فربما يصح الاختصار ويكون مناسبأ في مورد لخلو التفصيل عن أي فائدة مهمة ، ولا يكون كذلك في مورد آخر، والمقام من هذا القبيل فإن الاختصار في نقل التفاصيل الدائرة في القضية مما ليس لها اثر فقهي لا يقارن بالاختصار في نقل كلام النبي صلى الله عليه وآله الذي هو في مقام القاء كبرى كلية بحذف بعض كلماته ، فالاجمال من الجهة الأولى موافق لاصول الاختصار، بخلافه من الجهة الثانية فلا يمكن قياس الثاني بالأول .
  الوجه الثاني : أن يرجح عدم ثبوت الزيادة، ويخرج ورودها في رواية ابن مسكان على انها كانت اضافة من الراوي لفهمه من مناسبات الحكم والموضوع ـ كما ذكره المحقق النائيني (قده ) ـ وذلك بتصور أن المنع من الاضرار بالغير يمثل رحمة بالنسبة اليه ، ولا يناسب شمول ذلك للكافر الذي امرنا بالشدة معه كما في قوله تعالى (أشداء على الكفار رحماء بينهم) (1)، فلا محالة تختص كبرى لا ضرر ولا ضرار بالمؤمن فيزاد لفظ (على مؤمن ) .
  وهذا الوجه هو الاقرب في النظر لرجحان رواية ابن بكير، الخالية عن الزيادة المذكورة من عدة جهات يمكن بملاحظة مجموعها ترجيح الوجه المزبور وهذه الجهات هي :
  الأولى : قرب الاسناد في رواية ابن بكير ، فإن بين الكليني وبين الامام عليه السلام في رواية ابن بكير ، عن زرارة خمس وسائط وبينه وبين الامام في رواية ابن مسكان ست وسائط ومعلوم أنه كلما قل عدد الوسائط يقل معه احتمال مخالفة النقل للواقع ، لأن احتمال المخالفة يجيء في كل واحد من الرواة فيقل بطبيعة الحال فيما كان اقرب اسنادا الى الامام عليه السلام .
  الثانية : تعدد الرواة في رواية ابن بكير دون رواية ابن مسكان ، فإن

(1) سورة الفتح 48 | 29 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 102 ـ
  الرواة عن عبدالله بن بكير في كل طبقة لا تقل عن رجلين ، بملاحظة ضم طريق الصدوق في المشيخة الى طريق الكليني ، وأما في رواية إبن مسكان فالراوي في كل طبقة رجل واحد فقط .
  هذا مضافا الى ان كتاب (عبدالله بن بكير) كان كثير الرواة كما ذكر ذلك النجاشي ، وأما كتاب (عبدالله بن مسكان ) فلم يذكر ذلك بشأنه ، فلو إستظهرنا أن مصدر الكلينى أو الصدوق فيما روياه عن عبدالله بن بكير نفس كتابه ، فلا تقاس حينئذ روايته برواية ابن مسكان ، من حيث الاعتبار.
  ولكن لا سبيل الى هذا الاستظهار بالنسبة الى نقل الكليني كما هو واضح ، وقد يقال بثبوته بالنسبة الى نقل الصدوق لأنه ابتدأ باسم ابن بكيروله طريق اليه في المشيخة، فيعلم بذلك انه اخذ رواياته من كتابه ، ولكن هذا ليس بصحيح ـكما تقدمت الاشارة اليه ـ لأن الصدوق (قده ) لم يتقيد في الفقيه بالابتداء باسم صاحب الكتاب الذي اخذ الحديث من كتابه بل يبتدأ باسم غيره كثيرا، فمجرد الابتداء باسم شخص وإن كان له سند اليه في المشيخة، أو كان كتابه مشهورا لا يقتضي كون مصدره في النقل عنه نفس كتابه .
  الثالثة : إن رواة الحديث في سند الصدوق الى ابن بكير اعظم شأنا وأجل قدرا من رواته في سند الكليني الى أبن مسكان ، فمن رواة الاوّل (الحسن بن علي بن فضال ) الذي قال عنه الشيخ : كان جليل القدر عظيم المنزلة زاهدا ورعا ثقة في الحديث ، ومنهم (احمد بن محمد بن عيسى) الذي قال عنه النجاشي : شيخ القميين ووجههم وفقيههم غير مدافع ، ومن رواة الثاني ذلك المجهول الذي روى عنه محمد بن خالد البرقي ولم يذكر اسمه ، وقد ذكر في شأن البرقي انه كان ضعيفا في الحديث يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، ومنهم احمد بن محمد بن خالد الذي

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 103 ـ
  قال عنه ابن الغضائري طعن عليه القميون وليس الطعن فيه وانما الطعن فيمن يروي عنه ، فانه كان لا يبالي عمن يأخذ على طريقه اهل الاخبار ،وقال الشيخ : كان ثقة في نفسه غير انه اكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل ، ونحوه كلام النجاشي .
  الرابعة : ان الكليني قد فرق بين روايتي ابن بكير وابن مسكان في كيفية النقل من وجهين يقتضيان ارجحية رواية ابن بكير وهما :
  1 ـ انه نقل رواية ابن بكير في اوائل الباب ونقل رواية ابن مسكان في اواخره ، وفصل بينهما بجملة احاديث تختلف عنهما موضوعا ،فهذا قد يدل على ان ذكر الثانية كان على سبيل الاستشهاد والتأييد لا على سبيل الاعتماد على ما هو دأبه ـ فيما عرفناه بالتتبع في كتابه ـ من ترتيب الروايات على حسب مراتبها عنده في الصحة والاعتبار ،وقد تنبه لهذا بعض المحققين ايضا (1).
  2 ـ انه نقل رواية ابن بكير بتوسط العدة عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، ولكنه نقل رواية ابن مسكان بتوسط علي بن محمد بن بندار عنه ، ولا يبعد ان يكون منشأ ذلك انه قد نقل الرواية الاولى عن النسخة المشهورة أو الاجزاء المشهورة من كتاب المحاسن للبرقي ، ولذا نقلها بتوسط العدة ، وأما الثانية فنقلها من غير كتاب المحاسن أو غير النسخة أو الاجزء المشهورة منه فلذا كان الراوي لها واحدا.
  وتوضيح ذلك ان كتاب المحاسن للبرقي وان عد من الكتب المشهورة ـ كما في مقدمة الفقيه ـ الا ان جميعه لم يكن كذلك ،وقد ذكر الشيخ والنجاشي : انه قد زيد في المحاسن ونقص وقد اختلفت الرواة في عدد

