يا نفس : الدنيا محل الآفات ، والمال مادة الشهوات ، والدنيا مطلقة الاكياس ، ومنية الارجاس ، والتقوى خير زاد ، والطاعة أحرز عتاد ، والزهد متجر راجح ، والورع عمل راجح ، والحريص عبد (1) المطامع ، والمستريح من الناس القانع .
  يا نفس : المواصل للدنيا مقطوع ، والمغتر بالآمال مخدوع ، والتقوى رأس الحسنات ، والورع جنة من السيئات ، والتوبة تستنزل الرحمة ، والاصرار يجلب النقمة ، والطاعة تستدر المثوبة ، والمعصية تجلب العقوبة .
  يا نفس : الدنيا دار المحنة ، والهوى مطية الفتنة ، والتعزز بالتكبر ذل ، والتكثر بالدنيا قل ، واليقين رأس الدين ، والانفراد راحة المتعبدين ، والزهد سجية المخلصين ، والخوف جلباب (2) العارفين ، والبكاء شعار المشفقين ، والفكر نزهة المقين ، والسهر روضة المشتاقين ، والاخلاص عبادة المقربين (3) ، والذكر لذة المحيين .

--------------------------------
(1) في أ : عند .
(2) الجلباب : الملحفة ، الصحاح 1 : 101 جلب .
(3) في ب : المتقربين .

محاسبة النفس _ 52 _

  يا نفس : الدنيا مصرع العقول ، والشهوات تسترق الجهول ، والفكر مراة صافية ، والموعظة نصيحة شافية ، والنية أساس العمل ، والاجل حصاد الامل ، والمقادير لا تدفع بالقوة والمغالبة ، والارزاق لا تنال بالحرص والمطالبة .
  يا نفس : الدنيا كيوم مضى ، وشهر انقضى ، فالرغبة فيها توجب المقت ، والاشتغال بالفائت (1) يضيع الوقت ، والمال يفسد المآل (2) ، ويوسع الآمال ، وهو داعية التعب ، ومطية النصب (3) ، والغني من استغنى بالقناعة ، والعزيز من اعتز بالطاعة .
  يا نفس : أسباب الدنيا منقطعة ، وعواربها مرتجعة ، والمصيبة بالدين أعظم المصاب ، والغضب يفسد الالباب ، ويبعد من الصواب ، وهو عدو فلا تملكيه نفسك ، ولا تجعليه لبسك ، والندم على الخطيئة استغفار ، والمعاردة للذنب اصرار .

--------------------------------
(1) في أ : بالغائب .
(2) قال ابن منظور في اللسان 11 : 22 أول : الاول : الرجوع ، آل الشئ يؤول أولا ومآلا : رجع .
(3) في أ : المنصب .

محاسبة النفس _ 53 _

  يا نفس : الوله (1) بالدنيا أعظم فتنة ، واطراح الكلف أشرف قنية ، فمن أخلص فيها توبته ، أسقط حوبته ، والعمل فيها بطاعة الله أربح ، والرجاء لرحمته أنجح ، والاشتغال بتهذيب النفس أصلح ، والاتكال على القضاء أروح . شعر :

عـجبت لـشئ لا يساوي جميعه      جناح  بعوض عند من أنت iiعبده
شـغلت بجزء منه عنه فما iiالذي      يكون إذا حاسبك عذرك (2) عنده
  يانفس : الحازم من ترك الدنيا للآخرة ، والرابح من باع العاجلة بالآجلة يوم الساهرة ، والزاهد أن لا يطلب المفقود ، حتى يعدم الموجود ، واجتناب السيئات ، أولى من اكتساب الحسنات ، واشتغالك بمعايبك (3) يكفيك العار ، واشتغالك بإصلاح معادك ينجيك من عذاب النار ، والطاعة لله أقوى سبب ، والمودة في الله أقرب نسب .

--------------------------------
(1) قال الطريحي في المجمع 6 : 367 وله : والوله بالتحريك : ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد .
(2) في ب : عدوك .
(3) في أ : بمعانيك .

محاسبة النفس _ 54 _

  يا نفس : الدنيا لا تصفو لشارب ، ولا تفي لصاحب ، فهي ملية بالمصائب ، طارقة بالفجائع والنوائب ، والعاقل من هجر شهوته ، وأسخط دنياه وأرضى آخرته ، والعارف من عرف نفسه فأعتقها (1) ، ونزهها عن كل ما يبعدها ويوبقها .
  يا نفس : الدنيا إذا تحلت (2) ، أنحلت ، وإذا حلت أوحلت ، فالحازم من جاد بما في يده ، ولم يؤخر عمل يومه إلى غده ، والكيس (3) من كان يومه خيرا من أمسه ، وعقل الذم عن نفسه ، والشقي من اغتر بحاله ، وانخدع لغرور آماله ، والجاهل لا يرتدع ، وبالموعظة لا ينتفع .
  يا نفس : الدنيا شرك النفوس ، وقرارة كل ضر (4) وبؤس ، وهي عرض حاضر ، يأكل منه البر والفاجر ، فأخوك في الله من هداك إلى رشاد ، ونهاك عن فساد ، وأعانك على إصلاح المعاد ، والحازم من لم يشغله غرور دنياه ، عن العمل لاخراه ،

--------------------------------
(1) في ب : واعتقها .
(2) في أ : أحلت .
(3) في أ : أي العاقل .
(4) في أ : خبر .

