ولقد أورد الحديث البخاري في كتاب الجهاد والسير باب ما قيل في لواء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وباب فضل من أسلم على يديه رجل ، كما جاء في صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير غزوة ذي قرد وفي كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي ، وأنا لا أريد أن أفضل أحدا على أحد دون دليل ولكني أرى نفسي ملزما بتفضيل من فضله الله ، ولقد جاء في سيرة ابن هشام : « عندما نزلت سورة براءة بعث بها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر ثم أرسل عليا في أثره فأخذها منه فلما رجع أبو بكر قال : هل نزل فيشيء ؟ قال : لا ولكني أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي » (1)، ولأن الحديث عن فضائل علي ومكانته يطول سنورد ملخص ما جاء به ابن حجر العسقلاني المعروف عند أهل السنة والجماعة في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة : مما أورده : حديث الراية المتقدم ، حديث الانذار:
  عندما نزلت آية التطهير ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن . . . . . ) أخذ الرسول رداءه ووضعه على علي وفاطمة والحسن والحسين وتلى الآية، نومه في فراش النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندما هاجر. حديث المنزلة، سد الأبواب إلا باب علي (ع) فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره ، قول الرسول من كنت مولاه فعلي مولاه ، قول عمر « لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن » ، قول علي « سلوني سلوني عن كتاب الله تعالى فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار » .
  قال معاوية لسعد بن أبي وقاص : ما منعك أن تسب أبا تراب « يعني عليا » ، فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم فلن أسبه سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي عليا فأتاه الحديث ونزلت الآية ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال اللهم هؤلاء أهلي .

------------------------------------
(1) السيرة النبوية ابن هشام ج 4 ص 189 ومثله في المستدرك ج 3 ص 51 وتفسير الطبري .

بنور فاطمة اهتديت _102_

  قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي « لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » ، قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « ما تريدون من علي إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي » ، قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « وإن تؤمروا عليا وما أراكم فاعلين ـ أقول : صدق الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم » (1)، مناظرة للمأمون العباسي في فضل علي ( ع ) (2) .
  ولو أردنا التحدث عن مناقب وفضائل أمير المؤمنين علي ( ع ) لاحتاج ذلك إلى مجلدات وما أوردناه فيه الكفاية لذي عينين ونختم هذا المطلب بمناظرة الخليفة العباسي المأمون واحتجاجه على الفقهاء في زمانه حول فضل علي ( ع ) بالرغم من أن المأمون وكل الخلفاء العباسيين كانوا ممن ينصبون العداء لأهل البيت ( ع ) إلا أنهم في البداية عندما تسلموا زمام الأمور ولتوطيد أركان حكمهم كانوا ينادون بالرضا من آل محمد وكانت ثورتهم على الأمويين تحت هذا الشعار ولكن الملك عقيم . . ما إن استقر وضعهم حتى بدأوا في محاربة آل محمد ( ع ) وشيعتهم وكانوا أعظم من بني أمية في عداوتهم لأهل البيت ( ع ) ، جاء في العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي :
  بعث المأمون إلى يحيى بن أكثم قاضي القضاة وعدة من العلماء وأمره أن يحضر معه مع الفجر أربعين رجلا كلهم فقيه يفقه ما يقال ويحسن الجواب ، فأتموا العدد وغدوا عليه قبل طلوع الفجر وبدأ معهم الحوار في مواضيع شتى ثم قال : إنني لم أبعث إليكم لهذا ولكنني أحببت أن أنبئكم أن أمير المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه ودينه الذي يدين الله به ، قالوا : فليفعل أمير المؤمنين وفقه الله فقال المأمون : إن أمير المؤمنين يدين الله على أن علي بن أبي طالب خير خلق الله بعد رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأولى الناس بالخلافة ، قال إسحاق ( أحد الفقهاء ) قلت : يا أمير المؤمنين ) إن فينا من لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين في علي وقد دعانا أمير المؤمنين للمناظرة ، فقال يا إسحاق : اختر إنشيء ت أن أسألك وإنشيء ت أن تسأل قال إسحاق :

------------------------------------
(1) الإصابة في تمييز الصحابة ص 507 ـ 508 .
(2) العقد الفريد ابن عبد ربه الأندلسي ج 5 ص 92 ـ 101 .

بنور فاطمة اهتديت _103_

  فاغتنمتها منه ، فقلت : بل أسألك يا أمير المؤمنين، قال : سل ، قلت من أين قال أمير المؤمنين إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقهم بالخلافة بعده قال : يا إسحاق أخبرني عن الناس بم يتفاضلون حتى يقال فلان أفضل من فلان قلت : بالأعمال الصالحة ، قال : صدقت. قال : فأخبرني عمن فضل صاحبه على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم إن المفضول عمل بعد وفاة الرسول بأفضل من عمل الفاضل على عهد الرسول ، أيلحق به قال إسحاق : فأطرقت ، فقال لي : يا إسحاق لا تقل نعم فإنك إن قلت نعم أوجدتك في دهرنا هذا من هو أكثر منه جهادا وحجا وصياما وصلاة وصدقة قلت : أجل يا أمير المؤمنين لا يلحق المفضول على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الفاضل أبدا ، قال .
  يا إسحاق فانظر ما رواه لك أصحابك ومن أخذت عنهم دينك وجعلتهم قدوتك من فضائل علي بن أبي طالب فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر وعمر فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعلي وحده فقل إنهما أفضل منه ، لا والله ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان فإن وجدتها مثل فضائل علي فقل أنهم أفضل منه ، لا والله ، ولكن قس إلى فضائله فضائل العشرة الذين شهد لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالجنة فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنهم أفضل منه ، ثم قال : يا إسحاق أي الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسوله قلت الإخلاص بالشهادة قال : أليس السبق إلى الإسلام قلت : نعم قال أقرأ ذلك في كتاب الله تعالى : ( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) إنما عنى من سبق إلى الإسلام ، فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الإسلام قلت : يا أمير المؤمنين ، إن عليا أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم ، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم ، قال : أخبرني أيهما أسلم قبل ؟ ثم أناظرك من بعده في الحداثة والكمال ، قلت : علي أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة فقال : نعم فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دعاه إلى الإسلام أو يكون إلهاما من الله ، قال إسحاق : ـ فأطرقت فقال لي : يا إسحاق لا تقل إلهاما فتقدمه على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأن رسول الله لم يعرف الإسلام حتى أتاه جبرئيل عن الله تعالى .

