لقد طالبت فاطمة أولا بما أعطاه لها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم ثانيا بإرث الرسول وثالثا بسهم ذي القربى ، بسهم ذي القربى ، وإليك بعض الكلام في هذه المطالبات .
:المطالبة باسترداد فدك التي لها ملكيتها ، جاء في فتوح البلدان : إن فاطمة ( ع ) قالت لأبي بكر الصديق ( رض ) أعطني فدك فقد جعلها رسول الله لي ، فسألها البينة فجاءت بأم أيمن ورباح مولى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فشهدا لها بذلك ، فقال : إن هذا الأمر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل ومرأتين
، وفي رواية أخرى : شهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهدا أخر فشهدت لها أم أيمن ، وإن عشت أراك الدهر عجبا فاطمة ( ع ) التي نزلت آيات القرآن تطهرها وتعصمها تكذب وتسأل البينة .
إنها سيدة نساء العالمين، الصديقة الطاهرة التي بلغت درجة من العصمة والطهارة حتى صار غضبها غضب الرب ورضاها ، رضاه لقد قبل المسلمون شهادة أبي بكر في حديث الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نحن معاشر الأنبياء لا نورث فكيف لا يقبلون ادعاء الزهراء بأن فدكا ملكها ؟ لقد تجلت حكمة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حينما أكد على مكانة الزهراء وصدقها في الأحاديث المتقدمة خاصة ما جاء على لسان عائشة بنت أبي بكر لقد قالت ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة منها أي فاطمة ( ع ) ، لقد وقفت حائرا أمام هذا الموقف ! أين أقف ؟! هل أضرب بكلام الوحي وقول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن فاطمة عرض الحائط ، وأؤيد تكذيب القوم لها أم ماذا أفعل بلا شك لن أجعل كلام الرسول هذرا ولن أضعه وراء ظهري كما أنني لن أبرر ما فعلوه حينما صدوا الزهراء عن حقها . . لقد استولى أبو بكر على فدك كما استولى على غيرها من الأملاك والحقوق الخاصة بالرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . ولا أرى مبررا وجيها يدعوه لمنع الحق عن أصحابه إلا أن يكون هنالك أمر آخر ربما خفي علي وعليك أيها القارئ العزيز لكن مجريات الأحداث ستبين لك ما هو غامض .
ثانيا : مطالبتها بإرث الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن أبي الطفيل بمسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داوود وتاريخ الذهبي وتاريخ ابن كثير وشرح النهج واللفظ للأول قال : لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت وارث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أم أهله قال : فقال : لا ، بل أهله ، قالت : فأين سهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
(1) ، وفي رواية عن أبي هريرة في سنن الترمذي : أن فاطمة جاءت إلى أبي بكر وعمر ( رض ) تسأل ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالا : سمعنا رسول الله يقول إني لا أورث ، قالت والله لا أكلمكما أبدا ، فماتت ولا تكلمهما
(2) ، وغيرها من الروايات الكثيرة التي تتحدث عن منع أبي بكر فاطمة ميراثها من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أبيها ، بما في ذلك الحديث الذي بدأنا به هذا البحث.
ثالثا :
المطالبة بسهم ذي القربى:
لقد منعوها ملكها الخالص فدك وجاؤوها بحديث الأنبياء لا يورثون الذي قال فيه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده وقال إن أكثر الروايات أنه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده ، ذكر ذلك أعظم المحدثين حتى أن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم بالخبر برواية الصحابي الواحد ، وقال شيخنا أبو علي : لا يقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة ، فخالفه المتكلمون والفقهاء كلهم ، واحتجوا بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده نحن معاشر الأنبياء لا نورث
(3) ، عندما لم يجيبوها في كل ذلك طالبتهم بسهم ذي القربى ، فقد جاء عن أنس بن مالك أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت لقد علمت الذي ظلمتنا أهل البيت من الصدقات وما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن من سهم ذوي القربى .
--------------------------------
(1) مسند أحمد 1 / 4 الحديث 14 ، وسنن أبي داوود 3 / 5 كتاب الخراج وتاريخ ابن كثير 5 / 289 ، وشرح النهج 4 / 81 ، وتاريخ الذهبي .
