يرضى أبداً حتى يدخل النار ، فأيما رجل غضب على قومه و هو قائم فليجلس من فوره ذلك ، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان ، و أيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه ، فإن الرحم إذا مست سكنت » .
ومنها : الحسد ، فعن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا : « إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب » ، و عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنه قال ذات يوم لأصحابه : « إنه قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم ، و هو الحسد ليس بحالق الشعر ، و لكنه حالق الدين ، و ينجى فيه أن يكف الإنسان يده ، و يخزن لسانه ، و لا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن » .
ومنها : الظلم ، روي عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال : « من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده »، و روي عنه أيضاً إنه قال : « ما ظفر بخير من ظفر بالظلم ، أما أن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم » .
ومنها : كون الإنسان ممن يتقى شره ، فعن رسول الله صلى الله عليه و آله إنه قال : « شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم » ، و عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال : « و من خاف الناس لسانه فهو في النار » و عنه عليه السلام أيضاً : « إن أبغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه » و لنكتف بهذا المقدار .
والحمد لله أولاً وآخراً ، وهو حسبنا ونعم الوكيل
( 1 ) الاقتراض ـ الإيداع
المصارف و البنوك على ثلاثة أصناف :
1 ـ الأهلي : و هو ما يتكون رأس ماله من مال شخص واحد أو أشخاص مشتركين .
2 ـ الحكومي : و هو الذي يكون رأس ماله مكوناً من أموال الدولة .
3 ـ المشترك : و هو الذي تشترك الدولة و الأهالي في تكوين رأس ماله .
مسألة (1) : لا يجوز الاقتراض من البنوك الأهلية بشرط دفع الزيادة لأنه ربا محرم ، و لو اقترض كذلك صح القرض و بطل الشرط ، و يحرم دفع الزيادة و أخذها وفاءً للشرط .
وقد ذكر للتخلص من الربا طرق :
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 430 ـ
منها : أن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله المفوض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية 10 % أو 20 % مثلاً بشرط أن يقرضه مبلغاً معيناً من النقد لمدة معلومة يتفقان عليها ، أو يبيعه متاعاً بأقل من قيمته السوقية ، و يشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغاً معيناً لمدة معلومة فيقال : أنه يجوز الاقتراض عندئذ و لا ربا فيه .
ولكنه لا يخلو عن إشكال ، و الأحوط لزوماً الاجتناب عنه ، و مثله الحال في الهبة و الإجارة و الصلح بشرط القرض .
وفي حكم جعل القرض شرطاً في المعاملة المحاباتية جعل الإمهال في أداء الدين شرطاً فيها .
ومنها : تبديل القرض بالبيع ، كأن يبيع البنك مبلغاً معيناً كمائة دينار بأزيد منه ـ كمائة و عشرين دينار ـ نسيئة لمدة شهرين مثلاً .
ولكن هذا و إن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، غير أن صحته بيعاً محل إشكال .
نعم لا مانع من أن يبيع البنك مبلغاً كمائة دينار نسيئة إلى شهرين مثلاً ، و يجعل الثمن المؤجل عملة أخرى تزيد قيمتها على المائة دينار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزيد المائة و العشرون على المائة ، و في نهاية المدة يمكن أن يأخذ البنك من المشتري العملة المقررة أو ما يساويها من الدنانير ، ليكون من الوفاء بغير الجنس .
ومنها : أن يبيع البنك بضاعة بمبلغ كمائة و عشرين ديناراً نسيئة لمدة شهرين مثلاً ، ثم يشتريها من المشتري نقدا بما ينقص عنها كمائة دينار .
وهذا أيضاً لا يصح إذا اشترط في البيع الأول قيام البنك بشراء البضاعة نقدا بالأقل من ثمنه نسيئة و لو بإيقاع العقد مبنياً على ذلك ، و أما مع خلوه عن الشرط فلا بأس به .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 431 ـ
ويلاحظ أن هذه الطرق و نحوها ـ لو صحت ـ لا تحقق للبنك غرضاً أساسياً و هو استحقاق مطالبة المدين بمبلغ زائد لو تأخر عن أداء دينه عند نهاية الأجل و ازدياده كلما زاد التأخير ، فإن أخذ الفائدة بأزاء التأخير في الدفع يكون من الربا المحرم و لو كان ذلك بصيغة جعله شرطاً في ضمن عقد البيع مثلاً .
مسألة (2) : لا يجوز الاقتراض من البنوك الحكومية بشرط دفع الزيادة ، لأنه ربا ، بلا فرق بين كون الاقتراض مع الرهن أو بدونه ، و لو اقترض كذلك بطل القرض و الشرط معاً ، لأن البنك لا يملك ما تحت يده من المال ليملكه للمقترض .
و للتخلص من ذلك يجوز للشخص أن يقبض المال من البنك بعنوان مجهول المالك لا بقصد الاقتراض ، و الأحوط أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي ، ثم يتصرف فيه بعد المراجعة إليه لإصلاحه ، و لا يضره العلم بأن البنك ، سوف يستوفي منه أصل المال و الزيادة قهراً ، فلو طالبه البنك جاز له الدفع حيث لا يسعه التخلف عن ذلك .
مسألة (3) : يجوز الإيداع في البنوك الأهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع عدم اشتراط الحصول على الزيادة ، بمعنى عدم إناطة القرض بالتزام البنك بدفع الزيادة ، لا بمعنى أن يبني في نفسه على أن البنك لو لم يدفع الزيادة لم يطالبها منه ، فإن البناء على المطالبة يجتمع مع عدم الاشتراط ، كما يجتمع البناء على عدم المطالبة مع الاشتراط ، فأحدهما أجنبي عن الآخر .
