الفهرس العام


ما ذكره ابن عبد ربّه :
ما ذكره المسعودي :
ما ذكره الجوهري :



  ثم خرج أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : من كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ، ومن كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات ، ثم قرأ : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (1) ، وكان عمر يقول : لم يمت ، وكان يتوعد الناس بالقتل في ذلك .
  فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة ، فبلغ ذلك أبا بكر ، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجرّاح ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : منّا أمير ومنكم أمير ، فقال أبو بكر : منّا الأمراء ومنكم الوزراء ، ثم قال أبو بكر : إنّي قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين : عمر أو أبا عبيدة ، إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) جاءه قوم فقالوا : إبعث معنا أميناً ، فقال : لأبعثنّ معكم أميناً حق أمين ، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجرّاح ، وأنا أرضى لكم أبا عبيدة ، فقام عمر فقال : أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فبايعه عمر وبايعه الناس ، فقالت الأنصار ـ أو بعض الأنصار ـ : لا نبايع إلا علياً ، انتهى .
  فهذا النص فيه حقائق وفيه أباطيل ، ضغث من هذا وضغث من هذا ، ولا نطيل الوقوف عنده سوى تنبيه القارئ النبيه على قراءته بتدبر وإمعان لما فيه من علائم الاستفهام :
  1 ـ لماذا جاء أبو بكر بعد ثلاث ؟ وهو بالسُنح في عوالي المدينة ، وخبر موت النبي ( صلى الله عليه وآله ) شاع وذاع حتى غصت المدينة بمن جاءها مسرعين مهطعين ، وصارت شبيهاً بالقيامة ، ويضرب بها المثل في ذلك اليوم ، وليس بينه وبين المدينة مسافة بعيدة ، إنّما هي ساعة للراكب وساعتين للراجل .
  2 ـ ما معنى قول الراوي : لم يجترئ أحد أن يكشف عن وجهه ـ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ـ ؟ أكان ذلك احتراماً له ، فجاء أبو بكر فاخترق ذلك الإحترام ؟ أم كان هناك رقيب

---------------------------
(1) آل عمران : 144 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 302 _

  يمنع من الدنو إلى الجثمان الطاهر ، فلا يدع أحداً يجترئ أن يكشف عن وجهه ؟ وفي كلا الاحتمالين لابد من تحكيم العقل وتقويم الاحتمالين ، لمعرفة نصيب كل من الشيخين من التواطؤ أو عدمه ، والاحتكام إلى العقل ضرورة يقضي بها تصويب النص أو رفضه كلاً أو بعضاً .
  3 ـ ما معنى كلام أبي بكر : ومن كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات ؟ فهل كان هنالك من يعبد محمداً حتى يقول له ذلك ؟ أو هو تعريض بعمر الذي قال أنّه لم يمت ، وتوعد بالقتل لمن قال أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد مات .
  4 ـ ثم ما بال أبي بكر يساوم الأنصار على الخلافة ، فيقاسمهم وكأنّه يمتلك ناصية الأمر من قبل المهاجرين فيقول : منّا الأمراء ومنكم الوزراء ؟ وهل كان ذلك من حقه ؟ وقد مر في مثلثاته ما ينافي هذا العرض .
  5 ـ ما باله يرشح عمر وأبا عبيدة للأمر ، ثم هو يؤكد على أمانة أبي عبيدة من دون أي مناسبة تستدعي ذلك الإجراء ، أفهل كان أقرب إلى قلبه من عمر ؟
  6 ـ ثم ما بال عمر يبادر إلى مبايعة أبي بكر ؟ فهل أحسّ من إطرائه لأبي عبيدة مماكرة زيادة على الترشيح ، فخشي أن يبايع له فماكر هو أيضاً .
  7 ـ لماذا قال الأنصار أو بعض الأنصار : لا نبايع إلاّ علياً ؟ فهل كان ذلك مجرد طرح أو ترشيح منهم ، أو أنهم قالوا للنص عليه وهو يستدعي ذلك القول منهم ؟ ولو شهد علي اجتماع السقيفة لأخذت الأمور اتجاهاً آخر غير ما سارت عليه .
  إلى غير ذلك من فجوات في الخبر تثير علامات استفهام تستدعي الجواب عليها .
  النص السادس : رواه الطبري (1) عن ابن حميد ، عن جرير ، عن مغيرة ، عن زياد بن كليب قال : أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 3 : 202 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 303 _

  المهاجرين ، فقال : والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه .
  وهذا النص هو بنفس السند في النص السابق إلى زياد بن كليب ، ولم يذكر باقي السند وأحسبه كسابقه ، ومهما يكن فهو صريح في مجيئ عمر إلى منزل علي ، لأنّ فيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، وهم لم يبايعوا أبا بكر ، فهدّدهم بإحراق البيت عليهم ، وأقسم على توعده بتنفيذه إن لم يخرجوا إلى البيعة .
  والتهديد والإحراق لم يكن هيناً سماعه على الناس فضلاً عن فعله ، وقد مرّ بنا أنّ الناس قالوا له : إنّ في البيت فاطمة ، قال : وإن ، فإنّها لصدمة ولدمة لمن سمع ورأى وهو خارج البيت ، وإنّها لصدمة ولدمة لمن سمع ومن رأى وكان هو داخل البيت ، وهذا ما دعا الزبير لأن يخرج مصلتاً عليه بالسيف .
  وإلى هنا لا تستدعي صراحة النص تفسيراً لصرامة عمر ، إلاّ أنّ فيه ( فعثر _ الزبير _ فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه ) ، وهذا أيضاً لا يثير حيرة ولا قلقاً ، فالزبير وقد خرج على عمر مصلتاً بالسيف ، ( فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه ) والضمير في المأخوذ سواء كان يعني السيف ، أو كان يعني الزبير ، فهو يدل على وجود جمع ( فوثبوا عليه فأخذوه ) وهذا ما يلفت النظر في طي ذكرهم أولاً في الخبر ، فماذا جرى منهم على بقية من كان في البيت ، فهذا كله طواه الخبر ، إلاّ أن الطبري ساق بعد هذا خبر بإسناد غير ما قرأنا بها أخباره المتقدمة ، مما يكشف عما طواه هذا النص المتقدم ، فلنقرأ ما عنده :   النص السابع : روى الطبري (1) عن زكريا بن يحيى الضرير ، عن أبي عوانة ، عن داود بن عبد الله الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال : توفي

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 3 : 202 / 203 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 304 _

  رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأبو بكر في طائفة من المدينة ، فجاء فكشف الثوب عن وجه فقبله وقال : فداك أبي وأمي ما أطيبك حيّاً وميّتاً ، مات محمد ورب الكعبة ، قال : ثم انطلق إلى المنبر فوجد عمر بن الخطاب قائماً يوعد الناس ويقول : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حي لم يمت ، وإنّه خارج إلى من أرجف به ، وقاطع أيديهم ، وضارب أعناقهم وصالبهم .
  قال : فتكلّم أبو بكر وقال : أنصت ، قال : فأبى عمر أن ينصت ، فتكلم أبو بكر وقال : إنّ الله قال لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) : ( إنَّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) (1) ، ( وَمَا مُحَمَّدٌ إلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ . . . ) (2) ، حتى ختم الآية ، فمن كان يعبد محمداً فقد مات إلهه الذي كان يعبده ، ومن كان يعبد الله لا شريك له ، فإنّ الله حيّ لا يموت .
  قال : فحلف رجال أدركناهم من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) ما علمنا أنّ هاتين الآيتين نزلتا حتى قرأهما أبو بكر يومئذٍ ، إذ جاء رجل يسعى فقال : هاتيك الأنصار قد اجتمعت في ظُلّة بني ساعدة يبايعون رجلاً منهم يقولون : منّا أمير ومن قريش أمير .
  قال : فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان حتى أتياهم ، فأراد عمر أن يتكلم فنهاه أبو بكر فقال : لا أعصي خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في يوم مرّتين ، قال : فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئاً نزل في الأنصار ، ولا ذكره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من شأنهم إلا وذكره ، وقال : لقد علمتم أنّ رسول الله قال : لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار ، وقد علمت ياسعد أنّ رسول الله قال ـ وأنت قاعد ـ : قريش ولاة

---------------------------
(1) الزمر : 30 / 31 .
(2) آل عمرن : 144 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 305 _

  هذا الأمر ، فبرّ الناس تبع لبرّهم ، وفاجرهم تبع لفاجرهم ، قال : فقال سعد : صدقت فنحن الوزراء وأنتم الأمراء .
  قال : فقال عمر : أبسط يدك يا أبا بكر فلأبايعك ، فقال أبو بكر : بل أنت يا عمر ، فأنت أقوى لها منّي ، قال : وكان عمر أشدّ الرجلين ، قال : وكان كل واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ، ففتح عمر يد أبي بكر ، وقال : إنّ لك قوتي مع قوتك ، قال : فبايع الناس واستثبتوا للبيعة .
  وتخلّف علي والزبير ، واخترط الزبير سيفه ، وقال : لا أغمده حتى يبايع عليّ ، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر ، فقال عمر : خذوا سيف الزبير فاضربوا به الحجر ، قال : فانطلق إليهم عمر فجاء بهما تبعاً وقال : لتبايعان وأنتما طائعان ، أو لتبايعان وأنتما كارهان ، فبايعا ، انتهى .
  ونحن إزاء هذا النص وهو كسابقه فيه ضغث من حق وضغث من باطل ، لذلك نود تنبيه القارئ إلى ما فيه سنداً ومتناً من مواقع للنظر .
أما من ناحية السند فقد رواه الطبري عن زكريا بن يحيى الضرير ، أحسبه الوقار المصري ، قال ابن عدي : يصنع الحديث ، ووصفه صالح جزرة بأنّه من الكذابين الكبار .
  عن ابن عوانة وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري ، قال ابن عبد البر : أجمعوا على أنّه ثقة فيما حدث من كتابه ، وقال : إذا حدث من حفظه ربما غلط .
  عن داود بن عبد الله الأودي ، وثّقه ابن معين ، وقال أحمد : شيخ ثقة قديم .
  عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ، وثقه العجلي ، وقال ابن سعد : ثقة ، وروى عن علي بن أبي طالب .
  هذا حال رجال الإسناد ، أما المتن فالخبر فيه عدة أمور تسترعي الإنتباه ، ولا نقول إنّ جميع الخبر مكذوب ، كما لا نقول هو صحيح بكل ما فيه مكتوب ، بل علينا بعد ثبوت تدوينه عند الطبري أن نتساءل عما فيه من جديد لم نقرأ مثله فيما سبق .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 306 _

  1 ـ جاء في الخبر : ثم انطلق إلى المنبر فوجد عمر بن الخطاب قائماً يوعد الناس . . . فتكلم أبو بكر وقال أنصت ، فأبى عمر أن ينصت ، فتكلم أبو بكر وقرأ الآية وقال : فمن كان يعبد محمداً فقد مات إلهه الذي كان يعبده . . .
  ثم قال الراوي : ( فحلف رجال أدركناهم من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) ما علمنا أنّ هاتين الآيتين نزلتا حتى قرأها أبو بكر يومئذٍ ) ، وهذا مما يلفت النظر حقاً ، كيف يقبل العقل تصديق الراوي على هذا النقل ، فأين هم حفظة الكتاب من الصحابة ؟ ولا غرابة ، فالانفعال يولد الإفتعال ، فأبو بكر الذي قال عنه الشيخ الفلاني في كتابه ايقاظ همم أولى الأبصار (1) : ( وقد مات أبو بكر وعمر وهما لم يستتما حفظ جميع القرآن ) يحفظ تلكما الآيتين ، ورجال أدركهم الراوي لم يعلموا بنزولهما حتى قرأهما أبو بكر يومئذٍ ، إنّها لدعوى عريضة ، وإن ثبتت ذلك بالتدوين فلا يعني بالضرورة الثبوت بالتصديق ، ويبقى احتمال الشك في صدق الراوي .
  2 ـ جاء في الخبر : إذ جاء رجل يسعى وقال هاتيك الأنصار . . . يقولون : منّا أمير ومن قريش أمير ، فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان . . . حتى أتياهم ، فأراد عمر أن يتكلم فنهاه أبو بكر فقال : لا أعصي خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في يوم مرّتين .
  وهنا مثار العجب من كثرة الكذب ، فما أيسر التمويه أن يقول الساعي هاتيك الأنصار . . . يقولون منّا أمير ومن قريش أمير ، بينما تأبى ذلك بقية مدونات الحوليات ومنها تاريخ الطبري ، وإنّ ذلك قالوه بعد ما جاء إليهم أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح في خبر سبق ذكره .
  ومما في هذا الخبر مما يخالف الصدق حذف اسم أبي عبيدة بن الجراح ، فلم يذكر مع أبي بكر وعمر اللذين انطلقا يتقاودان ، وزاد الراوي في الطين بلّة والتاريخ علّة حين ذكر قول عمر : لا أعصي خليفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في يوم