(1) روضات الجنات 6 | 116 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 104 ـ
  كتبه ،ومما يدل على عدم اشتهار جميعه ما في ترجمة محمد بن عبد الله الحميري من انه قال : كان السبب في تصنيفي هذه الكتب ـ اشارة الى بعض كتبه ـ اني تفقدت فهرست كتب الخاصة التي صنفها احمد بن ابي عبدالله البرقي ،ونسختها ورويتها عمن رواها عنه وسقطت هذه السنة عني فلم اجد لها نسخة ،فسألت اخواننا بقم وبغداد والري فلم اجدها عند أحد منهم فرجعت الى الاصول فاخرجتها والزمت كل حديث منها كتابه وبابه الذي شاكله .
  وكيف كان فلا اشكال في ان كتب المحاسن لم يكن كلها على مستوى واحد من الشهرة والنقل ،فلو كانت رواية ابن بكير مروية من الكتب المشهورة دون رواية ابن مسكان ،كما يومي اليه توسط العدة في نقل الاولى ،وعلي بن محمد بن بندار فقط في نقل الثانية ،كانت الاولى اوثق واقرب الى الاعتبار .
  الخامسة : ان زيادة (على مؤمن ) لم ترد في سائر موارد نقل حديث (لا ضرر ولا ضرار ) في كتب العامة والخاصة سواء ما جاء في ضمن قضية خاصة وغيره ،وهذا مما يقرب احتمال كونها من قبل الراوي .
  فتحصل مما تقدم ان الاصح عدم ثبوت زيادة (على مؤمن ) في ذيل حديث لاضرر .
  المقام الثالث : مما يتعلق بمتن الحديث : في تحقيق حال القسم الثاني منه وهو لفظ (لا ضرر) وقد اختلفت فيه مصادر العامة والخاصة ،اما باختلاف الروايات او باختلاف النسخ ـ وهذا هو الاكثر ـ .
  أما في ( مصادر العامة ) فقد نقل الحديث فيها على انحاء :
  1 ـ ما لا يتضمن القسم الثاني اصلا كالمروي عن جامع الصنعاني باسناده عن الحجاج بن ارطأة ،عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال :

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 105 ـ
  قال النبي صلى الله عليه وآله : (لا ضرر في الاسلام ) . وهذا يحتمل فيه السقوط للجملة الثانية .
  2 ـ ما يتضمه بصيغة ( لا ضرورة ) كرواية أبي هريرة المروية في سنن الدارقطني ،اذ جاء فيها (لاضرر ولا ضرورة ) وكرواية عبادة بن الصامت على ما في كنز العمال نقلا عن زيادات عبد الله بن احمد بن حنبل في مسند أبيه ،وصحيح أبي عوانه والمعجم الكبير للطبراني ،ولكن سائر مصادر رواية عبادة ـ مما اطلعنا عليه ـ نقلت حديثه بصيغة (لا ضرار) وهي الموجودة في مسند احمد بن حنبل .
  3 ـ ما يتضمنه بصيغة (لا اضرار ) كرواية ابن عباس بنقل احمد بن حنبل ، والدارقطني ورواية أبي سعيد الخدري بنقل الدارقطني أيضا ،ورواية عائشة بنقل الزيلعي عن معجم الطبراني .
  4 ـ ما يتضمنه بصيغة ( لا ضرار ) وهذا هو الاكثر شيوعا في مصادرهم الحديثية والفقهية .
  واما ( مصادر الخاصة ) وما يلحق بها ككتاب دعائم الاسلام ، فهي مختلفة على النحوين الاخيرين : ( لا ضرار ) و ( لا اضرار ) كما يلي :
  1 ـ رواية ابن بكير عن زرارة : ورد فيها في بعض نسخ الكافي ـ وهي النسخة المطبوعة بهامش مرآة العقول ـ بصيغة ( لا إضرار) (1)، ولكن ورد في الطبعة القديمة والحديثة من الكافي وكذا التهذيب بطبعتيه والفقيه بطبعته النجفية والوسائل والوافي جميعا بصيغة ( لا ضرار) (2).

(1) في النسخة التي بين ايدينا من المرآة 19 | 394 ـ 395 ح2 لا ضرار ، ولكن في الطبعة الحجرية 3 | 433 فيها : لا إضرار .
(2) الكافي ط قديم 1 | 414 ، ط حديث 5 | 292 ح2 ، التهذيب ط قديم 2 | 158 ، ط حديث 7 | 146 ، الفقيه 3 | 147 ، ح648 ، الوسائل 25 | 292 ـ 429 ح32281 ، الوافي المجلد 3 الجزء 10|10.

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 106 ـ
  2 ـ رواية ابن مسكان عن زرارة : ورد فيها بصيغة (لا إضرار ) في الكافي المطبوع بهامش مرآة العقول ، وكذا في الوافي (1) ولكن في الطبعتين القديمة والحديثة من الكافي وكذا في الوسائل بصيغة ( لاضرار) (2).
  3 ـ رواية عقبة بن خالد في الشفعة : ورد فيها بصيغة ( لا اضرار ) في الفقيه ـ الطبعة الحديثة ـ وكذا في الوافي نقلا عن الكافي والتهذيب والفقيه (3) ، ولكن في غيرهما من المصادر ورد بصيغة ( لا ضرار )(4) .
  4 ـ رواية عقبة بن خالد في منع فضل الماء : ورد فيها في الوافي بصيغة ( لا إضرار ) (5) ولكن في غيره ورد بصيغة ( لا ضرار )(6).
  5 ـ مرسلة الصدوق : ورد فيها بلفظ ( لا إضرار ) في المطبوعة النجفية من الفقيه (7) ، ولكن في الوسائل بصيغة ( لا ضرار )(8).
  6 ـ مرسلة ابن أبي جمهور : ورد فيها بلفط (لا إضرار ) في النسخة المخطوطة التي اطلعنا عليها من عوالي الللآلي (9).
  7 ـ مرسلة دعائم الاسلام في حديث هدم الحائط : ورد فيها بصيغة

