أقسام الصوم من الواجب المعين و الموسع و المندوب .
فلو أخبر عن الله ما يعتقد أنه صدق فتبين كذبه أو كان ناسياً لصومه فاستعمل المفطر أو دخل في جوفه شئ قهراً بدون اختياره لم يبطل صومه ، و لا فرق في البطلان مع العمد بين العالم و الجاهل ، نعم لا يبعد عدم البطلان في الجاهل القاصر غير المتردد بالإضافة إلى ما عدا الأكل و الشرب و الجماع من المفطرات ، وفي حكمه المعتمد في عدم مفطريتها على حجة شرعية .
مسألة (1005) : إذا أكره الصائم على الأكل أو الشرب أو الجماع فأفطر به بطل صومه ، وكذا إذا كان لتقية سواء كانت التقية في ترك الصوم ـ كما إذا أفطر في عيدهم تقية ـ أم كانت في أداء الصوم كالإفطار قبل الغروب ، فإنه يجب الإفطار حينئذ و لكن يجب القضاء ، و أما لو أكره على الإفطار بغير الثلاثة المتقدمة أو أتى به تقية ففي بطلان صومه إشكال ، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط بالإتمام و القضاء .
مسألة (1006) : إذا غلب على الصائم العطش و خاف الضرر من الصبر عليه ، أو كان حرجاً جاز أن يشرب بمقدار الضرورة ولا يزيد عليه على الأحوط ، و يفسد بذلك صومه ، ويجب عليه الإمساك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان على الأحوط، وأما في غيره من الواجب الموسع أو المعين فلا يجب .
الفصل الثالث :
كفارة الصوم
تجب الكفارة بتعمد الإفطار بالأكل أو الشرب أو الجماع أو الاستمناء أو البقاء على الجنابة في صوم شهر رمضان ، أو بأحد الأربعة الأول في قضائه بعد الزوال ، أو بخصوص الجماع في صوم الاعتكاف ، أو بشئ من
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 327 ـ
المفطرات المتقدمة في الصوم المنذور المعين ، و الظاهر اختصاص وجوب الكفارة بمن كان عالماً بكون ما يرتكبه مفطراً ، و أما الجاهل القاصر أو المقصر ـ غير المتردد ـ فلا كفارة عليه على الأظهر ، فلو استعمل مفطراً باعتقاد أنه لا يبطل الصوم لم تجب عليه الكفارة سواء اعتقد حرمته في نفسه أم لا على الأقوى ، فلو استمنى متعمداً عالماً بحرمته معتقداً ـ و لو لتقصير ـ عدم بطلان الصوم به فلا كفارة عليه ، نعم لا يعتبر في وجوب الكفارة العلم بوجوبها .
مسألة (1007) : كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيرة بين عتق رقبة ، و صوم شهرين متتابعين ، و إطعام ستين مسكيناً ، لكل مسكين مد . و كفارة إفطار قضاء شهر رمضان ـ بعد الزوال ـ إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين مد ، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام ، و كفارة إفطار الصوم المنذور المعين كفارة يمين ، و هي عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، لكل واحد مد ، أو كسوة عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات .
مسألة (1008) : تتكرر الكفارة بتكرر الموجب في يومين ، لا في يوم واحد حتى في الجماع والاستمناء ، فإنها لا تتكرر بتكررهما على الأظهر ، و من عجز عن الخصال الثلاث تصدق بما يطيق ، ومع التعذر يتعين عليه الاستغفار و لكن يلزم التكفير عند التمكن ، على الأحوط وجوباً .
مسألة (1009) : الأحوط الأولى في الإفطار على الحرام الجمع في التكفير بين الخصال الثلاث المتقدمة .
مسألة (1010) : إذا أكره زوجته على الجماع في صوم شهر رمضان فالأحوط وجوباً أن عليه كفارتين ، و يعزر بما يراه الحاكم الشرعي ، و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة ، ولا تلحق الزوجة بالزوج إذا أكرهت زوجها على ذلك .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 328 ـ
مسألة (1011) : إذا علم أنه أتى بما يوجب فساد الصوم ، و تردد بين ما يوجب القضاء فقط ، أو يوجب الكفارة معه لم تجب عليه ، و إذا علم أنه أفطر أياماً و لم يدر عددها اقتصر في الكفارة على القدر المعلوم ، و إذا شك في أن اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه و قد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفارة ، و إن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكيناً .
مسألة (1012) : إذا أفطر عمداً ثم سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفارة .
مسألة (1013) : إذا كان الزوج مفطراً لعذر فأكره زوجته الصائمة على الجماع لم يتحمل عنها الكفارة ، و إن كان آثماً بذلك ، و لا تجب الكفارة عليها .
مسألة (1014) : يجوز التبرع بالكفارة عن الميت صوماً كانت أو غيره ، و في جوازه عن الحي إشكال .
مسألة (1015) : وجوب الكفارة موسع ، و لكن لا يجوز التأخير إلى حد يعد توانياً وتسامحاً في أداء الواجب .
مسألة (1016) : مصرف كفارة الإطعام الفقراء إما بإشباعهم ، و إما بالتسليم إليهم ، كل واحد مد ، و الأحوط استحباباً مدان ، و يجزي مطلق الطعام من التمر و الحنط والدقيق والأرز و الماش و غيرها مما يسمى طعاماً، نعم الأحوط لزوماً في كفارة اليمين و ما بحكمها الاقتصار على الحنطة و دقيقها .
