4 ـ الفروق بين المعاني الثلاثة :
  والفرق بين معاني السلام لغةً وقرآناً وحديثاً ، هو الفرق بين عموم الشيء وخصوصه ، وليست مهمة اللغة سوى ضبط مواضع استعمال الكلمات وبيانها ، ومن الواضح أن كلمات الكتاب والسنة لا تحيد عما عليه المحاورات المتداولة بين الناس ، وما يقصدونه من معاني الكلمات ، وإلا لما صح الخطاب بما لا يعرفونه ولا يأنسون به .
  والفرق بين السلام في القرآن ، أو الحديث ، وبين العرف العام ليس إلا ما ذكرناه ، ولا مجال لسؤال الفرق .
  نعم قد جاء الإسلام بحقائق لم يعهدها أهل العرف ولم يعرفوها ، أو كانوا قد عرفوا بعضها خلاف ما جاء به ، أو علموه دون جميعها ، فنزل القرآن عليهم ، لكشف تلك الحقائق وآثاره التي خفيت عن كلهم أو أكثرهم ، ومنها السلام وآثاره وآدابه وأحكامه ، التي جاء بها الرسول ، صلى الله عليه وآله ، كما جاء بغير ذلك من أمور ، وأوصياؤه القائمون مقامه الحافظون لشريعته ، الأئمة المعصومون عليهم السلام ، وفيهم فاطمة الزهراء عليها السلام .
  فالسلام في اللغة لا يأبى السلام في القرآن ، ولا السلام في الحديث ، فترى اللغوي ربما يطبق لغة السلام على قوله تعالى : ( سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (1) ويقول : أي لا داء فيها ولا يستطيع الشيطان أن يصنع فيها شيئاً (2) .
  وليس ذلك إلا مجرد تطبيق معنى السلام على مورد التنزيل ، وهكذا الحديث الموافق له دون ما خالف معناه ، فإن الذي جاء أولى ، على حد تعبير بعض الأحاديث العلاجية ، لما اختلف منها ، أو ما لم يوافق القرآن فهو زخرف ، أو لم نقله (3) ، ولا يمتري أثنان في رد المخالف وقبول الموافق .

--------------------
(1) القدر : 5 .
(2) لسان العرب 12 | 290 ـ سلم ـ .
(3) الوسائل 18 | 78 ، 84 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 36 ـ
5 ـ اسم الله السلام من أي الأقسام :
  يأتي الكلام حول اسم الله ( السلام ) في أول الفصول العشرة في بحثٍ ضافٍ ، بعد ذكر عدد أسماء الله الحسنى ، المعدود منها السلام ، حول معانيه الأربعة التي انتزعناها من قول الشيخ الصدوق ، وابن فهد طاب ثراهما ، وغيرهما وعلقنا عليه .
  وأما السؤال : بأن اسم الله السلام من أي الأقسام ؟ فقد عرفت أنه من السلام في القرآن (1) ، ومعناه على ما نقل ابن فارس من كلام أهل العلم : أن الله جل ثناؤه هو السلام لسلامته عما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء (2) .
  ولا يخفى أنه من أحد المعاني الأربعة الآنف ذكرها ، فاسم الله السلام من قسم السلام في القرآن ، وستعرف عند سرد الأحاديث أنه منصوص عليه فيها أيضاً ، وإذا اعتبرنا نقل ابن فارس كلام أهل العلم بصفة أنه لغوي وتقريره له فيكون من قسم السلام في اللغة أيضاً ، وكيف كان ، فالذي يصح إطلاقه عليه تعالى من معاني السلام وآثاره المئة المتقدم ذكرها ، ما دل منها على التقديس والتنزيه ، وبمعنى الأمان ، وغير ذلك من المعاني الجائز إطلاقها شرعاً وعقلاً عليه تعالى ، لا كل معنى للسلام في اللغة ، وقد صرح فيها أن من معاني السلام الصحة والعافية (3) ، فلا يقال : ( يا سلام يا الله ) بمعناهما اللغوي المطلق ، لأنه لا يقال له تعالى : ( يا صحيح ) : لما لهذه الكلمة من دلالة عروض السقم والمرض وشأنية تلك الخاصة بالمخلوق ، وتعالى الله عن كل صفة تعرض للمخلوقين .

--------------------
(1) الحشر : 23 .
(2) معجم مقاييس اللغة 3 | 90 ـ 91 ـ سلم ـ .
(3) المصدر نفسه .
وسيأتي مزيد من التوضيح في ( السلام اسم من أسماء الله الحسنى ) .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 37 ـ
الفصل الأول : السلاَم إسم مِن أسمَاء اللهَ الحسنى

السـلام في القرآن والحديـث ـ 39 ـ
  السلام اسم من أسماء الله الحسنى
  قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ ... ) (1) .
  أقول : قد تقدم بيان حول اسم الله السلام (2) ، والسلام أحد الأسماء الحسنى ، البالغ عددها في بعض روايات أهل البيت عليهم السلام إلى تسعة وتسعين إسماً كما في رواية الشيخ الصدوق العلوية ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة وهي : الله ، الإله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العلي ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، البارئ ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحي ، الحكيم )

