في بعض ما رويته في أنَّ حجة الله جلّ جلاله المـعصوم عليه أفضل الصلوات لم يقتصــر في الاستخارة على ما يسمّيه الناسُ مباحاَت ، وأنهُ استخار في المندوبات والطاعات ، والفتوى بذلك عن بعض أصحابنا الثقات
  يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس أيّده الله تعالى : إعلمْ أنّني اعتبرت ما وقفت عليه ممّا ذكره شيوخ المعتزلة من المتكلّمين ، وقَول من تابَعَهم على قولهم من المتقدّمين والمتأخّرين في أنّهم ادّعوا أنّ للمكلّفِ مباحاً ليس له صفة زائدة على حسنه ، ولا أدبَ منِ الله ورسوله ( عليه السلام ) زائدٌ على إباحته ، فما وجدت هذا القول صحيحاًَ مع كثرة القائلين به ، والمعتقدين لصحّته ، وإنمّا قلت ذلك لأمور ، منها ما أذكَره على سبيل الجملة ، ومنها ما أذكره على سبيل بعض التفصيل.
  أمّا الذي أذكره على سبيل الجملة ، فإنّني وجدت العبد المكلّف حاضراً بين يدي الله جلّ جلاله في سائر الحركات والسكنات ، وفي سائر

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 168 _

  الأوقات ، والله جلّ جلاله مطّلعٌ عليه بإحاطةِ العلم به ، وبإلاحسان إليه ، وللهِ جلّ جلاله حرمةٌ باهرة ، وهيبةٌ قاهرة ، وجلالةٌ ظاهرة ، ونعَمٌ متواترة ، يستحقُ من عبده أن يعرفها ، ويعبده بالقيام بحقّها ، لكونه جلّ جلاله أهلاً للعبادةِ بذلك ، فلا ينفكُّ العبد من تكليفه بادب العبودية في سائر المواقف والمسالك (1) ، فايُّ حركة أو سكونٍ يخلو فيها العبد من اطلاع الله عزّ وجلَّ عليه ، ومن إحسانه إليه ، ومن لزوم علم العبد أنّه بين يدي مولاه ، وأنّه يراه ، حتى يكون متصرفاً فيها بإباحةٍ مطلقةٍ تصرف الدوابّ ، وتكون خاليةً من التكليف بشيءٍ من الاداب ، هذا (2) لا يقبلهُ من نظر بعين الصواب ، واعتمد على الله عزّ وجلَّ في صدق الألباب ، فإنّ الإنسان يعلم من نفسه أنّ على العبد أدباً في العبودية متى كان سيده يراه لا يجوز أن ينفك العبدُ منه ، أمّا أدباً قليلاً أو كثيراً ، بخلاف حال العبد إذا كان سيده لا يراه ، وهذا واضحٌ لا يخفى على من عرف معناه .
  جوابٌ آخر على سبيل الجملة : إعلم أنَّني عرفتُ أنّ كلّ ما في الوجود ممّا يسميه الناس مباحات لم يزل ملكاً لله تعالى جلّ جلاله ، فلمّا أطلقه للمكلّفينِ وأجراه عليهم على جهة الإحسان إليهم ، وكان إطلاقه وإجراؤه مستمراً مع بقائهم ، وجبَ عليهم استمرار أدب الاعتراف (3) بحقّ هذه النعمة ، والقيام بشكرها ، فإذا لم يكن للمكلّف انفكاكٌ من استمرار هذه النعم ، فكيف صحَّ أن يكون نعمه منها مستمرة في وقت من الأوقات خاليةً من استمرار أدب الاعتراف بها وشكرها ، حتى تصير تلك النعمة كما يقولون خاليةً من صفةٍ زائدةٍ على حسنها ، مثل إباحتها لغير المكلّفين وللدواب ، إنَ القولَ بذلك بعيدٌ من الصواب ، وهذا واضحٌ لأولي الألباب ، ولقد وجدت في

------------------
(1) في ( د ) : والمسائل.
(2) في ( م ) ز يا د ة : من.
(3) في ( م ) : استمرار الأدب ، والاعتراف.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 169 _

  أخبار مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأخبار الصادقين ، وأخبار مولانا زين العابدين ( عليهم السلام ) ما ينبهُ المكلّفين على ما ذكرناه .
  فمما أرويه عن مولانا علي ( عليه السلام ) بإسنادي إلى جدّي أبي جعفر الطوسي ، وهوما ذكره في المصباح ، في خطبة يوم الأضحى ، عن مولانا علي ( عليه السلام ) ، فقال ما هذا لفظه :
  ( فواللهِ لو حننْتُمْ حنينَ الوالِهِ المِعْجالِ (1) ، ودعوتُمْ دعاءَ الحَمام ، وجأرْتُم (2) جُؤارَ متبتلِي الرهْبَانِ ، وخرجْتُمْ إلىالله منَ الأموالِ والأولادِ الْتِماسَ القُرْبةِ إليهِ في ارتفاعِ درجةٍ ، وغفْرانِ سيّئَةٍ ، أحصتْهَا كَتَبَتُهُ ، وحفِظَتْها رسلَهُ ، لكانَ قَليلاً فيما ترجونَ منْ ثوابهِ ، وتخشَوْنَ من عقابهِ ، وتاللهِ لو انْماثَتْ (3) قلوبكم انْمِياثاً ، وسالتْ منْ رهبةِ اللهِّ عيونكُمْ دماً ، ثئَمَ عُمِّرْتُمْ عمر الدنيا على أفضلِ اجْتِهادٍ وعملٍ ، ما جزتْ أعمالكُمْ حَقَّ نعمةِ اللهِ عليكمْ ، ولا استحقَقْتُمْ الجنةَ بسوى رحمتِهِ (4) ومنهِ عليكم ) (5).
  وأمّا روايات الصادقين ومولانا زين العابدين ( عليه السلام ) فهي كثيرةٌ ، لا نطوّل بنشرها ، لكنّا نذكر روايةً منها لما نرجوه من فوائد ذكرها.
  حَدّثَ الشيخ أبو عبدالله محمد بن الحسين بن داود الخزاعي ، قال : وقرأتهُ عليه من أصله ، قال : حدّثنا ( علي بن الحسين بن يعقوب

------------------
(1) العجول من النساء وإلابل : الواله التي فقدت ولدها الثكلى لعجلتها في جيئتها وذهابها جزعاً ، والجمع عُجُل وعَجائل ومعاجيل. ( لسان العرب ـ عجل ـ 11 : 427 ).
(2) الجؤار : رفع الصوت والاستغاثة ، ( النهاية ـ جأر ـ 1 : 232 ).
(3) يقال مثتُ الشيء في الماء من باب قال أموثه موثاً وموثاناً : إذا أذبته ، فانماث هوفيه انمياثاً ( مجمع البحرين ـ موث ـ 2 : 265 ).
(4) في المصدر : رحمة الله.
(5) مصباح المتهجد : 608.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 170 _

  الهمداني ) (1) قال : حدّثنا أبو عبدالله جعفر بن محمد الحسني (2) رضي الله عنه ، قال : حدّثنا الامديّ ، قال : حدّثنا عبدالرحمن بن قريب ، قال : حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهريّ ، قال : دخلتُ مع عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) على عبدالملك بن مروان ، قال : فاستعظم عبدالملك ما رأى من أثر السجود بين عيني عليّ بن الحسين ، فقال : يا أبا محمد لقد بينَ عليك الاجتهاد ، ولقد سبق لك من الله الحسنى ، وأنت بضعة من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، قريب (3) النسب ، وكيد السبب ، وإنك لذو فضل (4) على أهلِ بيتك ، وذوي عصرك ، ولقد أوتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤته أحدٌ مثلك ولا قبلك ، إلآ مَنْ مضى مِن سلفك. وأقبل عبدالملك يثني عليه ويقرظه (5).
  قال : فقال عليُّ بن الحسين : ( كُلما ذكرتَهُ ووصفتَهُ من فضل الله سبحانه وتأييده وتوفيقه ، فاين شكره على ما أنعم يا أمير المؤمنين ؟ كان رسول الله ( صلّى الله عليه واله ) يقف في الصلاة حتى يَرِم (6) قدماه ، ويظمأ في الصيام حتى يَعصِبَ فُوه (7) ، فقيل له : يا رسول الله ألم يغفر لك الله ما

------------------
(1) في ( ش ) : أبو الحسين محمد بن علي بن الحسن المقري ، وفي ( د ) : أبو الحسين محمد بن علي بن الحسن المقرىء قال حدثنا علي بن الحسين بن يعقوب الهمداني ، وفي البحار : عن أبيه ومحمد بن علي بن حسن المقرىء عن علي بن الحسين بن أبي يعقوب الهمداني.
(2) في البحار : الحسيني.
(3) في ( د ) : صريح.
(4) في البحار زيادة : عظيم.
(5) في البحار والمستدرك : ويطريه.
(6) قال ابن الأثير في النهاية 5 : 17(7) مادة ورم ـ : فيه ( أنه قام حق وَرِمَتْ قدماهُ ) أي انتفخت من طول قيامه في صلاة الليل. يقال : وَرِمَ يَرِمُ ، والقياس : يَورَمُ ، وهو أحد ما جاء على هذا البناء.
(7) عصب الريق بفيه ، إذا يبس عليه ، والمراد هنا شده الظمأ والعطش ، أنظر ( الصحاح ـ عصب ـ 1 : 83 ).