مسألة (1017) : لا يجزي في الكفارة إشباع شخص واحد مرتين أو أكثر ، أو إعطاؤه مدين أو أكثر ، بل لابد من ستين نفساً ، إلا مع تعذر استيفاء تمام العدد فيكفي حينئذ في وجه لا يخلو عن إشكال ، فلا يترك مراعاة مقتضى
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 329 ـ
الاحتياط إذا اتفق التمكن منه بعد ذلك .
مسألة (1018) : إذا كان للفقير عيال فقراء جاز إعطاؤه بعددهم إذا كان ولياً عليهم ، أو وكيلاً عنهم في القبض ، فإذا قبض شيئاً من ذلك كان ملكاً لهم ، و لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم إذا كانوا كباراً ، وإن كانوا صغاراً صرفه في مصالحهم كسائر أموالهم .
مسألة (1019) : زوجة الفقير إذا كان زوجها باذلاً لنفقتها على النحو المتعارف لا تكون فقيرة ، و لا يجوز إعطاؤها من الكفارة إلا إذا كانت محتاجة إلى نفقة غير لازمة للزوج من وفاء دين و نحوه .
مسألة (1020) : تبرأ ذمة المكفر بمجرد ملك المسكين ، و لا تتوقف البراءة على أكله الطعام ، فيجوز له بيعه عليه و على غيره .
مسألة (1021) : تحديد المد بالوزن لا يخلو عن إشكال ، و لكن يكفي في المقام احتساب المد ثلاثة أرباع الكيلو .
مسألة (1022) : في التكفير بنحو التمليك يعطى الصغير و الكبير سواء ، كل واحد مد .
مسألة (1023) : يجب القضاء دون الكفارة في موارد :
الأول : نوم الجنب حتى يصبح على تفصيل قد مر .
الثاني : إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية من دون استعمال المفطر .
الثالث : إذا نسي غسل الجنابة يوماً أو أكثر .
الرابع : من استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاته بنفسه و لا حجة على طلوعه ، أما إذا قامت حجة على طلوعه وجب القضاء و الكفارة ، و إذا كان مع المراعاة بنفسه فلا قضاء ، و لو مع الشك في بقاء الليل على الأظهر ، بلا فرق في ذلك بين جميع أقسام الصوم .
الخامس : الإفطار قبل دخول الليل باعتقاد دخوله ، حتى فيما إذا كان
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 330 ـ
ذلك من جهة الغيم في السماء على الأحوط ، بل الأحوط إن لم يكن أقوى وجوب الكفارة فيه أيضاً إذا لم يكن قاطعاً بدخوله .
مسألة (1024) : إذا شك في دخول الليل لم يجز له الإفطار ، و إذا أفطر أثم و كان عليه القضاء و الكفارة ، إلا أن يتبين أنه كان بعد دخول الليل ، و كذا الحكم إذا قامت حجة على عدم دخوله فأفطر ، أما إذا قامت حجة على دخول أو قطع بدخوله فأفطر فلا إثم و لا كفارة ، نعم يجب عليه القضاء إذا تبين عدم دخوله ، و إذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر ، وإذا تبين الخطأ بعد استعمال المفطر فقد تقدم حكمه .
السادس : إدخال الماء إلى الفم بمضمضة أو غيرها لغرض التبرد عن عطش ، فيسبق و يدخل الجوف ، فإنه يوجب القضاء دون الكفارة ، و إن نسي فابتلعه فلا قضاء ، و كذا في سائر موارد إدخال المائع في الفم أو الأنف و تعديه إلى الجوف بغير اختيار و إن كان الأحوط الأولى القضاء فيما إذا كان ذلك في الوضوء لصلاة النافلة بل مطلقاً إذا لم يكن لوضوء صلاة الفريضة .
مسألة (1025) : الظاهر عموم الحكم المذكور لرمضان و غيره .
السابع : سبق المني بفعل ما يثير الشهوة ـ غير المباشرة مع المرأة ـ إذا لم يكن قاصداً و لا من عادته فإنه يجب فيه القضاء دون الكفارة ، وأما سبقه بالمباشرة مع المرأة كاللمس والتقبيل فالظاهر ثبوت القضاء والكفارة فيه وان لم يكن قاصداً ولا من عادته.
هذا إذا كان يحتمل سبق المني احتمالاً معتداً به ، و أما إذا كان واثقاً من نفسه بعدم الخروج فسبقه اتفاقاً فالظاهر عدم وجوب القضاء ولا الكفارة عليه في الصورتين.
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 331 ـ الفصل الرابع :
شرائط صحة الصوم
وهي أمور :
1 ـ الإسلام ، فلا يصح الصوم من الكافر ، نعم إذا أسلم في نهار شهر رمضان و لم يأت بمفطر قبل إسلامه فالأحوط لزوماً أن يمسك بقية يومه بقصد ما في الذمة وأن يقضيه إن لم يفعل ذلك ، و أما الإيمان فالأظهر عدم اعتباره في الصحة ـ بمعنى سقوط التكليف ـ و إن كان معتبراً في استحقاق المثوبة .
2 ـ العقل و عدم الإغماء ، فلو جن أو أغمي عليه بحيث فاتت منه النية المعتبرة في الصوم و أفاق أثناء النهار لم يصح منه صوم ذلك اليوم ، نعم إذا كان مسبوقاً بالنية في الفرض المذكور فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه .
3 ـ الطهارة من الحيض و النفاس ، فلا يصح من الحائض و النفساء و لو كان الحيض أو النفاس في جزء من النهار .
