بالشرة هلكا ، وكفى بالقرآن داعيا ، وبالشيب ناعيا ، وكفى بالتواضع شرفا ، وبالتكبر تلفا ، وكفى بالرجل سعادة أن يعزف عما يفنى ، ويتوله بما يبقى ، وكفى بالظلم سالبا للنعمه ، وجالبا للنقمة .
  يا نفس : كيف [ تبقين ] على حالتك ، والدهر في إحالتك ، فكوني لهواك غالبة ، ولنجاتك طالبة ، وبمالك متبرعة ، وعن مال غيرك متورعة ، جميلة العغو إذا قدرت ، عاملة بالعدل إذا ملكت ، لعقلك مسعفة (1) ، ولهواك مسوقة ، وكوني في الفتنة كابن اللبون لا ضرع فيحلب ، ولا ظهر فيركب .
  يا نفس : كذب من ادعى اليقين بالباني (2) ، وهو موصل للفاني ، كلا لن يفوز بالجنة إلا الساعي لها ، ولن ينجو من النار إلا التارك عملها ، ولن يلقى جزاء الشر إلا عامله ، ولن يجزى جزاء الخير إلا فاعله ، ولن يجوز الصراط إلا من جاهد نفسه ، ولن يحرز العلم إلا من يطيل درسه .
  يا نفس : ليس بخير من الخير إلا ثوابه ، وليس بشر من الشر إلا عقابه ، وليس

--------------------------------
(1) أي : معينة ، مجمع البحرين 5 : 70 سعف .
(2) في أ : بالباقي .

محاسبة النفس _ 77 _

  مع الصبر مصيبة ، ولا مع الجزع مثوبة ، وليس لمتكبر صديق ، وليس لشحيح رفيق ، وليس لك بأخ من احتجت إلى مداراته ، أو أحوجك إلى مماراته ، ليس شئ أعز (1) من الكبريت الاحمر إلا ما بقي من عمر المؤمن ، ولا ثواب عند الله أعظم من ثواب السلطان العادل والرجل المحسن .
  يا نفس : لم يوفق من بخل على نفسه بخيره ، وخلف ماله لغيره ، ومن أصلح نفسه ملكها ، ومن أهملها أهلكها ، ومن أكرمها أهانته ، ومن وثق بها خانته ، ومن ملكه هواه ضل ، ومن استعبده الطمع ذل ، ومن أطاع نفسه قتلها ، ومن عصاها وصلها ، ومن ملكها علا أمره ، ومن ملكته ذل قدره .
  يا نفس : من أخذ بالحزم استظهر ، ومن أضاعه تهور ، ومن أسرع المسير أدرك المقيل ، ومن أيقن بالنقلة تأهب للرحيل ، ومن بخل بماله ذل ، ومن بخل بذنبه جل ، ومن اعجب برأيه ضل ، ومن ركب هواه زل ، ومن زرع العدوان ، حصد (2) الخسران ، ومن عمل للمعاد ، ظفر بالسداد ، ومن فعل ما شاء ، لقي ما شاء .

--------------------------------
(1) في ب : أحب .
(2) في ب : حصل .

محاسبة النفس _ 78 _

  يا نفس : من منع برا ، منع شكرا ، ومن أحقر رمة (1) ، اكتسب مذمة ، ومن لزم الاستقامة ، لم يعدم السلامة ، ومن أعطى التوبة لم يحرم القبول ، ومن أخلص العمل لم يعدم المأمول ، ومن فعل الخير فبنفسه بدا ، ومن فعل الشر فعلى نفسه اعتدى . واعلمي : أنه لم يضع امرؤ ماله في غير محله ، أو معروفه في غير أهله ، إلا حرمه الله حمدهم ، وكان لغيره ودهم .
  يا نفس : من استقل من الدنيا استكثر مما يؤمنه ، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه ، ومن حسنت مساعيه ، طابت مراعيه ، ومن أصلح جوانيه (2) ، أصلح الله برانيه (3) ، ومن كثر تعديه ، كثرت أعاديه ، ومن طالت غفلته ، تعجلت هلكته ، ومن أحسن العمل حسنت له المكافاة ، ومن نصح فيه نصحته المجازاة ، ومن أطاع هواه ، باع آخرته بدنياه .

--------------------------------
(1) بكسر الراء : العظام البالية ، مجمع البحرين 6 : 75 رمم .
(2) أي : باطنه وسره ، اللسان 14 : 157 جوا .
(3) أي : ظاهره وعلانيته ، اللسان 4 : 157 جوا .

محاسبة النفس _ 79 _

  يا نفس : من ترقب الخير تسارع إلى الخيرات ، ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار اجتنب المحرمات ، ومن أحب الدار الباقية لهى (1) عن اللذات ، ومن عرف قدر نفسه لم يهنها بالفانيات ، ومن خاف العقاب انصرف عن السيئات ، ومن لم يقدم إخلاص النية في الطاعة لم يظفر بالمثوبات ، ومن أسس أساس الشر أسسه على نفسه ، ومن سل سيف البغي عمد في رأسه .
  يا نفس : من شاور ذوي النهى والالباب ، فاز بالنجح والصواب ، ومن كتم مكنون (2) رأيه ، عجز طبيبه عن شفائه ، ومن أصر على ذنبه ، اجترأ على سخط ربه ، ومن أكثر من ذكر الآخرة قلت معصيته ، ومن كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته ، ومن اعتمد على الدنيا فهو محروم ، ومن جمع الحرص والبخل فقد استمسك بعمودي اللؤم .
  يا نفس : من لم يجهل (3) قليلا لم يسمع جميلا ، ومن لم يداو شهوته بالترك لها لم يزل

--------------------------------
(1) في ب : نهى .
(2) أي : مستور ومخفي ، مجمع البحرين 6 : 302 كنن .
(3) أي : يتغافل .

