ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم).
قال الحافظ البيهقي: وهذه الاَحاديث وإن كان في رواتها من لا يحتج به ، فبعضها يوَكد بعضاً ، ومعنى جميعها يرجع إلى حديث واثلة بن الاَسقع، والله أعلم.
قلت : وفي هذا المعنى يقول أبو طالب يمتدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :
إذا اجـتمعت يوماً قريشٌ iiلمفخرٍ فـعبدُ مـنافٍ سِـرُّها iiوصميمُها فـإن حصلت أشرافُ عبدِ iiمنافِها فـفي هـاشمٍ أشـرافُها iiوقـديمها وإن فَـخَرتْ يـوماً فـإنّ iiمحمداً هو المصطفَى من سرّها iiوكريمها تـداعت قـريشُ غـثُّها iiوسمينُها عـلينا فلم تظفر وطاشت حُلومها وكـنّـا قـديماً لا نـقرّ iiظـلامةً إذا مـاثنوا صُـعْرَ الخدود iiنقيمها ونـحمي حـماها كل يومِ iiكريهةٍ ونضربوُ عن أحجارها من يرومها بـنا انـتعش الـعودُ الذواءُ وإنّما بـأكنافنا تندى وتنمى أرومها (1)
ويعجبني أن أنقل ما ذكره الشبراوي في المقام: قال: ومبدأ الكلام في ذلك إنّ الله سبحانه قد أخرج هذا النوع الاِنساني لاَجله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإنّ آدم عليه الصلاة والسلام كان أوّل فرد من أفراد هذا النوع، وكان سائر أفراده مندرجة في صلبه بصور الذرات، فلمّـا نفخ الروح في آدم كان نور نسمة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يلمع في جبهته كالشمس المشرقة، ثم انتقل ذلك النور من صلب آدم إلى رحم حواء ، ومنها إلى صلب شيث ، ثم استمر هذا ينتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ، وهو معنى قوله : ( وتقلّبك في الساجدين )، وأشار إليه العلاّمة البوصيري بقوله:
لم تزل في ضمائر الكون تختا ر لـك الا َُمّـهات iiوالآبـاء
--------------------
(1) البداية والنهاية: 2|240 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 252 _
وكان كل جد من أجداده من لدن آدم يأخذ العهد والميثاق أن لا يوضع ذلك النور المحمدي إلاّ في الطاهرات، فأوّل من أخذ العهد آدم، أخذه من شيث ، وشيث من أنوش، وهو من (قينن)، وهكذا إلى أن وصلت النوبة إلى عبد الله بن عبد المطلب، فلمّـا أُودع ذلك الجزء، في صلبه لمع ذلك النور من جبهته ، فظهر له جمال وبهجة، فكانت نساء قريش يرغبن في نكاحه ، وقد أسعد الله بتلك السعادة وشرّف بذلك الشرف (آمنة) بنت وهب ، فتزوجها عبد الله .
وقد روى الترمذي عن العباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إنّ الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم ، ثم تخيّـر القبائل فجعلنى في خير قبيلة ، ثم تخيّـر البيوت، فجعلني في خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً) ، أي ذاتاً وأصلاً .
وقد دلّت الآيات والاَحاديث على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كما طابت ذاته الشريفة، بما أُوتي من الكمال الاَعلى، كذلك طاب نسبه الشريف، فلم يكن في آبائه ولا أُمهاته من لدن آدم وحواء إلى عبد الله وآمنة ، إلاّ من هو مصطفى مختار قد طابت أعراقه، وحسنت أخلاقه.
أخرج ابن جرير ، عن مجاهد قال : استجاب الله تعالى دعوة إبراهيم في ولده ولم يعبد أحد منهم صنماً بعد دعوته ، واستجاب له وجعل هذا البلد آمناً ورزق أهله من الثمرات وجعله إماماً وجعل من ذريته من يقيم الصلاة.
قال السيوطي: وهذه الاَوصاف كانت لاَجداده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاصة دون سائر ذريّة إبراهيم ، وكل ما ذكر عن ذريّة إبراهيم من المحاسن فإنّ أولى الناس به سلسلة الاَجداد الشريفة، الذين خصّوا بالاصطفاء وانتقل إليهم نور النبوة واحداً بعد واحد ، ولم يدخل ولد إسحاق وبقية ذريته لاَنّه دعا لاَهل هذا البلد، ألا تراه قال : ( اجْعَلْ هذَا البَلَدَ آمِناً ) وعقّبه بقوله : ( و اجْنُبْنِي وَبنِيَّ أنْ نَعبُدَ
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 253_
الاََصنامَ)(1) ، فلم تزل ناس من ذرية إبراهيم ( عليه السلام ) على الفطرة يعبدون الله تبارك وتعالى ، ويدلّ عليه قوله : ( وَجَعَلَها كَلِمة باقِيةً في عَقِبهِ )(2)فإنّ الكلمة الباقية هي كلمة التوحيد، وعقب إبراهيم ( عليه السلام ) هم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وآله الكرام، قال بعض الاَفاضل: اللّهم حل بيننا وبين أهل الخسران والخذلان الذين يوَذون رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنسبة ما لا يليق بأبويه الكريمين الشريفين الطاهرين ـ إلى أن قال ـ : فهما ناجيان منعّمان في أعلى درجات الجنان، وما عدا ذلك تهافت وهذيان، لا ينبغى أن تصغي له الا َُذنان ولا أن يعتني بإبطاله أُولو الشأن (3).