محاسبة النفس _ 55 _

  والمغبون من اشتغل بالدنيا جهده ، وفاته من الآخرة جده .
  يا نفس : أوقات الدنيا وإن طالت قصيرة ، والمتعة بها وإن كثرت يسيرة ، والخوف من الله في الدنيا ، يؤمن الخوف منه في العقبى ، والمتقي من اتقى من الذنوب ، والمتنزه من تنزه عن العيوب ، وانتباه العيون لا ينفع مع غفلة القلوب ، والعاقل من زهد في الدنيا الدنية ، ورغب في جنة سنية .
  يا نفس : اعزفي (1) عن دنياك تصلحي مثواك ، واركني إلا الحق وإن خالف هواك ، واجعلي جهدك وهمك لآخرتك ، واحفظي بطنك وفرجك فهما (2) فتنتك ، واعفي عن خادمك إذا عصاك ، واضربيه إذا (3) عصى مولاك .
  يا نفس : انظري إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق ، ولا تنظري إليها نظر العاشق

--------------------------------
(1) في أ : عزف عن الشئ : زهد فيه وانصرت عنه ، قاله الجوهري ، الصحاح 4 : 1403 عزف ، باختلاف ، وفي ب : اغرفي .
(2) في أ : ففيهما .
(3) في أ : أنا .

محاسبة النفس _ 56 _

  الموامق (1) ، وامسكي من المال بقدر ضرورتك ، وقدمي الفضل ليوم فاقتك ، واذكري مع كل لذة زوالها ، ومع كل نعمة انتقالها ، واجعلي همتك وسعيك للخلاص من الشقاء والعقاب ، والنجاة من مقام البلاء والعذاب .
  يا نفس : اذكري عند المعاصي ذهاب اللذات وبقاء التبعات ، واهجري الشهوات فإنها تقود إلى ركوب السيئات ، واعملي والعمل ينفع ، والدعاء يسمع ، والتوبة ترفع ، والمحتكر البخيل جامع لمن لا يشكره ، وقادم على من لا يعذره .
  يا نفس : اتقي غرور الدنيا فإنها تسترجع (2) أبدا ما خدعت به من المحاسن ، وتزعج المطمئن (3) إليها القاطن ، فكم من جامع مال يبخل على نفسه بأقله ، ويسمح لوارثه بكله ، ولعله من باطل جمعه ، ومن حق منعه ، أصابه حراما ، واحتمل به آثاما ، ورب مستقبل يوم ليس بمستدبره ، ومغبوط في أول ليل قامت بواكيه في آخره .

--------------------------------
(1) في أ : الوامق ، وقال الجوهري في الصحاح 4 : 1568 ومق : المقة المحبة ... وقد ومقه يمقه بالكسر فيهما أي : أحبه ، فهو وامق .
(2) في أ : لتسترجع .
(3) في ب : المطمئنين .

محاسبة النفس _ 57 _

  شعر :
هو الموت لا أعوانه تقبل الرشا      ولا تـشترى سـاعاته بالدراهم
  يا نفس : استعدي ليوم تشخص فيه الابصار ، وتفدم (1) فيه الابصار (2) ، واذكري هادم اللذات ، ومنغص الشهوات ، وداعي الشتات ، ومفرق الجماعات ، ومبعد (3) الامنيات ، ومدني المنيات ، والمؤذن بالبين والشتات ، واحذري الامر (4) المغلوب ، والفاني المجبوب ، والنعيم المسلوب .
  شعر :
أمـا  والله لـو علم iiالانام      لما خلقوا لما هجعوا وناموا
لـقد خلقوا لما لو iiأبصرته      عيون قلوبهم تاهوا iiوهاموا
حـياة  ثـم موت ثم iiبعث      وتـوبيخ وأهـوال iiعظمام
  يا نفس : احذري أن يخدعك الغرور بالحائل اليسير ، أو يستزلك السرور بالزائل الحقير ، وإياك وفعل القبيح فإنه يقبح ذكرك ويكبر (5) وزرك ، ويحبط أجرك ،

--------------------------------
(1) الفدم من الناس : العيي عن الحجة والكلام ، اللسان 12 : 450 فدم .
(2) الابصار الاولى بمعنى : حاسة البصر ، والثانية بمعنى : البينة .
(3) في أ : ومباعد .
(4) في ب : الامل .
(5) في ب : ويكثر .

