الابـتـداء بـالسـلام
  كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، سباقاً إلى كل خير وجميل ، ومنه الابتداء بالسلام لتواضعه وحسن خلقه . وفي حديث هند بن أبي هالة التميمي ـ ربيب النبي ، صلى الله عليه وآله ، وكان وصافاً عن حليته (1) ـ قال : ( كان رسول الله فخماً مفخماً ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ـ إلى أن قال : ـ وإذا مشى كأنما ينحط من صبب (2) ، وإذا التفت التفت جميعاً ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه (3) ، ويبدر من لقي بالسلام ) (4) .
  و ( يبدر ) من البدار أي : كان ، صلى الله عليه وآله ، يسبق كل من يلقاه بالسلام ، حتى النساء والصبيان وإليك من هذا اللون من أحاديث :
  1 ـ الصادقي :
  ( كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، يسلم على النساء ويرددن

--------------------
(1) قال المحدث القمي : كان فصيحاً بليغاً إلى آخر كلامه . السفينة 2 | 725 ـ هند ـ .
(2) قال ابن الأثير : أي : في موضع منحدر ، وفي رواية ( كأنما يهوي من صبوب ) .
النهاية 3 | 3 ـ صبب ـ .
(3) يقدم أصحابه فيكون سائقاً ، ولا يتقدمهم ليكون قائداً لهم ، لأن السائق يقال للمتأخر ، والقائد للمتقدم .
(4) مكارم الأخلاق للطبرسي 9 ـ 11 ، معاني الأخبار 80 ـ 81 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 64 _

  عليه السلام ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسلم على النساء ، وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول : أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر ) (1) .
  أقول : لعل قول أمير المؤمنين عليه السلام : ( أتخوف ... ) يقول ذلك وهو فوق المستوى البشري ، لسعة روحه العالية وعصمته ، لتعليم الآخرين بأن يحذروا من التسليم عليها للكراهة ، كما ذكره الشيخ المجلسي بقوله : لعل هذا للتعليم (2) ، وعنون الشيخ الحر الباب : ( باب جواز تسليم الرجل على النساء ، وكراهته على الشابة وجواز ردّهنّ ) (3) .
  2 ـ الرضوي :
  ( قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله : خمس لا أدعهن حتى الممات : الأكل على الحضيض مع العبيد ، وركوبي الحمار مُؤَكِفاً ( مُؤكِفاً ) ، وحلبي العنز بيدي ، ولبس الصوف ، والتسليم على الصبيان ، لتكون سنة من بعدي ) (4) .
  وفي الصادقي : ( ... خمس لست بتاركهن حتى الممات : لباس الصوف ، وركوبي الخمار مُؤكِفاً ، وأكلي مع العبيد ، وخصفي النعل بيدي ، وتسليمي على الصبيان لتكون سنة من بعدي ) (5) .

--------------------
(1) أصول الكافي 2 | 648 ، الوسائل 8 | 451 ـ 452 .
(2) مراة العقول 12 | 545 .
(3) الوسائل 8 | 451 ، الباب 48 من أبواب أحكام العشرة .
(4) الوسائل 8 | 441 ، الخصال 1 | 271 ، إنما حذفنا السند للاختصار ، وربما ذكرناه لأمر ما ، ثم قوله صلى الله عليه وآله : ( وركوبي الحمار مؤكفاً ) كما يأتي بيانه إما من باب الإفعال أو من باب التفعيل ، وعلى كلا التقديرين إما ( مؤكفاً ) اسم للفاعل ، أو ( مؤكَفاً ) اسم للمفعول ، والأول أنسب لتواضعه صلى الله عليه وآله ، ونسب ( مؤكَفاً ) على الحال للراكب بتقدير له : أي يركب الحمار حاكونه واضعاً له برذعته ، وقيل ( مؤكَفاً ) اسم للمفعول تعييناً للزوم سبق وضع الإكاف للحمار ، ولكنه مردود بما ذكرناه .
(5) الخصال 1 | 271 ـ 272 ، الوسائل 8 | 441 ـ 442 ، والسند مختلف فيهما .
والنبوي : ( أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله مرّ على صبيان فسلم عليهم وهو مغذّ ) مستدرك الوسائل 8 | 364 .
لعل كلمة ( مغذّ ) يريد بها التعليم ، لأنها من التغذية والعلم والأدب غذاء الأرواح .

السـلام في القرآن والحديـث _ 65 _
  بـيان :
  الحديثان كما تراهما متحدان في العدد دون المعدود ، لأن الأول فيه : ( وحلبي العنز بيدي ) بينما في الثاني ( وخصفي النعل بيدي ) مع اختلاف بعض ألفاظهما .
  والذي يسهل الأمر أنهما حديثان ، و ( مؤكفاً ) من أَكَفَ إيكافاً ، أو أَكَّفَ تأكيفاً : الحمار شدّ عليه الإكاف أي البرذعة (1) وهي في المراكب : شبه الرحال والأقتاب (2) .
  والمعنى : أنا بيدي أشدّ برذعة حماري عند الركوب ، وإنما كان صلى الله عليه وآله يصنع ذلك لعظيم تواضعه ، والمتكبرون كانوا يخصصون إنساناً يضع البرذعة على حمارهم ، وكان من الأجدر أن يضعها عليهم دونه .
  3 ـ الصادقي :
  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( أولى الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام ) (3) .
  4 ـ الآخر : ( إن الله عزّ وجلّ قال : [ إنّ ] البخيل من يبخل بالسلام ) (4) .
  5 ـ الآخر : ( البادي بالسلام أولى بالله وبرسوله ) (5) .
  أقـول : المراد بالأولوية القرب إليهما ، نظير ما جاء في آية ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) (6) .

