابصار : تقف الابصار قبل الوصول الى رؤيته، لامتناع رؤيته سبحانه.
(5) الى قربك : الى القرب منك منزلة ورتبة.
(6) خطره : شرفه وعلو قدره.
(7) الاخطار : معالي الاقدار والقوى.
(8) كرمنا عليك : اجعلنا مكرمين لديك.
(9) لا تفضحنا لديك : اعصمنا حتى لا نعصيك فنستحق الفضيحة.
(10) كدلنا : تفضل باسباب رفعتنا .. الاسباب الخفية.
(11) لا تكد علينا : الطف بنا ولا تدبر مجازاتنا على اعمالنا.
(12) امكر لنا : ضع بلاءك .. سبحانك .. على اعدائنا.
(13) لا تمكر بنا : لا توقع بلاءك .. سبحانك .. علينا.
(14) ادل لنا : اجعل النصر والغلبة لنا.
(15) لا تدل منا : لا تجعل النصر للغير علينا.

الصحيفة السجادية   ـ 30 ـ
  اءللهم صل على محمد وآله ، وقنا منك (1) ، واحفظنا بك ، واهدنا اليك ، ولا تباعدنا عنك ، ان من تقه يسلم ، ومن‏تهده يعلم ، ومن تقربه اليك يغنم.
  اءللهم صل على محمد وآله ، واكفنا حد (2) نوائب (3) الزمان ، وشر مصائد الشيطان ، ومرارة (4) صولة ‏السلطان (5).
  اءللهم انما يكتفي المكتفون .. بفضل قوتك ، فصل على محمد وآله واكفنا ، وانما يعطي المعطون .. من فضل‏جدتك (6) فصل على محمد وآله وأعطنا ، وانما يهتدي المهتدون .. بنور وجهك ، فصل على محمد وآله واهدنا.
  اءللهم انك من واليت (7) لم يضرره خذلان الخاذلين ، ومن أعطيت لم ينقصه منع المانعين ، ومن هديت لم يغوه ‏اضلال المضلين ، فصل على محمد وآله ، وامنعنا بعزك .. من عبادك ، وأغننا عن غيرك .. بارفادك (8) ، واسلك بنا سبيل الحق بارشادك.
  اءللهم صل على محمد وآله ، واجعل سلامة قلوبنا .. في ذكر عظمتك ، وفراغ أبد اننا .. في شكر نعمتك ، وانطلاق ألسنتنا .. في وصف منتك.
  اءللهم صل على محمد وآله ، واجعلنا من دعاتك الداعين اليك ، وهداتك الدالين عليك ، ومن خاصتك الخاصين لديك ، يا أرحم الراحمين.

**************************************************************
(1) قنا منك : قيل معناه : احفظنا من عذابك وسخطك.
(2) حد : شدة.
(3) نوائب : مصائب.
(4) مرارة : مشقة وعذاب.
(5) صولة السلطان : سطوة السلطان وقهره.
(6) جدتك : غناك.
(7) واليت : نصرت.
(8) بارفادك : باعطائك واعانتك.

الصحيفة السجادية   ـ 31 ـ

6 ـ عند الصباح والمساء
  وكان من دعائه عليه السلام عند الصباح والمساء الحمد للّه الذي خلق الليل والنهار بقوته ، وميز بينهما بقدرته ، وجعل لكل واحد منهما حداً محدوداً وأمداً ممدوداً ، يولج كل واحد منهما في صاحبه (1) ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد ، فيما يغذوهم به (2) ، وينشئهم (3) عليه ، فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب ونهضات النصب ، وجعله لباسا ليلبسوا من‏راحته ومنامه ، فيكون ذلك لهم جماما وقوة ، ولينالوا به لذة وشهوة ، وخلق لهم النهار مبصرا (4) ليبتغوا (5) فيه‏من فضله ، وليتسببوا الى رزقه ، ويسرحوا في أرضه ، طلبا لما فيه نيل العاجل من دنياهم ودرك الاجل في اخراهم ، بكل‏ذلك يصلح شأنهم ويبلو أخبارهم (6) ، وينظر كيف هم في أوقات طاعته ، ومنازل فروضه (7) ، ومواقع ‏أحكامه (8) ، ليجزي الذين أسؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
  اءللهم فلك الحمد على ما فلقت لنا من الاصباح (9) ، ومتعتنا به من ضوء النهار ، وبصرتنا من مطالب الاقوات ، ووقيتنا فيه من طوارق الافات. (10)
  أصبحنا وأصبحت الاشياء كلها بجملتها لك سمؤها وأرضها ، وما بثثت في كل واحد منهما ، ساكنه ومتحركه ، ومقيمه ‏وشاخصه (11) ، وما علا في الهواء ، وما كن (12) تحت الثرى. (13)
  أصبحنا في قبضتك ، يحوينا ملكك وسلطانك ، وتضمنا (14) مشيتك (15) ، ونتصرف عن أمرك (16) ، ونتقلب في تدبيرك ، ليس لنا من الامر الا ما قضيت ، ولا من الخير الا ما أعطيت ، وهذا يوم حادث جديد ، وهو علينا شاهد عتيد (17) ، ان أحسنا ودعنا بحمد ، وان أسأنا فارقنا بذم.

