الخطأ في الحياة والاَُمور الفردية أو الاجتماعية فلا بد أن توجه بوجوه غير هذه الثلاثة كما سيوافيك بيانها عند البحث عن المقام الثاني ، أعنى: العصمة عن الخطأ والاشتباه ، والمهم هو البحث عن المقام الاَوّل، ولذلك قدّمنا الكلام فيه.
نعم هناك عدة روايات تصرح بأنّ ، هناك (روحاً) تعصم الاَنبياء والرسل عن الوقوع في المهالك والخطايا ، وإليك بيانها:
الروح التي تسدد الاَولياء
روى أبو بصير قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله تبارك وتعالى:
( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلاَ الاِِيمانُ) (1) قال : (خلق من خلق الله عزّ وجلّ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله يخبره ويسدده وهو مع الاَئمّة من بعده) ،
(2) وهذه الرواية مع أنّ ظاهرها لا ينطبق على الآية، لاَنّ الوحي يتعلّق بالمفاهيم والاَلفاظ لا بالجواهر والاَجسام ، فالملك الذي هو أعظم من جبرئيل وميكائيل لا يمكن أن يتعلّق به الوحي ، ويكون هو الموحى به ، وإنّما يتعلق به الاِرسال والبعث ونحو ذلك، لا صلة لها بباب المعاصي بل هي راجعة إلى التسديد في تلقى الوحى وإبلاغه إلى الناس، وحفظهم عن الخطأ على وجه الاِطلاق .
على أنّ هناك روايات تشعر بأنّ هذه الروح التي توَيد الاَنبياء غير خارجة عن ذواتهم، وهذا جابر الجعفي يروي عن الاِمام الصادق في تفسير قوله سبحانه:
( وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً * فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصحابُ الْمَيْمَنَةِ *
--------------------
(1) الشورى: 52 .
(2) الكافي:1|273، باب "الروح التي يسدّد بها الاَئمّة" الحديث 1 و 2 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 28 _
وَأَصحابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ * وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1)
(فالسابقون هم رسل الله ، وخاصة الله من خلقه جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الاَشياء، وأيّدهم بروح الاِيمان فبه خافوا الله عزّ وجلّ، وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله ، وأيّدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عزّ وجلّ وكرهوا معصيته ، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون)، (2) ولا يخفى أنّ الاَرواح الاَربعة غير خارجة عن ذواتهم، ولا يبعد أن تكون الخامسة وهي روح القدس غير خارجة عن ذواتهم ويكون المراد كمال نفوسهم إلى حد يعرفون الاَشياء على ما هي عليها.
قال الشيخ صالح المازندراني في تفسير هذه الاَرواح الخمسة: جعل الله تعالى بالحكمة البالغة والمصلحة الكاملة في الرسل والخاصة ، خمسة أرواح لحفظهم من الخطاء وتكميلهم بالعلم والعمل ليكون قولهم صدقاً ، وبرهاناً ، والاقتداء بهم رشداً وإيقاناً كيلا يكون لمن سواهم على الله حجة يوم القيامة، ولعل المراد بالاَرواح هنا النفوس ، (3) وعلى أي تقدير فهذه الروايات التي تشهد بتسديد الاَنبياء بها إمّا راجعة إلى تسديدهم في مقام تلقى الوحى، أو راجعة إلى تسديدهم عن الخطاء في الاَحكام والموضوعات والكل خارج عن إطار البحث، وإنّما الكلام في صيانتهم عن المعاصي.
--------------------
(1) الواقعة: 6 ـ 11 .
(2) الكافي: 1|261 باب فيه "ذكر الاَرواح التي في الاَئمّة" الحديث 1 و 2 و 3 .
(3) هامش أُصول الكافي: 136، الطبعة القديمة .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 29_