محاسبة النفس _ 80 _

  عليلا ، ومن لم يدار من دونه لم ينل حاجته ، ومن لم يدار من فوقه لم يدرك بغيته (1) ، ومن مدحها ، فقد ذبحها (2) ، ومن أوسع الله عليه نعمة وجب عليه أن يوسع الناس إنعاما ، ومن زاده الله كرامة فحقيق به أن يزيد الناس إكراما .
  يا نفس : من لم يصحبك معينا على نفسك فصحبته وبال عليك إن علمت ، ومن مدحك بما ليس فيك فهو ذم لك إن عقلت ، ومن أطلق طرفه جلب حتفه ، ومن كثر قنوعه قل خضوعه ، ومن بخل بماله على نفسه ، جاد به على بعل عرسه ، ومن عكف عليه الليل والنهار أدباه وأنبياه ، وإلى المنايا أدياه .
  يا نفس : من العقوق ، إضاعة الحقوق ، ومن الفساد ، إفساد المعاد ، ومن كمال الحماقة ، الاحتيال في الفاقة ، ومن كمال النعم ، وفور النعم ، ومن أشد المصائب غلبة الجهل ، ومن أفضل المعروف ، إغاثة الملهوف ، ومن أفضل الاحسان الاحسان إلى الابرار ، ومن أفضل الاعمال ما أوجب الجنة وأنجى من النار .

--------------------------------
(1) أي : حاجته وطلبته ، اللسان 14 : 76 بغا .
(2) في ب : ومن مرحها ، فقد ربحها . (*)

محاسبة النفس _ 81 _

  يا نفس : ما ندم من استخار ، وما ضل (1) من استشار ، وما افتقر (2) من ملك فهما ، ولا مات من أحيى علما ، وما أحسن العفو مع الاقتدار ، وما أقبح العقوبة مع الاعتذار ، وما أقبح بالانسان (3) ظاهرا موافقا ، وباطنا منافقا ، وما من شئ يحصل به الامان ، أبلغ من إيمان وإحسان .
  يا نفس : ما الدنيا غرتك ولكن بها اغتررت ، وما العاجلة خدعتك ولكن بها انخدعت .
  واعلمي : أن مذيع الفاحشة كقابلها ، وسامع الغيبة كفاعلها ، وأن مداومة المعاصي تقطع الرزق ، ومقارنة السفهاء تفسد الخلق ، ومواصلة الافاضل توجب السمو ، ومباينة الدنيا تكبت (4) العدو .
  يا نفس : مصاحب الاشرار ، كراكب البحار ، إن سلم من الغرق ، لا يسلم من

--------------------------------
(1) في أ : ولا ضل .
(2) في أ : ولا افتقر .
(3) في ب : ما للانسان .
(4) أي : تهلك وتهين وتذل ، مجمع البحرين 2 : 216 كبت .

محاسبة النفس _ 82 _

  الفرق (1) ، ومجالسة أبناء الدنيا منساة للايمان ، قائدة إلى طاعة الشيطان (2) ، وموافقة الاصحاب ، تديم الاصطحاب ، ونيل المآثر ببذل المكارم ، ونيل الجنة بالتنزه عن المآثم .
  واعلمي : أن مصيبة يرجى أجرها ، خير من نعمة لا يؤدى شكرها . يا نفس : ويح النائم ما أخسره ، وثوابه ما أنزره ، قصر عمره ، وقل أجره ، وويح ابن آدم ما أغفله ، وعن رشده ما أذهله ، وعن حظه ما أعدله ، وفيما أوصى الله إلى موسى عليه السلام : كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنه الليل نام ، وإياك أن تخيبي المضطر وإن أسرف ، أو تحرمي المحتاج وإن ألحف ، أو تصحبي أبناء الدنيا فإنك إن أقللت استقلوك (3) ، وإن أكثرت حسدوك ، ولا تعملي شيئا من الخير رياء ، ولا تتركيه حياء .
  يا نفس : لا كرم كالتقوى ، ولا عدو كالهوى ، ولا عز كالطاعة ، ولا كنز كالقناعة ، ولا هداية كالذكر ، ولا رشد كالفكر ، ولا زينة كالآداب ، ولا ربح كالثواب ، ولا غناء مع إسراف ، ولا فاقة مع عفاف ، ولا ثواب لمن لا عمل له ، ولا عمل لمن لا نية له ، ولا نية لمن لا علم له ، ولا علم لمن لا بصيرة له ، ولا بصيرة لمن

--------------------------------
(1) وهو : الخوف ، العين 5 : 148 فرق .
(2) في ب : قائدة للشيطان .
(3) في ب : استعلوك .