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 171 _

  تقدّم من ذنبك وما تأخّر (1) ؟ فيقول ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : أفلا أكون عبداً شكوراً .
  الحمد للهّ على ما أولى وأبلى ، وله الحمد في الاخرة والأولى ، واللّه لو تقطّعت أعضائي ، وسالت مُقلتايَ على صدري ، لن أقومَ للّهِ عزّ وجلّ بشكرِ عشر العشير من نعمةٍ واحدةٍ من جميع نعمه التي لا يحصيها العادّون ، ولا يبلغ حدّ نعمةٍ منها عليَّ (2) جميع حمد الحامدين ، لا والله أو يراني الله لا يشغلني شيء عن شكره وذكره في ليل ولا نهار ، ولا سرّ ولا علانية. ولولا أنّ لأهلي عَلي حقاً ، ولسائر الناس من خاصّهم وعامّهم عَليّ حقوقاً لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤدِّيَها إليهم ، لرميت بطرفي إلى السماء ، وبقلبي إلى الله ، ثمّ لم أرُدَّهما ، حتى يقضي اللهّ على نفسي وهو خير الحاكمين ).
  وبكى ( عليه السلام ) ، وبكى عبدالملك وقال : شتّان بين عبدٍ طلب الاخرة وسعى لها سعيها ، وبين مَنْ (3) طلب الدنيا مِن أين أجابته (4) ، ما له في الاخرة من خلاق ، ثمّ أقبل يسأله عن حاجاته ، وعمّا قصدَ له ، فشفّعَهُ فيمن شفع ، ووصله بمالٍ (5).
  يقول عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس أيّده الله تعالى : أما ترى حديث مولانا أمير المؤمنين وحديث مولانا زين العابدين

------------------
(1) قال الله عز وجل : ( لِيغفِرَ لَكَ الله مَا تَقدمَ مِنْ ذَتبِكَ وَمَا تَاَخرَ وَيتمَّ نِعمَتَهُ عَلَيك ويَهْدِيَكَ صِرَاطاً مستَقيماً ). ( الفتح 48 : 2 ).
(2) ليس في ( د ) و ( ش ).
(3) في ( م ) : عبد.
(4) في البحار : جاءته.
(5) نقله المجلسي في بحار الأنوار 46 : 56 / 10 ، وأورده الشيخ النوري في مستدرك الوسانل 1 : 14 إلى قوله : وبكى عبدالملك.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 172 _

  ( عليهما السلام ) وعلى سلفهما وذرّيتهما الطاهرين ، يقتضيان أنّه ليس مع العبد المكلّفِ وقت يخلو فيه من أدب الاعتراف بنعم اللهّ جلّ جلاله وحق شكرها ، فإنّهُ لا يسع عمره كُلّه القيام بحقِّ عظيم برّها ، فهل مع هذا يبقى للمكلّف وقتٌ تكون فيه نِعمُ اللّهِ مباحةً له (1) ، ليس لها صفة زائدة على حسنها مثل إباحتها للدوابّ وهي خالية من شيء من الآداب ؟ هذا لا ينبغي أن يعتقده ذوو الألباب.
  وأمّا الجواب الآخر على سبيل بعض التفصيل ، فاعلم أنّني اعتبرت الذي ربّما ذكروا بأنّه مباحات كالأكل والشرب ، ولبس الثياب ، والنوم ، ودخول بيوت الطهارات ، والمشي ، والركوب ، والجلوس ، والتجارة ، والأسفار ، والقدوم ، والنكاح وغير ذلك من تصرّفات المكلَفين بالمعقولات والمنقولات ، فما وجدت شيئاً من هذه التي يسمّونها مباحات إلا وعليها آداب من الألباب (2) ، أو من المنقول في الكتاب أو السنّة ، على تفصيل يطول بشرحه مضمون هذا الكتاب ، امّا آداب في هيئات تلك الحركات والسكنات ، أو فيما يراد منها من الصفات ، أو في النيات ، أو بدعوات ، وما وجدت شيئاً عارياً للمكلّفين ، وخالياً من أن يكون عليه أدبٌ أو ندبٌ أو تحريم أو تحليل أو كراهية من سلطان العالمين بالعقل أو النقل ، وهذا لا يخفى على العارفين ، وانّما وجدت المباحات الخالية من الآداب مختصّةً ـ بغير المكلَفين من العباد ـ بالحيوانات (3) والدّواب ، أما بلغك قول مولانا عليّ ( عليه السلام ) عن المكلّفين : ( وفي حلالها حساب ) (4) فلا تقلّدني

------------------
(1) ليس في ( د ).
(2) في ( ش ) : الاداب.
(3) في ( ش ) : وا لحيوانات.
(4) روي في تحف العقول : 201 ، نهج البلاغة : 156/ ط 82 ، كنز الفوائد : 160 ، مشكاة الأنوار : 270 ، غررالحكم : 260/ 295.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 173 _

  وانظر فيما ذكرتُ فإنّه حق بغيرِ ارتياب ، ولا تنظر إلى كثرةِ القائلين بخلافِ ما قلت ، فانت مكلَفٌ بما يبلغهُ عقلك ، ولست مكلّفاً في مثل هذا بتقليد القائلين ولو كانوا بعدد التراب.
  أقول : وإذا كان الأمر كما (1) شرحناهُ وأوضحناهُ فما يبقى للمكلّف مباحٌ مطلقاً يستخير فيه حتى تتعلّق الاستخارة بالمباحات ، وصارت الاستخارات كلها في المندوبات والاداب والطاعات.
  وأما تاكيد ما ذكرناه من طريق الروايات ، فاعلم أنّ الرواية وردت عن مولانا زين العابدين ( عليه السلام ) بما أرويه وأشير إليه ، وإن كان في بعضها زيادات ، وفي بعضها نقصان ، ونحنُ نروي من ذلك ثلاث روايات ، فهي أبلغ في البيان.

  الرواية الأولى :
  أخبرني بها شيخي العالم الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهاني معاً ، عن الشيخ أبي الفرج علي بن السعيد أبي الحسين الراوندي ، عن والده ، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي ، عن السعيد أبي جعفر الطوسي ، عن الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، عن الشيخ أبي القاسم جعفربن محمد بن قولويه ، عن الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى ، عن عمروبن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان عليُّ بن الحسين ( صلوات الله عليه ) إذا همَ بامر حجٍ ، أو عُمرةٍ ، أو بيعٍ ، أو شراءٍ أو عتق تطهّرَ ثم صلى ركعتي الاستخارة ، يقرأ (2) فيهما بسورة الحشر وسورة الرحمن ، ثم يقرأ المعوذتين وقل هو الله

------------------
(1) في ( ش ) : على ما.
(2) في ( د ) والكافي : فقرأ.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 174 _

  أحد ، إذا فرغ وهو جالس في دبر الركعتين ، ثَم يقول ـ وفي رواية : قال في دبر الركعتين ـ : ( اللهُم إنْ كَانَ كَذَا وكَذَا خَيراً لي في ديني ودنْيَاي ، وعاجِل أمري وآجِلِه ، فصلِ على محمدٍ وآله ، ويَسّرْهُ لي على أحسنِ الوجوهِ وأجْمَلها (1) ، اللهُمَّ وإنْ كان كذا وكذا شراً لي في دِيني ودنْيَايَ وآخِرَتِي ، وعاجل أمْري وآجِله فصلِ على محمدٍ وآلِهِ وَاصْرِفه عني ، ربيَ صلِّ على محمد والِ محمد ، واعزمْ لي على رشْدي وإن كرِهت ذلك ، أو أبَتْهُ نفسي ) (2).