مسألة (4) : لا يجوز الإيداع في البنوك الأهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع شرط الزيادة ، و لو فعل ذلك صح الإيداع و بطل الشرط ، فإذا قام البنك بدفع الزيادة لم تدخل في ملكه ، و لكن يجوز له التصرف فيها إذا كان واثقاً من رضا أصحابه بذلك حتى على تقدير علمهم بفساد الشرط و عدم استحقاقه للزيادة شرعاً ـ كما هو الغالب ـ .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 432 ـ
مسألة (5) : لا يجوز الإيداع في البنوك الحكومية ـ بمعنى إقراضها ـ مع اشتراط الحصول على الزيادة ، فإنه ربا ، بل إعطاء المال إليها و لو من دون شرط الزيادة بمنزلة الإتلاف له شرعاً ، لأن ما يمكن استرجاعه من البنك ليس هو مال البنك ، بل من المال المجهول مالكه ، و على ذلك يشكل إيداع الأرباح و الفوائد التي يجنيها الشخص أثناء سنته في البنوك الحكومية قبل إخراج الخمس منها ، لأنه مأذون في صرفه في مؤونته و ليس مأذوناً في إتلافه ، فلو أتلفه ضمنه لأصحابه .
مسألة (6) : لا فرق في الإيداع ـ فيما تقدم ـ بين الإيداع الثابت الذي له أمد خاص ـ بمعنى أن البنك غير ملزم بوضع المال تحت الطلب ـ و بين الإيداع المتحرك ـ المسمى بالحساب الجاري ـ الذي يكون البنك ملزما بوضع المال تحت الطلب .
مسألة (7) : تشترك البنوك المشتركة مع البنوك الحكومية فيما تقدم من الأحكام ، لأن الأموال الموجودة لديها يتعامل معها معاملة مجهول المالك ، فلا يجوز التصرف فيها من دون مراجعة الحاكم الشرعي .
مسألة (8) : ما تقدم كان حكم الإيداع و الاقتراض من البنوك الأهلية و الحكومية في الدول الإسلامية ، و أما البنوك التي يقوم غير محترمي المال من الكفار بتمويلها ـ أهلية كانت أم غيرها ـ فيجوز الإيداع فيها بشرط الحصول على الفائدة ، لجواز أخذ الربا منهم على الأظهر .
وأما الاقتراض منها بشرط دفع الزيادة فهو حرام ، و يمكن التخلص منه بقبض المال من البنك لا بقصد الاقتراض بل استنقاذاً ، فيجوز له التصرف فيه بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 433 ـ ( 2 )
الاعتمادات
الاعتماد على قسمين :
1 ـ اعتماد الاستيراد : و هو أن من يريد استيراد بضاعة أجنبية يتقدم إلى البنك بطلب فتح اعتماد يتعهد البنك بموجبه بتسلم مستندات البضاعة المستوردة و تسليمها إلى فاتح الاعتماد و تسديد ثمنها إلى الجهة المصدرة ، و ذلك بعد تمامية المعاملة بين المستورد و المصدر مراسلة أو بمراجعة الوكيل الموجود في البلد ، و إرسال القوائم المحددة لنوعية البضاعة كماً وكيفاً حسب الشروط و المواصفات المتفق عليها ، و قيام المستورد بدفع قسم من ثمن البضاعة إلى البنك ، فإنه بعد هذه المراحل يقوم البنك بتسلم مستندات البضاعة و أداء ثمنها إلى الجهة المصدرة .
2 ـ اعتماد التصدير : و هو لا يختلف عن اعتماد الاستيراد إلا في الاسم ، فمن يريد تصدير بضاعة إلى الخارج يقوم المستورد الأجنبي بفتح اعتماد لدى البنك ليتعهد البنك بموجبه بتسلم مستندات البضاعة و تسديد ثمنها إلى البائع المصدر بعد طي المراحل المشار إليها آنفاً .
فالنتيجة أن القسمين لا يختلفان في الحقيقة ، فالاعتماد سواء أ كان للاستيراد أم للتصدير يقوم على أساس تعهد البنك للبائع بأداء دين المشتري و هو ثمن البضاعة المشتراة و تسلم مستنداتها و تسليمها إلى المشتري .
نعم هنا قسم آخر من الاعتماد ، و هو أن المصدر يقوم بإرسال قوائم البضاعة كماً و كيفاً إلى البنك أو فرعه في ذلك البلد دون معاملة مسبقة مع الجهة المستوردة ، و البنك بدوره يعرض تلك القوائم على تلك الجهة ، فإن قبلتها طلبت من البنك فتح اعتماد لها ، ثم يقوم بدور الوسيط إلى أن يتم تسليم
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 434 ـ
البضاعة وقبض الثمن .
مسألة (9) : الظاهر جواز فتح الاعتماد لدى البنوك بجميع الأقسام المذكورة ، كما يجوز للبنوك قيامها بما ذكر من الخدمات .
مسألة (10) : يتقاضى البنك من فاتح الاعتماد نحوين من الفائدة :
الأول : ما يكون بإزاء خدماته له من التعهد بأداء دينه و الاتصال بالمصدر و تسلم مستندات البضاعة و تسليمها إليه ، و نحو ذلك من الأعمال .
