فصل :
  ويستحب الإسترجاع عند المصيبة ، قال الله تعالى : ( الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانّا اليه راجعون * اولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةٌ واولئك هم المهتدون ) (1) .
  وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : ( أربع من كنّ فيه كان فيه (2) نورالله الأعظم : من كان عصمة أمره شهادة أن لاإله إلاّ الله وأنّي رسول الله ، ومن إذا أصابته مصيبة قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ومن إذا أصاب خيراً قال : الحمدالله (3) ، ومن إذا أصاب خطيئة قال : أستغفرالله (4) وأتوب إليه ) (5) .
  وقال الباقر عليه السلام : ( ما من مؤمن يصاب بمصيبة في الدنيا فيسترجع عند المصيبة (6) ويصبر حين تفجأه المصيبة ، إلاّ غفرالله له ما مضى من ذنبوبه ، إلاّ الكبائر التي أوجب الله تعالى عليها النار ، وكلّما ذكر مصيبة فيما يستقبل من عمره فاسترجع عندها وحمدالله عزّ وجلّ إلاّ غفرالله له كل ذنب اكتسبه فيما بين الإسترجاع الأوّل إلى الإسترجاع الأخير ، إلاّ الكبائر من الذنوب ) (7) .
  رواهما الصدوق .
  وأسند الكلينيّ ، الثاني إلى معروف بن خربوذ ، عن الباقر عليه السلام ، ولم يستثن منه الكبائر (8) .
  وروى الكلينيّ بإسناده إلى داود بن زربي (9) بكسر الزاي المعجمة ، ثم

-------------------------------
(1) البقرة 2 : 156 / 157 .
(2) في ( ش ) : فيه .
(3) في الفقيه : زيادة : رب العالمين .
(4) في ( ح ) زيادة : ربي .
(5) الفقيه 1 : 111/ 514 ، الخصال : 222/ 49 .
(6) في الفقيه : مصيبته .
(7) الفقيه 1 : 111/ 515 .
(8) الكافي 3 : 224/ 5 .
(9) في الكافي : داود بن رزين ، والصواب ما في الأصل راجع ( معجم رجال الحديث 7 : 100 ، جامع الرواة 1 : 303 ) .

_ 102 _

  الراء الساكنة ـ عن الصادق عليه السلام : ( من ذكر مصيبته ولو بعد حين ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمدلله رب العالمين ، اللهم آجرني على مصيبتي ، واخلف عليّ أفضل منها ، كان له من الأجر مثل ما كان عند أوّل صدمة ) (1) .
  وروى مسلم : عن امّ سلمة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، اللّهم آجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيراً منها ، إلاّ أخلف الله له خيراً منها ) فلمّا مات أبو سلمة قلت : أيّ المسلمين خير من أبي سلمة ، أوّل بيت هاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثمّ إنّي قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلّى الله عليه وآله (2) .
  وروى الترمذيّ بإسناده إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قال : ( إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك ، واسترجع ، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة ، وسموه بيت الحمد ) (3) .
  ونحوه رواه الكليني عن الصادق عليه السلام ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله (4) .

-------------------------------
(1) الكافي 3 : 224/ 6 .
(2) صحيح مسلم 2 : 631/ 918 .
(3) سنن الترمذي 2 : 243/ 1026 .
(4) الكافي 3 : 218/ 4 .

_ 103 _

  فصل :
  يجوز النوح بالكلام الحسن ، وتعداد الفضائل مع اعتماد الصدق ، لأنّ فاطمة الزهراء عليها السلام فعلته في قولها : ( يا أبتاه ، من ربه ما (1) أدناه! يا أبتاه ، إلى جبرئيل أنعاه ، يا أبتاه ، أجاب ربّاً دعاه ) (2) .
  وروي : أنّها أخذت قبضة من تراب قبره صلّى الله عليه وآله ، فوضعتها على عينيها ، وأنشدت تقول :
(  ماذا  على  من  شمّ  (3)  تربة iiأحمد      أن    لا    يشمّ   مدى   الزمان   غواليا
صبّت     عليّ    مصائب    لو    iiأنّها      صبّت على الأيّام صرن (4) لياليا ) (5)
  ولما سبق من أمره صلّى الله عليه وآله بالنوح على حمزة .
  وعن أبي حمزة ، عن الباقر عليه السلام : ( مات ابن المغيرة ، فسألت ام سلمة النبي صلّى الله عليه وآله أن يأذن لها في المضي إلى مناحته ، فأذن لها وكان ابن عمها ، فقالت :
أنعى  الوليد  بن iiالوليد      أبا الوليد ، فتى العشيرة
حامي   الحقيقة   ماجداً      يسمو إلى طلب iiالوتيرة
قد   كان  غيثاً  iiللسنين      وجعفراً  (6) غدقاً   iiوميرة
   وفي تمام الحديث ـ ، فما (عاب رسول الله) (7) صلّى الله عليه وآله ذلك ، ولا قال شيئاً ) (8) .
  وروى ابن بابويه : أنّ الباقر عليه السلام أوصى أن يندب في الموسم (9) عشر