بنور فاطمة اهتديت _104 _

  قلت : أجل بل دعاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : يا إسحاق ، فهل يخلو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلف ذلك من نفسه قال : فأطرقت فقال : يا إسحاق لا تنسب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى التكلف فإن الله يقول عن الرسول ( وما أنا من المتكلفين ) قلت : أجل يا أمير المؤمنين ، بل دعاه بأمر الله ، فقال : فهل صفة الجبار جل ذكره أن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم قلت : أعوذ بالله فقال : أفتراه في قياس قولك يا إسحاق إن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه الحكم ، وقد كلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دعاء الصبيان إلى ما لا يطيقونه ، فهو يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهمشيء ولا يجوز عليهم حكم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى الله عز وجل .
  قلت أعوذ بالله قال : يا إسحاق فأراك إنما قصدت لفضيلة فضل بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا على هذا الخلق أبانه بها منهم ليعرف مكانه وفضله ولو كان الله تبارك وتعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا ؟ قلت : بلى قال : فهل بلغك أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دعا أحدا من الصبيان من أهله وقرابته ، لئلا تقول إن عليا ابن عمه ؟ قلت : لا أعلم ، ولا أدري فعل أو لم يفعل. قال يا إسحاق ، أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسأل عنه ؟ قلت : لا. قال : فدع ما قد وضعه الله عنا وعنك .
  ثم قال : أي الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى الإسلام ؟ قلت : الجهاد في سبيل الله ، قال : صدقت ، فهل تجد لأحد من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما تجد لعلي في الجهاد قلت : من أي وقت قال : في أي الأوقاتشيء قلت : بدر قال : لا أريد غيرها ، فهل تجد لأحد إلا دون ما تجد لعلي يوم بدر ، أخبرني كم قتلى بدر ؟ قلت نيف وستون رجلا من المشركين ، قال : فكم قتلى علي وحده قلت لا أدري ، قال : ثلاثة وعشرون أو اثنان وعشرون والأربعون لسائر الناس. قلت يا أمير المؤمنين ، كان أبو بكر مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في عريشه ، قال : ليصنع ماذا قلت : يدبر ، قال : ويحك يدبر دون رسول الله أو معه شريكا أم افتقارا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى رأيه ، قال : أي الثلاثة أحب إليك قلت :

بنور فاطمة اهتديت _105_

  أعوذ بالله أن يدبر أبو بكر دون رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو أن يكون معه شريكا أو أن يكون برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) افتقار إلى رأيه. قال : فما الفضيلة بالعريش إذا كان الأمر كذلك ؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله أفضل ممن هو جالس ؟ قلت : يا أمير المؤمنين كل الجيش كان مجاهدا. قال : صدقت ، كل مجاهد ولكن الضارب بالسيف المحامي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعن الجالس أفضل من الجالس ، أما قرأت في كتاب الله ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) .
  قلت : وكان أبو بكر وعمر مجاهدين قال : فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد قلت : نعم قال : فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر ، قلت : أجل قال : يا إسحاق ، هل تقرأ القرآن قلت : نعم قال : إقرأ علي : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) فقرأت منها حتى بلغت ( يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) إلى قوله : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) قال : على رسلك ، فيمن أنزلت هذه الآيات قلت : في علي .
  قال : فهل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين واليتيم والأسير قال : إنما نطعمكم لوجه الله قلت : أجل قال وسمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به عليا قلت : لا قال : صدقت ، لأن الله جل ثناؤه عرف سيرته ، يا إسحاق ألست تشهد أن العشرة في الجنة قلت : بلى يا أمير المؤمنين قال : أرأيت لو أن رجلا قال : والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا ، ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله ، أكان عندك كافرا ، قلت : أعوذ بالله قال : أرأيت لو أنه قال ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا أكان كافرا قلت : نعم. قال : يا إسحاق أرى بينهما فرقا يا إسحاق أتروي الحديث قلت : نعم قال : فهل تعرف حديث الطير (1) قلت : نعم قال : فحدثني به .

------------------------------------
(1) أهدي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طير مشوي فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ـ فجاء علي فأكل معه « أسد الغابة لابن الأثير » ج 6 ص 601 ، وأورده أحمد بن حنبل والحاكم .