  الرواية الثانية :
  وأخبرني بهذه الرواية أيضاً شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهاني ، بإسنادهما المذكور الى جدي أبي جعفر الطوسي ، عن ابن أبي جيد القمي ، عن محمد بن الحسن ، عن الحسين [ بن الحسن ] (3) بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وذكر هذا الحديث الأول كما ذكرناه إلا أنّه لم يقل فيه أنه يقرأ قل هو الله أحد.
  وقد ذكرها في كتاب تهذيب الأحكام (4).

  الرواية الثالة :
  أخبرني شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهاني بإسنادهما الذي قدمناه إلى جدي أبي جعفر محمد بن الحسن

------------------
(1) في ( ش ) : وأجلها.
(2) رواه الكليني في الكافي 3 : 470/ 2 ، والبرقي في المحاسن : 600/ 11 ، والكفعمي في البلد الأمين : 160 ونقله المجلسي في بحار الأنوار 91 : 263/ ذيل ح 15.
(3) أثبتناه من بحار الأنوار وكتب الرجال ، أنظر ( معجم رجال الحديث 5 : 212 ).
(4) تهذيب الأحكام 3 : 180/ 2.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 175 _

  الطوسي فيما يرويه عن جابر بن يزيد الجعفي في أصله ، قال في إسناده إلى ما يرويه عن جابر : أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن المفضّل بن صالح ، عن جابر. قال : ورواه حميد بن زياد ، عن ابراهيم بن سليمان ، عن جابر (1).
  عن إلامام الباقر ( عليه السلام ) أنّه قال : كان علي بن الحسين زين العابدين ( عليهما السلام ) إذا هَم بحجٍ ، أو عمرة ، أو بيعٍ ، أو شراءٍ ، أو عتقٍ ، أو غير ذلك تطهّرَ ثمَّ صلّى ركعتين للاستخارة يقرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتي الحشر والرحمن ثمّ يقرأ بعدهما المعوّذتين ، وقل هو الله أحد ، يفعل هذا في كلّ ركعة ، فإذا فرغ منها ، قال بعد التسليم ـ وهو جالس ـ : اللّهمَّ !نْ كان كذا وكذا خيراً لي في ديني ودنيايَ ، وعاجل أمري وآجله فيسِّرْهُ لي على أحسنِ الوجوهِ وأكمَلها (2) ، اللهمَّ وإنْ كان شرّاً لي في ديني ودنياي ، وعاجل أمرْي وَاجِلِه ، فاصرِفهُ عنّي ، ربِّ اعْزِمْ لي على رُشْدِي وإن كَرِهَتْهُ نفسي ) (3).
  أقول : وربما قال قائلٌ : إن هذه الاستخارة المذكورة ما فيها ذكر عدد ألفاظ الاستخارات ، ولا فيها ذكر الرقاع التي يأتي فيها شرح الروايات.
  والجواب عن هذا وأمثاله من كلّ رواية لا تتضمّن ذكر الرقاع في الاستخارة سيأتي مشروحاً في الباب المتضمّن لترجيح العمل بالرقاع (4) ، بواضح المعاني ، وبيان العبارة ، فلا تعجل حتّى تقف عليه ، فإنّه شاف كما

------------------
(1) أنظرفهرست الشيخ : 73 / 139.
(2) في ( ش ) : كلها.
(3) رواه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد : 479 ، ونقله الشيخ المجلسي في بحار الأنوار 91 : 266/ 20 ، والشيخ النوري في مستدرك الوسائل 1 : 449/ 9.
(4) يأتي في الباب التاسع.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 176 _

  نشيرإليه إن شاء الله تعالى .
  وقد ذكر شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في الرسالة العزية ما هذا لفظه : باب صلاة الاستخارة : وإذا عرض للعبد المؤمن أمران فيما يخطر بباله من مصالحه في أمر دنياه ، كسفره وإقامته ومعيشتهِ في صنوفٍ يعرض له الفكر فيها ، أو عند نكاح وتركه ، وابتياع أمةٍ أو عبدٍ ، ونحو ذلك ، فمن السُنّة أن لايهجم (1) على أحد الأمرين ، وليتَوَقَّ حتّى يستخير الله عزّ وجلّ ، فإذا استخاره عزم على ما خطر (2) بباله على الأقوى في نفسه ، فإن تساوت ظنونه فيه توكّل على الله تعالى وفَعَلَ ما يتّفق له منه ، فإنّ الله عزّوجلّ يقضي له بالخيرإن شاء الله تعالى .
  ولا ينبغي للإنسان أن يستخير اللهّ تعالى في فِعْلِ شيء نهاهُ عنه ، ولا حاجة به في استخارة لأداء فرض ، وإنّما الاستخارة في المباح وترك نفل إلى نفل (3) لا يمكنه الجمع بينهما ، كالجهاد والحجّ تطوّعاً ، أو السفر لزيارةِ مشهدٍ دون مشهد ، أو صلة أخٍ مؤمن وصلة غيره بمثل ما يريد صلة الآخر به ، ونحوذلك.
  وللاستخارة صلاة موظَّفة مسنونة ، وهي ركعتان يقرأ الإنسان في إحداهما فاتحة الكتاب وسورة معها ، ويقرأ في الثانية الفاتحة وسورة معها ، ويقنت في الثانية قبل الركوع ، فإذا تشهّد وسلّم حمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على محمد وال محمد ، وقال (4) : ( اللّهَم إنّي أستخيرك بعلمكَ وقدرتكَ ، وأستخيركَ بعزّتكَ ، وأسألكَ

------------------
(1) في ( د ) : لايهم.
(2) في ( ش ) : ما يخطر.
(3) في ( د ) : وترك فعل إلى فعل.
(4) في ( د ) و ( ش ) وبحار الأنوار : وصلى على محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 177 _

  منْ فضلكَ ، فإنَكَ تَقْدِرُ ولا أقدِرُ ، وتعلمُ ولا أعلمُ ، وأنت علامُ الغيوبِ ، اللهَم إنْ كان هذا الأمر الذي عَرَضَ لي خيْراً (1) في ديني ودنيايَ وآخرتِي ، فيسرهُ لي ، وبارِكْ لي فيهِ ، وأعِني عليهِ ، وإنْ كان شراً لي فاصرِفْهُ عنيِ ، واقْضِ لي الخيرَ حيْثُ كان ، ورضني بهِ ، حتى لا أحبّ تعجيلَ ما أخَرْت ، ولا تاخير ما عجَّلتَ ).
  وإن شاء قال : ( إللهمَّ خِرْ لي فيمَا عَرَضَ لِي مِنْ أمرِ كذا وكذا ، واقْضِ لي بالخيرةَ فِيما وفَّقْتني له منه برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ ) (2).
  أقول : فهذا كلام شيخنا المفيد يصرح أنّ الاستخارة في المندوبات والحج والجهاد والزيارات والصدقات ، وسيأتي ذكر كلام جدّي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ في كتاب النهاية والمبسوط وكتاب الاقتصاد وكتاب هداية المسترشد في الاستخارة في أمور الدين والدنيا في باب روايتنا لكلام من ذكر أنّ الاستخارة مائة مرة (3) ، ونكشف ذلك كشفاً يغني عن الفكرة ، إن شاء الله تعالى .

------------------
(1) في ( د ) و ( م ) زيادة : لي.
(2) نقله الشيخ المجلسي في بحار الأنوار 1 9 : 29 2 ، في باب الاستخارة بالرقاع ، وقال معقباً : ( كان هذا بالأبواب المتعلّقة بالاستخارات المطلقة أنسب ، وإنما أوردته فا تبعاً للسيد ( ره ) مع العلم أن السيد ابن طاووس لم يورد النص المذكور في باب الاستخارة بالرقاع ، إذ ان عنوان الباب السابع ـ كما تقدم ـ هو ( في بعغ ما رويته في أن حجة الله جل جلاله المعصوم عليه أفضل الصلوات لم يقتصر في الاستخارة على ما يسميه الناس مباحات ، وأنه استخار في المندوبات والطاعات ، والفتوى بذلك عن بعض أصحابنا الثقات ( ، ولعل ما ذكره العلامة المجلسي مبتنياً على ما ورد في نسخته من الكتاب.
(3) يأتي في ص 241.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 179 _

