من جهة التصرف في ملكه تصرفا يضر بجاره ـ مثلا ـ وقد طرح المحقق النائيني البحث في هذه الصورة حول ان قاعدة السلطنة هل هي محكومة مطلقا بقاعدة (لا ضرر) أو فيما لم يلزم من عدم السلطنة ضرر عليه ؟واما اذا لزم فلا تكون محكومة لها بل تكون قاعدة السلطنة هي المرجع (1) ، وربما يعد منع المالك أي تصرف ضررا عليه ولو كان مضرا بجاره كما سياتي عن الشيخ الانصاري ، وهو غير تام .
  وايا كان فينبغي تعميم البحث لما اذا لزم من عدم تصرفه ضررعلى المالك وما ا ،ذا لزم منه فوت مصلحة بل الاعم من ذلك ايضاً.
  والتعرض لهذه المسالة في غاية الاهميه لكثرة الابتلاء بها وسعة حدودها .
  ومنشأ تفصيل القول فيها في كلمات المتأخرين في الفقه ما ذكره الفاضل السبزواري في كتاب الكفاية، حيث نقل عن الاصحاب جواز تصرفات المالك في ملكه مطلقا ثم تامل فيه وصار كلامه موردا للبحث عندهم ، قال (قده )(2) (المعروف من مذهب الاصحاب ان ما ذكر في الحريم للبئر والعين والحائط والدار مخصوص بما اذا كان الاحياء في الموات فيختص الحريم بالموات واما الاملاك فلا يعتبر الحريم فيها لأن الاملاك متعارضة وكل واحد من الملاك مسلط على ماله له التصرف فيه كيف شاء قالوا فله أن يحفربئرا في ملكه وان كان لجاره بئرقريب منها وان نقص ماء الاولى وان ذلك مكروه ، قالوا : حتى لوحفرفي ملكه بالوعة وفسد بئر الجارلم يمنع عنه ولا ضمان عليه ، ومثله ما لو أعد داره المحفوف بالمسكن حماما أو خانا أو

(1) لاحظ تقربرات متن رسالة لا ضرر : 224 .
(2) الكفاية : 241 (تذ نيب ) .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 327 ـ
  طاحونة أو حانوت حداد أو قصار لان له التصرف في ملكه كيف شاء .
  ويشكل هذا الحكم في صورة تضرر الجار تضررا فاحشاً نظرا الى ما تضمنته الاخبار المذكورة من نفي الضرر والاضرار وهو الحديث المعمول به من الخاصة والعامة المستفيض بينهم خصوصا ما تضمنته الأخبار المذكورة من نفي الاضرار الواقع في ملك المضار، وفي المسالك نعم له منع ما يضر بحائطه من البئر والشجر ولو لمرور اصلها اليه والضرر المؤدي الى ضرر الحائط ونحو ذلك .
  وقد تعرض لهذا الكلام صاحب الرياض (1) وناقش فيه وفصل القول فيه صاحب مفتاح الكرامة (2) وأشار الى كلامهما الشيخ الأنصاري (قده ) في ا لرسائل (3) .
  ونحن نقتصر على نقل كلامين في الموضوع كلاما لصاحب الجواهر وكلاما للشيخ الانصاري :
  قال الاول (4) (وبالجملة فالغرض ان المسالة لم يكن فيها اجماع محقق على جهة الاطلاق ، فيمكن ان يقال بمنع التصرف في ماله على وجه يترتب عليه الضرر في مال الغير، مثلا بتوليدية فعله ، بحيث يكون له فعل وتصرف في مال الغيرواتلاف له يتولد من فعله فعل في مال الغير، لا تلف خاصة بلا فعل منه ، وخصوصا مع زيادته بفعله عما يحتاج اليه وغلبة ظنه بالسراية ، وقاعدة التسلط على المال لا تقتضي جواز ذلك ، ولا رفع الضمان الحاصل بتوليد فعله .

(1) الرياض 2 : 320 .
(2) مفتاح الكرامة 7 : 2 2 ـ 23 .
(3) الرسائل 2 : 538 ـ 539.
(4) الجواهر ط القديم 6 :85 1 وط الحديث 38 : 52.