إذا وقفت على ما ذكرنا تعرف قيمة كلمة ابن حزم الاَندلسي في أحكامه (4) ، حيث نسب إلى والدي النبي الاَكرم ما لا يليق بساحتهما ، ويكفي في سقوط هذه الكلمة أنّ راويها وكاتبها ابن حزم الذي أجمع فقهاء عصره على تضليله والتشنيع عليه ونهي العوام عن الاقتراب منه وحكموا بإحراق كتبه . (5)
وقال ابن خلّكان في وفياته : وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد يسلم أحد من لسانه ، فنفرت عنه القلوب، واستهدف فقهاء وقته ، فتمالاَوا على بغضه، وردّوا قوله ، وأجمعوا على تضليله ، وشنّعوا عليه ، وحذّروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامّهم عن الدنو إليه والاَخذ عنه ، فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتّى انتهى إلى بادية (لبلة)، فتوفي بها آخر نهار الاَحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة ، وقيل إنّه توفي في (منت ليشم)، وهي قرية ابن حزم المذكور ، وفيه قال أبو العباس ابن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج ابن يوسف شقيقين ، وإنّما قال ذلك لكثرة وقوعه في الاَئمّة (6).
--------------------
(1) إبراهيم: 35.
(2) الزخرف: 28.
(3) الاِتحاف بحب الاَشراف: 113 ـ 118.
(4) الاَحكام: 5|171.
(5) لسان الميزان: 4|200، وقد عرّفه الآلوسى في تفسيره: 21|76 بالضال المضل.
(6) وفيات الاَعيان: 3|327 ـ 328.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 254 _
إيمان النبي الاَكرم قبل البعثة
كان البحث عن إيمان عبد المطلب وسيد البطحاء ووالدي النبي، كمقدمة للبحث عن إيمان النبي الاَكرم قبل البعثة، فإنّ إيمانه برسالته وإن كان أمراً مسلّماً وواضحاً كوضوح الشمس غير محتاج إلى الاِسهاب غير أنّ إكمال البحث يجرّنا إلى أن نأتي ببعض ما ذكره التاريخ من ملامح حياته منذ صباه إلى أن بعث نبياً ، حتى يقترن ذلك الاتفاق بأصح الدلائل التاريخية، وإليك الاَقوال:
1 ـ روى صاحب المنتقى في حديث طويل : أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما تمَّ له ثلاث سنين ، قال يوماً لوالدته ( لمرضعته ) (حليمة السعدية): (مالي لا أري أخوي بالنهار ؟) قالت له : يابني إنّهما يرعيان غنيمات ، قال : (فما لي لا أخرج معهما ؟) قالت له : أتحب ذلك ؟ قال : (نعم)، فلمّـا أصبح محمد دهنته وكحّلته وعلّقت في عنقه خيطاً فيه جزع يماني ، فنزعه ثم قال لاَُمّه : (مهلاً يا أُمّاه، فإنّ معي من يحفظني) (1).
وهذه العبارة من الطفل الذي لم يتجاوز سنّه ثلاث سنين آية على أنّه كان يعيش في رعاية الله ، وكان له معلم غيبى (يسلك به طريق المكارم) ويلهمه ما يعجز عن إدراكه كبار الرجال آنذاك، حيث كانت أُمّه تزعم بأنّ في الجزع اليمانى مقدرة الحفظ لمن علقه على جيده ، فعلى الرغم من ذلك فقد خالفها الطفل ونزعه وطرحه ، وهذا إن دلَّ على شيء فإنّما يدل على أنّه كان بعيداً عن تلك الرسوم والاَفكار ... السائدة في الجزيرة العربية .
--------------------
(1) المنتقى الباب الثاني من القسم الثاني للكازرونى ، وقد نقله العلاّمة المجلسي في البحار : 15|392 من الطبعة الحديثة .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 255 _
2 ـ روى ابن سعد في طبقاته : أنّ بحيرا الراهب قال للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا غلام أسألك بحق اللات والعزى ألاّ أخبرتني عمّـا أسألك ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (لا تسألني باللات والعزى ، فوالله ما أبغضت شيئاً بغضهما)، قال : بالله إلاّ أخبرتني عمّـا أسألك عنه ؟ قال : (سلني عمّـا بدا لك ...).(1)
3 ـ روى ابن سعد في طبقاته: عند ذكر خروج النبي إلى الشام للتجارة بأموال خديجة مع غلامها (ميسرة) : إنّ محمداً باع سلعته فوقع بينه ورجل تلاح ، فقال له الرجل: احلف باللات والعزى، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (ما حلفت بهما قط ، وانّي لاَمرُّ فأعرض عنهما) فقال الرجل: القول قولك ، ثم قال لميسرة : يا ميسرة هذا والله نبي (2).
وممّا يشهد على توحيده أنّه لم ير قط مائلاً عن الحق، ساجداً لوثن أو متوسّلاً به ، بل كان يتحنّث في كل سنة في غار حراء في بعض الشهور، فوافاه جبرئيل ( عليه الصلاة والسلام ) في بعض تلك المواقف وبشّـره بالرسالة وخلع عليه كساء النبوة.
وهذه الوقائع التاريخية أصدق دليل على إيمانه، ولاَجل اتفاق المسلمين على ذلك نطوي بساط البحث ونركّزه على بيان الشريعة التي كان عليها قبل بعثته ، وهذا هو الذي بحث عنه المتكلمون والاَُصوليون بإسهاب .
أو لا ؟ على أقوال نلفت نظر القارىَ إليها:
1 ـ لم يكن متعبّداً بشرع أصلاً ، نسب ذلك إلى أبي الحسن البصري.
2 ـ التوقف وعدم الجنوح إلى واحد من الاَقوال ، ذهب إليه القاضي عبد الجبار والغزالي ، وهو خيرة السيد المرتضى في ذريعته .
3 ـ إنّه كان يتعبّد بشريعة من قبله مردّدة بين كونها شريعة نوح أو إبراهيم أو موسى ، أو المسيح بن مريم ( عليهما السلام ).
4 ـ كان يتعبّد بما ثبت أنّه شرع .
5 ـ كان يعمل في عباداته وطاعته بما يوحى إليه سواء أكان مطابقاً لشرع من قبله أم لا .
6 ـ انّه كان يعمل بشرع نفسه .