  فيما أقوله وبعض ما أرويه من فضل الاستخارة ومشاورة الله جلّ جلاله بالست رقاع ، وبعض ما أعرفه من فوائد امتثال ذلك الأمر المطاع ، وروايات بدعوات عند الاستخارات
  إعلم أنّني اعتبرت المشاورة لله تعالى في الأمور على التفصيل ، وبروز جوابه المقدّس في الحال على التعجيل ، فرأيت هذه رحمة منِ الله جل جلاله باهرة كاشفة ، ونعمة زاهرة متضاعفة ، ما أعرف أن أحداً من أهل الملل السالفة دلّهُ جلّ جلاله عليها ، وبلّغه إليها ، حتى لو عرفتُ (1) يوم ابتداء رحمة الله جلّ جلاله لهذه الأمّة بها وتوفيقهم لها ، لكان عندي من أيّام التعظيم والاحترام الذي يُؤثَرُ فيه شكر الله جلّ جلاله على توفير هذه الأنعام ، ونحن نضرب مثلاً تفهم به جلالة ما أشرنا إليه ، ودلّنا الله جل جلاله عليه .
  وهوأنّه : لو أن (2) ملكاً من ملوك الدنيا محجوبٌ عن أكثر رعيّته ، ولا

------------------
(1) في ( د ) : عُرف.
(2) في ( د ) : كان.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 180 _

  يقدر على الحضور في خدمته ولا مشاورته إلا بعض خاصّته ، فبلغت سعة رحمته إلى أن جعل ـ في كلّ شهرٍ ، أو أسبوِع (1) ، أو عند صلاة ركعتين بخشوع وخضوع ، أو في وقت معين ـ يوماً معيّناً يأذن فيه إذناً عاماً ، يدخل فيه إليه من شاء من رعاياه وأهل بلاده ، يحدثونه بأسرارهم ، ويشاورونه مثل ما يشاوره خواصّه وأعزّ أولاده ، ويعرّفهم جواب مشاورته في الحال ، ويكشف لهم عن مصالحهم الحاضرة والمستقبلة بواضح المقال ، أما كان يوصف ذلك الملك بالرحمة الواسعة والمكارم المتتابعة (2) ، ويحسد رعيّته غيرهم من رعايا ملوك البلاد ، ويجعلون ذلك اليوم الذي يشاورونه فيه من أيّام الأعياد.
  وكذا حال المشاورة لله تعالى في الأسباب ، ورحمته في تعجيل الجواب ، فإنّ هذا كان مقام الأنبياء والمرسلين ، والخواص من عباده المسعودين ، يطلبون منه الحاجات ، فيوحي إلى الذين يوحى إليهم على لسان الملائكة ، وُيلقي في قلوب من يشاء منهم ، ويسمع آذان من يُريد ، ويرفع الحجاب عنهم ، وكان هذا المقام لهم خاصّة ، لا يشاركهم فيه من لا يجري مجراهم من العباد. فصار إلاذن من الله جلّ جلاله لكلّ امّة محمد ( صلّى الله عليه واله ) في مشاورته تعالى فيما يحتاجون إلى المشاورة فيه من كل إصدار وإيراد أبلغ من رحمة ذلك الملك في تعيين وقتٍ لدخول كافّةِ رعيّته ، وإذنه لهم في مشاورته ، فما أدري كيف خفي هذا الأنعام الأعظم ، والمقام الأكرم ، على من خفي عنه ؟ وكيف آهمل حق الله تعالى وحقّ رسوله ( عليه الصلاة والسلام ) فيما قد بلغت الرحمة منه ؟ ولقد صار العبد المؤمن والرسول المهيمن والوصيّ المستخيرين يقف هو وهما بين يدي الله تعالى على بساط المشاورة لجلاله ، وينزل إليك الجواب متعجّلاً كما يبرز إليهما ( صلوات الله عليهما ).

------------------
(1) في ( د ) أو في كل أسبوع.
(2) في ( د ) : السابغة.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 181 _

  هذا ماكان يبلغه أمل العبد من رحمة الله جلّ جلاله ، ( زاد على فضله ) (1) وكرمه وإفضاله أنّ العقل المبهوت كيف بلغ (2) إلى هذا المقام مع تقصيره في أعماله ، وهذا فضلٌ من اللهّ جلّ جلاله زاد على فضله سبحانه بإجابة الدعوات ، لأنّ الداعي إذا دعا ما يعلم الجواب في الحال كما يعلمه في الاستخارات ، ولو (3) رأى الداعي حصول الحاجة التي دعا في قضائها على التعجيل والتأجيل ، ما علم قطعاً ويقيناً أنّ هذا جواب دعائه على التحقيق والتفصيل ، فإنّه يجوز أن يكون الله جلّ جلاله قد أذن في قضاء حاجة الداعي على سبيل التفضّل قبل دعائه وسؤاله ، فصادف قضاؤها حصول تضرّعه وابتهاله ، وأمّا الاستخارة فهي جواب على التصريح بلفظ ( افعل ) أو ( لا تفعل ) وخيرة أو لا خيرة ، وصافٍ أو فيه أمور مكدّرة .
  سبحان من أمن أهل مشاورته من ذنوبهم الخطرة ، وشرّفهم بإلاذن في محادثتهم في الاستخارة (4) ، وكشف لهم بها عن الغيوب ، وعرفهم تفصيل المكروه والمحبوب .
  فصل :
  أخبرني شيخي العالم الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهانيّ معاً ، عن الشيخ أبي الفرج علي بن السعيد أبي الحسين الراوندي ، عن والده ، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبيّ ، عن السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، عن الشيخ أبي القاسم جعفربن قولويه القمي ،

------------------
(1) ليس في ( د ) و ( ش ).
(2) في ( د ) : يبلغ.
(3) في ( د ) : وإذا.
(4) في ( د ) : بالاستخارة.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 182 _

  عن الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ، فيما رواه في كتاب الكافي الذي اجتهد في تحقيقه وتصديقه ، وصنّفه في عشرين سنة ، وكان محمد بن يعقوب الكلينيّ في زمن وكلاء مولانا المهدي ( عليه السلام ) ، وقد كشفنا ذلك في كتاب غياث سلطان الورى لسكّان الثرى.
  وقال جدّي أبو جعفر الطوسيّ في كتاب فهرست المصنفين : محمّد بن يعقوب الكليني يكنى أبا جعفر ، ثقة عارف بالأخبار (1).
  وقال الشيخ الجليل أبو الحسن أحمد بن عليّ بن أحمد بن العباس النجاشي في كتابه الكبير فهرست أسماء مصنّفي الشيعة : محمد بن يعقوب الكليني كان شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، وصنّف الكتاب المعروف بالكُلَيْنيّ يسمّى الكافي في عشرين سنة (2).
  أقول (3) : قال هذا الشيخ ـ محمد بن يعقوب الكليني الثقة العارف بالأخبار ، الذي هو أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، الممدوح بهذه المدائح ، الذي كان في زمن الوكلاء عن خاتم الأطهارـ ما هذا لفظه :
  غير واحد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد البصريّ ، عن القاسم بن عبدالرحمن الهاشمي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ( إذا أردتَ أمراً فخذْ ست رِقاع ، فاكتبْ في ثلاثٍ منها : بسم الله الرحمن الرحيم ، خيرة من اللهِ العزيزالحكيم لفلان بن فلانة ( لاتفعلْ ، وفي ثلاثٍ منها مثل ذلكَ إفعلْ ) (4) ثَم ضعها تحت مصلاكَ ، ـ ثمَّ صل ركعتين ، فإذا

------------------
(1) فهرست الشيخ : 326/ 709.
(2) رجال النجاشي : 377/ 1026.
(3) في ( ش ) : أقول أنا.
(4) في الكافي وبحار الانوار : إفعل ، وفي ثلاث منها : بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل .

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 183 _

  فرغتَ فاسجد سجدةً وقلْ فيها مائة مرّة : ( أستخيرُ اللهّ برحمتهِ خِيرةً في عافيةٍ ) ، ثمَّ اسْتَوِ جالساً وقلْ : ( اللهم خرْ لي واخْتَرْ لي في جميعِ أموريِ ، في يُسْرٍ منكَ وعافيةٍ ) ثم اضْرِبْ بيدكَ إلى الرَقاع فشَوِشْهَا ، واخْرِجْ واحدةَ ، فإنْ خرج ثلاث متوالياتٍ ( إفْعَلْ ) فافْعل الأمرَ الَذي تريده ، وإنْ خرج ثلاث متواليات ( لا تَفْعَلْ ) فلا تَفْعَله ، وإنْ خرجتْ واحدة ( إفْعَلْ ) والأخرى ( لا تَفْعَل ) فأخْرِجْ مِن الرقاع إلى خمس فانْظُرْ أكْثرها فاعْمَلْ به (1).
  أقول : وقد اعتبرتُ كلما قدرت عليه من كتب أصحابنا المصنّفين من المتقدّمين والمتأخّرين فما وجدت وما سمعت أنَ أحداً أبطل هذه ولا ما يجري

