الآتية التي يحصل فيها السكنى ، فعليه خمس تلك الأعيان ، نعم إذا كان المتعارف لمثله تحصيل الدار تدريجاً على النحو المتقدم بحيث يعد تحصيل ما اشتراه في كل سنة من مؤنته فيها لكون تركه منافياً لما يقتضيه شأنه فيها فالظاهر عدم ثبوت الخمس .
مسألة (1229) : إذا آجر نفسه سنين كانت الأجرة الواقعة بإزاء عمله في سنة الإجارة من أرباحها ، و ما يقع بإزاء العمل في السنين الآتية من أرباح تلك السنين ، و أما إذا باع ثمرة بستانه سنين كان الثمن بتمامه من أرباح سنة البيع ، و وجب فيه الخمس بعد المؤونة ، و بعد استثناء ما يجبر به النقص الوارد على البستان ، من جهة كونه مسلوب المنفعة في المدة الباقية بعد انتهاء السنة ، مثلاً : إذا كان له بستان يسوي ألف دينار ، فباع ثمرته عشر سنين بأربعمائة دينار ، و صرف منها في مؤونته مائة دينار فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثمائة دينار لم يجب الخمس في تمامه ، بل لابد من استثناء مقدار يجبر به النقص الوارد على البستان ، من جهة كونه مسلوب المنفعة تسع سنين ، فإذا فرضنا أنه لا يسوي كذلك بأزيد من ثمانمائة دينار لم يجب الخمس إلا في مائة دينار فقط ، و بذلك يظهر الحال فيما إذا آجر داره ـ مثلاً ـ سنين متعددة .
مسألة (1230) : إذا دفع من السهمين أو أحدهما ، ثم بعد تمام الحول حسب موجوداته ليخرج خمسها ، فإن كان ما دفعه من أرباح هذه السنة استثنى منها اربعة اضعاف ما دفعه في اثناء الحول وخمس الباقي وان كان ما دفعه من مال مخمس او مما لم يتعلق به الخمس استنثى من ارباحها خمسة اضعاف ما دفعه اثناء الحول واخرج خمس الباقي.
مسألة (1231) : أداء الدين من المؤونة سواء أ كان حدوثه في سنة الربح أم فيما قبلها ، تمكن من أدائه قبل ذلك أم لا ـ إلا فيما سيأتي ـ نعم إذا لم
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 402 ـ
يؤد دينه إلى أن انقضت السنة وجب الخمس ، من دون استثناء مقدار وفاء الدين إلا أن يكون الدين لمؤونة السنة فإن استثناء مقداره من ربحه لا يخلو من وجه ، و لا يحسب ـ حينئذ ـ أداؤه في العام اللاحق من مؤونة ذلك العام ، و لا فرق فيما ذكرنا بين كون سبب الدين أمراً اختيارياً كالاقتراض و الشراء بثمن في الذمة أو قهرياً كأروش الجنايات و قيم المتلفات و نفقة الزوجة الدائمة ، كما لا فرق فيه بين كونه من قبيل حقوق الناس ـ كالأمثلة المتقدمة ـ أو من الحقوق الشرعية كما إذا انتقل الخمس أو الزكاة إلى ذمته ، و تلحق بالدين فيما تقدم الواجبات المالية كالنذور و الكفارات ، ففي جميع ذلك إن أداه من الربح في سنة الربح لم يجب الخمس فيه و إن كان حدوثه في السنة السابقة و إلا وجب الخمس ـ على التفصيل المتقدم ـ و إن كان عاصياً بعدم أدائه .
مسألة (1232) : إذا اشترى ما ليس من المؤونة بالذمة ، أو استدان شيئاً لإضافته إلى رأس ماله و نحو ذلك ، مما يكون بدل دينه موجوداً ، و لم يكن من المؤونة جاز له أداء دينه من أرباح السنة اللاحقة ، نعم يعد البدل حينئذ من أرباح هذه السنة فيجب تخميسه بعد انقضائها إذا كان زائداً على مؤونتها ، و لو فرض اعداده للتجارة في السنة السابقة وارتفاع قيمته في السنة السابقة بحيث زادت على قيمة الدين كان الزائد من أرباح تلك السنة لا هذه .
مسألة (1233) : إذا اتجر برأس ماله ـ مراراً متعددة في السنة ـ فخسر في بعض تلك المعاملات في وقت ، و ربح في آخر ، يجبر الخسران بالربح ، و إن كان الربح بعد الخسران على الأقوى ، فإن تساوى الخسران و الربح فلا خمس ، و إن زاد الربح وجب الخمس في الزيادة ، و إن زاد الخسران على الربح فلا خمس عليه و صار رأس ماله في السنة اللاحقة أقل مما كان في السنة السابقة . و كذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس المال ، أو صرفه في
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 403 ـ
نفقاته ، كما هو الغالب في أهل مخازن التجارة فإنهم يصرفون من الدخل قبل أن يظهر الربح ، و ربما يظهر الربح في أواخر السنة فيجبر التلف بالربح أيضاً بل إذا أنفق من ماله غير مال التجارة قبل حصول الربح كما يتفق كثيراً لأهل الزراعة فإنهم ينفقون لمؤونتهم من أموالهم قبل حصول النتاج جاز له أن يجبر ذلك من نتائج الزرع عند حصوله ، و ليس عليه خمس ما يساوي المؤن التي صرفها ، و إنما عليه خمس الزائد لا غير ، و كذلك حال أهل المواشي ، فإنه إذا خمس موجوداته في آخر السنة و في السنة الثانية باع بعضها لمؤونته ، أو مات بعضها أو سرق فإنه يجبر جميع ذلك بالنتاج الحاصل له في السنة الثانية ، ففي آخر السنة يجبر النقص الوارد على الأمهات بقيمة السخال المتولدة ، فإنه يضم السخال إلى أرباحه في تلك السنة ، من الصوف و السمن و اللبن و غير ذلك ، فيجبر النقص ، و يخمس ما زاد على الجبر ، فإذا لم يحصل الجبر إلا بقيمة جميع السخال ـ مع أرباحه الأخرى ـ لم يكن عليه خمس في تلك السنة .