(1) الكافي ط قديم1| 141 ، مرآة العقول 3 | 433 ، الوافي المجلد 3 الجزء 10 | 143 .
(2) الكافي ط حديث 5 | 294 ح8 ، الوسائل 25 | 429 ح32282.
(3) الفقيه 3 : 45 | 154 ، الوافي المجلد3 الجزء 10 | 103 ، الكافي ط قديم 1 | 410 .
(4) الكافي 5: 28 | 4 ، التهذيب 7: 164 | 727 ، التهذيب ط قديم2 | 162 ، الوسائل 25: 399 ـ 400ح32217.
(5) الوافي المجلد3 الجزء 10 | 136 ، مرآة العقول 3 | 343 وط قديم 1 | 414 .
(6) الوسائل 25: 240 | 32257 ، الكافي5 | 293 ـ 294 ح6 ، الكافي المطبوع في المرآة 19: 397 ـ 398.
(7) الفقيه 4 | 243 ح777.
(8) الوسائل 26 | 14 ح32382. (9) وهي من موقوفات مقبرة فقيه عصره السيد ابو الحسن الاصفهاني (قده) في النجف الأشرف .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 107 ـ
  (لا إضرار) ـ على ما في مطبوعته المصرية ،ـ ولكن في المستدرك عنه بصيغة (لا ضرار) مع جعل (لا إضرار) نسخة بدل عنها (1) .
  8 ـ مرسلة دعائم الإسلام الأخرى : ورد فيها بصيغة (لا إضرار) في جملة من نسخها المخطوطة التي اعتمدها محقق الطبعة المصرية ، وفي واحدة منها بصيغة (لا ضرار) كما هو كذلك في المستدرك أيضا (2).
  9 ـ المصادر الفقهية وغيرها كالخلاف والتذكرة والتبيان والغنية (3) ونحوها : ورد فيها بالصيغتين تارة (لا ضرار) وأخرى (لا إضرار) والاكثر هي ا لاولى .
  وبعد ملاحظة اختلاف لفظ الحديث باختلاف النسخ أو الروايات فما هو الارجح من بينها؟!
  الظاهر ان الأمر دائر بين صيغتي (لا ضرار ولا إضرار) ، وأما ما ورد في بعض مصادر العامة من حذف القسم الثاني من الحديث رأساً أو ثبته بصيغة (لا ضرورة) فلا يمكن الاعتماد عليه اصلاً كما هو واضح ، والارجح في النظر من الصيغتين المذكورتين هي الأولى منهما أي (لا ضرار) ـ كما استقربه في مجمع البحرين أيضا ـ وذلك لوجوه .
  الأول : إنه ورد في عنوان الكافي (باب الضرار) (4) وهو يناسب كون الصيغة المستعملة في الحديث (لا ضرار) لا لفظ (لا إضرار) كما لا يخفى .
  الثاني : إنه قد جاء في قضية سمرة توصيف النبي صلى الله عليه وآله

(1) دعائم ألاسلام 2 | 4 0 5ح 1805 ، مستدرك الوسائل 7 1 |8 1 1 ح 20927 .
(2) دعائم الاسلام 2 | 499 ح ا 188 ، مستدرك الوسائل 17 |18 1 ح 928 20 .
الخلاف 3|42 ذيل ألمسألة 0 6 وص 81 ذيل المسألة 131 وص 83 ذيل المسألة 36 1.
(3)التبيان 1 |379 والغنية الطبعة ألحجرية غير مرقمة .
(4) الكافي ط حدبث 292|5 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 108 ـ
  لسمرة بإنه رجل مضار ـكما تضمن ذلك خبر ابن مسكان وخبر أبي عبيدة وبعض اخبار العامة ـ ولفظ (مضا) صفة من باب المفاعلة كلفظ (ضرار) ، فيناسب أن تكون الكبرى المذكورة في القضية بصيغة المفاعلة أيضا ليسانخ الصفة المذكورة فيه.
  الثالث : إن الشهيد في القواعد (1) اعتنى بضبط الكلمة وذكر انها بكسر الضاد وحذف الهمزة .
  الرابع : إنه ورد في رواية هارون بن حمزة الغنوي المتقدمة قوله عليه السلام (هذا الضرار) وهو يناسب أن تكون الكبرى التي يبدو ان الامام عليه السلام كان بصدد تطبيقها بهذا اللفظ أيضا دون غيره .
  الخامس : إن كتب اللغة اتفقت على ضبط الكلمة بصيغة (ضرار) وضبطها للالفاظ اكثر اعتبارأ من ضبط كتب الحديث والفقه لتركيزها على هيئة الكلمة بحسب طبعها مما يبعدها عن التحريف اكثرمن غيرها .
  فبمجموع هذه الوجوه يطمئن بأن لفظ الحديث هو(لا ضرار) لا لفظ (لا إضرار) .
  فتحصل من جميع ما ذكرناه ان الصيغة الثابتة للحديث إنما هي (لا ضرر ولا ضرار) كما هو المعروف دون نقص أو تغيير أو زيادة وبذلك يتم الكلام في الفصل الاول وهو البحث عن سند الحديث ومتنه .

(1) القواعد والفوائد 1 |123 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 109 ـ
(الفصل الثاني في تحقيق مفاد الحديث )
  وقبل الدخول في البحث لا باس بذكر بعض كلمات اللغويين في شرح معنى الحديث وتوضيح المراد به .
  قال أبو عبيد كما في النهاية: وفيه ـ أي في الحديث ـ لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ، الضر ضد النفع ، ضره يضره ضرا وضرارا ، وأضر به يضر إضرارا ، فمعنى قوله (لا ضرر) أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئأ من حقه ، والضرار فعال من الضر: أي لا يجازيه على إضراره بادخال الضرر عليه .
  والضرر: فعل الواحد، والضرار فعل الاثنين ، والضرر ابتداء الفعل ، والضرار: الجزاء عليه ، وقيل الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع به انت ، والضرار أن تضره من غير أن تنتفع به وقيل هما بمعنى وتكرارهما للتاكيد .
  وقال الازهري : روي عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ، ولكل واحدة من اللفظتين معنى غير الأخر، فمعنى قوله (لا ضرر) اي لا يضر الرجل أخاه فينقص شيئا من حقه أومسلكه ، وهو ضد النفع ، وقوله (لا ضرار) أي لا يضار الرجل أخاه مجازاة فينقصه ويدخل عليه الضرر في شيء فيجازيه بمثله ، فالضرار منهما معا والضرر فعل واحد، ومعنى قوله (ولا ضرار) أي لا يدخل الضرر والنقصان على الذي ضره ولكن يعفو عنه كقول الله : (ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم) (1).
  هذا والكلام في تحقيق معنى الحديث يقع تارة في مفاد المادة اللغوية

(1) سورة فصّلت 41 | 34.