4 ـ عدم الإصباح جنباً ، أو على حدث الحيض أو النفاس كما تقدم .
5 ـ أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة ، مع العلم بالحكم في الصوم الواجب ، إلا في ثلاثة مواضع :
أحدها : الثلاثة أيام و هي التي بعض العشرة التي تكون بدل هدي التمتع لمن عجز عنه .
ثانيها : صوم الثمانية عشر يوماً ، التي هي بدل البدنة كفارة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب .
ثالثها : صوم النافلة في وقت معين ، المنذور إيقاعه في السفر أو الأعم منه و من الحضر .
مسألة (1026) : الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر ، إلا ثلاثة
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 332 ـ
أيام للحاجة في المدينة ، و الأحوط لزوماً أن يكون ذلك في الأربعاء و الخميس و الجمعة.
نعم اذا وصل المسافر الى وطنه أو ما بحكمه قبيل الغروب ولم يستعمل مفطراً جاز له على الاظهر ان ينوي صيام ذلك اليوم ندباً .
مسألة (1027) : يصح الصوم من المسافر الجاهل بالحكم ، و إن علم في الأثناء بطل ، و لا يصح من الناسي .
مسألة (1028) : يصح الصوم من المسافر الذي حكمه التمام ، كناوي الإقامة و المسافر سفر معصية و نحوهما .
مسألة (1029) : لا يصح الصوم من المريض ، و منه الأرمد ، إذا كان يتضرر به لإيجابه شدته ، أو طول برئه ، أو شدة ألمه ، كل ذلك بالمقدار المعتد به الذي لم تجر العادة بتحمل مثله ، و لا فرق بين حصول اليقين بذلك و الظن و الاحتمال الموجب لصدق الخوف المستند إلى المناشئ العقلائية ، و كذا لا يصح من الصحيح إذا خاف حدوث المرض ، فضلاً عما إذا علم ذلك ، أما المريض الذي لا يتضرر من الصوم فيجب عليه و يصح منه .
مسألة (1030) : لا يكفي الضعف في جواز الإفطار و لو كان مفرطاً إلا أن يكون حرجاً فيجوز الإفطار ، و يجب القضاء بعد ذلك ، و كذا إذا أدى الضعف إلى العجز عن العمل اللازم للمعاش ، مع عدم التمكن من غيره ، أو كان العامل بحيث لا يتمكن من الاستمرار على الصوم لغلبة العطش و الأحوط لزوما فيهم الاقتصار في الأكل و الشرب على مقدار الضرورة و الإمساك عن الزائد .
مسألة (1031) : إذا صام لاعتقاد عدم الضرر فبان الخلاف ففي صحة صومه إشكال و إن كان الضرر بحد لا يحرم ارتكابه مع العلم به ، و إذا صام باعتقاد الضرر أو خوفه بطل ، إلا إذا كان قد تمشى منه قصد القربة ، فإنه لا يبعد الحكم بالصحة إذا بان عدم الضرر بعد ذلك .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 333 ـ
مسألة (1032) ـ قول الطبيب إذا كان يوجب الظن بالضرر أو احتماله الموجب لصدق الخوف جاز لأجله الإفطار ، و لا يجوز الإفطار بقوله في غير هذه الصورة ، و إذا قال الطبيب : لا ضرر في الصوم ؛ و كان المكلف خائفا جاز له الإفطار ، بل يجب إذا كان الضرر المتوهم بحد محرم ، و إلا فيجوز له الصوم رجاء و يجتزئ به لو بان عدم الضرر بعد ذلك .
مسألة (1033) : إذا برئ المريض قبل الزوال و لم يتناول المفطر فالأحوط لزوماً أن ينوي و يصوم و يقضي بعد ذلك .
مسألة (1034) : يصح الصوم من الصبي المميز كغيره من العبادات .
مسألة (1035) : لا يجوز التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان ، و إذا نسي او جهل أن عليه قضاءه فصام تطوعاً فذكر او علم بعد الفراغ ففي صحة صومه إشكال والصحة اظهر، و الظاهر جواز التطوع لمن عليه صوم واجب لكفارة أو قضاء أو إجارة أو نحوها ، كما أنه يجوز إيجار نفسه للصوم الواجب على غيره و إن كان عليه قضاء رمضان .
مسألة (1036) : يشترط في وجوب الصوم البلوغ و العقل و الحضر و عدم الإغماء و عدم المرض و الخلو من الحيض و النفاس .
مسألة (1037) : لو صام الصبي تطوعاً و بلغ في الأثناء ـ و لو قبل الزوال ـ لم يجب عليه الإتمام ، و إن كان هو الأحوط استحباباً ، و لو أفاق المجنون أو المغمى عليه أثناء النهار و كان مسبوقاً بالنية فالأحوط لزوماً أن يتم صومه و أن يقضيه إن لم يفعل ذلك .
مسألة (1038) : إذا سافر قبل الزوال وجب عليه الإفطار على الأحوط لزوماً خصوصاً إذا كان ناوياً للسفر من الليل ، و إن كان السفر بعده وجب إتمام الصيام على الأحوط لزوماً سيما إذا لم يكن ناوياً للسفر من الليل ، و إذا كان مسافراً فدخل بلده أو بلداً نوى فيه الإقامة ، فإن كان قبل الزوال و لم يتناول
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 334 ـ
المفطر وجب عليه الصيام ، و إن كان بعد الزوال ، أو تناول المفطر في السفر بقي على الإفطار ، نعم يستحب له الإمساك إلى الغروب .