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 328 ـ
  (نعم ) لوكان تصرفه في ماله لا توليد فيه على الوجه المزبور وان حصل الضرر مقارنا لذلك لم يمنع منه ).
  وقال الشيخ الانصاري : (الاوفق بالقواعد تقدم المالك لان حجر المالك في التصرف في ماله ضرر يعارض بذلك ضرر الغير فيرجع الى عموم قاعدة السلطنة ونفي الحرج ) .
  ولتوضيح القول فيه لا بد من ذكر أمور:
  الأمر الأول : في انه هل هناك ما يدل على جواز تصرفات المالك في ملكه مطلقا لكي نحتاج فى رفع اليد عنه لما يدل على خلافه ويكون مقدما عليه أم لا؟ وما يمكن ان يستدل به وجهان :
  الوجه الأول : ما ينسب الى النبي صلى الله عليه وآله (الناس مسلطون على اموالهم ) وقد وصفه في مفتاح الكرامة بانه (المعمول عليه بين المسلمين ) وقال : بل هو متواتر وأخبار الاضرار على ضعف بعضها وعدم مكافئتها لهذه الادلة يحمل على ما اذا كان لا غرض له الا (الاضرار) (1) واطلاقه يدل على ان للمالك ان يتصرف في ماله باي تصرف ولو كان مضرا بجاره .
  ويمكن المناقشة فيه من جهتين :
  الأولى: انه خبر ضعيف غير مجبور بعمل الاصحاب فانه لم يرد في جوامعنا الحديثية الا في كتاب البحار (2) واما في الكتب الفقهية فقد ذكره الشيخ في الخلاف (3) وربما يوجد في بعض مصنفات العلامة ولعل صاحب

(1) مفتاح الكرامة : 7| 22 .
(2 ) بحار الانوار 2 : 2 27 | 7 .
(3) الخلاف 3 : 76 1 ـ 77 1 ذيل المسالة 0 29 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 329 ـ
  عوالي اللآلي قد اخذه منها ويوجد في كلام المحقق الثاني غيره التعبير بمضمونه من دون الاشارة الى انه رواية ، واما في كتب الحديث للعامة فالظاهر انه غير موجود في كتبهم المشهورة، كما يعلم بمالاحظة المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي ومفتاح كنوز السنة ، نعم لا يبعد ؟ جوده في بعض كتبهم الحديثية غير المعروفة ، فما وصفه به في مفتاح الكرامة لا يخلو عن المبلغة.
  الثانية : ان مفاد هذا الكلام ليس ازيد من عدم محجورية المالك في تصرفاته في امواله بحيث يحتاج الى استئذان من غيره ، وليس في مقام بيان الجواز التكليفي والوضعي بالنسبة الى جميع انواع التصرفات حتى في حال الاضرار بالغير ولو شك في كونه في مقام البيان من هذه الجهة مضافا الى الجهة الاخرى فلا ، أصل يحكم بذلك كما قرر في علم الاصول .
  الوجه الثاني : ان يقال ان اعتبار شيء مملوكا لاحد بملكية تامة يندمج فيه جواز مطلق التصرفات فيه تكليفا ووضعا ، على ما هو التحقيق من ان الاحكام الوضعية ـ كالملكية ـ مشتملة على نحو الاندماج على ما يناسبها من الأحكام التكليفية، والمرتكز لدى العقلاء ان المندمج في الملكية مطلق جواز التصرفات كما يشير الى ذلك ما جاء عن بعض مخالفي هود عليه السلام من قوله تعالى : ( أصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا أو ان نفعل في اموالنا ما نشاء ... )الخ (1).
  ويرد عليه : ان ما يندمج في اعتبار الملكية التامة ليس جواز مطلق التصرفات بل هو جواز التصرفات في الجملة ـ كمايؤكد ذلك ما ذكره بعض

(1) هود 11 | 87 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 330 ـ
  اهل القانون (1) .
  الأمر الثاني : في انه لوفرض وجود اطلاق لدليل سلطنة المالك بالنسبة الى التصرفات التي يصدق عليها انها اضرار بالنسبة الى جاره ، فهل ما يدل على حرمة الاضرار بالغير يكون مقدما على الاطلاق المفروض ؟ لاسيما فيما إذا فرض أن من عدم التصرف المفروض يلزم ضرر على المالك ؟

