إن البكاء على الميت إذا كان عزيزاً وأثيراً على أهله من الضرورات الطبيعية للإنسان ، فإنه مجبول على الانقياد لغرائزه ، وعواطفه ، فقد تجيش عواطفه إذا مات خليله ، حتى يتمنى مفارقة الحياة ، والبكاء بطبعه يخفف من لوعة المصاب ، ويطفىء غائلة الخطب ، وذلك سنّة من سنن الحياة لا يمكن التنكر لها ، ولما توفي ولدي ابراهيم بكيت عليه ، وقلت : « إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون »
، ولما استشهد عمي حمزة ، وجاءت أخته صفية بنت عبد المطلب تطلبه ، فحالت الأنصار بينها وبينه ، فقلت دعوها فجلست عنده ، فجعلت تبكي ، فكلما بكيت بكيتُ ، وإذا نشجتْ نشجتُ ، وقلت : لن أصاب بمثلك أبداً
، ولما توفيت رقية بنتي بكت النسوة عليها فجعلت تنهاهن فزجرتك ، وقلت لك : « مه يا عمر ؟ » .
وخاطبت النسوة فقلت لهن : « إياكن ونعيق الشيطان فإنه مهما يكن من العين ، والقلب فمن الرحمة ، وما يكون من اللسان واليد فمن الشيطان ، وأخذت بضعتي سيدة النساء العالمين تبكي على رقية فجعلت أمسح دموعها ،
(1) ولو كان غير مشروع لنهيتها عنه » ، وقد رويتَ عني إني قلت : « ان الميت يعذب ببكاء الحي
(2) وأخذت تضرب النساء الثواكل التي نخب قلبهن الحزن على فقيدهن فقد ضربت أم فروة بنت أبي قحافة حين مات أبو بكر
(3) ، وحينما مات خالد بن الوليد اجتمع في بيت ميمونة نساء يبكين عليه ، فشددت عليهن بالدرة ، فسقط خمار امرأة منهن فقالوا لك : سقط خمارها ، فقلت دعوها ، فلا حرمة لها
(4) فأي جناية جنت هذه المرأة حتى تسقط حرمتها ، وأي ذنب اقترفته النسوة حتى تعلوهن بدرتك ! وقد نسبت الظلم إلى الله لعذيبه الموتى ببكاء الأحياء ، والله تعالى يقول في كتابه : « ولا تزر وازرة وزر أخرى »
(5) وقد جاء في الكتاب الكريم فيما اقتص من حزن يعقوب على ابنه يوسف ، وبكائه عليه حتى ذهب بصره من الحزن « وتولى عنهم وقال يا اسفي على يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم » : « قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين ، قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون »
(6) .
---------------------------
(1) السنن الكبرى للبيهقي 4 ـ 70 .
(2) كنز العمال 8 ـ 119 ، الاصابة 3 ـ 606 .
(3) شرح ابن أبي الحديد 1 ـ 60 .
(4) كنز العمال 8 ـ 118 .
(5) سورة الانعام : آية 164 .
(6) سورة يوسف : آية 7 ـ 8 ـ 81 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_93_
إن المنع عن البكاء لا يقره عقل ، ولا شرع وهو مجاف لسنن الحياة ومصادم لطبيعة الانسان التي تتصدع حينما تفقد عزيزاً ، وخليلاً ، وإني ـ والحمد لله ـ ما جئت بشيء مجاف للطبيعة أو منحرف عن سنن الكون ونواميس الحياة ، وقد نسبت إليّ ما لم أشرعه ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
11 ـ
التجسس :
ونهى الله عن التجسس لمجرد ظن السوء ، قال تعالى : « يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً »
(1) ، أمر تعالى بذلك حفظاً على كرامة الناس ، وصيانة لشرفهم ، ولكنك لم تعن بذلك فقد خرجت ليلة فاجتزت بدار فسمعت فيها صوتا فارتبت ، وتسورت الدار ، فرأيت رجلاً عنده امرأة ، وزق خمر فقلت له : « يا عدو الله أظننت أن الله يسترك ، وأنت على معصيته ؟ » فزجرك ، وبيِّن لك موضع خطيئتك قائلاً :
( لا تعجل ما إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث ،قال الله تعالى : « ولا تجسسوا » وقد تجسست ، وقال : « أتوا البيوت من أبوابها »
(2) وقد تسورت ، وقال : « إذا دخلتم بيوتاً فسلّموا »
(3) وما سلمت ) ، فلم تكن لديك مندحوة إلا ان قلت : وهل عندك من خير إن عفوت عنك ؟ ، فقال : نعم والله لا أعود . . فعفوت عنه ، لقد جافيت ما أثر عني من النهي عن التجسس ، والأخذ بالظن ، فقلت : « إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ، ولا تناجشوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا . . »
(4) .