--------------------
(1) الحشر : 23 .
قد جاء في خبر ابن عباس خروج أربعين رجلاً من اليهود من المدينة لمناظرة الرسول صلى الله عليه وآله وإبطال نبوته إلى أن قال في ردهم : ( وحُملت على جناح جبرائيل حتى انتهيت إلى السماء السابعة ، فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ، حتى تعلقت بساق العرش ، فنوديت من ساق العرش : ( إني أنا الله لا إله إلا أنا ، السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار ... ) والخبر طويل نقله الطبرسي في الاحتجاج 1 | 55 ـ 58 .
وتأتي رواية الشيخ الكليني ، طاب ثراه ، في خاتمة الكتاب ، وفيها التصريح باسم الله السلام ، وهي من روايات المعراج ، ولعلها أصح ما جاء منها في المعراج ، فراجع الخاتمة .
(2) انظر بداية تمهيد الكتاب ، فإن هناك ما يجدر بالنظر إليه والبناء عليه .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 40 ـ
  ( العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحق ، الحسيب ، الحميد ، الحفي ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، الذارىء ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، السيد ، السبوح ، الشهيد ،الصادق ، الصانع ، الطاهر ، العدل ، العفو ، الغفور ، الغني ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدوس ، القوي ، القريب ، القيوم ، القابض ، الباسط ، قاضي الحاجات ، المجيد ، المولى ، المنان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصور ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضر ، الوتر ، النور ، الوهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادىء ، الوفي ، الوكيل ، الوارث ، الباعث ، البَرّ ، التواب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الدّيّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي ) (1) .
  وفي روايته الثانية : كذلك نفس العدد إلى أن قال عليه السلام : ( ... من دعا الله بها استجاب له ، ومن أحصاها دخل الجنة ) (2) .
  ثم قال الصدوق بعدهما : معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : ( إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ) ، إحصاؤها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدها وبالله التوفيق (3) .
  وهنا رواية ثالثة له يبلغ عدد الأسماء الحسنى فيها إلى ثلاثمائة وستين اسماً ، وهي من غرر الروايات ، لا بأس بتثليثها ، لاشتمال الثلاثة على اسم الله السلام (4) .
  قال الشيخ الصدوق طاب ثراه : حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن يعقوب قال : حدثنا علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن

--------------------
(1) التوحيد 194 ـ 195 . قال المعلق : المذكور في البحار ونسخ التوحيد ( مائة كاملة ) والظاهر أن ( الرائي ) زائد كما أتى في نسخة بدلاً عن ( الرؤوف ) أو أن لفظ الجلالة خارج عن العدد .
(2) التوحيد : 195 .
(3) المصدر نفسه :
(4) أي الرواية الأولى والثانية والثالثة تحتوي على اسم الله السلام المنعقد له الفصل الأول من الفصول العشرة فلا تغفل .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 41 ـ
  علي بن أبي حمزة ، عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إن الله تبارك وتعالى خلق اسماً بالحروف وهو عز وجل ، بالحروف غير منعوت ، وباللفظ غير منطق ، وبالشخص غير مجسد ، وبالتشبيه غير موصوف ، وباللون غير مصبوغ ، منفي عنه الأقطار ، مبعد عنه الحدود ، محجوب عنه حس كل متوهم ، مستتر غير مستور ، فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ، ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحداً منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت ، فالظاهر هو الله تبارك وتعالى (1) ، وسخَّر سبحانه لكل اسم من هذه (2) أربعة أركان ، فذلك اثنا عشر ركناً ، ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسماً ، فعلاً منسوباً إليها فهو : الرحمن ، الرحيم ، المَلِك ، القدوس ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الحي ، القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، العليم ، الخبير ، السميع ، البصير ، الحكيم ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، العلي ، العظيم ، المقتدر ، القادر ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، ( البارئ كذا ) ، المنشئ ، البديع ، الرفيع ، الجليل ، الكريم ، الرزاق ، المحيي ، المميت ، الباعث ، الوارث ، فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى تتم ثلاثمائة وستين اسماً ، فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة ، وهذه الأسماء الثلاثة أركان ، وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة ، وذلك قوله عز وجل : ( قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) (3) .
  بيان : في هذه الرواية تصريح بأن ( السلام ) معدود من الأسماء الحسنى ، والروايتان الأوليان وإن لم يصرح فيهما بأن السلام منها ، إلا أن التسعة والتسعين داخلة تحت الثلاثمائة والستين اسماً المكملة للأسماء الحسنى ، ومنها يظهر أن الأسماء الحسنى هي الثلاثمائة والستون ، والباقية إلى الألف