(1) ففي مصادر الحق فى الفقه الاسلامي للدكتور عبدالرزاق السنهوري (ج ا ص ا 3 تحت عنوان الملك التام ) بعد أن نقل ان المادة 11 من مرشد الحيران عرفته على الوجه الاتي : (الملك التام من شأنه أن يتصرف به المالك تصرفا مطلقا فيما يملكه عينا ومنفعة واستغلالا فينتفع بالعين المملوكة وبغلتها وثمارها ونتاجها ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة) واستنتج منه ان عناصر حق الملك في الفقه الاسلامي كما عن الفقه الغربي ثلاثة عددها ـ قال بعد ذلك : (وليس حق المادة مطلقا كما توهم عبارة مرشد الحيران ، بل هوحق مقيد بوجوب عدم الاضرار بالجار وقد ورد هذا القيد في نصوص مرشد الحيران ذاتها فنصت المادة 57على ان (للمالك ان يتصرف كيف شاء في خالص ملكه الذي ليس للغيرحق فيه فيعلي حائطه ويبني ما يريده ما لم يكن تصرفه مضرا بالجار ضررا فاحشا) وعرفت المادة 59 الضرر الفاحش بانه (ما يكون سببا لوهن البناء أو هدمه أويمنع الحوائج الأصلية أي المنافع المقصودة من البناء ، واما ما يمنع المنافع التي ليست من الحوائج الاصلية فليست بضرر فاحش) وبينت المادة 60 حكم الضرر الفاحش فقالت : يزال الضرر الفاحش سواء كان قديما أو حادثا .
  وقال في الوسيط (ج 8 ص 557) في مادة 341 تحت عنوان (أعمال سلبية من المالك ) ، الأمثلة كثيرة على الأعمال السلبية التي تقتضي من المالك حتى يقوم بما للملكية من وظيفة اجتماعية وذكر في عداد بعض الأمثلة : 1 ـ يجب على المالك أن يمتنع عن استعمال ملكه بحيث يضر بالجار ضررا فاحشا واذا جاز للمالك أن يطلب من جاره ان يتحمل مضار الجوار المألوفة فليس له أن يحمله المضار غير المألوفة للجوار ، وفي هذا المعنى تقول المادّة 807 مدني ( 1 ـ على المالك ألا يغلوفي استعماله حقه إلى حد يضر بملك الجار ، 2 ـ وليس للجار ان يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها وإنما له ان يطلب ازالة هذه المضار اذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الاخر ، والغرض الذي خصصت له ، الخ ما ذكره ).

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 331 ـ
  فيمكن أن يقال ان أدلة حرمة الاضرار كمقطع (لا ضرار) مقدمة على اطلاق دليل السلطنة وإن كان بينهما عموم من وجه ، لأن الاضرار من العناوين الثانوية وما يدل على الحرمة بالعنوان الثانوي مقدم على ما يدل على الجواز بالعنوان الأولي .
  ولكن قد يمنع من صحة التمسك به في المقام بأحد تقريرين : التقرير الأول : انه فيما اذا كان ترك الاضرار بالغير ضرراً على المالك يكون قوله (لا ضرر) حاكما على دليل حرمة الاضرار، لانه متقدم بالحكومة التضييقية على كل حكم ولوكان حكماً بالعنوان الثانوي .
  ويمكن الجواب عنه بوجهين :
  أحدهما: انه لا يعقل حكومة (لا ضرر) على (لا ضرار) من جهة ان معنى حكومته عليه حلية الاضرار وارتفاع الحرمة وحيث ان كلا من الحرمة وانتفائها ضرري ، فان في وجود الحرمة ضرراً على المالك وفي انتفائها ضررا على الجار، وقد سبق ان (لا ضرر) كما انه حاكم على الاحكام الوجودية فكذلك هو حاكم على الأحكام العدمية ، فيستحيل حكومته عليهما لانه يلزم منه ارتفاع النقيضين وحكومته على احدهماترجيح بلامرجح .
  وثانيهما: ان في قضية سمرة بن جندب لوحظ أولاً (لا ضرر) الدال على نفي استحقاق دخول سمرة في دار الانصاري بلا استئذان وعدم ترتب ذلك على حق الاستطراق ، ثم رتبت عليه حرية الاضرار بعد تحقق صغراها ـ بملاحظة ان الدخول بغير استئذان من غير حق اضرار بحق الأنصاري ـ وعليه ف ـ (لا ضرار) في الرتبة المتأخرة عن (لا ضرر) فلا يكون حاكما عليه لكن في هذا الوجه تأمل .
  التقرير الثاني : ما يظهر من كلا أ السيد الاستاذ (قده ) من عدم اطلاق