محاسبة النفس _ 83 _

   لا فكرة له ، ولا فكرة لمن لا اعتبار له ، ولا اعتبار لمن لا ازدجار له ، ولا ازدجار لمن لا إقلاع له .
  يا نفس : ما لي أراك إذا قرب إليك الطعام في الليل الداج (1) ، تكلفت إنارة السراج ، لتبصرين ما يدخل بطنك من المأكول والمشروب ، ولا تهتمين بإنارة لبك (2) بالعلم والتقوى [ لتسلمين ] من لواحق الجهالة والذنوب ، فنزهي نفسك عن المآثم والعيوب ، واعلمي : أن أعظم الخطايا عند الله تعالى اللسان الكذوب .
  وعليك بالتقوى وصحة النية في العلوم (3) والاعمال ، فإن دخلها الرياء ضاع الربح ورأس المال ، فبالا خلاص يعرف الصواب من الزلل ، والاستقامة من الخطل ، وكلما امتدت المعارف ، اشتدت المخاوف (4) .
  وإياك واتباع إبليس الذي رضي بهلاك نفسه ، واختار من كل شئ أقبح جنسه ، [ أترين ] من غر أباك ينصحك ، ومن أفسد شأن نفسه يصلحك ، فما يغتر بالدنيا غير غر (5) ، لا يعرف هرا من بر (6) .

--------------------------------
(1) أي : المظلم ، مجمع البحرين 2 : 297 دجج .
(2) أي : عقلك ، مجمع البحرين 2 : 164 لبب .
(3) في أ : في المعلوم .
(4) في أ : المجارف ، وهي من الجرف الذي هو : الاخذ الكثير ، اللسان 9 : 25 جرف .
(5) الغر : هو المخذوع والغافل ، مجمع البحرين 3 : 422 غرر .
(6) في أ : قلت في قولهم : فلان لا يعرف هرامن بر ثلاثة أقوال :

محاسبة النفس _ 84 _

  يا نفس : ينبغي لمن عرف سرعة رحلته ، أن يحسن التأهب لنقلته ، وأن يقدم العمل الصالح لآخرته ، ويعمر دار إقامته ، وأن لا يخلو في كل حال من مجاهدة نفسه ، قبل حلول رمسه ، فإذا كنت في النهار تشترين وتبيعين ، وفي الليل على الفرش تتقلبين وتنامين ، وفيما بين ذلك عن الآخرة تلهين وتغفلين ، فمتى تتفكرين بالارشاد ، وتهتمين بأمر المعاد .
  يا نفس : الحرص أحد الشقاءين ، والبخل أحد الفقرين ، والحسد ألام الرذيلتين ، والطمع أحد الذلين ، والجور أحد المرديين ، والشهوة أحد المغوبين ، والخلق السيئ أحد العذابين ، والهوى أحد العدوين ، والغدر أقبح الجنايتين ، والنساء أعظم الفتنتين .
  يا نفس : حسن البشر أحد العطاءين ، والكف عما في أيدي الناس أحد السخاءين .
  الاول : أنه لا يعرف من يكرهه ممن يبره ، قال الشيخ عبد الرحمن العتايقي في كتابه الملقب بالغرر والدرر : وهذا القول أجود الاقوال .
  الثاني : لا يعرف شيئا من شئ .
  الثالث : لا يعرف السنور من الفأرة .

محاسبة النفس _ 85 _

  والذكر الجميل أحد الحباءين ، والفكر إحدى الهدايتين ، والذكر أفضل الغنيمتين ، والادب أحد الحسبين ، والدين أشرف النسبين ، والنية الصالحة إحدى العملين ، والمودة إحدى القرابتين ، والعفو أعظم الفضلين ، والتبصر (1) أحد الظفرين ، والتوفيق أشرف الحظين ، والتواضع أفضل الشرفين ، والسخاء إحدى السعادتين ، والوعد إحدى الرقين ، وإنجازه أحد العتقين .
  يا نفس : الحلم إحدى المنقبتين ، والعلم أفضل الجمالين ، والزهد أفضل الراحتين ، والعمل الصالح أفضل الزادين ، والخلق السجيح (2) إحدى النعمتين ، والعدل أفضل السياستين ، والشجاعة أحد العزين ، والفرار أحد الذلين ، والمودة في الله آكد السبيلين ، والايمان أفضل الامانتين ، والقرآن أفضل الهدايتين .
  يا نفس : الصدق (3) أفضل الذخرين ، والصدقة أعظم الربحين ، والمعرفة بالنفس أنفع المعرفتين ، والاخذ على العدو بالفضل أحد الظفرين ، والقناعة أفضل الغنائين ، والشكر أحد الجزائين ، والمعروف أفضل الكنزين ، والندامة إحدى التوبتين ، والصلاة أفضل القربتين ، والصيام إحدى الصحتين ، وحسن الرد إحدى الصدقتين ، ولطف المنع أحد البذلين ، والقرض إحدى الهبتين ، وحسن

--------------------------------
(1) في أ : والصبر .
(2) أي : اللين السهل ، اللسان 2 : 475 سجح .
(3) في أ : الصديق .

محاسبة النفس _ 86 _

التدبير إحدى الترويتين (1) .
  يا نفس : سامع الغيبة أحد المغتابين ، وراوي الكذب أحد الكذابين ، ومنشد الهجا أحد الماجين ، ومبلغ الشتمة أحد الشاتمين ، والقلم أحد اللسانين ، والكتاب أحد المحدثين ، وحسن الرد أحد البذلين ، والعدة أحد العطاءين ، والدعاء أحد الصدقين ، القرض أحد الهبتين (2) ، النظافة أحد الحليتين ، الدهر أنصح المؤدبين ، المشيب أحد القطيعتين ، المصيبة بالصبر إحدى المصيبتين ، والمصيبة واحدة فإن جزعت فهي اثنتين .
  يا نفس : العمر وإن طال فما تحته حائل (3) ، وكل نعيم لا محالة زائل ، فترصدي للموت فلكل طالع أفول (4) ، وتزودي لدار الاقامة فلكل غائب قفول (5) ، واتخذي الدنيا سوقا مسلوكا ، لا بيتا مملوكا ، فهي حانوت لا يطرق إلا للتجارة ، ومبيت لا يسكن إلا بالاجارة ، وما هذه الحياة الفانية إلا أنفاس تتردد وستنقطع ،

--------------------------------
(1) في ب : الرويين .
(2) في ب : المحبتين .
(3) في ب : طائل .
(4) أي : غيبوبة ، المفردات : 20 أفل .
(5) أي : رجوع ، المفردات : 409 قفل .