(2) سنن الترمذي 7 / 111 ، أبواب السير كما جاء في تركة الرسول كما جاءت بمسند أحمد بن حنبل عن أبي هريرة أيضا ج 1 / 10 الحديث 60 .
(3) شرح النهج 4 / 82 ـ 85 .
بنور فاطمة اهتديت
_62 _
ثم قرأت عليه قوله تعالى ( واعلموا أنما غنمتم منشيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) فقال لها أبو بكر بأبي أنت وأمي السمع والطاعة لكتاب الله ولحق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحق قرابته وأنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرأين منه ، ولم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس مسلم إليكم كاملا قالت : فلك هو ولأقربائك ؟! قال : لا ، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين ، قالت : ليس هذا حكم الله
(1) ، وفي فتوح البلدان وطبقات ابن سعد وتاريخ الإسلام للذهبي وشرح النهج عن أم هاني قالت : إن فاطمة بنت رسول الله أتت أبا بكر (رض) فقالت : من يرثك إذا مت قال : ولدي وأهلي ، قالت : فما بالك ورثت رسول الله دوننا قال : يا بنت رسول الله ما ورث أبوك ذهبا ولا فضة ، فقالت : سهمنا بخيبر وصافيتنا فدك .
ولفظ طبقات ابن سعد : فسهم الله الذي جعله لنا وصافيتنا بيدك ، وفي لفظ ابن أبي الحديد وتاريخ الإسلام للذهبي : قال : ما فعلت يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقالت : بلى إنك عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخذتها ، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا
(2) ، لقد طالبت الزهراء ( ع ) بحقوقها كاملة فلم تحصل منها علىشيء ولا أدري لماذا منعت وردت ! إما لأنها كذبت في دعواها وحاشا لمن وعى كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وآمن بالوحي حقا أن يدعي عليها مثل هذه الفرية وقد علمت حرص الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الحديث عن فاطمة ( ع ) حتى لا تذهب المذاهب بالقوم وكيف يمكن أن تكذب وهي المطهرة بنص القرآن والمعصومة والصادقة في سيرتها كما جاء في الروايات وهي التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها ؟ إنها الزهراء (ع) ميزان الحق الذي به يعرف الباطل وأي خطأ وخطل يرتكب من يحاول أن يشكك في حقها الذي طالبت به ؟ لأن ذلك يعني الشك في قول الله تعالى وقول رسوله .
وليس هناك مجال لمدح يدعي أنها كانت جاهلة بحقوقها وأنها ربما لم تسمع بأنها لن ترث أباها وأن ملكها يمكن أن يتصرف فيه الخليفة كيف يشاء. إذ أن من المستحيل أن يغفل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيان ذلك لابنته الزهراء ( ع ) ، وهي المعنية بالأمر في الدرجة الأولى دون سائر المسلمين . . وزوجها هو علي بن أبي طالب الذي قال عنه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنا مدينة العلم وعلي بابها
(3) ، وقد أكد علي ( ع ) دعوى فاطمة ( ع ) حينما قال أبو بكر : قال رسول الله لا نورث ما تركناه صدقة فقال علي : ( وورث سليمان داوود ) وقال ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال أبو بكر : هو هكذا وأنت والله تعلم مثل ما أعلم فقال علي : هذا كتاب الله ينطق ! فسكتوا وانصرفوا
(4) .
------------------------------
(1) تاريخ الإسلام للذهبي 1 / 347 ، شرح النهج 4 / 81 .
(2) فتوح البلدان 1 / 35 وطبقات ابن سعد 2 / 314 ـ 315 وشرح النهج 4 / 81 وتاريخ الإسلام للذهبي 1 / 346 .
(3) أسد الغابة ج 4 ص 22 ، مستدرك الحاكم وشواهد التنزيل وتاريخ ابن عساكر وغيرها من المصادر .
(4) طبقات ابن سعد 2 / 315 وكنز العمال 5 / 365 كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال .
بنور فاطمة اهتديت
_63 _
إذا فاطمة كانت تدرك تماما ما تفعله وعن علم كامل بحقوقها وإلا لماذا استمر غضبها إلى حين وفاتها ولم تتراجع بل احتجت على أبي بكر بأن الأنبياء يورثون من القرآن الحكيم في خطبتها التي خطبتها أمام الخليفة الأول وذلك بعد منعها منحتها وإرثها وحقها في الخمس، جاء في شرح النهج وبلاغات النساء لأحمد بن طاهر البغدادي : لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها على رأسها واشتملت جلبابها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت كلامها بالحمد لله عز وجل والثناء عليه والصلاة على رسول الله ثم قالت : أنا فاطمة بنت محمد أقول عودا على بدء ، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ثم استرسلت في خطبتها إلى قولها :
ثم أنتم الآن ، تزعمون أن لا إرث لنا أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون يا ابن أبي قحافة ! أترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون، وفي معرض خطبتها الغراء تواصل الزهراء احتجاجها بما جاء من القرآن عن ميراث الأنبياء فقالت : أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول الله تبارك وتعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) وقال الله عز وجل في ما قص من خبر زكريا ( رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) وقال عز ذكره ( وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) وقال ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) وقال ( إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ).
بنور فاطمة اهتديت
_64 _
وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي أفخصكم الله بآية أخرج نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منها أم تقولون : أهل ملتين لا
يتوارثان ، أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن من أبي وابن عمي أفحكم الجاهلية تبغون . . .
(1) ، إن للزهراء من منازل القدس عند الله عز وجل ورسوله والمؤمنين ما يوجب الثقة التامة في صحة ما تدعي والطمأنينة الكاملة بكل ما تنطق به ، ولا تحتاج ـ عليها السلام ـ في كلامها إلى شاهد . . . ودعواها بمجردها تكشف عن صحة المدعى به كشفا تاما بلا نقصان . . ومع ذلك فقد جاءت ـ كما ذكرنا ـ بشاهد لا أظن أنهم يحتاجون إلى شاهد معه وهو علي ( ع ) أخو النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي لا يفارق الحق والقرآن أبدا . . ولكن رفضت شهادته ولعمري إن شهادة علي أولى من شهادة خزيمة التي جعلها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كشهادة عدلين . . . ولو تنازلنا فسلمنا أن شهادة علي ( ع ) كشهادة رجل واحد من عدول المؤمنين فلماذا لم يطلب أبو بكر من فاطمة اليمين فإن حلفت وإلا ردت دعواها ؟! لوجوب الحكم بالشاهد واليمين كما رواه مسلم في أول كتاب الأقضية عن ابن عباس قال : قضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بيمين وشاهد ، ونقل في الكنز عن الدارقطني عن ابن عمار قال : قضى الله في الحق بشاهدين ، فإن جاء بشاهدين أخذ حقه وإن جاء بشاهد واحد حلف معه .
-------------------------
(1) بلاغات النساء : 12 ، 15 ، 16 ، 17 .
بنور فاطمة اهتديت
_65 _
ومما يحير الألباب أن تكذب فاطمة وترد دعواها ولا تقبل شهادة علي كل ذلك حرصا منهم على منعها منحة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد أن جعلوها من متروكات الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعني من حق ورثته ، لكنهم جاؤوا بحديث الأنبياء لا يورثون واحتجت عليهم الزهراء في خطبتها بأنها تستحق ميراث رسول الله فذكرت من الأدلة القرآنية ما يروي الظمأ ويبين الحق وتلت الآيات التي ورث فيها الأنبياء وكون حكمها عاما يشمل ابنة النبي الأعظم ( صلى الله عليه
وآله وسلم ) ثم عرجت على آيات الميراث العامة والتي خوطب بها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فكان الأولى أن تطبق عليه ثم على سائر المسلمين ، يقول السيد عبد الحسين الموسوي :
إن توريث الأنبياء منصوص عليه بعموم قوله عز من قائل ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ) وقوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) إلى آخر آيات المواريث وكلها عامة تشمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فمن دونه من سائر البشر فهي على حد قوله عز وجل ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ )، وقوله سبحانه وتعالى ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) وقوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) الآية، ونحو ذلك من آيات الأحكام الشرعية يشترك فيها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكل مكلف من البشر لا فرق بينه وبينهم ، غير أن الخطاب فيها متوجه إليه ليعمل به وليبلغه إلى من سواه ، فهو من هذه الحيثية أولى في الالتزام بالحكم من غيره كذلك آيات الميراث تخص الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كغيره من سائر الناس عملا بظاهر الآيات الكريمة
(1) ، أما كون الأنبياء السابقين قد ورثوا المال فهذا ما نجده في ظاهر الآيات التي تحدثت عن زكريا ( ع ) وغيره من الأنبياء كما ذكرت الزهراء في الخطبة ولعل هنالك من يدعي أن ميراث الأنبياء كان العلم دون
المال ولكن ذلك خلاف الظاهر من الآيات إذ أن لفظ الميراث في اللغة والشريعة لا يطلق إلا على ما ينتقل من الموروث إلى الوارث
كالأموال ولا يستعمل في غير المال إلا على طريق المجاز والتوسع ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة وقرينة . . .