--------------------
(1) ( الله ) أول الأسماء الثلاثة و ( تبارك ) ثانيها و ( تعالى ) ثالثها .
(2) يريد بالإشارة ، الأسماء الثلاثة ، وأربعة مفعول ( سخر ) .
(3) التوحيد 190 ـ 191 ، والإسراء : 110 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 42 ـ
  كما في دعاء الجوشن الكبير ، على ما يأتي ذكره ، هي الأسماء الحسنة ، وكل اسم الله حَسَنٌ على حد تعبير دعاء السحر المروي في ليالي شهر رمضان أوله : ( اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه ، وكل بهائك بهي ، اللهم إني أسألك ببهائك كله ... ) وهو من دعاء أبي جعفر الباقر عليه السلام رواه ابن طاووس في كتابه (1) .
  قال السيد الطباطبائي بعد ذكر الرواية الثالثة : والرواية من غرر الروايات ، تشير إلى مسألة هي أبعد سمكاً من مستوى الأبحاث العامة والأفهام المتعارفة (2) .
  أقول : وقد تعرضنا لنقلها وشرحها في كتابنا : ( الأسم الأعظم ... ) (3) .
  وهي من غوامض الأحاديث ، وليس الوصول إلى مرمى كلامه عليه السلام فيه هيناً ، لأن قوله ، روحي فداه ، ( خلق اسماً بالحروف ) إلى قوله : ( فجعله كلمة تامة على أربعة أجزاء معاً ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحداً منها وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت ) إلى آخره ، لا نعرف منه إلا عدداً مما ذكره عليه السلام من الأسماء الأربعة المحجوب منها واحد والثلاثة الباقية ظاهرة ، ولعل المحجوب هو الاسم الأعظم .
  ونظيره في خفاء الأمر وعدم وضوح المراد كلام الإمام الكاظم عليه السلام في قصة الراهب الطالب للاسم الأعظم من الرجل في الهند المسمى بمتمم بن فيروز ـ إلى أن قال الراهب للإمام عليه السلام ـ : أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة ، على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء منها ؟ ومن يفسرها ؟ قال

--------------------
(1) إقبال الأعمال 77 ، وفيه ( لو حلفت لبررت أن اسم الله الأعظم قد دخل فيها ، فإذا دعوتم فاجتهدوا ) .
(2) تفسير الميزان 8 | 364 ـ 365 .
(3) أو معارف البسملة والحمدلة ص 55 ـ 57 المطبوع في بيروت ، في مؤسسة الأعلمي للمطبوعات سنة 1402 هـ .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 43 ـ
  الإمام ـ عليه السلام ـ : ذاك ( ذلك ) قائمنا ينزله الله عليه فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين .
  ثم قال الراهب : فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ماهي ؟
  قال : أخبرك بالأربعة كلها :
  أما أولهن : فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقياً .
  والثانية : محمد رسول الله صلى الله عليه وآله مخلصاً .
  والثالثة : نحن أهل البيت .
  والرابعة : شيعتنا منا ، ونحن من رسول الله صلى الله عليه وآله ، ورسول الله من الله بسبب (1) .
  والقصة طويلة اختصرناها .
  وكما جاء في صادقي : ( العلم سبعة وعشرون حرفاً ، فجميع ما جاءت به الرُّسل حرفان ، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين ، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس ، وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً ) (2) .
  وقد خرجنا عن الموضوع والبحث حول السلام ، فقد جاء في حديث نبوي نقله الشيخ المجلسي من البلد الأمين وفيه قوله : ( ياقدوس السموات والأرض يا الله ، يا مؤمن السموات والأرض يا الله ، يا سلام السموات والأرض يا الله ... ) (3) .
  وحديث المعراج ، ( ... فنوديت يا أحمد العزيز يقرأ عليك السلام ،قال : فقلت : هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه يعود السلام ) (4) .
  وحديث الصادق عليه السلام : كان علي عليه السلام يقول : ( لا تَغضبوا ولا تُغضبوا أفشوا السلام ، وأطيبوا الكلام ، وصلّوا بالليل

--------------------
(1) أصول الكافي 1 | 481 ـ 484 ، كتاب الحجة .
(2) البحار 52 | 336 .
(3) البحار 93 | 263 .
(4) البحار 18 | 313 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 44 ـ
  والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ، ثم تلا عليه السلام عليهم قول الله عز وجل : ( السلام المؤمن المهيمن ) (1) .
  ورواية الشيخ الطوسي ، طاب ثراه ، بإسناده عن أبان بن عثمان الأحمر عن بريد العجلي قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام يقول : ( لما توفيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة صلوات الله عليها تلوذ برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وتدور حوله وتقول : يا أبة أين أمي ؟ قال : فنزل جبرئيل عليه السلام ، فقال له : ربك يأمرك أن تقرئ فاطمة السلام تقول لها : إن أمك في بيت من قصب (2) ، كعابه من ذهب ، وعمده (3) ياقوت أحمر ، بين آسية ومريم بنت عمران ، فقالت فاطمة عليها السلام : إن الله هو السلام ، ومنه السلام ، وإليه السلام ) (4) .