وهذا النحو من الفائدة يجوز أخذه على أساس أنه داخل في عقد الجعالة ، أي أن فاتح الاعتماد يعين للبنك جعلاً إزاء قيامه بالأعمال المذكورة ، و يمكن إدراجه في عقد الإجارة أيضاً مع توفر شروط صحته المذكورة في محلها .
الثاني : ما يكون فائدة على المبلغ الذي يقوم البنك بتسديده إلى الجهة المصدرة من ماله الخاص لا من رصيد فاتح الاعتماد ، فإن البنك يأخذ فائدة نسبية على المبلغ المدفوع أزاء عدم مطالبة فاتح الاعتماد به إلى مدة معلومة .
وقد يصحح أخذ هذا النحو من الفائدة بأن البنك لا يقوم بعملية إقراض لفاتح الاعتماد ، و لا يدخل الثمن في ملكه بعقد القرض ليكون رباً، بل يقوم بدفع دين فاتح الاعتماد بموجب طلبه و أمره ، و عليه فيكون ضمان فاتح الاعتماد ضمان غرامة بقانون الإتلاف ، لا ضمان قرض ليحرم أخذ الزيادة .
ولكن من الواضح أن فاتح الاعتماد لا يضمن للبنك بطلبه أداء دينه إلا نفس مقدار الدين ، فأخذ الزيادة بإزاء إمهاله في دفعه يكون من الربا المحرم .
نعم ، لو عين فاتح الاعتماد للبنك إزاء قيامه بأداء دينه جعلاً بمقدار أصل الدين و الزيادة المقررة نسيئة لمدة شهرين مثلاً ، اندرج ذلك في عقد الجعالة ، و صحته حينئذ لا تخلو عن وجه .
هذا ، و يمكن التخلص من الربا في أخذ هذا النحو من الفائدة بوجه آخر ، و هو إدراجه في البيع ، فإن البنك يقوم بدفع ثمن البضاعة بالعملة
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 435 ـ
الأجنبية إلى المصدر ، فيمكن قيامه ببيع مقدار من العملة الأجنبية في ذمة المستورد بما يعادله من عملة بلد المستورد مع إضافة الفائدة إليه ، و بما أن الثمن و المثمن يختلفان في الجنس فلا بأس به .
هذا كله إذا كان البنك أهلياً ، و أما إذا كان حكومياً أو مشتركاً فحيث أن البنك يسدد دين فاتح الاعتماد من المال المجهول مالكه ، فلا يصير مديناً شرعاً للبنك بشيء ، فلا يكون التعهد بأداء الزيادة إليه من قبيل التعهد بدفع الربا المحرم .
( 3 )
خزن البضائع
قد يكون البنك وسيطاً في إيصال البضائع من المصدر إلى المستورد فربما يقوم بتخزينها على حساب المستورد كما إذا تم العقد بينه و بين المصدر ، و قام البنك بتسديد ثمنها له ، فعند وصول البضاعة يقوم البنك بتسليم مستنداتها للمستورد و إخباره بوصولها ، فإن تأخر المستورد عن تسلمها في الموعد المقرر ، قام البنك بخزنها و حفظها على حساب المستورد إزاء أجر معين و قد يقوم بحفظها على حساب المصدر ، كما إذا أرسل البضاعة إلى البنك دون عقد و اتفاق مسبق مع جهة مستوردة ، فعندئذ يقوم البنك بعرض قوائم البضاعة على الجهات المستوردة في البلد فإن لم يقبلوها حفظها على حساب المصدر إزاء أجر معين .
مسألة (11) : يجوز للبنك أخذ الأجرة إزاء عملية التخزين في كلتا الصورتين المتقدمتين إذا كان قيامه بها بطلب من المصدر أو المستورد ، أو كان قد اشترط ذلك في ضمن عقد كالبيع ـ و إن كان الشرط ارتكازياً ـ و إلا فلا يستحق شيئاً .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 436 ـ ( 4 )
بيع البضائع عند تخلف أصحابها عن تسلمها
إذا تخلف صاحب البضاعة عن تسلمها و دفع المبالغ المستحقة للبنك ـ بعد إعلان البنك و إنذاره بذلك ـ يقوم البنك ببيع البضاعة لاستيفاء حقه من ثمنها .
مسألة (12) : يجوز للبنك في الحالة المذكورة أن يقوم ببيع البضاعة ، كما يجوز للآخرين شراؤها ، لأن البنك وكيل من قبل أصحاب البضاعة في بيعها عند تخلفهم عن دفع ما عليهم من بقية المبالغ المستحقة له و تسلم البضاعة ، و ذلك بمقتضى الشرط الصريح أو الارتكازي الموجود في أمثال هذه الموارد ، فإذا جاز بيعها جاز شراؤها أيضاً .
( 5 )
الكفالة عند البنوك
إذا تعهد شخص أو أشخاص مشتركون لجهة حكومية أو غيرها بإنجاز مشروع ، كتأسيس مدرسة أو مستشفى أو جسر أو نحوها ، فتم الاتفاق بينهما على ذلك ، فإن المتعهد له قد يشترط على المتعهد دفع مبالغ من المال في حالة عدم إنجاز المشروع و إتمامه في الوقت المقرر عوضا عن الخسائر التي قد تصيبه ، و لكي يطمئن المتعهد له بذلك يطالب المتعهد بكفيل على هذا ، و في هذه الحالة يرجع المتعهد و المقاول إلى البنك ليصدر له مستند ضمان يتكفل فيه للمتعهد له بأداء مبالغ التعويض إذا امتنع المقاول المتعهد عن دفعها بعد تخلفه عن القيام
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 437 ـ
بإنجاز المشروع في الموعد المقرر .