----------------------------
(1) النص والاجتهاد السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي فقرة توريث الأنبياء.
بنور فاطمة اهتديت
_66 _
وبالجملة لا بد من حمل الإرث في الآيات القرآنية التي تتحدث عن ميراث الأنبياء على إرث المال دون العلم وشبهها حملا للفظ يرثني على معناه الحقيقي المتبادر إلى الذهن إذ لا قرينة على كون المراد في الآيات توريث العلم ومن يدعي ذلك عليه الإثبات وعلى فرض أن الأنبياء ورثوا العلم لأبنائهم وذويهم فهلا سمعوا العلم عمن ورثه عن النبي ( صلى الله عليه وآله سلم ) وأخذوا بكلام هؤلاء الورثة ورثة علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذين هم أعلم بأحكام الدين من غيرهم واتبعوهم أمنا من الضلال إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي .
ومما يثير التساؤل ميراث زوجات النبي في بيوته التي اختص بها نساءه ، عائشة كيف تسنى لها البقاء في بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع أنه وعلى حسب مدعاهم لا يورث ولم يثبت أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ملكها هذا البيت في حياته كما أن أباها الخليفة الأول لم يطالبها ببينة وانتقلت إليها ملكية البيت بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأصبحت هي المتصرفة فيه حتى أن أبا بكر وعمر طلبا منها الإذن حتى يدفنا بجوار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أنها منعت من دفن من هو أكثر نصيبا منها على فرض أنه من الميراث لأنها ترث التسع من الثمن باعتبارها إحدى تسع أزواج مات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهن في عصمته ، وللزوجة كما هو معلوم ثمن الميراث إن كان له ولد بينما يرث الحسن ( ع ) عن طريق أمه فاطمة ( ع ) أكثر منها ومع ذلك ينقل لنا اليعقوبي في حادثة وفاة الحسن بن علي ( ع ) ثم أخرج نعشه يعني الحسن يراد به قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فركب مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص فمنعا من ذلك حتى كادت تقع الفتنة وقيل أن عائشة ركبت بغلة شهباء ، وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد
(1).
------------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 225 .
بنور فاطمة اهتديت
_67 _
والقرآن الحكيم يثبت أن هذه البيوت التي أودع فيها زوجاته هي له دون الزوجات في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) ( سورة الأحزاب : آية / 53 ) فنسبة البيوت إلى النبي واضحة فهو الأصل وزوجاته عرض على هذه البيوت ولا يعترض قائل بأن الله تعالى يقول أيضا ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) لأن كلمة ( بيوتكن ) هنا تشمل البيت الذي كان في زمن حياة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والذي تنتقل إليه الزوجة عادة بعد وفاة زوجها . . . فالزوجة إما ترجع إلى بيت أهلها أو تبقى في بيت زوجها والأخير لا يتم إلا عن أحد طريقين إما أنها تملكته في حياة زوجها أو أنها ورثته عنه والثاني غير ممكن بالنسبة لزوجات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند من يؤمن بحديث لا نورث أما الأول فلم يثبت أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد نحل البيوت لأزواجه ، في حين أن فدكا نحلت لفاطمة الزهراء كما جاء في تفسير آية ( وآت ذا القربى حقه ) قالوا لما نزلت هذه الآية دعا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاطمة وأعطاها فدك
(1) .