-------------------------------
(1) ليس في ( ح ) .
(2) ذكرى الشيعة : 72 ، إعلام الورى : 143 ، منتهى المطلب 1 : 466 ، صحيح البخاري 6 : 18 ، المستدرك على الصحيحين 1 : 382 ، سنن النسائي 4 : 13 ، سنن ابن ماجة 1 : 522/ 30 .
(3) في ( ش ) : المشتمّ .
(4) في ( ش ) عدن .
(5) ذكرى الشيعة : 72 ، المعتبر 1 : 344 ، منتهى المطلب 1 : 466 .
(6) الجعفر : النهر. ( الصحاح ـ جعفر ـ 2 : 615 ) .
(7) في ( ش ) عاب عليها النبي .
(8) الكافي 5 : 117/ 2 ، التهذيب 6 : 358/ 1027 باختلاف يسير .
(9) في الفقيه : المواسم .

_ 104 _

  سنين (1) .
  وروى يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه السلام ، قال : ( قال لي أبو جعفر عليه السلام : قف من مالي كذا وكذا لنوادب يندبنني ـ عشر سنين ـ بمنى أيام منى ) (2) .
  قال الأصحاب : والمراد بذلك ، تنبيه الناس على فضائله ، وإظهارها ليقتدى بها ، ويعلم ما كان عليه أهل هذا البيت عليهم السلام لتقتفى آثارهم ، لزوال التقية بعد الموت ، ويحرم النوح بالباطل : وهو تعداد ما ليس فيه من الخصال ، واسماع الأجانب من الرجال ، ولطم الخدود والخدش ، وجزّ الشعر ونحوه ، وعليه يحمل ما ورد من النهي عن النياحة .
  وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : ( أنا بريء ممن حلق وصلق ) أي : حلق الشعر ، ورفع صوته (3) .
  وقال صلّى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام حين قتل جعفر بن أبي طالب : ( لا تدعين بويل ولا ثكل ولا حرب ، وما قلت فيه فقد صدقت ) (4) .
   وعن أبي مالك الأشعريّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : ( النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ) (5) .
وعن أبي سعيد الخدريّ : لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله النائحة والمستمعة (6) .
  وعنه صلّى الله عليه وآله : ( ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ) (7) .
  وهذا النهي محمول على الباطل كما يظهر منها ، وبه يجمع بينهما وبين الأخبار

-------------------------------
(1) الفقيه : 1 : 116/ 547 .
(2) الكافي 5 : 117/ 1 ، التهذيب 6 : 358/ 1025 .
(3) صحيح مسلم 1 : 100 ، وسنن النسائي 4 : 20 ، وسنن ابن ماجة 1 : 505 ، الجامع الصغير 1 : 415/ 2709 ، وفيها سلق بدل صلق ، وكلاهما صحيح .
(4) الفقيه 1 : 112/ 521 .
(5) الخصال : 226 ، مسند أحمد 5 : 342 ، صحيح مسلم 2 : 644/ 934 ، سنن ابن ماجة 1 : 504/ 1582 ، المستدرك 1 : 383 ، الترغيب والترهيب 4 : 351/ 12 .
(6) مسند أحمد 3 : 65 ، سنن أبي داود 3 : 194/ 3128 ، الجامع الصغير 2 : 408 : 7271 ، الترغيب والترهيب 4 : 351/ 13 ، الفتوحات الربانية 4 : 129 .
(7) سنن ابن ماجة 1 : 504/ 1584 .

_ 105 _

  السابقة .
  وأمّا الخاتمة فتشتمل على فوائد مهمة .
  يستحب تعزية أهل الميت استحباباً مؤكّداً ، وهي (تفعلة) من العزاء ـ بالمدّ والقصر ـ وهو السلو وحسن الصبر على المصائب ، يقال : عزّيته فتعزّى ، أي صبّرته فتصبّر .
  والمراد بها : طلب التسلّي عن المصائب والتصبّر عن الحزن والإكتئاب ، بإسناد الأمر إلى الله عزّ وجلّ ، ونسبته إلى عدله وحكمته ، وذكر ما وعد الله تعالى على الصبر مع الدعاء للميت ، والمصاب بتسليته عن مصيبته. وقد ورد في استحبابها والحثّ عليها أحاديث كثيرة .
  وروى عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : ( أتدرون ما حقّ الجار؟ إن استغاثك أغثته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن افتقر عدت عليه ، وإن أصابته مصيبة عزّيته ، وإن أصابه خير هنأته ، وإن مرض عدته ، وإن مات اتبعت جنازته ، ولا تستطل عليه بالبناء ، فتحجب عنه الريح إلاّ بإذنه ، واذا اشتريت فاكهة فأهد له ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا تخرج بها ولدك تغيظ بها ولده ، ولا تؤذه بريح قدرك إلاّ أن تغرف له منها ) (1) .
  وعن بهز بن حكيم بن معاوية بن جيدة القشيري ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قلت : يا رسول الله : ما حقّ جاري عليّ؟ قال : ( إن مرض عدته ) وذكر نحو الأول (2) .
  وأمّا الثواب فيها : فعن ابن مسعود ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، قال : ( من عزّى مصاباً فله مثل أجره ) (3) .
  وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( من عزّى مصاباً كان له مثل أجره ، من غير أن ينقصه الله من أجره شيئاً (4) ، ومن كفّن مسلماً كساه الله من سندس وإستبرق وحرير ، ومن حفر قبراً لمسلم بنى الله عزّوجل له بيتاً في الجنة ، ومن أنظر معسراً أظله الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظله ) .
  وعن جابر أيضا رفعه : ( من عزّى حزيناً ألبسه الله عزّ وجلّ من لباس التقوى ،