**************************************************************
(1) يولج كل واحد منهما في صاحبه : يدخل احدهما في الاخر باتيانه بدلا في مكانه.
(2) فيما يغذوهم به : لاجل ما يغذوهم به.
(3) وينشأهم : يربيهم.
(4) مبصرا : ذا ابصار ، اذ يتوافر في النهار النور الذي هو من شروط الابصار.
(5) ليبتغوا : ليطلبوا.
(6) يبلو اخبارهم : يمتحنهم ويظهر اعمالهم .. طاعتهم له ـ سبحانه ـ ومخالفتهم.
(7) منازل فروضه : متعلقات فروضه ، وهي .. المفروضات ، جعل ما تعلق به الفرض كالمنزل له ، و .. فروضه .. ما اوجبه تعالى من المفروضات ـ الواجبات ـ عليهم.
(8) مواقع احكامه : متعلقات احكامه ، و .. احكامه .. ما حكم به ـ سبحانه ـ من التكاليف على العباد.
(9) فلقت لنا من الاصباح : اظهرت لنا من ضياء النهار.
(10) طوارق الافات : حوادث البليات والمصائب ، قيل : هي التي تاتي على غفلة ، كما في الليل.
(11) شاخصه : .. الشاخص .. الخارج من موضع الى غيره.
(12) كن : استتر واختفى.
(13) الثرى : التراب الندي ، الذي تحت الظاهر من وجه الارض.
(14) تضمنا : تجمعنا.
(15) مشيتك : ارادتك.
(16) عن امرك : حسب امركر التكوينير اذ جعلتنا قادرين مختارين.
(17) عتيد : حاضر.

الصحيفة السجادية   ـ 32 ـ
  اءللهم صل على محمد وآله ، وارزقنا حسن مصاحبته ، واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة (1) ، أو اقتراف (2) صغيرة أو كبيرة (3) ، وأجزل (4) لنا فيه من الحسنات ، وأخلنا فيه من السيئآت ، واملا لنا ما بين طرفيه حمدا وشكرا وأجرا وذخرا وفضلا واحسانا.
  اءللهم يسر على الكرام الكاتبين (5) مونتنا (6) ، واملاء لنا من حسناتنا صحائفنا ، ولا تخزنا عندهم بسوء أعمالنا.
  اءللهم اجعل لنا في كل ساعة من ساعاته حظا من عبادك ، ونصيبا من شكرك ، وشاهد صدق من ملائكتك.
  اءللهم صل على محمد وآله ، واحفظنا من بين أيدينا ، ومن خلفنا ، وعن أيماننا ، وعن شمائلنا ، ومن جميع نواحينا .. حفظا عاصما من معصيتك ، هاديا الى طاعتك ، مستعملا لمحبتك.
  اءللهم صل على محمد وآله ، ووفقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه وفي جميع أيامنا .. لاستعمال الخير ، وهجران الشر ، وشكر النعم ، واتباع السنن (7) ، ومجانبة البدع (8) ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وحياطة (9) الاسلام ، وانتقاص الباطل واذلاله ، ونصرة الحق واعزازه ، وارشاد الضال ، ومعاونة الضعيف ، وادراك (10) اللهيف. (11)
  اءللهم صل على محمد وآله ، واجعله أيمن يوم عهدناه ، وأفضل صاحب صحبناه ، وخير وقت ظللنا فيه ، واجعلنا من‏ أرضى من مر عليه الليل والنهار من جملة خلقك ، أشكرهم لما أوليت من نعمك ، وأقومهم بما شرعت من شرائعك ، وأوقفهم عما حذرت من نهيك.
  اءللهم اني اشهدك وكفى بك شهيدا ، واشهد سمائك وأرضك ومن أسكنتهما من ملائكتك وسئر خلقك في يومي هذاوساعتي هذه وليلتي هذه ومستقري هذا .. أني أشهد أنك أنت اللّه الذي لا اله الا أنت ، قائم بالقسط ، عدل في الحكم ، رؤوف بالعباد ، مالك الملك ، رحيم بالخلق ، وأن محمدا عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك ، حملته رسالتك فاداها ، وأمرته بالنصح لامته فنصح لها.
  اءللهم فصل على محمد وآله ، أكثر ما صليت على أحد من خلقك ، وآته عنا أفضل ما آتيت أحدا من عبادك ، واجزه عنا أفضل وأكرم ما جزيت أحدا من أنبيائك عن امته ، انك أنت المنان بالجسيم ، الغافر للعظيم ، وأنت أرحم من كل رحيم ، فصل على محمد وآله الطيبين الطاهرين الاخيار الانجبين.