إذا كلمة ( بيوتكن ) لا دلالة فيها على ملكية زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لبيوته بل الآية الأولى واضحة في نسبة البيوت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي المقيدة للآية الثانية في حال حياة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لقد طالبوا الصديقة الطاهرة بالبينة ولم يطالبوا غيرها بذلك . . . ما السبب ذلك ما ستكشف عنه الأحداث كما سنفصل .
----------------------------------
(1) بتفسير الآية من سورة الإسراء في شواهد التنزيل 1 / 338 ـ 341 بسبعة طرق ، والدر المنثور 4 / 177 وميزان الاعتدال 2 / 225 ط أولى وكنز العمال 2 / 158 ط أولى ومنقحة ، والكشاف 2 / 446 ، وتاريخ ابن كثير 3 / 36 .
بنور فاطمة اهتديت
_68 _
فدك الرمز:
تعرفنا على الزهراء من خلال القرآن فكانت المثال الأعلى للإيمان والتقوى والورع والزهد والعصمة . . تجلت لنا أسمى معاني الايثار في الزهراء ومع أهل البيت ( ع ) . . يجودون بطعامهم للمسكين واليتيم والأسير لقد مدحها الله مع أبيها وبعلها وبنيها فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ووصفهم بأنهم الموفون بالنذر الخائفون من يوم كان شره مستطيرا وهو تعالى القائل عن لسانهم ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) ثم جعل سبحانه وتعالى مودتهم أجرا للرسالة والنبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يتحدث عن ابنته فتفيض كلماته لتعطي الزهراء ( ع ) هالة من القدسية يتوقف عندها كل القديسين والأولياء إجلالا لعظمتها ، فاطمة ( ع ) هذه الشامخة المدركة تماما أنها ما خلفت إلا للآخرة . . إنها كانت من الصنف الذي لا يقيم لحطام الدنيا وزنا وهي التي أهدت حتى ثياب عرسها لسائلة مسكينة ليلة زفافها كما جاء في التاريخ
(1) . . .
وهي من علمت أخي القارئ من خلال استعراض آيات الذكر الحكيم التي نزلت فيها إضافة إلى كلام أبيها وسيرتها العطرة . . . فاطمة الزهراء ( ع ) التي عرفتها هي أكبر من أن تطالب بقطعة أرض ،
يا ترى لماذا كان إصرارها على المطالبة بحقوقها المادية المتمثلة في فدك وغيرها من الخمس والميراث ؟! إنها لم تكن حريصة على امتلاكشيء مآله إلى الزوال في هذه الدنيا ومن المستحيل أن ندعي على الزهراء بأنها قلبت الدنيا على الخليفة الأول من أجلشيء يرتبط بالدنيا . . لا سيما أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به ، لا بد من أن يكون هنالكشيء عظيم استهدفته الزهراء من مطالبتها بفدك ، من مجمل الأحداث التي اطلعت عليها أثناء بحثي توصلت إلى مغزى مطالبة فاطمة بفدك ومن ثم اتخاذها ذلك الموقف من الخلفاء وغضبها ودفنها ليلا وسرا .
-------------------------------
(1) روى ذلك الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي في نزهة المجالس ج 2 ص 226 ط القاهرة .
بنور فاطمة اهتديت
_69 _
بعيد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مباشرة حدث الاختلاف حول الخلافة ، البعض ينادي بخلافة علي ( ع ) وأهل البيت وآخرون يرون شرعية ما جرى في السقيفة من تولية لأبي بكر . . إن الأحداث بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخذت بعدا آخر ولم تكن فدك فيها إلا حلقة من حلقات الصراع بين أصحاب السقيفة وأهل البيت ( ع ) المعارضين لها بقيادة علي وفاطمة ( ع ) . . وكان بيت فاطمة هو ملتقى تلك المعارضة يقول ابن قتيبة في تاريخه إن أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته في دار علي وفاطمة فأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب ، يريد منهم أن يبايعوا بالإكراه والقوة ، وقال : والذي نفس عمر بيده. لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها .
فقيل له يا أبا حفص إن فيها فاطمة فقال : وإن . . فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضرا منكم تركتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقنا
(1) ،
لقد أطلقت فاطمة ( ع ) صوت المعارضة وحملت مشعل الحقيقة لتبين للجماهير التي اشتبه عليها الأمر وطالبت بفدك وأثبتت بذلك للتاريخ كله أن خلافة تقوم في أول خطوة لها بالاعتداء على أملاك رسول الله صلى ليست امتدادا له بقدر ما هي انقلاب عليه كما هو الشأن في كل الانقلابات التي تتم في العالم حيث تتم مصادرة أملاك السابقين وأي شخص يتجرد من العصبية المذهبية ويفهم أوليات السياسة يدرك مغزى مصادرة ( فدك ) وإخراج عمال فاطمة منها وبالقوة أو كما يعبر صاحب الصواعق المحرقة انتزاع فدك من فاطمة ، ولم تكن فدك قطعة الأرض ، هي مقصد فاطمة ( ع ) بل الخلافة الإسلامية التي كانت حقا لزوجها علي بن أبي طالب كما سنبين ويمكن تلخيص أسرار المطالبة بفدك في الآتي :
----------------------------
(1) تاريخ الخلفاء ج 1 ص 12 .
بنور فاطمة اهتديت
_70 _
1 ـ إن فاطمة كغيرها من البشر تطالب بحقها سواء كان ذلك نحلة أو هبة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو ميراثا أو حقوقا شرعية كالخمس ، ومن هذا الحق الطبيعي انطلقت الزهراء لتعري القوم وتكشف عن حقيقتهم ، والحكمة كانت تقتضي أن تكون المبادرة من الزهراء ( ع ) بعد أن استولى الحاكم الجديد على جميع امتيازات الهاشميين . . وكانت مطالبة علي بن أبي طالب وبقية الهاشميين بحقوقهم صعبة في ظل تلك الظروف التي رفض فيها هؤلاء مبايعة الخليفة وإمضاء ما جرى في السقيفة وأي محاولة منهم للتحرك كانت تعني إعطاء الطرف الآخر المبرر للتصفية التي كانت تلوح في الأفق من خلال كلمات جماعة السقيفة وهم يتشاورون ويبحثون عن طريقة يجبرون بها الهاشميين وعلى رأسهم علي ( ع ) على البيعة .
2 ـ لقد رأت الزهراء في المطالبة بفدك فرصة طيبة للإدلاء برأيها حول الخلافة وكانت لا بد من أن تدلي بتصريحاتها أمام الجماهير فاختارت المسجد المكان المناسب حيث معقل الخلافة هنالك وحيث كان أبوها يلقي الحديث تلو الحديث عن فضلها ومكانتها عند الله وصدقها وزهدها وقدسيتها ، ولذلك عرفت نفسها في الخطبة قائلة واعلموا أني فاطمة وأبي محمد وانطلقت في مهمتها الرسالية لتظهر حال ومآل الخلافة ، وتكشف الحقائق ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة .
3 ـ كانت الخلافة المغتصبة هي محط أنظار البتول الطاهرة ( ع ) فجاءت مطالبتها الحثيثة بفدك وغيرها من الحقوق وبعدها يفسح لها المجال لتطالب بالأمر الذي اختص به زوجها وهو ولاية أمر المسلمين . . وأصبحت فدك ترتبط بالخلافة بلا فاصل كما تحول محتواها وكبر معناها فلم ينحصر في قطعة الأرض المحدودة بل صار معناها الخلافة والبلاد الإسلامية كاملة . . وذلك ما وضحه حفيدها الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( ع ) حينما ألح عليه الرشيد العباسي في أخذ فدك ، قال له الإمام : ما آخذها إلا بحدودها ، قال الرشيد : وما حدودها ، قال ( ع ) : الحد الأول عدن والحد الثاني سمرقند والحد الثالث إفريقية والحد الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية فقال له الرشيد ، فلم يبق لناشيء فتحول من مجلسي ـ أي إنك طالبت بالرقعة الإسلامية في العصر العباسي بكاملها ـ فقال الإمام : قد أعلمتك أني إن حددتها لم تردها ، فدك إذا هي التعبير الثاني عن الخلافة الإسلامية والزهراء ( ع ) جعلت فدك مقدمة للوصول إلى الخلافة .