مسألة (1234) : إذا وزع رأس ماله على تجارات متعددة كما إذا اشترى ببعضه حنطة و ببعضه سكراً فخسر في أحدهما و ربح في الآخر جاز جبر الخسارة بالربح على الأظهر ، نعم إذا تمايزت التجارات فيما يرتبط بشؤون التجارة من رأس المال و الحسابات و الأرباح و الخسائر و نحوها ففي جواز الجبر إشكال ، و الأحوط لزوماً عدم الجبر ، و كذا الحال فيما إذا كان له نوعان من التكسب كالتجارة و الزراعة فربح في أحدهما و خسر في الآخر ، فإنه لا تجبر الخسارة بالربح على الأحوط .
مسألة (1235) : إذا تلف بعض أمواله مما ليس من مال التكسب ، و لا من مؤونته ففي الجبر ـ حينئذ ـ إشكال ، و الأظهر عدم الجبر .
مسألة (1236) : إذا انهدمت دار سكناه ، أو تلف بعض أمواله ـ مما هو
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 404 ـ
مؤونته ـ كأثاث بيته أو لباسه أو سيارته التي يحتاج إليها و نحو ذلك ، ففي الجبر من الربح إشكال ، و الأظهر عدم الجبر ، نعم يجوز له تعمير داره و شراء مثل ما تلف من المؤن أثناء سنة الربح ، إذا احتاج إليه فيما بقي منها ، و يكون ذلك من الصرف في المؤونة المستثناة من الخمس .
مسألة (1237) : لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً ، فاستقاله البائع فأقاله ، لم يسقط الخمس إلا إذا كان من شأنه أن يقيله ـ كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا رد مثل الثمن ـ و حصلت الإقالة قبل انقضاء السنة .
مسألة (1238) : إذا أتلف المالك أو غيره المال ضمن المتلف الخمس و رجع عليه الحاكم ، و كذا الحكم إذا دفعه المالك إلى غيره وفاءً لدين أو هبة ، أو عوضاً لمعاملة ، فإنه ضامن للخمس ، و يرجع الحاكم عليه ، و لا يجوز الرجوع على من انتقل إليه المال إذا كان مؤمناً ، و إذا كان ربحه حباً فبذره فصار زرعاً وجب خمس الزرع لا خمس الحب ، و إذا كان بيضاً فصار دجاجاً وجب عليه خمس الدجاج لا خمس البيض ، و إذا كان ربحه أغصاناً فغرسها فصارت شجراً وجب عليه خمس الشجر ، لا خمس الغصن و هكذا .
مسألة (1239) : إذا حسب ربحه فدفع خمسه ثم انكشف أن ما دفعه كان أكثر مما وجب عليه لم يجز له احتساب الزائد مما يجب عليه في السنة التالية ، نعم يجوز له أن يرجع به على الفقير ، مع بقاء عينه ، و كذا مع تلفها إذا كان عالماً بالحال .
مسألة (1240) : إذا جاء رأس الحول ، و كان ناتج بعض الزرع حاصلاً دون بعض فما حصلت نتيجته يكون من ربح سنته ، و يخمس بعد إخراج المؤن ، و ما لم تحصل نتيجته يكون من أرباح السنة اللاحقة ، نعم إذا كان له قيمة حسب بما له من القيمة الفعلية من أرباح هذه السنة و بالنسبة إلى ما
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 405 ـ
سواه من أرباح السنة اللاحقة ، مثلاً في رأس السنة كان بعض الزرع له سنبل ، و بعضه قصيل لا سنبل له وجب إخراج خمس الجميع ، و إذا ظهر السنبل في السنة الثانية كان من أرباحها ، لا من أرباح السنة السابقة .
مسألة (1241) : إذا كان الغوص و إخراج المعدن مكسباً كفاه إخراج خمسهما ، و لا يجب عليه إخراج خمس آخر من باب أرباح المكاسب بعد إخراج مؤونة سنته إلا إذا ربح فيهما فيجب الخمس في الربح .
مسألة (1242) : المرأة التي تكتسب يجب عليها الخمس في جميع أرباحها إذا عال بها الزوج فلم تصرف شيئاً منها في مؤونتها و كذا يجب عليها الخمس إذا لم يعل بها الزوج و زادت فوائدها على مؤونتها ، بل و كذا الحكم إذا لم تكتسب ، و كانت لها فوائد من زوجها أو غيره ، فإنه يجب عليها في آخر السنة إخراج خمس الزائد كغيرها من الرجال ، و بالجملة يجب على كل مكلف أن يلاحظ ما زاد عنده في آخر السنة من أرباح مكاسبه و غيرها ، قليلاً كان أم كثيراً ، و يخرج خمسه ، كاسباً كان أم غير كاسب .
مسألة (1243) : الظاهر عدم اشتراط البلوغ و العقل في ثبوت الخمس في جميع ما يتعلق به الخمس من أرباح المكاسب و الكنز ، و الغوص ، و المعدن ، و الحلال المختلط بالحرام فيجب على الولي إخراجه من مال الصبي و المجنون ، و إن لم يخرج فيجب عليهما الإخراج بعد البلوغ و الإفاقة .