محاسبة النفس _ 87 _

  وقامات تتمدد وستنقلع .
  يا نفس : علام تركنين إلى الدنيا وعن قليل تقلعك ، وترفلين (1) على وجه الارض وعن قريب (2) تبلعك ، ولعمري من عاين تلون الليل والنهار لا يغتر بدهره ، ومن علم أن بطن الثرى مضجعه لا يمرح على ظهره ، ومن عرف الدهر حق العرفان يزهد فيه ، ومن شغله هم الموت لا يضحك ملء فيه ، فاغتنمي الخمس قبل الخمس (3) ، وادركي عصرك قبل غروب الشمس .
  يا نفس : البخيل يقاسي ثلاثة : البرد والحر ، ويركب مطية البحر والبر ، ويجمع الدر إلى الدر ، فيركمه (4) جميعا ، ويتركه سريعا ، يبذل نفسه ، ويجزن قلبه . والشحيح من يشفق على الدرهم الصحيح فلا يكسره مصارفة ، ثم يقسم بعده مجازفة .
  والسعيد ، من يتجهز للسفر البعيد ، إن رزق مالا ، يفرقه يمينا وشمالا ،

--------------------------------
(1) قال الخليل في العين 8 : 263 رفل : الرفل : جر الذيل وركضه بالرجل ، وقال الطريحي في مجمع البحرين 5 : 384 رفل : رفل في ثيابه : إذا أطالها وحركها متجبرا .
(2) في أ : وعن قليل .
(3) في أ : إشارة إلى قوله عليه العلام : اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ...
(4) من الركم الذي هو : جمع الشئ فوق الشئ حتى يجعل ركاما مركوما كركام الرمل والسحاب اللسان 12 : 251 ركم .

محاسبة النفس _ 88 _

  يغني به جيرانه ، ويطفي به نيرانه ، لا يمسكه في يده ، ولا يتركه لغده ، ولا يدخره لولده ، إنما هو الزاد يقدمه لمسراه ، ويتصدقه بيمناه ويسراه ، فتعسا للبخلاء بما تحوي جيوبهم (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى به جباههم وجنوبهم) (1) إلا اخبرك عنهم ، ألا أقول لك من هم ؟ هم : الجماعون الطماعون (الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون) (2) .
  يا نفس : ليس الشريف من تطاول وكاثر ، إنما الشريف من تطول وآثر ، وليس البر إبانة الحروف بالامالة والاشباع ، لكن البر إعانة الملهوف بالانالة والاشباع ، وليس الصوم صوم جماعة الطغام (3) عن الجماع والطعام ، إنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام وكف الكف عن أخذ الحطام ، فوالك لمن [ تدخرين ] أموالك ؟ فانفقي الفك قبل أن يقسم خلفك ، وكفي يدك السفلى ، واجعلي على باب اليمنى قفلا ، فإنك لن تبيتي حتى تملاي زقك (4) ، ولن تموتي حتى تستكملي رزقك ، وعلام تطلبين الرزق وهو طالبك ، وتستبطئين نزوله وهو مصاحبك ، وتستقبلين قادمه وهو في بلدك ، وتنشدين ضالته وهو في يدك ؟ وعلام تهتمين لرزقك ، وقد هيئ لك قبل خلقك ، وتطلبين رزقا يعدو في قفاك ، ولو قعدت لاتاك ما كفاك ؟ إن ساعد القضاء فالسيارة كالقاطن ، والسائمة كالداجن ، وإن لم

--------------------------------
(1) التوبة 9 : 35 .
(2) الماعون 107 : 6 و 7 .
(3) هم : ضعاف الاحلام ومن لا معرفة لهم ، أو : أزذال الناس وأوغادهم ، اللسان 12 : 368 طغم .
(4) وهو : كل وعاء اتخذ لشراب ونحوه ، اللسان 10 : 143 زقق .

محاسبة النفس _ 89 _

  يساعد فالسعي جهل والتعب فضل إنما الرازق (1) ضامن والمقدور كائن ، والقناعة سيادة ، والمشقة زيادة ، فانفقي ولا تخشي الفاقة ، وارفقي ولا تتعبي الناقة .
  شعر :

ما لك من مالك إلا الذي      قدمت فابذل طائعا iiمالكا
تقول أعمالي ولو iiفتشوا      رأيت أعمالك أعمى iiلكا
  يا نفس : الصراط طريقان ، والناس فريقان : سعيد وما أراك ، وشقي وعصاك ، هبلت (2) أللنوم جبلت ؟ ! وقتلت أللهو عدلت ؟ ! تستطيبين ركوب الاخطار ، وورود التيار (3) ، ولحوق العار والشنار ـ لاجل الدنيا ـ وتستلذين سف الرماد ، ونقل السماد ، ووطي البلاد للاولاد ، وتصبرين على نقل الجبال ، وسف السبال ، لشهوة المال ، وربما تبدلين الايمان بالكفر ، وتحفرين الجبال بالظفر ، للدنانير (4) الصفر ، لا تكرهين صداعا ، إذا نلت كراعا (5) .