مسألة (13) : تعهد البنك للجهة صاحبة المشروع بأداء المبالغ المطلوبة على تقدير امتناع المقاول عن أدائها نحو من الكفالة المالية في مقابل الكفالة المصطلحة ـ في أبواب المعاملات ـ التي هي عبارة عن التعهد لشخص بإحضار شخص آخر له حق عليه عند طلبه .
وتفترق الكفالة المالية عن الضمان في أن الضامن تشتغل ذمته للمضمون له بنفس الدين المضمون ، فلو مات قبل وفائه أخرج من تركته مقدماً على الإرث ، و أما الكفيل المالي فلا تشتغل ذمته للمكفول له بنفس المال ، بل بأدائه إليه ، فلو مات قبل ذلك لم يخرج من تركته شيء إلا بوصية منه .
ويصح عقد الكفالة بإيجاب من الكفيل بكل ما يدل على تعهده و التزامه ، من قول أو كتابة أو فعل ، و بقبول من المكفول له بكل ما يدل على رضاه بذلك .
مسألة (14) : يجوز للبنك أن يأخذ عمولة معينة من المقاول المتعهد لإنجاز المشروع إزاء كفالته و تعهده ، و يمكن تخريج ذلك من باب الجعالة بأن يعين المقاول العمولة المطلوبة جعلاً للبنك على قيامه بعمل الكفالة فيحل له أخذها حينئذ .
مسألة (15) : إذا تخلف المقاول عن إنجاز المشروع في المدة المقررة ، و امتنع عن دفع المبالغ المطلوبة إلى المتعهد له ( صاحب المشروع ) فقام البنك بدفعها إليه ، فهل يحق للبنك الرجوع بها على المقاول أم لا ؟
الظاهر أنه يحق له ذلك ، لأن تعهد البنك و كفالته كان بطلب من المقاول ، فهو ضامن لما يخسره البنك بمقتضى تعهده ، فيحق له أن يرجع إليه و يطالبه به .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 438 ـ ( 6 )
بيع السهام
قد تطالب الشركات المساهمة وساطة البنك في بيع الأسهم التي تمتلكها ، و يقوم البنك بدور الوسيط في عملية بيعها و تصريفها إزاء عمولة معينة بعد الاتفاق بينه و بين الشركة .
مسألة (16) : تجوز هذه المعاملة مع البنك ، فإنها ـ في الحقيقة ـ لا تخلو من دخولها أما في الإجارة بمعنى أن الشركة تستأجر البنك للقيام بهذا الدور إزاء أجرة معينة ، و أما في الجعالة على ذلك ، و على كلا التقديرين فالمعاملة صحيحة و يستحق البنك الأجرة إزاء قيامه بالعمل المذكور .
مسألة (17) : يصح بيع هذه الأسهم و شراؤها .
نعم إذا كانت معاملات الشركة المساهمة محرمة ـ كما لو كانت تتاجر بالخمور أو تتعامل بالربا ـ لم يجز شراء أسهمها و الاشتراك في تلك المعاملات .
( 7 )
بيع السندات
السندات : صكوك تصدرها جهات مخولة قانونياً بقيمة إسمية معينة مؤجلة إلى مدة معلومة ، و تبيعها بالأقل منها ، مثلا يبيع السند الذي قيمته الاسمية مائة دينار بخمسة و تسعين ديناراً نقداً على أن يؤدي المائة بعد سنة مثلاً ، و قد تتولى البنوك عملية البيع ، و تأخذ على ذلك عمولة معينة .
مسألة (18) : هذه المعاملة يمكن أن تقع على نحوين :
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 439 ـ
1 ـ أن تقترض الجهة التي تصدر السند ممن يشتريه مبلغ خمسة و تسعين دينارا ـ في المثال المذكور ـ و تدفع إليه مائة دينار في نهاية المدة المحددة وفاء لدينه مع اعتبار الخمسة دنانير الزائدة على القرض ، و هذا رباً محرم .
2 ـ أن تبيع الجهة التي تصدر السند مائة دينار مؤجلة الدفع إلى سنة مثلاً بخمسة و تسعين ديناراً نقداً .
وهذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، و لكن صحته بيعاً محل إشكال كما سبق .
فالنتيجة أنه لا يمكن تصحيح بيع السندات المذكورة التي تتعامل بها الجهات الرسمية و غيرها .
مسألة (19) : لا يجوز للبنوك التوسط في بيع السندات و شرائها ، كما لا يجوز لها أخذ العمولة على ذلك .
( 8 )
الحوالات الداخلية و الخارجية
مسألة (20) : الحوالة في المصطلح الفقهي تقتضي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، و لكنها ـ هنا ـ تستعمل في الأعم من ذلك ، و فيما يلي نماذج للحوالات المصرفية :
الأول : أن يصدر البنك صكاً لعميله بتسلم المبلغ من وكيله في الداخل أو الخارج على حسابه إذا كان له رصيد مالي في البنك ، و عندئذ يأخذ البنك منه عمولة معينة إزاء قيامه بهذا الدور ، و الظاهر جواز أخذه هذه العمولة ، لأن للبنك حق الامتناع عن قبول وفاء دينه في غير مكان القرض فيجوز له أخذ
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 440 ـ
عمولة إزاء تنازله عن هذا الحق و قبول وفاء دينه في ذلك المكان .
الثاني : أن يصدر البنك صكاً لشخص يحق له بموجبه أن يتسلم مبلغاً معيناً من بنك آخر في الداخل أو الخارج بعنوان الاقتراض منه ، نظراً لعدم وجود رصيد مالي للشخص عنده ، و يأخذ البنك عمولة معينة إزاء قيامه بهذا العمل .