مسألة (1244) : إذا اشترى من أرباح سنته ما لم يكن من المؤونة ، فارتفعت قيمته كان اللازم إخراج خمسه عيناً أو قيمة فإن المال حينئذ بنفسه من الأرباح ، و أما إذا اشترى شيئاً بعد انتهاء سنته و وجوب الخمس في ثمنه ، فإن كانت المعاملة شخصية وجب تخميس ذلك المال أيضاً عيناً أو قيمة بعد تصحيحها بإجازة الحاكم الشرعي إذا لم يكن المنتقل إليه مؤمناً ، و أما إذا كان الشراء في الذمة ، كما هو الغالب ، و كان الوفاء به من الربح غير المخمس
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 406 ـ
فلا يجب عليه إلا دفع خمس الثمن الذي اشتراه به ، و لا يجب الخمس في ارتفاع قيمته إذا لم يكن معداً للتجارة ما لم يبعه ، و إذا علم أنه ادى الثمن من ربح لم يخمسه ، و لكنه شك في أنه كان أثناء السنة ليجب خمس نفسه المرتفع قيمته على الفرض أو كان بعد انتهائها لئلا يجب الخمس إلا في مقدار الثمن الذي اشتراه به فقط ، فالأحوط لزوماً المصالحة مع الحاكم الشرعي .
مسألة (1245) : إذا كان الشخص لا يحاسب نفسه مدة من السنين و قد ربح فيها و استفاد أموالاً ، و اشترى منها أعياناً و أثاثاً ، و عمر دياراً ثم التفت إلى ما يجب عليه من إخراج الخمس من هذه الفوائد فالواجب عليه إخراج الخمس من كل ما اشتراه أو عمره أو غرسه ، مما لم يكن معدوداً من المؤونة ، مثل الدار التي لم يتخذها دار سكنى و الأثاث الذي لا يحتاج إليه أمثاله ، و كذا الحيوان و الغرس و غيرها على تفصيل مر في المسألة السابقة ، أما ما يكون معدوداً من المؤونة مثل دار السكنى و الفراش و الأواني اللازمة له و نحوها ، فإن كان قد اشتراه من ربح السنة التي قد استعمله فيها لم يجب إخراج الخمس منه ، و إن كان قد اشتراه من ربح السنة السابقة ، بأن كان لم يربح في سنة الاستعمال أو كان ربحه لا يزيد على مصارفه اليومية وجب عليه إخراج خمسه ، على التفصيل المتقدم ، و إن كان ربحه يزيد على مصارفه اليومية ، لكن الزيادة أقل من الثمن الذي اشتراه به وجب عليه إخراج خمس مقدار التفاوت ، مثلاً إذا عمر دار سكناه بألف دينار و كان ربحه في سنة التعمير يزيد على مصارفه اليومية بمقدار مائتي دينار وجب إخراج خمس ثمانمائة دينار ، و كذا إذا اشترى أثاثاً بمائة دينار و استعمله في مؤونته ، و كان قد ربح زائداً على مصارفه اليومية عشرة دنانير في تلك السنة ، وجب تخميس تسعين ديناراً ، و إذا لم يعلم أن الأعيان التي اشتراها ، و استعملها في مؤونته
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 407 ـ
يساوي ثمنها ربحه في سنة الاستعمال أو أقل منه ، أو أنه لم يربح في تلك السنة زائداً على مصارفه اليومية فالأحوط لزوماً المصالحة مع الحاكم الشرعي ، و إذا علم أنه لم يربح في بعض السنين بمقدار مصارفه ، و أنه كان يصرف من أرباح سنته السابقة وجب إخراج خمس مصارفه التي صرفها من أرباح السنة السابقة .
مسألة (1246) : قد عرفت أن رأس السنة في الفوائد غير المكتسبة أول حصول الفائدة و في الفوائد المكتسبة حين الشروع في الاكتساب لكن إذا أراد المكلف تغيير رأس سنته أمكنه ذلك بدفع خمس ما ربحه أثناء السنة و اتخاذ رأس سنته الشروع في الاكتساب بعده أو حصول الفائدة الجديدة ، و يجوز جعل السنة هلالية و شمسية .
مسألة (1247) : يجب على كل مكلف ـ في آخر السنة ـ أن يخرج خمس ما زاد من أرباحه عن مؤونته مما ادخره في بيته لذلك ، من الأرز ، و الدقيق ، و الحنطة ، و الشعير و السكر ، و الشاي ، و النفط ، و الحطب ، و الفحم ، و السمن ، و الحلوى ، و غير ذلك من أمتعة البيت ، مما أعد للمؤونة فيخرج خمس ما زاد من ذلك . نعم إذا كان عليه دين استدانه لمؤونة السنة و كان مساوياً للزائد لم يجب الخمس في الزائد ، و كذا إذا كان أكثر ، أما إذا كان الدين أقل أخرج خمس مقدار التفاوت لا غير ، و إذا بقيت الأعيان المذكورة إلى السنة الآتية ، فوفى الدين في أثنائها صارت معدودة من أرباح السنة الثانية ، فلا يجب الخمس إلا على ما يزيد منها على مؤونة تلك السنة و كذا الحكم إذا اشترى أعياناً لغير المؤونة ـ كبستان ـ و كان عليه دين للمؤونة يساويها لم يجب إخراج خمسها ، فإذا وفى الدين في السنة الثانية كانت معدودة من أرباحها ، و وجب إخراج خمسها آخر السنة ، و إذا اشترى بستاناً ـ مثلاً ـ بثمن في الذمة مؤجلاً فجاء رأس السنة لم يجب إخراج خمس
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 408 ـ
البستان ، فإذا وفى تمام الثمن في السنة الثانية كانت البستان من أرباح السنة الثانية و وجب إخراج خمسها ، و إذا وفى نصف الثمن في السنة الثانية كان نصف البستان من أرباح تلك السنة ، و وجب إخراج خمس النصف ، و إذا وفى ربع الثمن في السنة الثانية كان ربعها من أرباح تلك السنة ، و هكذا كلما وفى جزءاً من الثمن كان ما يقابله من البستان من أرباح تلك السنة .