--------------------------------
(1) في أ : الرزاق .
(2) من الهبل الذي هو : الثكل ، مجمع البحرين 5 : 497 هبل .
(3) هو : موج البحر ، مجمع البحرين 3 : 234 تير .
(4) في ب : للدينار .
(5) قال ابن منظور في اللسان 8 : 307 كرع : والكراع من البقر والغنم : بمنزلة الوظيف من الخيل والابل والحمر ، وهو : مستدق الساق والعاري من اللحم .

محاسبة النفس _ 90 _

  يا نفس : لا تصحبي الدنيا صحبة بحال ، ولا تنظري إلى أبنائها إلا من عال (1) ، ولا تخفضي جناحك لبنيها ، ولا تضعضعي ركنك لبانيها ، ولا تمدي عينيك (2) إلى زخارفها (3) ، ولا تبسطي يدك إلى مخارفها (4) .
ميزت   بين  جمالها  iiوفعالها      فإذا  الملاحة  بالقباحة لا تفي
حلفت لنا أن لا تخون عهودنا      فكأنما  حلفت  لنا  أن لا iiتفي
  فالسعيد من تركها لطلابها ، ويطرح الجيفة لكلابها ، يدع الطعام طاويا (5) ، ويذر الشراب صاديا (6) ، والحازم من قدم الزاد لعقبة العقبى ، وآتى المال على حبه ذوي القربى .
  يا نفس : خالفي هواك فإفها زبانية (7) ، وطلقي دنياك فإفها زانية ، والمال رزق اتيح ،
--------------------------------
(1) في أ : غال .
(2) في أ : عينك .
(3) في ب : مخازفها .
(4) في ب : مخارقها .
(5) أي : في حال كونه طاويا ، أي : جائعا ، مجمع البحرين 1 : 279 طوا .
(6) أي : في حال كونه صاديا ، أي عطشانا ، مجمع البحرين 1 : 262 صدا .
(7) قال ابن منظور في اللسان 13 : 194 زبن : الزبن : الدفع ، وزبنت الناقة : إذا ضربت بثفنات رجليها (*)

محاسبة النفس _ 91 _

  ونزل ابيح ، فمن به شح وضن ، فقد اتهم الرازق وأساء الظن ، ومن حل عقد فلسه فقد حاز ملكا مقيما ، ومن توق شح نفسه فقد فاز فوزا عظيما ، فطوبى لكل غني نفاع للغير ، وتبا لكل دني مناع للخير .
  يا نفس : أدركي عمرك قبل الفوت ، وهيئ أمرك قبل الموت ، واغتنمي بياض النهار قبل العشية ، فالليل حبلى وجنينه في مشيمة المشية ، ولا تغتري بذكر أسنانك فلعل هذا السمن ورم ، ولا تنظري بنظرة شبابك فبعده شيب وهرم .
  يا نفس : إن الله تعالى أمهلك ، حتى كأنه أهملك ، فالحذر الحذر ، فو الله لقد ستر ، حتى كأنه غفر ، أتغترين عن واضحه (1) ، وقد عملت الذنوب الفاضحة ، فوا عجباه لعين تلتذ بالرقاد ، وملك الموت معها غلى الوساد ، والصراط ميدان يكثر فيه عثار السالك ، فالسالم ناج والعاثر هالك .
  واعلمي : أن الدنيا سجين ، وحطامها سرجين (2) ، فلا يغرنك من الدنيا طرفها ومطارفها ، ولا يعجبنك تليدها وطارفها (3) ، إنما هي ضوء الحباحب (4) ، عند الحلب .

--------------------------------
(1) في ب : الاسنان التي تبدو عند الضحك .
(2) أي : زبل ، مجمع البحرين 6 : 264 سرجن .
(3) في أ : أي التلاد ، والتالد والتاليد : المال القديم ، والطارف ضد القديم وهو : المال المكتسب .
(4) في ب : الحباحب اسم رجل بخيل لا يوقد إلا نارا ضيعفة مخافة الضيفان ، فضربوا بها المثل حتى قالوا .

محاسبة النفس _ 92 _

  وطيف الجنائب . يا نفس : كوني من المصلين ولا تكوني من المضلين ، وكوني من المناجين تكوني في الناجين ، والزمي اليقين تكوني من المتقين ، واتركي دنياك فإنها انتن من جيفة المزابل ، واخرجي منها فإنها أضيق من كفة الحابل ، فالقيها فإنها حليلة آبائك ، وضايقيها فإنها ضجيعة أبنائك ، واغتنمي فودك (1) الفاحم قبل أن يبيض ، فإنما الدنيا جدار يريد أن ينقض ، وإياك ومضاجعة هذه العجوز الشوهاء (2) ، وحذار من هذه الحية الفوهاء (3) ، ولا يغرنك قطفها النضيج ، ونورها البهيج ، فهو غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج .
  يا نفس : لا تفخري على أهل الحسب ، لشرف النسب ، فالشرف البالغ نباهة النبيه ، والمجبوب (4) من يفتخر بذكر أبيه ، فما يخفض المرء جمول الاسلاف ، إنما الحصرم جد السلاف ، والانجاد قد تلد الاوغاد ، والنار تعقب الرماد ، والارض كما تنبت الحبات ، تولد الحيات ، والمرء بفضيلته لا بفصيلته ، والانسان بسيرته نار الحباحب لما تقدحه الخيل بحوافرها ، ومثله في (أ) .