--------------------
(1) الحشر : 23 ، والحديث في أصول الكافي 2 | 645 ، الوسائل 8 | 438 .
(2) قال ابن الأثير : القصب في هذا الحديث لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف ، النهاية 4 | 67 ـ قصب ـ .
(3) بيت خديجة في الجنة الموصوف في هذا الحديث بما ذكر ، مذكور في بعض الأحاديث كذلك ، ونزول جبرئيل على الرسول ، صلى الله عليه وآله ، لإبلاغ سلام الله تعالى لفاطمة عليها السلام ، كذلك قد نزل عليه بإبلاغ السلام لخديجة : ( إن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : اقرئ خديجة من ربها السلام ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : يا خديجة هذا جبرئيل يقرئك من ربك السلام ، قالت خديجة : الله السلام ، ومنه السلام ، وعلى جبرئيل السلام ) البحار 16 | 11 .
وإنما أوردناه لاشتماله على اسم الله السلام المبارك الذي لم يجعل على مريض القلب إلا سلم .
(4) أمالي الشيخ الطوسي 1 | 178 ـ 179 ، البحار 16 | 1 ، ونظيره ما رواه الشيخ الكليني بإسناده إلى أبي موسى الضرير قال : حدثني موسى بن جعفر عليهما السلام قال : قلت لأبي عبد الله : أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصية ورسول الله صلى الله عليه وآله المملي عليه ، وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم السلام شهود ؟ قال : فأطرق طويلاً ثم قال : يا أبا الحسن قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول الله ( إلى أن قال ) : ( فقال جبرئيل : يا محمد ، ربك يقرئك السلام ويقول : هذا كتاب ما كنت عهدت إليك ، وشرطت وشهدت به عليك ، وأشهدت به عليك ملائكتي ، وكفى بي يا محمد شهيداً ، قال : فارتعدت مفاصل النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام صدق عز وجل وبر ) ، الحديث .
أصول الكافي 1 | 281 ـ 282 ، وما رواه السيد ابن طاووس بعد صلاة الوتر ( اللهم أنت السلام ... ) جمال الأسبوع : 221 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 45 ـ
  تفسير الآية أي آية السلام :
  للمفسرين حول الآية كلام محصله : أي ذو السلامة من النقائص ، وأنها النسبة ، ثم اختلفت أقوالهم في ترجمة النسبة على ثلاثة أقوال :
  الأول : معناه : الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل نقص .
  الثاني : معناه : ذو السلام أي المسلم ـ بمعنى التحية ـ على عباده في الجنة ، كما قال ـ تعالى ـ : ( سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) (1) .
  الثالث : أن معناه : الذي سلم الخلق من ظلمه ، وتعود هذه الأقوال الثلاثة إلى تنزيه الذات ، وتنزيه الصفات (2) .
  أقول : وإنما قدرت كلمة ( ذو ) إذا ما لم يستقم المعنى بدونها أو لم يصح ، ولا ريب في الاستقامة : بأن يكون حمل المصدر عليه تعالى نظير ( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) (3) .
  وسيأتي من الشيخ الصدوق ما يؤيده ، وأما المعاني الثلاثة فلا بأس بها ، وقبل ذكر كلام الصدوق ، طاب ثراه ، نقدم حديثاً يفسر السلام بالأمن من الشر وبالأمان .
  روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن معنى التسليم في الصلاة ، فقال : التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة ، قلت : وكيف ذلك جعلت فداك ؟ قال : كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره ، وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم ، وإن لم يسلم لم يأمنوه ، وإن لم يردوا على المسلم لم يأمنهم ، وذلك خلق في العرب (4) ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة ، وتحليلاً للكلام ، وأمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها ، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل وهو واقع من المصلي على ملكي الله الموكلين ) (5) .

--------------------
(1) يس : 58 .
(2) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن 18 | 46 ، محصله .
(3) النور : 25 .
(4) العادة مستمرة إلى اليوم في بعض قبائل العرب .
(5) الوسائل 4 | 1006 ، الباب 1 من أبواب التسليم ، الحديث 13 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 46 ـ
  في الحديث جهتان :
  الأولى : تفسير للسلام بالأمن من الخوف والشر ، مستنداً بما كان فيما مضى من العرب يأمنون من الشر عند سماع السلام من الوارد عليهم وجوابهم له ، ثم تطبيق ذلك على تسليم المصلي في صلاته ، وأن معناه الأمن من خوف ما يبطلها ويفسدها ، لأنه قد فرغ من صلاته بالسلام فلا صلاة باقية حتى يخاف من إفسادها ، وأنها سالبة بانتفاء الموضوع ، فهذه هي الجهة الأولى المرتبطة بتفسير السلام بالأمن وتطبيقه على الصلاة .
  الجهة الثانية : أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، يسلم به المصلي على الملكين الموكّلَين على أعمال العبد ، وهما الرقيب والعتيد ، قال تعالى : ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (1) أي الملكان حاضران عنده يرقبان أقواله وأعماله ، والقول هنا تمثيل بلا قصر عليه .
  وسلام المصلي الذي هو اسم الله عز وجل يكون منه عليهما ، لأنهما المستحقان له ، إذ هما من الكرام الكاتبين المصرح بهم في آية : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) (2) .
  وبقرينة الجهة الأولى المفسرة للسلام بالأمن من الخوف ، يعلم أن اسم الله السلام المذكور في آخر الحديث ، معناه الأمن من الخوف تفسيراً من الإمام عليه السلام له بالأمن ، وتطبيقاً منه على المصلي بسلامه على الملكين ، وعليه فاسم الله السلام هو الأمن . ولا يأبى التفسير الثالث المتقدم ذكره من القرطبي أي : ( الذي سلم الخلق من ظلمه ) ، فإن من