--------------------
(1) هامش الخصال 1 | 271 .
(2) تاج العروس ـ أكف ـ .
(3) أصول الكافي 2 | 644 ، الوسائل 8 | 436 .
(4) أصول الكافي 2 | 645 ، الوسائل 8 | 437 .
(5) أصول الكافي 2 | 645 ، الوسائل 8 | 437 .
(6) آل عمران : 68 .


السـلام في القرآن والحديـث _ 66 _
  ففي علوي : ( إن أولى الناس بالأنبياء أعملهم بما جاؤوا به ، ثم تلا هذه الآية ، قال : إنّ وليّ محمّد صلى الله عليه وآله مَن أطاع الله وإن بعدت لحمته ، وإن عدوّ محمد صلى الله عليه وآله مَن عصى الله وإن قربت قرابته ) (1) .
  تصريح : بأنّ الوليّ يراد به القريب ، ولم يرد من الأولى في هذه الأحاديث التفضيل حتى يقال : إنّ تارك السلام لا قرب له ليكون البادئ به أقرب ، فتفطن إلى مساغ الآية والحديث ، وهنا احتمال آخر لأولوية البادىء ، وهو التشابه في التخلق بأخلاق الله والرسول ، حيث اقتدى البادئ بالسلام بهما فيه دون التارك له ، وقد عرفت أنه تعالى هو الأول له حتى سمى نفسه به ، وأمر نبيه بأن يسلم على المؤمنين وقد اتبعه أهل بيته عليهم السلام في كل خير ، ومنه السلام .
  فالله المعلم الأول ، ثم الرسول كما جاء في آية ( عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) (2) أنه علم عليّاً عليه السلام (3) ، وكذا باقي الأئمة عليهم السلام القدوة في السلام وفي كل أمر خير ، وأنهم أمروا بالسلام وابتدأوا به ، فالمقتدي في السلام متخلق بأخلاقهم ، وإنك قد عرفت ذلك كله من الأحاديث السالفة ، من أن البادئ بالسلام أولى بالله ورسوله ، وبالأئمة المعصومين أيضاً ، وإنما اكتفى بهما دون الأئمة ، إما لكونهم نفس الرسول صلى الله عليه وعليهم ، أو جرياً على الأخذ بالمتفق عليه ، وإلا فلا ريب عندنا أن كل ما ثبت للرسول ثابت لهم أيضاً ، إلا الخصائص ، وهنا احتمال ثالث لمعنى الأولوية : وهو بيان شروط الأولوية بالله وبالرسول ، وأن الابتداء بالسلام من تلك الشروط ، وأنه لزام على الداعي إلى الله والرسول كما كان ، صلى الله

--------------------
(1) تفسير الصافي 1 | 271 .
(2) العلق : 4 ـ 5 .
(3) تفسير الصافي 2 | 833 .
ومن روايات السلام النبوي الوارد في الأرحام : ( صِلوا أرحامكم في الدنيا ولو بالسلام ) مستدرك الوسائل 15 | 255 ، وفي لفظ : ( بلّوا أرحامكم ولو بالسلام ) عوالي اللآلي 1 | 255 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 67 _
  عليه وآله ، كذلك : إنه يبدر بالسلام على كل من لقيه وهو الأسوة في كل خير ومنه السلام ، وقد قال تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (1) .
  6 ـ النبوي : ( أطوعكم لله الذي يبدأ صاحبه بالسلام ) (2) .
  7 ـ الآخر : ( البادئ بالسلام بريء من الكبر ) (3) .
  8 ـ العلوي : ( لكل داخلٍ دهشة فابدأوا بالسلام ) (4) .
  بيـان : وإنما كان البادئ بالسلام أطوع لله تعالى ، حيث أخذ بما قد سنّه الله ورسوله له ، كما أن البادئ به قد برئ من الكبر ، إذ كابر نفسه في إخضاعها لذلك ، وأنه قد ذهب بدهشتها به في دخوله في كل شيءٍ ، وحذف المتعلق ، أي متعلق الدخول في الحديث ، ذاهب بنفس السامع إلى كل مذهب ممكن .
  وعليه فالسلام محبوب للجميع على كل حال : ومنها دخول البيت ولو لم يكن فيه إنسان يسلم عليه ، فإن ملائكة الله عز وجل موجودون في كل مكان ، لأن له أهلاً ومنهم الموكلون الحافظون له من أمر الله خاصة ، ملك الرقيب والعتيد الموكل لكتابة أعماله : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) (5) و ( بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) (6) و ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (7) وسيأتي في ـ سلام الإذن ـ حديث