---------------------------
(1) ايقاظ همم اولى الأبصار : 75 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 307 _

  مرّتين ؟ ! فمتى كان خليفة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ وإذا كان كذلك فلماذا لم يحتج أبو بكر بذلك في السقيفة ؟ ولكن ليس عصيّاً الافتعال ما دام مبعثه الانفعال وتغيير حقيقة الحال .
  3 ـ جاء في الخبر أنّ أبا بكر قرر سعد بن عبادة على سماعه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) قوله : ( الناس تبع لقريش برهم لبرهم وفاجرهم لفاجرهم ) .
صدّقه سعد على ذلك ، فقال : صدقت فنحن الوزراء وأنتم الأمراء ، وبهذا طوى بساط البحث ، وبكلمة انتهت المسألة ، فقال عمر : ابسط يدك يا أبا بكر لأبايعك ، وهنا أيضاً وقفة تستدعي التنبيه وتسترعي الانتباه .
  4 ـ جاء في الخبر أنّ عمر قال لأبي بكر : ابسط يدك لأبايعك ، فقال أبو بكر : بل أنت يا عمر ، فأنت أقوى لها منّي ، قال الراوي : وكان عمر أشد الرجلين .
  وكان كل واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ، ففتح عمر يد أبي بكر وقال : إنّ لك قوتي مع قوتك ، قال : فبايع الناس . . .
  وهذه مهزلة المسألة ، ومعظلة المشكلة ، خلافة المسلمين يتبارى الشيخان في تعاطيها أحدهما للآخر ، والمسلمون ينتظرون الفائز ليبايعوه ، وتغيب عن الخبر ، بل غيّب الراوي ذكر ما جرى في السقيفة من تنازع بين الأنصار وأبي بكر حول تعيين الخليفة ، فلا تهديد : أنا جذيلها المحك وعذيقها المرجّب ، ولا : أعيدوها جذعة ، ولا ولا ، وكأنّ الإجماع تمّ لأبي بكر في هذا الخبر ببيعة عمر له بعد مرادة دون مشادة ، وهذا من لعب الهوى وشطط الخيال .
  وقد ذكر الطبري خبر السقيفة بعد هذا الخبر برواية عمر نفسه ، وفيه قول عمر : فلا يغرّنّ امرئٌ أن يقول : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة ، فقد كانت كذلك ، غير أنّ الله وقى شرها .
  ثم سرد خبر السقيفة وما جرى فيها ، وقد سبق أن ذكرنا الخبر برواية البخاري وغيره فراجع ، فلا حاجة بنا إلى إعادته ، كما لا حاجة بنا إلى ذكر ما ساقه من

المحسن السبط مولود أم سقط _ 308 _

  أخبار تتعلّق بأحداث تلك الفترة عن طريق سيف الكاذب الزنديق (1) ، فقد روى من الكذب البواح ، والمفتريات الصراح ما يبعث على العجب من الطبري وهو في علمه وعظيم شأنه أن يروي مثل تلك الأكاذيب ، نحو خبره بسنده عن سيف (2) ، عن عبد العزيز بن سباء ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : كان عليّ في بيته إذ أُتي فقيل له : قد جلس أبو بكر للبيعة ، فخرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلاً كراهية أن يبطىء عنها حتى بايعه ، ثم جلس إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه ، فتجلله ولزم مجلسه .
    فهذا الخبر سواء كان من مفتريات سيف أو من مفتريات غيره ، لا يقبل بأيّ وجه كان في تفسيره ، والطبري وإن لم يعلّق عليه إلاّ أنّه ساق بعده خبراً ينسف ذلك نسفاً ، ويعصف بمرويات أمثاله عصفاً ، وذلك هو النص الآتي : النص الثامن : قال الطبري (3) : حدّثنا أبو صالح الضراري ، قال : حدّثنا عبد الرزاق بن همام ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : إنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . .
  وهذا تقدم في مرويات عبد الرزاق في المصنف ، وقد تقدم ذكره فراجع ، تجد فيه قالت عائشة : فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وكان لعلي وجه من الناس حياة فاطمة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي ، فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم توفيت .

---------------------------
(1) راجع ما قاله عنه علماء الجرح والتعديل أيسرها ميزان الاعتدال للذهبي جاء في ترجمته : تركوه واتهم بالزندقة .
(2) تاريخ الطبري 3 : 207 .
(3) تاريخ الطبري 3 : 207 / 208 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 309 _

  قال معمر : فقال رجل للزهري : أفلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ، ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي ، فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه خرج إلى مصالحة أبي بكر .
  فهذا الخبر يكفي في دحض مفتريات سيف في ذكره بيعة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وانّه خرج عجلاً بغير إزار ولا رداء فبايع ، وبه نكتفي من انتقاء بقية النصوص من تاريخ الطبري .
ما ذكره ابن عبد ربّه :

  الرابع عشر : ماذا عند ابن عبد ربه الأندلسي ( ت 328 هـ ) في كتابه العقد الفريد (1) :   النص الأول : جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار ، قال : تُوفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأبو سفيان غائب في مسعاة أخرجه فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما انصرف لقي رجلاً في بعض طريقه مقبلاً من المدينة ، فقال له : مات محمد ؟ قال : نعم ، قال : فمن قام مقامه ؟ قال : أبو بكر ، قال أبو سفيان : فما فعل المستضعفان علي والعباس ؟ قال : جالسين ، قال : أما والله لئن بقيت لهما لأرفعنّ من أعقابهما ، ثم قال : إنّي أرى غَبرة لا يطفئها إلا دم ، فلما قدم المدينة جعل يطوف في أزقّتها ويقول :
بني هاشم لا تطمعُ الناسُ فيكم      ولا  سيما تيم بن مرة أو عديّ
فما   الأمر   إلا  فيكمُ  iiوإليكمُ      وليس  لها  إلا أبو حسن iiعليّ
  فقال عمر لأبي بكر : إنّ هذا قد قدم وهو فاعلٌ شراً ، وقد كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يستألفه على الإسلام ، فدع له ما بيده من الصدقة ، ففعل فرضي أبوسفيان وبايعه .