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 332 ـ
  لقوله (لا ضرر) يشمل به مثل المقام (1) وذلك بأحد وجهين :
  احدهما: ان مقتضى الفقرة الأولى عدم حرمة التصرف لكونه ضررا على المالك ، ومقتضى الفقرة الثانية ـ وهي (لا ضرار) حرمة الاضرار بالغير على ما تقدم بيانه ، فيقع التعارض بين الصدر والذيل فلا يمكن العمل باحدى الفقرتين.
  ويرد عليه : انه ان قلنا بان (لا ضرر) حاكم على الأحكام الوجودية كحرمة الاضرار المفادة ب ـ (لا ضرار) فقط فلا معارضة بين الصدر والذيل لانه لا معارضة بين الدليل الحاكم والمحكوم ، ونتيجة ذلك الحكم بجواز التصرف المفروض لسقوط (لا ضرار) بكونه محكوما ، وان قلنا بانه حاكم على الأحكام الوجودية والعدمية كما هو المختار فحيث انه لا يعقل حكومة (لا ضرر) على (لا ضرار) في المقام على ما تقدم فلا مانع من التمسك بالفقرة الثانية ، وقد وافق هو على هذا المبنى ـ من حكومة لا ضرر بالنسبة الى الاحكام العدمية ـ الأ انه ذكر انه لم يجد مثالاً يثبت فيه حكم بواسطة لاضرر بنفي الحكم الوارد من جهة قاعدة (لا ضرار) وما ذكرنا لا يقتضي اثبات حكم بلا ضررحتى يقال بان لسان (لا ضرار) هولسان النفي لا لسان الإثبات بل إبقاء (لا ضرار) بلا حاكم عليه .
  والوجه الثاني : ان حديث (لا ضرر) لا يشمل المقام لا صدرا ولا ذيلا ، لكونه واردا مورد الامتنان على الامة الاسلامية فلا يشمل موردا يكون شموله له منافيا للامتنان ومن المعلوم ان حرمة التصرف في الملك بما يضر بالجار مخالف للامتنان على المالك ، والترخيص فيه خلاف الامتنان على الجار ، فلا يكون شيء منهما مشمولا لحديث (لا ضرر) ، ثم قال (وبما ذكرناه يظهر انه لا يمكن التمسك بحديث (لا ضرر) فيما كان ترك التصرف

(1) لاحظ مصباح الاصول 2 | 566 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 333 ـ
  موجبا لفوات المنفعة وان لم يكن ضررا عليه ، لان منع المالك عن الانتفاع بملكه ايضا مخالف للامتنان فلا يكون مشمولا لحديث (لا ضرر) فلا يمكن التمسك بحديث (لا ضرر) في المقام اصلا بل لابد من الرجوع الى غيره .
  فان كان هناك عموم أو اطلاق دل على جواز تصرف المالك في ملكه حتى في مثل المقام يؤخذ به ويحكم بجواز التصرف ، والا فيرجع الى الأصل العملي وهو في المقام اصالة البراءة عن الحرمة فيحكم بجواز التصرف .
  ثم قال (وبما ذكرناه ظهر الحكم فيما اذا كان التصرف في مال الغير موجبا للضررعلى الغير وتركه موجبا للضررعلى المتصرف ، فيجري فيه الكلام السابق من عدم جواز الرجوع الى حديت (لا ضرر) ، لكونه واردا مورد الامتنان فيرجع الى عموم ادلة حرمة التصرف في مال الغير كقوله عليه السلام (لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه ) وغيره من ادلة حرمة التصرف في مال الغير ويحكم بحرمة التصرف .
  ويردعليه :
  أولا : ان المسلم انما هوملاحظة جهة الامتنان في هذا الحديث في الجملة ـ ولو على نحو الحكمة ـ لا على نحو العلة حتى يكون مخصصا له بصورة الامتنان ، فانه ليس في شيء من ادلتها ما يدل على ذلك أو ما يمنع عن الأخذ بالاطلاق ، وقضية سمرة بن جندب انما تدل على ان النبي صلى الله عليه وآله كان بصدد تمييز الحقوق وايصال ذي الحق الى حقه بالصرامة التي تقتضيها مرحلة القضاء أو التنفيذ.
  وثانيا : ان البيان المذكور يقتضي قصور (لا ضرر) عن شمول كل من حرمة الاضرار وجوازه ، ونتيجة ذلك انه لا يصلح للحكومة على، (لا ضرار) فيبقى (لا ضرار) بلاحاكم عليه كما ذكرناه أولا، ومعه لا وجه للرجوع الى ما دل على جواز التصرف في ماله لو فرض شموله للمقام ، لان الجواز هنا