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 110 ـ
  للضرر والاضرار والضرار، وأخرى في مفاد هيئتها الافرادية ، وثالثة في مفاد الهيئة التركيبية للجملتين فهنا ثلاثة مقامات .
  المقام الأول : في مفاد مادة (ض رر) وقد ذكر اللغويون لها معان كثيرة، كالنقص والضيق وسوء الحال والزمانة والعمى والمرض والهزال والحاجة والقحط والايذاء والعلة وغير ذلك .
  ولكن لا اشكال في ان هذه المادة ليس لها هذه الكثرة من المعاني ، بل المفهوم منها بحد ذاتها ليس إلا معنى واحداً أو اثنين أو ثلاثة وأما البواقي فليست معان للمادة وتوضيح ذلك :
  إن المعاني المذكورة تنقسم باعتبار سعتها وضيقها الى فئتين : فئة المعاني العامة ، وفئة المعاني الخاصة ، أما فئة المعاني العامة فهي المفاهيم التي تكون ابعد عن الخصوصيات واكثر تجردا عنها واقرب الى الشمول والسعة بالنسبة الى سائرها ، وهي ثلاثة معاني من بين المذكورات (النقص ـ ضد النفع ـ والضيق ، وسوء الحال ) وأما فئة المعاني الخاصة فهي سائر المعاني المذكورة التي هي ذات حدود ضيقة وتعتبر مصاديق للفئة الأولى كالعمى والزمانة والمرض .
  وهذه الفئة لا اشكال في انها ليست من معاني المادة، لأن المفهوم. من المادة بحسب طبيعة معناها إنما هومفهوم عام لا يدخل فيه شيء من تلك الخصوصيات ، فمفهوم الضرر ومشتقاته لا يرادف العمى والزمانه والمرض والهزال ونحوها بل هي مصاديق له جزما ، وإنما ذكرت في كلمات اللغويين في عداد معافي المادة بسببين أما خلطا للمفهوم بالمصداق بمعنى خلط المعنى الوضعي المدلول عليه بنفس اللفظ بالمعنى التأليفي المستفاد من الكلام على نحو تعدد الدال والمدلول ، وأما بغرض بيان ما اطلق عليه اللفظ سواء أكان معنى له أو مصداقا لمعناه ، لأن ذكر المصاديق يعين على معرفة

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 111 ـ
  معنى المادة وحدوده .
  وكيف كان فلا اشكال في أن فئة المعاني الخاصة المتقدمة خارجة عما يحتمل أن يكون، معنى لمادة (ض رر)، ولكن المعاني الثلاثة العامة وهي النقص والضيق وسوء الحال هل هي جميعا معاني لمادة تطلق عليها بالاشتراك اللفظي أو ان للمادة معنى واحدا فقط ، وان المذكورات مرشحات لتمثيل هذا المعنى العام ؟!
  ربما يستظهر الوجه الاول من كلمات كثير من اللغويين ، ولكن الصحيح هو الوجه الثاني ، لأن المنساق من هذه المادة على اختلاف مشتقاتها وفى مختلف موارد استعمالها ليس إلا معنى عاما واحدا ، لا يختلف باختلاف الموارد فينبغي طرح المعاني الثلاثة المتقدمة كاقتراحات في تعيين هذا المعنى العام الوحداني فههنا عدة اقتراحات :
  الأول : أن يجعل المعنى الاصلى، (سوء الحال ) ويرجع المعنيان الآخران اليه ، وهذا هو الذي اختاره الراغب في مفرداته قال (الضر سوء الحال اما في نفسه كقلة العلم والفضل والفقه واما في بدنه لعدم جارحة ونقص ، أو في حالة ظاهرة من قلة مال وجاه ) .
  والملاحظ عليه ان سوء الحال من المفاهيم المعنوية المحضة ـ بخلاف الضيق والنقص فإنهما من المعاني المحسوسة ، وفرض الامورالمعنوية المحضة معنى اصيلأ للفظ يخالف طبيعة اللغة، فإن أصول اللغة معاني محسوسة وإنما ارتبطت الالفاظ بالمفاهيم غير المحسوسة ـ متاصلة كانت أو اعتبارية ـ بالتطورفي المفاهيم الاصلية المحسوسة ، ولذلك قلنا في محله في الاصول إن الاعتبارات المتأصلة كالاعتبارات القانوية مثل الملكية والزوجية متأخرة في حدوثها عن الاعتبارات الادبية كالاستعارات والمجازات ، كما ان الاعتبارات الادبية متأخرة عن المعافي الحسية ، فالمعاني الحسية هي بمثابة رأس، المال

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 112 ـ
  للمفاهيم اللغوية، حتى أن لفظ (العقل ) المعبر عن القوة المفكرة للانسان اصله من (عقال البعير) وهو الحبل الذي يشد به ليمنعه عن الحركة وهو امر محسوس ، وهذا يشير الى مدى اصالة المفاهيم الحسية في تكوين اللغة، وعليه فتفسير اللفظ بمعنى حسي أو أعم من الحسي وغيره ـ بحيث يكون اصيلا في الحس ثم يتطور الى معنى أعم ـ هو الاقرب الى طبيعة اللغة وما يعرف من مبادئ تكوينها ، ففي المقام يكون تفسير مادة (ض رر) بالضيق أو النقص أولى واقرب من تفسيرها بمفهوم تجريدقي كسوء الحال .
  والحاصل إن تفسير الضرر بسوء الحال بعيد عن المعنى اللغوي والراغب الاصفهاني الذي فسره به يغلب عليه النزعة الفلسفية في تفسير المفردات اللغوية ، فهو يفسر اللغة بالمنظار الفلسفي وانتزاعه لمعنى اللفظ متأثر في حالات كثيرة ـ بهذه النظرة، كما ان بعضا آخر من اللغويين ، كالفيومي في المصباح المنير متأثر بالمصطلحات الفقهية في ذكر معاني الالفاظ ، وقد اوضحنا اختلاف حال اللغويين وتأثرهم بالعوامل الدخيلة في تفسير معاني الالفاظ في البحث عن حجية قول اللغوي في الأصول فلاحظ .
  الثاني : أن يجعل المعنى الاصلي (الضيق ) سواءا كان حسيا مكانيا أو معنويا حاليا ، بحيث يكون استعمال الضرر في موارد النقص وسوء الحال إنما هوبلحاظ تسبيبها للضيق .
  ويرد عليه : ان الملاحظ كثرة استعمال الضرر في موارد النقص وان لم يستوجب ضيقأ على الشخص ، مضافا الى أن الضيق قد جعل في الآية الكريمة : ( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ) (1) غاية للاضرار فلا ينسجم مع