-------------------------------
(1) الترغيب والترهيب 3 : 357/ 20 .
(2) الترغيب والترهيب 3 : 357/ ذيل حديث 20 .
(3) الجامع الكبير 1 : 801 .
(4) الكافي 3 : 227/ 4 عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : قال رسول الله .

_ 106 _

  وصلّى على روحه في الأرواح ) (1) .
  وسئل النبيّ صلّى الله عليه وآله عن التصافح في التعزية ، فقال : ( هو سكن للمؤمن ، ومن عزّى مصاباً فله مثل أجره ) .
  وعن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يقول : ( من عاد مريضاً فلا يزال في الرحمة ، حتى إذا قعد عنده استنقع فيها ، ثمّ إذا قام من عنده فلا يزال يخوض فيها ، حتى يرجع من حيث خرج ، ومن عزّى أخاه المؤمن من مصيبة كساه الله ـ عزّ وجلّ ـ من حلل الكرامة يوم القيامة ) (2) .
  وعن أبي برزة (3) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من عزّى ثكلى كسي برداً في الجنة ) (4) .
  وعن أنس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( من عزّى أخاه المؤمن في (5) مصيبة كساه الله عزّوجلّ حلّة خضراء ، يحبربها يوم القيامة ). قيل : يا رسول الله ، ما يحبربها قال : ( يغبط بها ) (6) .
  وروي : أنّ داود عليه السلام قال ( إلهي ، ماجزاء من يعزّي الحزين والمصاب ابتغاء مرضاتك؟ قال : جزاؤه أن أكسوه رداءً من أردية الإيمان ، أستره به من النار ، وأدخله به الجنة ، قال : يا الهي ، فما جزاء من شيّع الجنائز ابتغاء مرضاتك؟ قال : جزاؤه أن تشيّعه الملائكة يوم يموت إلى قبره ، وأن أصلّي على روحه في الأرواح ) (7) .
  وروي : أنّ موسى عليه السلام سأل ربه : ( مالعائد المريض من الأجر؟ قال : أبعث له عند موته ملائكة يشيعونه إلى قبره ، ويؤانسونه إلى المحشر ، قال : يا رب فما لمعزي الثلكى من الأجر؟ قال : أظلّه تحت ظلّي ـ أي : ظلّ العرش ـ يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي ) (8) .

-------------------------------
(1) الجامع الكبير 1 : 801 .
(2) الجامع الكبير 1 : 800 .
(3) في ( ح ) : بردة .
(4) سنن الترمذي 2 : 269/ 1082 .
(5) في ( ح ) و ( ش ) : من ، وما أثبتناه من الجامع الكبير .
(6) الجامع الكبير 1 : 801 .
(7) الدر المنثور 5 : 308 ، ورواه المتقي الهندي في منتخب كنزالعمال 6 : 355 باختلاف في ألفاظه .
(8) روى الكليني القسم الثاني من الحديث في الكافي 3 : 226/ 1 باختلاف يسير ، وروى الديلمي في .

_ 107 _

  وروي : أنّ إبراهيم عليه السلام سأل ربه ، قال : ( أي يا رب ماجزاء من يبلّ الدمع وجهه من خشيتك ؟ قال : صلواتي ورضواني ، قال : فماجزاء من يصبّر الحزين ابتغاء وجهك ؟ قال : أكسوه ثياباً من الإيمان يتبوأ بها في الجنة ، ويتّقي بها النار ، قال : فما جزاء من سدّد الأرملة ابتغاء وجهك ؟ قال : اقيمه في ظلّي ، وأدخله جنتي ، قال : فما جزاء من يتبع الجنازة ابتغاء وجهك ؟ قال : تصلي ملائكتي على جسده ، وتشيع روحه ) .
  إرشاد القلوب : 43 الحديث كاملأ باختلاف في ألفاظه .