مسألة (1039) : الظاهر أن المناط في الشروع في السفر قبل الزوال و بعده ، و كذا في الرجوع منه هو البلد لا حد الترخص ، نعم لا يجوز الإفطار للمسافر إلا بعد الوصول إلى حد الترخص فلو أفطر ـ قبله ـ عالماً بالحكم وجبت الكفارة .
مسألة (1040) : يجوز السفر في شهر رمضان ـ اختياراً ـ و لو للفرار من الصوم و لكنه مكروه ، إلا في حج أو عمرة ، أو غزو في سبيل الله ، أو مال يخاف تلفه ، أو إنسان يخاف هلاكه ، و إذا كان على المكلف صوم واجب معين فالأقوى عدم جواز السفر له إذا كان واجباً بإيجار و نحوه و كذا الثالث من أيام الاعتكاف و الأظهر جوازه فيما إذا كان واجباً بالنذر ، و في إلحاق اليمين و العهد به إشكال .
مسألة (1041) : يجوز للمسافر التملي من الطعام و الشراب ، و كذا الجماع في النهار على كراهة في الجميع ، و الأحوط ـ استحبابا ًـ الترك و لا سيما في الجماع .
الفصل الخامس :
ترخيص الإفطار
وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص : منهم الشيخ و الشيخة و ذو العطاش إذا تعذر عليهم الصوم ، و كذلك إذا كان حرجاً و مشقة و لكن يجب عليهم حينئذ الفدية عن كل يوم بمد من الطعام ، و الأفضل كونها من الحنطة ، بل كونها مدين ، بل هو أحوط استحبابا ، و الظاهر عدم وجوب القضاء على الشيخ و الشيخة إذا تمكنا من القضاء ، و الأحوط ـ الأولى ـ
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 335 ـ
لذي العطاش القضاء مع التمكن ، و منهم الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضر حملها ، و المرضعة القليلة اللبن إذا أضر بها الصوم أو أضر بالولد ، و عليهما القضاء بعد ذلك ، كما أن عليهما الفدية أيضاً ، و لا يجزئ الإشباع عن المد في الفدية من غير فرق بين مواردها .
مسألة (1042) : لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها ، و أن يكون لغيرها ، و الأحوط لزوماً الاقتصار على صورة انحصار الإرضاع بها بأن لم يكن هناك طريق آخر لإرضاع الطفل و لو بالتبعيض من دون مانع و إلا لم يجز لها الإفطار .
الفصل السادس :
ثبوت الهلال
يثبت الهلال بالعلم الحاصل من الرؤية أو التواتر ، أو غيرهما ، و بالاطمئنان الحاصل من الشياع أو غيره ، و بمضي ثلاثين يوماً من هلال شعبان فيثبت هلال شهر رمضان ، أو ثلاثين يوماً من شهر رمضان فيثبت هلال شوال و بشهادة عدلين ، و لا يثبت بشهادة النساء ، و لا بشهادة العدل الواحد و لو مع اليمين ، و لا بقول المنجمين ، و لا بغيبوبته بعد الشفق ليدل على أنه لليلة السابقة ، و لا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية ، و لا برؤيته قبل الزوال ، ليكون يوم الرؤية من الشهر اللاحق ، و لا بتطوق الهلال ، ليدل على أنه لليلة السابقة ، و في ثبوته بحكم الحاكم الذي لا يعلم خطأه و لا خطأ مستنده إشكال بل منع ، نعم إذا أفاد حكمه أو الثبوت عنده الاطمئنان بالرؤية في البلد أو فيما بحكمه اعتمد عليه .
مسألة (1043) : لا تختص حجية البينة بالقيام عند الحاكم ، بل كل من علم بشهادتها عول عليها ، و لكن يعتبر عدم العلم أو الاطمئنان باشتباهها
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 336 ـ
وعدم وجود معارض لشهادتها و لو حكماً كما إذا استهل جماعة كبيرة من أهل البلد فادعى الرؤية منهم عدلان فقط أو استهل جمع و لم يدع الرؤية إلا عدلان و لم يره الآخرون و فيهم عدلان يماثلانهما في معرفة مكان الهلال وحدة النظر مع فرض صفاء الجو وعدم وجود ما يحتمل أن يكون مانعاً عن رؤيتهما فإن في مثل ذلك لا عبرة بشهادة البينة .
مسألة (1044) : إذا رؤي الهلال في بلد كفى في الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الأفق بمعنى كون الرؤية الفعلية في البلد الأول ملازماً للرؤية في البلد الثاني لو لا المانع من سحاب أو غيم أو جبل أو نحو ذلك .
الفصل السابع :
أحكام قضاء شهر رمضان
مسألة (1045) : لا يجب قضاء ما فات زمان الصبا ، أو الجنون أو الإغماء أو الكفر الأصلي ، و يجب قضاء ما فات في غير ذلك من ارتداد ، أو حيض ، أو نفاس ، أو نوم ، أو سكر ، أو مرض ، و إذا رجع المخالف إلى مذهبنا يجب عليه قضاء ما فاته و أما ما أتى به على وفق مذهبه ، أو على وفق مذهبنا مع تمشي قصد القربة منه فلا يجب قضاؤه عليه .
مسألة (1046) : إذا شك في أداء الصوم في اليوم الماضي بنى على الأداء ، و إذا شك في عدد الفائت بنى على الأقل .