بنور فاطمة اهتديت
_71 _
ذكر ابن الحديد في شرحه قال : سألت علي بن الفارقي مدرس مدرسة الغربية ببغداد فقلت له : أكانت فاطمة صادقة قال : نعم قلت : فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال : لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها ، لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار والمدافعة بشئ ، لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود
(1) ومما يؤكد دعوانا في أن الخلافة كانت في الهدف الأساسي ما جاء في الإمامة والسياسة من قول ابن قتيبة . . وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله لقد مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ، ما عدلنا به فقال علي كرم الله وجهه : أفكنت أدع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بيته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم
(2) .
-------------------------------
(1) شرح النهج ج 16 ص 284 .
(2) الإمامة والسياسة ج 1 ص 12 .
بنور فاطمة اهتديت
_72 _
لقد كان لفاطمة ( ع ) موقف واضح من الخلافة حتى أن بيتها كان عند جماعة السقيفة هو مركز المعارضة حتى قال عمر في روايته لما جرى في السقيفة بعد أن ذكر أنها فتنة ولكن الله وقى شرها المسلمين يقول : وإن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة
(1) ، تجمع الهاشميون في بيت فاطمة ( ع ) وأعلنوا معارضتهم لما جرى في السقيفة ومعهم بعض الأنصار الذين كانوا يهتفون : لا نبايع إلا عليا كما ينقل ابن الأثير ثم يقول وتخلف علي وبنو هاشم والزبير وطلحة عن البيعة ، وقال الزبير : لا أغمد سيفا حتى يبايع علي فقال عمر : خذوا سيفه واضربوا به الحجر
(2)، وجاء في تاريخ اليعقوبي أن البراء بن عازب جاء فضرب الباب على بني هاشم وقال : يا معشر بني هاشم بويع أبو بكر فقال بعضهم : ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه ونحن أولى بمحمد فقال العباس : فعلوها ورب الكعبة
(3) .
وينقل أيضا أنه قد تخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس والفضل بن العباس والزبير والمقداد وسلمان وعمار وبلغ أبا بكر وعمر أن هذه الجماعة قد اجتمعت مع علي في منزل الزهراء فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار
(4)، إذا لقد تابعت الزهراء أحداث المعارضة بكل تفاصيلها لأنها انطلقت من بيتها ، وكما هو معلوم تختلف أدوار المعارضة من شخص إلى آخر ، واتكأت فاطمة ( ع ) على شخصيتها الطاهرة المقدسة التي عرفهم بها القرآن والرسول فأعلنت المعارضة كما هو واضح من النصوص التاريخية التي استعرضناها ، وكانت المطالبة بفدك ، لكن القوم أبوا إلا أن يسدوا كل المنافذ التي كانت تفتح لإيصال كلمة الحق للناس ، ومع ذلك يظل موقف الزهراء نورا به يستكشف الحق لمن أراده حقيقة .
------------------------------
(1) الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 2 ص 325 .
(2) المصدر ج 2 ص 327 .
(3) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 124 .
(4) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 125 ـ 126 .
بنور فاطمة اهتديت
_73 _
لقد كانت الفترة ما بين وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى حين وفاة ابنته فاطمة الزهراء ( ع ) منحنى خطيرا في تاريخ الأمة الإسلامية ترك بصماته واضحة لمن ألقى السمع وهو شهيد ، وكان لفاطمة ( ع ) الدور الرئيسي في هذه الفترة وفي مقابل ذلك لم يسكت أصحاب السقيفة مكتوفي الأيدي وهم يرون الزهراء ( ع ) تفعل ما تفعل فكان لا بد لهم من محاولة إسكات هذه الصرخة فجرت الأحداث ساخنة كما تذكرها كتب التاريخ والسير .
الخلفاء واقتحام الدار :
بلغ الصراع أعلى قمة له بين أصحاب السقيفة والهاشميين ومن نادى بخلافة علي ( ع ) حينما تحصنوا بدار فاطمة ( ع ) وأعلنوا رفض الخلافة وكان لا بد للسلطة آنذاك أن تتخذ خطوات عملية أكثر تطورا حتى لا تتفاقم الأمور وتسير على غير ما يشتهون خصوصا وأن الطرف المقابل المعارض وعلى رأسه علي وفاطمة ( ع ) له من القدسية ما يلهب في الآخرين الحماس والتحرك لمواجهة الحكومة ، وفي مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث مقر الحكم بدأت المشاورات والتخطيط لإجبار المعارضين على البيعة وكما هو معلوم فإن بيت فاطمة يفتح مباشرة على المسجد ولا باب لهم إلا هذا كما سيأتي في حديث سد الأبواب إلا باب علي (ع) ، لقد كانت فكرة أصحاب السقيفة تتلخص في ضرورة إجبار هؤلاء على البيعة حتى لو اضطرهم ذلك لقتالهم وقتلهم .