**************************************************************
(1) جريرة : جناية وذنب.
(2) اقتراف : عمل.
(3) صغيرة او كبيرة : .. من المعاصي.
(4) اجزل : اكثر.
(5) الكاتبين : الملائكة الذين يحصون اعمال العباد ، وهم .. الحافظون.
(6) مؤنتنا : ثقلنا ، يسر مؤنتنا .. اعصمنا عن السيئات .. حيث يقل ما يكتبه الملائكة من سيئات اقوالنا وافعالنا.
(7) السنن : الطرق التي قرر النبي ص لمختلف جوانب الحياة.
(8) البدع : جمع .. بدعة .. الامر الحادث المنسوب الى الدين .. مما يخالفه .
(9) حياطة الاسلام : حفظ الاسلام وحمايته.
(10) ادراك : اغاثة.
(11) اللهيف : المضطر.

الصحيفة السجادية   ـ 33 ـ

7 ـ اذا عرضت له مهمة اءو نزلت به ملمة وعند الكرب

  وكان من دعائه عليه السلام اذا عرضت له مهمة أو نزلت به ملمة (1) ؟ وعند الكرب يا من تحل به عقد المكاره ، ويا من يفثا (2) به حد الشدآئد (3) ، ويا من يلتمس منه المخرج الى روح الفرج.. ذلت لقدرتك الصعاب ، وتسببت بلطفك الاسباب ، وجرى بقدرتك القضاء ، ومضت على ارادتك الاشياء ، فهي ‏بمشيتك (4) دون (5) قولك مؤتمرة ، وبارادتك دون نهيك منزجرة.
  أنت المدعو للمهمات ، وأنت المفزع في الملمات (6) ، لا يندفع منها الا ما دفعت ، ولا ينكشف منها الا ما كشفت ، وقد نزل بي يا رب ما قد تكأدني (7) ثقله ، وألم بي ما قد بهظني (8) حمله ، وبقدرتك أوردته علي ، وبسلطانك وجهته الي ، فلا مصدر لما أوردت ، ولا صارف لما وجهت ، ولا فاتح لما أغلقت ، ولا مغلق لما فتحت ، ولاميسر لما عسرت ، ولا ناصر لمن خذلت.
  فصل على محمد وآله ، وافتح لي يا رب باب الفرج بطولك (9) ، واكسر عني سلطان الهم بحولك ، وأنلني حسن ‏النظر فيما شكوت ، وأذقني حلاوة الصنع فيما سألت ، وهب لي من لدنك رحمة وفرجا هنيئا ، واجعل لي من عندك‏ مخرجا وحيا ، ولا تشغلني (10) بالاهتمام عن تعاهد فروضك ، واستعمال سنتك ، فقد ضقت لما نزل بي يا رب‏ ذرعا (11) ، وامتلات بحمل ما حدث علي هما ، وأنت القادر على كشف ما منيت به ، ودفع ما وقعت فيه ، فافعل بي ذلك وان لم أستوجبه منك ، يا ذا العرش العظيم.

**************************************************************
(1) ملمة : شدة .. نازلة شديدة من نوازل الدنيا.
(2) يفثا : يسكن .
(3) حد الشدائد : حدة الشدائد.
(4) بمشيتك : بارادتك .
(5) دون : قبل .
(6) الملمات : ملمات : جمع .. ملمة .
(7) تكادني : صعب علي.
(8) بهظني : شق علي.
(9) بطولك : بفضلك وقدرتك.
(10) وحيا : سريعا .
(11) ضقت لما نزل بي ذرعا : ضعفت طاقتي ولم اقدر عليه.