هذا إذا كان ذاك الشئ موجوداً ، أما إذا تلف فلا خمس فيما يؤديه لوفاء الدين ، و كذا إذا ربح في سنة مائة دينار ـ مثلاً ـ فلم يدفع خمسها العشرين ديناراً حتى جاءت السنة الثانية ، فدفع من أرباحها عشرين ديناراً وجب عليه خمس العشرين ديناراً التي هي الخمس ، مع بقائها ، لا مع تلفها ، و إذا فرض أنه اشترى داراً للسكنى فسكنها ، ثم وفى في السنة الثانية ثمنها لم يجب عليه خمس الدار ، و كذا إذا وفى في السنة الثانية بعض أجزاء الثمن لم يجب الخمس في الحصة من الدار ، و يجري هذا الحكم في كل ما اشترى من المؤن بالدين .
مسألة (1248) : إذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنوية ـ مثلاً ـ في وجه من وجوه البر وجب عليه الوفاء بنذره فإن صرف المنذور في الجهة المنذور لها قبل انتهاء السنة لم يجب عليه تخميس ما صرفه ، و إن لم يصرفه حتى انتهت السنة وجب عليه إخراج خمسه كما يجب عليه إخراج خمس النصف الآخر من أرباحه ، بعد إكمال مؤونته .
مسألة (1249) : إذا كان رأس ماله مائة دينار مثلاً فاستأجر دكاناً بعشرة دنانير ، و اشترى آلات للدكان بعشرة ، و في آخر السنة وجد ماله بلغ مائة كان عليه خمس الآلات فقط ، و لا يجب إخراج خمس أجرة الدكان ، لأنها من مؤونة التجارة ، و كذا أجرة الحارس ، و الحمال ، و الضرائب التي يدفعها إلى السلطان ، و السرقفلية التي يدفعها للحصول على الدكان ، فإن هذه المؤن مستثناة من الربح ، و الخمس إنما يجب فيما زاد عليها ، كما عرفت ، نعم إذا
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 409 ـ
كانت السرقفلية التي دفعها إلى المالك أو غيره أوجبت له حقاً في أخذها من غيره وجب تقويم ذلك الحق في آخر السنة ، و إخراج خمسه ، فربما تزيد قيمته على مقدار ما دفعه من السرقفلية ، و ربما تنقص ، و ربما تساوي .
مسألة (1250) : إذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح ثم دفعه و لو تدريجاً من ربح السنة الثانية لم يحسب ما يدفعه من المؤن ، إلا مع تلف الربح السابق عيناً و بدلاً ، و كذا لو صالحه الحاكم على مبلغ في الذمة لم يكن وفاء مال المصالحة من أرباح السنة الثانية من المؤن إلا إذا كان عوضاً عن خمس عين تالفة ، و لو كان عوضاً عن خمس عين موجودة فوفاه من ربح السنة الثانية قبل تخميسه صار خمس العين المزبورة من أرباح هذه السنة فيجب تخميسه عند انقضائها إذا لم يصرف في المؤونة .
مسألة (1251) : إذا حل رأس السنة فوجد بعض أرباحه أو كلها ديناً في ذمة الناس ، فإن أمكن استيفاؤه وجب دفع خمسه ، و إن لم يمكن تخير بين أن ينتظر استيفاءه في السنة اللاحقة ، فإذا استوفاه أخرج خمسه و كان من أرباح السنة السابقة ، لا من أرباح سنة الاستيفاء ، و بين أن يقدر مالية الديون فعلاً فيدفع خمسها ، فإذا استوفاها في السنة الآتية كان الزائد على ما قدر من أرباح سنة الاستيفاء .
مسألة (1252) : يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله و إن جاز تأخير الدفع إلى آخر السنة ـ احتياطاً ـ للمؤونة ، فإذا أتلفه ضمن الخمس ، و كذا إذا أسرف في صرفه ، أو وهبه ، أو اشترى أو باع على نحو المحاباة ، إذا كانت الهبة ، أو الشراء، أو البيع غير لائقة بشأنه ، و إذا علم أنه ليس عليه مؤونة في باقي السنة ، فالأحوط ـ وجوباً ـ أن يبادر إلى دفع الخمس ، و لا يؤخره إلى نهاية السنة .
مسألة (1253) : إذا مات المكتسب ـ أثناء السنة بعد حصول الربح ـ
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 410 ـ
فالمستثنى هو المؤونة إلى حين الموت ، لإتمام السنة .
مسألة (1254) : إذا علم الوارث أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب عليه أداؤه ، و إذا علم أنه أتلف مالاً له قد تعلق به الخمس وجب إخراج خمسه من تركته ، كغيره من الديون ، نعم إذا كان المورث ممن لا يعتقد الخمس أو ممن لا يعطيه فلا يبعد تحليله للوارث المؤمن في كلتا الصورتين .
مسألة (1255) : إذا اعتقد أنه ربح ، فدفع الخمس فتبين عدمه ، انكشف أنه لم يكن خمس في ماله ، فيرجع به على المعطى له مع بقاء عينه ، و كذا مع تلفها إذا كان عالماً بالحال ، و أما إذا ربح في أول السنة ، فدفع الخمس باعتقاد عدم حصول مؤونة زائدة ، فتبين عدم كفاية الربح لتجدد مؤونة لم تكن محتسبة ، لم يجز له الرجوع إلى المعطى له ، حتى مع بقاء عينه فضلاً عما إذا تلفت .