محاسبة النفس _ 58 _

  وإياك أن تكوني على الناس طاعنة ، ولنفسك مداهنة (1) ، فتعظم عليك الحوبة ، وتحرمي المثوبة .
  يا نفس : إياك وطول الامل ، فكم من مغرور افتتنه أمله ، فأفسد عمله وقطع أجله ، فلا أمله أدرك ، ولا ما فاته استدرك ، وإياك والوقوع في الشبهات ، والولوع (2) بالشهوات ، فإنهها يقتادانك إلى الوقوع في الحرام ، وركوب كثير من الآثام .
  يا نفس : أين اللذين كانت لهم الامم ، وبلغوا من الدنيا أقاصي الهمم ؟ ! أين اللذين حازوا (3) من الدنيا أقاصيها ، واستذلوا الاعداء وملكوا نواصيها ؟ ! اين من سعى واجتهد ، وأعد (4) واحتشد ، وبنى وشيد ، وزخرف ونجد (5) ، وفرش ومهد ، وجمع وعدد ؟ ! أين كسرى وقيصر ، وتبع وحمير ؟ ! وأعظم العظات ، الاعتبار بمصارع الاموات .

--------------------------------
(1) المداهنة : المساهلة ، مجمع البحرين 6 : 250 دهن .
(2) الولوع : العلاقة ، وأولع به ولوعا وإيلاعا : إذا لج ، اللسان 8 : 410 ولع .
(3) في أ : أحازوا .
(4) في ب : وعد .
(5) قال الجوهري في الصحاح 2 : 542 نجد : والنجد : ما ينجد به الببت من المتاع ، أي يزين .

محاسبة النفس _ 59 _

  يا نفس : أسعد الناس من ترك لذة فانية ، للذة باقية ، واشقاهم من باع جنة المأوى ، بمعصية من معاصي الدنيا ، وأفضل الناس من عصى ورفض دنياه ، وقطع منها أمله ومناه ، وكان همه لاخراه ، وأبعد الناس من النجاح المشتهر باللهو والمزاح ، وأبعدهم (1) من الصلاح الكذوب ذو الوحه الوقاح .
  يا نفس : إياك والهوى فإن أوله فتنة ، وآخره محنة ، واياك وحب الدنيا فإنها أصل كل خطيئة ، ومعدن كل بلية ، فالحازم من لا يغتر بالخدع ، والعاقل من لا يغتر بالطمع ، ومن باع نفسه بغير الجنة ، فقد عظمت عليه المحنة .
  يا نفس : إن مالك لحامدك في حياتك ، ولذامك بعد وفاتك ، والتقوى عصمة لك في حياتك ، وزلفى لك بعد مماتك ، والمرء على ما قدم قادم ، وعلى ما خلف نادم ، وإن النفس التي تطلب الرغائب الفانية لتهلك في طلبها ، وتشقى في منقلبها ، والتي تجهد في اقتناء الرغائب الباقية لتدرك طلبها ، وتسعد في منقلبها .

--------------------------------
(1) في ب : وأبعد ...

محاسبة النفس _ 60 _

  يا نفس : إن الدنيا لمفسدة الدين ، ومسلبة اليقين (1) وإنها رأس (2) الفتن ، وأصل المحن ، وإن خير المال ما اكتسب ثناء وشكرا ، وأوجب ثوابا وأجرا ، وإن أخيب الناس سعيا رجل أخلق (3) بدنه في طلب أمانيه (4) ، ولم تسعده المقادير على ما أراده واجتهد فيه ، فخرج من الدنيا بحسراته ، وقدم على الآخرة بتبعاته ، والكيس من كان لشهوته مانعا ، ولنزوته (5) عند الحفيظة قامعا .
  يا نفس : إن تقوى الله عمارة الدين ، وعماد اليقين ، وإنها لمفتاح الفلاح (6) ، ومصباح النجاح ، وهي في اليوم الحرز والجنة ، وفي غد الطريق إلى الجنة ، مسلكها واضح ، وسالكها رابح ، وإن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا والاخرة ، شاركوا أهل الدنيا في الدنيا ولم يشاركهم (7) أهل الدنيا في الآخرة (8) ، بالتقوى

--------------------------------
(1) في أ : إن الدنيا المفسدة الدين مسلبة اليقين .
(2) في أ : لرأس .
(3) أي : أبلى . اللسان 10 : 89 خلق .
(4) في أ : الفانية .
(5) النزو : الوثبان ، اللسان 15 : 319 نزا .
(6) في أ : الصلاح .
(7) في أ : ولم يشاركونهم .
(8) في أ : بالآخرة .