--------------------------------
(1) فود الرأس : جانجاه ، مجمع البحرين 3 : 122 فود .
(2) أي قبيحة المنظر ، مجمع البحرين 6 : 351 شوه .
(3) أي : الواسعة الفم ، العين 4 : 95 فوه .
(4) أي المقطوع ، مجمع البحرين 2 : 21 جبب .

محاسبة النفس _ 93 _

  لا بعشيرته ، وذو الهمة العالية ، لا يغتر بالرمة البالية ، وأكرم الناس حملا وفصالا أشرفهم خصالا ، وأطيبهم طينا ، وأخلصهم دينا ، وهل يضر النضار كونه من صلب الصخور ؟ وهل يصلح التمساح نشؤه في حجور البحور ؟ وأبو البغلة الهملاج (1) حمار بليد ، وأصل السلسل الرجراج صخرة جليد ، ولو نجى بعلو النسب ذو روح ، لعصم ابن نوح بنوح .
  يا نفس : كم لله من عبد لا يعرف ربا سواه ، ولا يتخذ إلهه هواه ، وجهه وضي ، وفعله رضي (2) ، وقلبه سماوي ، وجسمه أرضي ، في الوجد سكران ملطخ ، وفي الخوف عصفور نصب له فخ (3) ، لا يذوق في العشق نومة نائم ، ولا يخاف لومة لائم (4) ، لا يسترزق لئام الناس ، ويقنع بالخبز اليباس ، إذا أثرى جعل موجوده معدوما ، وإن أقوى حسب قفاره (5) مأدوما ، ثوب بال ، وجوف خال ، ومجد عال ، يرى ربوة الحق فيرتقيها ، ويرمق هوة الباطل فيتقيها ، لا يدعوه القوم (6) إلى أكل الجيف ، ولا يبلغه النهم (7) إلى حد السرف ، يأكل ليقوى على الاجتهاد وينام ليصبر على السهاد (8) ، ينظر إلى طعامه من أين حصل ، وكيف وصل ،

--------------------------------
(1) بالكسر وسكون الميم : ما يمشي الهملجة ، وهو في شبيه الهرولة ، مجمع البحرين 2 : 337 هملج .
(2) في أ : مرضي .
(3) الفخ : المصيدة التي يصاد بها ، اللسان 3 : 41 فخخ .
(4) في أ : يخاف في الصدق لومة لائم .
(5) القفار بالفتح : الخبز بلا ادم ، يقال : أكل خبزه قفارا ، مجمع البحرين 3 : 463 قفر .
(6) القرم بالتحريك : شدة شهوة اللحم حتى لا يصبر عنه ، مجمع البحرين 6 : 137 قرم .
(7) النهامة : إفراط الشهوة في الطعام وأن لا تمتلئ عين الاكل ولا تشبع ، اللسان 12 : 593 نهم .
(8) أي الارق ، اللسان 3 : 224 سهد .

محاسبة النفس _ 94 _

  ومن حصده وزرعه ، ومن داسه ورفعه ، ومن الكيال والطحان ، ومن الخباز والعجان ؟ فلا يزال يفحص حتى يخلص إبريزه (1) على نار السبك (2) ، ويكمل عياره على المحك ، ويشذب (3) تخيله عن شوك الشك ، فهكذا خشية الاتقياء يجفلون (4) كما النعام ، ولا يأكلون كما تأكل الانعام .
  يا نفس : أراك على شرف الحمام ، واجدك على طرف الثمام (5) ، قد انحنت قامتك ، ودنت قيامتك ، ولم يبق من عمرك إلا ساعة زمنية ، وما بعد المشيب إلا بلية أو منية ، فتأهبي للعرض يوم القيامة ، وتوضأي للفرض قبل الاقامة ، وأكثري حزنا على نفس ضيعته ، وشيطان أطعته ، وهوى تبعته ، ودين بعته ، وما أخالك (6) إلا كزنجي زنى وسرق ، وعصى وأبق ، فيرد إلى سيده مكتوفا ، ومثل بين يديه موقوفا ، يهوى الخلاص وأنى له الخلاص ، ويرجو النجاة (ولات حين مناص) (7) ، فهو كمريض لا يرجى برؤه ، أو محيض لا يرقى (8) قرؤه ، أو غريق نبذه الملاح ، فأخذه التمساح ، أو هائم خلفه الخريت (9) ، واستهوته

--------------------------------
(1) الابريز : الذهب الخالص من الكدورات ، مجمع البحرين 4 : 8 برز .
(2) قال الطريحي في المجمع 5 : 269 سبك : وسبكت الفضة وغيرها أسبكها سبكا ، من باب قتل : أذبتها .
(3) أي : يقطع ، اللسان 1 : 486 شذب .
(4) أي يجهدون أنفسهم ويتعبونها ، مجمع البحرين 5 : 339 جفل .
(5) قال ابن منظور في اللسان 12 : 80 ثمم : والعرب تقول للشئ الذي لا يعسر تناوله : هو على طرف الثمم .
(6) أي : وما أظنك ، مجمع البحرين 5 : 368 خيل .
(7) سورة ص 38 : 3 ، والمناص : الملجأ ، المفردات : 509 نوص .
(8) أي : لا ينقطع ، مجمع البحرين 1 : 194 رقا .
(9) في ب : الدليل الحاذق . (*)

محاسبة النفس _ 95 _

  العفاريت .
  يا نفس : كم من غافل يبيت على فراش الامن وسنان (1) ، والموت يحرق عليه الاسنان ، يا ويله يركض بالنهار خيله ، ويطوي على الغفلة ليله ، وهو كالقطرب (2) في المطاف والمطار ، جيفة بالليل بطال بالنهار ، يعيش ساخطا (3) ، ويموت قانطا ، ذلك دأبه وديدنه ، حتى يفترق روحه وبدنه ، وسيفجاه من ألد (4) ما لا يود ، يوم تبيض وجوه وتسود .