(1) سورة الطلاق 65| 6 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 113 ـ
  كون الضرر بمعنى الضيق إذ لا معنى لجعل الشيء غاية لنفسه فتدبر.
  الثالث : أن يجعل المعنى الاصلي (النقص ) وهذا هو الصحيح لأنه ، انسب للتدرج في توسعة دائرة مفهوم اللفظ من الامور المحسوسة الى غيرها ، واقدر على استيعاب الموارد المختلفة التي استعملت فيها هذه المادة من دون عناية وتنزيل .
  والمقصود بالنقص نقص الشيء عما ينبغي أن يكون عليه سواءا كان النقص في الكم المتصل كما في مورد ضيق المكان ، أم في الكم المنفصل كما في نقص النقود وما ماثلها من اقسام العروض ، أم في الكيف كما في سوء الحال بالمرض ، أم في العين كما في المركبات الخارجية كنقص العضو، أم في مورد الاعتبار القانوني كعدم مراعاة حق من حقوق الاخرين كما في قضية سمرة حيث لم يراع حق الانصاري في أن يعيش حرا في بيته بدخوله عليه من غير استيذان .
  هذا وقد يفصل في المقام فيقال : إن معنى المادة في المجرد وفي باب الافعال أي في لفظ الضرر والاضرار وتصاريفهما ، هو النقص في الاموال والانفس ـكما هي أيضا مورد مقابله أي النفع ـ فلا يطلق الضرر والاضرار في موارد التضييق على الشخص واحراجه بسلب حقه وايذائه ونحوذلك كما يشهد به العرف ، وأما في باب المفاعلة كالضرار والمضارة فهو عكس ذلك ، فإنه يستعمل في التضييق على الشخص وايقاعه في الحرج والمشقة دون النقص ، كما يظهر ذلك بملاحظة الموارد التي استعمل فيها هذا الباب في القرآن الكريم والاحاديث الشريفة، كما في قوله تعالى : ( والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وارصاداً لمن حارب الله ورسوله

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 114 ـ
  من قبل ) (1) فان الكفار كانوا يقصدون باتخاذهم هذا المسجد تضعيف المسلمين وتفريقهم وتقوية اعدائهم كما يظهر من تتمة الاية، لا ادخال الضرر المالي والنفسي عليهم ، ومن ذلك استعمال الضرار في مورد قضية سمرة فإن سمرة لم يكن يضر بالانصاري مالاً أو نفساً وانما كان يضيق عليه حياته ويحرجه في بيته كما هوظاهر.
  ولكن ملاحظة موارد الاستعمال تشهد ببطلان هذا التفصيل لاستعمال الضرر والاضرار في موارد التضييق والنقص معا ، واستعمال الضرار في موارد النقص المالي أو النفسي كما يستعمل في موارد التضييق ، ومن الاول قوله تعالى : ( لن يضروكم إلأ اذى )(2) وقوله صلى الله عليه وآله (من اضر بامرآته حتى تفتدي منه نفسها لم يرض الله له بعقوبة دون النار) ومن الثاني قوله تعالى : ( من بعد وصية أو دين غير مضار )(3) وقوله عليه السلام في صحيحة الغنوي (هذا الضرار) اشارة الى مطالبة الشريك بذبح الحيوان مع إباء الشريك الاخرعن ذلك .
  هذا فيما يتعلق بتشخيص المعنى العام لمادة (ض رر).
   المقام الثاني : في مفاد الهيئة الافرادية للضرر (4) والضرار والاضرار.

(1) سورة التوبة9| 107 .
(2) سورة آل عمران 3| 111 .
(3) سورة النساء 4 | 12 .
(4) قد يقال لا وجه للبحث حول هيئة ـ الضرر ـ فانها إن كانت مصدرا فلا توجد هيئة نوعية موضوعة لمصدر الثلاثي المضاعف الافعل بسكرن العين لا بفتحها ، لان كانت اسم مصدر فاسم المصدرموضوع بوضع شخصي بمادته وهيئته لمعنى خاص وليست له هيئة نوعية ذات دلالة مستقلة عن دلالة المادة ؟ وجواب ذلك ان المراد بمفاد الهيئة مطلق الدلالة التي تكون منوطة بها، وان كان ذلك =

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 115 ـ
  أما (الضرر) فهو بحسب الهيئة اسم حدث واسماء الاحداث يمكن تقسيمها الى ثلاثة اقسام :
  الأؤل : ما يدل على المعنى المصدري.
  الثاني : ما يدل على المعنى الاسمي .
  الثالث : ما يشترك بين المعنى المصدري والمعنى الاسمي والفرق بين المصدر واسمه معنى ـ على ما هو المحقق في محله ـ ان المعنى المصدري يتضمن نسبة تقييدية ناقصة كالنسبة التي تحتويها الاوصاف على احد قولين ، واما المعنى الاسمي فهو نفس المعنى دون نسبة تقترن به ، فنسبة المصدر الى اسم المصدر نسبة الايجاد الى الوجود فهما متحدان خارجا مختلفان بالاعتبار ، فمثلا اذا لوحظ (العلم ) كمعنى خاص من غير لحاظه منسوبا الى عالم أو معلوم كما في المفعول المطلق حيث يقال (علمت علما) كان معناه معنى اسميا، وإذا لوحظ منسوبا الى العالم مثلا كما في قولنا (علم زيد بكذا محرز) كان معناه معنى مصدريا .
  وأما الفرق بينهما لفظأ فهو موجود في بعض اللغات كاللغة الفارسية حيث ان المصدر فيها غالبأ مختوم بالنون دون اسم المصدر كما يقال (رفتن

= بوضع شخصي ، ولا أشكال في ان معنى المصدر او اسم المصدر انما يستفاد بملاحظة الهيئة والمادة باعتبارهما جزئين من الكلمة، إذ مادة (ض رر) لا تدل على ذلك كما هو واضح ، بل ثبوت الوضع النوعي مطلقا حتى في الهيئات العامة كالأفعال والصفات مما لم بثبت عند السيد الاستاذ (قده ) كما تعرض له في مباحث الألفاظ من علم الاصول ، بملاحظة طبيعة تكون اللغة فإن اللغة باعتبار انطلاقها من المجتمعات البدائية، فلا بتصور في مفرداتها الوضع النوعي ، لأن الوضع النوعي مفاده تجريد الذهن لصورة لفظية عامة متحررة من جميع المواد ووضعها لمعنى خاص ، وهذا إبداع عقلي لا يتصور في الوضاع البدائي كما لا يخفى .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 116 ـ
  ورفتار، كفتن وكفتار ، كشتن وكشتار ، كردن وكردان ، كتك وزدن ، كردش ، كرديدن . . . ) ولكن في اللغة العربية لا امتياز بينهما في اللفظ غالبا، فيستعمل اللفظ الواحد في كلا المعنيين ، نعم ربما يختص احدهما بلفظ خاص .
  والظاهر ان لفظة (الضرر) اسم مصدر ـ كما عدها بعض علماء اللغة- لأن المعنى المنساق منها لا يتضمن النسبة التقييدية فلاحظ .
  وأما ( الضرار) فهو مصدر على وزن (فعال ) لباب (فاعل يفاعل ) والمصدر الآخر لهذا الباب هو (المفاعلة) يقال : ضاره يضاره مضارة وضراراً ، ويعبر عن هذا الباب بباب المفاعلة نسبة الى أشهر مصادرها ، وقد نسب الى جمع من اللغويين القول بأن باب المفاعلة موضوع للمشاركة ، بمعنى ان كلا من الطرفين فعل بالآخر مثل ما فعله الآخر به ك ـ (ضارب زيد عمروا)، ولكن احدى النسبتين في ذلك اصلية والآخرى تبعية .
  ولكن من لاحظ موارد الاستعمالات القرانية وغيرها لا يجد تمثل معنى المشاركة فيها .
  ‌كقوله‌‌ تعالى : (‌واذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا‌تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه‌)‌ (1).
  وقوله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك )(2) .