مسألة (1256) : الخمس بجميع أقسامه و إن كان يتعلق بالعين ، إلا أن المالك يتخير بين دفع العين و دفع قيمتها ، و لا يجوز له التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل أدائه بل لا يجوز له التصرف في بعضها أيضاً و إن كان مقدار الخمس باقياً في البقية على الأظهر ، و إذا ضمنه في ذمته بالمداورة مع الحاكم الشرعي صح ، و يسقط الحق من العين ، فيجوز التصرف فيها .
مسألة (1257) : لا بأس بالشركة مع من لا يخمس ، إما لاعتقاده ـ لتقصير أو قصور ـ بعدم وجوبه ، أو لعصيانه و عدم مبالاته بأمر الدين ، و لا يلحقه وزر من قبل شريكه .
و يجزيه أن يخرج خمسه من حصته في الربح .
مسألة (1258) : لا يجوز التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس ، و لو تصرف فيها بالاتجار فإن كان الاتجار بما في الذمة و كان الوفاء بالعين غير المخمسة صحت المعاملة و لكن يلزمه دفع خمس تلك العين و لو من مال آخر ، و إن كان الاتجار بعين ما فيه الخمس فالظاهر صحة المعاملة
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 411 ـ
أيضاً إذا كان طرفها مؤمناً من غير حاجة إلى إجازة الحاكم الشرعي و لكن ينتقل الخمس حينئذ إلى البدل كما أنه إذا وهبها لمؤمن صحت الهبة ، و ينتقل الخمس إلى ذمة الواهب ، و على الجملة كل ما ينتقل إلى المؤمن ممن لا يخمس أمواله لأحد الوجوه المتقدمة بمعاملة أو مجاناً يملكه فيجوز له التصرف فيه ، و قد أحل الأئمة ـ سلام الله عليهم ـ ذلك لشيعتهم تفضلاً منهم عليهم ، و كذلك يجوز التصرف للمؤمن في أموال هؤلاء ، فيما إذا أباحوها لهم ، من دون تمليك ، ففي جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن و الوزر على مانع الخمس ، إذا كان مقصراً .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 412 ـ المبحث الثاني :
مستحق الخمس و مصرفه
مسألة (1259) : يقسم الخمس في زماننا ـ زمان الغيبة ـ نصفين ، نصف لإمام العصر الحجة المنتظر ـ عجل الله تعالى فرجه و جعل أرواحنا فداه ـ و نصف لبني هاشم : أيتامهم ، و مساكينهم ، و أبناء سبيلهم ، و يشترط في هذه الأصناف جميعاً الإيمان ، كما يعتبر الفقر في الأيتام ، و يكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم ، و لو كان غنياً في بلده إذا لم يتمكن من السفر بقرض و نحوه على ما عرفت في الزكاة .
و الأحوط وجوباً اعتبار أن لا يكون سفره معصية و لا يعطى أكثر من قدر ما يوصله إلى بلده ، و الأظهر عدم اعتبار العدالة في جميعهم .
مسألة (1260) : الأحوط ـ إن لم يكن أقوى ـ أن لا يعطى الفقير أكثر من مؤونة سنته ، و يجوز البسط و الاقتصار على إعطاء صنف واحد ، بل يجوز الاقتصار على إعطاء واحد من صنف .
مسألة (1261) : المراد من بني هاشم من انتسب إليه بالأب ، أما إذا كان بالأم فلا يحل له الخمس و تحل له الزكاة ، و لا فرق في الهاشمي بين العلوي و العقيلي و العباسي و غيرهم و إن كان الأولى تقديم العلوي بل الفاطمي .
مسألة (1262) : لا يصدق من ادعى النسب إلا بالبينة ، و يكفي في الثبوت الشياع و الاشتهار في بلده الأصلي أو ما بحكمه كما يكفي كل ما
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 413 ـ
يوجب الوثوق و الاطمئنان به .
مسألة (1263) : لا يجوز إعطاء الخمس لمن تجب نفقته على المعطي على الأحوط لزوماً ، نعم إذا كانت عليه نفقة غير لازمة للمعطي جاز ذلك ، كما لا يجوز إعطاؤه لمن يصرفه في الحرام بل الأحوط اعتبار أن لا يكون في الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح و إن لم يكن يصرفه في الحرام كما أن الأحوط عدم إعطائه لتارك الصلاة أو شارب الخمر أو المتجاهر بالفسق .
مسألة (1264) : يجوز للمالك دفع النصف المذكور إلى مستحقيه مع استجماع الشرائط المتقدمة و إن كان الأحوط استحباباً الدفع إلى الحاكم الشرعي .
مسألة (1265) : النصف الراجع للإمام عليه و على آبائه أفضل الصلاة و السلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه و هو الفقيه المأمون العارف بمصارفه إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه ، و مصرفه ما يوثق برضاه عليه السلام بصرفه فيه ، كدفع ضرورات المؤمنين من السادات زادهم الله تعالى شرفاً و غيرهم ، و الأحوط استحباباً نية التصدق به عنه عليه السلام ، و اللازم مراعاة الأهم فالأهم ، و من أهم مصارفه في هذا الزمان الذي قل فيه المرشدون و المسترشدون إقامة دعائم الدين و رفع أعلامه ، و ترويج الشرع المقدس ، و نشر قواعده و أحكامه و مؤونة أهل العلم الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين ، و إرشاد الضالين ، و نصح المؤمنين و وعظهم ، و إصلاح ذات بينهم ، و نحو ذلك مما يرجع إلى إصلاح دينهم و تكميل نفوسهم ، و علو درجاتهم عند ربهم تعالى شأنه و تقدست أسماؤه ، و الأحوط لزوماً مراجعة المرجع الأعلم المطلع على الجهات العامة .