بنور فاطمة اهتديت _106_

  قال فحدثته الحديث. يا إسحاق ، إني كنت أكلمك وأنا أظنك غير معاند للحق ، فأما الآن فقد بان لي عنادك ، إنك توافق أن هذا الحديث صحيح قلت : نعم ، رواه من لا يمكنني رده قال : أفرأيت أن من أيقن أن هذا الحديث صحيح ، ثم زعم أن أن أحدا أفضل من علي ، لا يخلو من إحدى ثلاثة : من أن تكون دعوة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنده مردودة عليه ، أو أن يقول : إن الله عز وجل عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه ، أو أن يقول : إن الله عز وجل لم يعرف الفاضل من المفضول ، فأي الثلاثة أحب إليك فأطرقت .
  ثم قال : يا إسحاق لا تقل منها شيئا ، فإنك إن قلت منها شيئا استتبتك ، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله قلت : لا أعلم ، وإن لأبي بكر فضلا قال : أجل ، لولا أن له فضلا لما قيل إن عليا أفضل منه ، فما فضله الذي قصدت إليه الساعة قلت : قول الله عز وجل : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) فنسبه إلى صحبته ، قال : يا إسحاق ، أما إني لا أحملك على الوعر من طريقك ، إني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضي عنه كافرا ، وهو قوله ( فقال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ) الآية .
  قلت : إن ذلك صاحب كان كافرا ، وأبو بكر مؤمن قال : فإذا جاز أن ينسب إلى صحبة من رضيه كافرا جاز أن ينسب إلى صحبة نبيه مؤمنا وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث ، قلت : يا أمير المؤمنين إن قدر الآية عظيم ، إن الله يقول : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) قال : يا إسحاق تأبى الآن إلا أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك ، أخبرني عن حزن أبي بكر ، أكان رضى أم سخطا قلت : إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وغما أن يصل إلى رسول اللهشيء من المكروه قال : ليس هذا جوابي ، إنما كان جوابي أن تقول : رضى الله أم سخطا قلت : بل رضى لله. قال : فكأن الله جل ذكره بعث إلينا رسولا ينهى عن رضى الله عز وجل وعن طاعته ، قلت : أعوذ بالله قال : أو ليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضى لله قلت : بلى قال : أو لم تجد أن القرآن يشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له : « لا تحزن » نهيا له عن الحزن ، قلت :

بنور فاطمة اهتديت _107_

  أعوذ بالله قال : يا إسحاق ، إن مذهبي الرفق بك لعل الله يردك إلى الحق ويعدل بك عن الباطل لكثرة ما تستعيذ به وحدثني عن قول الله ( فأنزل سكينته عليه ) من عنى بذلك : رسول الله أم أبا بكر قلت : بل رسول الله قال : صدقت قال فحدثني عن قول الله عز وجل : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) إلى قوله ( ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) أتعلم من المؤمنون الذين أراد الله في هذا الموضع قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين.
  قال : الناس جميعا انهزموا يوم حنين فلم يبق مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا سبعة نفر من بني هاشم : علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله ، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله ، والخمسة محدقون به خوفا من أن يناله من جراح القومشيء ، حتى أعطى الله لرسوله الظفر فالمؤمنون في هذا الموضع علي خاصة ثم من حضره من بني هاشم. قال : فمن أفضل : من كان مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ذلك الوقت وأنزل عليه السكينة ، أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعا لينزلها عليه قلت : بل من أنزلت عليه السكينة قال : يا إسحاق ، من أفضل ، من كان معه في الغار أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه ، حتى تم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما أراد من الهجرة إن الله تبارك وتعالى أمر رسوله أن يأمر عليا بالنوم على فراشه وأن يقي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنفسه ، فأمره رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بذلك .
   فبكى علي رضي الله عنه. فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما يبكيك يا علي أجزعا من الموت قال : لا ، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ، ولكن خوفا عليك ، أفتسلم يا رسول الله قال : نعم قال : سمعا وطاعة وطيبة نفس بالفداء لك يا رسول الله ثم أتى مضجعه واضطجع ، وتسجى بثوبه وجاء المشركون من قريش فحفوا به ، لا يشكون أنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد أجمعوا أن يضربه من كل بطن من بطون قريش رجل ضربة بالسيف لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطنا بدمه .

بنور فاطمة اهتديت _108_

  وعلي يسمع ما القوم فيه من تلف النفس ولم يدعه ذلك إلى الجزع ، كما جزع صاحبه في الغار ، ولم يزل علي صابرا محتسبا فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش حتى أصبح فلما أصبح قام ، فنظر القوم إليه فقالوا : أين محمد قال : وما علمي بمحمد أين هو قالوا : فلا نراك إلا كنت مغررا بنفسك منذ ليلتنا فلم يزل علي أفضل ، ما بدأ به يزيد ولا ينقص حتى قبضه الله إليه يا إسحاق هل تروي حديث الولاية قلت : نعم يا أمير المؤمنين قال : أروه ففعلت فقال : يا إسحاق ، أرأيت هذا الحديث هل أوجب لعلي أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه قلت : إن الناس ذكروا أن الحديث إنما كان بسبب زيد بن حارثة لشئ جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال : وفي أي موضع قال هذا أليس بعد منصرفه من حجة الوداع قلت : أجل قال : فإن زيد بن حارثة استشهد قبل الغدير ، كيف رضيت لنفسك بذلك ؟ أخبرني لو رأيت أبنا لك قد أتت عليه خمس عشرة سنة يقول : مولاي مولى ابن عمي أيها الناس ، فاعلموا ذلك .
  أكنت منكرا عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون ؟ فقلت : اللهم نعم قال : يا إسحاق : أتنزه ابنك عما لا تنزه عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويحكم ! لا تجعلوا فقهاءكم أربابا إن الله جل ذكره قال في كتابه : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ولم يصلوا لهم ولا صاموا ولا زعموا أنهم أرباب ، ولكن أمروهم فأطاعوا أمرهم يا إسحاق أتروي حديث « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، قد سمعته وسمعت من صححه ومن جحده ، قال : فمن أوثق عندك من سمعت منه فصححه أو من جحده قلت : من صححه. قال : فهل يمكن أن يكون الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مزح بهذا القول قلت : أعوذ بالله ، قال : فقال قولا لا معنى له فلا يوقف عليه قلت أعوذ بالله قال : أفما تعلم أن هارون كان أخا موسى لأبيه وأمه قلت : بلى قال فعلي أخو رسول الله لأبيه وأمه قلت : لا قال : أوليس هارون كان نبيا وعلي غير نبي قلت : بلى قال : فهذان الحالان معدومان من علي وقد كانا في هارون ، فما معنى قوله « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » قلت له : إنما أراد أن يطيب بذلك نفس علي لما قال المنافقون إنه خلفه استثقالا له .