--------------------
(1) الأحزاب : 21 .
(2) كنز العمال 9 | 116 ، الرقم 25253 .
(3) البحار 76 | 11 ، كنز العمال 9 | 117 ، الرقم 25265 .
(4) غرر الحكم ودرر الكلم 252 .
(5) الانفطار : 10 ـ 12 .
(6) الزخرف : 80 .
(7) ق : 18 .
ومنها النبوي : ( إذا سلم المؤمن على أخيه المؤمن فيبكي إبليس ... ) جامع أحاديث الشيعة 15 | 583 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 68 _
  ( إذا لم ير الداخل بيتاً أحداً فيه يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يقصد به الملكين اللذين عليه شهوداً ) (1) .
  9 ـ العلوي الآخر : ( السلام سبعون حسنة ، تسعة وستون للمبتدئ ، وواحدة للرادّ ) (2) .
  10 ـ العلوي الآخر : ( إذا حُيـّيت بتحيّة فحيِّى بأحسن منها ، وإذا أسديت إليك يدّ فكافـئها بما يربي عليها ، والفضل مع ذلك للبادئ ) (3) .
  فإن قيل : الحديث العاشر يمس البحث الثامن : ـ السلام ندب والرد فرض ـ .
  قلنا : نعم ولكن ( والفضل مع ذلك للبادئ ) يشمل المقام وهو : الابتداء بالسلام ، والفضل للبادئ مقياس كلي مطبق على البدايات بأسرها ومنها : الابتداء بالسلام كما هو واضح لا سترة عليه .
  ولا يذهب الذاهب أن كل من ابتدأ بشيءٍ له فضل البداية ، ومالم يكن المبدوء به خيرا ليس للبادىء فضل ، فالفضل إنما هو للبادئ بالخير السابق إليه ، وهو المقرب بمقتضى قوله عز وجل : ( والسّبِقُونَ السّبِقُون * أُولئِكَ المُقَرَّبون ) (4) ، ( فَاسْتَبِقُوا الخَيراتِ ) (5) .
  11 ـ السجادي : ( بادروا بالسلام على الحاج والمعتمر ... من قبل أن تخالطهم الذنوب ) (6) .
  12 ـ السجادي الآخر : روى الشيخ الحر عن الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن

--------------------
(1) تفسير القمي 2 | 109 ، تفسير البرهان 3 | 153 .
(2) البحار 76 | 11 .
(3) النهج 18 | 201 ، الحكمة 6 .
(4) الواقعة : 10 ، 11 .
(5) البقرة : 148 .
أقول : البادئ بالشر ظالم ، بل أظلم كما في المثل السائر : ( البادئ أظلم ) المستقصى 1 | 304 .
وأما البادئ بالخير ومنه البادئ بالسلام فله المثل العلوي : ( الفضل للبادي ) .
(6) الوسائل 8 | 327 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 69 _
  محمد ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة ، عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال : ( من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار ، والتوسع على قدر التوسع ، وإنصاف الناس ، وابتداؤهم بالسلام عليهم ) (1) .
  13 ـ الصادقي : ( يا إسحاق متى أحدثت هذا الجفاء لإخوانك ، تمرّ عليهم فلا تسلّم عليهم ؟! فقلت له : ذلك لتقية كنت فيها ، فقال : ليس عليك في التقية ترك السلام ... ) (2) .
  14 ـ الصادقي الآخر : ( من التواضع أن تسلّم على مَن لقيت ) (3) .
  أقـول : سَبْق السلام على كل من يلقاه هو من الخلق الإسلامي الرفيع ، المنشعب عن أصل الشجرة النبوية ، وقد سَبَق الحديث عنه صلى الله عليه وآله ( ويبدر مَن لقي السلام ) ، الذي رواه هند بن أبي هالة (4) .
  ومن أخلاق المؤمنين ، ( وابتداؤهم بالسلام ) من حديث الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام الآنف الذكر ، وغير ذلك (5) .
  15 ـ النبوي : ( إنّ من التواضع أن يرضى الرجل بالمجلس دون شرف المجلس ، وأن يسلّم على مَن لقي ) (6) .
  16 ـ الآخر : ( بين المسلّم والمجيب مائة حسنة ، تسعة وتسعون منها لمَن يسلّم ، وحسنة لمن يجيب ) (7) .

--------------------
(1) الوسائل 8 | 436 .
(2) الوسائل 8 | 451 ، البحار 76 | 6 .
(3) أصول الكافي 2 | 646 ، باب التسليم ، الحديث 12 ، والآخر : ( ابدأ الناس بالسلام ، والمصافحة قبل الكلام ) ، جامع أحاديث الشيعة 15 | 581 ، الوسائل 8 | 438 و 440 .
(4) مكارم الأخلاق 9 ـ 11 ، معاني الأخبار 81 .
(5) من ذلك حديث الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام : ( من التواضع السلام على كل من تمرّ به ، والجلوس دون شرف المجلس ) ، البحار 78 | 372 .
(6) الجعفريات 149 ، مستدرك الوسائل 8 | 356 .
(7) مستدرك الوسائل 8 | 357 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 70 _
  17 ـ في وصايا لقمان ، إلى أن قال : ( يا بنيّ ابدأ الناس بالسلام ، والمصافحة قبل الكلام ) (1) .
  18 ـ النبوي : ( إذا لقي الرجل المسلم أخاه فسلّم عليه وصافحه لم ينزع أحدهما يده عن صاحبه حتى يغفر لهما ) (2) .
  19 ـ النبوي : ( إذا سلّم المؤمن على أخيه المؤمن فيبكي إبليس ( لعنه الله تعالى ) ويقول : يا ويلتاه لم يفترقا حتى غفر الله لهما ) (3) .
  20 ـ الباقري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسيلم والتصافح ، وإذا تفرّقتم فتفرقوا بالاستغفار ) (4) .
  أقـول : أبخل الناس رجل مسلم يمرّ بمسلم ولا يسلّم عليه ، على أن من حقوق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه ، وإلا فقد جفاه ، وقد جاء ذلك في بعض أحاديث أهل البيت عليهم السلام (5) .
  ولو لم يكن من السلام غير أنّه اسم من أسماء الله عزّ وجلّ يجري على لسان المؤمن لكفى ، لأنه يعدّ من الذاكرين له تعالى وأنّه من مكارم الأخلاق (6) .