والاَخير هو الظاهر من الشيخ الطوسي في عدته قال : عندنا أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكن متعبداً بشريعة من تقدّمه من الاَنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها ، وانّ جميع ما تعبّد به كان شرعاً له ، ويقول أصحابنا: إنّه كان قبل البعثة يوحى إليه بأشياء تخصه ، وكان يعمل بالوحى لا اتّباعاً بشريعة . (1)
وما ذكره أخيراً ينطبق على القول السادس، والاَقوال الثلاثة الاَخيرة متقاربة ، وإليك دراستها واحداً بعد آخر ببيان مقدمة :
--------------------
(1) راجع للوقوف على الاَقوال: الذريعة: 2|595 ، وذكر أقوالاً ثلاثة ، وعدّة الشيخ الطوسى: 2|60 ، وذكر الاَقوال مسهبة ، البحار: 18|271، ونقل الاَقوال عن شرح العلاّمة لمختصر الحاجبى، والمعارج للمحقّق الحلي: 60، المبادىَ للعلاّمة الحلي: 30، القوانين للمحقّق القمّى: 1|494 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 257 _
نظرة إجمالية على حياته
إنّ من أطلّ النظر على حياته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقف على أنّه كان يعبد الله سبحانه ويعتكف بـ (حراء) كل سنة شهراً ، ولم يكن اعتكافه مجرّد تفكير في جلاله وجماله وآياته وآثاره ، بل كان مع ذلك متعبداً لله قانتاً له ، وقد نزل الوحي عليه وخلع عليه ثوب الرسالة وهو متحنث (1) بـ (حرّاء)، وذلك مما اتفق عليه أهل السير والتاريخ .
قال ابن هشام: كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجاور ذلك الشهر من كل سنة ، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جواره من شهره ذلك ، كان أوّل ما يبدأ به إذا انصرف من جواره ، الكعبة، قبل أن يدخل بيته ، فيطوف بها سبعاً أو ما شاء الله من ذلك ، ثم يرجع إلى بيته ، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته ، من السنة التي بعثه الله تعالى فيها ، وذلك الشهر شهر رمضان ، خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله ، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ، ورَحِمَ العبادَ بها ، جاءه جبريلُ ( عليه السلام ) بأمر الله تعالى (2).
ولم تكن عبادته منحصرة بالاعتكاف أو الطواف حول البيت بعد الفراغ منه ، بل دلت الروايات المتضافرة عن أئمّة أهل البيت على أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حج عشرين حجة مستسراً (3) .
--------------------
(1) التحنث: هو التحنف، بدّلت الفاء (ثاء )، كما يقال ( جدف ) مكان جدث ، بمعنى القبر ، وربّما يقال : بأنّه بمعنى الخروج عن الحنث بمعنى الاثم، كما أنّ التأثم هو الخروج عن الاِثم، والاَوّل هو الاَولى.
(2) السيرة النبوية: 1|236 .
(3) الوسائل: 8|87 باب 45 ، استحباب تكرار الحج والعمرة، البحار: 11|280 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 258 _
روى غياث بن إبراهيم ، عن الاِمام الصادق (عليه السلام) : (لم يحج النبي بعد قدوم المدينة إلاّ واحدة ، وقد حج بمكة مع قومه حجّات). (1)
ولم تكن أعماله الفردية أو الاجتماعية منحصرة في المستقلات العقلية، كالاجتناب عن البغي والظلم وكالتحنن على اليتيم والعطف على المسكين، بل كان في فترة من حياته راعياً للغنم ، وفي فترات أُخرى ضارباً في الاَرض للتجارة ، ولم يكن في القيام بهذه الاَعمال في غنى عن شرع يطبق أعماله عليه ، إذ لم يكن البيع والربا والخل والخمر ولا المذكّى وغيره عنده سواسية ، وليست هذه الاَُمور ونظائرها مما يستقل العقل بأحكامها .
فطبيعة الحال تقتضي أن يكون ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عارفاً بأحكام عباداته وطاعاته ، واقفاً على حرام أفعاله وحلالها ، في زواجه ونكاحه في حلّه وترحاله ، ولولاه أشرف على اقتراف ما حرّمه الله سبحانه في عامّة شرائعه ، والاقتراف أو الدنو منه يناقض أهداف البعثة، فإنّها لا تتحقّق إلاّ بعمله قبل بعثته بما سوف يدعو إليه بعد بعثته .
وعلى ضوء هذه المقدمة يبطل القول الاَوّل من أنّه لم يكن متعبّداً بشرع أصلاً، لما عرفت من أنّ العبادة والطاعة لا تصح إلاّ بعد معرفة حدودها وخصوصيّاتها عن طريق الشرع ، كما أنّ الاجتناب عن محارم الله في العقود والاِيقاعات وسائر ما يرجع إلى أعماله وأفعاله الفردية والاجتماعية ، يتوقف على معرفة الحلال والحرام ، حتى يتخذه مقياساً في مقام العمل، وعند ذاك كيف يصح القول بأنّه لم يكن متعبّداً بشرع أصلاً ؟ وإلاّ يلزم أن ننكر عباداته وطاعاته
--------------------
(1) الوسائل: 8|88 باب 45، استحباب تكرار الحج والعمرة ، الحديث 4 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 259_
قبل البعثة أو نرميه باقتراف الكبائر في تلك الفترة، وهو يضاد عصمته قبل البعثة كما يضاد أهدافها.