------------------
(1) رواه الكليني في الكافي 3 : 470/ 3 ، والمفيد في المقنعة : 36 ، والطوسي في التهذيب 3 : 181/ 6 ، والشهيد في الذكرى : 252 ، والكفعمي في المصباح : 390 والبلد الأمين : 159 ، ونقله الحر العاملي في وسائل الشيعة5 : 208 / 1 ، والمجلسي في بحار الأنوار 91 : 230 / 5 ، والرواية متحدة مع ما بعدها .
  وقال الشيخ المجلسي في بيانه على هذه الرواية : هذا أشهر طرق هذه الاستخارة وأوثقها وعليه عمل أصحابنا ، وليس فيه ذكر الغسل ، وذكره بعض الاصحاب لوروده في سائر أنواع الاستخارة ، ولا بأس به ، وأيضاً ليس فيه تعيين سورة في الصلاة ، وذكر بعضهم سورتي الحشر والرحمن ، لورودهما في الاستخارة المطلقة ، فلو قرأهما أو الإخلاص في كل ركعة كما مر أو ما سيأتي في رواية الكراجكي رحمه الله لم أستبعد حسنه .
  ثم اعلم أنْ اخراج الخَمس قد لا يحتاج اليه ، كما اذا خرج أولاً ( لا تفعل ) ثم ثلاتاً ( إفعل ) وبالعكس فان قلت : هذا داخل في القسمين المذكورين ، قلت : إن سلمنا ذلك لان كان بعيداً فيمكن أن يخرج ( إفعل ) ثم ( لا تفعل ) ثم مرتين ( إفعل ) وبالعكس ، ولا يحتاج فيهما إلى اخراج الخامسة ، فالظاهر أن المذكور في الخبر أقصى الاحتمالات ، مع أنه يحتمل لزوم إخراج الخامسة تعبداً ، لان كان بعبداً .
  ثم إنه لا يظهرمع كثرة احداهما تفاوت في مراتب الحسن وضدّه ، وبعض الأصحاب جعلوا لهما مراتب بسرعة خروج ( إفعل ) أو ( لا تفعل ) ، أو توالي أحدهما بان يكون الخروج في الأربع أولى في الفعل والترك من الخروج في الخمس ، أويكون خروج مرتين ( إفعل ) ثم ( لا تفعل ) ثم ( افعل ) أحسن من الابتداء بلا تفعل ثم ( افعل ) ثلاثاً ، وكذا العكس إلى غير ذلك من الاعتبارات التي تظهر بالمقايسة بما ذكر وليس ببعيد .

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 184 _

  مجراها من العمل بالرقاع ، لانّما اوجدت واحداً من علماء أصحابنا المتقدّمين جعل بعض روايات الاستخارة بالرقاع على سبيل الرخصة (1) ، ومعنى الرخصة عند العلماء المعروفين أنّها الأمر المشروع الجائز غير المؤكّد فيه ، وهذا اعترف منه بجواز العمل بها عند من عرف قول هذا القائل ، وكشف عن معانيه .
  ووجدت واحداً من أصحابنا المتاخرين قد جعل العمل على غير هذه الرواية أولى (2) ، ومن قال أولى فقد حكم بالجواز ، وسأذكر كلام هذين الشيخين معاً جميعاً ، فيما يأتي من باب ( ما لعله يكون سبباً لإنكار قوم العمل بالاستخارة ) (3) وأجيب عنه جواباً شافياً في المعنى والعبارة إن شاء الله تعالى وهوحسبي ونعم الوكيل.
  يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس : وقد رويت هذه الرواية بطريق غير هذه ، وفيها روايات .
  حدّث أبو نصر محمد بن أحمد بن حمدون الواسطيّ عن أحمد بن أحمدبن علي بن سعيد الكوفي (4) قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكلينيُّ

------------------
(1) أراد به الشيخ المفيد ، حيث قال في المقنعة : 36 ، بعد نقله الرواية المذكورة : هذه الرواية شاذة أوردناها للرخصة دون تحقق العمل بها.
(2) هو الشيخ أبو عبدالله محمد بن ادريس العجلي الحلي ، حيث قال في السرائر 690 ـ بعد ذكره للاستخارة بمائة مرة ـ ما لفظه : والروايات في هذا الباب كثيرة ، والأمر فيها واسع ، والأولى ما ذ كرناه.
(3) يأتي في الباب 23.
(4) أثبتناه من البحار ، ولعله : أحمد بن أحمد الكوفي ، أبوالحسين الكاتب ، من تلامذة الكليني ، كما في رجال النجاشي في ترجمة محمد بن يعقوب ص 377 / 1026 ، فقد قال النجاشي : ( كنت أتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي ومسجد نفطويه النحوي ، أقرأ القرآن على صاحب المسجد ، وجماعة من أصحابنا يقرأون كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 185 _


------------------
الكوفي الكاتب ، حدثكم محمد بن يعقوب الكليني ).
وعنونه تبعاً لما في رجال النجاشي كل من : الوحيد في التعليقة وأبوعلي في منتهى المقال ، واقا بزرك الطهراني في نوابغ الرواة.والغريب أن الشيخ المامقاني ( قدس سره ) قال في تنقيح المقال 1 : 49 ، بعد أن عنون الرجل : ( لم أقف فيه إلآ على عنوان الوحيد له بذلك ، وقوله : إنه سيجيء في أحمد بن محمد بن يعقوب الكليني ما يشير إلى حسن حاله في الجملة انتهى ، وتبعه في المنتهى فعنون الرجل كذلك ، وعقبه بما ذكره الوحيد ( ره ) ، وظني أن ذلك اشتباه من قلم الوحيد ، وتبعه أبو علي من غير فحص وأن الصحيح أحمد بن اسماعيل الكاتب الاتي ضرورة أني لم أجد بعد فضل التتبع لأحمد بن أحمد الكاتب ذكراً في كتب الأخبار ولا الرجال ، والعلم عند الله ).
ولا يخفى أن قوله ( قدس سره ) بعدم وجود الشخص المذكور في كتب الأخبار والرجال بعد التتبع ، مدفوع بما ورد في رجال النجاشي ، وكذا بقية كلامه الشريف ، والظاهر أن مورد الشبهة الحاصلة عند الشيخ المامقاني ( قدس سره ) ـ حسب ما أظن ـ هو السهو الوارد في النسخة المطبوعة على الحجر من تعليقة الوحيد ص 31 ، حيث أحال إلى ( أحمد بن محمد بن يعقوب الكليني ) والصواب كما نقله أبوعلي في رجاله ص 30 عن التعليقة هو ( محمد بن يعقوب ) ، فلو كان الشيخ قدس سره قد رجع إلى ترجمة ( محمد بن يعقوب الكليني ) لارتفع الاشكال أساساً.
ويحتمل أن يكون المراد مما في المتن هو : أبو إلحسين أحمد بن علي بن سعيد الكوفي ، من مشايخ المرتضى ، والرواة عن الكليني كما في ترجمة الكليني في فهرست الطوسي.أو أبو الحسين أحمد بن محمد بن علي الكوفي كما في رجال الطوسي : 450/ 70 حيث قال : ( أحمد بن محمد بن علي الكوفي ، يكنى أبا الحسين روى عن الكليني ، أخبرنا عنه علي بن الحسين الموسوي المرتضى ( رض ) ).
والظاهر اتحاد الأخيرين على أن الشيخ الطهراني قد أفرد كل واحد منهما على حدة في كتابه نوابغ الرواة ص 34 و51.
وصرح الشيخ الطهراني في نوابغ الرواة ، بتغاير أحمد بن أحمد الكوفي مع الأخيرين ، حيث قال ـ بعد أن نقل كلام النجاشي ـ : ( فيظهر أن النجاشي في عهد صغره واختلافه الى الكتاب أي حدود 380 رأى المترجم وسمع منه ما ذكره للأصحاب ، وألنجاشي لا يروي عن أبي المفضْل الشيباني محمد بن عبدالله المتوفى 387 ، على أنه سمع منه كثيراً ، وكان له يومئذ خمس عشرة سنة ، فكيف يروي عمن أدرك صحبته في صغره وله سبع سنين تقريباً ، فصاحب الترجمة غيرأبي الحسين أحمد بن علي بن سعيد الكوفي من مشايخ المرتضى كما في ترجمة الكليني من فهرست الطوسي عند روايته عن الكليني ، أو أبي الحسين أحمد بن محمد بن علي الكوفي الراوي عن الكليني كما في رجال الطوسي ).