  وكان من دعائه عليه السلام في الاستعاذة من المكاره وسيى‏ء الاخلاق ومذا م الافعال اللهم اني أعوذ بك من هيجان الحرص (1) ، وسورة (2) الغضب ، وغلبة الحسد ، وضعف الصبر ، وقلة القناعة ، وشكاسة (3) الخلق ، والحاح الشهوة ، وملكة الحمية (4) ، ومتابعة الهوى ، ومخالفة الهدى ، وسنة ‏الغفلة (5) ، وتعاطي الكلفة ، (6) وايثار الباطل على الحق ، والاصرار على الماء ثم ، واستصغار المعصية ، واستكبار الطاعة ، ومباهات (7) المكثرين ، والازرآء (8) بالمقلين ، وسوء الولاية لمن تحت أيدينا ، وترك‏الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا ، أو أن نعضد ظالما ، أو نخذل ملهوفا (9) ، أو نروم ما ليس لنا بحق ، أو نقول في‏العلم بغير علم ، ونعوذ بك أن ننطوي على (10) غش أحد ، وأن نعجب بأعمالنا ، ونمد في آمالنا (11) ، ونعوذبك من سوء السريرة (12) ، واحتقار الصغيرة ، وأن يستحوذ علينا الشيطان ، أو ينكبنا الزمان ، أو يتهضمنا السلطان ، ونعوذ بك من تناول الاسراف ، ومن فقدان الكفاف ، ونعوذ بك من شماتة الاعدآء ، ومن الفقر الى الاكفآء ، ومن معيشة ‏في شدة ، وميتة على غير عدة ، ونعوذ بك من الحسرة العظمى (13) ، والمصيبة الكبرى (14) ، وأشقى ‏الشقاء (15) ، وسوء المب ، وحرمان الثواب ، وحلول العقاب.
  اءللهم صل على محمد وآله ، وأعذني من كل ذلك برحمتك وجميع المؤمنين والمؤمنات ، يا أرحم الراحمين.

**************************************************************
(1) الحرص : الجشع والبخل.
(2) سورة : شدة .
(3) شكاسة : صعوبة .
(4) ملكة الحمية : ان يكون التعصب في غير الحق صفة راسخة في النفس.
(5) سنة الغفلة : الفتور عما يقرب الى اللّه تعالى اهمالا.
(6) ايثار : اختيار وتقديم.
(7) مباهات المكثرين : مفاخرة اصحاب الاموال الكثيرة.
(8) الازراء: الاحتقار.
(9) ملهوفا : مظلوما ومضطرا.
(10) ننطوي على : نستر في باطننا.
(11) نمد في آمالنا : يكون لنا امل طويل في القينات الفانية .. ما يسبب الاعراض عن الامور الاخروية.
(12) السريرة : السر الذي يكتم. وسوء السريرة .. كل قبيح يخفيه الانسان ويسره.
(13) الحسرة العظمى : التاسف يوم القيامة ـ عند مشاهدة الثواب والعقاب ـ على التفريط في اكتساب الاعمال الصالحة في دار الدنيا.
(14) المصيبة الكبرى : المصيبة بالدين .
(15) اشقى الشقاء : دخول النار.

الصحيفة السجاية   ـ 35 ـ

9 ـ في الاشتياق الى طلب المغفرة من اللّه جل جلاله
  وكان من دعائه عليه السلام في الاشتياق الى طلب المغفرة من اللّه جل جلاله اءللهم صل على محمد وآله ، وصيرنا الى محبوبك من التوبة ، وأزلنا عن مكروهك من الاصرار ، اءللهم ومتى وقفنا بين‏ نقصين في دين أو دنيا فاوقع النقص بأسرعهما فنآء ، واجعل التوبة في أطولهما بقآء .
  واذا هممنا بهمين يرضيك أحدهما عنا ، ويسخطك الاخر علينا ، فمل بنا الى ما يرضيك عنا ، وأوهن (1) قوتنا عما يسخطك علينا ، ولا تخل في ذلك بين نفوسنا واختيارها ، فانها مختارة للباطل الا ما وفقت ، أمارة بالسوء الا ما رحمت.
  اءللهم وانك من الضعف خلقتنا ، وعلى الوهن (2) بنيتنا ، ومن ماء مهين (3) أبتدأتنا ، فلا حول لنا الا بقوتك ، ولا قوة لنا الا بعونك ، فأيدنا بتوفيقك ، وسددنا بتسديدك ، وأعم أبصار قلوبنا عما خالف محبتك ، ولا تجعل لشيء من ‏جوارحنا نفوذا في معصيتك.
  اءللهم فصل على محمد وآله ، واجعل همسات قلوبنا (4) ، وحركات أعضئنا ، ولمحات أعيننا ، ولهجات ألسنتنا . . في موجبات ثوابك ، حتى لا تفوتنا حسنة نستحق بها جزآءك ، ولا تبقى لنا سيئة نستوجب بها عقابك.