مسألة (1266) : يجوز نقل الخمس من بلده إلى غيره مع عدم وجود
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 414 ـ
المستحق ، بل مع وجوده إذا لم يكن النقل تساهلاً و تسامحاً في أداء الخمس و يجوز دفعه في البلد إلى وكيل الفقير و إن كان هو في البلد الآخر كما يجوز دفعه إلى وكيل الحاكم الشرعي ، و كذا إذا وكل الحاكم الشرعي المالك فيقبضه بالوكالة عنه ثم ينقله إليه .
مسألة (1267) : إذا كان المال الذي فيه الخمس في غير بلد المالك و لم يكن متمكناً من إعطائه من نفس العين إلا مع التأخير و لكن كان متمكناً من إعطاء قيمته فوراً لم يجب عليه ذلك بل يجوز له التأخير إلى أن يتيسر الدفع من العين و لكن اللازم عدم التساهل و التسامح في ذلك .
مسألة (1268) : في صحة عزل الخمس بحيث يتعين في مال مخصوص إشكال بل منع ، و عليه فإذا نقله إلى بلد لعدم وجود المستحق فتلف بلا تفريط لا تفرغ ذمة المالك ، نعم إذا قبضه وكالة عن المستحق أو عن الحاكم فرغت ذمته ، و لو نقله بإذن موكله فتلف من غير تفريط لم يضمن .
مسألة (1269) : إذا كان له دين في ذمة المستحق ففي جواز احتسابه عليه من الخمس بلا مراجعة الحاكم الشرعي إشكال ، فإن أراد الدائن ذلك فالأحوط أن يتوكل عن الفقير الهاشمي في قبض الخمس و في إيفائه دينه ، أو أنه يوكل الفقير في استيفائه دينه و أخذه لنفسه خمساً .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 417 ـ
من أعظم الواجبات الدينية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، قال الله تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .
روي عن النبي صلى الله عليه و آله إنه قال : « كيف بكم إذا فسدت نساؤكم ، و فسق شبابكم ، و لم تأمروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنكر» فقيل له : و يكون ذلك يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه و آله : « نعم » فقال : « كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ، و نهيتم عن المعروف » فقيل له : يا رسول الله و يكون ذلك ؟ فقال : « نعم و شر من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً و المنكر معروفاً ؟» .
وقد روي عنهم ـ عليهم السلام: ـ أن بالأمر بالمعروف تقام الفرائض و تأمن المذاهب ، و تحل المكاسب ، و تمنع المظالم ، و تعمر الأرض و ينتصف للمظلوم من الظالم ، و لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ، و نهوا عن المنكر ، و تعاونوا على البر ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات و سلط بعضهم على بعض ، و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء .
مسألة (1270) : يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع كون المعروف واجباً و المنكر حراماً و في كون وجوبه عينياً أو كفائياً وجهان ، و لا يبعد الأول في إظهار الكراهة قولاً أو فعلاً و الثاني فيما يتوقف على إعمال القدرة كالضرب و الحبس مما كان من وظائف المحتسب في بعض الأزمنة السالفة .
مسألة (1271) : إذا كان المعروف مستحباً كان الأمر به مستحباً ،
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 418 ـ
فإذا أمر به كان مستحقاً للثواب ، و إن لم يأمر به لم يكن عليه إثم و لا عقاب .
ويلزم أن يراعى في الأمر بالمستحب أن لا يكون على نحو يستلزم إيذاء المأمور أو إهانته ، كما لا بد من الاقتصار فيه على ما لا يكون ثقيلاً عليه بحيث يزهده في الدين ، و هكذا الحال في النهي عن المكروه .
يشترط في وجوب الأمر بالمعروف الواجب ، و النهي عن المنكر أمور :
الأول : معرفة المعروف و المنكر و لو إجمالاً ، فلا يجبان على الجاهل بالمعروف و المنكر و لكن قد يجب التعلم مقدمة للأمر بالأول و النهي عن الثاني .
الثاني : احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر ، و انتهاء المنهي عن المنكر بالنهي ، فإذا لم يحتمل ذلك ، و علم أن الشخص الفاعل لا يبالي بالأمر أو النهي ، و لا يكترث بهما لا يجب عليه شيء على المشهور ، و لكن لا يترك الاحتياط بإظهار الكراهة فعلاً أو قولاً و لو مع عدم احتمال الارتداع به .
الثالث : أن يكون الفاعل مصراً على ترك المعروف ، و ارتكاب المنكر فإذا كانت أمارة على ارتداع العاصي عن عصيانه لم يجب شيء ، بل لا يبعد عدم الوجوب بمجرد احتمال ذلك ، فمن ترك واجباً أو فعل حراماً و احتمل كونه منصرفاً عنه أو نادماً عليه لم يجب شيء ، هذا و اعتبار الإصرار لعله المشهور بين الفقهاء و لكن الظاهر كفاية إحراز عزمه على ترك المعروف و فعل المنكر حدوثاً أو بقاءً بحيث يكون توجيه الأمر أو النهي الشخصي إليه في محله عند العقلاء و لو لم يكن متلبساً بالمعصية فضلاً عن توقف الوجوب على الإصرار .
الرابع : أن يكون المعروف و المنكر منجزاً في حق الفاعل ، فإن كان
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 419 ـ
معذوراً في فعله المنكر ، أو تركه المعروف ، لاعتقاد أن ما فعله مباح و ليس بحرام ، أو أن ما تركه ليس بواجب ، و كان معذوراً في ذلك للاشتباه في الموضوع ، أو الحكم اجتهاداً ، أو تقليداً لم يجب شيء ، و كذا إذا لم يكن معذوراً في فعله في بعض الموارد كما إذا عجز عن الجمع بين امتثال تكليفين بسوء اختياره و صرف قدرته في امتثال الأهم منهما فإنه لا يكون معذوراً في ترك المهم و إن كانت وظيفته عقلاً الإتيان بالأهم انتخاباً لأخف القبيحين بل و المحرمين ، هذا و لو كان المنكر مما لا يرضى الشارع بوجوده مطلقاً كالإفساد في الأرض و قتل النفس المحترمة و نحو ذلك فلا بد من الردع عنه و لو لم يكن المباشر مكلفاً فضلاً عما إذا كان جاهلاً بالموضوع أو بالحكم .