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 186 _

  قال : حدّثث غير واحد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم بن عبدالرحمن الهاشمي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ( إذا أردتَ أمراً فخذْ ستَّ رقاع ، فاكتبْ في ثلاث منها : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ ، خيرة من اللهِ العزيزِ الحكيمِ لعبدهِ فلان بن فلانة (1) ( إفْعَلْ ) وفي ثلاثٍ منها : بسم الله الرحمن الرحيم ، خيرة من اللهِ العزيزِ الحكيمِ لعبده فُلان بن فلانة (2) لا تفْعَل ، ثم ضعهَا تحت مُصلآكَ ، ثم صلِّ ركعتينِ ، فإذا فرغتَ فاسْجُدْ سجدةً وقلْ فيها مائة مرّةٍ : ( أستخيرُ الله برحمتهِ خيرةَ في عافية ) ثمّ استو ِجالساً وقل : ( اللّهمَّ خِرْ لي واخْتَرْ لي في جميع أموري في يُسْرٍ منكَ وعافية ) ثَم اضْرِبْ بيدكَ في (3) الرقاعِ فشوِّشْهَا ، وأخْرِجْ واحدةً واحدة (4) ، فإنْ خرج ثلاث متواليات ( لا تفعْلَ ) ، فلا تفعلهُ ، وإنْ خرجتْ ثلاث متواليات ( إفْعَلْ ) فافعلْ ، وإنْ خرجتْ واحدةً ( إفْعَلْ ) والأخرى ( لا تَفْعَل ) فاخْرِجْ من الرقاع إلى خمس ، فانْظُرْ أكثرها فاعمَلْ به ، ودعِ السادسةَ لا تحتاج إليها ) (5).
  أقول : وقد اختار ـ شيخنا السعيدـ أبو جعفر الطوسيّ في كتاب مصباح المتهجد العمل بالرقاع الست في الاستخارات في جملة ما اختاره من الروايات ، وهو كتاب عملٍ ودراية ، ما هو على سبيل مجرد الرواية ، لأنّ من

------------------
أنظر ( رجال النجاشي : 377 / 1026 ، رجال الطوسي : 450/ 70 ، فهرست الطوسي : 327/ 709 ، تعليقات الوحيد : 31 و 329 ، منتهى المقال : 30 و 297 ، تنقيح المقال 1 : 490 ، نوابغ الرواة في رابعة المئات : 19 و 34 و 51 ، مقدمة الدكتور حسين علي محفوظ لكتاب الكافي 1 : 18 ).
1 و 2 ـ في ( م ) : فلان.
(3) في ( د ) والكافي : الى.
(4) ليس في ( م ) والكافي.
(5) الكافي 3 : 470/ 3 ، باختلاف يسير ، والبحار 91 : 230/ ذح 5 ، والرواية متحدة مع ما قبلها.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 187 _

  صنّف كتاب عمل فقد (1) تقلّد العمل بما فيه لمن عمل على معانيه ، أما يعرف أهل العلم أنّه إذا صنَف الإنسان كتاب عملٍ ، ودعا الناس إلى العمل بتلك الأحكام ، فمتى كان فيه ما لا يعتقده مصنفه حقاً وصدقاً فقد أبدع في الإِسلام ، وزاد في الحلال والحرام ، وحُوشي فضل شيخنا أبي جعفر الطوسيّ ـ قدّس الله روحه ـ وغيره من أن يصنف بدعةً يدعو الناس إلى العمل بها ، هذا لا يعتقده فيه ـ فيما أعلم ـ أحدٌ من الإمامية ، بل هو الثقة المأمون عندهم فيما يدعوإلى العمل به من المراسم النبويّة.
  وهذه بعض طرقنا إلى رواية ما تضمّنه كتاب المصباح الكبير :
  رويته عن والدي السعيد موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن الطاووس قدس الله روحه ونور ضريحه ، عن السعيد علي بن الحسن بن ابراهيم الحسيني العريضيّ ، عن الشيخ الموفق أبي طالب حمزة بن محمد بن شهريار الخازن ، عن خاله السعيد أبي علي الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر الطوسي ، عن والده السعيد المذكور.
  ورويت كتاب المتهجّد عن جماعة أيضاً ، منهم : شيخي الفقيه محمد ابن نما ، والشيخ السعيد أسعد بن عبد القاهر الأصفهانيّ ، عن الشيخ أبي الفرج علي بن أبي الحسين الراوندي ، عن والده ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي ، عن السعيد أبي جعفر الطوسي ، قال رحمه الله في كتاب مصباح المتهجد ما هذا لفظه :
  روى هارون بنِ خارجة ، عن أبي عبدالله [ عليه السلام ] ، قال : ( إذا أردتَ أمراً فخذْ ست رقاعِ فاكتبْ في ثلاثٍ منها : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ ، خيرة من اللهِ العزيزَ الحكيم لفلانِ بن فلانة افْعَلْهُ (2) ، وفي ثلاثٍ

------------------
(1) ليس في ( ض ).
(2) في ( د ) : افعل.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 88 _

  مِنْها : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ ، خيرة من اللهِ العزيزِ الحكيمِ لفلانِ بن فلانة لا تفْعَلْهُ (1) ، ثمَّ ضعها تحت مصلآك ، ثمَّ صل ركعتينِ فإذا فرغت فاسْجُدْ سجدةً ، وقلْ فيها مائة مرةٍ : أسْتخيرُ الله برحمتهِ خيرةً في عافيةٍ ، ثمَّ اسْتوِ جالساً ، وقلْ : اللّهَمِ خِرْ لي في جميع أموِري في يُسْرٍ منكَ وعافيةٍ ، ثُمَّ اضْرِبْ بيدكَ إلى الرّقاع فشوِّشْها ، وَاخْرِجْ واحدةَ واحدة (2) ، فإنْ خرج ثلاث متواليات ( إفْعَلْ ) فافْعَل الأمرَ الذي تريده ، وإنْ خرج ثلاث متواليات ( لا تفْعَلْ ) فلا تَفْعَل ، وانْ خرجتْ واحدةً ( إفْعَلْ ) والأخْرى ( لا تَفْعَلْ ) فاخْرِجْ من الرِّقاعِ إلى خمسٍ فانْظُرْ أكثرها فاعْمَلْ به ، ودعِ السادسة لا تحتاج إليها ) (3).
  أقول : ولمّا اختصر جدّي أبو جعفر الطوسيّ المصباح الكبير واختار صفوه ، كانت هذه الرواية في الاستخارة بالرقاع الست من جملة ما اختاره واصطفاه في مختصر المصباح بالفاظ روايته في المصباح الكبير كما قدّمناه ، وهذا مختصر المصباح الكبير أرويه عن والدي موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس قدّس الله روحه ونوّر ضريحه ، عن شيخه الفقيه حسين بن رطبة ، عن شيخه أبي علي بن محمد بن الحسن الطوسيّ مُصنّف مختصرالمصباح .
  وأروي أيضاً المختصر المذكور عن شيخي الفقيه محمد بن نما والشيخ أسعد بن عبدالقاهر الأصفهانيّ بإسنادهما الذي ذكرناه إلى المصباح الكبير (4).
  وهذا ينبه على جلالة هذه الاستخارة عند هذا الشيخ المُجْمَع على .

------------------
(1) في ( د ) والمصباح : لاتفعل.
(2) ليس في ( ش ).
(3) مصباح المتهجد : 480 ، والرواية متحدة مع ما قبلها.
(4) تقدم في ص 187.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 189 _

  علمه وورعه ومعرفته بالأخبار ، وأنه انتهت رئاسة الشيعة في وقته إليه رضوان الله عليه .
  ووجدت رواية أخرى بالرقاع ، ذكر من نقلتها من كتابه أنّها منقولة عن الكراجكيّ ، وهذا لفظ ما وقفت عليه منها :
  هارون بن حماد ، عن أبي عبداللهّ الصادق ( عليه السلام ) قال : ( إذا أردتَ أمراً فخذْ ست رِقاعٍ ، فاكْتُبْ في ثلاثٍ منهنّ (1) : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ ، خيرة من اللهِ العزيزِ الحكيمِ ـ وُيرْوَى العلي الكريم ـ لفلانِ بن فلانٍ ( إفْعَلْ ) كذا إن شاء الله ، واذْكُرْ اسمكَ وما تريد فِعْلَهُ ، وفي ثلاثٍ منهنَّ (2) بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ ، خيرة من اللهِ العزيزِ الحكيمِ لفلانِ بنٍ فلان لا تفْعَلْ كذا ، وتصلي أرْبع ركعاتٍ ، تقْرأ في كُلِّ ركعةٍ (3) خمسينَ مرّة قلْ هو الله أحد ، وثلاث مرّاتٍ إنَا أنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وتدع الرّقاع تحت سجادتكَ وتقول ( بعد ذلك : ( اللهَم إنكَ ) (4) تعلم ولا أعْلَمُ ، وتَقْدِرُ ولا أقْدِر ، وأنْتَ علام الغيوبِ ، اللهم آمنتُ (5) بك فلا شيء أعظمُ (6) منكَ ، صل على آدم صفوتكَ ، ومحمدٍ خيرتكَ ، وأهل بيتهِ الطاهرينَ ، ومَنْ بينهم مِنْ نبيٍ وصدّيقٍ وشهيدٍ وعبْدٍ صالحٍ ووليّ مُخْلِصٍ وملائكتكَ أجمعين ، إنْ كان ما عَزَمْتُ عليه من الدخول في سفري إلى بلد كذا وكذا خيرةً لي في البَدْوِ والعاقبةِ ، وَرِزْق تيسّرَ لي مِنْهُ فسهَلْهُ ولا تُعَسرْهُ ، وَخِرْ لي فيه ، وإن كان