محاسبة النفس _ 61 _

  ينجو الهارب ، وتنجح المطالب ، وتنال (1) الرغائب .
  يا نفس : إن من هوان الدنيا على الله : أن لا يعصى إلا فيها ، ولا ينال ما عنده إلا بترك ما لديها ، فعيشها عناء ، وبقاؤها فناء ، لذاتها تنقيص ، ومواهبها تغصيص ، سريعة الزوال ، وشيكة الانتقال ، تقبل إقبال الطالب ، وتدبر إدبار الهارب ، وتصل مواصلة الملول ، وتفارق مفارقة العجول ، تصل العطية بالرزية ، والامنية بالمنية ، خيرها زهيد (2) ، وشرها عتيد (3) ، وملكها يسلب ، وعامرها (4) يخرب .
  يا نفس : إن الدنيا لهي الكنود (5) العنود (6) ، والصدود (7) ، الجحود (8) ، والحيود الميود (9) ، عزها ذل ، وجدها هزل ، وكثرها قل ، وعلوها سفل ، غرور حائل ، وظل زائل ،

--------------------------------
(1) في ب : وتباذل .
(2) الزهيد : القليل ، الصحاح 2 : 481 زهد .
(3) العتيد : الحاضر المهيأ ، مجمع البحرين 3 : 98 عتد .
(4) في ب : وعاملها .
(5) في أ : الكند : النعمة كفرها ، وأرض كنود : لا تنبت .
(6) العنود بالضم : الجور والميل ، والعنيد والعنود والمعاند واحد وهو : المعارض لك بالخلاف عليك ، مجمع البحرين 3 : 109 عند .
(7) الصد : الاعراض ، اللسان 3 : 245 صدد .
(8) الجحد والجحود : نقيض الاقرار كالاقرار والمعرفة ، اللسان 3 : 106 جحد .
(9) ماد الشئ يميد ميدا : تحرك ومال ، اللسان 3 : 411 .

محاسبة النفس _ 62 _

  وسناء مائل ، عيشها قصير ، وخيرها يسير ، وإقبالها خديعة ، وإدبارها فجيعة ، ولذاتها فانية ، وتبعاتها باقية ، في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن .
  يا نفس : إن الدنيا دار شخوص ، ومحلة تنغيص ، ساكنها ظاعن (1) ، وقاطنها (2) بائن (3) ، وبرقها خالب (4) ، ونطقها كاذب ، وأموالها مخروبة (5) ، وأعلاقها (6) مسلوبة ، ولذاتها (7) قليلة ، وحسرتها طويلة ، غرارة غرور ما فيها ، فانية فان من عليها ، تشوب نعيمها ببوس ، وتقرن سعودها بنحوس ، وتصل نفعها بضر ، وتمزج حلوها بمر .
  يا نفس : إن الدنيا دار محن ، ومحل فتن ، غرارة خدوع ، معطية منوع ، ملبسة نزوع ، تدني الآجال ، وتباعد الآمال ، وتبيد الرجال ، وتغير الاحوال ، لا يدوم

--------------------------------
(1) أي : مرتحل ، مجمع البحرين 6 : 278 ظعن .
(2) القطون : الاقامة ، اللسان 13 : 342 قطن .
(3) أي : منفصل : اللسان 13 : 64 بين .
(4) أي خديعة ، مجمع البحرين 2 : 52 خلب .
(5) في أ : قوله : مخروبة أي : مأخوذة ، وخرب الرجل فهو فريب ومخروب : إذا أخذ ماله كله ، وقولهم يصبر الرجل على الثكل ولا يصبر على الخرب ، أي : يصبر على موت ولله ولا يصبر على أخذ ماله .
(6) في أ : وأعلاقها أي : نفائسها ، والعلق بالكسر : الشئ النفيس .
(7) في أ : ولذتها .

محاسبة النفس _ 63 _

  رخاؤها ، ولا ينقضي عناؤها ، ولا يركد بلاؤها ، قد أمر منها ما كان حلوا ، وكدر منها ما كان صفوا ، من صارعها صرعته ، ومن غالبها غلبته ، ومن أبصر إليها أعمته ، ومن أبصر بها بصرته ، ومن عاصاها أطاعته ، ومن ساعاها فاتته ، ومن تركها نالته (1) .
  يا نفس : إن الدنيا دار بالبلاء معروفة ، وبالغدر موصوفة ، لا تدوم أحوالها ، ولا يسلم نزالها ، العيش فيها مذموم ، والامان فيها معدوم ، ألا وهي المتصدية للعيون ، والجامعة للحزون ، والمائنة (2) الخؤون ، تعطي وترتجع ، وتنقاد وتمتنع ، وتوحش وتؤنس ، وتطمع وتؤيس ، يعرض عنها السعداء ، ويرغب فيها الاشقياء .
  يا نفس : إن الدنيا ظل الغمام ، وحلم المنام ، والفرح الموصول بالغم ، والعسل المشوب بالسم ، سلابة النعم ، أكالة الامم ، جلابة النقم ، نعيمها ينتقل ، وأحوالها تبتدل ، لا تفي لصاحب ، ولا تصفو لشارب ، ولا تبقى على حالة ، ولا تخلو من استحالة ، تصلح جانبا بفساد جانب ، وتسر صاحبا بمساءة صاحب .