**************************************************************
(1) اوهن : ضعف .
(2) الوهن : الضعف.
(3) ماء مهين : ماء حقير ، وهو .. المني .. حيث يحتقره الناس.
(4) همسات قلوبنا : ما تخفيه قلوبنا .

الصحيفة السجادية   ـ 36 ـ

10 ـ في اللجوء الى اللّه تعالى
  وكان من دعائه عليه السلام في اللجوء (1) الى اللّه تعالى اءللهم ان تشاء تعف عنا فبفضلك ، وان تشاء تعذبنا فبعدلك ، فسهل لنا عفوك بمنك وأجرنا من عذابك بتجاوزك ، فانه لاطاقة لنا بعدلك ، ولا نجاة لاحد منا دون عفوك.
  يا غني الاغنياء ، ها نحن عبادك بين يديك ، وأنا أفقر الفقراء اليك ، فاجبر فاقتنا (2) بوسعك ، ولا تقطع رجائنا بمنعك ، فتكون قد أشقيت من استسعد بك ، وحرمت من (3) استرفد فضلك ، فالى من حينئذ منقلبنا عنك ؟ ، والى أين مذهبنا عن بابك ؟ سبحانك (4) نحن المضطرون الذين أوجبت اجابتهم (5) ، وأهل السوء الذين وعدت الكشف عنهم ، أشبه‏ الاشياء بمشيتك ، وأولى الامور بك في عظمتك .. رحمة من استرحمك ، وغوث من استغاث بك ، فارحم تضرعنا اليك ، وأغننا اذ طرحنا أنفسنا بين يديك .
  اءللهم ان الشيطان قد شمت بنا اذ شايعناه (6) على معصيتك ، فصل على محمد وآله ، ولا تشمته بنا بعد تركنا اياه ‏لك ورغبتنا عنه اليك.

**************************************************************
(1) اللجوء : الالتجاء من .. اللجوء اليه : اي .. لاذ اليه واعتصم به.
(2) فاقتنا : فقرنا .
(3) استرفد : استعط‏ى.
(4) سبحانك : انزهك عما لا يليق بك تنزيها .
(5) نحن المضطرون الذين اوجبت اجابتهم : حيث قلت في القرآن الحكيم : امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء.
(6) شايعناه : تابعناه .

الصحيفة السجادية   ـ 37 ـ

11 ـ بخواتم الخير

  وكان من دعائه عليه السلام بخواتم الخير (1) يا من ذكره شرف للذاكرين ، ويا من شكره فوز للشاكرين ، ويا من طاعته نجاة للمطيعين .. صل على محمد وآله ، واشغل ‏قلوبنا بذكرك عن كل ذكر ، وألسنتنا بشكرك عن كل شكر ، وجوارحنا بطاعتك عن كل طاعة ، فان قدرت لنا فراغا من‏شغل فاجعله فراغ سلامة ، لا تدركنا فيه تبعة (2) ، ولا تلحقنا فيه سئمة (3) ، حتى ينصرف عنا كتاب السيئات ‏بصحيفة خالية من ذكر سيئاتنا ، ويتولى كتاب الحسنات عنا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا.
  واذا انقضت أيام حياتنا ، وتصرمت مدد أعمارنا ، واستحضرتنا دعوتك التي لا بد منها ومن اجابتها .. فصل على محمد وآله ، واجعل ختام ماتحصي علينا كتبة أعمالنا .. توبة مقبولة لا توقفنا (4) بعدها على ذنب اجترحناه (5) ولا معصية اقترفناها (6) ، ولا تكشف عنا سترا سترته على رؤوس الاشهاد .. يوم تبلو أخبار عبادك (7) ، انك رحيم بمن ‏دعاك ، مستجيب لمن ناداك.

**************************************************************
(1) بخواتم الخير : بان تكون العاقبة وخاتمة الحياة في الدنيا .. على خير .
(2) تبعة : شر وضرر.
(3) سئمة : ملل وضجر.
(4) لا توقفنا : لا تؤنبنا .
(5) اجترحناه : اكتسبناه.
(6) اقترفناها : عملناها.
(7) يوم تبلو اخبار عبادك : المراد به .. يوم القيامة.