_ 108 _

  فصل :
  وأما كيفيتها فقد تقدم خبر المصافحة فيها .
  وأمّا ما يقال فيها فما يتفق من الكلمات ، ويروى من الأخبار المؤدية إلى السلوة ، ولا شيء مثل إيراد بعض ما تضمنته هذه الرسالة ، فإنّ فيها شفاءً لمافي الصدور ، وبلاغاً وافياً في تحقيق هذه الأمور .
  وعن علي عليه السلام قال : ( كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا عزّى قال : آجركم الله ورحمكم ، وإذا هنّأ قال : بارك الله لكم ، وبارك عليكم ) .
  وروي : أنّه توفي لمعاذ ولد ، فاشتدّ وجده عليه ، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وآله ، فكتب إليه :
  ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى معاذ ، سلام عليك ، فإنّي أحمد الله الذي لا إله إلاّ هو .
  أما بعد : أعظم الله لك الأجر ، وألهمك الصبر ، ورزقنا وإياك الشكر ، فإن أنفسنا (وأهلينا وموالينا) (1) وأولادنا من مواهب الله ـ عزّوجلّ ـ الهنيئة ، وعواريه المستودعة ، نمتّع بها إلى أجل معلوم ، وتقبض لوقت معدود ، ثمّ افترض علينا الشكر إذا أعطانا ، والصبر إذا ابتلانا ، وكان ابنك من مواهب الله الهنيئة ، وعواريه المستودعة ، متّعك الله به في غبطة وسرور ، وقبضه منك بأجر كثير ، الصلاة والرحمة والهدى إن صبرت واحتسبت ، فلا تجمعن عليك مصيبتين ، فيحبط لك أجرك ، وتندم على ما فاتك ، فلو قدمت على ثواب مصيبتك ، علمت أن المصيبة قصرت في جنب الله عن الثواب ، فتنجز من الله موعوده ، وليذهب أسفك على ما هو نازل بك ، فكأن قد ، والسلام ) (2) .
   وعن أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : ( لمّا توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله جاء جبرئيل عليه السلام ، والنبي صلّى الله عليه وآله مسّجى ، وفي البيت عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فقال :

-------------------------------
(1) في ( ش ) : وأهالينا وأموالنا .
(2) روي باختلاف في ألفاظه في التعازي : 12/ 14 ، ومنتخب كنز العمال 6 : 277 ، والمستدرك على الصحيحين 3 : 273 .

_ 109 _

  السلام عليكم يا أهل بيت النبوة (1) ( كلُّ نفس ذائقةُ الموت وإنّما توفّون اُجوركُم يوم القيامة ) (2) الآية ، ألا إنّ في الله عزّوجلّ عزاء من كل مصيبة ، وخلفاً من كلّ هالك ، ودركاً لما فات ، فبالله عزّوجلّ فثقوا ، وإيّاه فارجوا ، فإنّ المصاب من حرم الثواب ، هذا آخر وطئي (3) من الدنيا ) (4) .
  وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه ، قال : لمّا توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله عزّتهم الملائكة ، يسمعون الحس ولا يرون الشخص ، فقالوا : السلام عليكم ـ أهل البيت ـ ورحمة الله وبركاته ، إنّ في الله ـ عزّوجلّ ـ عزاء من كل مصيبة ، وخلفاً من كل فائت (5) ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإنّما المحروم من حرم الثواب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (6) .
  وروى البيهقي في ( الدلائل ) قال : لمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله ، أحدق به أصحابه ، فبكوا حوله ، واجتمعوا ، فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح ، فتخطّى رقابهم ، فبكى ، ثمّ التفت إلى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فقال : إنّ في الله عزاء من كل مصيبة ، وعوضاً من كل فائت ، وخلفاً من كل هالك ، فإلى الله فأنيبوا ، وإليه فارغبوا ، ونظره إليكم في البلاء فانظروا ، فإنّ المصاب من لم يؤجر ، وانصرف ، فقال بعضهم لبعض : تعرفون الرجل؟ فقال عليّ عليه السلام : ( نعم ، هذا أخو رسول الله صلّى الله عليه وآله ، الخضر عليه السلام ) (7) .

-------------------------------
(1) في ( ش ) : الرحمة .
(2) آل عمران 3 : 185 .
(3) في ( ح ) و ( ش ) : وطء ، وما أثبتناه من الكافي ، أي نزولي إلى الارض لإنزال الوحي .
(4) الكافي 3 : 221/ 5 ، والبحار 82 : 96/ 47 .
(5) في ( ح ) : هالك .
(6) الكافي 3 : 221/ 6 باختلاف في ألفاظه عن أبي عبدالله عليه السلام ، والبحار 82 : 96 .
(7) دلائل النبوة 7 : 269 ، ورواه الحاكم في مستدركه 3 : 58 ، والمجلسي في البحار 82 : 97 .

_ 110 _

  فصل :
  وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي ، فإنّها من أعظم المصائب ) (1) .
  وعنه صلّى الله عليه وآله : ( من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته بي ، فإنّها ستهون عليه ) .
  وعنه صلّى الله عليه وآله ، إنّه قال في مرض موته : ( أيّها الناس ، أيّما عبد من امّتي اُصيب بمصيبة من بعدي فليتعزّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري ، فإنّ أحداً من اُمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصييبتي ) (2) .
  وعن عبدالله بن الوليد بإسناده ، لمّا اُصيب عليّ عليه السلام بعثني الحسن إلى الحسين عليهما السلام ، وهو بالمدائن ، فلمّا قرأ الكتاب قال : ( يا لها من مصيبة ، ما أعظمها! مع أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابي ، فإنّه لن يصاب بمصيبة أعظم منها ) (3) .
  وروى إسحاق بن عمار ، عن الصادق عليه السلام ، أنّه قال : ( يا إسحاق ، لا تعدن مصيبة أعطيت عليها الصبر ، واستوجبت عليها من الله عزّ وجلّ الثواب ، إنّما المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها وثوابها ، إذا لم يصبر عند نزولها ) (4) .
  وعن أبي ميسرة (5) قال : كنّا عند أبي عبدالله عليه السلام : فجاء رجل وشكا إليه مصيبته ، فقال له : ( أما إنّك إن تصبر تؤجر ، وإلاّ تصبر يمضي عليك قدالله عزّوجلّ الذي قدر عليك (وأنت مذموم) (6) ) (7) .