--------------------
(1) الاختصاص 338 ، مستدرك الوسائل 8 | 357 ـ 358 .
(2) مستدرك الوسائل 8 | 359 .
(3) مستدرك الوسائل 8 | 360 . وقد مر الحديث في الهامش رقم 7 صفحة 67 .
(4) أمالي الطوسي 1 | 219 .
(5) جامع أحاديث الشيعة 15 | 590 في معناه .
(6) في النبوي : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الإخلاق ) مكارم الأخلاق 2 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 71 _
الفـصل الرابـع : إفـشَـاء السَـلام في العَـالم

السـلام في القرآن والحديـث _ 73 _
  إفشاء السلام في العالم
  هذا العنوان مأخوذ من النبوي ، الآتي ذكره ، الدال على إفشاء السلام في العالم بأسره ، وأنه من خير الأخلاق ، ومن غيره أي غير النبوي كذلك وإليك من النصوص :
  1 ـ النبوي : ( ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال : إفشاء السالم في العالم ) (1) .
  2 ـ الباقري : ( كان سلمان رحمه الله يقول : أفشوا سلام الله ، فإن سلام الله لا ينال الظالمين ) (2) .
  قال الشيخ المجلسي : أي لا تقولوا هذا ظالم لا نسلّم عليه ، فإن سلام الله لا ينالهم (3) .
  يريد لا تمتنع من إفشاء السلام على كل أحد ، بزعم أنه ظالم لا يجدر السلام عليه ، ولا ريب أن قول سلمان ترغيب لإفشاء السلام ، وأنه لو كان المسلّم عليه من الظالمين لا ينتفع بالسلام كما يأتي التصريح به في الكاظمي ، والسلام كلمة تسر القلوب ، حتى الجفاة القساة ، ولعل الله

--------------------
(1) البحار 76 | 12 .
(2) أصول الكافي 2 | 644 .
(3) مرآة العقول 12 | 539 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 74 _
  يهديها ويُلينها بالسلام ، وهو اسم الله تعالى قد اختاره تحية للمسلمين ، كما في حديث القمي النبوي : قال فيه رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، عند نزول قوله تعالى : ( وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ) (1) : ( قد أبدلنا الله بخير من ذلك تحية أهل الجنة : السلام عليكم ) (2) .
  إن قول سلمان رحمه الله : ( أفشوا سلام الله ، فإن سلام الله لا ينال الظالمين ) الذي رواه الإمام الباقر عليه السلام برواية الشيخ الكليني ، يراد به عدم وصول النفع للظالمين ، بصفتهم أنهم ظالمون ، وذلك لما رواه الكليني ، طاب ثراه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام : (أرأيت إن احتجت إلى متطبب وهو نصراني أسلّم عليه وأدعو له ؟ قال : نعم إنّه لا ينفعه دعاؤك ) (3) .
  وكذا رواية أخرى مثلها بسند آخر صحيح أيضاً (4) .
  والرضوي قال : قيل لأبي عبد الله عليه السلام : ( كيف أدعو لليهودي والنصراني ؟ قال : تقول له : بارك الله لك في الدنيا ) (5) .
  والسرّ في عدم وصول النفع ما قدّمناه : بصفتهم أنهم ظالمون ، لأن إعانة الظالم على ظلمه ظلم آخر لا بدّ من التبرّي منه ، كما اقتصّ تعالى وتقدّس ذلك عن استغفار إبراهيم عليه السلام لآزر : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (6) .
  وعليه فلا يكون السلام ، ولا الدعاء ولا الاستغفار بنافع للظالمين

--------------------
(1) المجادلة : 8 .
(2) تفسير القمي 2 | 355 ، البحار 76 | 6 .
(3) أصول الكافي 2 | 650 ، باب التسليم على أهل الملل ، الحديث 7 .
(4) أصول الكافي 2 | 650 ، الحديث 8 .
(5) أصول الكافي 2 | 650 ، الحديث 9 في النفس من هذا الحديث شيء ، إذ كيف يدعى لليهودي ويبارك في دنياه إلاَّ أن يراد وفق آية : ( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) ( آل عمران : 178 ) .
أي يعطي الدنيا حتى يهلك ، فتدبر في الحديث لعلك تعلم منه ما لم أعلمه .
(6) التوبة : 114 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 75 _
  والكافرين ، إلا أن يصير ذلك سبباً لهدايتهم فيما إذا نواها المسلِّم أو الداعي أو المستغفر ، فلعل الله تعالى يلين قلوبهم ويجمعهم على الحق ، وكم ظالم أو كافر اهتدى ببركة دعاء الداعي ، ولا سيما إذا كان الداعي أحد المعصومين عليهم السلام ، أو بعض المؤمنين الذين لا ترد لهم دعوة .
  3 ـ الباقري الآخر : ( إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ إفشاء السلام ) (1) .
  4 ـ النبوي : ( إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم ) (2) .
  5 ـ الباقري : ( إن الله يحبّ إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ) (3) .
  6 ـ النبوي : ( والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمووا حتى تحابوا ، أوَ لا أدلّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) (4) .
  7 ـ والآخر : ( يا أنس أسبغ الوضوء تمرّعلى الصراط مرّ السحاب ، أفشِ السلام يكثر خير بيتك ، أكثر من صدقة السر ، فإنها تطفىء غضب الربّ عزّ وجلّ ) (5) .
  8 ـ الصادقي : ( من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة : أنفق ولا تخف فقراً ، وأنصف الناس من نفسك ، وأفشِ السلام في العالم ، واترك المراء وإن كنت محقاً ) (6) .
  9 ـ الآخر : ( كان عليّ عليه السلام يقول : لا تَغضبوا ولا تُغضبِوا ، أفشوا السلام ... ) (7) .