بنور فاطمة اهتديت _109_

  قال : فأراد أن يطيب نفسه بقول لا معنى له قال فأطرقت قال : يا إسحاق له معنى في كتاب الله بين قلت : وما هو يا أمير المؤمنين قال : قوله عز وجل حكاية عن موسى أنه قال لأخيه هارون : ( اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ) قلت : يا أمير المؤمنين إن موسى خلف هارون في قومه وهو حي ، وإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خلف عليا كذلك حين خرج إلى غزاته قال : كلا ليس كما قلت أخبرني عن موسى حين خلف هارون ، هل كان معه حين ذهب إلى ربه أحد من الصحابة أو أحد من بني إسرائيل قلت : لا قال : أوليس استخلفه على جماعتهم قلت : نعم قال : فأخبرني عن رسول الله حين خرج إلى غزاته ، هل خلف إلا الضعفاء والنساء والصبيان فأنى يكون مثل ذلك وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدل على استخلافه عليا لا يقدر أحد أن يحاجج فيه .
  قلت : وما هو يا أمير المؤمنين قال : قوله عز وجل حين حكى عن موسى قوله : ( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا* إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ) فأنت مني يا علي بمنزلة هارون من موسى ، وزيري من أهلي ، وأخي أشد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبح الله كثيرا ونذكره كثيرا أمر أن يدخل في هذا شيئا غير هذا ولم يكن ليبطل قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأن يكون لا معنى له قال : فطال المجلس وارتفع النهار فقال يحيى بن أكثم القاضي : يا أمير المؤمنين قد أوضحت الحق لمن أراد الله به الخير وأثبت ما لا يقدر أحد أن يدفعه .
أهل البيت ( ع):
  هم أولو الأمر بعد النبي ( ص ):
الحديث الأول :
  قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي وليوال وليه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنهم خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي (1) هل هنالك أوضح من ذلك حجة علينا . . . دلالة واضحة ومعان بينة وأوامر جازمة ، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .

------------------------------------
(1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 128 قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

بنور فاطمة اهتديت _110_

الحديث الثاني :
  قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » ، وقال أيضا : « يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه هدى ونور وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي » وسئل زيد بن أرقم « راوي الحديث ، فهل نساؤه من أهل بيته قال : لا ، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر أو الدهر» ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده « (1) .
ولو لم يكن لدينا سوى هذا الحديث لكفى لإثبات خلافة أهل البيت ( ع ) وإمامتهم وأنهم عدول القرآن لا يفترقون عنه وأن المتمسك بهما معا لن يضل أبدا والمفرط بهما أو بواحد منهما ضال بلا شك ، وقد حاول البعض أن يضع في مقابله حديث » كتاب الله وسنتي « والعجب كل العجب أن علماءهم عندما يروون هذا الحديث يكتبون في ذيله متفق عليه والحال أن حديث » . . . وسنتي حديث مرسل لا سند له ، وأول من رواه مالك في موطئه مرفوعا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يروه غيره من أصحاب الصحاح صدرت بأداة الحصر « إنما » وهي من أقوى أدوات الحصر ، وفيها إذهاب الرجس عن أهل البيت ( ع ) والرجس يعني مطلق الذنوب والآثام والأدناس ، والقيام بالتطهير بإرادة الله تعالى . . كل ذلك مؤداه عصمة أهل البيت ( ع ).

-------------------------------
(1) مسلم في صحيحه باب فضائل علي بن أبي طالب ورواه بثلاثة طرق مستدرك الحاكم كتاب معرفة الصحابة ص 27 ، مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 17 ـ ص 16 ، الترمذي ج 5 ص 663 ـ 662 .

بنور فاطمة اهتديت _111_

  ومن أوضح الواضحات التي لا تقبل الجدل عندنا في السودان أن أصحاب الكساء أو أصحاب العباءة هم الخمسة الذين نزلت فيهم آية التطهير كما تواتر في الأحاديث ، حوار حول العصمة في حديث الثقلين، جرى حوار بيني وبين أحد الأصدقاء حول عصمة الإمام قال لي : أنتم مغالون تبالغون في حب أهل البيت ( ع ) حتى ادعيتم أنهم معصومون ومفوضون بالتشريع ونحن لا نرى سوى عصمة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  قلت : أولا أهل السنة والجماعة لا يقولون بأن النبي معصوم في كلشيء بل في أمر التبليغ فقط ، ولا ندري كيف يحددون ويصنفون الأمور الواردة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أي منها من الدين وأي من غيره وذلك بخلاف قول الشيعة الذين يقولون بعصمة النبي المطلقة ولا فرق في ذلك بين أمور التشريع وغيرها ، أما عصمة أهل البيت فالآية واضحة في دلالتها يقول تعالى : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) الآية، أضف إلى ذلك مجموعة الأحاديث التي نستشف منها بوضوح دلائل العصمة وحسبك في ذلك حديث الثقلين بعد أن ثبتت صحته لدى جمهور المسلمين سنة وشيعة .
  قال : هذا الحديث لا يدل على العصمة فهو فقط يخبرنا بالرجوع لأهل البيت، قلت : بل الحديث أوضح من أن يبحث فيه عن العصمة إذ أن صحة الحديث يؤكد عصمتهم وإليك البيان ، وسألته : ـ ما قولك في القرآن قال : ـ ماذا تقصد ، قلت : ـ هل يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه قال : ـ لا ، قلت : ـ إن اقتران أهل البيت ( ع ) بالكتاب والتصريح بعدم الافتراق عنه يدل على عصمتهم .