--------------------------------
(1) في أ : أتته .
(2) أي : الكاذبة ، اللسان 13 : 426 مين .

محاسبة النفس _ 64 _

  يا نفس : إن الدنيا يونق (1) منظرها ، ويوبق (2) مخبرها ، ولا تدوم حبرتها (3) ، ولا تؤمن فجعتها ، حائلة زائلة ، نافذة بائدة ، أكالة غوالة ، غرارة ضرارة ، فالكون فيها خطر ، والثقة بها غرر (4) ، والاخلاد إليها محال ، والاعتماد عليها ظلال ، لم يصفها الله لاوليائه ، ولم يضن (5) بها على أعدائه ، وهي والآخرة عدوان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان ، فمن أحب الدنيا وتوالاها ، أبغض الآخرة وعاداها .
  يا نفس : إن جزعت على ما تفلت من يديك ، فاجزعي على ما لم يصل إليك ، وإن كنت في البقاء راغبة فازهدي في عالم الفناء ، وإن كنت للنعيم طالبة فاعتقي نفسك من دار الشقاء ، وأراك إن دعيت إلى حرث الآخرة كسلت ، وإن دعيت إلى حرث الدنيا عملت ، وإن سقمت ندمت ، وإن عوفيت نسيت ، تواقعين الحوبة (6) ، وتتكلين على التوبة ، فأحسني الاستعداد والاكثار من الزاد ليوم تقدمين على ما قدمت ، وتندمين على ما خلفت ، وتجازين على ما أسلفت .

--------------------------------
(1) قال الخليل في العين 5 : 221 أنق : الانق : الاعجاب بالشئ ...
(2) أي : يهلك ، اللسان 10 : 370 وبق .
(3) أي : جمالها وحسنها ، مجمع البحرين 3 : 256 حبر .
(4) في أ : فالكون فيها خطير والثقة فيها غرور .
(5) أي : ولم يبخل ، المفردات 299 ضنن .
(6) أي : الاثم ، مجمع البحرين 2 : 47 حوب .

محاسبة النفس _ 65 _

  يا نفس : إنك إن سالمت الله سلمت وفزت ، وإن حاربت اله خربت وهلكت ، وإن أقبلت على الدنيا أدبرت ، وإن أدبرت أقبلت ، وإنك إن أطعت الله نجاك وأصلح مثواك ، وإن أطعت هواك أصمك وأعماك وأفسد منقلبك وأرداك ، وإن ملكت هواك قيادك أفسد معادك وأرداك (1) ، بلاء لا ينتهي ، وشقاء لا ينقضي .
  يا نفس : إنك إن اغتنمت صالح الاعمال نلت من الآخرة نهاية الآمال ، وإنك إلى مكارم الاخلاق والافعال أحوج منك إلى جمع الاموال ، وإنك إلى إعراب الاعمال أحوج منك إلى إعراب الاقوال ، وإنك إلى اكتساب الادب ، أحوج منك إلى اكتساب الفضة والذهب ، وإنك إن رغبت في الدنيا أفنيت عمرك ، وأبقيت وزرك ، وإن زهدت خلصت من الشقا ، وفزت بدار البقا ، فاصبري على البلا ، واشكري في الرخا ، وارضي بالقضا ، يكون لك من الله الرضى .
  يا نفس : من كلام سيد الوصيين أمير المؤمنين صلوات الله عليه لرجل سأله الموعظة ، ومن رقدة الغفلة أن يوقظه : لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ،

--------------------------------
(1) في أ : أفسدت معادك وأوردك .

محاسبة النفس _ 66 _

  ويرجو التوبة بطول الامل ، يقول في الدنيا بقول الزاهدين ، ويعمل فيها بعمل الراغبين ، إذا أعطي منها لم يشبع ، وإن منع منها لم يقنع ، يعجز عن شكر ما أوتي ، ويبتغي منها الزيادة فيما بقي ، ينهى ولا ينتهي ، ويأمر بما لا يأتي ، إن أصابه بلاء دعا مضطرا ، وإن ناله رخاء أعرض مغترا ، يقصر إذا عمل ، ويبالغ إذا سئل ، يصف العبرة ولا يعتبر ، ويبالغ في الموعظة ولا يزدجر ، فهو بالقول مدل ، ومن العمل مقل ، يناقش فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى المغنم مغرما ، والمغرم مغنما ، يخشى الموت ، ولا يبادر الفوت ، يستعظم عن معصية غيره ما يستقله من معاصي هواه ، ويستكثر من طاعته ما يستحقره من طاعة سواه ، فهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، يهوى دارا أو لما عناء ، وآخرها فناء ، في حلالها حساب ، وفي حرامها عقاب ، من استغنى فيها افتتن ، ومن افتقر فيها حزن ، من سعى إليها فاتته ، ومن قعد عنها أتته ، من أبصر بها بصرته ، ومن أبصر إليها أعمته .
  فقال عليه السلام : دنياك مثل الشمس تدني إليك الضوء لكن وعرة المسلك ، إذا أبصرت إلى نورها تعش وإن تبصر به تدرك . يا نفس : إنما الكرم التنزه عن المساوي ، والورع التطهر عن المعاصي .
  واعلمي : أن آفة العقل الهوى ، وآفة النفس الوله بالدنيا ، وآفة الطاعة العصيان ، وآفة النعم الكفران ، وآفة الاعمال عجز العمال ، وآفة الآمال حضور الآجال ، والبصير من سمع ففكر ، ونظر وأبصر ، وانتفع بالعبر ، والسعيد من خاف العقاب فآمن ، ورجا الثواب فأحسن .