-------------------------------
(1) الكافي 3 : 220/ 1 باختلاف في ألفاظه عن أبي عبدالله عليه السلام ، الجامع الكبير 1 : 41 ، الجامع الصغير 1 : 72 .
(2) الجامع الكبير 1 : 372 باختلاف في ألفاظه ، والبحار 82 : 143 .
(3) الكافي 3 : 220/ 3 باختلاف يسير ، والبحار 82 : 143 .
(4) الكافي 3 : 224/ 7 ، والبحار 82 : 144 .
(5) في الكافي الفضيل بن ميسر .
(6) ليس في ( ش ) .
(7) الكافي 3 : 225/ 10 باختلاف يسير ، والبحار 82 : 142 .

_ 111 _

  وعن جابر رضي الله عنه قال : رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( قال لي جبرئيل عليه السلام ، يا محمد ، عش ماشئت فإنّك ميت ، وأجبب من شئت فإنّك مفارقه ، واعمل ماشئت فإنّك ملاقيه ) (1) .
  وروي : أنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عابد عالم مجتهد ، وكانت له امرأة ، وكان بها معجباً ، فماتت فوجدعليها وجداً شديداً ، حتى خلا في بيت وأغلق على نفسه واحتجب عن الناس فلم يكن يدخل عليه أحد .
  ثم إنّ امرأة من بني إسرائيل سمعت به ، فجاءته فقالت : لي إليه حاجة استفتيه فيها ، ليس يجزيني إلاّ أن أشافهه بها ، فذهب الناس ، ولزمت الباب ، فأخبر ، فأذن لها ، فقال ـ ت : أستفتيك في أمر ، فقال : ماهو ؟ قال ـ ت : إنّي استعرت من جارة لي حلياً ، فكنت ألبسه زماناً ، ثمّ إنهم أرسلوا إليّ فيه ، أفأرده إليهم؟ قال : نعم ، قالت : والله إنّه قد مكث عندي زماناً طويلأ (2) ، قال : ذاك أحقّ لردّك إياه ، فقالت له : رحمك الله ، أفتأسف على ماأعارك الله عزّوجلّ ، ثمّ أخذه منك ، وهو أحقّ به منك ؟ فأبصر ما كان فيه ، ونفعه الله بقولها (3) .
  وعن أبي الدرداء قال : كان لسليمان بن داود عليهما السلام ابن يحبه حباً شديداً ، فمات فحزن عليه حزناً شديداً ، فبعث الله ـ تعالى ـ إليه ملكين في هيئة البشر ، فقال : ( ما أنتما ؟ قالا : خصمان ، قال : اجلسا بمنزلة الخصوم ، فقال : أحدهما : إني زرعت زرعاً فأتى هذا فأفسده ، فقال سليمان عليه السلام : ما يقول هذا ؟ قال : أصلحك الله إنه زرع في الطريق ، وإنّي مررت به فنظرت يميناً وشمالاً فإذا الزرع ، فركبت قارعة الطريق ، فكان في ذلك فساد زرعه ، فقال سليمان عليه السلام ، ماحملك على أن تزرع في الطريق ، أما علمت أنّ الطريق سبيل الناس ، ولابدّ للناس من أن يسلكوا سبيلهم ؟ فقال له أحد الملكين : أو ماعلمت ـ يا سليمان ـ أنّ الموت سبيل الناس ، ولا بدّ للناس من أن يسلكوا سبيلهم ؟ ) قال : فكأنّما كشف عن سليمان عليه السلام الغطاء ، ولم يجزع على ولده بعد ذلك .
  رواه ابن أبي الدنيا (4) .

-------------------------------
(1) الفقيه 1 : 298/ 1363 مرسلأ ، الجامع الصغير 2 : 248/ 6077 ، والبحار 82 : 144 .
(2) ليس في ( ش ) .
(3) الموطأ 1 : 237 باختلاف في الفاظه ، والبحار 82 : 154 .
(4) أخرجه المجلسي في البحار 82 : 154 .