---------------------------
(1) العقد الفريد 4 : 257 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 310 _

  فهذا الخبر وإن كان في إسناده إرسال إذ لم يدرك مالك بن دينار ( ت 130 هـ ) حوادث السنة الحادية عشرة من الهجرة إلا أنّه وثقه النسائي ، وما رواه وجدناه مروياً عن غيره أيضاً ولا يحتاج إلى تعقيب .
  النص الثاني : أحمد بن الحارث ، عن أبي الحسن ، عن أبي معشر ، عن المقبريّ : إنّ المهاجرين بينما هم في حجرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد قبضه الله إليه ، إذ جاء معن بن عدي وعويم بن ساعدة فقالا لأبي بكر : باب فتنة إن يغلقه الله بك ، هذا سعد بن عبادة والأنصار يريدون أن يبايعوه ، فمضى أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح حتى جاؤوا سقيفة بني ساعدة ، وسعد على طنفسة متكئاً على وسادة وبه الحمّى .
  فقال له أبو بكر : ماذا ترى أبا ثابت ؟ قال : أنا رجل منكم ، فقال حُباب بن المنذر : منّا أمير ومنكم أمير ، فإن عمل المهاجري في الأنصاري شيئاً ردّ عليه ، وإن عمل الأنصاري في المهاجري شيئاً رد عليه ، وإن لم تفعلوا فأنا جذيلها المحكّك وعُذيقها المرجّب ، لنعيدنّها جذعة .
  قال عمر : فأردت أن أتكلّم وكنت زوّرت كلاماً في نفسي ، فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر .
وقال : نحن المهاجرون ، وأول الناس إسلاماً ، وأكرمهم أحساباً ، وأوسطهم داراً ، وأحسنهم وجوهاً ، وأمسّهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رحماً ، وأنتم إخواننا في الإسلام ، وشركاؤنا في الدين ، نصرتم وواسيتم ، فجزاكم الله خيراً ، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا تدين العرب إلا لهذا الحي من قريش ، فلا تنفسوا على إخوانكم المهاجرين ما فضّلهم الله به ، فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : الأئمة من قريش ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ـ يعني عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح ـ فقال عمر : يكون هذا وأنت حيّ ! ما كان أحد ليؤخرك عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم ضرب على يده فبايعه ، وبايعه الناس وازدحموا على أبي بكر ، فقالت الأنصار : قتلتم سعداً ، فقال عمر : اقتلوه قتله الله ، فإنه صاحب فتنة .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 311 _

  فبايع الناس أبا بكر ، وأتوا به المسجد يبايعونه ، فسمع العباس وعلي التكبير في المسجد ، ولم يفرغوا من غسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال علي : ما هذا ؟ قال العباس : ما رُئي مثل هذا قط ، أما قلت لك !
  فهذا الخبر رواه ابن عبد ربه ، عن أحمد بن الحارث الذي لم أقف على من ذكره في تراجم الرجال ، وهو عن أبي الحسن المجهول النكرة ، وهو عن أبي معشر نجيح السندي ، ضعّفه القطان ، وابن معين ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن عدي ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال أبو زرعة : صدوق وليس بقوي .
  وقال أحمد : كان صدوقاً لكنه لا يقيم الاسناد ، ليس بذلك ( خلاصة الخزرجي ) .
  وهو عن المقبري ـ سعيد بن أبي سعيد ـ أرسل عن أم سلمة ، وعن أبيه ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، وأنس وخلق ، اختلط قبل موته بثلاث سنين كما عن الواقدي ، وعن غيره بأربع سنين ، مات سنة 123 ، وقيل : 125 ، وقيل : 126 ، كما في الخلاصة وتهذيب التهذيب .
  والآن إلى ما في المتن بعد الغض عن الإرسال في السند ، لنرى ما فيه مما هو مقبول وما هو مرفوض ومرذول .
  أ ـ لقد قرأنا في أوله أن المهاجرين بينما هم في حجرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . . إذ جاء معن بن عدي وعويم بن ساعدة فقالا لأبي بكر : فمضى أبو بكر وعمر وأبو عبيدة حتى جاؤوا سقيفة بني ساعدة .
  وهذا أوّل ما فيه من المرفوض المرذول ، إذ لا يعقل أن يكون المهاجرون جميعاً في الحجرة ، فهي لا تسعهم جميعاً مهما قيل في سعتها ، والخبر لم يفصح عن أسماء من كان في الحجرة منهم ، غير أنّ اليقين كل اليقين أنّ الذين كانوا داخل الحجرة هم أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) علي والعباس وآلهما ، كما مرّ في أول النصوص عن أول المؤرخين الذين ذكرنا أقوالهم ، وهو ابن إسحاق فقد مر في

المحسن السبط مولود أم سقط _ 312 _

  الخبر عنده : ( ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيته لم يفرغ من أمره ، قد أغلق دونه الباب أهله ، قال عمر : فقلت لأبي بكر : إنطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء الأنصار . . . ) .
  فهذا يدل على أنّ عمر وأبا بكر لم يكونا في داخل الحجرة ، وإذا لم يكونا هما فيها ، فغيرهما أولى بأن لا يكون في داخلها .
  ومن الراجح الذي يقارب اليقين أنهما وسائر الحاضرين كانوا في المسجد قريباً من الحجرة ، وهذا يقوّيه ما مرّ من سَورة عمر وثورته في إنكاره موت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وخروج العباس إلى الناس وكلامه معهم في تفنيد مزاعم عمر ، ولم يهدأ عمر حتى أتى أبو بكر وكان غائباً بمنزله في السنح ، وكل هذا تقدمت النصوص بذكره مما دلّ على تبييت في منازعة أهل البيت على حقهم في الخلافة ، ولنطوي عن التفاصيل في ذلك ، ونعود إلى ما في خبر المقبري من مزاعم تثبت الإدانة .
  ب ـ جاء في خطبة أبي بكر في السقيفة ما ساقه من حجج الأولوية للمهاجرين على الأنصار : ( نحن المهاجرون أول الناس إسلاماً ، وأكرمهم أحساباً ، وأوسطهم داراً ، وأحسنهم وجوهاً ، وأمسّهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رحماً . . . ) .
  وهذا كل الذي احتج به أبو بكر على الأنصار ـ إن صح ـ فهو محجوج به قبل غيره ، فإنّ أولية الإسلام ـ وهي اُولى حججه ـ فقد سبقه لها أكثر من خمسين إنساناً (1) ، وأولهم سيدهم الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (2) ، وما أكرم أحساباً من بني هاشم لقوله ( صلى الله عليه وآله ) : إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم (3) ، فهذا وما يليه مما ذكره أبو بكر محتجاً به يكون به محجوجاً إذا ما ذكرنا علياً ( عليه السلام ) .