محاسبة النفس _ 67 _

  يا نفس : إذا كان البقاء لا يوجد فالنعيم زائل ، وإذا كان القدر لا يرد فالا حتراس باطل .
  واعلمي : أنه بالعفاف تزكو (1) الاعمال ، وبالصدقة تفسخ الآجال ، وبالطاعة يكون الاقبال ، وأن الله إذا أحب عبدا بغض (2) إليه المال ، وقصر منه الآمال ، وإذا أراد بعبد شرا حبب إليه المآل ، وبسط منه الآمال .
  يا نفس : إنك ستؤاخذين بقولك فلا تقولي إلا خيرا ، وتجازين بفعلك فلا تفعلي إلا برا ، وأنه بقدر اللذة يكون التغصيص ، وبقدر السرور يكون التنغيص ، وبالطاعة تحصل المثوبة لا بالكسل ، وبالعمل تحصل الجنة لا بالامل ، وبالاعمال الصالحات ترفع اللرجات ، وبالتوبة تمحص السئيات ، وبادري العمل عمرا ناكسا ، ومرضا حابسا وموتا خالسا .

--------------------------------
(1) في أ : تركن .
(2) في ب : أبغض .

محاسبة النفس _ 68 _

  يا نفس : حب الرئاسة رأس المحن ، وحب المال سبب الفتن ، وحب الدنيا يوهن الدين ، ويفسد اليقين ، وحق يضر خير من باطل يسر ، وخير الاعمال ما قضى اللوازم واكتسب شكرا وخير الاموال ما أعان على المكاره واسترق حرا (1) ، وخير الناس من إذا اعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر ، وإذا ظلم غفر ، وإذا أحسن استبشر ، وإذا أساء استغفر .
  يا نفس : حاصل المعاصي التلف ، وحاصل الاماني الاسف ، وحاصل التواضع الشرف ، ودرك الخيرات ، ونيل السعادات ، بلزوم الطاعات ، والاعمال الزاكيات .
  واعلمي : أن دوام الفكر والحذر يؤمن من الزلل والعثر ، وأن دوام الاعتبار يؤدي إلى الاستبصار ، ويثمر الازدجار ، وان ذهاب البصر خير من عمى البصيرة ، وذهاب النظر خير من النظر إلى ما يوجب الجريرة .
  يا نفس : رحم الله امرءاقصر الامل ، وبادر الاجل ، واغتنم المهل ، وأحسن العمل .
  ورحم الله امرءا ألجم نفسه عن معاصي الله بلجامها ، وقادها إلى طاعة

--------------------------------
(1) في أ : جدا .

محاسبة النفس _ 69 _

  الله بزمامها .
  فردي من طول أملك في قصر اجلك ، ولا تغرنك صحة نفسك ، وسلامة أمسك ، وأن مدة العمر قليلة ، وسلامة الجسم مستحيلة .
  شعر :
كـل  حـياة إلى iiممات      وكـل ذي جـدة iiتحول
كـيف بقاء الفروع يوما      وقد ذوت دونها الاصول
  يا نفس : زهدك في الدنيا ينجيك ، ورغبتك فيها ترديك ، وسبب الشقاء حب الدنياه ، وسبب فساد العقل الهوى ، وسبب صلاح النفس الورع ، وسبب فسادها الطمع .
  واعلمي : أن شر الناس : الطويل الامل ، السيئ العمل ، الذي ينصر الظلوم ، ويعين على المظلوم ، وشر الناس من لا يرجى خيره ، ولا يؤمن شره .
  يا نفس : شتان بين عمل تذهب لذته وتبقى تبعته ، وبين عمل تذهب مؤنته وتبقى مثوبته .
  واعلمي : أن شيمة العقلاء قلة الشهوة والغفلة (1) ، وسجية الاتقياء اغتنام المهلة والتزود للرحلة ، فشقي أمواج الفتن بسفن النجاة ، وشوقي نفسك إلى نعيم الجنات ، تحبين الموت وتمقتين الحياة .