_ 112 _

  وروي أيضا : أنّ قاضياً كان في بني إسرائيل مات له ابن فجزع عليه وساح ، فلقيه رجلان فقالا له : اقض بيننا ، فقال : من هذا فررت ، فقال أحدهما : إنّ هذا مرّ بغنمه على زرعي فأفسده ، فقال الآخر : إنّ هذا زرع بين الجبل والنهر ، ولم يكن لي طريق غيره ، فقال له القاضي : أنت حين زرعت بين الجبل والنهر ، ألم تعلم أنّه طريق الناس ؟ فقال له الرجل : فأنت حين ولد لك ، ألم تعلم أنّه يموت ؟ فارجع إلى قضائك ، ثم عرجا ، وكانا ملكين (1) .
  وروي : أنه كان بمكة مقعدان ، كان لهما ابن شاب ، فكان إذا أصبح نقلهما فأتى بهما المسجد ، فكان يكتسب عليهما يومه ، فإذا كان المساء احتملهما وأقبل بهما منزله ، فافتقدهما النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فسأل عنهما ، فقيل : مات ابنهما ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : ( لوترك أحد لأحد لترك ابن المقعدين ) (2) .
  رواه الطبراني .
  وروى ابن أبي الدنيا : ( لوترك شيء لحاجة أوفاقة ، لترك الهذيل لأبويه ) .
  وروي عن بعض العابدات ، أنّها قالت : ما أصابتني مصيبة فأذكر معها النار ، إلاّ صارت في عيني أصغر من التراب .

-------------------------------
(1) أخرجه المجلسي في البحار 82 : 155 .
(2) أخرجه المجلسي في البحار 82 : 155 ، ورواه البيهقي في سننه 4 : 66 باختلاف في ألفاظه .

_ 113 _

  فصل :
  ليذكر من اُصيب بمصيبة ، أنّ المصائب والبلايا إنّما يخص في الأغلب من لله به مزيد عناية ، وله عليه إقبال وإليه توجه ، وليتحقق ذلك قبل النظر في الكتاب والسنة فيمن يبتلى في دار الدنيا ، فإنّه يجد أشدّ الناس بلاءً أهل الخير والصلاح بعد الأنبياء والرسل ، والآيات الكريمة منبئة على ذلك ، قال الله تعالى :
  ( ولولا ان يكون الناس امّةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة ومعارج عليها يظهرون ) (1) الآية ، وقال تعالى : ( ولا يحسبنّ الذين كفروا انّما نملي لهم خيرٌ لانفسهم انّما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذابٌ مهين ) (2) وقال تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آيتنا بيّنات قال الّذين كفروا للّذين آمنوا ايّ الفريقين خير مقاماً واحسن ندياًً * قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدَاً ) (3) .
  وروى عبدالرحمن بن الحجاج قال : ذكر عند أبي عبدالله عليه السلام البلاء ، وما يختص الله عزّوجلّ به المؤمن ، فقال : ( سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله : من أشد الناس بلاءً في الدنيا ؟ فقال : النبيون ، ثمّ الأمثل فالأمثل ، ويبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله ، فمن صحّ إيمانه وحسن عمله اشتدّ بلاؤه ، ومن سخف إيمانه ، وضعف علمه قلّ بلاؤه ) (4) .
  وروى زيد الشحام عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ( إنّ عظيم الأجر مع عظيم البلاء ، وما أحبّ الله ـ عزّ وجلّ ـ قوماً إلاّ ابتلاهم ) (5) .
  وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : ( إنّ لله عزّوجلّ عباداً في الأرض من خالص عباده ، ما ينزل من السماء تحفة إلى الأرض إلاّ صرفها عنهم إلى غيرهم ، ولا بليّة إلاّ صرفها إليهم ) (6) .
  وعن الحسين بن علوان ، عنه عليه السلام ، أنّه قال : ( إنّ الله تعالى إذا أحبّ

-------------------------------
(1) الزخرف 43 : 33 .
(2) آل عمران 3 : 178 .
(3) مريم 19 : 73 و 75 .
(4) الكافي 2 : 196/ 2 .
(5) الكافي 2 : 196/ 3 .
(6) الكافي 2 : 196/ 5 ، تنبيه الخواطر 2 : 204 ، وباختلاف يسيرفي التمحيص 35/ 26 .

_ 114 _

  عبداً غته (1) بالبلاء غتاً (2) ، وإنّا وإياكم لنصبح به ونمسي ) (3) .
  وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : ( إنّ الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً غتّه بالبلاء غتّاً (وسجّه بالبلاء سجاً) (4) فإذا دعاه قال : لبيك عبدي لئن عجلت لك ماسألت إني على ذلك لقادر ، ولكن ادخرت لك ، فما ادخرت خير لك ) (5) .
  وعن أبي عبدالله عليه السلام قال : ( قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : إنّ عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء ، فإذا أحبّ الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء ، فمن رضي فله عندالله تعالى الرضا ، ومن سخط البلاء فله عندالله السخط ) (6) .
  وعن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : ( إنّما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه ـ أو قال : ـ على حسب دينه ) (7) .
  وعن ناجية قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ المغيرة يقول : إنّ الله لا يبتلي المؤمن بالجذام ولا بالبرص ولا بكذا ولا بكذا ، فقال : ( إن كان لغافلأ عن مؤمن آل ياسين ، إنّه كان مكنَعاً (8) ـ ثمّ ردّ أصابعه ، فقال ـ : كأنّي أنظر إلى تكنيعه ، أتاهم فأنذرهم ، ثمّ عاد إليهم من الغد فقتلوه ـ ثمّ قال ـ : إنّ المؤمن يبتلى بكلّ بلية ، ويموت بكل ميته ، إلاّ أنّه لا يقتل نفسه ) (9) .
  وعن عبدالله بن أبي يعفور قال : شكوت إلى أبي عبدالله عليه السلام ماألقى من الأوجاع ـ وكان مسقاماً ـ فقال لي : ( يا عبدالله ، لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب ، لتمنّى أن يقرّض بالمقاريض (10) ) (11) .