جاء في كتاب الإمامة والسياسة . . فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك يعني علي ( ع ) بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : إذهب فادع لي عليا ، قال فذهب إلى علي فقال له ما حاجتك فقال : يدعوك خليفة رسول الله ، فقال علي لسريع ما كذبتم على رسول الله فرجع فأبلغ الرسالة قال : فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة . . .
(1) .
--------------------------------
(1) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 1 ص 13 .
بنور فاطمة اهتديت
_74 _
لقد كان الاصرار قويا من عمر وهو يلفت نظر أبي بكر إلى تخلف علي (ع) عن البيعة حتى أنهم هددوه بالقتل يقول ابن قتيبة فقالوا له : بايع ، فقال : إن لم أفعل فمه قالوا : إذا والله الذي لا إله هو نضرب عنقك
(1) ، لقد استفحل الأمر بين الجبهتين حتى أنه وكما ينقل لنا اليعقوبي لو وافى عليا أربعون من المخلصين لكان لأمر الخلافة حديث آخر ولكن لم يجد علي من يعينه ، يقول اليعقوبي وكان خالد بن سعيد غائبا فقدم فأتى عليا فقال هلم أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : أغدوا علي غدا محلقين الرؤوس فلم يغد عليه إلا ثلاثة نفر
(2) .
ولم تبق وسيلة أمام السلطة إلا اقتحام الدار وإجبار من فيها حتى ولو كانت هذا الدار هي تلك الدار المقدسة التي يقطنها أهل البيت (ع) ولم يشفع أهل الدار دون أن تحرق وتنتهك حرمتها ، وهذا ما جرى عندما تفقد أبو بكر قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده : لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له يا أبا حفص : إن فيها فاطمة قال : وإن
(3) .
-----------------------------
(1) نفس المصدر ص 13 .
(2) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 126 .
(3) الإمامة والسياسة ج 1 ص 12 .
بنور فاطمة اهتديت
_75 _
لقد حاولوا أن يلفتوا انتباه الخليفة الثاني الذي كان شديدا في الأخذ لبيعة أبي بكر ولكنه كان في كامل وعيه وهو ينوي الاحراق وإشعال النار في بيت بنت المصطفى ، لقد نظم الشاعر حافظ إبراهيم الحادثة قائلا :
وقـولـة لـعلي قـالها iiعـمر أكـرم بـسامعها أكـرم بملقيها أحرقت دارك لا أبقي عليك iiبها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها من كان غير أبي حفص يفوه بها أمـام فـارس عـدنان iiوحاميها |
لقد استقبلتهم الزهراء (ع) من وراء الباب صارخة إلى أين يا بن الخطاب ؟ أجئت لتحرق دارنا قال : نعم
(1)، لم يكن أمام القوم إلا الخلافة ، فاقتحموا تلك الدار وأدخلوا فيها الرجال ، يقول اليعقوبي وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله ، فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار
(2) ، لا أدري كيف طاوعتهم أنفسهم لهتك ستر هذه الدار التي كان الرسول يقبض حلقتها عند كل صلاة صائحا الصلاة يا أهل البيت ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
(3)، من أين أتتهم الجرأة لكشف ذلك البيت الذي كان يخرج رسول الله في أسفاره منه ثم يكون أول محطة له عند عودته ، هذا البيت الذي كان يقدسه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويأمر الناس بتقديسه . .
ولكنها الخلافة . . الرئاسة . . . الملك، لقد أغلق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كل الأبواب التي كانت تفتح على مسجده إلا باب هذا البيت . . فكيف يكون هو نفسه هدف الهجوم من الرجال . .
-------------------------------
(1) تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 164 .
(2) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 126 .
(3) المستدرك للحاكم ج 3 ص 158 ، مسند أحمد بن حنبل تفسير الطبري ، شواهد التنزيل وغيرها من المصادر .