ثانيا : محاسبة النفس كل يوم وليلة ، بل كل آن ولحظة ، لان النفس أمارة بالسوء تتبع الهوى بل تتخذه إلها ، فبالمحاسبة ينجو الغارق ويتدارك المفرط عثراته محاسبة النفس ![]() وعن أبي حمزة الثمالي ـ رضوان الله عليه ـ أنه قال : كان علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يقول : ابن آدم ، إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة لها من همك ، وما كان الخوف لك شعارا والحزن لك دثارا ، إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزوجل ، فأعد جوابا (1) . وعن علي عليه السلام أنه قال : النفس مجبولة على سوء الادب ، والعبد مأمور بملازمة حسن الادب ، والنفس تجري بطبعها في ميدان المخالفة ، والعبد يجهد بردها عن سوء المطالبة ، فمتى أطلق عنانها فهو شريك في فسادها ، ومن أعان نفسه في هوى نفسه فقد أشرك نفسه في قتل نفسه (2) . وروي أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل اسمه مجاشع . فقال : يا رسول كيف الطريق إلى معرفة الحق ؟ فقال عليه السلام : معرفة النفس . فقال : يا رسول الله كيف الطريق إلى موافقة الحق ؟ قال : سخط النفس . فقال : يا رسول الله فكيف الطريق إلى وصل الحق ؟ قال : هجر النفس . فقال : يا رسول الله فكيف الطريق إلى طاعة الحق ؟ قال : عصيان النفس . فقال : يا رسول الله فكيف الطريق إلى ذكر الحق ؟ قال : نسيان النفس . -------------------------------- (1) أمالي المفيد : 110 . (2) مشكاة الانوار : 247 . محاسبة النفس ![]() حقنا أو رجا الثواب بنا ورضي بقوته نصف مد في كل يوم وما يستر عورته وما أكن به رأسه ، وهم مع ذلك والله خائفون وجلون ، ودوا أنه حظهم من الدنيا ، وكذلك وصفهم الله عزوجل حيث يقول : (والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة) (1) ما الذي أتوا ؟ أتوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية ، وهم في ذلك خائفون أن لا يقبل منهم ، وليس والله خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين ، ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا ... (2) . فتبين لنا من هذه الاحاديث أهمية المحاسبة لمن يريد الوصول إلى كمال الانسانية والعرفان الحقيقي والروح الصافية ، وعدم إمكان الاستغناء عنها . لكن يختلج في الذهن سؤال لطيف ، وهو : كيف نحاسب أنفسنا ؟ روي عن أبي عبد الله عليه السلام في وصيته لابن جندب ـ رضوان الله تعالى عليه ـ : ... يا ابن جندب حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه ، فيكون محاسب نفسه ، فإن رأى حسنة استزاد منها ، وإن رأى سيئة استغفر منها ، لئلا يخزى يوم القيامة (3) . وروي عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : أكيس الكيسين من حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت . فقال رجل : يا أمير المؤمنين كيف يجاسب نفسه ؟ قال : إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقال : يا نفسي إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا ، والله يسألك عنه : بما أفنيته ؟ فها الذي عملت فيه ؟ أذكرت الله أم حمدته ؟ أقضيت حوائج مؤمن فيه ؟ أنفست عنه كربة ؟ أحفظته بظهر الغيب في أهله وولده ؟ أحفظته بعد الموت في -------------------------------- (1) المؤمنون 23 : 60 . (2) الكافي 8 : 128 حديث 98 . (3) تحف العقول : 301 . محاسبة النفس ![]() فإذا كان هذا حال الامام عليه السلام في حزنه على ما يرد على الشيعة في غيبته ، فبالحري للمؤمن المبتلى بتلك الهلكة أن يطول حزنه ولا ينام في ليلته ، ويتأسف دائما في غيبة إمامه ، ويتحسر لفراقه في آناء ليله وأطراف أيامه ، ويناجي ربه تارة ويقو ل : ... ويخاطب نفسه مرة ويقول : ويحك يا نفس ، إن كنت قد حرمت عن النظرة إلى تلك الطلعة الرشيدة ، والغرة الحميدة ، ومنعت عن الاقتباس من أنوار علومه الالهية ، وحكمته المحمدية ، بمرأى من الناس ومسمع منهم ، ومحضر من الخلق ومشهد لهم ، لمصالح وحكم تدور مقصر الكمين ، وهو يبكي بكاء الوالهة الثكلى ذات الكبد الحرى ، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغيير في عارضيه وأبلى الدموع محجريه ، وهو يقول : سيدي ، غيبتك نفت رقادي ، وضيقت علي مهادي ، وابتزت مني راحة فؤادي . سيدي ، غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الابد ، وفقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع والعدد ، فما أحس بدمعة ترقى من عيني . وأنين يفتر من صدري ، عن دوارج الرزايا ، وسوالف البلايا ، إلا ما مثل بعيني من غوابر أعظمها وأفظمها ، وبواقي اشدها وانكرها ، ونوائب مخلوطة بغضبك ، ونوازل معجونة بسخطك . قال سدير : فاستطارت عقولنا ولها ، وتصدعت قلوبنا جزعا ، من ذلك الخطب الهائل ، والحادث الغائل ، وظننا أنه سمت لمكروهة قازعة ، أو حلت به من الدهر بائقة ، فقلنا : لا أبكى الله يا ابن الورى عينيك ، من أية حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك ؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم ؟ قال : فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتد عنها خوفه ، وقال : ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم . وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا ، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، الذي خص الله به محمدا والائمة من بعده عليهم السلام . وتأملت فيه مولد قائمنا ، وغيبته ، وابطاءه ، وطول عمره ، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان ، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته ، وارتداد أكثرهم عن دينهم وخلعهم ربقة الاسلام عن أعناقهم التي قال الله : (وكل إنسان ألزمناه طائرة في عنقه) ـ يعني الولاية ـ فأخذتني الرقة ، واستولت علي الاحزان ... كمال الدين : 352 ـ 354 . محاسبة النفس ![]() ترجمة المؤلف : الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل ، الكفعمي مولدا ، اللويزي محتدا ، الجبعي أبا (1) . أحد أعيان القرن التاسع ، الجامعين بين العلم والادب ، والكمال والعرفان ، والزهد والعبادة ، ويحكى في كثرة عبادته : أنه كان يقوم بجميع العبادات المذكورة في مصباحه ، وتقوم زوجته بما لا يتسع له وقته منها . مشايخ إجازته الذين يروي عنهم : يروي الشيخ الكفعمي عن : والده الشيخ زين الدين علي بن الحسن ، وكان من أعاظم الفقهاء والورعين ، وقد ينقل عنه في كتابيه الكبيرين ، معبرا عنه : بالفقيه الاعظم الاورع . أخيه الشيخ شمس الدين محمد صاحب كتاب زبدة البيان في عمل شهر رمضان . السيد الشريف الفاضل حسين بن مساعد الحسيني الحائري صاحب كتاب -------------------------------- (1) الكفعي : نسبة إلى كفر عيما ، قرية من ناحية الشقيف في جبل عامل قرب جبشيت ، واقعة في سفح الجبل مشرفة على البحر ، واللويزي : نسبة إلى اللويزة ، قرية في جبل عامل ، ويقال : اللويزاوي أيضا من باب زيادات النسب ، والجبعي نسبة إلى جبع ، ويقال : جباع بالمد ، وهي قرية على رأس جبل عامل ، ويقال أيضا : الجباعي من باب زيادات النسب . محاسبة النفس ![]() بين زماني الشهيدين رحمهما الله ، ووصفه في فهرست الوسائل بالورع ، وعدالته لا تكاد تحتاج إلى بيان ، تنقيح المقال 1 : 27 . السيد الامين : وكان واسع الاطلاع طويل الباع في الادب سريع البديهة في الشعر والنثر كما يظهر من مصنفاته خصوما من شرح بديعيته ، حسن الخط . أعيان الشيعة 2 : 185 . السيد الصدر : هو العالم الكامل المعروف بالكفعمي ، تكملة الامل : 76 . العلامة الاميني : أحد أعيان القرن التاسع الجامعين بين العلم والادب الناشرين لالوية الحديث والمستخرجين كنوز الفوائد والنوادر ، وقد استفاد الناس بمؤلفاته الجمة وأحاديثه المخرجة وفضله الكثير ، كل ذلك مشفوع منه بورع موصوف وتقوى في ذات الله إلى ملكات فاضلة ونفسيات كريمة ، حلى جيد زمنه بقلائدها الذهبية ، وزين معصمه بأسورتها ، وجلل هيكله بأبرادها القشيبة ، وقبل ذلك كله نسبه الزاهي بأنوار الولاية المنتهي إلى التابعي العظيم الحارث بن عبد الله الاعور الهمداني ، ذلك العلوي المذهب ، العلي شأنه ، الجلي برهانه ، الذي هو من فقهاء الشيعة ... الغدير 11 : 213 ، المقري : وما رأيت مثله في سعة الحفظ . أعيان الشيعة 2 : 185 ، نقلا عن نفح الطيب 4 : 397 ، الزركلي : أديب من فضلاء الامامية ... له نظم ونثر ، الاعلام 1 : 53 . كحالة : مفسر محدث فقيه أديب وشاعر ، معجم المؤلفين 1 : 65 = محاسبة النفس ![]()