-------------------------------
(1) الغت : الغمس المتتابع بالماء ، ( النهاية 3 : 342 ) .
(2) في ( ح ) زيادة : وسجه بالبلاء سجا .
(3) الكافي 2 : 197/ 6 .
(4) في ( ش ) : شجه بالبلاء شجا ، والصحيح ثجه بالبلاء ثجا ، أي : صبه عليه صباً. ( مجمع البحرين 2 : 283 ) .
(5) الكافي 2 : 197/ 7 ، التمحيص : 34/ 25 ، باختلاف يسير .
(6) الكافي 2 : 197/ 8 ، وروي باختلاف يسير عن ابي عبدالله في التمحيص : 33/ 20 .
(7) الكافي 2 : 197/ 9 ، مشكاة الأنوار : 298 .
(8) المكنع : مقفّع اليد ، وقيل مقفع الاصابع ، يابسها ، متقضبها.( لسان العرب 8 : 314 ) .
(9) الكافي 2 : 197/ 12 ، تنبيه الخواطر 2 : 204 باختلاف يسير .
(10) في ( ح ) زيادة : طول عمره .
(11) الكافي 2 : 198/ 15 ، تنبيه الخواطر 2 : 204 ، وروي باختلاف يسير في المؤمن : 15/ 3 ، التمحيص : 32/ 13 .

_ 115 _

  وعن أبي عبدالله عليه السلام : ( إنّ أهل الحق (1) لم يزالوا في شدة ، أما إنّ ذلك إلى مدّة قليلة وعافية طويلة ) (2) .
  وعن حمدان ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : ( إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية ، من الغيبة ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض ) (3) .
  وعن أبي عبدالله قال : ( دعي النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى طعام ، فلمّا دخل إلى منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت ، فتقع البيضة على وتد في حائط فتثبت عليه ، ولم تسقط ولم تنكسر ، فتعجّب النبيّ صلّى الله عليه وآله منها ، فقال له الرجل : أعجبت من هذه البيضة ؟ فوالّذي بعثك بالحق ما رزئت شيئاً قط ، فنهض رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولم يأكل من طعامه شيئاً ، وقال : من لم يرزأ فما لله فيه من حاجة ) (4) .
  وأشباه هذه الأخبار كثيرة ، فلنقتصر على هذا القدر .

-------------------------------
(1) ليس في ( ش ) ، و في ( ح ) : الله ، وما أثبتناه من الكافي .
(2) الكافي 2 : 198/ 16 .
(3) الكافي : 2 : 198/ 17 ، تنبيه الخواطر 2 : 204 ، وروي باختلاف في ألفاظه في التمحيص : 50/ 91 .
(4) الكافي 2 : 198/ 20 .

_ 116 _

  ونختم الرسالة بكتاب شريف ، كتبه سيدنا ومولانا أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام لجماعة من بني عمّه ، حين أصابتهم شدّة من بعض الأعداء على وجه التعزية ، رويناها بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطوسيّ ـ قدّس الله روحه ـ عن الشيخ المفيد محمد بن النعمان ، والحسين بن عبيدالله الغضائريّ ، عن الصدوق أبي جعفر محمد بن عليّ بن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الثقة الجليل محمد بن أبي عمير ، عن إسحاق بن عمار ، قال : إنّ أبا عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام كتب إلى عبدالله بن الحسن ، حين حمل هو وأهل بيته ، يعزّيه عمّا صار إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم

  إلى الخلف الصالح والذريّة الطيّبة ـ من ولد أخيه وابن عمه ــ .
  أمّا بعد : فلئن كنت قد تفردت ـ أنت وأهل بيتك ممّن حمل معك ـ بما أصابكم ، فما انفردت بالحزن والغيظ والكآبة وأليم وجع القلب دوني ، ولقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحرّ المصيبة مثل مانالك ، ولكن رجعت إلى ما أمرالله عزّ وجلّ به المتقين من الصبر وحسن العزاء ، حين يقول لنبيّه صلّى الله عليه وآله : ( واصبر لحكم ربّك فانّك بأعيننا ) (1) .
  وحين يقول : ( فاصبر لحكم ربّك ولا تكن كصاحب الحوت ) (2) .
  وحين يقول لنبيّه صلّى الله عليه وآله ، حين مثّل بحمزة : ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين ) (3) .
   فصبر رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يعاقب .
  وحين يقول : ( وامر اهلك بالصّلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ) (4) .

-------------------------------
(1) الطور 52 : 48 .
(2) القلم 68 : 48 .
(3) النحل 16 : 126 .
(4) طه : 20 : 132 .