الخامس : أن لا يلزم من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ضرر على الآمر في نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به و كذا لا يلزم منه وقوعه في حرج لا يتحمله فإذا لزم الضرر أو الحرج لم يجب عليه ذلك إلا إذا أحرز كونه بمثابة من الأهمية عند الشارع المقدس يهون دونه تحمل الضرر أو الحرج ، و الظاهر أنه لا فرق فيما ذكر بين العلم بلزوم الضرر أو الظن به أو الاحتمال المعتد به عند العقلاء الموجب لصدق الخوف .
و إذا كان في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوف الإضرار ببعض المسلمين في نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به فالظاهر سقوط وجوبهما ، نعم إذا كان المعروف و المنكر من الأمور المهمة شرعا فلا بد من الموازنة بين الجانبين بلحاظ قوة الاحتمال و أهمية المحتمل فربما لا يحكم بسقوط الوجوب و ربما يحكم به .
مسألة (1272) : لا يختص وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف ، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 420 ـ
العلماء و غيرهم ، و العدول و الفساق ، و السلطان و الرعية ، و الأغنياء و الفقراء ، و الظاهر عدم سقوطه ما دام كون الشخص تاركاً للمعروف و فاعلا للمنكر و إن قام البعض بما هو وظيفته من المقدار المتيسر له منه .
للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مراتب :
الأولى : أن يأتي بعمل يظهر به انزجاره القلبي و كراهته للمنكر أو ترك المعروف ، كإظهار الانزعاج من الفاعل ، أو الإعراض و الصد عنه ، أو ترك الكلام معه ، أو نحو ذلك من فعل أو ترك يدل على كراهة ما وقع منه .
الثانية : الأمر و النهي باللسان و القول ، بأن يعظ الفاعل و ينصحه ، و يذكر له ما أعد الله سبحانه للعاصين من العقاب الأليم و العذاب في الجحيم ، أو يذكر له ما أعده الله تعالى للمطيعين من الثواب الجسيم و الفوز في جنات النعيم ، و منه التغليظ في الكلام و الوعيد على المخالفة و عدم الإقلاع عن المعصية بما لا يكون كذباً .
الثالثة : إعمال القدرة في المنع عن ارتكاب المعصية بفرك الأذن أو الضرب أو الحبس و نحو ذلك ، و في جواز هذه المرتبة من غير إذن الإمام عليه السلام أو نائبه إشكال ، و لكل واحدة من هذه المراتب مراتب أخف و أشد ، و المشهور الترتب بين هذه المراتب ، فإن كان إظهار الإنكار القلبي كافيا في الزجر اقتصر عليه ، و إلا أنكر باللسان ، فإن لم يكف ذلك أنكره بيده ، و لكن الظاهر أن القسمين الأولين في مرتبة واحدة فيختار الآمر أو الناهي ما يحتمل التأثير منهما ، و قد يلزمه الجمع بينهما .
وأما القسم الثالث فهو مترتب على عدم تأثير الأولين ، و الأحوط بل الأقوى في الأقسام الثلاثة الترتيب بين مراتبها فلا ينتقل إلى الأشد إلا إذا لم يكف الأخف إيذاءً أو هتكاً ، و ربما يكون بعض ما تتحقق به المرتبة الثانية أخف من بعض ما تتحقق به المرتبة الأولى ،
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 421 ـ
بل ربما يتمكن البصير الفطن أن يردع العاصي عن معصيته بما لا يوجب إيذاءه أو هتكه فيتعين ذلك .
مسألة (1273) : إذا لم تكف المراتب المذكورة في ردع الفاعل ففي جواز الانتقال إلى الجرح و القتل وجهان ، بل قولان أقواهما العدم ، و كذا إذا توقف على كسر عضو من يد أو رجل أو غيرهما ، أو إعابة عضو كشلل أو اعوجاج أو نحوهما ، فإن الأقوى عدم جواز ذلك ، و إذا أدى الضرب إلى ذلك ـ خطأ أو عمداً ـ فالأقوى ضمان الآمر و الناهي لذلك ، فتجري عليه أحكام الجناية العمدية ، إن كان عمداً ، و الخطأية إن كان خطأ . نعم يجوز للإمام و نائبه ذلك إذا كان يترتب على معصية الفاعل مفسدة أهم من جرحه أو قتله ، و حينئذ لا ضمان عليه .
مسألة (1274) : يتأكد وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في حق المكلف بالنسبة إلى أهله ، فيجب عليه إذا رأى منهم التهاون في الواجبات ، كالصلاة و أجزائها و شرائطها ، بأن لا يأتوا بها على وجهها ، لعدم صحة القراءة و الأذكار الواجبة ، أو لا يتوضئوا وضوءاً صحيحاً أو لا يطهروا أبدانهم و لباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح أمرهم بالمعروف على الترتيب المتقدم ، حتى يأتوا بها على وجهها ، وكذا الحال في بقية الواجبات ، و كذا إذا رأى منهم التهاون في المحرمات كالغيبة و النميمة ، و العدوان من بعضهم على بعض ، أو على غيرهم ، أو غير ذلك من المحرمات ، فإنه يجب أن ينهاهم عن المنكر حتى ينتهوا عن المعصية ، ولكن في جواز الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالنسبة إلى الأبوين بغير القول اللين و ما يجري مجراه من المراتب المتقدمة نظر و إشكال .