--------------------------------
(1) أي : وقلة الغفلة ، وفي ب : والعفة .

محاسبة النفس _ 70 _

  يا نفس : طوبى لمن راقب ربه ، وخاف ذنبه ، وشغل بالفكر قلبه ، وطوبى لمن أطاعت نفسه ناصحا يهديه ، وتجنبت غاويا يرديه (1) ، قصر همته على ما يعنيه ، وجعل كل جده لما ينجيه ، وطوبى لمن بادر اجله ، وأخلص عمله ، وقصر أمله ، واغتنم مهله ، وطوبى لمن كذب مناه وأخرب دنياه لعمارة اخراه ، وملك هواه ولم يملكه ، وعصى أمر نفسه فلم تهلكه ، وطوبى لمن تحلى بالعفاف ، ورضي بالكفاف ، وتجنب الاسراف ، وندم على زلته ، واستدرك فارط عثرته ، رطوبى لمن بادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه ، والعمل الصالح قبل أن تنقطع أسبابه .
  يا نفس : طلب الجمع بين الدنيا والآخرة من خداع النفس ، وطالب الخير بعمل الشر فاسد العقل والحس ، وطالب الدنيا بالدين معاقب مذموم وضلالة (2) ، وطالب المراتب والدرجات بغير عمل جهالة ، وطلب الجنة بلا عمل حمق ، وطلب الثناء بغير استحقاق خرق (3) وطالب الآخرة يدرك منها أمله ، ويأتيه من الدنيا ما قدر له ، وطالب الدنيا تفوته الآخرة ، ولا يدرك من الدنيا إلا الصفقة الخاسرة .

--------------------------------
(1) في أ : وطوبى لمن أطاع ناصحا يهديه وتجنب غاويا يرديه .
(2) في أ : ذو ضلالة .
(3) في أ : الخرق بالضم : خلاف الرفق ، ورجل خرق أي أحمق ، قاله المطرزي .

محاسبة النفس _ 71 _

  يا نفس : طاعة دواعي الشرور ، تفسد عواقب الامور ، ولقد ظفر بجنة المأوى ، من غلب الهوى وأعرض عن شهوات الدنيا .
  وعليه : بلزوم اليقين ، وتجنب الشك في الدين ، فليس للمرء شئ أهلك لدينه ، من غلبة الشك على يقينه .
  وعليك : بالوفاء فإنه أوقى جنة (1) ، وبالعمل الصالح فإنه الزاد إلى الجنة .
  وعليك : بالصبر والورع فإنهما عون الدين ، والحصن الحصين ، وشيمة المخلصين ، وعادة الموقنين .
  يا نفس : عليك : بلزوم العفة والامانة ، وترك فساد النية والجناية (2) ، فإن ذلك أشرف ما أسررت ، وأحسن ما أعلنت ، وأفضل ما ادخرت .
  وعليك : بصنائع الاحسان ، وحسن البر بذوي الرحم والجيران ، فإنهما يعمران الديار ، ويزيدان في الاعمار .
  وعليك : بلزوم الصبر ، ودوام الشكر ، فإنهما يزيدان في النعمة ، ويزيلان النقمة .

--------------------------------
(1) بالضم والتشديد : السترة ، مجمع البحرين 6 : 229 جنن .
(2) في ب : والخيانة .

محاسبة النفس _ 72 _

  يا نفس : على قدر العقل تكون الطاعة ، وعلى قدر العغة تكون القناعة ، وعند اشتداد القرح ، تبدو مطالع الفرح (1) ، وعند الامتحان ، يكرم الرجل أو يهان ، وعلى قدر البلاء ، يكون الجزاء ، وعند كثرة العثار والزلل تكثر الملامة ، وعند معاينة أهوال القيامة تكثر من المفرطين الندامة .
  يا نفس : عجبا لمن خاف البيات (2) فلم يكف ، ولمن عرف سوء عواقب اللذات فلم يعف (3) ، وعجبا لمن يقنط ومعه نجاة الاستغفار ، ولمن علم شدة انتقام الله سبحانه وهو مقيم على الاصرار ، وعجبا لمن عرف أنه منتقل (4) عن دنياه ، كيف لا يحسن التزود لاخراه ، وعجبا للشقي البخيل يتعجل الفقر الذي منه هرب ،

--------------------------------
(1) في أ ، ب جملة : وعند اشتداد القرح تبدو مطالع الفرح ، غير واضحة القراءة ، فأثبتنا ما استظهرنا ، موافقا للسجع والمعنى ، والله العالم .
(2) في أ : أن يأتيه أمر يهلكه في الليل وهو غافل عنه ، وبيتوا العدو : أتوهم ليلا ، وقوله (فجاءها بأسنا بياتا) 7 : 4 ، أي ليلا ، ويبيت فلان على رأيه : إذا فكر فيه ليلا ، ومنه قوله : (إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) 4 : 108 ، والاسم : البيات ، وقوله : (والله يكتب ما يبيتون) 4 : 81 ، أي : ما يدرون ويقدرون من السوء ، وقوله : (لنبيتنه) 27 : 49 ، أي : لنوقعن به بياتا ، أي : ليلا .
(3) من العفة ، وهي : الكف عما لا يحل ويجمل من المحارم والاطماع الدنية ، اللسان 9 : 253 عفف .
(4) في أ : منقل .