---------------------------
(1) راجع تاريخ الطبري 3 : 167 .
(2) علي إمام البررة 1 : 416 / 418 .
(3) هذا حديث صحيح رواه مسلم كما في جمع الفوائد ( ينابيع المودّة 12 ) وفي سنن الترمذي : باب مناقب النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 313 _

  ج ـ وجاء قول أبي بكر : وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ـ يعني : عمر بن الخطاب ، وأبا عبيدة بن الجراح ـ وهذا يكشف عن كذب زعم الشورى ، يدلّك على ذلك قول عمر : يكون هذا وأنت حي . . . ثم ضرب على يده فبايعه وبايعه الناس .
  قال أحمد أمين في كتابه يوم الإسلام (1) : ( ومن مظاهر هذا _ يعني عصبية العرب في تولية الأمر نقلاً عن ابن خلدون ـ ما كان من خلاف الصحابة على من يتولى الأمر بعد الرسول ، وكان هذا ضعف لياقة منهم ، إذ اختلفوا قبل أن يدفن الرسول ، ولكن كان عذرهم في ذلك العمل على ضم الشمل وجمع الكلمة ، فلما مات النبي ( صلى الله عليه وآله ) حصل هذا الإختلاف فبايع عمر أبا بكر ثم بايعه الناس ، وكان هذا مخالفة لركن الشورى ، ولذلك قال عمر : إنّها غلطة وقى الله المسلمين شرها ، وكذلك كانت غلطة بيعة أبي بكر لعمر ، وإن كان قد استشار كبار الصحابة في ذلك ، فبعضهم حمده وبعضهم خاف من شدته . . . ) .
  ونحن لا نزيد على ما قاله أحمد أمين إلا بما جاء في مآثر الإنافة للقلقشندي (2) : لأنّ بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة ، وهم : عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وأسيد بن حضير ، وبشير بن سعد ، وسالم مولى أبي حذيفة ، ثم تابعهم الناس على ذلك .
  النص الثالث (3) : الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر : عليّ ، والعباس ، والزبير ، وسعد بن عبادة ، فأما علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم .

---------------------------
(1) يوم الإسلام : 53 / 54 .
(2) مآثر الإنافة للقلقشندي : 43 .
(3) المصدر نفسه : 259 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 314 _

  فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة ، فخرج علي حتى دخل على أبي بكر فبايعه ، فقال أبو بكر : أكرهت إمارتي ؟ فقال : لا ، ولكني آليت أن لا أرتدي بعد موت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى أحفظ القرآن ، فعليه حبست نفسي .
  وهذا من أقبح الكذب فإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض (1) ، في خبر عن علي بن رباح قال : جمع القرآن على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي وأبّي (2) .
  وقد روى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل (3) بسنده عن عبد خير عن علي ( عليه السلام ) أنّه رأى من الناس طيرة عند وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأقسم أن لا يضع على ظهره رداء حتى يجمع القرآن ، فجلس في بيته حتى جمع القرآن ، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن ، جمعه من قلبه ، وكان عند آل جعفر .
  وفي خبر عن ابن سيرين قال : فكتبه على تنزيله فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم كثير ، ومع هذه الآثار والأخبار يقول خبر ابن عبد ربه ( حتى أحفظ القرآن ) وليس غريباً من النواصب قول مثل هذا ، ألم يقل الشعبي من قبل وهو يحلف بالله : ( لقد دخل علي حفرته وما حفظ القرآن ) (4) .
  قال الصاحبي في فقه اللغة (5) : وهذا كلام شنيع جداً فيمن يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني فما من آية إلاّ أعلم بليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل .

---------------------------
(1) مستدرك الحاكم 3 : 124 ، والجامع الصغير للسيوطي 4 : 356 .
(2) شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 25 .
(3) المصدر نفسه 1 : 27 .
(4) القرطين للكناني 1 : 158 .
(5) فقه اللغة : 170 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 315 _

  ( إنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ) (1) .
  النص الرابع (2) : ومن حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة ، وذلك ستة أشهر من موت أبيها ( صلى الله عليه وآله ) فأرسل علي إلى أبي بكر ، فأتاه في منزله فبايعه ، وقال : والله ما نفسنا عليك ما ساق الله إليك من فضل وخير ، ولكنّا كنّا نرى أنّ لنا في هذا الأمر شيئاً فاستبددت به دوننا ، وما ننكر فضلك .
  أقول : ما جاء في النص الثالث صريح في استعمال منتهى القسوة والفظاظة لأخذ البيعة من علي والعباس والزبير ، ومع ذلك ففي آخره : فخرج علي حتى دخل على أبي بكر فبايعه . . . وهذا لا يتسق مع ما مرّ قبله من قول أبي بكر : وإن أبوا فقاتلهم ، ومجيئ عمر بقبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار ، وما قالته فاطمة لعمر : أجئت لتحرق دارنا ، وجواب عمر : نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة ، فإنّ علياً لم يخرج باختياره ولم يبايع حتى بعد أن أخرج قهراً .
  وحسبنا النص الرابع ، وهو يرويه من لا يتهم بمبالاة علي ولا موالاته ، فالزهري عن عروة عن عائشة ، ثلاثتهم من المنحرفين عن علي ، والنص يصرح : لم يبايع علي حتى ماتت فاطمة ، وذلك لستة أشهر من موت أبيها ( صلى الله عليه وآله ) .
  ثم إنّ بيعة علي ـ إن صحّت _ لم يخرج هو إلى أبي بكر ، بل أرسل إلى أبي بكر فأتاه في منزله فبايعه ؟ (3) .
ما ذكره المسعودي :

  الخامس عشر : أبو الحسن المسعودي ( ت 346 هـ ) ، وقد مرّت ترجمته وانه كان شافعياً فيما أراه أولاً ، ثم استبصر كما مرّ .

---------------------------
(1) الأنعام : 120 .
(2) مآثر الإنافة للقلقشندي : 260 .
(3) سيأتي في موقف الإمام ( عليه السلام ) كلام حول هذه البيعة .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 316 _