--------------------
(1) ق : 17 ـ 18 .
(2) الانفطار : 10 ـ 12 .
أقول : قد تكرر اسم الله السلام في الأدعية والأحراز والعوذات ، فضلاً عن الأحاديث ، فمن العوذات عوذة يوم الأربعاء ، قد ذكرها السيد ابن طاووس طاب ثراه في كلام له إلى أن قال : ( ... وبأسمائه أحرزت نفسي وإخواني ، وما أنعم به علي ربي ، ونحن في جوار الله ، والله العزيز الجبار ، الملك القدوس ، القهار ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الغفار ، عالم الغيب والشهادة ، الكبير ، المتعال ، هو الله ، هو الله ، هو الله لا شريك له ، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أجمعين ) جمال الأسبوع : 98 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 47 ـ
  الأمن أن يسلم العباد من الظلم ، ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (1) ، ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (2) .
  وهنا حديث آخر جاء في الاستئذان ، ولكن فيه : أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، فناسب ذكره هنا كما ناسب ذكر الحديث المتقدم : وهو من حديث الصادق عليه السلام قال : ( إذا استأذن أحدكم فليبدأ بالسلام ، فإنه اسم من أسماء الله عز وجل ، فليسأذن من وراء الباب قبل أن ينظر إلى قعر البيت ، فإنما أمرتم بالاستئذان من أجل العين ) الخبر (3) .
  المستفاد من هذا الحديث أن الأمر بالسلام لكونه اسماً من أسماء الله تعالى ، ولئلاّ يقع الداخل التارك للسلام في الشر وخوف المعاقبة ، جراء ترك الاستئذان والسلام معاً ، فيدل على تفسير اسم الله السلام بالأمن من الخوف دلالة ضمنية ، ويكون الحديث مؤيداً للحديث السابق عليه ، كما ويؤيد حديث الاستئذان الحديث الباقري والصادقي في الاستئذان أيضاً بأن السلام طاعة الرحمن كما في الاول (4) ، والسلام طاعة الله كما في الثاني (5) .
  ومما يؤيد تفسير اسم الله السلام بالأمن والأمان ، ما جاء من أسمائه

--------------------
(1) العنكبوت : 40 .
(2) يونس : 44 .
(3) مستدرك الوسائل 8 | 376 ـ 377 .
(4) فروع الكافي 5 | 530 .
(5) فروع الكافي 5 | 529 ، وكون السلام طاعة لله تعالى ، إما لأجل الأمتثال لأمره ، أو لأنه اسمه تعالى ، ولا يأبى الجمع بين كونه اسماً له عز وجل ، وأنه طاعة ، ومما يدل على أنه الاسم الربوبي أيضاً ما جاء في الدعاء بعد صلاة الهدية إلى رسول الله ، أو إلى أحد المعصومين عليهم الصلاة والسلام ، على ما رواه ابن طاووس قال : فإذا شهد وسلم قال : ( اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، يا ذا الجلال والإكرام ، صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأخيار ، وأبلغهم مني أفضل التحية والسلام ، اللهم إن هذه الركعات هدية مني إلى عبدك ونبيك ورسولك محمد بن عبد الله ، خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، اللهم فتقبلها مني ... ) إلى آخر الدعاء . جمال الأسبوع 16 ، في فضل هدية الصلاة ، والشاهد فيه قوله : ( اللهم أنت السلام ) بكل ما له من معنى .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 48 ـ
  تعالى المعدودة إلى ألف اسمٍ في دعاء الجوشن الكبير ، اسمه المبارك : ( يا جار المستجيرين ، يا أمان الخائفين ) (1) يجيرهم إذا استجاروه ، ويأمنهم إذا استأمنوه .
  ودلالة ضمنية أيضاً في نفس دعاء : ( يارب التحية والسلام ) (2) ، بناء على إرادة ( السلام ) اسمه تعالى السلام ، بقرينة المقابلة مع ( التحية ) ، لئلاً يلزم التكرار لو أريد بالسلام التحية .
  وعليه فمعناه : يا صاحب التحية المتعارفة ، وصاحب السلام ، لأنه اسمه عز وجل وهو صاحبه أي المسمى بهذا الاسم .
  ويحتمل كون السلام من عطف البيان للتحية فلا شاهد فيه فاختر ما شئت .
  التفسير الثاني :
  إن اسم الله السلام معناه السلامة من العيب والنقص وهو المعنى الأول من معانيه للقرطبي المتقدم ذكره .
  التفسير الثالث :
  معطي السلامة وواهبها لذويها ، فلم ينل السالمون سلامتهم إلا من الله تعالى ، بل والأشياء كلها كذلك ، فلم تكن سلامتها أي انتظامها ، وهل إتقان صنعها وإعطاؤها آثارها التي عليها نظم الكون كله إلا من الله الخالق تعالى ؟ ( الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (3) ، ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ ) (4) ، ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) (5) .
  وإعطاء كل شيءٍ خَلْقَه ـ صورته وشكله ـ الذي يوافق المنفعة المنوطة به ( ثم هدى ) عرفه كيف يرتفق بما أعطي (6) .