بنور فاطمة اهتديت _112 _

  إذ أن صدور أي مخالفة للشريعة منهم سواء كان عمدا أم سهوا أم غفلة يعتبر افتراقا عن القرآن ، لو قلنا بأنهم يفترقون عنه ولو للحظة فهذا تكذيب للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي أخبر عن الله عز وجل بعدم وقوع الافتراق وتجويز الكذب على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) متعمدا مناف لعصمته حتى في مجال التبليغ وقد أكد على الحديث في أكثر من موضع ، أضف إلى ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اعتبر التمسك بهم عاصما من الضلالة دائما وأبدا كما هو مقتضى ما تفيده كلمة لن التأبيدية فإذا كان هنالك مجال لضلالتهم ولو للحظة فكيف يكون التمسك بهم عاصما .
  هذا عن العصمة أما ما قلته عن التفويض فلا أحد من الشيعة يقول به ، إنما هو قول أعداء الدين الذين حاولوا تشويه الصورة النقية للتشيع ، وأنت إذا أردت أن تتعرف على معتقدات الشيعة فيجب عليك الاطلاع عليها من كتبهم وأقوال علمائهم لا من كتب وأقوال المناوئين لهم الذين لا يتورعون عن الكذب والافتراء ، ومعروف عند الشيعة أن الأئمة يقولون بما قاله الرسول ( صلى الله عيه وآله وسلم ) ، وها هو الإمام أمير المؤمنين علي ( ع ) يقول « علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب » فهم لا يقولون بالتفويض بل أهل السنة والجماعة هم الذين فوضوا الصحابة في التشريع حتى أمضوا اجتهادات الصحابة الواضحة مقابل النصوص المؤكدة .
  بعد هذا الحوار أخذ صاحبي يبحث له عن مخرج وبدأ يقفز بالحديث هنا وهناك ويحاول أن يجد ثغرة يصطادني بها وعندما لم يجد قال لي : ـ يا أخي أنا مفوض أمري إلى الله نحن أهل تسليم ، قلت : ـ التسليم لا يكون إلا للحق ، أما التفويض لله فلا يلغي إرادتك ويجمد عقلك ، إذا كنت تصبوا إلى الحقيقة واصل بحثك عنها ثم فوض الأمر إلى الله يهديك إلى الصراط المستقيم ، أما أن تكون لا تدري أعلى حق أنت أم على غيره ثم تفوض الأمر هذا تبرير لا يقبل شرعا ولا عقلا .

بنور فاطمة اهتديت _113 _

وتركته وذهبت ، بقي أن نبين بعض المصادر التي ذكر فيها حديث الثقلين : ـ   صحيح مسلم فضائل علي ( ع ).
  صحيح الترمذي ج 5 ص 662 ـ 663 .
  صحيح أحمد بن حنبل ج 3 ص 17 ـ ج 5 ص 182 ومواضع متعددة .
  مستدرك الحاكم ج 3 ص 109 وكتاب معرفة الصحابة ص 27 وغيرها من المصادر .

الحديث الثالث :
  قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق » ، مستدرك الحاكم ج 2 ص 343 وغيره من المصادر مثل كنز العمال وتاريخ البغدادي ورواية أخرى تعضدها جاءت في مستدرك الحاكم ج 3 ص 149 « أهل بيتي أمان لأمتي » ما أبلغ تعبير النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هذا الحديث الذي يشبه أهل البيت ( ع ) بسفينة نوح التي حملت المؤمنين برسالته ومن لم يؤمن بها أخذته أمواج الطوفان حتى ابنه الذي قال كما جاء في القرآن ( . . . سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء) ( سورة هود : آية / 43 ) لم ينج من تلك الأمواج وأصبح من الهالكين ، واليوم أمواج الفتن تتلاطم ويذهب ضحيتها أولئك الذين لم يركبوا في سفينة النجاة التي أخبر بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . . وكل الذين يقدمون الأعذار والتبريرات لعدم تمسكهم بأهل البيت ( ع ) وركوبهم سفينة النجاة هم كابن نوح الذي اعتبر الجبل عاصما له من الغرق دون السفينة ، والفرق أن الجبال تعددت في وقتنا الحاضر وأكثرها علوا عند من يفكر فيها جبل « عدالة الصحابة » فهل يا ترى يعصمهم من الأمواج الهادرة وحتى نعطر أجواء هذا البحث نعرج على القرآن الكريم لنستضئ بنوره ونقتبس منه بعض المعاني يستفيد منها من يريد أن يصل إلى الحق، الآية الأولى : مباهلة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للنصارى .

بنور فاطمة اهتديت _114_

قال الله سبحانه وتعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) ( سورة آل عمران : آية / 61 ) ، تواتر لدى الفريقين نزول هذه الآية ـ كما بينا في حديثنا حول الزهراء ( ع ) في علي وفاطمة والحسنين ، جاء في صحيح مسلم « ولما نزلت هذه الآية دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا وفاطمة والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي » .
  قال الفخر الرازي في تفسيره « وأعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث » (1) إن القرآن بدقته وبلاغته يعطي لأولي الألباب بصيرة وتوجيها من أقصر الطرق وأيسرها والآية المذكورة تحمل دلالات عظيمة وتفصل معاني الاصطفاء والاختيار الإلهي في أقصر العبارات وأبلغها ، وكما جاء في الأحاديث لم يأخذ الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) معه أبا بكر وعمر كما أنه لم يأخذ عائشة أو غيرها من زوجاته . . لم يأخذ إلا هذه العصبة المباركة والتي لم يكن اختيارها اعتباطيا أو عاطفيا في وقت تمر فيه الرسالة بمنعطف تاريخي وهي تواجه نصارى نجران وتتحداهم إنما كان اختيارا ربانيا كما عبر عنه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله : لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أباهل بهم ، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى .
  ويأتي البعض لإقناعنا بأن الصحابة أفضل من أهل البيت ( ع ) وكيف يكون ذلك وهذا الاقتران بين النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته من كل مورد وكما ورد في الآيات مما يؤكد بأنهم الامتداد الرسالي له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

-------------------------------
(1) التفسير الكبير للرازي ج 8 ص 80 .