  وكان من دعائه عليه السلام في الاعتراف وطلب التوبة الى اللّه تعالى اءللهم انه يحجبني (1) عن مسائلتك خلال (2) ثلاث ، وتحدوني (3) عليها خلة واحدة ، يحجبني أمراء مرت به . . فأبطأت عنه ، ونهي نهيتني عنه .. فأسرعت اليه ، ونعمة أنعمت بها علي .. فقصرت في شكرها ، ويحدوني ‏على مسائلتك .. تفضلك على من أقبل بوجهه اليك ، ووفد بحسن ظنه اليك ، اذ جميع احسانك تفضل ، واذ كل نعمك ‏ابتداء.
  فها أنا ذا .. يا الهي .. واقف بباب عزك وقوف المستسلم الذليل ، وسائلك على الحياء مني سؤال البائس (4) المعيل (5)، مقر لك بأني لم أستسلم وقت احسانك الا بالاقلاع عن عصيانك ، (6) ولم أخل في الحالات‏ كلها من امتنانك (7) ، فهل ينفعني يا الهي اقراري عندك بسوء ما اكتسبت ؟! وهل ينجيني منك اعترافي لك بقبيح ‏ما ارتكبت ؟! أم أوجبت لي في مقامي هذا سخطك ؟ أم لزمني في وقت دعائي مقتك ؟.
  سبحانك لا أيأس منك وقد فتحت لي باب التوبة اليك ، بل أقول مقال العبد الذليل الظالم لنفسه ، المستخف بحرمة ربه ، الذي عظمت ذنوبه فجلت ، وأدبرت أيامه فولت .
  حتى اذا ر اى مدة العمل قد انقضت ، وغاية العمر قد انتهت ، وأيقن أنه لا محيص (8) له منك ، ولا مهرب له عنك .. تلقاك بالانابة (9) ، وأخلص لك التوبة ، فقام اليك بقلب طاهر نقي ، ثم دعاك بصوت حائل (10) خفي ، قد تطأطأ لك فانحنى ، ونكس رأسه فانثنى ، قد أرعشت خشيته رجليه ، وغرقت دموعه خديه .. يدعوك : بيا أرحم الراحمين ، ويا أرحم من انتابه (11) المسترحمون ، ويا أعطف من أطاف به المستغفرون ، ويا من‏عفوه أكثر من نقمته ، ويا من رضاه أوفر من سخطه ، ويا من تحمد الى خلقه بحسن التجاوز ، ويا من عود عباده قبول ‏الانابة ، ويا من استصلح فاسدهم بالتوبة ، ويا من رضي من فعلهم باليسير ، ويا من كافى قليلهم بالكثير ، ويا من ضمن لهم اجابة الدعاء ، ويا من وعدهم على نفسه بتفضله .. حسن الجزاء.
  ما أنا بأعصى من عصاك فغفرت له ، وما أنا بألوم من اعتذر اليك (12) فقبلت منه ، وما أنا بأظلم من تاب اليك فعدت ‏عليه.
  أتوب اليك في مقامي هذا .. توبة نادم على ما فرط منه ، مشفق (13) مما اجتمع عليه ، خالص الحياء (14) مما وقع فيه ، عالم بأن العفو عن الذنب العظيم لا يتعاظمك ، وأن التجاوز عن الاثم الجليل لا يستصعبك ، وأن احتمال ‏الجنايات الفاحشة (15) لا يتكأدك (16) ، وأن أحب عبادك اليك من ترك الاستكبار عليك ، وجانب الاصرار ، ولزم الاستغفار ، وأنا أبرء اليك من أن أستكبر ، وأعوذ بك من أن اصر ، وأستغفرك لما قصرت فيه ، وأستعين بك على ماعجزت عنه.
  اءللهم صل على محمد وآله ، وهب لي ما يجب علي لك ، وعافني مما أستوجبه منك (17) ، وأجرني مما يخافه أهل‏ الاساءة ، فانك مليء بالعفو ، مرجو للمغفرة ، معروف بالتجاوز ، ليس لحاجتي مطلب سواك ، ولا لذنبي غافر غيرك ، حاشاك ، ولا أخاف على نفسي الا اياك ، انك أهل التقوى وأهل المغفرة ، صل على محمد وآل محمد ، واقض حاجتي ، وأنجح طلبتي ، واغفر ذنبي ، وآمن خوف نفسي ، انك على كل شيء قدير ، وذلك عليك يسير ، آمين رب العالمين.