--------------------
(1) البحار : 94 | 386 .
اسمه تعالى أمان من عذاب الآخرة ، كما هو أمان في الدنيا ، وأمان من كل شر إطلاقاً .
(2) البحار : 94 | 387 .
(3) طه : 50 .
(4) السجدة : 7 .
(5) النمل : 88 .
(6) تفسير الصافي : 2 | 67 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 49 ـ
  وإحسان كل شيء خَلَقَه : ملاءمة أجزائه بعضها لبعض المنوط بها الغرض والغاية من خلقه وإحسان كل شيءٍ بحسبه .
  وإتقان كل شيءٍ : إحكام خلقه وتسويته على ما ينبغي له ، فالكون منتظم بنظامٍ ـ لا فوقه نظام ـ سالم عن أي نقص متوهم فيه ، والكل على نسق واحد ، لا تفاوت فيه من حيث العطاء والحسن وجمال الصنع ، ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) (1) .
  والعالم كله سالم باسم الله السلام ، وإليك ماوعدناه سابقاً : قال الشيخ الصدوق عند تفسيره لأسماء الله الحسنى : ( السلام ) : معناه المسلم وهو توسع ، لأن السلام مصدر ، والمراد به أن السلامة تنال من قبله ، والسلام والسلامة مثل الرضاع والرضاعة واللذاذ واللذاذة .
  ومعنى ثانٍ : أنه يوصف بهذه الصفة لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنفص والزوال والانتقال والفناء والموت ، وقوله عز وجل : ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) (2) ، فالسلام هو الله عز وجل ، وداره الجنة .
  ويجوز أن يكون سماها سلاماً ، لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا ، من مرض ، ووصب ، وموت ، وهرم ، وأشباه ذلك ، فهي دار السلامة من الآفات والعاهات ، وقوله عز وجل : ( فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) (3) يقول : فسلامة لك منهم أي : يُخبرك عنهم سلامة ، والسلامة في اللغة : الصواب والسداد أيضاً ، ومنه قوله عز وجل : ( وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ) (4) ، أي : سداداً وصواباً ، ويقال : سمي الصواب من القول سلاماً ، لأنه يسلم من العيب والإثم (5) .

--------------------
(1) الملك : 3 .
(2) الأنعام : 127 .
(3) الواقعة : 91 .
(4) الفرقان : 63 .
(5) كتاب التوحيد ، 204 ـ 205 .
أقول روى الصدوق الباقري ( يقول قول الله عز وجل : ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ ) فقال : إن السلام هو الله عز وجل وداره التي خلقها لأوليائه الجنة ) معاني الأخبار 177 ، الآية : 25 من يونس .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 50 ـ
  ومع تفسير السلام بالسداد والصواب تربعت الوجوه (1) : الأمان من الشر ، والمصون من العيب ، ومعطي السلام ، والصواب والسداد ، وعلى الوجه الرابع أي السلام بمعنى الصواب والسداد جائز إطلاقه على الله تعالى وإرادة معناه المذكور ، لأن كل كلامه عزّ وجلّ صواب وسداد وحق ، بل هو الحق بحقيقته ، وقد وصف نفسه بقوله عز من قائل : ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) (2) .
  ولابدّ أن يراد بالصواب المفسّر به السلام الحق أو المحقّ الحقّ ، وقد جاء في القرآن الكريم ذلك في مواضع منها : ( وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) (3) .
  وأما غيره من المخلوقين ، فيجوز إطلاقه بما للصواب من المعاني ومنها السلام .
  وأما السلام بمعنى المنيل للسلامة فمقصور عليه تعالى ، إذ لا يهب السلامة لأهلها إلا الله عزّ وجلّ ، نعم السلام بمعنى ترك الشر ، أو ترك الحرب ، يصح قصده في المخلوق حقيقة ، ولكن لا يوفق العبد له الا بإعانته تعالى ، وهكذا سائر الأمور .
  والغرض من التفصيل بيان ما يصح إطلاقه عليه تعالى مما لا يصح ، وليس في غير الله الاحتراز عما يلزمه التنزيه ، وهو مخلوق لا ينفك عن النقائص والحاجة مهما كان نوعه .
  ومعنى توقيفية الأسماء : أنها موقوفة (4) ، حتى يصحبها دليل من الشرع والعقل السليم على التنزيه عن النقائص والحاجة ، والذي جاء في دعاء الجوشن الكبير ألف اسم (5) ، وفي عدد الأسماء الحسنى أو أسماء الله تعالى على الإطلاق بين أهلها خلاف ، والبحث مشبع في محله (6) ، وتقدم من الأحاديث فيها .

--------------------
(1) أي صارت وجوه معاني السلام أربعة وهي الأمان من الشر و ...
(2) المؤمنون : 116 .
(3) يونس : 82 .
(4) فلا يقال لله : ( يا صحيح ) مع أن السلام في اللغة قد جاء تفسيره بالصحة والعافية .
(5) البحار : 94 | 384 ـ 397 .
(6) البحار : 93 | 236 ـ 273 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 51 ـ
  قال المرحوم ابن فهد الحلي :
  السلام : معناه ذو السلام ، والسلام في صفته تعالى : هو الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل آفة ونقص : وقيل معناه المسلم (1) ... والمراد بصاحب القيل : الشيخ الصدوق رحمه الله ، وقد تقدم قوله فراجع (2) .
  قال السبزواري في شرح ( يا رب التحية والسلام ) (3) كما في الدعاء : ( اللهم أنت السلام ومنك السلام ، ولك السلام ، وإليك يعود السلام ) (4) .
  ثم أخذ في شرح سلام بعضنا على بعض ، بأنه لا بد أن يسلم الكل ، لبركته (5) ، أي لاسم الله تعالى البركة كلها ، وإن من المواهب السامية أن أذن لنا الله على الدوام بذكر اسمه السلام الطيب المبارك ، وهو من أسمائه الحسنى ، نلهج به صباحاً ومساءً وفي كل أيام الدهر ، عسى أن تطيب به نفوسنا وقلوبنا ، وتغفر ذنوبنا ، وتستر عيوبنا .