-----------------------------
(1) سورة الحجرات آية 12 .
(2) سورة البقرة . آية 189 .
(3) سورة النور : آية 61 .
(4) الفتوحات الأسلامية 2 ـ 477 ، الرياض النضرة 3 ـ 46 ، الدر المنثور 6 ـ 93 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_94_
لقد كان تقحمك بيوت الناس بغير حق ، وبغير وجه مشروع ، فقلت كنت تلج البيوت مفتشاً عن آثام الناس وعوراتهم ، أفهذا من سنتي ، ومن شرعتي ، لقد خرجت في غلس الليل البهيم ومعك عبد الله بن مسعود ، فرأيت ضوء نار في بعض البيوت فاتبعته ، حتى دخلت الدار وحدك ، فإذا شيخ جالس ، وبين يديه شراب ، وقينة تغنيه ، فلم يشعر الشيخ بهجومك عليه ، فصحت في وجهه فقلت له : « ما رأيت منظراً أقبح من شيخ ينتظر أجله ؟ !! » ، فرفع الشيخ إليك رأسه ، ورد عليك قائلاً : « بلى صنيعك أنت أقبح مما رأيت مني ، إذ تجسست ، وقد نهى الله عن التجسس ، ودخلت بغير إذن »، فتحيرت في الجواب ، والدفاع عن نفسك ، وقلت له صدقت ، ثم خرجت على ثوبك تبكي
(1)، وكان اللازم عليك ان تعاقب هؤلاء المتمردين بعدما اطلعت عليهم ، ولكنك لم تتخذ معهم أي اجراءات ، فهل كان خروجك للتجسس لأجل النزهة ، وترويح النفس ، أو التلذذ بمشاهدة المخمورين ، ان تسامح الحاكم يؤدي الى تمرد المجرمين في إجرامهم ، وانطلاقهم في ميادين الإث.
-----------------------------
(1) كنز العمال 2 ـ 141 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_95_
12 ـ
درؤك الحد عن المغيرة :
ومن الدواهي عدم إقامتك الحد على المغيرة بن شعبة لأنه كان أثيراً عندك ، فقد شهد عليه بذلك كلا من أبي بكرة ، وهو من فضلاء الصحابة في علمه وتقواه ، وشهد نافع بن حارث ، وشبل بن معبد ، وكانت شهادتهم صريحة واضحة بأن المغيرة قد زنى بامرأة محصنة ذات بعل ، وهي أم جميل بنت عمرو القيسية زوجة الحجاج الجشمي ، وكتبت الى زياد وهو الشاهد الرابع فلما حضر قلت له :
إني أرى رجلاً لا يخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين
(1)، وقد أفهمته بكلامه عدم رضائك باقامة الحد على المغيرة فوجل منك ، واندفع يشهد كما اردت ، وبذلك درأت الحد عن المغيرة ، وأمرته بان يقيم الحد على الشهود الثلاث، بأي وجه اظهرت رغبتك إلى زياد بأن لا يفضح المغيرة ، وتعطيلك الحد عنه ، لقد مهدت الطريق بذلك الى تعطيل الحدود ، ودرئها بغير حق ، فلا حول ، ولا قوة إلا بالله .