والظاهر أنه يجوز للبنك أخذ العمولة على إصداره صكاً من هذا القبيل إذا كان مرده إلى أخذ الجعل على توكيل البنك الثاني في إقراض حامل الصك المبلغ المذكور فيه من أموال البنك الأول الموجودة لديه ، فليس هو من قبيل أخذ الجعل على الإقراض نفسه ليكون حراماً ، بل من قبيل أخذ الجعل على التوكيل في الإقراض فلا يكون الإلزام بدفع الجعل مرتبطاً بعملية الإقراض نفسها ، بل بالتوكيل فيها ، فلا يكون به بأس حينئذ .
ثم أن المبلغ المذكور في الصك إذا كان من العملة الأجنبية فيحدث للبنك حق ، و هو أن المدين حيث اشتغلت ذمته بالعملة المذكورة فله إلزامه بالوفاء بنفس العملة ، فلو تنازل عن حقه هذا و قبل الوفاء بالعملة المحلية جاز له أخذ شيء منه إزاء هذا التنازل ، كما أن له تبديلها بالعملة المحلية مع تلك الزيادة .
الثالث : أن يدفع الشخص مبلغاً معيناً من المال إلى البنك في النجف الأشرف ـ مثلاً ـ و يأخذ تحويلاً بالمبلغ أو بما يعادله على بنك آخر في الداخل كبغداد،ـ أو الخارج كلبنان أو دمشق مثلاً ، و يأخذ البنك إزاء قيامه بعملية التحويل عمولة معينة منه .
وهذا يمكن أن يقع على نحوين :
أ ـ أن يبيع الشخص مبلغاً معيناً من العملة المحلية على البنك بمبلغ من العملة الأجنبية تعادل المبلغ الأول مع إضافة عمولة التحويل إليه .
وهذا لا بأس به كما سبق نظيره .
ب ـ أن يقوم الشخص بإقراض البنك مبلغاً معيناً و يشترط عليه تحويله
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 441 ـ
إلى بنك آخر في الداخل أو الخارج مع عمولة معينة بإزاء عملية التحويل .
وهذا لا بأس به أيضاً ، لأن التحويل و إن كان عملاً محترماً له مالية عند العقلاء ، فيكون اشتراط القيام به على المقترض من قبيل اشتراط النفع الملحوظ فيه المال المحرم شرعاً ، إلا أن المستفاد من النصوص الخاصة الدالة على جواز اشتراط المقرض على المقترض قيامه بأداء القرض في مكان آخر ، جواز اشتراط التحويل أيضا ، فإذا كان يجوز اشتراطه مجاناً و بلا مقابل ، فيجوز اشتراطه بإزاء عمولة معينة بطريق أولى .
الرابع : أن يقبض الشخص مبلغاً معيناً من البنك في النجف الأشرف مثلاً ، و يحول البنك لاستيفاء بدله على بنك آخر في الداخل أو الخارج ، و يأخذ البنك الأول إزاء قبوله الحوالة عمولة معينة منه .
وهذا يقع على نحوين :
أ ـ أن يبيع البنك على الشخص مبلغاً من العملة المحلية بمبلغ من العملة الأجنبية تعادل المبلغ الأول مع إضافة عمولة التحويل إليه ، فيحوله المشتري إلى البنك الثاني لاستلام الثمن .
وهذا جائز كما سبق .
ب ـ أن يقرضه البنك مبلغاً معيناً ، و يشترط عليه دفع عمولة معينة إزاء قبوله بنقل القرض إلى ذمة أخرى و تسديده في بلد آخر ، و هذا رباً ، لأنه من قبيل اشتراط دفع الزيادة في القرض و إن كانت بإزاء عملية التحويل .
نعم ، إذا وقع هذا من غير شرط مسبق بأن اقترض المبلغ من البنك أولاً ، ثم طلب منه تحويل قرضه إلى بنك آخر لاستيفائه منه ، فطلب البنك عمولة على قبوله ذلك جاز ، لأن من حق البنك الامتناع عن قبول ما ألزمه به المقترض من نقل القرض إلى ذمة أخرى و تسديده في بلد غير بلد القرض .
وليس هذا من قبيل ما يأخذه المقرض بإزاء إبقاء القرض و الإمهال فيه ليكون رباً ، بل هو مما يأخذه لكي يقبل بانتقال قرضه إلى ذمة أخرى و تسديده في
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 442 ـ
مكان آخر ، فلا بأس به حينئذ .
مسألة (21) : قد تنحل الحوالة إلى حوالتين ، كما إذا أحال المدين دائنه على البنك بإصدار صك لأمره ، و قام البنك بتحويل مبلغ الصك على فرع له في بلد الدائن ، أو على بنك آخر فيه يتسلمه الدائن هناك ، فإن مرد ذلك إلى حوالتين :
إحداهما : حوالة المدين دائنه على البنك ، و بذلك يصبح البنك مديناً لدائنه .
ثانيتهما : حوالة البنك دائنه على فرع له في بلد الدائن أو على بنك آخر فيه .
ودور البنك في الحوالة الأولى قبول الحوالة ، و في الثانية إصدارها ، و كلتا الحوالتين صحيحة شرعاً، و لكن إذا كانت حوالة البنك على فرع له يمثل نفس ذمته ، لا تكون هذه حوالة بالمصطلح الفقهي ، إذ ليس فيها نقل الدين من ذمة إلى أخرى ، و إنما مرجعها إلى طلب البنك من وكيله في مكان آخر وفاء دينه في ذلك المكان .