بنور فاطمة اهتديت _115_

  وهنالك ملاحظة جديرة بالالتفات إليها ، وأذكرها لأصحاب العقول المستنيرة الباحثة دوما عما هو أحق بالاتباع . . . وهي موقعية علي ( ع ) في آية المباهلة فهو ليس من أبناء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كالحسن والحسين كما أنه بالطبع لا يدخل في قائمة النساء ومع ذلك أتى به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا نجد له مكانا إلا نفس النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( وأنفسنا وأنفسكم ) هذه المفردة القرآنية تعتبر عليا الحالة التجسيدية الكاملة لشخصية الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذا ما أكده الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديثه « علي مني وأنا من علي » فتدبر :

الآية الثانية :
  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ . . . ) (1)، لا يختلف اثنان من وجوب طاعة أولي الأمر كما جاء في هذه الآية التي قرنت طاعتهم بطاعة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهؤلاء القادة الواجبة طاعتهم على سبيل الجزم لا بد أن يكونوا في مصاف الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من وجود الصفات والخصائص الربانية إلى وجوب الاقتداء والتمسك بهم وهذا يستوجب عصمتهم . . لأنه يستحيل أن يأمرنا الله تعالى على سبيل الجزم بطاعة من يحتمل خطؤه وعصيانه ، لأنه مفترض الطاعة بلا استثناء ولا حدود ، والاتباع في حالة الخطأ منهي عنه ، فكيف يجتمع الأمر والنهي في فعل واحد باعتبار واحد ?
  فيثبت من ذلك أن من أمر الله بطاعتهم على سبيل الجزم وجب أن يكونوا معصومين وذلك ما توصل إليه الفخر الرازي في تفسيره فأثبت عصمة أولي الأمر ولكنه في محاولة يائسة حاول صرف المعنى عن أهل البيت ( ع ) إلى أهل الحل والعقد ولا نجد من هو أجدر من أهل من الأمة والذين لم نجد لهم تعريفا ثابتا أو فهما واضحا في الشرع الذي أمرنا بطاعتهم. البيت ( ع ) لما ذكرنا من أمر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لنا باتباعهم وأنهم معصومون وإلى غير ذلك مما تقدم ذكره فهم أولو الأمر المعنيون بالآية .

-------------------------------
(1) سورة النساء : الآية / 59 .

بنور فاطمة اهتديت _116_

  وبهذا تكون الحقيقة قد تجلت لمن يريد الأخذ بها وإن معالم طريق الخلاص باتت واضحة وسبيل النجاة منحصر في اتباع أهل البيت ( ع ) وعلى الأقل فإن هذا ما قادني إليه الدليل ـ أهل البيت الذين اصطفاهم الله لحمل أعباء الرسالة بعد رسوله الأمين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مستحفظا بعد مستحفظ أوصياء معصومون يحافظون على سير الشريعة في خطها المستقيم وينفون عنها كل الشبهات ويقفون بقوة أمام محاولة تحريفها من قبل المنافقين والحاقدين ، والتاريخ يشهد لهم بذلك وواقعنا أيضا وسنبين ذلك لاحقا .
  عندما كنت أحاور ذلك السلفي الذي أجريت معه المناظرة المذكورة في أول الكتاب وفي أثناء حوارنا لمعت عيناه فجأة وكأنه عثر على ضالته وفاجأني بسؤال معتقدا أنه سيضعني في زاوية حرجة . . . سؤال من ظن أنه بلغ منتهى العلم والحكمة ، قال : من قال لكم أن الأئمة اثنا عشر ولماذا هذا العدد بالذات وضحك قلت له : يا أخي بالنسبة للعدد فلو فتحنا هذا الباب لمعرفة الحكمة من العدد سأجر إليك أسئلة لا قبل لك بها فلماذا كان الخلفاء أربعة فقط ولماذا اختار موسى سبعين رجلا لميقات ربه ولم يكونوا ثمانين ولماذا خلق الله سبع سماوات وسبعا من الأرض ولم تكن كل واحدة منهما عشرة مثلا ولماذا كان عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر ولماذا يقول تعالى ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ) ولم يكونوا خمسة عشر وهكذا . . .
  أضف إلى ذلك أن الآيات والروايات التي وردت عن أهل البيت ( ع ) كافية لتوجهنا للأخذ منهم ونحن لم نجد سوى الشيعة متمسكة بهم وهنالك تعلم بعدد الأئمة ولا ضرورة للاحتجاج عليك بعدد الأئمة من مصادركم لأن الموضوع فرعي ومع ذلك وبلطف من الله تعالى لإظهار الحق ولإقامة الحجة لم تخل مصادر أهل السنة والجماعة من الأحاديث التي تحدد عدد الأئمة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وصدفة كنت أحمل أحد مجلدات موسوعة تجمع ما جاء في الصحاح الستة من أحاديث وفتحت باب الإمارة وقرأت عليه عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « يكون بعدي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش » وقلت له : هل سمعت فبهت الذي كفر . . وانتفض انتفاضة قوية وكأنه قد مس بطائف من الشيطان ، وقال : من أين لك هذا الحديث فذكرت له المصادر وأذكرها هنا تتمة للفائدة :

بنور فاطمة اهتديت _117_

  صحيح البخاري كتاب الأحكام ج 9 ص 729 .
  صحيح مسلم ج 3 كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش .
  صحيح الترمذي ج 4 ص 501 .
  سنن أبي داوود كتاب المهدي ص 508 .
  مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 398 .
  وهذا الحديث جعل علماء أهل السنة يعيشون في تخبط ومشكلة كبيرة لن يخرجوا منها ولن يجدوا لها حلا إلا عند أتباع أهل البيت ( ع ) وهم الشيعة المعروفون ب‍ « الاثني عشرية » . . ولقد حاول البعض أن يجد تفسيرا معقولا للحديث على أرض الواقع فمنهم من عد أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وتوقف ، ومنهم من زاد عليهم الحسن بن علي ثم تحير ، وبعضهم أضاف إليهم معاوية وبني أمية فلم يوفق لضبط العدد وآخر أصبح انتقائيا يختار كما يتراءى له وهكذا . . .
  والأمر لا غموض فيه ولا لبس عند شيعة أهل البيت ذلك بعد أن علمنا حقهم في الولاية والخلافة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وليس من المعقول أن يخرج هذا العدد خارج دائرتهم وقد جاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي الباب (94) عن المناقب بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه مني السلام ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي « المهدي ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها » .

بنور فاطمة اهتديت _118_

  فأقرئه مني السلام ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي « المهدي ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها » ، أما النصوص الواردة من مصادر الشيعة عن طريق أهل البيت ( ع ) فهي متواترة وواضحة بخصوص هذا الشأن ، ولم يرع أحد من الأمة أنه أحد الأئمة الاثني عشر كما قال أهل البيت ( ع ) عن أنفسهم والتاريخ يخبرنا عن سيرتهم بل أعداؤهم اعترفوا بمكانتهم السامية وعلمهم الغزير وأخلاقهم الرفيعة وهم كما جاء في الحديث آنف الذكر : 1 ـ علي بن أبي طالب .
2 ـ الحسن بن علي .
3 ـ الحسين بن علي .
4 ـ علي بن الحسين الملقب بزين العابدين والسجاد .
5 ـ ثم ابنه محمد بن علي الملقب بالباقر .
6 ـ ثم ابنه جعفر بن محمد الملقب بالصادق .
7 ـ ثم ابنه موسى بن جعفر الملقب بالكاظم . 8 ـ ثم ابنه علي بن موسى الملقب بالرضا .
9 ـ ثم ابنه محمد بن علي الملقب بالجواد .
10 ـ ثم ابنه علي بن محمد الملقب بالهادي .
11 ـ ثم ابنه الحسن بن علي الملقب بالعسكري .
12 ـ ثم ابنه محمد بن الحسن ويدعى المهدي والقائم والحجة .
  هؤلاء هم أولو الأمر الذين فرض الله علينا طاعتهم في القرآن ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) وعرفنا منزلتهم ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ( سورة آل عمران : آية / 34) .

بنور فاطمة اهتديت _119_

  ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (سورة آل عمران : آية / 144) ماذا حدث اختزلت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ( ع ) ما حدث بكلمات بليغة في خطبتها الرائعة ، قالت : « فلما اختار الله لنبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهرت فيكم حسكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم الغاوين ونبغ خامل الأقلين وهدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم وأوردتم غير مشربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر . . . » .
  عبارات رصينة تلحظ الانقلاب الذي جرى بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي لم يأل جهدا في بيان حدود الشريعة ولم يسكت عن أمر الخلافة وأوضح للأمة ما يجب أن تتمسك به بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى ـ كما بينا ـ ولكن أبى البعض إلا أن يخالف أوامر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليدخل الأمة في نفق مظلم ومتاهات تتخبط فيها إلى يومنا هذا اللهم إلا من أنعم الله عليه بمعرفة أهل البت ( ع ) حق المعرفة .
  وما أن تحاول الخوض في غمار أحداث الانقلاب إلا ويظهر لك من تمسح بلباس الدين ليخرج من جيبه بطاقة الفتنة ويشهرها في وجهك ، أو يخرج لك صنم « عدالة الصحابة » ، لكي تتوجه إليه تاركا المقاييس الإلهية الحقيقية التي تميز بها الحق عن الباطل . . وعندما يضطر أحدهم لمناقشة قضية الخلافة يطوي هذه الصفحة سريعا قائلا : إن المسلمين والصحابة اتفقوا على خلافة أبي بكر التي كانت بالشورى الإسلامية ! أقول بإمكانكم اليوم الهروب من الحقيقة بسبب العاطفة اللامنطقية والتعصب الأعمى ولكن لا بد أن يكشف الغطاء هنالك في يوم المحشر وحينها ستقولون ( يا ليتني كنت ترابا ) .

بنور فاطمة اهتديت _120_

  ومع هذا يسخر الله من يسبر أغوار التاريخ ليخرج لنا الحقيقة ، وستكون كتب القوم شاهدة على وهن ما يعتمدونه من تصويب كل ما فعله الصحابة المقدسون ، وقبل مناقشة ما جرى في السقيفة من أحداث الشورى المزعومة يجدر بنا أن نتحدث عن أهم نظرية أسس عليها أهل السنة والجماعة قاعدتهم التي انطلقوا منها لأخذ معالم دينهم وهي « نظرية عدالة الصحابة » وبئس ما أسسوا ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (1) .
  هذه النظرية التي تخالف منطق القرآن والعقل بل وتناقض صريح الأحاديث الشريفة الواردة في كتب التاريخ والسيرة جعلت الأمة تتيه وتتخبط وأحيانا تجمد وتقف حائلا بين الناس والحق ، فهؤلاء الصحابة بأنفسهم يهدمون هذه النظرية من أساسها بأقوالهم وأفعالهم ، أما ما وضع من فضائل مكذوبة لهم فلا يحتاج أمرها إلى ذكاء خارق لمعرفة ضعفها ووهنها سندا ومتنا وذلك لمخالفتها الواقع ، ولو لم تكن إلا هذه النظرية لكفى بها تمييعا وتضعيفا لمعتقد أهل السنة والجماعة الذي لا يفرق بين المسلم والكافر ولا بين المؤمن والمنافق .