--------------------
(1) أصول الكافي 2 | 645 ، باب التسليم ، الحديث 5 .
(2) كنزالعمال 9 | 113 ، الرقم 25237 .
(3) البحار 76 | 10 .
(4) كنز العمال 9 | 113 ـ 114 ، الرقم 25241 .
(5) البحار 76 | 2 .
والعلوي : ( إنّ من الكرم لين الكلام ، ومن العبادة ... وإفشاء السلام ) مستدرك الوسائل 8 | 363 .
(6) الوسائل 8 | 440 .
(7) الوسائل 8 | 438 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 76 _
  10 ـ النبوي : ( يا عليّ ثلاث كفّارات : إفشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة بالليل والناس نيام ) (1) .
  11 ـ الباقري : ( ثلاث درجات ، وثلاث كفّارات ، وثلاث موبقات ، وثلاث منجيات ، فأما الدرجات : فإفشاء السلام ... ) (2) .
  12 ـ النبوي : ( خيركم من أطعم الطعام وأفشى السلام ... ) (3) .
  13 ـ الآخر : ( أفشوا السلام تسلموا ) (4) .
  14 ـ الآخر : ( أفشوا السلام كي تعلوا ) (5) .
  ما هذا الإفشاء بالسلام ؟ ولماذا اهتم الإسلام به هذا الاهتمام ؟ وربّما يسبق إلى الأذهان أنّ الإفشاء بمعنى الجهر به ، كما جاء الأمر بأن يجهر المسلّم لدفع الاتّهام ، وكذا على المجيب الجهر بالجواب ، لذلك (6) .
  بل الإفشاء الإذاعة والإنشار (7) والانتشار ، ومن ثم سميت المواشي فواشي ، لانتشارها في الأرض وكثرتها ، وأفشى السرّ : أذاعه وبمعنى الأتساع .
  قال ابن الأثير فيه ـ أي الحديث النبوي ـ : ( ضمّوا فواشيكم ) الفواشي : جمع فاشية ، وهي الماشية التي تنتشر من المال ، كالإبل ، والبقر ، والغنم السائمة ، لأنّها تفشو أي : تنتشر في الأرض ، وقد أفشى الرجل : إذا كثرت مواشيه .
  ـ وقال : ومنه حديث الخاتم : ( فلمّا رآه أصحابه قد تختّم به ، فشت خواتيم الذهب ) ، أي : كثرت وانتشرت ... ومنه الحديث ( أفشى الله ضيعته ) أي : كثر عليه معاشه ليشغله عن الآخرة ... ومنه حديث ابن مسعود

--------------------
(1) الخصال 1 | 85 ، الوسائل 8 | 439 .
(2) الخصال 1 | 84 .
(3) الخصال 1 | 91 .
(4) البحار 76 | 11 .
(5) كنز العمال 9 | 115 | الرقم 25249 .
(6) تأتي أحاديثه في غضون ( 8 ـ السلام ندب ، والرد فرض ) .
(7) باب استعمله القرآن : ( ثُمَّ إذا شاءَ أَنْشَرَهُ ) [ عبس : 22 ] .

السـلام في القرآن والحديـث _ 77 _
  ( وآية ذلك أن تفشو الفاقة ) (1) .
  قال ابن منظور : يقال فشت عليه أموره : إذا انتشرت فلم يدرِ بأيّ ذلك يأخذ ... والفشاء : تناسل المال وكثرته ... وتفشّت القرحة : اتّسَعَتْ وأَرِضَتْ (2) .
  أقـول : فلو أن المسلمين التزموا لزاماً عملياً بهذه السنة الطيّبة الإسلاميّة بأن أفشوا السلام في كلّ مكان ، وفي أيّة حالة سفر أو حضر ، أو رخاء أو بأساء للمسوا السلام ، ولكثرت أنصاره في أرجاء المعمورة ، ولانتشر الأمن والعدل بين سكّانها ، ولعل الحديث النبوي الذي ذكرت فيه كلمة ( في العالم ) (3) .
  يشير إلى اللزام العملي ، وإلا لم يفشِ السلام في العالم ، وليس معنى الحديث النبوي (4) والصادقي : ـ ( وأفش السلام في العالم ) (5) ـ إلا ذلك ويحمل عليه إطلاق الأمر بالإفشاء به من دون ذكر قيد : ( في العالم ) في بقية الأحاديث المطلقة إذ لا يفشوا السلام إلا بما ذكرناه .
  ومن تلك المطلـقات دعاء اليوم الثامن من شهر رمضان المروي عن ابن عبّاس : ( اللهم ارزقني فيه رحمة الأيتام ، وإطعام الطعام ، وإفشاء السلام ... ) (6) .
  الإفشاء بالسلام وعدم البخل به : بقي في المقام حديث يفسّر الإفشاء بالسلام : بأن لا يبخل به ، فلا بدّ من ذكر الحديث ، ثم بيان المقصود ، إذ فيه نوع من الإبهام ، فقد روى الشيخ الحرّ عن الصدوق بإسناده إلى أبي بصير ، عن الصادق ، عن آباءه