  قال في كتابه مروج الذهب (1) :   النص الأول : ( ولم يخلّف من الولد إلاّ فاطمة ( عليها السلام ) ، وتوفيت بعده بأربعين يوماً ، وقيل سبعين يوماً ، وقيل غير ذلك ) .
  النص الثاني (2) : ( وفيها _ سنة إحدى عشرة ـ كانت وفا ة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على حسب ما ذكرنا من تنازع الناس في مقدار عمرها ومدة بقائها بعد أبيها ، ومن الذي صلى عليها : العباس بن عبد المطلب أم بعلها علي ، ولما قبضت ابنة الرسول جزع عليها بعلها جزعاً شديداً ، واشتد بكاؤه ، وظهر أنينه وحنينه ، وقال في ذلك :
لكل اجتماع من خليلين فرقة      وكل الذي دون الممات iiقليل
وإنّ افتقادي فاطماً بعد iiأحمد      دليل  على أن لا يدوم iiخليل
  النص الثالث (3) : قال : ( ولما بويع أبو بكر في يوم السقيفة وجدّدت البيعة له يوم الثلاثاء على العامة ، خرج علي فقال : أفسدت (4) علينا أمورنا ولم تستشر ، ولم ترع لنا حقاً ، فقال أبو بكر : بلى ، ولكني خشيت الفتنة ، وكان للمهاجرين والأنصار يوم السقيفة خطب طويل ، ومجاذبة في الإمامة ، وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع ، فسار إلى الشام فقتل هناك في سنة خمس عشرة ، وليس كتابنا هذا موضعاً لخبر مقتله ، ولم يبايعه أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة ( رضي الله عنها ) ) .
  النص الرابع (5) : قال : ( ولما احتضر _ أبو بكر _ قال : ما آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتها وددت أنّي تركتها ، وثلاث تركتها وددت أنّي فعلتها ، وثلاث وددت

---------------------------
(1) مروج الذهب 2 : 289 .
(2) المصدر نفسه 2 : 298 .
(3) المصدر نفسه 2 : 307 / 308 .
(4) كذا في تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، وفي شارل : أفت ، وعلق في الهامش _ 4 : افتقت ، ت : أفتيت ، والظاهر صواب ما في تحقيق عبد الحميد .
(5) المصدر نفسه 2 : 308 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 317 _

  أنّي سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنها ، فأما الثلاث التي فعلتها ووددت أنّي تركتها ، فوددت أنّي لم أكن فتشت بيت فاطمة ، وذكر كلاماً كثيراً . . . ) .
  النص الخامس (1) : قال : ( وقد تنوزع في بيعة علي بن أبي طالب إياه ، فمنهم من قال : بايعه بعد موت فاطمة بعشرة أيام ، وذلك بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنيف وسبعين يوماً ، وقيل بثلاثة أشهر ، وقيل بستة ، وقيل غير ذلك ) .
  النص السادس (2) : قال : ( وقد أعرضنا عن ذكر كثير من الأخبار في هذا الكتاب طلباً للإختصار والإيجاز فيها . . . وأخبار من قعد عن البيعة ومن بايع ، وما قالت بنو هاشم ، وما كان من قصة فدك ، وما قاله أصحاب النص والاختيار في الإمامة ، ومن قال بإمامة المفضول وغيره ، وما كان من فاطمة وكلامها ، وقولها متمثلة حين عدلت إلى قبر أبيها ( صلى الله عليه وآله ) من قول صفية بنت عبد المطلب :
قد  كان  بعدك  أنباء  iiوهنبثة      لو كنت شاهدها لم تكثر الخُط
ب   إلى آخر الشعر ، وغير ذلك مما تركنا ذكره من الأخبار في هذا الكتاب ، إذ كنّا قد أتينا على جميع ذلك في كتابينا أخبار الزمان والأوسط ، فأغنى ذلك عن ذكره هاهنا ) .
  النص السابع (3) : قال : ( كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره اياهم في الشعب ، وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول : إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته ، إذ هم أبو البيعة فيما سلف ، وهذا خبر لا يحتمل ذكره كتابنا هذا ، وقد أتينا على ذكره في كتابنا مناقب أهل البيت وأخبارهم المترجم بكتاب حدائق الأذهان ) .

---------------------------
(1) المصدر نفسه 2 : 309 .
(2) المصدر نفسه 2 : 310 .
(3) المصدر نفسه 2 : 86 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 318 _

  أقول : هذا ما أردنا نقله عن كتاب مروج الذهب للمسعودي ، وليس فيه من جديد عما سبق سوى النص السابع ، فهذا ما اختصره ، وعقّب عليه بأنه خبر لا يحتمل ذكره في كتابه ، وأحال على كتابه ( حدائق الأذهان ) ، ومن المؤسف حقاً حتى هذا الذي اختصره المسعودي فقد لعبت فيه أقلام الخيانة ، فأسقطت منه في الطبعات المتأخرة جملة لها دلالتها في تبرير عمل ابن الزبير مع بني هاشم وتلك ( كما اُرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم ، إذ هم أبو البيعة فيما سلف . . . ) .
  ولما كانت هذه الجملة موجودة في الطبعات القديمة كما في طبعة بولاق سنة 1283 هـ ، والطبعة الأزهرية سنة 1303 هـ ، وبهامشها روضة المناظر لابن شحنة ، وطبعة مصرية ثالثة بهامش تاريخ ابن الأثير ، وطبعة العامرة البهية سنة 1346 هـ (1) ، ففي جميعها كان النص كما يلي :   ( كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره إياهم في الشعب ، وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول : إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته ، كما اُرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم إذ هم أبو البيعة فيما سلف . . . ) لكن الطبعات الحديثة بمصر وبيروت ، فقد أسقطت جملة : ( كما اُرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم ) ستراً على السلف .
  راجع طبعات مصر بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد التي استخدمناها ، وهي الطبعة الثالثة وكتب عليها مزيدة ومنقحة ، فيبدوا أن التنقيح هو حذف ما فيه التجريح ، وكذلك طبعات بيروت في دار الفكر ودار الأندلس ، فجميعها حذفت الجملة المشار إليها ، وقد عمي المحققون لهذه الطبعات عما نمّ به السارق على نفسه بإثباته جملة : ( إذ هم أبوا البيعة فيما سلف ) فهي لا تتفق ولا تتسق إلاّ مع

---------------------------
(1) المصدر نفسه 2 : 79 طبعة بولاق ، والطبعة الأزهرية 2 : 72 ، والطبعة المصرية 6 : 161 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 319 _

  الجملة المحذوفة : ( كما اُرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم ) فكيف استساغوا تمرير العبارة مع وضوح الإشارة .
  وكان المستشرق شارل بلا أوفى ذمة في تحقيقه مروج الذهب (1) ، فقد ذكر ذلك في الهامش عن نسخة / م ، وفات الجميع انّ ابن أبي الحديد في شرحه (2) ذكر الخبر بتمامه نقلاً عن المسعودي ، وذكر ما قاله المسعودي تعقيباً على الخبر كما مرّ في ( وقفة تحقيق لابد منها ) .
ما ذكره الجوهري :

  السادس عشر : ماذا عند أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ( كان حياً سنة 322 حيث قرئ عليه كتابه السقيفة في ربيع الأول سنة 322 هـ ) .
   النص الأوّل : قال الجوهري : وأخبرني أبو بكر الباهلي ، عن إسماعيل بن مجالد ، عن الشعبي قال : قال أبو بكر : يا عمر أين خالد بن الوليد ؟ قال : هو هذا ، فقال : انطلقا إليهما _ يعني علياً والزبير _ فأتياني بهما ، فانطلقا ، فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج ، فقال عمر للزبير : ما هذا السيف ؟ قال : أعددته لاُبايع علياً .
  قال : وكان في البيت ناس كثير منهم : المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين ، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره ، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه فأخرجه ، وقال : يا خالد دونك هذا ، فمسكه خالد ، وكان في خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر ردءاً لهما ، ثم دخل عمر فقال لعلي : قم فبايع ، فتلكأ واحتبس ، فأخذ بيده فقال : قم ، فأبى أن يقوم ، فحمله ودفعه كما دفع الزبير حتى أمسكهما خالد ، وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً .

---------------------------
(1) مروج الذهب 3 : 276 ، برقم : 1943 .
(2) شرح ابن أبي الحديد 20 : 147 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 320 _

  واجتمع الناس ينظرون ، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال ، ورأت فاطمة ما صنع عمر ، فصرخت وولولت ، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهنّ ، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت : يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله ، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله (1) .
  النص الثاني : وقال أبو بكر الجوهري : حدّثني أبو زيد عمر بن شبّة ، قال : حدّثني إبراهيم بن المنذر ، قال : حدّثنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن أبي الأسود قال : غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغيرمشورة ، وغضب علي والزبير فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح .
  فجاء عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير ومسلمة بن سلامة بن قريش ( وقش ) وهما من بني عبد الأشهل ، فاقتحما الدار فصاحت فاطمة وناشدتهما الله ، فأخذوا سيفيهما فضربوا بهما الحجر حتى كسروهما ، فأخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا (2) .
  النص الثالث : وقال أبو بكر _ الجوهري ـ : وذكر ابن شهاب بن ثابت : أنّ قيس بن شمّاس ـ أخا بني الحارث من الخزرج ـ كان مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمة (3) .
  النص الرابع : وقال أبو بكر _ الجوهري ـ : وروى سعد بن إبراهيم أنّ عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك اليوم ، وانّ محمد بن مسلمة كان معهم ، وأنّه هو الذي كسر سيف الزبير (4) .
  النص الخامس : وقال أبو بكر _ الجوهري ـ : وحدّثني أبو زيد عمر بن شبّة عن رجاله قال : جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين ، فقال : والذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم ،

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 2 : 19 .
(2) المصدر نفسه 2 : 19 و 6 : 47 .
(3) المصدر نفسه 2 : 19 و 6 : 48 .
(4) المصدر نفسه 2 : 19 و 6 : 48 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 321 _

  فخرج إليه الزبير مصلتاً بالسيف ، فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري ورجل آخر ، فندر السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره ، ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقاً عنيفاً حتى بايعوا أبا بكر (1) .
  النص السادس : قال أبو زيد : وروى النضر بن سهيل قال : حمل سيف الزبير لما ندر من يده إلى أبي بكر ، وهو على المنبر يخطب فقال : اضربوا به الحجر ، قال أبو عمرو بن حماس : ولقد رأيت الحجر وفيه تلك الضربة ، والناس يقولون : هذا أثر ضربة سيف الزبير (2) .
  النص السابع : قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد قال : حدّثنا محمد بن يحيى ، قال : حدّثنا غسان بن عبد الحميد ، قال : لما أكثر في تخلّف علي عن البيعة ، واشتد أبو بكر وعمر في ذلك ، خرجت أم مسطح بن أثاثة فوقفت عند قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونادته : يا رسول الله :
قد   كان   بعدك  أنباء  iiوهينمة      لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب
انّا  فقدناك  فقد  الأرض  وابلها      فاختلّ  قومك فاشهدهم ولا iiتغبِ (3)
  النص الثامن : وقال أبو بكر : وحدّثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي قال : سمعت أبيّاً يقول : ذكر سعد بن عبادة يوماً علياً بعد يوم السقيفة ، فذكر أمراً من أمره ـ نسيه أبو الحسن ـ يوجب ولايته ، فقال له ابنه قيس بن سعد : أنت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثم تطلب الخلافة ، ويقول أصحابك منّا أمير ومنكم أمير ، لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً (4) .

---------------------------
(1) المصدر نفسه 2 : 19 و 6 : 48 .
(2) المصدر نفسه 2 : 19 و 6 : 48 .
(3) المصدر نفسه 6 : 43 ، وفي لسان العرب : ( وهنبثة ) ، وهي : الاختلال في القول ، ونسبهما إلى فاطمة ( عليها السلام ) ، وقد مرّ ما يتعلق بهما .
(4) المصدر نفسه 6 : 44 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 322 _

  النص التاسع : قال أبو بكر : وحدّثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد ، قال : حدّثنا أحمد بن الحكم ، قال : حدّثنا عبد الله بن وهب ، عن ليث بن سعد قال : تخلّف علي عن بيعة أبي بكر ، فأخرج ملبّباً (1) ، يمضي به ركضاً وهو يقول : معاشر المسلمين ، علام تُضرب عنق رجل من المسلمين ، لم يتخلف لخلاف ، وإنما تخلف لحاجة ، فما مرّ بمجلس من المجالس إلاّ يقال له : انطلق فبايع (2) .
  النص العاشر : قال أبو بكر : وحدّثنا علي بن جرير الطائي قال : حدّثنا ابن فضل ، عن الأجلح ، عن حبيب بن ثعلبة بن يزيد قال : سمعت علياً يقول : أما ورب السماء والأرض ـ ثلاثاً _ إنه لعهد النبي لأمّي إليّ ، لتغدرنّ بك الأمة من بعدي (3) .
  النص الحادي عشر : وقال أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، حدّثنا أحمد وقال : حدّثنا ابن عفير ، قال : حدّثنا أبو عوف عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أبي جعفر محمد بن علي ( رضي الله عنهما ) : أن علياً حمل فاطمة على حمار ، وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة ، وتسألهم فاطمة الانتصار له ، فكانوا يقولون : يابنت رسول