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 334 ـ
  جواز اقتضائي فلا ينافي ما دل على الحرمة، كما لا وجه للرجوع الى البراءة ايضا .
  وثالثا : انه على تقدير قصور (لا ضرار) فيمكن الرجوع الى غيره من الادلة الدالة على حرمة مال الغير ، فان الاضرار بالغير اما ان يكون بالتصرف الحقيقي في ماله ولو على نحو التوليد، كوهن الحائط بسريان الرطوبة، واما ان يكون بالتصرف الحكمي فيه كما لو بنى معمل دباغة أو حدادة في منطقة سكنية مما يوجب عدم قابلية الدور المجاورة للسكنى ، وفي كلتا الصورتين يكون المالك بعمله هذا قد ألغى احترام مال الغير وان نوقش في صدق التصرف الذي هو بمعنى التغيير والتبديل خصوصا في القسم الاخير ، فيأتي في المقام ما يدل على حرمة مال الغير بدون تقييده بعنوان التصرف ، كما في قوله : (لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه )وقوله : (وحرمة ماله كحرمة دمه ) .
  ولا يعارضها ايضا ما دل على جواز التصرف في ماله كما لا تجري اصالة البراءة كما تقدم .
  الأمر الثالث : في انه هل يمكن ادعاء انه اذا لزم من ترك التصرف ضرر على المالك فترتفع حرمة الاضرار بقاعده رفع المضطر اليه أم لا؟ الظاهر هو الثاني لوجهين : الأول : ان وصول مطلق الضرر على المالك لا يوجب صدق الاضطرار على الاضرار بالغير ، بل مفهوم الاضطرار يختص بما اذا وقع الشخص في الضيق ولا مهرب له إلا ارتكاب المحرم ، مثل هلاك النفس وما يلحق به ، أو قل انه يختص بمورد الضرورة التي تجوز ارتكاب المحرمات .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 335 ـ
  فاذا وصل الى هذا الحد فلا اشكال في الجواز التكليفي .
  الوجه الثاني : ان حديث الرفع بقرينة قوله (عن امتي ) ظاهر في كون الرفع امتنانا على الامة فلا يصلح لرفع ما يكون في رفعه خلاف المنة بالنسبة الى بعض الامة .
  الامر الرابع : في ان دليل الحرج هل يقتضي جواز التصرف في مال النفس بما يوجب الضرر المالي على الغير أم لا ؟
  فقد يقال : انه يقتضي ذلك لان حجر المالك عن الانتفاع بما له حرج عليه ، فيرتفع بدليل نفي الحرج.
  ويرد عليه :
  أولاً: ان الحرج المنفي إنما هو بمعنى المشقة التي لا تتحمل عادة لا مطلق الكلفة، والا لاقتضى ارتفاع مطلق التكاليف ، ومن المعلوم ان منع المالك عن التصرف في ماله خصوصا اذا كان فيه إضرار فاحش بالغير لا يكون حرجيا عليه مطلقا بل قد يكون وقد لا يكون .
  وثانيا : إن اجراء لا حرج بالنسبة اليه معارض باجرائه في ناحية الجار فان جواز التصرف للمالك في ماله على نحو يوجب الضرر الفاحش في مال الجار حرجي عليه ، كما اوضحنا ذلك في بحث التقية .
  وبما ذكرنا يظهر ان مقتضى القواعد، حرمة الاضرار بالغير وان كان التصرف في مال نفسه .
  نعم ، إذا كان عدم التصرف الخاص في ماله مولدا للضرر الذي يحرم ايقاعه على نفسه فالظاهر عدم الحرمة من جهة صدق الاضطرار لو كان ، والا تزاحمت الحرمتان فلا بد من ملاحظة الأهم والمهم .
  وفي كل مورد حكمنا بالترخيص التكليفي ، فان كان الضرر عليه مما

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 336 ـ
  يكون له ضمان فيحكم بالضمان ولا يمكن رفعه بحديث (لا ضرر) اما لانه في مقام الامتنان أو لان الحكم بالضمان بطبعه ضرري و(لا ضرر) لا يرفع مثل ذلك . هذا تمام الكلام في قاعدة (لا ضرر) .
  والحمد لله رب العالمين .