--------------------
(1) النهاية 3 | 449 ـ 450 ـ فشا ـ .
(2) لسان العرب 15 | 156 ـ فشا ـ .
(3) أول أحاديث إفشاء السلام .
(4) المصدر نفسه .
(5) ثامن أحاديث الإفشاء .
(6) إقبال الأعمال للسيد ابن طاوس 134 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 78 _
  عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، لا يسكنها من أمتي إلا من أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأفشى السلام ، وأدام الصيام ، وصلى بالليل والناس نيام .
  فقال عليّ عليه السلام : يا رسول الله مَن يطيق هذا من أمّتك ؟
  فقال : يا عليّ أتدري ما إطابة الكلام ؟ مَن قال إذا أصبح وأمسى سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاَّ الله والله أكبر عشر مرات . وإطعام الطعام : نفقة الرجل على عياله ، وأما إدامة الصيام : فهو أن يصوم الرجل شهر رمضان ، وثلاثة أيام من كل شهر ، يكتب له صوم الدهر ، وأما الصلاة بالليل والناس نيام : فمن صلى المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة في المسجد جماعة فكأنما أحيى الليل ، وأما إفشاء السلام فبأن لا يبخل بالسلام على أحد من المسلمين ) (1) .
  أقـول : لا يفتقر الحديث إلى مزيد شرح بعد التصريح بالتأويل بأن المقصود من هذه الكلمة كذا و كذا . يبقى بيان وجه التأويل والمناسبة التي أوجبت ذلك .
  ولا ريب أن أداء الواجب وترك الحرام لا يدانيهما العمل بكل ندب أو ترك كل مكروه ، فمَن أتى بالفرائض وترك المحرمات ، فكأنه عمل بالمندوبات وترك المكروهات بأسرها ، إذ أن الأولى هي الأصول وسواها الفروع فلا تقارن هذه بتـلك .
  بقي بيان ما كنا في صدده ، والسؤال عن وجه التأويل لإفشاء السلام بعدم البخل به بقوله صلى الله عليه وآله : ( وإفشاء السلام أن لا يبخل بالسلام على أحد من المسلمين ) ؟ وقد عرفت أن الإفشاء بالسلام انتشاره ،

--------------------
(1) الوسائل 8 | 439 ، الباب 34 من أحكام العشرة ، الحديث 7 ، ( وقد روي الأمر بإفشاء السلام في أربعين حديثاً من مجامع السنة والشيعة من الأولى في فهرس مخطوطات جامعة الرياض 4 | 221 ، المطبوع في مطابع جامعة الرياض ، في عام 1400 هـ ) .

السـلام في القرآن والحديـث _ 79 _
  وإذاعته في الناس ، وفي الأرض والعالم ، والسلام أمرٌ وإفشاؤه أمرٌ متفّرعٌ عليه أي على السلام الأصل .
  والجـواب : لا محذور بأن يعرّف الفرع بالأصل ، إما لعدم خلوّه عنه ، أو أنّ الاهتمام بالأصل مقدّم على الاهتمام بالفرع في الظروف القاضية عليه ، فلو فسّر الإفشاء بلزوم أصل السلام ، لكونه عُرضة للترك رأساً لكان تفسيراً مرضيّاً ، ولعلّ وقت صدور الحديث كان قد حتم ذلك للملابسات الزمنية ، أو أن ترك البخل بالسلام والالتزام به ، والاستمرار عليه ، قد يحقق الإنشاء والانتشار ، ولا بأس بأن يراد المسبب من طريق السبب ، لأن الالتزام بالسلام سبب للإفشاء والانتشار ، وهذا وجه ثانٍ للتأويل وتفسير إفشاء السلام بأن لا يبخل به .
  ولصاحب تفسير المنار كلام هو : إن الإسلام دين عامٌّ ، ومن مقاصده نشر آدابه وفضائله في الناس ولو بالتدريج ، وجذب بعضهم إلى بعض ، ليكون البشر كلهم إخوة .
  ومن آداب الإسلام التي كانت فاشية في عهد النبوّة إفشاء السلام إلا مع المحاربين ، لأن من سلّم على أحد فقد أمنه ، فإذا فتك به بعد ذلك كان خائناً ناكثاً للعهد (1) ... ـ وقال : ـ وورد في صفات المسلمين في حديث الصحيحين إفشاء السلام وكونه سبب الحب بينهم ، ومنها حديث ( إن أفضل الإسلام وخيره : إطعام الطعام ، وأن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) ، وصح ( أفشوا السلام بينكم تحابّوا ) ورواه الحاكم عن أبي موسى و ( أفشوا السلام تسلموا ) رواه البخاري في الأدب المفرد ، وأبو علي وابن حبّان عن البراء ، وفي صحيح البخاري قال عمّار : ( ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم (2) ، والإنفاق من الإقتار ) ، فهذا من أدب الإسلام العالي الذي لا يكاد يجمعه غيره (3) .

--------------------
(1) تفسير المنار 5 | 313 .
(2) يأتي تحت 19 من أحاديث ( 7 ـ أدب السلام ) .
(3) تفسير المنار 5 | 316 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 80 _
  أقـول : وإن أهل البيت أدرى من غيرهم بما في البيت (1) فقد مثلوا السلام وباقي آداب الإسلام بسيرتهم للعالم كله : بأفعالهم وأقوالهم وفي مقدّمتهم الرسول ، صلى الله عليه وآله ، كان يفشي السلام لكل مَن لقيه (2) .