مسألة (1047) : لا يجب الفور في القضاء ، و إن كان الأحوط ـ استحباباً ـ عدم تأخير قضاء شهر رمضان عن رمضان الثاني ، و إن فاتته أيام من شهر واحد لا يجب عليه التعيين ، و لا الترتيب ، و إن عين لم يتعين إلا إذا كان له أثر ، و إذا كان عليه قضاء من رمضان سابق و من لاحق لم يجب التعيين و لا يجب الترتيب ، فيجوز قضاء اللاحق قبل السابق ، و يجوز العكس إلا أنه إذا
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 337 ـ
تضيق وقت اللاحق بمجئ رمضان الثالث فالأحوط قضاء اللاحق ، و إن نوى السابق حينئذ صح صومه ، و وجبت عليه الفدية .
مسألة (1048) : لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب كالكفارة و الإيجار فله تقديم أيهما شاء ، نعم لا يصح صوم نذر التطوع لمن عليه قضاء شهر رمضان على الأظهر .
مسألة (1049) : إذا فاتته أيام من شهر رمضان بمرض ، و مات قبل أن يبرأ لم تقض عنه ، و كذا إذا فات بحيض أو نفاس ماتت فيه أو بعد ما طهرت قبل مضي زمان يمكن القضاء فيه .
مسألة (1050) : إذا فاته شهر رمضان ، أو بعضه بمرض ، و استمر به المرض إلى رمضان الثاني سقط قضاؤه ، و تصدق عن كل يوم بمد و لا يجزئ القضاء عن التصدق ، أما إذا فاته بعذر غير المرض وجب القضاء و تجب الفدية أيضاً على الأحوط لزوماً ، و كذا إذا كان سبب الفوت المرض و كان العذر في التأخير السفر ، و كذا العكس .
مسألة (1051) : إذا فاته شهر رمضان ، أو بعضه لعذر و أخر القضاء إلى رمضان الثاني ، مع تمكنه منه ، عازماً على التأخير أو متسامحاً و متهاوناً لزمه القضاء الفدية معاً ، و هكذا إذا كان عازماً على القضاء ـ قبل مجئ رمضان الثاني ـ فاتفق طرو العذر . و لا فرق في ذلك بين المرض و غيره من الأعذار ، واذا فاته شهر رمضان او بعضه لا لعذر بل للتعمد في الترك ولم يقضه الى رضمان آخر لاي سبب كان وجب عليه القضاء وكذا الفدية على الاحوط، واذا كان فوته مع الافطار فيه عمداً وجبت عليه كفارة الافطار ايضاً.
مسألة (1052) : إذا استمر المرض ثلاثة رمضانات وجبت الفدية مرة للأول و مرة للثاني ، و هكذا إن استمر إلى أربعة رمضانات ، فتجب مرة ثالثة للثالث ، و هكذا و لا تتكرر الكفارة للشهر الواحد .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 338 ـ
مسألة (1053) : يجوز إعطاء فدية أيام عديدة من شهر واحد و من شهور إلى شخص واحد .
مسألة (1054) : لا تجب فدية الزوجة على زوجها ، و لا فدية العيال على المعيل ، و لا فدية واجب النفقة على المنفق .
مسألة (1055) : لا تجزئ القيمة في الفدية ، بل لابد من دفع العين و هو الطعام ، و كذا الحكم في الكفارات .
مسألة (1056) : يجوز الإفطار في الصوم المندوب إلى الغروب ، و لا يجوز في قضاء صوم شهر رمضان بعد الزوال إذا كان القضاء لنفسه ، بل تقدم أن عليه الكفارة ، أما قبل الزوال فيجوز إذا كان موسعاً ، و أما الواجب الموسع غير قضاء شهر رمضان فالظاهر جواز الإفطار فيه مطلقاً ، و إن كان الأحوط استحباباً ترك الإفطار بعد الزوال .
مسألة (1057) : لا يلحق القاضي عن غيره بالقاضي عن نفسه في الحرمة والكفارة وإن كان الأحوط ـ استحباباً ـ الإلحاق .
مسألة (1058) : يجب على الأحوط على ولي الميت ـ و هو الولد الذكر الأكبر ـ حال الموت أن يقضي ما فات أباه من الصوم لعذر إذا وجب عليه قضاؤه ، هذا إذا لم يكن قاصراً حين موته ـ لصغر أو جنون ـ و لم يكن ممنوعاً من إرثه لبعض أسبابه كالقتل و الكفر وإلا لم يجب عليه ذلك ، و في كفاية التصدق بدلاً عن القضاء بمد من الطعام عن كل يوم ـ و لو من تركة الميت فيما إذا رضيت الورثة بذلك ـ قول لا يخلو عن وجه ، و الأحوط ـ استحباباً ـ إلحاق الأكبر الذكر في جميع طبقات المواريث ـ على الترتيب في الإرث ـ بالابن ، كما إن الأحوط استحباباً إلحاق الأم بالأب ، وأما ما فات الميت عمداً أو أتى به فاسداً ففي إلحاقه بما فات عن عذر إشكال بل منع ، و إن فاته ما لا يجب عليه قضاؤه كما لو مات في مرضه لم يجب القضاء ، و قد تقدم
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 339 ـ
في كتاب الصلاة بعض المسائل المتعلقة بالمقام ، لأن المقامين من باب واحد .
مسألة (1059) : يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع و كفارة التخيير ، و يكفي في حصوله صوم الشهر الأول ، ويوم من الشهر الثاني متتابعاً ، و يجوز التفريق بعد ذلك على إشكال فيما إذا لم يكن لعارض يعد عذراً عرفاً فلا يترك معه الاحتياط .