وعلى أي حال ، فيجوز للبنك أن يتقاضى عمولة على قيامه بما ذكر ، حتى بإزاء قبوله حوالة من له رصيد في البنك دائنه عليه ، لأنها من قبيل الحوالة على المدين .
والمختار : عدم نفوذها من دون قبول المحال عليه ، فله أخذ العمولة على ذلك .
مسألة (22) : ما تقدم من أقسام الحوالة و تخريجها الفقهي يجري بعينه في الحوالة على الأشخاص ، كي يدفع مبلغاً من المال لشخص ليحوله بنفس المبلغ أو بما يعادله على شخص آخر في بلده أو بلد آخر ، و يأخذ بإزاء ذلك عمولة معينة ، أو يأخذ من شخص و يحوله على شخص آخر و يأخذ المحول منه إزاء
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 443 ـ
ذلك عمولة معينة .
مسألة (23) : لا فرق فيما تقدم بين أن تكون الحوالة على المدين أو على البريء، والأول كما إذا كان للمحال عليه رصيد مالي ، والثاني ما لم يكن كذلك .
( 9 )
جوائز البنك
قد يقوم البنك بعملية القرعة بين عملائه، ويعطي لمن تصيبه القرعة مبلغا من المال بعنوان الجائزة ترغيباً للإيداع فيه .
مسألة (24) : هل يجوز للبنك القيام بهذه العملية ؟ فيه تفصيل :
فإنه إن كان قيامه بها لا باشتراط عملائه عند إيداعهم لأموالهم في البنك ، بل بقصد تشويقهم و ترغيبهم على تكثير رصيدهم لديه ، وترغيب الآخرين على فتح الحساب عنده جاز ذلك ، كما يجوز عندئذ لمن أصابته القرعة أن يقبض الجائزة ـ مع الاستئذان من الحاكم الشرعي على الأحوط ـ بعنوان مجهول المالك إذا كان البنك حكومياً أو مشتركاً ، ثم يتصرف فيها بعد مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحها ، و إذا كان أهليا جاز قبض الجائزة و التصرف فيها بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي .
وأما إذا كان قيام البنك بعملية القرعة و دفع الجائزة بعنوان الوفاء بالشرط الذي اشترطه عليه عملاؤه في ضمن عقد القرض أو نحوه ، فلا يجوز ذلك ، كما لا يجوز لمن أصابته القرعة أخذها بعنوان الوفاء بذلك الشرط ، و يجوز بدونه .
( 10 )
تحصيل الكمبيالات
من الخدمات التي يقوم بها البنك : تحصيل قيمة الكمبيالة لحساب عميله ، بأنه قبل تاريخ استحقاقها يخطر المدين ( موقع الكمبيالة ) و يشرح في إخطاره قيمتها و رقمها و تاريخ استحقاقها ليكون على علم و يتهيأ للدفع ، و بعد التحصيل يقيد القيمة في حساب العميل ، أو يدفعها إليه نقداً ، و يأخذ منه عمولة إزاء هذه الخدمة ، و من هذا القبيل قيام البنك بتحصيل قيمة الصك لحامله من بلده أو من بلد آخر ، كما إذا لم يرغب الحامل تسلم القيمة بنفسه من الجهة المحال عليها ، فيأخذ البنك منه عمولة ازاء قيامه بهذا العمل .
مسألة (25) : تحصيل قيمة الكمبيالات و أخذ العمولة على ذلك يقع على أنحاء :
1 ـ أن يقدم المستفيد كمبيالة إلى البنك غير محولة عليه و يطلب من البنك تحصيل قيمتها إزاء عمولة معينة .
والظاهر جواز هذه الخدمة و أخذ العمولة بإزائها ، و لكن بشرط أن يقتصر عمل البنك على تحصيل قيمة الكمبيالة فقط ، و أما تحصيل فوائدها الربوية فهو غير جائز ، و يمكن تخريج العمولة فقهياً بأنها جعالة من الدائن للبنك على تحصيل دينه .
2 ـ أن يقدم المستفيد كمبيالة إلى البنك محولة عليه ، و لكن لم يكن مديناً لموقعها ، أو كان مديناً له بعملة أخرى غير ما أحال بها عليه .
وحينئذ يجوز للبنك أخذ عمولة إزاء قبوله هذه الحوالة ـ بالشرط المتقدم في سابقه ـ لأن القبول غير واجب على البرئ و كذا على المدين بغير جنس الحوالة ، فحينئذ لا بأس بأخذ شيء مقابل التنازل عن حقه هذا .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 445 ـ
3 ـ أن يقدم المستفيد كمبيالة إلى البنك محولة عليه ممن لديه رصيد مالي لدى البنك ، و قد أشار فيها بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق ، ليقوم البنك بخصم قيمتها من حسابه الجاري و قيدها في حساب المستفيد ( الدائن ) أو دفعها له نقداً ، فمرد ذلك إلى أن الموقع أحال دائنه على البنك المدين له ، فيكون ذلك من قبيل الحوالة على المدين ، و المختار فيها ـ كما تقدم ـ اعتبار قبول المحال عليه ( و هو البنك هنا ) فلا تكون الحوالة نافذة من دون قبوله ، و عليه فيجوز له أخذ عمولة أزاء قيامه بقبول الحوالة و تسديد دينه .