13 ـ
اقامتك الحد بغير وجه :
وأغرب من ذلك اقامتك على جعدة من بني سليم ، ولم تقم عندك البينة على ارتكابه جريمة الزنا ، فقد قدم عليك بريد فنثر كنانته فبدرت صحيفة فقرأتها فاذا فيها :
ألا أبـلغ أبا حفص iiرسولا فـداً لك من أخي ثقة إزاري قـلائصنا هـداك الـلّه iiإنا شـغلنا عنكم زمن iiالحصار فـما قـلعي وجدن معقلات قـفا سـلع بمختلف iiالبحار قلائص من بني سعد بن بكر وأسـلم أو جـهينة أو iiغفار يـعقلهن جـعدة مـن iiسليم مـعيداً يـبتغي سقط iiالعذار |
--------------------------
(1) مستدرك الحاكم 3 / 248 ، وفيات الاعيان ، فتوح البلدان للبلاذري ص 353 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_96_
فأمرت باحضار جعدة فجلدته مائة معقولاً
(1) فبأي وجه أقمت عليه الحد ، ولم تقم عندك البينّة على أنه قد زنى ، سوى هذه الأبيات ، وهي لا تصلح للاعتماد عليها .
14 ـ
نقصان الحد :
وأخذت تتصرف في حدود الله حسب ما شئت بغير وجه مشروع ، فقد نقصت حد شارب الخمر ، فقد جيء لك بشارب فبعثت به الى مطيع بن الأسود ليقيم عليه الحد ، واجتزت عليه فرأيته يضربه ضرباً شديداً فقلت له : « قتلت الرجل ، كم ضربته ؟ » : « ستين » ، فقلت اقص عنه بعشرين ، فجعلت شدة الضرب قصاصاً بالعشرين التي بقيت من الحد
(2) كيف سانح لك نقصان الحد ، واعفاءه عما بقي منه وهذا من الاجتهاد قبال السنّة الذي لا يقره الشرع .
15 ـ
ارث الاعاجم :
ومن غريب فقهك أنك أبيت ان تورث احداً من الأعاجم الا من وُلد في بلاد العرب
(3)بأي كتاب أم بأية سنّة ان العجمي لا يرث ؟ أليس المسلمون جميعاً على اختلاف قومياتهم وألوانهم سواء كاسنان المشط لا تفاوت لأحد على احد إلا بالتقوى ، وعمل الخير ، إن هذه الفتوى تتصادم مع ضروريات الاسلام ، وتتنافى مع جوهره وواقعه ، فإني قد جئت بالشريعة السمحاء التي هدمت جميع حواجز الجاهلية ، فقد ساويت بين جميع المسلمين ، وقد هتف القرآن الكريم بذلك قال تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » ،إن التفاخر بالعناصر ، والرجوع الى القوميات من الخلق الجاهلي وهو الطاعون الأسود الذي فرق بين أمتي ، فجعلهم أحزاباً وأنواعاً ، وقد تناسوا ان كلمة الاسلام هي الجامع الواقعي التي تضم بين جميع المسلمين .
-------------------------------
(1) السنن الكبرى 8 ـ 317 .
(2) الموطأ 2 ـ 12 .
(3) طبقات ابن سعد 3 ـ 205 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_97_
16 ـ
رجم المضطرة :
ورفع الاسلام الحكم التكليفي في حال الاضطرار فلا عقاب ولا إثم على المضطر ، وقد قلت « رفع عن امتي ما اضطروا اليه » وقد جهلت ذلك يا عمر ، فقد جيء اليك بامرأة قد زنت ، وقد اقرّت بذلك فأمرت برجمها ، فانبرى علي إليك فأنكر عليك ذلك ، وقال لعل لها عذراً ، ثم قال لها : ـ ما حملك على الزنا ؟ قالت : كان لي خليط ، وفي إبله ماء ، ولبن ، ولم يكن في إبلي ماء ، ولا لبن فطمئت ، فاستسقيته ، فأبى أن يسقيني حتى أعطيه نفسي ، فأبيت عليه ثلاثاً ، فلما ظمئت ، وظننت أن نفسي ستخرج أعطيته الذي أراد فسقاني ، ولما سمع ذلك علي ، تلا قول الله تعالى : « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ » .
26 ـ
المتزوجة في عدتها :
ومن أحكامك التي تتصادم مع واقع السنة انك حكمت في المرأة المتزوجة فيعدتها بالتفريق بينهما ، وجعلت صداقها من بيت المال ، وقد بلغ ذلك علياً ، فأنكر عليك ، وقال : « ما بال الصداق وبيت المال انهما جهلا فينبغي للامام أن يردها إلى السنّة » ،وقد سئل عن السنّة في ذلك فأجاب « الصداق بما استحل من فرجها ، ويفرّق بينهما ، ولا جلد عليهما ، وتكمل عدتها من الأول »
(1) .
--------------------------
(1) كنز العمال 3 ـ 96 ، الطرق الحكمية ص 53 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_98_
27 ـ
رجم الحبلى :
ومن أحكامك التي تتصادم مع الشريعة الاسلامية حكمت على امرأة حبلى قد اقترفت جريمة الزنا فأمرت برجمها ، فدخل عليك علي فقال : ـ لأي شيء ترجم هذه ؟ ـ ارتكبت جريمة الزنا ، فأنكر عليك ذلك ، وأفتى بما أنزل الله فقال : « إن كان لك سلطان عليها ، فما لك سلطان على ما في بطنها » ، ولما رأيت الحق في جانبه قلت : « كل أحد أفقه مني »
(1) .
28 ـ
أحكام الصلاة :
ومن غريب أمرك خفاء أحكام الصلاة عليك فقد صليت المغرب فلم تقرأ في الركعة الأولى فاتحة ، وقرأتها مرتين في الركعة الثانية ، وقد أردت بذلك قضاءها ، وهي من الأجزاء التي لا تقضى وإنما اللازم سجدتا السهو .
----------------------------
(1) أحكام القرآن للجصاص 1 ـ 504 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_99_
29 ـ
رجم المجنونة :
ومن احكامك التي خالفت بها السنة حكمت بالرجم على مجنونة قد زنت فأخذتها الجلاوزة لاقامة الحد ، فاجتاز عليهم علي فسألهم عن أمرها فأخبروه فأمر بارجاعها إليك ، وقال لك : « أما تذكر ان رسول الله ( صلى عليه وآله ) قال : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المعتوه حتى يبرأ . وان هذه معتوهة بني فلان لعل الذي أتاها ، أتاها وهي في بلائها فخله سبيلها » ، فجعلت تكبر ، وامرت باطلاق سراحها
(1).
30 ـ
رجم من ولدت لستة أشهر :ومن غريب ما حكمت به أنّك قد حكمت برجم امرأة ولدت لستة أشهر فرد عليك علي حكمك ، وقال لك : إن الله تعالى يقول : « وحمله وفصاله ثلاثون شهراً » وقال تعالى : « وفصاله في عامين » فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين ، فتركت رجمها ، وقلت « لولا علي لهلك عمر »
(2).
31 ـ
المغالات في المهر :
ومنعت المسلمين من المغالات في المهور فقلت : ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغن عن أحد ساق أكثر من ساقه رسول الله أو سبق اليه ، الا جعلت فضل ذلك في بيت المال » . فنبهتك أمرأة من قريش على خطأك فقالت لك :ـ أكتاب الله أحق أن يتبع أو قولك ؟ ـ بل كتاب الله تعالى فما ذاك ؟ ـ نهيت الناس أن يغالوا في صداق النساء ، والله تعالى يقول في كتابه « وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً » ،فاعترفت على نفسك بالجهل وقلة الفقه فقلت : « كل أحد أفقه من عمر »
(3) ومع اعترافك هذا كيف تتقدم للقضاء وللحكم بين الناس ؟ .
--------------------------
(1) سنن ابن ماجه 2 ـ 227 ، الرياض النضرة 2 ـ 196 ، إرشاد الساري للقسطلاني 10 ـ 9 ، فيض القدير 4 ـ 357 .
(2) الدر المنثور 1 ـ 288 ، كنز العمال 3 ـ 96 ، تفسير الرازي 7 ـ 484 ، السنن الكبرى 7 ـ 442 ، الرياض النضرة 2 ـ 194 ، ذخائر العقبى ص 82 .