قال العلاّمة المجلسي: قد ورد في أخبار كثيرة أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يطوف وأنّه كان يعبد الله في حراء ، وأنّه كان يراعى الآداب المنقولة من التسمية والتحميد عند الاَكل وغيره ، وكيف يجوّز ذو مسكة من العقل، على الله تعالى أن يهمل أفضل أنبيائه أربعين سنة بغير عبادة ؟! والمكابرة في ذلك سفسطة ، فلا يخلو إمّا أن يكون عاملاً بشريعة مختصة به أوحى الله إليه بها ، وهو المطلوب، أو عاملاً بشريعة غيره . (1)
نعم روى أحمد في مسنده ، عن سعيد بن زيد قال: كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بمكة هو وزيد بن حارثة ، فمرَّ بهما زيد بن عمرو بن نفيل فدعوه إلى سفرة لهما ، فقال يابن أخي إنّي لا آكل مما ذبح على النصب، قال : فما روَي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب، قال : قلت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنّ أبي كان كما قد رأيت وبلغك ، ولو أدركك لآمن بك واتبعك فاستغفر له ؟ قال : نعم ، فاستغفر له فإنّه يبعث يوم القيامة أُمَّة واحدة ، (2) نحن لا نعلق على هذا الحديث شيئاً سوى أنّه يستلزم أن يكون زيد أعرف بأحكام الله تعالى من النبي الاَكرم، الذي كان بمقربة من البعث إلى هداية الاَُمّة، أضف إليه أنّ الحديث مروي عن طريق سعيد بن زيد الذي يَدّعي فيه شرفاً لاَبيه ، وفي الوقت نفسه نقصاً للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أفَواهِهِم )(3) .
هذا كلّه حول القول الاَوّل.
نظرية التوقف في تعبّده
أمّا الثاني: أعنى التوقف، فقد ذهب إليه المرتضى، واستدل على مختاره بقوله: والذي يدل عليه أنّ العبادة بالشرائع تابعة لما يعلمه الله تعالى من المصلحة بها في التكليف العقلى، ولا يمتنع أن يعلم الله تعالى أنّه لا مصلحة للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل نبوته في العبادة بشىء من الشرائع، كما أنّه غير ممتنع أن يعلم أنّ له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ذلك مصلحة ، وإذا كان كل واحد من الاَمرين جائزاً ولا دلالة توجب القطع على أحدهما وجب التوقف (1).
وما ذكره محتمل في حد نفسه ، ولكنّه مدفوع بما في الاَخبار والآثار من عبادته واعتكافه ، وقد عرفت أنّه كان يتعبد لله ، وكانت له أعمال فردية واجتماعية تحتاج إلى أن تكون وفق شريعة ما .
نظرية عمله بالشرائع السابقة
وهذا هو القول الثالث بشقوقه الاَربعة: فيتصوّر على وجهين:
الاَوّل: أن يعمل على طبق أحد الشرائع الاَربع تابعاً لصاحبها ومقتدياً به بوجه يعد أنّه من أُمّته، وهذا الشق مردود من جهات:
أ ـ انّ هذا يتوقف على ثبوت عموم رسالات أصحاب هذه الشرائع، وهو غير ثابت، وقد أوضحنا حالها في الجزء الثالث من موسوعة مفاهيم القرآن (2).
ب ـ انّ العمل بهذه الشرائع فرع الاطّلاع عليها ، وهو إمّا أن يكون حاصلاً
--------------------
(1) الذريعة: 2|596.
(2) لاحظ الجزء الثالث: 77 ـ 116.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 261 _
من طريق الوحي، فعندئذ يكون عاملاً بشريعة من تقدم ولا يكون تابعاً لصاحبها ومقتدياً به ، وإن كان عاملاً بالشريعة التي نزلت قبله ، وهذا نظير أنبياء بنى إسرائيل فقد كانوا مأمورين بالحكم على طبق التوراة مع أنّهم لم يكونوا من أُمّة موسى قال سبحانه : ( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا )(1) وإلى هذا الشق يشير المرتضى بقوله : إنّه غير ممتنع أن يوجب الله تعالى عليه بعض ما قامت الحجة من بعض الشرائع المتقدّمة لا على وجه الاقتداء بغيره فيها ولا الاتباع.
وإمّا أن يكون حاصلاً من طريق مخالطة أهل الكتاب وعلمائهم وهذا مما لا تصدّقه حياته إذ لم يكن مخالطاً لهم ولم يتعلم منهم شيئاً ولم يسألهم .
يقول العلاّمة المجلسي: لو كان متعبّداً بشرع لكان طريقه إلى ذلك إمّا الوحي أو النقل، ويلزم من الاَوّل أن يكون شرعاً له لا شرعاً لغيره ، ومن الثاني التعويل على اليهود، وهو باطل (2)
ج ـ انّ العمل بشريعة من قبله ما سوى المسيح بن مريم ، يستلزم أن يكون عاملاً بالشرائع المنسوخة فهو أشدّ فساداً ، فكيف يجوز العمل بشريعة نسخت ؟
قال الشيخ الطوسي: فإن قالوا : كان متعبّداً بشريعة موسى ، فإنَّ ذلك فاسد حيث إنّ شريعته كانت منسوخة بشريعة عيسى ، وإن قالوا : كان متعبّداً بشريعة عيسى فهو أيضاً فاسد ، لاَنّ شريعته قد انقطعت واندرس نقلها ولم تتصل كاتصال نقل المعجزة، وإذا لم تتصل لم يصح أن يعمل بها (3).
أضف إلى ذلك أنّه لم يثبت أنّ عيسى جاء بأحكام كثيرة ، بل الظاهر أنّه جاء لتحليل بعض ما حرّم في شريعة موسى ( عليه السلام ) قال سبحانه : ( وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلاَُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بآيَةٍ مِن رَبِّكُم فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ )(1) فلو كان النبي عاملاً بشريعة عيسى ففي الحقيقة يكون عاملاً بشريعة موسى المعدّلة بما جاء به عيسى .
د ـ اتفقت الآثار على كونه أفضل الخلق واقتداء الفاضل بالمفضول غير صحيح عقلاً ، قال الشيخ الطوسي: إنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أفضل من جميع الاَنبياء ولا يجوز أن يوَمر الفاضل باتّباع المفضول، ولم يخص أحد تفضيله على سائر الاَنبياء، بوقت دون وقت، فيجب أن يكون أفضل في جميع الاَوقات.
وهذه الوجوه وإن كان بعضها غير خال من الاِشكال لكن الجميع يزيّف القول بأنّه كان يعمل بشريعة من قبله .