( 11 )
بيع العملات الأجنبية و شراؤها
من أعمال البنوك : القيام بشراء العملات الأجنبية و بيعها ، لغرض توفير القدر الكافي منها لتأمين حاجات عملائها ، و لا سيما التجار المستوردين للبضائع من الخارج ، و للحصول على الربح منه نتيجة الفرق بين أسعار الشراء و البيع .
مسألة (26) : يصح بيع العملات الأجنبية و شراؤها بقيمتها السوقية و بالأقل و الأكثر ، بلا فرق في ذلك بين كون البيع أو الشراء حالاً أو مؤجلاً ، فإن البنك كما يقوم بعملية العقود الحالة يقوم بعملية العقود المؤجلة .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 446 ـ
مبلغ لا يزيد عن رصيده .
نعم ، قد يسمح البنك له بسحب مبلغ معين من دون رصيد نظراً لثقته به ، ويسمى ذلك بـ : (السحب على المكشوف ) و يحتسب البنك فائدة على هذا المبلغ .
مسألة (27) : السحب على المكشوف مرده إلى الاقتراض من البنك بشرط دفع الفائدة ، فهو قرض ربوي محرم ، و ما يتقاضاه البنك من الفوائد على المبالغ المسحوبة تعد من الفوائد الربوية المحرمة .
نعم ، إذا كان البنك حكومياً أو مشتركاً فلا بأس بالسحب منه ، لا بقصد الاقتراض ، بل بقصد الحصول على المال المجهول مالكه ، على نحو ما تقدم في المسألة الثانية .
( 13 )
خصم الكمبيالات
تمهيدات :
الأول : يمتاز البيع عن القرض في أن البيع تمليك عين بعوض لا مجاناً ، و القرض تمليك للمال بالضمان في الذمة بالمثل إذا كان مثلياً و بالقيمة إذا كان قيمياً (1).
(1) قد يقال : إنّ البيع والقرض يفترقان من جهة اخرى ، وهي اعتبار وجود فارق بين العوض والمعوض في البيع ، وبدونه لايتحقق البيع وعدم اعتبار ذلك في القرض ، ويترتب على ذلك انه لو باع مائة دينار بمائة وعشرة دنانير في الذمة فلا بد من وجود مائز بين العوضين كأن يكون احدهما دينارا عراقيا والثاني دينارا اردنيا ، واما لو كانا جميعا من الدينار العراقي مثلا ، من فئة وطبعة واحدة ، فهو قرض بصورة البيع ، لانطباق العوض على المعوض مع زيادة فيكون محرما لتحقق الربا فيه .
ولكن هذا غير واضح ، لانه يكفي في تحقق مفهوم البيع وجود التغايير بين العوضين في وعاء الإنشاء من حيث كون المعوض عينا شخصية والعوض كليا في الذمة ، مضافا إلى ان لازم هذا الرأي القول بصحة بيع عشرين كيلو من الحنطة نقدا بمثلها نسيئة بدعوى أنه قرض غير ربوي حقيقة وإن كان بصورة البيع ، مع إنه - كما يعترف هذا القائل - من بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة حكمية فيكون من الربا المحرّم.
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 447 ـ
كما يمتاز عنه في أن البيع الربوي باطل من أصله ، دون القرض الربوي، فإنه باطل بحسب الزيادة فقط ، و أما أصل القرض فهو صحيح .
ويمتاز عنه أيضاً في أن كل زيادة في القرض إذا اشترطت تكون رباً و محرمة دون البيع ، فإنه تحرم فيه الزيادة مطلقاً في المكيل و الموزون من العوضين المتحدين جنساً، و أما لو اختلفا في الجنس ، أو لم يكونا من المكيل و الموزون ، فإن كانت المعاملة نقدية ، فلا تكون الزيادة رباً ، و أما لو كانت المعاملة مؤجلة كما لو باع مائة بيضة بمائة و عشر إلى شهر ، أو باع عشرين كيلو من الأرز بأربعين كيلو من الحنطة إلى شهر ، ففي عدم كون ذلك من الربا إشكال ، فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه .
الثاني : الأوراق النقدية بما أنها من المعدود يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً و نسيئة ، و أما مع الاتحاد في الجنس فيجوز التفاضل في البيع بها نقداً ، و أما نسيئة فلا يخلو عن إشكال كما تقدم .
وعلى ذلك ، فيجوز للدائن عشرة دنانير عراقية مثلاً أن يبيع دينه بالأقل منها كتسعة دنانير نقداً ، كما يجوز له بيعه بالأقل منها من عملة أخرى كتسعة دنانير أردنية نقداً و نسيئة .
الثالث : الكمبيالات المتداولة بين التجار في الأسواق لم تعتبر لها مالية كالأوراق النقدية ، بل هي مجرد وثيقة لإثبات أن المبلغ الذي تتضمنه دين في ذمة موقعها لمن كتبت باسمه ، فالمعاملات الجارية عليها لا تجر على أنفسها ، بل على النقود التي تعبر عنها ، و أيضاً عندما يدفع المشتري كمبيالة للبائع لم يدفع
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 448 ـ
ثمن البضاعة ، و لذا لو ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع لم يتلف منه مال و لم تفرغ ذمة المشتري ، بخلاف ما إذا دفع له ورقة نقدية و تلفت عنده أو ضاعت .
مسألة (28) : الكمبيالات على نوعين :
أ ـ ما يعبر عن وجود قرض واقعي ، بأن يكون موقع الكمبيالة مديناً لمن كتبت باسمه بالمبلغ الذي تتضمنه .
ب ـ ما يعبر عن وجود قرض صوري لا واقع له .