مع عدالة الصحابة:
الصحابي عند أهل السنة والجماعة هو كل من لقي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مؤمنا به ولو ساعة من النهار ومات على الإسلام ، وبالطبع لم يبق بمكة والطائف أحد سنة عشر إلا أسلم وشهد مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حجة الوداع، وإنه لم يبق في الأوس والخزرج أحد في آخر عهد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا ودخل في الإسلام ، وألحق بهذا الكم الهائل من أمروا في الفتوح بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كل هؤلاء يدخلون تحت مصطلح الصحابي بمفهوم أهل السنة ، ويرون أنهم كلهم عدول كما قال ابن عبد البر في مقدمة كتابه الإستيعاب ، « والصحابة يشاركون سائر الرواة في كل ذلك إلا في الجرح والتعديل فإنهم كلهم عدول » وقال ابن حجر « اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول » وغير ذلك من أقوال علمائهم ويرون زندقة من يناقش أحوالهم .

-------------------------------
(1) سورة التوبة : آية / 109 .

بنور فاطمة اهتديت _121_

القرآن وعدالة الصحابة :
  القرآن الكريم يقف عكس هذا الكلام تماما وينقضه وكذلك العقل الذي لم يهبه الله لنا إلا لتصديق الوحي ومن ثم الانطلاق لمعرفة الحقائق ، وما جرى بين أولئك الصحابة يجعلنا نقف حيارى أمام أفعالهم المخالفة للدين في زمن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبعد وفاته وما فعلوه في أهل بيته .
  والمتتبع لآيات الذكر الحكيم بعيدا عن التعصب والالتفاف إعراضا عن الحقيقة يدرك أن في الصحابة منافقين مردوا على النفاق ، ورموا فراش الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالإفك وحاولوا اغتياله وفيهم المرتابون وأن القلة منهم مؤمنة بحق وقد أطلق عليهم القرآن صفة الشاكرين ( لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) (1) ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) (2) ويقول ( وقليل من عبادي الشكور ) (3) .
ونفس هؤلاء الأصحاب قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنهم أنهم يوم القيامة يختلجون دونه فيقول : « أصحابي ، أصحابي فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك » ، ومما لا شك فيه أن المنافقين والمرتابين والذين سينقلبون على أعقابهم عاشوا مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصلوا خلفه وصحبوه في حله وترحاله ، وهذه بعض الآيات التي تتحدث عن حال بعضهم وهم حول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (سورة الحجرات : آية / 14) .

-------------------------------
(1) سورة الزخرف : آية / 78 .
(2) سورة الأعراف : آية / 17 .
(3) سورة سبأ : آية / 13 .

بنور فاطمة اهتديت _122_

  ( إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (سورة التوبة : آية / 45)، ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) (سورة التوبة : آية / 81) ، ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ) (سورة محمد : آية / 28 ـ 30 ، ( ها أنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) (سورة محمد : آية / 38) .
  ( وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ) ( سورة محمد : آية / 16 )، ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( سورة التوبة : آية / 61 )، ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) ( سورة التوبة : آية / 25 ) ، أقول أضف إليها قوله تعالى : ( وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (سورة الأنفال : آية / 16) . . فتأمل . . وهنالك فئة كبيرة من المنافقين لم يتناساها القرآن وأشار إليها بوضوح في أكثر من مورد وهي جماعة لا يستهان بها . . ولكن للأسف ونحن ندرس التاريخ في مدارسنا لم نعلم منهم إلا عبد الله بن أبي سلول ، وكلما ذكر النفاق في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قفز إلى ذهني هذا المنافق مع أن القرآن يركز عليهم بشدة وذلك لا يكون إلا إذا كانت حركة النفاق قوية جدا داخل المجتمع الإسلامي ولولا ذلك لم يولها القرآن هذا الاهتمام .

بنور فاطمة اهتديت _123_

  والعجب كل العجب أن هذا التيار المنافق سكنت حركته بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا ندري لماذا فهذه الفئة المنافقة إما أنها آمنت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على يد الخلفاء الثلاثة ، وإما وجدت الوضع ملائما في عهدهم فقفزت إلى أعلى مراكز السلطة وامتلكت قرار الأمة ، والأخير أقرب ، وما جرى بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دليلنا على ذلك : ما أن أجمع المسلمون على تنصيب علي ( ع ) بعد مقتل عثمان حتى برز النفاق من جديد ليقود الحرب ضد خليفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخاض علي الحروب المتتالية ـ الجمل ، صفين ، النهروان ، وأخيرا استشهد ليعود الأمر كما كان عليه وتتسلط جبهة النفاق على رقاب المسلمين من جديد .
  وهذه بعض من الآيات تبين مدى قوة جبهة النفاق في عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )، ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ) ( سورة التوبة : آية / 64 )، ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (سورة التوبة : آية / 101) .
  ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (سورة التوبة : آية / 97) ، ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (سورة التوبة : آية / 98) ، (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ) (سورة التوبة : آية / 67) ، ( وعد الله المنافقين والمنافقات نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم ) (سورة التوبة : آية / 68).

بنور فاطمة اهتديت _124_

  ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) ( سورة الفتح : آية / 6 ) ، هذا قليل من كثير ولو تصفحنا كتاب الله لتعرفنا على مزيد من صفات المنافقين والمنافقات ولما احتجنا إلى كل هذا التكلف حتى نصنع هالة قدسية لكل من صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )، وهنالك كما لا يخفى على الألمعي علاقة بين حركة التيار المنافق والحروب التي جرت في عهد الإمام علي ( ع ) ، ونظرة إلى أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حول صفات المنافقين تصل إلى السر الذي جعل الجيوش تتحرك لقتال علي ( ع ) قال الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق )، هذا المعيار أوضح من أن يحتاج إلى بيان ، إذ أن من صفة المنافق بغض علي ( ع ) وأعظم مصداق للبغض في أعلى مراتبه الحرب . . ولقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب قال : « والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق » (1) ، ولقد كان ذلك معروفا في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى قال أبو ذر : « ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب » (2).

-------------------------------
(1) صحيح مسلم ج 1 ص 61 باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 / 129 .