--------------------
(1) عدة الداعي : 304 .
(2) سبق قريباً ، وانظر التوحيد 204 ـ 205 .
(3) البحار : 94 | 387 .
(4) شرح الأسماء الحسنى 109 .
(5) المصدر نفسه .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 53 ـ
الفصل الثاني : السلام تحية الله ألتي أختارها للمسلمين

السـلام في القرآن والحديـث ـ 55 ـ
السلام تحية الله التي اختارها للمسلمين
  يعطي هذا العنوان أمرين : السلام تحية الله تعالى ، وأنه التحية المختارة للمسلمين .
  أما الأمر الأول : فيدل عليه عدد من آي القرآن الكريم ، تنص على سلام الله عز وجل على الأنبياء المرسلين تارة بلفظ الجمع ، وأخرى تنوه بأسماء جمع منهم عليهم السلام ، يأتي من ذكر النوعين قريباً .
  وأما الأمر الثاني : فيستفاد من نفس الآي الآتي ذكرها ، ومن أمره تعالى نبيه بالتحميد والتسليم على عباد الله المصطفين ، وعلى المؤمنين إذا جاؤوه قبل كل شيءٍ ، ومن فعل الملائكة المصرح بهم في القرآن الكريم والحديث ، وهو من مظاهر الحب والتواصل بين جميع الخلائق وكيف لا والسلام متعارف للكل ومتفق عليه من البشر ، وإن اختلف شكل التعارف فيما بينهم كما يأتي بيانه ، وإليك من الوحي النازل في موضوع السلام على عدد من الرُّسل المصرحة بأسمائهم وأفرادهم ، أو بلفظ الجمع ، أو جاء الأمر بتسليم البعض على البعض ، أو في قصص أقوام سابقين ، وأمم الأنبياء عليهم السلام الذين قد جاء ذكرهم في القرآن ، أو ما قالته الملائكة عند نزولهم على الأنبياء ، أو دخولهم على أهل الجنة ، أو غيرها مما هو في الكتاب العزيز يتلى صباحاً ومساءً :

السـلام في القرآن والحديـث ـ 56 ـ
  ( سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ) (1) .
  ( سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (2) .
  ( سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ) (3) .
  ( سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) (4) .
  ( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ) (5) .
  ( يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ) (6) .
  ( وقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) (7) .
  ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) (8) .
  ( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً ) (9) .
  ( وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) (10) .
  فسند تحية المسلمين في العالم أجمع بالسلام هو القرآن الكريم ، وهو دستور لأهل العالم كلهم ، ولو لم يكن في الإسلام إلا السلام لكان من الأحرى أن يعتنقوه لو عقلوه ، وهل يعقله إلا من خرج عن أسر الهوى ، وتحرر من رقّ الشيطان ، وعشق السلام والإسلام لا يدعو إلا إليه ، وأن يدخل الناس في السِلم كافة ، وينبذوا الحروب ، وليس السلام إلا لسلامة الجميع ، وإن الإسلام من التسليم كما سبق به الحديث العلوي (11) .
  ومبدأ الكل من السلام وهو اسم الله تعالى ، ومن ثم صار هذا شعاراً لازماً

--------------------
(1) الصافات : 79 .
(2) الصافات : 109 .
(3) الصافات : 120 .
(4) الصافات : 130 .
(5) الصافات : 181 .
(6) هـود : 48 .
(7) النـمل : 59 .
(8) الأنعام : 54 .
(9) الذاريات : 25 .
(10) الرعد : 23 ـ 24 .
(11) عند تفسير السلام في اللغة نقلاً من أصول الكافي 2 | 45 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 57 ـ
  للمسلمين ، يتعاهدونه عند كل تلاقٍ وفراقٍ ، حتى لا تفارقهم السلامة في أبدانهم ، ومعاشهم ، بل ومعادهم يوم الحشر الأكبر ، وحتى يدخلوا دار السلام ـ وهي الجنة ، كما سمعتها في الآي المتقدم ذكرها (1) ، وتسمعها ـ ولا يدرك حقيقة هذا القول إلا من ذاق طعم العافية ، وأحبها لإخوانه ، وكل ولد آدم عليه السلام فهلم نستمع الحديث : ( كان أصحاب رسول الله صلى عليه وآله ، إذا أتوه يقولون له : أنعم صباحاً ، وأنعم مساءً ، وهي تحية أهل الجاهلية ، فأنزل الله : ( وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ) (2) ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : قد أبدلنا الله بخير من ذلك ، تحية أهل الجنة السلام عليكم ) (3) .
  إشارة إلى قوله تعالى : ( إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاما ) (4) ، وإلى الحكاية عن أهل الجنة أيضاً : ( وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ ) (5) ، والجنة طيبة ، وأهلها طيبون وكل ما فيها طيب ، والسلام تحية من عند الله مباركة طيبة ، اختارها للطيبين المسلمين حقاً ، والسلام من أطيب أقوالهم ـ أقوال أهل الجنة ـ لا يقولون ولا يسمعون فيها إلا سلاماً ، وأهل السلام اليوم أهل السلام غداً في الجنة .
  والصادقي : ( السلام تحية لملتنا ، وأمان لذمتنا ) (6) .
  والنبوي : ( إن السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض تحية لأهل ديننا ، وأماناً لأهل ذمتنا ) (7) .
  حديث وهب اليماني قال : ( إن الله قال لآدم انطلق إلى هؤلاء الملأ