--------------------------------
(1) أي : نائما نومة خفيفة ، اللسان 13 : 449 وسن .
(2) في أ : القطرب : دويبة لا تستريح نهارها سعيا ، وفي الحديث : لا يلفين أحدكم قطرب نهار جيفة ليل ، يعني : لا ينام أحدكم الليل كله ثم يكون بالنهار كأنه قطرب ، لكثرة طوفانه وجولانه في أمر دنياه ، فإذا أمسى يكون كالا تعبا فينام ليله كله حتى يصبح كالجيفة لا يتحرك ، وقيل : القطرب صغار الكلاب ، وقيل : ذكر الفيلان ، وقيل : حيوان بأرض الصعيد يظهر للمنفرد من الناس ، فربما صده عن نفسه إذا كان شجاعا ، وإلا لم ينته عنه حتى ينكحه ، فإذا رأوه الناس قالوا : إما منكوح وإما مروع ، فإن كان منكوحا يئسوا منه وإن كان مروعا عالجوه ، وقيل : القطرب صغار الجن ، وقيل : الذيب وقيل : الفار الانقط ، هذا ذكر في كتاب نهاية الارب .
(3) في أ : شاخصا .
(4) أي : أشد ، مجمع البحرين 3 : 141 لدد .

محاسبة النفس _ 96 _

  يا نفس : مرض القلوب من أشد الامراض ، وعلاجه من أصح الاغراض ، فيامن مرض فؤاده ، ومل عواده ، وتراجع الطبيب في الحمى ، وأين الطبيب من الاجل المسمى ، وأي حكيم لم تصرعه المنون ، ثم لم ينفعه القانون ؟ وأي طبيب لم تفده الغب (1) ، ثم لم ينفعه الطب ؟ فعلام ترفعي إلى الحكيم شأنك ، وتدلعي لسانك ، فتنهي سرك إلى الطبيب ، وتشتكي إلى العدو من الحبيب ؟ والله لا ينعشك إلا من صرعك ، كما لا يحصدك إلا من زرعك ، إن كنت وصفت له علة لم يشفها ، وإن عرضت عليه كربة لم يقدر على كشفها .
  يا نفس : إياك أن تكوني ممن إذا ذكر بالآخرة قبع قبوع (2) الوسنان في جيب الكسل ، وإن ظفر بالحلوة الخضرة وقع وقوع الذباب على ظرف العسل ، وهذه علامات المنافقين لهم في المعاصي وثبات ، وفي الطاعات سكون وثبات ، وفي الطمع حركات قمرية ، وفي الورع سكنات زحلية ، إذا قلت : حي على الشهوات طاروا إليها خفافا وثقالا ، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى .

--------------------------------
(1) قال الخليل في العين 4 : 35 غب : ويقال : ما يغبهم لطفي ولهذا العطر مغبة طيبة أي : عافية .
(2) في ب : قبع قبوعا : إذا أدخل رأسه في قميصه .

محاسبة النفس _ 97 _

  يا نفس : اعمري (1) دنياك بقدر محياك ، ودبري أمر عقباك التي هي مأواك بقدر مثواك ، فما الدنيا إلا دار غرور ، وجسر مرور ، فما أسخر من خيم على الجسر فلا يجوز ، وما درى أن القعود على طرقات المارة لا يجوز ، المخدوع من وضع لبنة على لبنة ، والمخذول من ادخر تبنة على تبنة ، وبال المرء مال أعد ، أو درهم عدد ، وشقاء الغافل بيت يبنيه ، ويعمره لبنيه ، فاحملي من الدنيا زاد الضرورة ، واحرمي إلى الآخرة إحرام الصرورة .
  واعلمي : أن الدنيا بئر هاروت ، أو نهر طالوت ، وأن الله مبتلي الخلق به فمن تبرض (2) ولم يصب ريا ، شرب مريا ، ومن ارتوى ، أشرف على التوى (3) ، إلا من نضح نفاضة على كبده ، أو اغترف غرفة بيده . يا نفس : (4) القطيعة شيمة الشرس (5) ، والغمر الذي لم يجرب الامور (6) ، وصلة

--------------------------------
(1) في أ : عمري .
(2) في أ : التبرض : التبلغ بالقليل من العيش ، والبرض والبراض بالضم القليل ، قاله الجوهري . الصحاح 3 : 1066 برض .
(3) أي الهلاك ، مجمع البحرين 1 : 71 توا .
(4) من هنا إلى قوله : يا نفس ما أراك تتوانين عن النظر لنفسك ... لم يرد في ب ، فالاعتماد يكون على نسخة أ .
(5) في أ : الرجل السئ الخلق ، وهو أيضا : العسر الشديد الخلاف ، وشارس القوم : تعادوا .
(6) في أ ورد بمد لفظ الامور : العمر ، ولم نثبته لعدم اقتضاء السياق له .