--------------------
(1) أمثال وحكم 1 | 317 ...
(2) لفظ الحديث ( ويبدر من لقي بالسلام ) .

السـلام في القرآن والحديـث _ 81 _
الفـصل الخامـس : السَـلام قَـبل الـكـلاَم

السـلام في القرآن والحديـث _ 83 _
  السـلام قبـل الكـلام
  من الإدب الإسلامي السامي الابتداء بالسلام عند المواجهة ، التي لها جمالها وكرامتها ، ومن ثّم جاء الأمر به قبل كلّ شيءٍ ، في الكتاب العزيز ، والأحاديث المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام .
  من الكتاب العزيز آي :
  1 ـ ( وَإِذا جاءَكَ الّذينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ... ) (1) .
  أمر الرسول صلى الله عليه وآله عند مجيء المؤمنين ومواجهتهم بالسلام عليهم قبل تبليغ البشارة بشمول الرحمة للتائبين منهم ، وسائر الأمور .
  2 ـ ( يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيكُمْ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنْتُم تَعْمَلُونَ ) (2) .
  بدأت الملائكة بالسلام على العاملين قبل قولهم لهم : ادخلوا الجنة .
  3 ـ ( قال سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّي إنَّهَ كانَ بي حَفِيّاً ) (3) .
  قدّم إبراهيم عليه السلام السلام على آزر ، ثم ضمن له أن يستغفر له .

--------------------
(1) الأنعام : 54 .
(2) النحل : 32 .
(3) مريم : 47 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 84 _
  4 ـ ( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قال إِنّا مِنْكم وَجِلُونَ ) (1) .
  كان سلام الملائكة المبشرة لإبراهيم عليه السلام قبل تبادل الكلام بينهم .
  ففي الآي المتلوّة نوع من الدلالة على قبليّة السلام على الكلام .
  والأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام منها :
  1 ـ النبوي : ( من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه وقال : ابدأوا بالسلام قبل الكلام ، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ) (2) .
  2 ـ الصادقي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ) (3) .
  3 ـ الآخر : ( ولا تدع إلى طعامك أحداً حتى يسلّم ) (4) .
  4 ـ النبوي : ( السلام قبل السؤال ، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه ) (5) .
  5 ـ الآخر : ( لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام ) (6) .
  6 ـ الحسيني أي الحديث المروي عن الحسين عليه السلام : ( قال له رجل ابتداءً كيف أنت عافاك الله ؟ فقال عليه السلام له : السلام قبل الكلام عافاك الله ، ثم قال عليه السلام : لا تأذنوا لأحد حتى يسلّم ) (7) .
  أقـول : لا مانع أن تكون كلمة قالها النبي صلى الله عليه وآله يقولها أحد المعصومين عليهم السلام أيضاً (8) .

--------------------
(1) الحجر : 52 .
(2) أصول الكافي 2 | 644 ، باب التسليم ، الحديث 2 .
(3) الوسائل 8 | 437 .
(4) الوسائل 8 | 437 ، البحار 76 | 3 .
(5) كنز العمال 9 | 122 ، الرقم 25292 .
(6) كنز العمال 9 | 129 ، الرقم 25336 .
(7) تحف العقول 246 ، في قصار هذه المعاني ، البحار 78 | 117 .
(8) كما في حديث 1 و2 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 85 _
  ثم إن دعاء الإمام الحسين عليه السلام بالعافية للرجل من تطابق الجواب والسؤال ، وللتنبيه له بالأدب الإسلامي ، والإنساني عند المواجهة وافتتاح الكلام بالسلام ، وتعليم الجاهل بالأحكام ، وأنه كالمريض الذي ينبغي له الدعاء بالعافية ، وإن كان التعارف بهذه الكلمة لمجرد الدعاء ، ومن التحية ، ولكن الإمام عليه السلام نوى بها التنبيه والتعليم ، وغيرهما من المعاني المتناسبة .
  ثم إن النهي المشدد عن الكلام قبل السلام ، لصون كرامة المواجهة ورعاية حقوق الأخوّة الإسلامية ، بل وحقّ إنسان مع إنسان آخر وهو السلام الضامن عن نيل الشر ، وقد سبق حديث الصدوق عن الصادق عليه السلام وفيه الجواب عن سؤال معنى التسليم في الصلاة ؟ فقال : التسليم علامة الأمن ، وتحليل الصلاة ـ إلى أن قال عليه السلام : ـ كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه ، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرّهم (1) ...
  والعادة مستمرة بين بعض طوائف العرب : إذا دخل داخل عليهم ولم يسلّم أو لم يأكل من طعام ربّ البيت ، خيف منه ، وعلم أنّه أضمر أمراً لابد منه ، والسلام أو أكل الطعام عندهم علامة الأمن منه .
  7 ـ العلوي : ( أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إذا مرّ بنا رجل ولم يسلّم والطعام بين أيدينا أن لا ندعوه إليه ) (2) .