مسألة (1060) : كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر لعذر اضطر إليه بنى على ما مضى عند ارتفاعه ، و إن كان العذر بفعل المكلف إذا كان مضطراً إليه ، أما إذا لم يكن عن اضطرار وجب الاستئناف ، و من العذر ما إذا نسي النية ، أو نسي فنوى صوماً آخر إلى أن فات وقتها ، و منه ما إذا نذر قبل تعلق الكفارة صوم كل خميس ، فإن تخلله في الأثناء لا يضر في التتابع بل يحسب من الكفارة أيضاً إذا تعلق النذر بصوم يوم الخميس على الإطلاق ، و لا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال .
مسألة (1061) : إذا نذر صوم شهرين متتابعين جرى عليه الحكم المذكور ، إلا أن يقصد تتابع جميع أيامها .
مسألة (1062) : إذا وجب عليه صوم متتابع لا يجوز له أن يشرع فيه في زمان يعلم أنه لا يسلم بتخلل عيد أو نحوه ، نعم إذا كان غافلاً أو جاهلاً مركباً قاصراً فلا بأس به ، أما إذا كان مقصراً أو شاكاً فالظاهر البطلان و قد يستثنى من ذلك مورد واحد و هو صوم الثلاثة بدل الهدي فيقال أن له أن يشرع فيه يوم التروية و يأتي بالثاني يوم عرفة و بالثالث بعد العيد بلا فصل ، أو بعد أيام التشريق لمن كان بمنى ، و لكن هذا الاستثناء محل إشكال ، و الأحوط لزوماً لمن فاته صوم جميعها قبل يوم العيد أن يأتي بها متتابعاً بعد ذلك .
مسألة (1063) : إذا نذر أن يصوم شهراً أو أياماً معدودة لم يجب التتابع ، إلا مع اشتراط التتابع ، أو الانصراف إليه على وجه يرجع إلى
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 340 ـ
التقييد .
مسألة (1064) : إذا فاته الصوم المنذور المشروط فيه التتابع فالأحوط الأولى التتابع في قضائه .
مسألة (1065) : الصوم من المستحبات المؤكدة ، و قد ورد أنه جنة من النار ، و زكاة الأبدان ، و به يدخل العبد الجنة ، و إن نوم الصائم عبادة و نفسه و صمته تسبيح ، و عمله متقبل ، ودعاءه مستجاب ، و خلوق فمه عند الله تعالى أطيب من رائحة المسك ، وتدعوا له الملائكة حتى يفطر ، و له فرحتان فرحة عند الإفطار ، و فرحة حين يلقى الله تعالى . و أفراده كثيرة و عد من المؤكد منه صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، والأفضل في كيفيتها أول خميس من الشهر ، و آخر خميس منه ، و أول أربعاء من العشر الأواسط ، و يوم الغدير ، فإنه يعدل ـ كما في بعض الروايات ـ مائة حجة و مائة عمرة مبرورات متقبلات ، و يوم مولد النبي ( صلى الله عليه و آله ) و يوم بعثه ، و يوم دحو الأرض ، و هو الخامس و العشرون من ذي القعدة ، و يوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء مع عدم الشك في الهلال و يوم المباهلة و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة و تمام رجب ، و تمام شعبان و بعض كل منهما على اختلاف الأبعاض في مراتب الفضل ، و يوم النوروز ، و أول يوم محرم و ثالثه و سابعه ، و كل خميس و كل جمعة إذا لم يصادفا عيداً .
مسألة (1066) : يكره الصوم في موارد : منها الصوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء ، و الصوم فيه مع الشك في الهلال ، بحيث يحتمل كونه عيد أضحى ، و صوم الضيف تطوعاً أو لواجب غير معين بدون إذن مضيفه ، و صوم الولد نافلة من غير إذن والده .
مسألة (1067) : يحرم صوم العيدين و أيام التشريق لمن كان بمنى ناسكاً كان أم لا ، ويوم الشك على أنه من شهر رمضان ، ونذر المعصية بأن
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 341 ـ
ينذر الصوم على تقدير فعل الحرام شكراً ، أما زجراً فلا بأس به ، و صوم الوصال . ولا بأس بتأخير الإفطار و لو إلى الليلة الثانية إذا لم يكن عن نية الصوم ، والأحوط استحباباً اجتنابه ، و الأحوط أن لا تصوم الزوجة تطوعاً أو لواجب غير معين بدون إذن الزوج و إن كان الأقوى جوازه إذا لم يمنع عن حقه و لا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه و إن لم يكن مزاحماً لحقه و الحمد لله رب العالمين .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 342 ـ الخاتمة :
في الاعتكاف
وهو اللبث في المسجد بقصد التعبد به و الأحوط استحباباً أن يضم إليه قصد فعل العبادة فيه من صلاة و دعاء و غيرهما ، و يصح في كل وقت يصح فيه الصوم ، و الأفضل شهر رمضان ، و أفضله العشر الأواخر .
مسألة (1068) : يشترط في صحته مضافاً إلى العقل و الإسلام ـ بتفصيل تقدم في الصوم ـ أمور :
الأول : نية القربة ، كما في غيره من العبادات ، والواجب إيقاعه من أوله إلى آخره عن النية ، و يقوى جواز الاكتفاء بتبييت النية ، مع قصد الشروع فيه في أول يوم ، و أما لو قصد الشروع فيه وقت النية في أول الليل فيكفي بلا إشكال .