أما في الأول : فيجوز للدائن أن يبيع دينه المؤجل الثابت في ذمة المدين بأقل منه حالاً ، كما لو كان دينه مائة دينار فباعه بثمانية و تسعين ديناراً نقداً.
نعم ، لا يجوز بيعه مؤجلا، لأنه من بيع الدين بالدين ، و بعد ذلك يقوم البنك أو غيره بمطالبة المدين ( موقع الكمبيالة ) بقيمتها عند الاستحقاق .
وأما في الثاني : فلا يجوز للدائن الصوري بيع ما تتضمنه الكمبيالة ، لانتفاء الدين واقعاً وعدم اشتغال ذمة الموقع للموقع له ( المستفيد ) بل إنما كتبت لتمكين المستفيد من خصمها فحسب و لذا سميت ( كمبيالة مجاملة ) .
ومع ذلك ، يمكن تصحيح خصمها بنحو ، آخر بإن يوكل موقع الكمبيالة المستفيد في بيع قيمتها في ذمته بأقل منها ، مراعياً الاختلاف بين العوضين في الجنس ، كأن تكون قيمتها خمسين ديناراً عراقياً و الثمن ألف تومان إيراني مثلاً ، و بعد هذه المعاملة تصبح ذمة موقع الكمبيالة مشغوله بخمسين ديناراً عراقياً لقاء ألف تومان إيراني ، و يوكل الموقع ايضاً المستفيد في بيع الثمن ـ و هو ألف تومان في ذمته ـ بما يعادل المثمن و هو خمسون ديناراً عراقياً ، و بذلك تصبح ذمة المستفيد مدينة للموقع بمبلغ يساوي ما كانت ذمة الموقع مدينة به للبنك .
ولكن هذا الطريق قليل الفائدة ، حيث أنه إنما يفيد فيما إذا كان الخصم
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 449 ـ
بعملة أجنبية، و أما إذا كان بعملة محلية فلا أثر له ، إذ لا يمكن تنزيله على البيع عندئذ على ما عرفت من الإشكال في بيع المعدود مع التفاضل نسيئة .
وأما خصم قيمة الكمبيالة الصورية لدى البنك على نحو القرض، بإن يقترض المستفيد من البنك مبلغاً أقل من قيمة الكمبيالة الاسمية ، ثم يحول البنك الدائن على موقعها بتمام قيمتها ، ليكون من الحوالة على البريء ، فهذا رباً محرم ، لأن اشتراط البنك في عملية الاقتراض ( الخصم ) اقتطاع شيء من قيمة الكمبيالة إنما هو من قبيل اشتراط الزيادة المحرم شرعاً و لو لم تكن الزيادة بإزاء المدة الباقية بل بإزاء قيام البنك ببعض الأعمال كتسجيل الدين و تحصيله و نحوهما ، لأنه لا يحق للمقرض أن يشترط على المقترض أي نحو من أنحاء النفع الملحوظ فيه المال .
هذا إذا كان البنك أهلياً ، و أما لو كان حكومياً أو مشتركاً فيمكن التخلص من ذلك بإن لا يقصد المستفيد في عملية الخصم لديه شيئاً من البيع و الاقتراض ، بل يقصد الحصول على المال المجهول مالكه فيقبضه مع الاستئذان من الحاكم الشرعي على الأحوط ، ثم يتصرف فيه بعد المراجعة إليه لإصلاحه ، فإذا رجع البنك في نهاية المدة إلى موقع الكمبيالة و ألزمه بدفع قيمتها ، جاز له الرجوع على المستفيد ببدل ما دفع إذا كان قد وقع الكمبيالة بأمر و طلب منه .
( 14 )
العمل لدى البنوك
تصنف أعمال البنوك صنفين :
أحدهما : محرم ، وهو الأعمال التي لها صلة بالمعاملات الربوية كالتوكيل
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 450 ـ
في إجرائها ، و تسجيلها ، و الشهادة عليها ، و قبض الزيادة لأخذها ، و نحو ذلك و مثلها الأعمال المرتبطة بمعاملات الشركات التي تتعامل بالربا أو تتاجر بالخمور ، كبيع أسهمها و فتح الاعتماد لها و ما يشبههما .
وهذه كلها محرمة لا يجوز الدخول فيها ، و لا يستحق العامل أجرة إزاء تلك الأعمال .
ثانيهما : سائغ ، و هي غير ما ذكر ، فيجوز الدخول فيها و أخذ الأجرة عليها .
مسألة (29) : إذا كان دافع الزيادة في المعاملة الربوية كافرا غير محترم المال ـ سواء كان هو البنك الأجنبي أو غيره ـ فقد تقدم أنه يجوز حينئذ أخذها للمسلم ، و على ذلك فيجوز الدخول في الأعمال التي ترتبط بإجراء مثل هذه العاملة الربوية في البنوك و خارجها .
مسألة (30) : الأموال الموجودة لدى البنوك الحكومية و المشتركة في البلاد الإسلامية لما كانت تعد من المال المجهول مالكه ، الذي لا يجوز التصرف فيه من غير مراجعة الحاكم الشرعي ، فيشكل حينئذ العمل لدى هذه البنوك في قبض الأموال و تسليمها إلى المتعاملين مع البنك ممن يتصرفون فيها من غير مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحها .
مسألة (31) : الجعالة و الإجارة و الحوالة و نحوها من المعاملات الجارية مع البنوك الحكومية في الدول الإسلامية تتوقف صحتها على إجازة الحاكم الشرعي ، فلا تصح من دون إجازته .