ونختم الرسالة بكتاب شريف ، كتبه سيدنا ومولانا أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام لجماعة من بني عمّه ، حين أصابتهم شدّة من بعض الأعداء على وجه التعزية ، رويناها بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطوسيّ ـ قدّس الله روحه ـ عن الشيخ المفيد محمد بن النعمان ، والحسين بن عبيدالله الغضائريّ ، عن الصدوق أبي جعفر محمد بن عليّ بن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الثقة الجليل محمد بن أبي عمير ، عن إسحاق بن عمار ، قال : إنّ أبا عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام كتب إلى عبدالله بن الحسن ، حين حمل هو وأهل بيته ، يعزّيه عمّا صار إليه :
إلى الخلف الصالح والذريّة الطيّبة ـ من ولد أخيه وابن عمه ــ .
أمّا بعد : فلئن كنت قد تفردت ـ أنت وأهل بيتك ممّن حمل معك ـ بما أصابكم ، فما انفردت بالحزن والغيظ والكآبة وأليم وجع القلب دوني ، ولقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحرّ المصيبة مثل مانالك ، ولكن رجعت إلى ما أمرالله عزّ وجلّ به المتقين من الصبر وحسن العزاء ، حين يقول لنبيّه صلّى الله عليه وآله : ( واصبر لحكم ربّك فانّك بأعيننا )
.
.
وحين يقول لنبيّه صلّى الله عليه وآله ، حين مثّل بحمزة : ( وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين )
.
فصبر رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يعاقب .
وحين يقول : ( وامر اهلك بالصّلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى )
.
وحين يقول : ( الّذين اذا اصابتهم مصيبةٌ قالوا انّا لله وانّا اليه راجعون * اولئك عليهم صلواتٌ من ربّهم ورحمةُ واولئك هم المهتدون )
(1) .
وحين يقول : ( انّما يوفّى الصّابرون اجرهم بغير حساب )
(2) .
وحين يقول عن لقمان لابنه : ( واصبر على مااصابك انّ ذلك من عزم الامور )
(3) .
وحين يقول عن موسى عليه السلام : ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا انّ الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين )
(4) .
وحين يقول : ( الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصّبر )
(5) .
وحين يقول : ( ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثّمرات وبشّر الصّابرين )
(6) .
وحين يقول : ( والصّابرين والصّابرات )
(7) .
وحين يقول : ( واصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين )
(8) وأمثال ذلك من القرآن كثير .
واعلم ـ أيّ عمّ وابن عمّ ـ أنّ الله ـ عزّوجلّ ـ لم يبال بضرّ الدنيا لوليّه ساعة قط ، ولا شيء أحب إليه من الضرّ والجهد واللأواء
(9) مع الصبر ، وأنّه ـ تبارك وتعالى ـ لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة واحدة قط .
ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم ، وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون .
ولولا ذلك لما قتل زكريا ويحيى بن زكريا ظلماً وعدواناً في بغيّ من البغايا .
-------------------------------
(1) البقرة 2 : 156 ، 157 .
(2) الزمر 39 : 10 .
(3) لقمان 31 : 17 .
(4) الأعراف 7 : 128 .
(5) العصر 103 : 3 .
(6) البقرة 2 : 155 .
(7) الاحزاب 33 : 35 .
(8) يونس 10 : 109 .
(9) اللأواء : الشدّة، ( الصحاح ـ لأى ـ 6 : 2478 ) .
_ 118 _
ولولا ذلك لما قتل جدّك عليّ بن أبي طالب عليه السلام ـ لمّا قام بأمر الله جل وعزّ ـ ظلماً ، وعمّك الحسين بن فاطمة ـ صلّى الله عليهما ـ اضطهاداً وعدواناً .
ولولا ذلك لما قال الله عزّوجلّ في كتابه : ( ولولا ان يكون النّاس امّةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة ومعارج عليها يظهرون )
(1) .
ولولا ذلك لما قال في كتابه : ( ايحسبون انّما نمدّهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل يشعرون )
(2) .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ( لولا أن يحزن المؤمن لجعلت للكافر عصابة من حديد ، فلا يصدع رأسه أبداً ) .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ( أن الدنيا لا تساوي عندالله عزّوجلّ جناح بعوضة ) .
ولولا ذلك ما سقى كافراً منها شربة ماء .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ( لو أنّ مؤمناً على قلة جبل لا بتعث الله له كافراً أو منافقاً يؤذيه ) .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث أنّه : ( إذا أحبّ الله قوماً ـ أو أحب عبداً ـ صبّ عليه البلاء صبّاً ، فلا يخرج من غمّ إلاّ وقع في غمّ ) .
ولولا ذلك لما جاء في الحديث : ( ما من جرعتين أحبّ إلى الله تعالى أن يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا ، من جرعة غيظ كظم عليها ، وجرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء واحتساب ) .
ولولا ذلك لما كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله يدعون على من ظلمهم بطول العمر ، وصحة البدن ، وكثرة المال والولد .
ولولا ذلك ما بلغنا : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان إذا خصّ رجلأ بالترحّم عليه والاستغفار استشهد .
فعليكم ـ يا عمّ وابن عمّ وبني عمومتي واخوتي ـ بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله عزّوجلّ ، والرضا والصبر على قضائه ، والتمسك بطاعته ، والنزول عند أمره .
-------------------------------
(1) الزخرف 43 : 33 .
(2) المؤمنون 23 : 55 ، 56 .
_ 119 _
أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وختم لنا ولكم بالسعادة ، وأنقذنا وإيّاكم من كلّ هلكة بحوله وقوته ، إنّه سميع قريب .
وصلّى الله على صفوته من خلقه ، محمد النبيّ وأهل بيته صلوات الله وسلامه وبركاته ورحماته عليهم أجمعين )
(1) .
هذا آخر التعزية بلفظها ، نقلتها من كتاب ( التتمات والمهمات ) وعليها نختم الرسالة حامدين لله تعالى على نواله ، مصلّين على صاحب الرسالة ، وعلى آله أهل العصمة والعدالة .
ولقد فرغ منها مؤلفها العبد الفقير إلى الله تعالى زين الدين علي بن أحمد الشاميّ العامليّ عامله الله بفضله وعفا عنهم بمنه وسط نهار الجمعة ، غرّة شهر رجب المرجب الفرد الحرام ، عام أربعة وخمسين وتسعمائة حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً والحمد لله وحده ، وصلاته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
-------------------------------
(1) إقبال الأعمال : 578 باختلاف يسير ، ونقله في البحار 82 : 145 عن مسكن الفؤآد .