(1) سورة البقرة 2: 231
(2) سورة البقرة 2: 233

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 117 ـ
  وقوله تعالى : ( واشهدوا اذا تبايعتم * ولا يضار كاتب ولا شهيد )(1) .
  وقوله تعالى : ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو اخت فلكل واحد منهما السدس * فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار * وصية من الله ) (2).
  وقوله تعالى : ( والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل (3) ، وقوله تعالى : ( اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ) (4)، وقوله صلى الله عليه وآله مخاطبا لسمرة ـ كما في خبرأبي عبيدة ـ ما أراك يا سمرة إلآ مضارا ، وقوله عليه السلام في حديث عتق بعض الشركاء حصة من العبد (وإن اعتق الشريك مضارا وهومعسر) إلى غير ذلك من الموارد التي لا يلاحظ في شيء منها تمثل معنى المشاركة.
  ولكن ربما يحاول تاويل بعض هذه الموارد تحقيقا لمعنى المشاركة فيها فيقال مثلا في جملة منها : إن المشاركة إنما هوبلحاظ ان الاضرار بالغير يستتبع الضرر على النفس ضررا اجتماعيا أو أخرويا فيتحقق معنى المفاعلة ، أو يقال ـ في مورد قضية سمرة ـ ان العناية الموجبة لاستعمال هذا الباب فيه هو اصرار سمرة على الاضرار بالانصاري ، فكأن اصراره على الاضرار صار بمنبزلة صدور الفعل بين الاثنين منه فإضراره بمنزلة إضرارين ، أو يقال فيه أيضا : إن الرجل الانصاري وإن كان لم يضرسمرة حقيقة إلا أن منعه إياه عن الدخول الى نخلته كان مضراً به في نظره ، الى غير ذلك من

(1) سورة البقرة 2 | 282 .
(2) سورة النساء 4| 12 .
(3) سورة التوبة 9| 107 .
(4) سورة الطلاق 65| 6 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 118 ـ
  الوجوه التي ذكرت في تاويل جملة من الموارد التي لم يتضح فيها معنى المشاركة .
  ويرد على هذه الوجوه ـ مضافا الى وضوح ضعفها في انفسها، وعدم علاجها لجميع موارد استعمال هذا الباب ـ إنه لا مبرر للاصرار على تاويل هذه الموارد، بعد أن ثبت مجيء باب المفاعلة لغير المشاركة، بل كثرة مجيئها لذلك كما يظهر بالتتبع في القواميس اللغوية، لاحظ : شاور وسافر وجادل وسارع وساور وخادع ونافق وناجى وبادر وعاند وسامح وراجع وعاين وشاهد وكابر وزاول وضارب وآجر وزارع ، الى غير ذلك ، وقد اعترف بهذا علماء اللغة في علم الصرف حيث ذكروا لباب المفاعلة عدة معان كما سياتي ان شاء الله .
  وكيف كان فبعد وضوح عدم تمامية الاتجاه المذكور في تفسير صيغ المفاعلة ـ وهو القول بدلالتها على المشاركة دائما ـ فهناك اتجاهان رئيسيان في هذا المجال يبتني احدهما على تعدد المعنى والأخر على وحدته .
  أما الاتجاه الأوّل : فهو الذي سلكه علماء الصرف حيث جعلوا لهيئة باب المفاعلة عدة معان :
  منها: التكثيركباب (فعل ) كضاعف الشيء وضعفته بمعنى كثرت اضعافه ، وناعمه الله ونعمه بمعنى انه اكثر نعمه عليه .
  و منها: أن يكون بمعنى المجرد كسافرت بمعنى سفرت أي خرجت الى السفر، وربما يقال إنه في ذلك يفيد المبالغة في الإسفار.
  ومنها: جعل الشيء ذا صفة كافعل وفعل نحو راعنا سمعك وارعنا أي اجعله ذا رعاية لنا، وصاعر خذه وصعره ، وعافاك الله أي جعلك ذا عافية، وعاقبت فلانا أي جعلته ذا عقوبة .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 119 ـ
  وممن ذهب إلى هذا الاتجاه المحقق الرضي الاسترابادي (قده) في شرح الشافية، وعليه يمكن القول بأن معنى المضارة هنا هو معنى المجرد ـ ولو مع افادة المبالغة والتأكيد ـ فيقال (ضره ضررا ، وضاره ضرارا) بمعنى واحد بلا فارق جوهري بينهما .
  ولكن هذا الاتجاه إنما يتعين الاخذ به إذا لم يمكن الاتجاه الثاني ـ المبني على وحدة معنى هذا الباب ـ من تقديم معنى عام يصلح لجمع شمل الموارد المذكورة ، وإلا يتعين الأخذ بالاتجاه الثاني إذ لا مبرر لدعوى تعدد المعنى حينئذ، فإنها تكون كدعوى تعدد معنى المادة لغة .
  وأما الاتجاه الثاني : فيضم عدة مسالك :
  المسلك الأول : ما اختاره جمع من المحققين من أن هيئة المفاعلة تقتضي السعي الى الفعل ، فإذا قلت (قتلت ) فقد اخبرت عن وقوع القتل وإذا قلت (قاتلت ) فقد اخبرت عن السعي الى القتل ، فربما يقع وربما لا يقع ، ولا تقتضي المشاركة، نعم ربما تكون المادة في نفسها مقتضية للمشاركة ـ من غير ارتباط لها بالهيئة ـ وذلك كما في المساواة والمحاذاة والمشاركة والمقابلة ، والشاهد على عدم استفادة المشاركة من الهيئة عدة آيات .
  منها : قوله تعالى : ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلأ انفسهم ) (1)، فذكر سبحانه ان المنافقين بصدد ايجاد الخدعة لكن لا تقع خدعتهم إلا على انفسهم ، ومن ثم عبر في الجملة الأولى بهيئة المفاعلة، لأن الله تعالى لا يكون مخدوعا بخدعتهم لأن المخدوع ملزوم للجهل