(3) كشف الخفاء 1 ـ 269 للعجلوني ، كنز العمال 8 ـ 298 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_100_
32 ـ
حد الخمر :
ولما ورد الناس من المدن والقرى ، قلت ما ترون في حد الخمر فقال لك عبد الرحمن بن عوف أرى أن تجعله كأخف الحدود ، فجعلت الجلد ثمانين
(1) ، إن من يكون خليفة على المسلمين ، وممثلاً لي لابد أن تكون له دراية باحكام الشرع ، ومعرفة بشؤون الدين .
33 ـ
أخذ الدية بغير وجه مشروع :
ومن الأمور التي تجافي الشرع أنك أخذت الدية بغير وجه مشروع وذلك في قصة أبي خراش الهذلي ، فقد أتاه نفر من أهل اليمن قدموا عليه حجاجاً فأخذ قربته ، وانطلق نحو الماء في ظلام الليل ليستقى لهم الماء ، وقبل أن يصل اليهم نهشته حية ، فأقبل مسرعاً حتى أعطاهم الماء ، وقال : اطبخوا شاتكم ، وكلوا ،ولم يعلمهم ما أصابه ، فباتوا على شأنهم حتى أصبحوا ، وأصبح أبو خرّاش ، وهو من الموتى ، وقال قبل موته :
-----------------------------
(1) سنن الدرامي 2 ـ 175 ، سنن أبي داود 2 ـ 240 ، سنن البيهقي 8 ـ 319 .
الرَّسُولُ الأعْظَم
صلى الله عليه وآله
مَع خُلفَائِهِ
_101_
لـقد أهـلكت حية بطن واد على الاخوان ساقا ذات فضل فما تركت عدواً بين iiبصري إلـى صـنعاء يطلبه iiبذحل |
ولما انتهى إليك خبره غضبت غضباً شديداً وقلت : لولا أن تكون سنّة لأمرت أن لا يضاف يمان أبداً ، ولكتبت بذلك الى الآفاق ، وكتبت إلى عاملك باليمن أن يأخذ النفر الذين نزلوا على أبي خراش فيأخذ منهم الدية ، وينكل بهم جزاء لفعلهم
(1) فبأي وجه استحق هؤلاء النفر التنكيل ، وبأي وجه أخذت الدية منهم .
34 ـ
اقامتك الحد ثانياً على ولدك ومن الأمور التي خالفت بها السنّة اقامتك الحد ثانياً على ولدك عبد الرحمن فقد أقام عمرو بن العاص عليه الحد حينما شرب الخمر في مصر ، وذلك بمحضر من أخيه عبد الله فلما بلغك ذلك كتبت الى ابن العاص أن يحمله على قتب بغير وطأ وأن يشدد عليه ، فأرسله إليك بالحالة التي أمرته فيها ، وقد كتب إليك باقامته الحد عليه ، وبعث بالكتاب مع ولدك عبد الله فلما انتهى إليك وهو لا يستطيع المشي لمرضه ، وإعيائه ، وأبصرته أمرت باحضار السياط ، فقال لك عبد الرحمن بن عوف : أنه قد اقيم عليه الحد ، وشهد بذلك اخوه عبد الله فلم تلتفت إليه ، واخذت السياط ، وجعلت تضربه وهو يستغيث ، ويقول : « انا مريض ، وانت والله قاتلي »، وبعد ان اقمت عليه الحد حبسته شهراً فمات
(2) فبأي وجه اقمت عليهالحد ثانياً ، على ان المريض لا يقام عليه الحد حتى يُبلَ من مرضه ، بالاضافة الى ان حبسك له كان بغير وجه مشروع .
--------------------------
(1) الاستيعاب في ترجمة أبي خراش الهذلي .
(2) شرح نهج البلاغة 3 ـ 127 ، العقد الفريد 3 ـ 470 ، ارشاد الساري 9 ـ 439 ، تاريخ الخطيب للبغدادي 5 ـ 450 ، الرياض النضرة 2 ـ 32 .