مسألة (1069) : لا يجوز العدول من اعتكاف إلى آخر اتفقا في الوجوب و الندب أو اختلفا ، و لا من نيابة عن شخص إلى نيابة عن شخص آخر و لا من نيابة عن غيره إلى نفسه و بالعكس .
الثاني : الصوم ، فلا يصح بدونه فلو كان المكلف ممن لا يصح منه الصوم لسفر ، أو غيره لم يصح منه الاعتكاف .
الثالث : العدد ، فلا يصح أقل من ثلاثة أيام ، و يصح الأزيد منها و إن كان يوماً أو بعضه ، أو ليلة أو بعضها ، و تدخل فيه الليلتان المتوسطتان دون الأولى والرابعة ، وإن جاز إدخالهما بالنية ، فلو نذره كان أقل ما يمتثل به ثلاثة .
و لو نذره أقل لم ينعقد إذا اراد به الاعتكاف المعهود و إلا صح ، و لو نذره ثلاثة معينة ، فاتفق أن الثالث عيد لم ينعقد ، و لو نذر اعتكاف خمسة فإن
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 343 ـ
نواها بشرط لا من جهة الزيادة و النقصان بطل ، و إن نواها بشرط لا من جهة الزيادة ولا بشرط من جهة النقصان وجب عليه اعتكاف ثلاثة أيام ، وإن نواها بشرط لا من جهة النقيصة ، و لا بشرط من جهة الزيادة ضم إليها السادس أفرد اليومين أو ضمهما إلى الثلاثة .
الرابع : أن يكون في أحد المساجد الأربعة : المسجد الحرام ، و مسجد المدينة ، ومسجد الكوفة ، و مسجد البصرة ، ويجوز إيقاعه في المسجد الجامع في البلد أيضاً إلا إذا اختص بإمامته غير العادل فإنه لا يجوز حينئذ على الأحوط ، والأحوط استحباباً ـ مع الإمكان ـ الاقتصار على المساجد الأربعة .
مسألة (1070) : لو اعتكف في مسجد معين فاتفق مانع من البقاء فيه بطل ، و لم يجز اللبث في مسجد آخر ، و الأحوط لزوماً قضاؤه ـ إن كان واجباً ـ في مسجد آخر ، أو في ذلك المسجد بعد ارتفاع المانع .
مسألة (1071) : يدخل في المسجد سطحه و سردابه ، كبيت الطشت في مسجد الكوفة ، و كذا منبره و محرابه ، و الإضافات الملحقة به إذا جعلت جزءاً منه .
مسألة (1072) : إذا قصد الاعتكاف في مكان خاص من المسجد لغي قصده .
الخامس : إذن من يعتبر إذنه في جوازه ، كالوالدين بالنسبة إلى ولدهما إذا كان موجباً لإيذائهما شفقة عليه ، وكالزوج بالنسبة إلى زوجته إذا كان منافياً لحقه على إشكال فيما إذا لم يكن مكثها في المسجد بدون إذنه حراماً بنفسه .
السادس : استدامة اللبث في المسجد الذي شرع به فيه ، فإذا خرج لغير الأسباب المسوغة للخروج بطل ، من غير فرق بين العالم بالحكم
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 344 ـ
والجاهل ، ولا يبعد البطلان في الخروج نسياناً أيضاً ، بخلاف ما إذا خرج عن اضطرار أو إكراه أو لحاجة لابد له منها من بول أو غائط أو غسل جنابة ، أو استحاضة ، أو مس ميت و إن كان السبب باختياره . و يجوز الخروج للجنائز لتشييعها ، والصلاة عليها ، و دفنها ، وتغسيلها ، وتكفينها ، ولعيادة المريض ، أما تشييع المؤمن و إقامة الشهادة وتحملها و غير ذلك من الأمور الراجحة ففي جوازها إشكال ، و الأظهر الجواز فيما إذا عد من الضرورات عرفاً و الأحوط ـ لزوماً ـ مراعاة أقرب الطرق و لا تجوز زيادة المكث عن قدر الحاجة ، و أما التشاغل على وجه تنمحي به صورة الاعتكاف فهو مبطل و إن كان عن إكراه أو اضطرار ، ولا يجوز الجلوس تحت الظلال في الخارج بل الأحوط لزوماً ترك الجلوس فيه بعد قضاء الحاجة مطلقاً إلا مع الضرورة .
مسألة (1073) : إذا امكنه أن يغتسل في المسجد فالأحوط لزوماً عدم الخروج لأجله إذا كان الحدث لا يمنع من البقاء في المسجد كمس الميت ، و أما إذا كان يمنع منه ـ كالجنابة ـ فإن تمكن من الاغتسال في المسجد من غير مكث و لم يستلزم محرماً آخر كالتلويث و الهتك وجب على الأحوط ، و إلا لم يجز مطلقا و إن كان زمان الغسل أقل من زمان الخروج ، هذا في غير المسجدين و أما فيهما فإن لم يكن زمان الغسل أطول من زمان التيمم و كذا من زمان الخروج وجب الغسل في المسجد ما لم يستلزم محرما و إلا وجب الغسل خارجه . فصل
الاعتكاف في نفسه مندوب ، و يجب بالعارض من نذر و شبهه ، فإن كان واجباً معيناً فلا إشكال في وجوبه ـ قبل الشروع ـ فضلاً عما بعده ، و إن
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 345 ـ
كان واجباً مطلقاً أو مندوباً فالأقوى عدم وجوبه بالشروع ، و إن كان في الأول أحوط استحباباً ، نعم يجب بعد مضي يومين منه فيتعين اليوم الثالث ، إلا إذا اشترط حال النية الرجوع لعارض ، فاتفق حصوله بعد يومين ، فله الرجوع عنه ـ حينئذ ـ إن شاء ، و لا عبرة بالشرط إذا لم يكن مقارناً للنية ، سواء أ كان قبلها أم بعد الشروع فيه .