--------------------
(1) الوسائل 4 | 1006 ، معاني الأخبار 176 .
(2) مستدرك الوسائل 8 | 356 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 87 _
الفـصل السـادس : سَـلاَم الاستـئذَان وَالإعـلاَم

السـلام في القرآن والحديـث _ 89 _
  سلام الاستئذان والإعلام
  المهمة هنا رعاية حقوق الناس ، والحظر عن أي تصرف فيها بلا إذن سابق ، وأنّ حُرمة أموالهم كحُرمة دمائهم ، والدخول في بيوتهم وممتلكاتهم بدون إجازة مُسبقة منهي عنه بالكتاب العزيز ، وسنة رسول الله ، وأحاديث أهل البيت عليهم سلام الله تعالى .
  فمن الكتاب العزيز آية :
  1 ـ ( يأَيّها الّذينَ ءامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غُيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُم خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلّكُم تَذَّكَرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجدُوا فيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وإِنْ قِيلَ لَكُم اِرجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَليمٌ ) (1) .
  التفسـير : قال الشيخ الصدوق طاب ثراه : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ومحسن بن أحمد ، عن أبان بن الأحمر ، عن

--------------------
(1) النور : 27 ـ 28 ، اشتملت على أحكام وآداب تخص الحقوق منها : المنع من دخول البيوت غير بيت الداخل قبل الاستئذان والتسليم ، والرجوع عند عدم الإذن ، والإذن في الدخول لمرة ويجب الاستئذان للمرة الأخرى كما في النبوي الوسائل 8 | 985 ، إلا في الإذن الصريح في الدوام .

السـلام في القرآن والحديـث _ 90 _
  عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( لا تَدْخلُوا بيُوتاً غَيرَ بيُوتِكُمْ حَتّى تَستَأنِسُوا وتُسَلِمُوا عَلى أَهلِها ) ؟ قال : الاستئناس وقع النعل والتسليم ) (1) .
  وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قلنا : يا رسول الله ما الاستئناس ؟ قال : ( يتكلم الرجل بالتسبيحة والتحميدة والتكبيرة ، يتـنحنح على أهل البيت ) (2) وفي رواية : ( ويؤذن أهل البيت ) (3) .
  ولا ينافى التسبيح والتحميد والتكبير والتنحنح مع التسليم ، لأنها ليست من نوع الكلام الممنوع قبل السلام ، وكل ذلك للإسماع والاستئذان ووجوهه ثلاثة : قال الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( الاستئذان ثلاثة : أوّلهنّ يسمعون ، والثانية يحذرون ، والثالثة إن شاؤوا أذنوا ، وإن شاؤوا لم يفعلوا فيرجع المستأذن ) (4) .
  وقال الطبرسي : روي أنّ رجلاً استأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فتنحنح ، فقال صلى الله عليه وآله لامرأة يقال لها روضة : ( قومي إلى هذا فعلميه وقولي له : قل : السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعها الرجل ، فقالها ، فقال : ادخل ) (5) .
  وقال القمي : الاستئناس هو الاستئذان (6) .

--------------------
(1) معاني الأخبار 163 .
(2) تفسير مجمع البيان 7 | 135 ، تفسير نور الثقلين 3 | 585 .
(3) مجمع البحرين ـ أنس ـ .
(4) الخصال 1 | 91 .
(5) تفسير مجمع البيان 7 | 136 ، تفسير نور الثقلين 3 | 586 ، تفسير الميزان 15 | 115 .
(6) تفسير القمي 2 | 101 .
والنبوي : ( سئل عن الاستئذان في البيوت ؟ قال : من دخلت عينه قبل أن يستأذن فقد عصى الله ولا إذن له ) ، الدرّ المنثور 5 | 39 .

السـلام في القرآن والحديـث _ 91 _
  أقـول : قوله تعالى : ( حَتّى تَسْتَـأْنِسُوا ) قيل فيه وجهان :
  أحدهما : أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف الاستيحاش ، لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ؟ فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه ، فإذا أذن له استأنس ، فالمعنى : حتى يؤذن لكم كقوله : ( لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) (1) وهذا من باب الكناية والإرداف (2) ، لأن هذا النوع من الاستئناس يردف الإذن فوضع موضع الإذن .
  والثاني : أن يكون من الاستئناس الذي هو الاستعلام والاستكشاف : استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً ، والمعنى حتى تسلّموا وتستكشفوا الحال هل يراد دخولكم أم لا (3) ؟
  وقيل : كان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتاً غير بيته : حُيّيتم صباحاً وحُيّيتم مساءً ، ثم يدخل ، فربّما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد ، فصد الله عن ذلك ، وعلم الأحسن والأجمل .
  وكم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة قد تركوا العمل به ، وباب الاستئذان من ذلك : بينا أنت في بيتك إذا رعف عليك الباب بواحد من غير استئذان ولا تحية من تحايي إسلام ولا جاهلية ، وهو ممَّن سمع ما أنزل الله فيه ، وما قال رسول الله ، صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، ولكن أين الأُذن الواعية (4) ؟ .
  ولدخول بيوت الأهل ، والأرحام ، والمشاهد ، والأعتاب المقدسة ، وبيوت الله جلّ جلاله ، آداب قد بينها الكتاب والحديث ، فمن الأول قوله تعالى :

--------------------
(1) الأحزاب : 53 .
(2) من جعل الشيء رديفاً لآخر ، وصرح في المتن بالمقصود .
(3) تفسير الكشاف 3 | 226 ، ومنه آية ( ءانَسَ مِن جانِب الطُّورِ ناراً ) ، القصص : 29 ، أي : أبصر ناراً ، وكان نور الربّ تعالى قد تجلى للجبل .
(4) تفسير الكشاف 3 | 227 .