وأمّا دليل من قال بهذا القول فضعيف جداً حيث قال : كيف يصح أن يقال : انّه لم يكن متعبداً بشريعة من تقدّم مع أنّه كان يطوف بالبيت ويحج ويعتمر ويذكّي ويأكل المذكّى ويركب البهائم ؟ (2)
وفيه أوّلاً: انّ بعض ما ذكره يعد من المستقلات العقلية، فتكفي فيه هداية العقل ودلالته .
وثانياً : انّ الدليل أعم من المدّعى، لاَنّ عمله كما يمكن أن يكون مستنداً إلى شريعة من قبله ، يمكن أن يكون مستنداً إلى الوحي إليه، لا اتّباعاً لشريعة ،
--------------------
(1) آل عمران: 50.
(2) الذريعة: 2|596 ، العدة: 60 ـ 61.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 263-_
وسوف يوافيك أنّه كان يوحى إليه قبل أن يتشرّف بمقام الرسالة وأنّ نبوّته كانت متقدّمة على رسالته ، وأنّ جبريل نزل إليه بالرسالة عندما بلغ الاَربعين، والاستدلال مبني على أنّ نبوّته ورسالته كانتا في زمان واحد ، وهو غير صحيح كما سيأتي .
وعلى هذا الوجه الصحيح لا نحتاج إلى الاِجابة عن الاستدلال بما تكلّف به المرتضى في ذريعته ، والطوسى في عدّته .
قال الاَوّل: لم يثبت عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قبل النبوّة حج أو اعتمر ، وبالتظنّي لا يثبت مثل ذلك ، ولم يثبت أيضاً أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تولّى التذكية بيده ، وقد قيل أيضاً: إنّه لو ثبت أنّه ذكّى بيده ، لجاز أن يكون من شرع غيره في ذلك الوقت، (أن يستعان بالغير في الذكاة) (1)فذكّى على سبيل المعونة لغيره ، وأكل اللحم المذكّى لا شبهة في أنّه غير موقوف على الشرع، لاَنّه بعد الذكاة قد صار مثل كل مباح من المأكل، وركوب البهائم والحمل عليها ، يحسن عقلاً إذا وقع التكفّل بما يحتاج إليه من علف وغيره ، ولم يثبت أنّه (عليه السلام) فعل من ذلك ما لا يستباح بالعقل فعله (2).
وقريب منه ما في عدّة الشيخ الطوسى. (3)
ولا يخفى أنّ بعض ما ذكره وإن كان صحيحاً ، لكن إنكار حجه واعتماره وعبادته في حرّاء واتجاره الذي يتوقف الصحيح منه على معرفة الحلال والحرام ، ممّا لا يمكن إنكاره ، فلا محيص عن معرفته بالمقاييس الصحيحة في هذه الموارد، إمّا من عند نفسه ، أو من ناحية الاتّباع لشريعة غيره.
--------------------
(1) يريد أنّ من أحكام الشريعة السابقة أن يستعين الرجل في تذكية الحيوان بالغير ـ وعلى ذلك ـ فالنبى ذكّى نيابة عن الغير، ولاَجله ولم يذكّ لنفسه.
(2) الذريعة: 2|597 ـ 598.
(3) عدة الا َُصول: 2|63.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 264_
الوجوه الاَخيرة الثلاثة المتقاربة
إذا تبيّـن عدم صحة هذه الاَقوال الثلاثة تثبت الوجوه الاَخيرة التي يقرب بعضها من بعض ، ويجمع الكل إنّه كان يعمل حسب ما يلهم ويوحى إليه، سواء أكان مطابقاً لشرع من قبله أم مخالفاً ، وانّ هاديه وقائده منذ صباه إلى أن بعث هو نفس هاديه بعد البعثة .
ويدل على ذلك وجوه:
1 ـ ما أُثر عن الاِمام أمير الموَمنين ( عليه السلام ) من أنّه من لدن كان فطيماً كان موَيداً بأعظم ملك يعلّمه مكارم الاَخلاق ومحاسن الآداب، وهذه مرتبة من مراتب النبوّة وإن لم تكن معها رسالة .
قال ( عليه السلام ) : (ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره) (1).
إنّا مهما جهلنا بشيء ، فلا يصح لنا أن نجهل بأنّ النبوة منصب إلهي لا يتحمّلها إلاّ الاَمثل فالاَمثل من الناس، ولا يقوم بأعبائها إلاّ من عمّر قلبه بالاِيمان ، وزوّد بالخلوص والصفاء ، وغمره الطهر والقداسة وأُعطى مقدرة روحية عظيمة ، لا يتهيب حينما يتمثل له رسول ربّه وأمين وحيه ، ولا تأخذه الضراعة والخوف عند سماع كلامه ووحيه ، وتلك المقدرة لا تفاض من الله على عبد إلاّ أن يكون في رعاية ملك كريم من ملائكته سبحانه ، يرشده إلى معالم الهداية ومدارج الكمال، ويصونه من صباه إلى شبابه ، وإلى كهولته عن كل سوء وزلة ، وهذا هو السرّ في وقوعه تحت كفالة أكبر ملك من ملائكته حتى تستعد نفسه لقبول
الوحي، وتتحمل القول الثقيل الذي سيلقى عليه.
2 ـ ما رواه عروة بن الزبير عن عائشة أُمّ الموَمنين أنّها قالت : أوّل ما بُدىَ به رسول الله من الوحي، الروَيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى روَيا إلاّ جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء ، فيتحنَّث فيه ، ـ وهو التعبّد ـ الليالي ذوات العدد، قبل أن يَنزعَ إلى أهله ويتزوّد لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزوَّد لمثلها حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ (1).
3 ـ روى الكليني بسند صحيح عن الاَحول قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن الرسول والنبي والمحدّث قال : (الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلاً ... وأمّا النبي فهو الذي يرى في منامه نحو روَيا إبراهيم ( عليه السلام ) ، ونحو ما كان رأي رسول الله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل من عند الله بالرسالة) (2).