وما استظهره العلامة الطهراني من القرائن في الذريعة 3 : 73 و 143 : من أنه ولد سنة 828 ، فلا يخلو من بعد . وذكر الحاج خليفة في كشف الظنون 2 : 1982 : أنه توفي سنة 905 ، وكذا ذكره العلامة الطهراني في الذريعة 7 : 115 و 3 : 73 و 143 ، تبعا لصاحب كشف الظنون ، وفي الاعيان 2 : 184 : وفي الطليعة أنه توفي في سنة 900 . وعلى كل حال فالقدر المتيقن أنه ولد أوائل القرن التاسع في قرية كفر عيما . وأقام الشيخ الكفعمي مدة في كربلاء المقدسة ، وعمل لنفسه في كربلاء أزجا لدفنه بأرض الحسين عليه السلام التي تسمى عقيرا ، فأنشد ـ وهو وصية منه إلى أهله وإخوانه ـ في ذلك :
محاسبة النفس ![]() فوجدوه قبر الكفعمي وعمروه ، وقد سرى تصديق هذه القصة إلى بعض مشاهير علماء العراق ، والحقيقة ما ذكرناه ، ويمكن أن يكون الحارث الذي عثر على القبر زاد هذه الزيادة من نفسه فصدقوه عليها ، انتهى . وحكمه هذا ـ أي : عدم صحة الواقعة ، وإمكان أن يكون الحارث زاد هذه الزيادة من نفسه ـ في غير محله ، إذ لا استبعاد من وقوع مثل هذه الواقعة ، بالاخص من الشيخ الكفعمي شيخ العارفين ، فهل يستبعد العقل أن يجعل الله هذه الكرامة للشيخ الكفعمي ليبين فضله للناس ؟ وما حاجة الحارث إلى اختلاق هذه القصة ؟ ! آثاره : قال المولى الافندي في الرياض 1 : 21 : ثم له ـ عفا الله عنه ـ يد طولى في أنواع العلوم سيما العربية والادب ، جامع حافل كثير التتبع في الكتب ، وكان عنده كتب كثيرة جدا ، وأكثرها من الكتب الغريبة اللطيفة المعتبرة ، وسماعي أنه قدس سره ورد المشهد الغروي وأقام به وطالع في كتب خزانة الحضرة الغروية ، ومن تلك الكتب ألف كتبه الكثيرة في أنواع العلوم المشتملة على غرائب الاخبار ، وبذلك صرح في بعض مجاميعه التي رأيتها بخطه ، انتهى . فمن مؤلفاته : 1 ـ البلد الامين والدرع الحصين ، كتاب كبير أكبر من المصباح ألفه قبله ، ينقل منه العلامة المجلسي في البحار ، وضمنه ـ مضافا إلى الادعية والعوذ والاحراز والزيارات والسنن والآداب وغيرها ـ أدعية الصحيفة السجادية ، وألحق به عدة رسائل منها : محاسبة النفس ، والمقام الاسنى . 2 ـ تاريخ وفيات العلماء . 3 ـ تعليقات على كشف الغمة . 4 ـ التلخيص في مسائل العويص ، ومسائل العويص للشيخ المفيد . محاسبة النفس ![]() الدين الحلي ، المتوفى سنة 750 . 16 ـ الفوائد الطريفة ـ الشريفة ـ في شرح الصحيفة . 17 ـ قراضة النضير في التفسير ، ملخص من مجمع البيان للطبرسي . 18 ـ الكوكب الدري ، وقيل : الكواكب الدرية . 19 ـ اللفظ الوجيز في قراءة الكتاب العزيز . 20 ـ لمع البرق في معرفة الفرق ، وهو نفس فروق اللغة ، كتاب جليل في موضوعه يدل على تبحر مصنفه في علم اللغة . 21 ـ مجموع الغرائب وموضوع الرغائب ، على نمط الكشكول ، قال في آخره : جمعته من كتابنا الكبير الذي ليس له نظير ، جمعته من ألف مصنف ومؤلف . 22 ـ محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة ، وهو هذا الكتاب الماثل بين يديك . 23 ـ مشكاة الانوار ، وهو غير مشكاة الانوار لسبط الشيخ الطبرسي . 24 ـ المقام الاسنى في تفسير الاسماء الحسنى ، ألحقه المصنف بالبلد الامين والمصباح . 25 ـ ملحقات الدروع الواقية . 26 ـ المنتقى في العوذ والرقى . 27 ـ النخبة . 28 ـ نهاية رب ـ الادب ـ في أمثال العرب ، كبير في مجلدين لم ير مثله في معناه . 29 ـ نور حدقة البديع ونور حديقة الربيع ، في شرح بديعيته المشهورة . قال المولى الافندي في الرياض 1 : 22 : وله مجموعة كبيرة كثيرة الفوائد ، مشتملة على مؤلفات عديدة ، رأيتها بخطه في بلدة إيروان من بلاد آذربايجان ، وكان تاريخ إتمام كتابة بعضها سنة 848 لخمس بقين من شهر رمضان ، وتاريخ بعضها سنة 849 ، وتاريخ بعضها سنة 852 ، وكان فيها عدة كتب من مؤلفاته أيضا ، منها : ![]() |