محاسبة النفس _ 98 _

  الرحم تزيد في العمر ، وأصدق الصداقة طلاقة البشر الراشح ، وأفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح (1) ، وخدش القطيعة فوق الارش ، والرحم معلقة بالعرش ، من طلب الخلد وشهبه (2) ، وخاف السعير وحميمه ، فليواصل حميمه ، ان نسيب المرء قفار ظهره ، وفقرة نهره ، وبؤام جوزاته ، وجزء من أجزائه ، وخوط من دوحته (3) ، وبخور من فوحته ، وضلع من أضالعه ، واصبع من أصابعه ، وجانحة من جوانحه (4) ، وجارحة من جوارحه ، وزند من ذراعه فليراعه ، وبضعة من لحمه فليحمه ، ومن بؤم الطبيعة اجتباب القطيعة ، وأعظم الجريرة سوء العشيرة ، وإحراز الفضيلة في إعزاز الفصيلة ، والانسان كثير بعشائره ، والحرم شريف بمشاعره ، ظهره ببطنه يقوى ، وفخذه ... (5) يبقى ، وذكره بحبه يحيى .
  يا نفس : ابيض فودك وفؤادك فاحم ، وباخت (6) نارك وحرصك جاحم (7) ، كيف

--------------------------------
(1) في أ : في الحديث : أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح ، وهو : العدو الذي يضمر عداوته في كشحه ، والكشح : ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف .
(2) كذا في (أ) .
(3) أي : غصن من شجرته ، اللسان 7 : 297 خوط ، و 2 : 426 دوح .
(4) في أ : الجوانح الاضلاع تحت الترائب مما يلي الصدور ، وفصيلة الرجل : رهطه الادنون ، قاله الجوهري ، وقال العزيزي : الشعوب أعظم من القبائل ، ثم العمائر ، ثم البطون واحدها بطن ، ثم الافخاذ واحدها فخذ ، ثم الفصائل ، ثم العشائر وليس تعد العشائر حي بوصف .
(5) وردت كلمة غير مقروءة في أ .
(6) أي سكنت وفترت ، اللسان 3 : 9 بوخ .
(7) في أ : الجاحم المكان الشديد الحر .

محاسبة النفس _ 99 _

  النجا وقد نشبت (1) نشب الغزال في الحبالة وتنكست (2) أحوالك ؟ (3) أما علمت أنك للموت تنكست ، وللنزع تقوست ؟ وقد هاج بقلك ، وماج (4) عقلك ، ونعر فيك ألف التأليف ، ولم يرفع عنك قلم التكليف ، ونهزت حد الثمانين ، وما بلغت محور المجانين ، أما يرعك موت الشبان لم ، قبل الا بان (5) ، ودفن الاحداث ، تحت الاجداث ، أما يرعك تقديم أعمامك أمامك ، وجعل أسباطك أفراطك ، فكم لك في الرمس متزعزع يافع (6) ، وكم لك بالامس من فرط شافع ، وأنت لا تزدادين بذلك إلا ضلالة وقسوة ، وجهالة وصبوة .
  يا نفس : ما أراك تتوانين عن النظر لنفسك ، والتمهيد لرمسك (7) إلا لكفر خفي أو لحمق جلي ، فأما الكفر الخفي فهو ضعف إيمانك بيوم الحساب ، وقلة معرفتك بعظيم قدر الثواب والعقاب ، وأما الحمق الجلي فاعتمادك على عفوه تعالى وستره ، من غير التفات إلى معاجلته ومكره ، فلا تضيعي أوقاتك ، ولا
--------------------------------
(1) في أ : أي وقع ، والنشوب : العلوق في الشئ .
(2) في أ : أي : تبدلت .
(3) في أ : وقوله (ومن نعمره ننكسه) 36 : 68 ، من أطلنا عمره نكسنا خلقه ، وفيها أيضا : فصار بدل القوة الضعف وبدل الشباب الهرم ، وإلى البقاء وقد شبت ، ولم نثبته في المتن لانتفاء ، السجع بين الكلمات ، ولا حتمال أن يكون شرحا .
(4) أي : اضطرب وتحير ، اللسان 2 : 370 موج .
(5) أي : قبل الحين والوقت ، مجمع البحرين 6 : 197 أبن .
(6) في أ : تزعزع الصبي : إذا نشأ وطال ، واليافع : الذي قد قارب الاحتلام ، والفرط : المتقدم ، وفرطتهم أي : سبقتهم .
(7) أي : لقبرك ، مجمع البحرين 4 : 76 رمس .

محاسبة النفس _ 100 _

  تأسي عن ما فاتك .
  شعر :
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه      فما فاته منها فليس بضائر (1)
  فأنفاسك معدودة ، وأوقاتك محدودة ، فإذا مضى منك نفس فقد ذهب بعضك ، ومارت (2) سماؤك ورخت (3) أرضك .
  شعر :
ويح  ابن  آدم كيف يذهب iiعقله      أو     يستلذ     بليله    iiونهاره
يمسي  وقد  أمن  الحوادث iiبغتة      ولربما   طرقته   في   iiأسحاره
يضحي وكف الموت في iiأطرافه      كالكبش  يلعب  في  يدي جزاره
من ليس يدري كيف تصبح داره      من   بعده  فلينظرن  في  iiجاره
  يا نفس : اقلعي عن فعلك ، وانزعي عن جهلك ، واغتنمي صحتك قبل سقمك ، وشبابك قبل هرمك .

--------------------------------
(1) في ب : بضار .
(2) المور : الجريان السريع ، المفرادت : 478 مور .
(3) في ج : ورجت .