محاسبة النفس _ 73 _

  ويفوته الغنى الذي إياه طلب ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الاخرة حساب الاغنياء ، وعجبا لمن يتكلم بما لا ينفعه في دنياه ، ولا يكتب له أجره في اخراه .
  يا نفس : عودك إلى الحق خير من تماديك في الباطل ، وعداوة العاقل خير من صداقة الجاهل ، وعبد الشهوة أذل من عبد الرق ، ولا يجد أبدا حلاوة العتق (1) ، وعبد الحرص مخلد الشقاء ، وعبد الدنيا مؤبد البلاء ، وقلب متعلق بالشهوات ، غير منتفع بالعظات .
  يا نفس : عيشك من الباطل أرضاك ، وبالملاهي والهزال أغراك . واعلمي : أن في ذكر الله حياة القلوب ، وفي رضاه غاية المطلوب ، وفي الطاعة كنوز الارباح ، وفي مجاهدة النفس كمال الصلاح ، وفي العزوب عن الدنيا نيل النجاح ، وفي العمل لدار البقاء إدراك الفلاح ، ألا وفي كل لحظة أجل ، وفي كل وقت عمل ، وفي كل نفس موت ، وفي كل وقت فوت ، وفي كل حسنة مثوبة ، وفي كل سيئة عقوبة .

--------------------------------
(1) في أ : الرق .

محاسبة النفس _ 74 _

  يا نفس : اتق الله تقية من سمع فخشع ، واقترف فاعترف ، ووجل فعمل ، وحاذر فبادر ، فتدارك فارط الزلل ، واستكثر من صالح العمل ، فيا فوز من أصلح عمل يومه ، واستدرك فوارط أمسه ، ويا ظفر من غلب هواه ، وملك دواعي نفسه ، واستصبح بنور الهدى ، وخالف دواعي الهوى ، وجعل الايمان عدة معاده ، والتقوى خير ذخره وأفضل زاده .
  يا نفس : قليل تحمد مغبته (1) ، خير من كثير تضر عاقبته ، وقرين الشهوات ، أسير التبعات ، ورهين السيئات ، وما فات اليوم من الرزق ترجى غدا زيادته ، وما فات أمس من العمر لم يرج العمر رجعته ، فتفكري واعتبري تهتدي ، وتزودي للآخرة تسعدي .
  يا نفس : كل طامع أسير ، وكل حريص فقير ، وكل متوقع آت ، وكل جمع إلى شتات ، وكل مقتصر عليه كاف ، وكل ما زاد على الاقتصاد إسراف ، وكل يوم يفيدك عبرة ، وإن أصحبته فكرة ، وكل قرب (2) دان ، وكل أرباح الدنيا خسران ،

--------------------------------
(1) أي عاقبته ، مجمع البحرين 2 : 130 غبب .
(2) في أ : قريب .

محاسبة النفس _ 75 _

  وكل مدة من الدنيا إلى انتهاء ، وكل حي فيها إلى فناء .
  يا نفس : كم من أكلة منعت أكلات ، وكم من لذة دنية منعت سني (1) درجات ، وكم من مؤمل ما لا يدركه ، وجامع ما سوف يتركه ، وكم من مغرور بالستر عليه ، وكم من مستدرج (2) بالاحسان إليه ، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الظماء ، وقائم ليس له من قيامه إلا العناء ، وكم من حزين وفد به حزنه على سرور الابد ، وفرح أفضى به فرحه إلى حزن مخلد .
  يا نفس : كيف يملك الورع ، من يملكه الطمع ؟ ! وكيف يهتدي الضليل ، مع غفلة الدليل ؟ ! وكيف يستطيع الهدى ، من يغلبه الهوى ؟ ! وكيف يستأنس بالله من لا يستوحش من الخلق ؟ ! وكيف يجد حلاوة الايمان من يسخطه الحق ؟ ! وكيف يفرح بعمر تنقصه (3) الساعات ، ويغتر بسلامة جسم معرض للآفات ؟ ! يا نفس : كفى بالغفلة ضلالا ، وكفى بجهنم نكالا ، وكفى بالقناعة ملكا ، وكفى

--------------------------------
(1) أي : علو ، اللسان 14 : 403 سنا .
(2) في أ : مسترج .
(3) في ب : منقصة .