وهذه المأثورات تثبت بوضوح أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل أن يُبعث، كان تحت كفالة أكبر ملك من ملائكة الله ، يرى في المنام ويسمع الصوت، قبل أن يبلغ الاَربعين سنة ، فلمّا بلغها بُشّـر بالرسالة ، وكلّمه الملك معاينة ونزل عليه القرآن، وكان يعبد الله قبل ذلك بصنوف العبادات، إمّا موافقاً لما سيوَمر به بعد تبليغه ، أو مطابقاً لشريعة إبراهيم أو غيره، ممن تقدمه من الاَنبياء، لا على وجه كونه تابعاً لهم وعاملاً بشريعتهم ، بل بموافقة ما أُوحي إليه مع شريعة من تقدّم عليه.
ثم إنّ العلاّمة المجلسي استدل على هذا القول بوجه آخر، وهو : انّ يحيى وعيسى كانا نبيّين وهما صغيران ، وقد ورد في أخبار كثيرة انّ الله لم يعط نبيّاً
--------------------
(1) صحيح البخاري: 1|3 ، باب بدء الوحي إلى رسول الله 6 ، السيرة النبوية: 1|234 ـ 236 .
(2) الكافي: 1|176.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 266_
فضيلة ولا كرامة ولا معجزة إلاّ وقد أعطاها نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكيف جاز أن يكون عيسى ( عليه السلام ) في المهد نبياً ولم يكن نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أربعين سنة نبياً ؟! (1) قال سبحانه حاكياً عن المسيح : ( قَالَ إِنّي عَبْدُ اللهِ آتَانِىَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيَّاً )(2)، وقال سبحانه مخاطباً ليحيى: ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَا الْحُكْمَ صَبِيّاً )(3)
ولازم ذلك أنّ النبي قبل بعثته في صباه أو بعد ما أكمل الله عقله كان نبياً موَيداً بروح القدس يكلّمه الملك، ويسمع الصوت ويرى في المنام.
وإنّما بُعث إلى الناس بعد ما بلغ أربعين سنة ، وعند ذاك كلّمه الملك معاينة ونزل عليه القرآن وأُمر بالتبليغ .
ويوَيد ذلك ما رواه الجمهور عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أنّه كان نبياً وآدم بين الروح والجسد (4).
هذا كلّه راجع إلى حاله قبل بعثته ، وأمّا بعدها فنأتي بمجمل القول فيه:
حاله بعد البعثة
قد عرفت حال النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل بعثته ، فهلمّ معى ندرس حاله
--------------------
(1) البحار: 18|279.
(2) مريم: 30 ـ 31.
(3) مريم: 12.
(4) نقل العلاّمة الاَميني مصادره عن عدة من الكتب ، وذكر انّ للحديث عدّة ألفاظ من طرق شتى ، لاحظ الجزء 9|287.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 267 _
بعدها ، وقد اختلفوا فيه أيضاً على قولين:
فمن قائل : إنّه كان يتعبّد بشرع من قبله.
ومن قائل آخر ينفيه بتاتاً .
وقد بسط الكلام في هذا المقام السيد المرتضى في (ذريعته) وتلميذه الجليل في (عدّته) فاختارا القول الثاني وأوضحا برهانه (1).
غير انّـي أرى البحث في ذلك عديم الفائدة ، لاَنّ المسلمين اتفقوا على أنّه بعد البعثة، ما كان يقول إلاّ ما يوحى إليه ، ولا يصدر عنه شيء إلاّ عن هذا الطريق، فإذا كان الواجب علينا اقتفاء أمره ونهيه ، والعمل بالوحي الذي نزل عليه، فأى فائدة في البحث عن أنّه هل كان ما يأمر به وينهى عنه ، صدر عن التعبّد بشريعة من قبله ، أو صدر عن شريعته ؟ إذ الواجب علينا الاَخذ بما أتى به ، بأي لون وشكل كان ، وفي ذلك يقول المحقّق الحلّـي: إنّ هذا الخلاف عديم الفائدة، لاَنّا لا نشك أنّ جميع ما أتى به لم يكن نقلاً عن الاَنبياء ، بل عن الله تعالى بإحدى الطرق الثلاث التي أُشير إليها في قوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِبَشَـرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِه مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِىّ حَكِيمٌ )(2).
فإذا كان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يصدر عنه شيء إلاّ عن طريق الوحي، فلا تترتب على البحث أيّة فائدة ، فسواء أكان متعبداً بشرع من قبله أم لم يكن ، فهو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يأمر ولا ينهى إلاّ بإذنه سبحانه (3) .
قال سبحانه : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى )(1) ، وقال عزّ من قائل : ( كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )(2) ، وقال تعالى : ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ )(3) إلى غير ذلك من الآيات التي تدل بوضوح على أنّ كل ما يأمر وينهى ، مستند إلى الوحى منه سبحانه إليه ، سواء أمره بالاَخذ من الشرع السابق أم أمره بما يماثله أو يخالفه .
أضف إلى ذلك إنّه إذا لم يجز له التعبد بالشرع السابق قبل البعثة بالدلائل السابقة لم يجز له أيضاً بعدها.
نعم هناك بحث آخر وهو حجية شرع من قبلنا للمستنبط إذا لم يجد في الشريعة المحمدية دليلاً على حكم موضوع خاص ، فهل يجوز أن يعمل بالحكم الثابت في الشرائع السماوية السالفة ما لم يثبت خلافه في شرعنا أم لا ؟
فهذه مسألة أُصولية طرحها الاَُصوليون في كتبهم قديماً وجديداً ، فاستدل القائلون بالجواز بالآيات التالية:
1 ـ ( فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )(4)
2 ـ ( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً )(5)
3 ـ ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً )(6)
4 ـ ( إنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ )(1)
ولكن الكلام في دلالة هذه الآيات على ما يتبنّاه هوَلاء وهي غير واضحة ، وقد بسط المحقق الكلام في دلالة الآيات في أُصوله، (2)ونقله العلاّمة المجلسي في (بحاره) (3) ، ونحن نحيل القارىَ الكريم إلى مظانّه .