(1) سورة البقرة 2 | 9 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 120 ـ
  وتعالى الله عنه علوا كبيرا ، وعبر في الجملة الثانية بهيئة الفعل ألمجرد لوقوع ضررخدعتهم على أنفسهم لا محالة .
  ومنها : قوله تعالى :( ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) (1) حيث ذكر تحقق القتل الفعلي من الجانبين بعد ذكرتحقق القتال معطوفا عليه بالفاء ، مما يدل على المغايرة بينهما، وأن معنى القتال هو السعي الى القتل دون نفس القتل الذي فصله بعد ذلك .
  ويلاحظ عليه :
  اولا بالنقض : فإن ألسعي الى الفعل وأن كان يستفاد في بعض موارد هذا الباب كما ذكر، إلا إنه لا يطرد فى اغلب امثلته لعدم صدقها دون تحقق المعنى فعلا، فلا يقال سافر أو جادل أو طالع أو سارع أو شاهد أو عاوض لمجرد محاولة السفر أو الجدل أو المطالعة أو السرعة أو الشهود أو التعويض ، وهكذا في موارد كثيرة أخرى ، مضافا الى ان هناك بعض الموارد التي تقتضي معنى آخر ـ غير السعي الى الفعل أوتحققه فعلا ـ كما في باب المغالبة يقال (كارمه فكرمه ) بمعنى فاخره في الكرم فغلبه فيه و(شاعره فشعره ) أي حاول غلبته في الشعرفغلبه ونحوذلك .
  وثانيا بالحل وهو: إن استفادة السعي الى الفعل من بعض امثلة هذا الباب لا يستند الى الهيئة بل الى المادة، وليس المقصود بالمادة هنا المبدأ الجلي ـ كالغلبة في المغالبة والخدعة في المخادعة ـ لوضوح انه لا يستبطن معنى السعي ، وإنما المراد بها المبدأ الخفي الذي اوضحناه فكرة وتطبيقا في مبحث المشتق ، ونكتفي هنا بذكر امرين اختصارا لما اوردناه هناك :

(1) سورة التوبة 9| 111 .

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 121 ـ
  الامر الاول : إن المبدأ الذي يكون احد جزءي المعنى في المشتق بالمعنى الأعم المؤلف من المادة والهيئة الشامل للفعل المزيد فيه على قسمين :
  1 ـ المبدأ الجلي ، وهو المعنى الفعلي للمادة دون اضافة عنصر اخر اليه كالعلم في العالم والقصد في القاصد، فإن مثل هذه المشتقات لو حللت ، يلاحظ ان المبدأ فيها نفس المعنى الفعلي للمادة دون اضافة جهة أخرى كالمضي والقابلية ونحو ذلك .
  2 ـ المبدأ الخفي ، وهو معنى المادة ملحوظا في المشتق على نحو خامر ؟هوعلى أصناف .
  منها: أن يلحظ فيه بنحو القابلية، كما في اسم الآلة كالمفتاح والمنشار والمكنسة ، فإن المبدأ فيها قابلية الفتح والنشر والكنس لا فعلية هذه اللأمور .
  ومنها : أن يلحظ فيه على نحو الحرفة والمهنة كما في التاجر والنجار والزارع فإن المبدأ فيها حرفة التجارة والنجارة والزراعة لا فعليتها .
  ومنها: أن يلحظ فيه بنحو الاقتضاء كما في توصيف النار بأنها محرقة، والسم بأنه قاتل ، فإن المبدأ في ذلك اقتضاء هذه المعاني لا فعليتها .
  فيلاحظ أن الخصوصية المضافة الى معنى المادة في هذه الحالات ، إنما هي باعتبار اشراب المادة إياها ، ثم صياغتها مقرونة بها بالصيغة الخاصة ، وليست ألخصوصية مستفادة من ذات الصيغة والهيئة بل من المادة حين تطعيمها بمعنى آخر.
  وعلى ضوء هذا يتجلى لنا ما وقع من الخلط بين مفاد الهيئة ومفاد المادة في كلمات كثير من اللغويين والاصوليين ،حيث جعلوا كل خصوصية

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 122 ـ
  معنوية زائدة على اصل معنى المادة، مدلولة للهيئة ومستفادة منها مبنيا على تصور اختصاص المبدأ في المشتقات بالمبدأ الجلي ، بينما تستند كثير من الخصوصيات الى المبدأ الخفي كما ذكرنا .
  وقد انتج الخلط المذكور اخطاء كثيرة في تحقيق معنى الهيئات ، حيث أن اسناد تلكم الخصوصيات اك الهيئة اوجب الحكم باشتراكها بين معاني متعددة في موارد كثيرة ، منها المقام على وفق الاتجاه الاول المبني على تعدد المعنى في صيغ باب المفاعلة، وربما جعلت احدى تلك الخصوصيات معنى عاما للصيغة، كما في المقام على مبنى من جعل باب المفاعلة للمشاركة فقط ، ومنه ايضا ما ذكر في مبحث المشتق حيث لاحظ كثير من الاصوليين التلبس وعدمه بالقياس الى المبدأ الجلي في الامثلة المتقدمة كالمفتاح والمنشار والتاجر والنجار فاستدلوا بها على قول من يرى أن المشتق اعم من المتلبس بالمبدأ والمنقضي عنه التلبس مع أن الصحيح ملاحظة التلبس بالنسبة الى المبدأ الخفي وهو الاقتضاء والقابلية ـكما ذكرناه ـ ، فلا تكون في الامثلة المذكورة ونحوها شهادة على القول بوضع المشتق للأعم .
  الامر الثاني : إن المبدأ الخفي بما انه لا يتجلى غالبا إلا في بعض المشتقات ، أوجب ذلك الخلط بينه وبين مفاد الهيئة في كثير من الحالات ـ كما اشرنا اليه ـ ولكن يمكن التمييز بينهما بملاحظة بعد المعنى ـ بطبيعته ـ عن أن يكون مفادا للهيئة لعدم التسانخ بينه وبينها بحسب الحس اللغوي للعارف باللغة أو بملاحظة عدم اطراده في ، سائر موارد الهيئة بعد استظهار وحدة معنى الهيئة في جميعها ، فيتعين ان يكون منشأ استفادة المعنى الخاص غيرها .
  ويمكن اختبار ذلك في بعض الامثلة كمثال التاجر، فإنه يستعمل