_ 117 _

  وحين يقول : ( الّذين اذا اصابتهم مصيبةٌ قالوا انّا لله وانّا اليه راجعون * اولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةُ واولئك هم المهتدون ) (1) .
  وحين يقول : ( انّما يوفّى الصّابرون اجرهم بغير حساب ) (2) .
  وحين يقول عن لقمان لابنه : ( واصبر على مااصابك انّ ذلك من عزم الامور ) (3) .
  وحين يقول عن موسى عليه السلام : ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا انّ الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين ) (4) .
  وحين يقول : ( الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصّبر ) (5) .
  وحين يقول : ( ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثّمرات وبشّر الصّابرين ) (6) .
  وحين يقول : ( والصّابرين والصّابرات ) (7) .
  وحين يقول : ( واصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين ) (8) وأمثال ذلك من القرآن كثير .
  واعلم ـ أيّ عمّ وابن عمّ ـ أنّ الله ـ عزّوجلّ ـ لم يبال بضرّ الدنيا لوليّه ساعة قط ، ولا شيء أحب إليه من الضرّ والجهد واللأواء (9) مع الصبر ، وأنّه ـ تبارك وتعالى ـ لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة واحدة قط .
  ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم ، وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون .
  ولولا ذلك لما قتل زكريا ويحيى بن زكريا ظلماً وعدواناً في بغيّ من البغايا .

-------------------------------
(1) البقرة 2 : 156 ، 157 .
(2) الزمر 39 : 10 .
(3) لقمان 31 : 17 .
(4) الأعراف 7 : 128 .
(5) العصر 103 : 3 .
(6) البقرة 2 : 155 .
(7) الاحزاب 33 : 35 .
(8) يونس 10 : 109 .
(9) اللأواء : الشدّة، ( الصحاح ـ لأى ـ 6 : 2478 ) .

_ 118 _

  ولولا ذلك لما قتل جدّك عليّ بن أبي طالب عليه السلام ـ لمّا قام بأمر الله جل وعزّ ـ ظلماً ، وعمّك الحسين بن فاطمة ـ صلّى الله عليهما ـ اضطهاداً وعدواناً .
  ولولا ذلك لما قال الله عزّوجلّ في كتابه : ( ولولا ان يكون النّاس امّةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة ومعارج عليها يظهرون ) (1) .
  ولولا ذلك لما قال في كتابه : ( ايحسبون انّما نمدّهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل يشعرون ) (2) .
  ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ( لولا أن يحزن المؤمن لجعلت للكافر عصابة من حديد ، فلا يصدع رأسه أبداً ) .
  ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ( أن الدنيا لا تساوي عندالله عزّوجلّ جناح بعوضة ) .
  ولولا ذلك ما سقى كافراً منها شربة ماء .
  ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ( لو أنّ مؤمناً على قلة جبل لا بتعث الله له كافراً أو منافقاً يؤذيه ) .
  ولولا ذلك لما جاء في الحديث أنّه : ( إذا أحبّ الله قوماً ـ أو أحب عبداً ـ صبّ عليه البلاء صبّاً ، فلا يخرج من غمّ إلاّ وقع في غمّ ) .
  ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ( ما من جرعتين أحبّ إلى الله تعالى أن يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا ، من جرعة غيظ كظم عليها ، وجرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء واحتساب ) .
  ولولا ذلك لما كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله يدعون على من ظلمهم بطول العمر ، وصحة البدن ، وكثرة المال والولد .
  ولولا ذلك ما بلغنا : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان إذا خصّ رجلأ بالترحّم عليه والاستغفار استشهد .
  فعليكم ـ يا عمّ وابن عمّ وبني عمومتي واخوتي ـ بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله عزّوجلّ ، والرضا والصبر على قضائه ، والتمسك بطاعته ، والنزول عند أمره .

-------------------------------
(1) الزخرف 43 : 33 .
(2) المؤمنون 23 : 55 ، 56 .

_ 119 _

  أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وختم لنا ولكم بالسعادة ، وأنقذنا وإيّاكم من كلّ هلكة بحوله وقوته ، إنّه سميع قريب .
  وصلّى الله على صفوته من خلقه ، محمد النبيّ وأهل بيته صلوات الله وسلامه وبركاته ورحماته عليهم أجمعين ) (1) .
  هذا آخر التعزية بلفظها ، نقلتها من كتاب ( التتمات والمهمات ) وعليها نختم الرسالة حامدين لله تعالى على نواله ، مصلّين على صاحب الرسالة ، وعلى آله أهل العصمة والعدالة .
  ولقد فرغ منها مؤلفها العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين علي بن أحمد الشاميّ العامليّ عامله الله بفضله وعفا عنهم بمنه وسط نهار الجمعة ، غرّة شهر رجب المرجب الفرد الحرام ، عام أربعة وخمسين وتسعمائة حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً والحمد لله وحده ، وصلاته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .

-------------------------------
(1) إقبال الأعمال : 578 باختلاف يسير ، ونقله في البحار 82 : 145 عن مسكن الفؤآد .