--------------------
(1) في كلام الصدوق وغيره ، وحول الأسماء الحسنى السلام ، وقوله عز وجل : ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ ) الأنعام : 127 .
(2) المجادلة : 8 .
(3) تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي 2 | 355 ، البحار 76 | 6 .
(4) الواقعة : 26 . أي قولاً .
(5) يونس : 10 .
(6) البحار 76 | 12 ، هو نبوي أيضاً جاء في مجمع الأمثال للميداني 2 | 450 ، وكتاب أمثال الحديث 325 .
(7) كنز العمال 9 | 113 ، الرقم 25237 ، أي السلام من أسمائه الحسنى وضعه في الأرض .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 58 ـ
  من الملائكة فقل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فسلم عليهم ، فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فلما رجع إلى ربه عزّ وجلّ قال له ربه تبارك وتعالى : هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة ) (1) .
  قال السيد الطباطبائي :
  الأمم والأقوام على اختلافهم في الحضارة ، والتوحش ، والتقدم ، والتأخر لا تخلو في مجتمعاتهم من تحية يتعارفونها عند الملافاة الملاقاة البعض البعض ، على أقسامها وأنواعها ، من الإشارة بالرأس ، واليد ، ورفع القلانس وغير ذلك ، وهي مختلفة باختلاف العوامل المختلفة العاملة في مجتمعاتهم .
  أنت إذا تأملت هذه التحيات الدائرة بين الأمم على اختلافها وعلى اختلافهم ، وجدتها حاكية مشيرة إلى نوع من الخضوع ، والهوان ، والتذلل ، يُبديه الداني للعالي ، والوضيع للشريف ، والمطيع لمطاعه ، والعبد لمولاه ، وبالجملة تكشف عن رسم الاستعباد الذي لم يزل رائجاً بين الأمم في أعصار الهمجية فما دونها ، وإن اختلفت ألوانه ، ولذلك ما نرى أن هذه التحية تبدأ من المطيع وتنتهي إلى المطاع ، وتشرع من الداني الوضيع وتختتم في العالي الشريف ، فهي من ثمرات الوثنّية التي ترتضع من ثدي الاستعباد .
  والإسلام ـ كما تعلم ـ أكبر همه إمحاء الوثنية وكل رسم من الرسوم ينتهي إليها ، ويتولد منها ، ولذلك أخذ لهذا الشأن طريقة سوية ، وسنة مقابلة لسنة الوثنية ، ورسم الاستعباد ، وهو إلقاء السلام الذي هو ينحو أمن المسلم عليه من التعدي عليه (2) ، ودحض حريته الفطرية الإنسانية الموهوبة له ، فإن

--------------------
(1) الوسائل 8 | 444 .
والنبوي : ( ... إذا أتيت قوماً من المسلمين فقل : السلام عليكم ورحمة الله ) كنز العمال 9 | 118 ، رقم الحديث 25271 .
(2) ومن ثم جاء ( ... وإذا قل سلام المؤمنين بعضهم على بعض ظهرت العداوة والبغضاء في قلوبهم ) جامع الأحاديث 15 | 585 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 59 ـ
  أول ما يحتاج إليه الأجتماع التعاوني بين الأفراد هو أن يأمن بعضهم بعضاً ، في نفسه ، وعرضه ، وماله ، وكل أمر يؤول إلى أحد هذه الثلاثة .
  هذا هو السلام الذي سنّ الله تعالى إلقاءه عند كل تلاق من متلاقيين ، قال تعالى : ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ) ( النور : 61 ) ، وقال تعالى : ( يا أَيُّها الَّذينَ ءامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرُ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَستَأْنِسُوا و‌تُسَلِّمُوا عَلى أَهلِها ذلِكُم خَيْرٌ لَكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ ) ( النور : 27 ) .
  وقد أدب الله رسوله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بالتسليم للمؤمنين وهو سيدهم فقال : ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) ( الأنعام : 54 ) ، وأمره بالتسليم لغيرهم في قوله : ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) ( الزخرف : 89 ) (1) .
  يريد طاب ثراه :
  أن السلام الإسلامي يحصر الخضوع لله تعالى ؛ لأنه كما تقدم اسم من أسمائه عز وجل ، وملازمة المسلمين له عند كل مواجهة توجيه قهري إلى صاحب الاسم وهو الله تعالى فينحصر الخضوع له دون غيره تعالى : ولعل السر في الاهتمام به هو هذا المعنى ، أو الاندفاع به إلى شرع الحب ، وإظهار ما انطوى عليه صاحبه من الوفاء والولاء ، وذلك من أقوى وسائل المحبة ، والأخوة الإسلامية (2) .
  ومن معاني السلام : أنه دعاء لسلامة صاحبه ، أو كما قيل من الوجوه السلامية له : أن ، معنى ( السلام عليكم ) أي اسم الله عليكم كالظلة تخيم على رؤوسكم ، ويراد بذلك حفظكم ـ وإن من أثر الاسم الأخذ بلفظه كاسم الغني للغنى ، واسم القادر للاقتدار ، والعزيز للعزة وهكذا باقي الأسماء الحسنى .

--------------------
(1) تفسير الميزان 5 | 31 ـ 32 .
(2) ومن مواطن البر ، وقد جاء المثل : ( تباروا فإن البر ينمي العدد ) كما في الفاخر 264 ، ويستدعي عليه شكراً موجباً للزيادة ( لئن شكرتم لازيدنكم ) إبراهيم : 7 .

السـلام في القرآن والحديـث ـ 61 ـ