**************************************************************
(1) يحجبني : يمنعني .
(2) خلال : خصال .. حالات .
(3) تحدوني : تبعثني وتسوقني .
(4) البائس : الفقير الشديد الحاجة.
(5) المعيل : الكثير العيال.
(6) اخل : افرغ.
(7) امتنانك : انعامك واحسانك .
(8) لا محيص : لا ملجا .
(9) تلقاك بالانابة : جاء اليك تائبا .
(10) حائل : متغير .. ضعيف .
(11) انتابه : اتاه مرة بعد اخرى.
(12) بالوم من اعتذر اليك : باكثر المعتذرين ملومية .. استحقاق عذل .. لاتيان ما ليس جائزا.
(13) مشفق : خائف .
(14) خالص الحياء : كون الحياء من اللّه تعالى .. لا من مطلع غيره .
(15) احتمال الجنايات الفاحشة : احتمال معاصي العباد الشديدة القبح.
(16) لا يتكادك : لا يصعب عليك.
(17) وعافني مما استوجبه منك : اعفني من العقاب الذي استحقه منك بسبب اخطائي.

الصحيفة السجادية   ـ 39 ـ

13 ـ في طلب الحوائج الى اللّه تعالى
  وكان من دعائه عليه السلام في طلب الحوائج الى اللّه تعالى اءللهم يا منتهى مطلب الحاجات ، ويا من عنده نيل الطلبات ، ويا من لا يبيع نعمه بالاثمان ، ويا من لا يكدر عطاياه ‏بالامتنان ، ويا من يستغنى به ولا يستغنى عنه ، ويا من يرغب اليه ولا يرغب عنه ، ويا من لا تفني خزآئنه المسائل ، ويا من‏لا تبدل حكمته الوسائل (1) ، ويا من لا تنقطع عنه حوآئج المحتاجين ، ويا من لا يعنيه (2) دعاء الداعين .. تمدحت بالغنآء عن خلقك وأنت أهل الغنى عنهم ، ونسبتهم الى الفقر وهم أهل الفقر اليك ، فمن حاول سدخلته (3) من عندك ورام (4) ، صرف الفقر عن نفسه بك .. فقد طلب حاجته في مظانها ، وأتى طلبته من‏ وجهها ، ومن توجه بحاجته الى أحد من خلقك أو جعله سبب نجحها دونك .. فقد تعرض للحرمان ، واستحق من عندك ‏فوت الاحسان.
  اءللهم ولي اليك حاجة قد قصر عنها جهدي ، وتقطعت دونها حيلي ، وسولت (5) لي نفسي رفعها الى من يرفع‏ حوائجه اليك ، ولا يستغني في طلباته عنك ، وهي زلة من زلل الخاطئين ، وعثرة من عثرات المذنبين ، ثم انتبهت‏ بتذكيرك لي من غفلتي ، ونهضت بتوفيقك من زلتي ، ورجعت ونكصت (6) بتسديدك عن عثرتي ، وقلت : سبحان‏ ربي ، كيف يسأل محتاج محتاجا ؟ وأنى يرغب معدم الى معدم ؟.
  فقصدتك ، يا الهي .. بالرغبة ، وأوفدت عليك رجئي .. بالثقة بك ، وعلمت أن كثير ما أسألك يسير في وجدك ، وأن ‏خطير ما إستوهبك (7) حقير في وسعك ، وأن كرمك لا يضيق عن سؤال أحد ، وأن يدك بالعطايا أعلى من كل ‏يد .
  اءللهم فصل على محمد وآله ، واحملني بكرمك على التفضل ، ولا تحملني بعدلك على الاستحقاق ، فما أنا بأول راغب ‏رغب اليك فأعطيته وهو يستحق المنع ، ولا بأول سائل سألك فأفضلت عليه وهو يستوجب الحرمان.
  اءللهم صل على محمد وآله ، وكن لدعائي مجيبا ، ومن ندآئي قريبا ، ولتضرعي راحما ، ولصوتي سامعا ، ولا تقطع رجائي‏عنك ، ولا تبت سببي منك ، ولا توجهني في حاجتي هذه وغيرها الى سواك ، وتولني بنجح طلبتي وقضاء حاجتي ونيل ‏سؤلي قبل زوالي عن موقفي هذا .. بتيسيرك لي العسير وحسن تقديرك لي في جميع الامور .. وصل على محمد وآله .. صلاة دائمة نامية ، لا انقطاع لابدها ولا منتهى لامدها ، واجعل ذلك عونا لي وسببا لنجاح ‏طلبتي ، انك واسع كريم ، ومن حاجتي يا رب ( كذا وكذا ، وتذكر حاجتك ثم تسجد وتقول في سجودك ) : فضلك ‏آنسني ، واحسانك دلني ، فأسألك بك وبمحمد وآله صلواتك عليهم ، أن لا تردني خآئبا.