مسألة (1275) : إذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتفاق ، وعلم أنه غير عازم على العود إليها لكنه لم يتب منها وجب أمره بالتوبة ، فإنها
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 422 ـ
واجبة عقلاً لحصول الأمن من الضرر الأخروي بها ، هذا مع التفات الفاعل إليها ، أما مع الغفلة ففي وجوب أمره بها إشكال ، والأحوط ـ استحباباً ـ ذلك . فائدة :
قال بعض الأكابر قدس سره : إن من أعظم أفراد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أعلاها و أتقنها و أشدها ، خصوصاً بالنسبة إلى رؤساء الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه و مندوبه ، و ينزع رداء المنكر محرمه و مكروهه ، و يستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة ، و ينزهها عن الأخلاق الذميمة ، فإن ذلك منه سبب تام لفعل الناس المعروف ، و نزعهم المنكر ، خصوصاً إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة و المرهبة ، فإن لكل مقام مقالاً ، ولكل داء دواء ، وطب النفوس والعقول أشد من طب الأبدان بمراتب كثيرة ، و حينئذ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 423 ـ ختام
وفيه مطلبان :
المطلب الأول : في ذكر أمور هي من المعروف :
منها : الاعتصام بالله تعالى ، قال الله تعالى : ( يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) و روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : « أوحى الله عز و جل إلى داود : ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته ، ثم تكيده السماوات و الأرض و من فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن » .
ومنها : التوكل على الله سبحانه ، الرؤوف الرحيم بخلقه العالم بمصالحه و القادر على قضاء حوائجهم .
وإذا لم يتوكل عليه تعالى فعلى من يتوكل أعلى نفسه ، أم على غيره مع عجزه و جهله ؟ قال الله تعالى : (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) و روي عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال : « الغنى و العز يجولان ، فإذا ظفرا بموضع من التوكل أوطنا » .
ومنها : حسن الظن بالله تعالى ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام فيما قال : « والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن ، لأن الله كريم بيده الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه و رجاءه ، فأحسنوا بالله الظن و ارغبوا إليه » .
ومنها : الصبر عند البلاء، والصبر عن محارم الله ، قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) و روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث أنه قال : « فاصبر فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ،
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 424 ـ
واعلم أن النصر مع الصبر ، و أن الفرج مع الكرب ، فإن مع العسر يسراً ، إن مع العسر يسراً ) ، و عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال : « لا يعدم الصبر الظفر وإن طال به الزمان » ، و عنه عليه السلام أيضاً : « الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن جميل ، و أحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله تعالى عليك » .
ومنها : العفة ، فعن أبي جعفر عليه السلام : « ما عبادة أفضل عند الله من عفة بطن و فرج » ، و عن أبي عبد الله عليه السلام : « إنما شيعة جعفر من عف بطنه و فرجه ، و اشتد جهاده ، و عمل لخالقه ، و رجا ثوابه ، و خاف عقابه ، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر » عليه السلام .
ومنها : الحلم ، روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله إنه قال : « ما أعز الله بجهل قط ، و لا أذل بحلم قط » ، و عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال : « أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل » و عن الرضا عليه السلام أنه قال : « لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليما » .
ومنها : التواضع ، روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله إنه قال : « من تواضع لله رفعه الله و من تكبر خفضه الله ، و من اقتصد في معيشته رزقه الله و من بذر حرمه الله ، و من أكثر ذكر الموت أحبه الله تعالى » .
ومنها : إنصاف الناس ، و لو من النفس ، روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله إنه قال : « سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك ، و مواساة الأخ في الله تعالى على كل حال » .
ومنها : اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب الناس ، فعن رسول الله صلى الله عليه و آله إنه قال : « طوبى لمن شغله خوف الله عز و جل عن خوف الناس ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين » و عنه صلى الله عليه و آله : « إن أسرع الخير ثواباً البر ، و إن أسرع الشر عقاباً البغي ، و كفى بالمرء عيباً
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 425 ـ
أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه ، و أن يعير الناس بما لا يستطيع تركه ، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه » .
و منها : إصلاح النفس عند ميلها إلى الشر ، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال : « من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته ، و من عمل لدينه كفاه الله دنياه ، و من أحسن فيما بينه و بين الله أصلح الله ما بينه و بين الناس» .
ومنها : الزهد في الدنيا و ترك الرغبة فيها ، روي عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال : « من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، و انطلق بها لسانه ، و بصره عيوب الدنيا داءها و دواءها ، و أخرجه منها سالماً إلى دار السلام » ، و روي إن رجلاً قال لأبي عبد الله عليه السلام : إني لا ألقاك إلا في السنين فأوصني بشيء حتى آخذ به ؟ فقال عليه السلام : « أوصيك بتقوى الله ، و الورع و الاجتهاد ، و إياك أن تطمع إلى من فوقك ، و كفى بما قال الله عز و جل لرسول الله صلى الله عليه و آله ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا ) و قال تعالى : ( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ ) فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله صلى الله عليه و آله ، فإنما كان قوته من الشعير ، و حلواه من التمر و وقوده من السعف إذا وجده ، و إذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله صلى الله عليه و آله فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط » .
المطلب الثاني : في ذكر بعض الأمور التي هي من المنكر :
منها : الغضب . فعن رسول الله صلى الله عليه و آله إنه قال : « الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل » و عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال : « الغضب مفتاح كل شر » و عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : « إن الرجل ليغضب فما