------------------
(1) في ( د ) والبحار : منها.
(2) في ( د ) : منها.
(3) في ( د ) : واحدة.
(4) في ( ش ) والبحار : بقدرتك.
(5) ليس في ( ش ) و ( د ) والبحار.
(6) في البحار : أعلم.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 190 _

  غيره فاصْرِفْهُ عني ، وبَدِّلْني منه ما هو خير (1) منه ، برحمتك يا أرحم الراحمين ).
  ثمَّ تقول سبعين مرة : ( خيرة من اللهِ العلي الكريم ) فإذا فرغْتَ من ذلِكَ عفَرْتَ خدّك ودعَوْتَ الله وسألْتَه ما تُريد ) (2).
  قال : وفي رواية أخرى ، ثمّ ذكر في أخذ الرقاع ما تقدّم في الروايتين الأوليين.
  يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس : أمّا هارون بن خارجة لعله الصيرفي الكوفي ، راوي الحديث بصلاة الاستخارة ، فقد ذكر الشيخ الجليل أبو الحسين أحمد بن علي بن العباس النجاشي في كتابه فهرست المصنّفين عن هارون بن خارجة ما هذا لفظه : ( هارون بن خارجة كوفيّ ثقة وأخوه مراد ، روى عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ) (3).
  وأمّا الحديث الثاني في الاستخارة بالرقاع المتضمّن للزيادة فيحتمل أن يكون من هارون بن خارجة الأنصاري ، أيضاً كوفي ، ويكونان حديثين عن اثنين ، وكلّ منهما من أصحاب مولانا الصادق ( عليه السلام ) (4).

------------------
(1) في ( د ) و ( ض ) زيادة : لي.
(2) نقله المجلسي في بحارالأنوار 91 : 231/ 6 ، والنوري في مستدرك الوسائل 1 : 450/ 1.
(3) رجال النجاشى : 437/ 1176.
(4) على فرض كون راوي الحديث الثاني هو : هارون بن خارجة الأنصاري ، فانْ تغايره معهارون بن خارجة الصيرفي ، أمر غير مسلم به ، بل الاحتمال الأقوى اتحادهما ، فقد ذكر السيد الخوئي ـ بعد أن عنون للأنصاري ـ في معجم رجال الحديث 19 : 225/ 13226 ، ما لفظه : ( أقول : ظاهر عد الشيخ إياه من أصحاب الصادق ( عليه السلام ) بفصل رجل واحد من هارون بن خارجة الصيرفي ، التغاير والتعدد ، ولكن الاتحاد مما لا ينبغي الريب فيه لوجهين :
الأول : إنْ هارون بن خارجة الصيرفي أخوه مراد ، على ما صرح به الشيخ وغيره ، وقد مر في مراد بن خارجة توصيفه بالأنصاري ، ويلزمه أن هارون بن خارجة الصيرفي أيضاً أنصاري.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 191 _

  وأما الحديث في الاستخارة بالرقاع عن هارون بن حماد فما وجدت في رجال مولانا الصادق ( عليه السلام ) هارون بن حماد ولعله هارون بن زياد فقد يقع الاشتباه في الكتابة بين لفظ زياد وحماد في بعض الخطوط.
  أقول : فهذه أحاديث قد اعتمد على نقلها وروايتها مَن يُعتمد على نقله وأمانته ، فإذا كنت (1) علاماً باخبار مثلها في الفروع الشرعية والأحكام الدينية فيلزمك العمل بها ، والانقياد لها ، وإلاّ فالحجة لله جل جلاله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ولمن شارعه في ذلك لازمة عليك ، ونحن نحاكمك إلى عقلك (2) وإنصافك في مجلس حكم الله جل جلاله المُطلعِ عليك.

  فصل :
  وهذا يحتاج إليه من لم يعرف فوائد الاستخارة والمشاورة لله جل جلاله بالرقاعٍ المكتوبة عن الله عزَ وجل إلى عبده ، وأما من عرف فوائد ذلك وجداناً وعياناً لا يقدر على حصرهِ من أخبار الله عز وجل (3) في الاستخارات بالرقاع بالغايات ، وتعريفه ما بين يديه من المحبوب أو المكروه في الحركات والسكنات ، وقد عرف ذلك على اليقين والمشاهدات ، فبعد (4) هذا ما يحتاج إلى تكرار الروايات ولا الإكثار من المنقولات ، بل الاستخارة بالرقاع عنده قد دل الله جل جلاله بها عليها ، وجعلها كالتعريف منه بالأيات والمعجزات والبراهين التي لا يبلغ وصفه إليها ، ويكون كما قال الصادق ( عليه السلام )

------------------
الثاني : إنْ النجاشي والشيخ في الفهرست ، والبرقي والصدوق في المشيخة ، ذكروا هارون بن خارجة ولم يصفوه بوصف ، فلوكان المسمى بهذا الاسم اثنين لزمهم التعيين لازالة الشبهة ، والله العالم ).
(1) في ( د ) : كتب.
(2) في ( د ) : نفسك.
(3) في ( م ) : لا يقدر على حضرة من اختار الله.
(4) في ( م ) : فعند.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 192 _

  لبعض الشيعة ـ وقد ذكر له أنّ قوماً يعيّرونهم بنسبَتهم إليه ، فقال ما معناه ـ : ( أرأيت لو أنَّ في يدك جوهرة ، وأجمع الخلق على أنّها غير جوهرة ، أكان يؤثرذلك في علمك شيئاً ؟ ).
  فقال : لا.
  قال : ( فهكذا إذا عابوكم على صحّة الاعتقاد ، فلا يؤثر قولهم ، ولو ساعدهم على ذلك سائر من خالفكم من العباد ) (1).

  فصل :
  ولقد وجدت من دعوات النبي ( صلّى الله عليه واله ) والأئمة ( عليهم السلام ) في الاستخارات ما يُفهم منه قوة العناية منه ( عليه السلام ) ومنهم ( صلوات الله عليهم ) بها ، وتعظيمهم لها ، حتى لقد وجدت أنّها من جملة أسرار الله عزّ وجلّ التي أسرّها إلى النبي ( عليه السلام ) لما أسري به إلى السماء ، وأنّها من أهمّ المهام ، ووجدت أنّ آخر مرسوم خرج عن مولانا المهدي ( عليه السلام ) وعلى ابائه الطاهرين دعاء الاستخارة ، وهذا حجةٌ بالغة عند العارفين ، وها أنا أذكر من دعواتهم المبرورة للاستخارة المذكورة ما تهيّأ ذكره في الحال ، فإن ذكر جميعه أخاف على الناظر فيه من الضجر والملال .
  فمن ذلك ما أخبر به أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم ابن شاذان (2) ، قال حدّثنا أبو جعفر بن يعقوب بن يوسف

------------------
(1) روى نحوه ابن شعبة في تحف العقول : 305 ، عن الامام الكاظم ( عليه السلام ) يوصي هاشم بن الحكم.
(2) أبو علي الحسن بن أبي بكر أحمد بن ابراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان ، البغدادي البزاز الأصولي .
ولد في ربيع الأول سنة 339 هـ ، بنهر به والده إلى الغابة ، فاسمعه وله خمس سنين أو نحرها من كثرين ، طال عمره وصار ( مُسندُ العراق ) قال الخطيب : كان صدوقاً حسن السماع ،

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 193 _

  الأصفهاني (1) في جمادى الأولى من سنة تسعٍ وأربعين وثلثمائة قال : حدثنا أبوجعفر أحمد بن علي الأصفهاني (2) ، صاحب الشاذكوني (3) ، قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي (4) ، قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن

------------------
يفهم الكلام على مذهب الاشعري ، توفي في سلْخ عام 425 هـ ، ودفن في أول يوم من سنة 426 هـ.
أنظر ( تاريخ بغداد 7 : 279 ، العبر 2 : 252 ، تذكرة الحفاظ 3 : 1075 ، مرآة الجنان 3 : 44 ، سيرأعلام النبلاء 17 : 415/ 273 ، شذرات الذهب 3 : 228 ).
(1) أحمد بن يعقوب بن يوسف الاصفهاني ، أبو جعفر النحوي المحدث ، المعروف ببَزْرويه ، غلام نفطويه ، أخذ عنه وعن محمد بن العباس اليزيدي وجماعة ، وعنه أبو علي بن شاذان ، تصدر لإقرار النحو والعربية إلى أن مات في رجب سنة 354 هـ .
أنظر ( تاريخ بغداد 5 : 226 ، معجم الأدباء 5 : 152 ، انباه الرواة 1 : 187/ 89 ، القاموس المحيط : مادة ( بزر ) ، بغية الوعاة 1 : 400 ( المشتبه للذهبي 1 : 63 ، تاج العروس 3 : 41 ، نزهة الألباء : 253 ، الوافي بالوفيات 8 : 275 ،.
(2) عنونه الشيخ الطهراني في نوابغ الرواة كما ورد في سند فتح الأبواب وقال : ( ولعل المترجم أدرك أوائل هذا القرن ). أقول : لعله هو أحمد بن علويه الأصفهاني ، أبو جعفر الكرماني ، الشهير بابي الأسود ، أحد مؤلفي الامامية وشعرائهم ، صاحب القصيدة المشهورة بالمحبرة ، وكان صاحب لغة يتعاطى التأديب ويقول الشعر الجيد ، روى عنه احمد بن يعقوب الاصفهاني كما في تهذيب الشيخ ، وروى عن ابراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي كتبه كلها كما في رجال الشيخ ، ولد سنة 212 هـ ، وتوفي سنة 320 ونيف.
أنظر ( رجال الشيخ : 447/ 56 ، تهذيب الأحكام 1 : 141 ، بغية الوعاة 1 : 336/ 640 ، رجال النجاشي : 88/ 214 ، معجم الأدباء 4 : 72 ، رجال ابن داود : 40/ 103 ، تنقيح المقال 1 : 68/ 408 ، أعيان الشيعة 3 : 22 ، نوابغ الرواة : 32 و 36 ، الغدير 3 : 348 ، معجم رجال الحديث 2 : 151 و 154 ).
(3) في ( د ) : السامري ، والشاذكوني : بفتح الشين المعجمة ، والذال المعجمة ، بينها الألف وضمن ، الكاف ، وفي آخرها النون ، هذه النسبة إلى ( شاذكوني )، قال أبو بكر بن مردويه الحافظ الأصبهاني في تاريخه : إنما قيل له ( الشاذكوني ) لأن أباه كان يتجر إلى اليمن ، وكان يبيع هذا المضربات الكبار ، وتسمى ( شاذكونة ) فنسب إليها ، ( الأنساب للسمعاني 7 : 238 ).
(4) ابراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال بن عاصم بن سعد بن مسعود ، أبو اسحاق الثقفي ، أصله كوفي ، ثم انتقل إلى أصفهان وأقام بها ، قال النجاشي : ( كان زيدياً ثم انتقل إلينا ) ، له تصانيف

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 194 _

  عمربن يونس اليماني ، قال : حدثنا محمد بن ابراهيم بن نوح الأصبحيّ وأبو الحصيب سليمان بن عمرو بن نوح الأصبحيّ ، قالا حدثنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) عن علي بن الحسين قال : قال علي ( عليه السلام ) : أنّه كان لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) سرٌّ قلّ [ ما ] (1) عثر عليه ، وكان يقول ، وأنا أقول : لعنة الله وملائكته وأنبيائه ورسله وصالحي خلقه [ على ] (2) مفشي سر رسول الله ( صلّى الله عليه واله ) إلى غير ثقة ، فاكتموا سرّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، سمعته يقول : يا عليّ بن أبي طالب إنّي والله ما أحدثك إلآ ما سَمِعَتْهُ أذناي ، ووعاه قلبي ونظره بصري ، إن لم يكن من الله فمن رسوله ـ يعني جبرئيل ( عليه السلام ) ـ فإياك يا عليّ أن تضيع سرّي ، فإنّي قد دعوت الله أن يذيق من أضاع سري هذا حر جهنم ، ثم قال : يا علي إن كثيراً من الناس ـ وإن قلّ تعبدهم ـ إذا علموا ما أقول كانوا في أشدّ العبادة (3) وأفضل الاجتهاد ، ولولا طغاة هذه الأمّة لبينت هذا السر ، ولكنّي عَلِمْتُ أنَ الدّين إذاً يضيع ، فأحببت أن لا ينتهي ذلك إلآ إلى ثقة (4).
إني لمّا أسري بي إلى السماء السابعة ، فُتحَ لي بصري إلى فرجة في آلعرش تفور كما   يفور القدر ، فلمّا أردت الانصراف ، اُقعدت عند تلك الفرجة ، ثَم نُوديت يا محمد إنّ ربّك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إنّك أكرم خلقه عليه ، وعنده علمٌ قد زواه ـ يعني خَزَنَهُ ـ عن جميع الأنبياء ،

------------------
كثيرة ، توفي سنة 283 هـ.
أنظر ( رجال الشيخ : 451/ 73 ، فهرست الشيخ : 16/ 26 ، رجال النجاشي : 16/ 19 ، ذكر أخبار أصبهان 1 : 187/ 20 ، الأنساب 3 : 137 ، لسان الميزان 1 : 102/ 300 ).
1 و 2 ـ أثبتنأه من البحار.
(3) في النسخ : الغناء ، وفي البحار : العناء ، وما أثبتناه من أدعية السر للراوندي والبلد الأمين.
(4) في ( د ) : ثقاتي.

فـتـح الابــواب بين ذوي الالباب وبين رب الارباب _ 195 _

  وجميع أممهم (1) غيرك وغيرأمّتك ، لمن ارتضيت [ لله ] (2) منهم أن ينشروه لمن بعدهم لمن ارتضى الله منهم أنّه لا يصيبهم ـ بعد ما يقولونه (3) ـ ذنب كان قبله ، ولا مخافة ما يأتي من بعده ، ولذلك أمرك بكتمانه ، كيلا يقول العاملون حسبنا هذا من الطاعة.
  يقول عليّ بن موسى بن جعفربن محمد بن محمد بن طاووس : ثمّ ذكر في جملة أسرار هذا الدعاء ما هذا لفظه : يا محمد ومن هم بأمرين ، فأحبَّ أن أختار له أرضاهما لي فالزمه إياه فليقل حين يريد ذلك : ( اللهَم اختر لي بعلمك ، ووفّقني بعلمك لرضاك ومحبّتك ، اللهَم اختر لي بقدرتك ، وجنّبني بقدرتك مقتك وسخطك ، اللهم اختر لي لم فيما أريد من هذين الأمرين ، ـ وتُسمّيهما ـ أسرّهما إليّ ، وأحبَهما إليك ، وأقربهما منك ، وأرضاهما لك ، اللهمَّ إني أسألك بالقدرة التي زَويتَ بها علم الأشياء كلّها عن جميع خلقك ، فإنّكَ عالمٌ بهواي وسريرتي وعلانيتي ، فصلَ على محمد وآله ، واسْفَعْ بناصيتي (4) إلى ما تراه لك رضاً فيما استخرتك فيه ، حتى يلزمني ذلك (5) أمراً أرضى فيه بحكمك ، وأتكلُ فيهِ على قضائك ، وأكتفي فيه بقدرتك ، ولا تقْلبني وهواي لهواك مخالفاً ، ولا بما أريد لما تريد مُجانباً ، اغلب بقدرتك التي تقضي بها ما أحببتَ على من أحببتُ ، بهواكَ هواي (6) ، ويَسرني لليسرى التي ترضى بها عن صاحبها ، ولا تخذلني بعد

------------------
(1) في ( د ) : الأمم.
(2) أثبتناه من البحار وأدعية السر والبلد الأمين.
(3) في أدعية السروالبلد الأمين : بعد ما أقول لك.
(4) قوله تعالى : ( لَنسْفعاً بالنَاصِيَةِ ) أي لنأخذن بناصيته إلى النار ، يقال : سَفَعْتُ بالشيء إذا أخذته وجذبته جذباً شديداً ، والناصية : شعر مقدم الرأس ، والجمع النواصي ، ( مجمع البحرين ـ سفع ـ 4 : 345 ).
(5) في البحار : تلزمني من ذلك.
(6) قال المجلسي في بيانه على النص : قال الكفعمي : أي بارادتك إرادتي ، والمعنى طلب رضاه.