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 123 ـ
  فيمن كانت حرفته ومهنته التجارة وإن لم يشتغل بها فعلا-وهو استعمال غير مقرون بالعناية ليعد استعمالأ مجازيا ـ فهنا يمكن تشخيص عدم نشوء المعنى المذكور عن الهيئة اما بلحاظ أن مفاد صيغة (فاعل ) حسب ما يقضي به الحس اللغوي ، إنما هووقوع المعنى من الذات من غير ان يتضمن دلالة على الحرفة والمهنة اصلا ، وبذلك تكون الدلالة عليها اجنبية عن مفاد الهيئة ، أو بلحاظ أن امثلة هذه الصيغة في سائر الموارد لا تدل على المعنى المذكور ، فمع استظهار وحدة المعنى المستفاد من الهيئة في جميعها ـ كما يساعده الحس اللغوي ـ يتعين أن تكون الخصوصية المذكورة ملحوظة في المادة لتكون من قبيل المبدأ الخفي .
  إذا اتضح ما ذكرناه فنقول : إن معنى السعي الى الفعل في بعض امثلة باب المفاعلة إنما يستند الى المبدأ الخفي لا الى هيئة هذا الباب نظيرمعنى الغلبة في (شاعر) والمفاخرة في (كارم )، والدليل على ذلك مضافا الى أن الأنسب بمعنى هذا الباب بحسب الحس اللغوي هو نوع معنى يكون من قبيل الامتداد (كسافر) أو التكرر (كضاعف ) أو المشاركة (كضارب ) لا من قبيل السعي ، أن هذا المعنى لو كان مفاد هيثة باب المفاعلة لوجب الالتزام بتعدد معناها بحسب اختلاف الموارد، وهذا على خلاف تقدير هذا المسلك وساثر المسالك الأتية في هذا الاتجاه ، لما سبق من أن معنى السعي لا يتمثل في جميع موارد هذا الباب بل في القليل منها جدا .
  وعلى ضوء هذا يتضح أن السعي نحو الفعل لا يصلح أن يكون هو المعنى الموحد العام للهيثة ، ولا يمكن طرحه بديلأ عن معنى المشاركة، كما يتضح عدم صحة النقض على استفادة المشاركة من هذه الهيئة، بجملة من الامثلة المتقدمة ك ـ (ضارب ) و(قاتل )، لأن بناء النقض بها على تصور أن المبدأ فيها هو القتل والضرب فيقال إنه لا مشاركة فيها ، وأمّا إذا لوحظ

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 124 ـ
  المبدأ فيها بمعنى السعي الى الفعل فإن معنى المشاركة متحقق فيه بوضوح ، لأن المضاربة والمقاتلة لا يستعملان إلا في موارد اشتراك الطرفين في السعي الى الفعل ، فهذان المثالان قد يشهدان للقول بدلالة هيئة المفاعلة على المشاركة، ولا شهادة فيهما على خلاف ذلك .
  المسلك الثاني : ما اختاره المحقق الاصفهاني (قدس سره ) من ان هيئة المفاعلة معناها تعدية المادة وإسراؤها الى الغير مما لم تكن تقتضي التعدي اليه بنفسها ، وتختلف نتيجة ذلك بحسب اختلاف الموارد، فإن هذه الهيئة تارة توجب اخذ الفعل مفعولا لم يكن يأخذه مباشرة وإنما كان يصل اليه بحرف الجر، اما لأنه لم يكن متعديا اصلا كما في (جلس اليه ) و(جالسه )، أو لأنه كان متعديا ولكن الى أمر آخر غير ما اصبح متعديا اليه بهذه الهيئة كما في (كتب الحديث اليه ) و(كاتبه الحديث )، فإن المعنى في (كتب ) لم يكن يتعدى الى الهاء بنفسه فتعدى اليه في (كاتب ).
  و(اخرى) لا توجب اخذ الفعل مفعولا زائدا على ما كان يأخذه في المجرد كاما في (ضرب زيد عمرا) و (ضاربه ) ، وأثر باب المفاعلة في حصول التعدية إلى الغير في الحالة الاولى واضح ، وأما في الحالة الثانية فربما يستشكل في ذلك بتحقق التعدية في المجرد فيكون تحققها بهيئة المفاعلة من قبيل تحصيل الحاصل ، إلا انه يندفع بان التعدي في المجرد تعدية ذاتية بمعنى أن إنهاء المادة وتعديتها الى المفعول غيرملحوظ في الهيئة وإنما هو لازم نسبة الفعل لمفعوله وأما في المزيد فالتعدية والانهاء الى المفعول ملحوظة في مفاد الهيثة فهي تعدية لحاظية.
  فالحاصل ان هيئة المفاعلة تقتضي تعدي المادة الى ما لم تكن تقتضي هيئة المجرد تعديها اليه سواء أكانت تتعدى اليه في المجرد باعتبار كون ذاك لازم النسبة ، أم كانت تصل اليه بوسط حرف الجر.

قاعدة لا ضرر و لا ضرار ـ 125 ـ
  وقد رتب (قدس سره ) على ذلك استفادة معنى التصدي (التعمد والتقصد) لالحاق المعنى بالغير من هيئة باب المفاعلة دون المجرد، إما لكونه لازما لهذا الباب مطلقا كما يظهر من بعض كلماته (1) أو واقع فيه في الجملة كما يظهر من بعض كلماته الأخرى (2)، وقد مثل لذلك ب ـ (ضارب ) و(خادع ) بالقياس الى (ضرب ) و(خدع ) فإن الاخيرين لا يقتضيان تعمد الفاعل في الفعل بخلاف الاولين ، ولكن المثال الثاني لا يخلو عن اشكال لان الخدعة في نفسها من المعاني القصدية اذ تتقوم بقصد ايهام الشخص خلاف الواقع ، فلا يكون ثمة ، فرق بين (خدع ) و(خادع ) من هذه الجهة، وانما تظهر التفرقة المذكورة حيث لا يكون المعنى في المجرد عنوانا قصديا كما في المثال الأول .
  وقد نسب اليه (قده ) المسلك الأؤل (3) في بعض الكلمات ، مع ان الفرق بين هذا المسلك والمسلك السابق واضح لأن مفاد هذا المسلك تحقق المعنى في باب (فاعل ) كتحققه في المجرد مثل ضرب وقتل ، إلا أن الفارق بين ـ فاعل ـ كضارب والمجرد كضرب حصول القصد في ـ فاعل ـ دون المجرد، وإنما كان مفاد هذا المسلك هو تحقق المعنى لأن التحقق لازم تعدية المادة الى الغير، بخلاف المسلك الاول فإنه كان يرى أن مفاد هذا الباب هوالسعي الى تحقق الفعل سواء تحقق الفعل أم لا فالفرق بينهما واضح .
  ولكن يلاحظ على هذا المسلك :
  أولاً : إن ما ذكره من الفرق بين المزيد والمجرد ـ كضارب وضرب ـ من كون التعدية في الأول لحاظية وفي الثاني ذاتية : غير واضح بل الظاهر

(1) نهاية الدراية 2 | 318 .
(2) تعليقة المكاسب 2 |2 .
(3) مصباح الفقاهة في المعاملات 2 |27 ـ 28 ، ومصباح الأصول 9|2 1 5.