الآيات التي وقعت ذريعة لبعض المخطّئة
هذا حال النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل البعثة، وحال أجداده وآبائه وبعض أعمامه، وقد خرجنا من هذا البحث الضافي بهذه النتائج:
1 ـ انّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد ولد في بيت كان يسوده التوحيد وقد ترعرع وشب واكتهل في أحضان رجال لم يتخلّفوا عن الدين الحنيف قيد شعرة .
2 ـ انّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منذ نعومة أظفاره كان تحت رعاية أكبر ملك من ملائكته سبحانه فيلهم ويوحى إليه قبل أن يبلغ الاَربعين، ويخلع عليه ثوب الرسالة .
3 ـ انّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان موَمناً بالله ، وموحداً له، يعبده ، ولا يعبد غيره، ويتقرّب إليه بالطاعات والقربات ، ويتجنب المعاصي والمآثم .
هذه هي الحقيقة الملموسة من حياته يقف عليها من سبر تاريخ حياته بإمعان ، وقد مرّ أنّ هناك آيات وقعت ذريعة لبعض المخطّئة لعصمته ، فدخلت لاَجلها في أذهانهم شبهات في إيمانه وهدايته قبل البعثة.
وهوَلاء بدل أن يفسروا الآيات على غرار التاريخ المسلّم من حياته ، أو يسلّطوا الضوء عليها بما تضافرت الاَخبار والروايات عليه ، عكسوا الاَمر فرفضوا التاريخ المسلّم الصحيح والروايات المتضافرة اغتراراً ببعض الظواهر مع أنّها تهدف إلى مقاصد أُخر تتضح من البحث الآتي، وإليك هذه الآيات:
1 ـ ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى )(1)
2 ـ ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ )(2)
3 ـ ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحَاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الاِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم )(3)
4 ـ ( وَمَا كُنْتَ تَرْجُواْ أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ )(4)
5 ـ ( قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )(5)
وقد استدلت المخطّئة بهذه الآيات على مدّعاها ، بل على زعم سلب الاِيمان عنه قبل أن يبعث ، لكنّها لا تدل على ما يريدون ولاَجل تسليط الضوء على مقاصدها نبحث عنها واحدة بعد واحدة.
الآية الاَُولى: الهداية بعد الضلالة ؟
إنّ قوله سبحانه: ( وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى ) هل يتضمن هدايته بعد الضلالة ؟
وقد ذكر المفسرون للآية عدّة احتمالات أنهاها الرازي في تفسيره إلى ثمانية ، لكن أكثرها من مخترعات الذهن، لاَجل الاِجابة عن استدلال الخصم على كونه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان ضالاً قبل البعثة، غير موَمن ولا موحد، فهداه الله سبحانه، ولكن الحق في الجواب أن يقال:
إنّ الضال يستعمل في عرف اللغة في موارد :
1 ـ الضال: من الضلالة: ضد الهداية والرشاد.
2 ـ الضال: من ضل البعير : إذا لم يعرف مكانه.
3 ـ الضال: من ضل الشيء: إذا ضوَل وخفى ذكره.
وتفسير الضال بأىّ واحد من هذه المعاني لا يثبت ما تدّعيه المخطّئة سواء أجعلناها معاني مختلفة جوهراً وشكلاً ، أم جعلناها معنى واحداً جوهراً ومختلفاً شكلاً وصورة ، فإنّ ذلك لا يوَثر فيما نرتئيه ، وإليك توضيحه:
أمّا المعنى الاَوّل: فهو المقصود من تلك اللفظة في كثير من الآيات، قال سبحانه: ( غَيْـرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ )(1)، لكن الضلالة بمعنى ضد الهداية والرشاد يتصور على قسمين:
قسم: تكون الضلالة فيه وصفاً وجودياً ، وحالة واقعية كامنة في النفس،
--------------------
(1) الحمد: 7.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 272 _
توجب منقصتها وظلمتها ، كالكافر والمشرك والفاسق، والضلالة في هاتيك الاَفراد صفة وجودية تكمن في نفوسهم ، وتتزايد حسب استمرار الاِنسان في الكفر والشرك والعصيان والتجرّي على المولى سبحانه ، قال الله سبحانه : ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْـرٌ لاَنْفُسِهِمْ إِنَّمْا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ )(1)
فإنّ لازدياد الاِثم بالجوارح تأثيراً في زيادة الكفر، وقد وصف سبحانه بعض الاَعمال بأنّها زيادة في الكفر قال سبحانه: ( إِنَّما النَّسِىءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا )(2)
وقسم منه : تكون الضلالة فيه أمراً عدمياً، بمعنى كون النفس فاقدة للرشاد غير مالكة له ، وعندئذ يكون الاِنسان ضالاً بمعنى أنّه غير واجد للهداية من عند نفسه ، وفي الوقت نفسه لا تكمن فيه صفة وجودية مثل ما تكمن في نفس المشرك والعاصي ، وهذا كالطفل الذي أشرف على التمييز وكاد أن يعرف الخير من الشر، والصلاح من الفساد، والسعادة من الشقاء ، فهو آنذاك ضال ، لكن بالمعنى الثاني، أي غير واجد للنور الذي يهتدى به في سبيل الحياة، لا ضال بالمعنى الاَوّل بمعنى كينونة ظلمة الكفر والفسق في روحه.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم : أنّه لو كان المراد من الضال في الآية، ما يخالف الهداية والرشاد فهي تهدف إلى القسم الثاني منه لا الاَوّل: بشهادة أنّ الآية بصدد توصيف النعم التي أفاضها الله سبحانه على نبيّه يوم افتقد أباه ثم أُمّه فصار يتيماً لا ملجأ له ولا مأوى ، فآواه وأكرمه ، بجدّه عبد المطلب ثم بعمّه أبي طالب ، وكان
--------------------
(1) آل عمران: 178.
