ذلك رفع الاسلام اروع شعاراته الاجتماعية الخالدة ، الا وهو تحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع الافراد دون النظر الى طبقة الفرد ، او منشأه ، او لونه كما اشار الى ذلك قوله تعالى : ( يا أيها الناس ، انا خلقناكم من ذكر وانثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) (1).
وهذا النظرة العادلة تجاه الافراد ، تجعل الحكومة الاسلامية متميزة عن الحكومات الرأسمالية ، فالاسلام يرفض الحكومة التسلطية ، وهي التي ترفض المعارضة العامة لسلطاتها جملة وتفصيلاً ، ومثالها حكومة الديكتاتور فرانكو في اسبانيا الرأسمالية ، ويرفض الحكومة الاستبدادية ، وهي التي تحكم الافراد بالحديد والنار ، لتغيير نظرة الافراد تجاه المجتمع والحياة ، ومثالها حكومة ادولف هتلر في المانيا الرأسمالية .
ويرفض الحكومة الديمقراطية القائمة نظرياً على اساس ان السلطة ملك للافراد جميعا ، وعملياً على تحكم الطبقة الرأسمالية الغنية بالنظام الاجتماعي ؛ ومثالها النظام الامريكي القائم اليوم ، واذا كانت الديمقراطية التمثيلية فكرة رائعة ، كما يصورها دعاة الرأسمالية الحديثة ، فلماذا لم يمنح النظام السياسي الديمقراطي الامريكي في القرن التاسع عشر الميلادي الزنوج والنساء والهنود الحمر حق الانتخاب ؟ بمعنى اخر ، اذا كانت الديمقراطية التمثيلية قضية حقيقية ، بحيث تمثل آراء جميع الافراد ، فلماذا لا يحق للزنوج والنساء والهنود الحمر ، طرح آرائهم عبر انتخاب ممثليهم (2) ؟ هنا يصمت دعاة النظام الرأسمالي عن
--------------------
(1) الحجرات : 13.
(2) ( هربرت هيمن ) ، المشاركة الاجتماعية السياسية : دراسة في نفسية الشخصية السياسية ، نيويورك : المطبعة الحرة ، 1969 م.
النظرية الاجتماعية
في القرآن الكريم
_ 227 _
الاجابة عن هذا السؤال معترفين بتناقض فكرتهم السياسية المبنية على تحقيق مصالح الطبقة الرأسمالية العليا فحسب ، دون النظر الى مصالح الطبقات الاجتماعية المحرومة.
اما النظام الاسلامي ، فهو يضمن على المستوى الشرعي تحقيق المساواة التامة ، ليس في توزيع الحقوق والخيرات فحسب ، بل في التوكيل السياسي ايضاً ، فلا يعتبر منشأ الفرد او لون بشرته او جنسه عاملاً في توزيع الحقوق والواجبات ، كما ذكرنا ذلك سابقاً.
ومشاركة الامة الاسلامية في مقدرات النظام السياسي يساهم في توزيع القوة السياسية وانتشارها ، ففي الانظمة الرأسمالية بانواعها الثلاثة الاستبدادية والتسلطية والديمقراطية تتركز القوة السياسية ضمن الطبقة الرأسمالية الحاكمة لاجيال عديدة (1) .
اما في النظام الاسلامي ، فان الامة من خلال التوكيل والاختصاص ، وريادة المساجد ، وحضور صلاة الجمعة ، والعمل العبادي الجماعي تشارك في تنشيط العمل السياسي ، وهي تلاحظ من خلال عينها الفاحصة عدم تركز القوة السياسية ضمن طبقة معينة ، حتى ان المدار في ولاية الفقية في زمن الغيبة العلم ، وهو أمر يمكن الحصول عليه نظرياً من قبل اي فرد يبذل جهداً مضنياً لتحقيق ذلك الهدف ، اما في النظام الرأسمالي فان الفرد لا يصل الى الكونغرس الا ان يكون غنياً ، ولا يصبح عالماً متميزاً الا ان يدخل جامعات الطبقة العليا التي لا يدخلها الا
--------------------
(1) ( دين جاروز ) ، المشاركة الاجتماعية في السياسة ، نيويورك : بريكر ، 1974 م.
النظرية الاجتماعية
في القرآن الكريم
_ 228_