مسألة (1074) : يشكل جواز اشتراط الرجوع متى شاء و إن لم يكن عارض ، نعم يكفي في العارض العذر العرفي .
مسألة (1075) : إذا شرط الرجوع حال النية ، ثم بعد ذلك اسقط شرطه ، فالظاهر عدم سقوط حكمه .
مسألة (1076) : إذا نذر الاعتكاف ، و شرط في نذره الرجوع بأن كان المنذور ـ أي الاعتكاف ـ مشروطاً جاز له الرجوع ، و إن لم يشترطه حين الشروع فيه إذا أتى به وفاءً لنذره لأنه يكون من الاعتكاف المشروط به إجمالاً .
مسألة (1077) : إذا جلس في المسجد على فراش مغصوب لم يقدح ذلك في الاعتكاف ، و إن سبق شخص إلى مكان من المسجد فأزاله المعتكف من مكانه ، و جلس فيه ففي البطلان تأمل بل منع .
فصل :
في أحكام الاعتكاف
مسألة (1078) : لابد للمعتكف من ترك أمور :
منها : الجماع ، و الأحوط ـ وجوباً ـ إلحاق اللمس و التقبيل بشهوة به و أولى منهما بالاحتياط ما يصدق عليه المباشرة بما دون الفرج كالتفخيذ و نحوه ، و لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة .
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 346 ـ
ومنها : الاستمناء و إن كان على الوجه الحلال كالنظر إلى الزوجة ـ على الأحوط وجوباً ـ .
ومنها : شم الطيب مطلقاً و لو للشراء و شم الريحان مع التلذذ و لا مانع منه إذا كان بدونه .
ومنها : البيع و الشراء بل مطلق التجارة ، على الأحوط وجوباً ، و لا بأس بالاشتغال بالأمور الدنيوية من المباحات ، حتى الخياطة و النساجة و نحوهما ، و إن كان الأحوط ـ استحباباً ـ الاجتناب ، و إذا اضطر إلى البيع و الشراء ـ لا ما يلحقهما من مطلق التجارة ـ لأجل الأكل أو الشرب مما تمس حاجة المعتكف به و لم يمكن التوكيل أو ما بحكمه و لا النقل بغير ذلك فعله .
ومنها : المماراة في أمر ديني أو دنيوي بداعي إثبات الغلبة و إظهار الفضيلة ، لا بداعي إظهار الحق و رد الخصم عن الخطأ ، فإنه من أفضل العبادات ، و المدار على القصد .
مسألة (1079) : لا يجب على المعتكف الاجتناب عما يحرم على المحرم على الأقوى ، ولا سيما لبس المخيط و إزالة الشعر ، و أكل الصيد ، و عقد النكاح ، فإن جميعها جائز له .
مسألة (1080) : الظاهر أن المحرمات المذكورة مفسدة للاعتكاف من دون فرق بين وقوعها في الليل و النهار ، و في حرمتها تكليفاً إذا لم يكن واجبا معيناً و لو لأجل انقضاء يومين منه إشكال ، و إن كان أحوط وجوباً .
مسألة (1081) ـ إذا صدر منه أحد المحرمات المذكورة ـ سهواً ـ فالظاهر عدم بطلان اعتكافه حتى في الجماع على الأقرب .
مسألة (1082) ـ إذا أفسد اعتكافه بأحد المفسدات ، فإن كان واجباً معيناً وجب قضاؤه على الأحوط وجوباً و إن كان غير معين وجب استئنافه ، و كذا يجب القضاء ـ على الأحوط لزوماً ـ إذا كان مندوباً ، و كان الإفساد بعد
منهاج الصالحين الجزء الاول المعاملات ـ 347 ـ
يومين ، أما إذا كان قبلهما فلا شئ عليه ، و لا يجب الفور في القضاء و لكن لا يجوز تأخيره بحد يعد تهاوناً و توانياً في أداء الواجب .
مسألة (1083) : إذا باع أو اشترى في أيام الاعتكاف لم يبطل بيعه أو شراؤه ، و إن بطل اعتكافه .
مسألة (1084) : إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلاً وجبت الكفارة ، و يلحق به على الأحوط لزوماً الجماع المسبوق بالخروج المحرم و إن بطل اعتكافه به بشرط عدم رفع يده عنه ، و الأقوى عدم وجوب الكفارة بالإفساد بغير الجماع ، و إن كان أحوط استحباباً ، و كفارته ككفارة صوم شهر رمضان و إن كان الأحوط استحباباً أن تكون كفارته مثل كفارة الظهار ، و إذا كان الاعتكاف في شهر رمضان و أفسده بالجماع نهاراً وجبت كفارتان ، إحداهما لإفطار شهر رمضان و الأخرى لإفساد الاعتكاف ، و كذا إذا كان في قضاء شهر رمضان بعد الزوال ، و إن كان الاعتكاف المذكور منذوراً معيناً أو ما بحكمه وجبت كفارة ثالثة لمخالفة النذر ، و إذا كان الجماع لامرأته الصائمة في شهر رمضان و قد أكرهها وجبت كفارة رابعة عنها على الأحوط لزوماً .
و الحمد لله رب العالمين