---------------------------
(1) يقال : لبّب فلان فلاناً أخذ بتلبيبه ، أي جمع ثيابه عند صدره ونحره ثم جرّه .
(2) المصدر نفسه 6 : 45 .
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 : 140 ، وصححه، وكذلك الذهبي في التلخيص، وله مصادر أخرى كثيرة ، ونحوه وقريباً منه ما روته عائشة قالت : رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) التزم علياً وقبّله ويقول : بأبي الوحيد الشهيد ، بأبي الوحيد الشهيد ، وهذا أخرجه ابن عساكر في ترجمة الإمام 3 : 285 ، وله مصادر أخرى ، ولا يبعد عن جو الحديثين في نبوءته ( صلى الله عليه وآله ) بوقوع المآسي من بعده ما أخرجه ابن عساكر في ترجمة الإمام 2 : 321 قال : وذكر الحديث بعدّة أسانيد عن أبي عثمان النهدي، عن علي بن أبي طالب قال : ( كنت أمشي مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأتينا على حديقة ، فقلت : يا رسول الله ما أحسن هذه الحديقة ؟ فقال : ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها ، حتى أتينا على سبع حدائق وفي كل ذلك أنا أقول : يا رسول الله ما أحسنها ؟ فيقول : لك في الجنة أحسن منها ، فلما أن خلا به الطريق اعتنقني ثم أجهش باكياً ، فقلت : يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ بعدي ، فقلت : في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك ) .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 323 _

  الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به ، فقال علي : أكنت أترك رسول الله ميتاً في بيته لا أجهزه ، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه ، وقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ، وصنعوا هم ما الله حسبهم عليه (1) .
  النص الثاني عشر : وقال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز : وحدّثنا أحمد قال : حدّثني سعيد بن كثير قال : حدّثني ابن لهيعة ، أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما مات وأبو ذر غائب وقدم ، وقد ولي أبو بكر ، فقال : أصبتم قناعه وتركتم قرابه ، لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان (2) .
  النص الثالث عشر : قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبّة ، قال : حدّثنا أبو قبيصة محمد بن حرب قال : لما توفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وجرى في السقيفة ما جرى ، تمثل علي :
وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا      ويطغون  لما غال زيداً iiغوائله (3)
  النص الرابع عشر : قال أبو بكر : وروى أبو زيد عن حبّاب بن يزيد ، عن جرير ، عن المغيرة أنّ سلمان والزبير وبعض الأنصار كان هواهم أن يبايعوا علياً بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما بويع أبو بكر قال سلمان للصحابة : أصبتم الخير ولكن أخطأتم المعدن .
  قال : وفي رواية أخرى : أصبتم ذا السن منكم ولكنكم أخطأتم أهل بيت نبيكم ، أما لو جعلتموها فيهم ما اختلف منكم اثنان ولأكلتموها رغداً (4) .

---------------------------
(1) شرح النهج 6 : 13 .
(2) المصدر نفسه 6 : 13 .
(3) المصدر نفسه 6 : 14 .
(4) المصدر نفسه 6 : 43 .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 324 _

  قال ابن أبي الحديد : هذا الخبر هو الذي رواه المتكلمون في باب الإمامة عن سلمان أنه قال : ( كرديد ونكرديد ) تفسره الشيعة فتقول : أراد أسلمتم وما أسلمتم ، ويفسره أصحابنا فيقولون معناه : أخطأتم وأصبتم (1) .
  النص الخامس عشر : قال أبو بكر : وحدّثنا أبو زيد عمر بن شبّة باسناد رفعه إلى ابن عباس قال : إنّي لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة يده في يدي ، فقال : يابن عباس ما أظن صاحبك إلاّ مظلوماً ، فقلت في نفسي : والله لا يسبقني بها ، فقلت : يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته ، فانتزع يده من يدي ، ثم مرّ يهمهم ساعة ، ثم وقف فلحقته فقال لي : يابن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلاّ أنّهم استصغروه ، فقلت في نفسي : هذه شر من الأولى ، فقلت : والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر (2) .
  النص السادس عشر : قال أبو بكر : وأخبرني أبو زيد عمر بن شبّة قال : حدّثنا محمد بن حاتم ، عن رجاله ، عن ابن عباس ، قال : مرّ عمر بعلي وأنا معه بفناء داره فسلّم عليه ، فقال له علي : أين تريد ؟ قال : البقيع ، قال : أفلا تصل جناحك ويقوم معك ؟ قال : بلى ، فقال لي علي : قم معه ، فمشيت معه إلى جانبه فشبّك أصابعه في أصابعي ومشينا قليلاً ، حتى إذا خلّفنا البقيع قال لي : يابن عباس ، أما والله انّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، إلاّ انّا خفناه على اثنين ، قال ابن عباس : فجاء بكلام لم أجد بداً من مسألته عنه ، فقلت : ما هما يا أمير المؤمنين ؟ قال : خفناه على حداثة سنه ، وحبّه بني عبد المطلب .

---------------------------
(1) المصدر نفسه 6 : 43 .
(2) المصدر نفسه 6 : 45 ، وللمحاورة مصادر أخرى مذكورة في ( موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ) .

المحسن السبط مولود أم سقط _ 325 _

  هذه ستة عشر نصاً من عشرات نصوص غيرها اقتبسناها من كتاب السقيفة للجوهري بواسطة شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ، وهو أخذها من نسخة مقروءة على المؤلف في ربيع الأول سنة 322 هـ ، وقد أثنى على المؤلف ووثقه كما تقدم ، ومن خلال قراءة النصوص أمكن ترتيب الأحداث التي وردت فيها على النحو التالي :
  1 ـ غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر لأنها عن غير مشورة ، كما غضب علي والزبير فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح كما في النص الثاني ، أما من هم اولئك الرجال من المهاجرين ، فهذا ما لم يفصح عنه النص ، كما أفصح عن غضب علي والزبير فسماهما ، إلا أن النص الأول جاء فيه : وكان في البيت _ بيت فاطمة ـ ناس كثير منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين ، وهو أيضاً لم يفصح عن أسماء ( ناس كثير ) سوى المقداد ، غير أنّا عرفنا أسماء جماعة آخرين منهم : سلمان ، وأباذر ، وعمّار ، وغيرهم من مصادر أخرى كما سيأتي ذكرهم مع ذكر أسماء الداخلين في الخاتمة إن شاء الله تعالى .
  2 ـ إنّ أبا بكر أرسل عمر وخالداً ليأتياه بعلي والزبير ، وأرسل جمعاً كثيراً من الناس ردءاً لهما كما في النص الأول ، فجاء عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن قريش (1) فاقتحما الدار ، فصاحت فاطمة وناشدتهما الله كما في النص الثاني ، وجاء عمر في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين ، عرفنا من الأنصار قيس بن شماس وزياد بن لبيد ورجلاً آخر لم يسمه كما في النص الخامس أيضاً ، ومن المهاجرين عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن مسلمة كما في النص الرابع .

---------------------------
(1) كذا في المصدر ، والصواب : وقش ، كما في اُسد الغابة، وغيره .