**************************************************************
(1) يا من لا تبدل حكمته الوسائل : يا من حكمته نافذة ، لا تغيرها الاعمال التي يتوسل بها اليه.
(2) لا يعنيه : لا يشق عليه.
(3) سد خلته : اصلاح فقره وحاجته.
(4) رام : طلب .
(5) سولت : زينت.
(6) نكصت : احجمت.
(7) خطير ما استوهبك : الشيء العظيم الذي اطلبه منك .

  وكان من دعائه عليه السلام اذا اعتدي عليه او راى من الظالمين ما لا يحب يا من لا يخفى عليه أنباء المتظلمين ، ويا من لا يحتاج في قصصهم الى شهادات الشاهدين ، ويا من قربت نصرته من ‏المظلومين ، ويا من بعد عونه عن الظالمين .. قد علمت ، يا الهي ، ما نالني من ( فلان بن فلان ) مما حظرت (1) ، وانتهكه (2) مني مما حجزت (3) عليه ، بطرا (4) في نعمتك عنده ، واغترارا بنكيرك عليه ، اءللهم فصل ‏على محمد وآله ، وخذ ظالمي وعدوي عن ظلمي بقوتك ، وافلل حده عني بقدرتك ، واجعل له شغلا فيما يليه (5) ، وعجزا عما يناويه (6).
  اءللهم وصل على محمد وآله ، ولا تسوغ له ظلمي (7) ، وأحسن عليه عوني ، واعصمني من مثل أفعاله ، ولا تجعلني ‏في مثل حاله .
  اءللهم صل على محمد وآله ، وأعدني عليه عدوى حاضرة (8) ، تكون من غيظي به شفاء ، ومن حنقي عليه وفاء.
  اءللهم صل على محمد وآله ، وعوضني من ظلمه لي عفوك ، وأبدلني بسوء صنيعه بي رحمتك ، فكل مكروه جلل . . دون ‏سخطك ، وكل مرزئة (9) سواء .. مع موجدتك .
  اءللهم فكما كرهت الي أن اظلم .. فقني من أن أظلم ، اءللهم لا أشكو الى أحد سواك ، ولا أستعين بحاكم غيرك ، حاشاك ، فصل على محمد وآله ، وصل دعئي بالاجابة ، واقرن شكايتي بالتغيير (10).
  اءللهم لا تفتني (11) بالقنوط من انصافك (12) ، ولا تفتنه بالامن من انكارك ، فيصر على ظلمي ، ويحاضرني ‏بحقي ، وعرفه عما قليل ما أوعدت الظالمين ، وعرفني ما وعدت من اجابة المضطرين.
  اءللهم صل على محمد وآله ، ووفقني لقبول ما قضيت لي وعلي ، ورضني بما أخذت لي ومني ، واهدني للتي هي أقوم ، واستعملني بما هو أسلم.
  اءللهم وان كانت الخيرة لي عندك في تأخير الاخذ لي وترك الانتقام ممن ظلمني الى يوم الفصل ومجمع الخصم .. فصل ‏على محمد وآله ، وأيدني منك بنية صادقة وصبر دائم ، وأعذني (13) من سوء الرغبة وهلع (14) أهل‏ الحرص (15) ، وصور في قلبي مثال ما ادخرت لي من ثوابك ، وأعددت لخصمي من جزائك وعقابك ، واجعل ‏ذلك سببا لقناعتي بما قضيت ، وثقتي بما تخيرت ، آمين رب العالمين ، انك ذو الفضل العظيم ، وأنت على كل شي‏ء قدير .

**************************************************************
(1) حظرت : منعت .
(2) انتهكه : اذهب حرمته .. وتناوله بما لا يحل .
(3) حجزت : منعت .
(4) بطرا : طغيانا بالنعمة .
(5) واجعل له شغلا فيما يليه : واجعل له شغلا فيما يقرب منه ، ليشتغل به عن ايذائي.
(6) يناويه : يحاوله ويطلبه .
(7) لا تسوغ له ظلمي : لا تسهل ظلمي عليه .. اجعل ظلمي غير ميسر له .
(8) واعدني عليه عدوى حاضرة : اعني عليه اعانة حاضرة .. حاصلة الان.
(9) مرزئة : مصيبة .
(10) واقرن شكايتي بالتغيير : واجعل شكايتي متصلة بازالة الشكوى .. بلا تاخير .
(11) لا تفتني : لا تمتحني .
(12) بالقنوط من انصافك : بالياس من انصافك لي من عدوي وظالمي .. عند تاخير الاجابة .
(13) اعذني : اعصمني .
(14) هلع : جزع وقلة صبر .
(15) الحرص : الاجتهاد في الطلب والرغبة المذمومة وشدة التمسك والبخل بالمرغوب .