(2) التوبة: 37.
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 273 _
ضالاً في هذه الفترة من عمره، فهداه إلى أسباب السعادة وعرّفه وسائل الشقاء .
والالتزام بالضلالة بهذا المعنى لازم القول بالتوحيد الاِفعالي، فإنّ كل ممكن كما لا يملك وجوده وحياته ، لا يملك فعله ولا هدايته ولا رشده إلاّ عن طريق ربّه سبحانه ، وإنّما يفاض عليه كل شيء منه قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَ اللهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ )(1)، فكما أنّ وجوده مفاض من الله سبحانه ، فهكذا كل ما يوصف به من جمال وكمال فهو من فيوض رحمته الواسعة، والاعتقاد بالهداية الذاتية، وغناء الممكن بعد وجوده عن هدايته سبحانه يناقض التوحيد الاِفعالي الذي شرحناه في موسوعة مفاهيم القرآن (2).
وقد تضافرت الآيات على هذا الاَصل، وأنّ هداية كل ممكن مكتسبة من الله سبحانه من غير فرق بين الاِنسان وغيره، وفي الاَوّل بين النبي وغيره، قال سبحانه : ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَىءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )(3)، وقال سبحانه: ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَ الَّذِى قَدَّرَ فَهَدى )(4)، وقال سبحانه: ( وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ )(5) وقال سبحانه : ( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ )(6)، وقال تعالى: ( إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ )(7) لا ، وقال تبارك وتعالى: ( وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي )(8)، إلى غير ذلك من الآيات.
وعلى هذا الاَساس فالآية تهدف إلى بيان النعم التي أنعمها سبحانه على حبيبه منذ صباه فآواه بعد ما صار يتيماً لا مأوى له ولا ملجأ ، وأفاض عليه الهداية بعدما كان فاقداً لها حسب ذاتها ، وأمّا تحديد زمن هذه الاِفاضة فيعود إلى أوليات حياته وأيّام صباه بقرينة ذكره بعد الاِيواء الذي تحقّق بعد اليتم، وتمّ بجدّه عبد المطلب فوقع في كفالته إلى ثمانى سنين ويوَيد ذلك قول الاِمام أمير الموَمنين ( عليه السلام ) : (ولقد قرن الله به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره) (1).
والحاصل: انّ الهداية في الآية نفس الهداية الواردة في قوله : (أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) ، وفي قوله : ( الذي خلقنى فهو يهدين )إلى غير ذلك من الآيات التي أوعزنا إليها، والاعتقاد بكونه ضالاً أي فاقداً لها في مقام الذات ثم أُفيضت عليه الهداية، هو مقتضى التوحيد الاِفعالي ولازم كون النبي الاَكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ممكناً بالذات ، فاقداً في ذاته كل كمال وجمال ، مفاضاً عليه كل جميل من جانبه سبحانه ، وأين هو من الضلالة المساوقة للكفر والشرك أو الفسق والعصيان ؟!
وإن شئت قلت : إنّ الضلالة في الآية ترادف الخسران الوارد في قوله سبحانه: ( إنّ الاِنسان لفي خسر ) والهداية فيها ترادف الاِيمان والعمل الصالح الواردين بعده ( إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )(2) فالاِنسان بما أنّه يصرف رأس ماله ، أعني: عمره الغالي كل يوم ، خاسر بالذات ، إلاّ إذا اكتسب به ما يبقى ولا ينفد أثره وهو الاِيمان المقرون بالعمل الصالح ، والنبي وغيره في هذه الاَحكام سواسية بل في كل التوصيفات الواردة في مجال الاِنسان التي يثبتها
--------------------
(1) نهج البلاغة: الخطبة 178 ، والتي تسمّى بالقاصعة .
(2) العصر: 2 ـ 3 .
عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم
_ 275_
القرآن له ولا وجه لاِرجاعها إلى صنف دون صنف ، بعد كونها من خواص الطبيعة الاِنسانية ما لم تقع تحت رعاية الله وهدايته .
وبذلك يتبيّـن أنّ الضلالة في الآية ـ لو فسرت بضد الهدى والرشاد ـ لا تدل على ما تدّعيه المخطّئة، بل هي بصدد بيان قانون كلى سائد على عالم الاِمكان من غير فرق بين الاِنسان وغيره ، وفي الاَوّل بين النبي وغيره.
حول الاحتمالين الآخرين
ولكن هذا المعنى غير متعين في الآية إذ من المحتمل أن تكون الضلالة فيها مأخوذة من (ضل الشيء: إذا لم يعرف مكانه) و (ضلت الدراهم: إذا ضاعت وافتقدت) و (ضل البعير: إذا ضاع في الصحارى والمفاوز) وفي الحديث: (الحكمة ضالة الموَمن أخذها أين وجدها) أي مفقودته ولا يزال يتطلبها ، وقد اشتهر قول الفقهاء في باب (الجعالة): (من رد ضالّتى فله كذا).
فالضال بهذا المعنى ينطبق على ما نقله أهل السير والتاريخ عن أوّليات حياته من أنّه ضل في شعاب مكة وهو صغير ، فمنَّ الله عليه إذ ردّه إلى جدّه ، وقصته معروفة في كتب السير (1).
ولولا رحمته سبحانه لاَدركه الهلاك ومات عطشاً أو جوعاً ، فشملته العناية الاِلهية فردّه إلى مأواه وملجأه .
وهناك احتمال ثالث لا يقصر عمّـا تقدمه من احتمالين ، وهو أن تكون
--------------------
(1) لاحظ السيرة الحلبية: 1|131 ويقول : عن حيدة بن معاوية العامري: سمعت شيخاً يطوف بالبيت وهو يقول :
يا رب رد راكبى محمداًأردده ربى واصطنع عندي يداً